الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:35 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن:ميلانيا ترامب فى القاهرة وإفريقيا تترقب!


الحثالة.. اتجهوا إلى الصين ولن يعودوا
بعد أن أثار ردود فعل غاضبة فى وقت سابق نتيجة وصفه لإفريقيا بـ«الحثالة»، عاد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بتصريح متناقض تماماً يصف فيه إفريقيا «بأجمل جزء فى العالم». وتعليقاً على إعلان زوجته ميلانيا القيام برحلتها لإفريقيا قال ترامب: «ستقوم برحلة كبيرة فى إفريقيا.. نحن الاثنين نحب إفريقيا، إنها جميلة جدا». وأضاف: «إفريقيا أجمل بقعة فى العالم».
هذا التصريح يناقض بشكل كبير الكلام الذى نُقل عن الرئيس الأمريكى خلال اجتماع حول الهجرة فى البيت الأبيض. ووفقاً لجريدة واشنطن بوست الأمريكية، قال ترامب فى اجتماعه أمام مجموعة من المحامين والقضاة: «لماذا يأتى إلينا أشخاص من هذه البلاد الحثالة؟». ووقتها أثارت هذه التصريحات جدلاً واسعاً وردود فعل من قادة مجموعة من الدول الإفريقية. ووصفوا ما قاله ترامب بـ«العنصرى والمغلوط وغير المسئول».
لم تكن هذه المرة الأولى التى يتكلم فيها ترامب بطريقة غير لائقة عن إفريقيا. ففى يونية الماضى قال معلقاً على موضوع المهاجرين القادمين من نيجيريا «بعد أن يرى هؤلاء الولايات المتحدة لن يفكروا مجدداً فى العودة إلى خيمهم». وبالإضافة إلى ذلك تأخر الرئيس الأمريكى لمدة عامين قبل أن يعين أمينا عاما للشئون الإفريقية منذ أسابيع، وارتكبت إدارته سلسلة من الأخطاء الدبلوماسية فى علاقاتها مع القارة الإفريقية مثل تجاهل رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى أثناء زيارته الفاشلة إلى واشنطن ومعاقبة رواندا لفرضها رسوماً جمركية على الملابس المستعملة من الولايات المتحدة. وعلى مستوى أعمق، فشلت الولايات المتحدة فى تحديد أى نوع من الأجندات طويلة المدى للمشاركة مع إفريقيا، تاركة قادة القارة يتساءلون عن مستقبل الشراكة بين الولايات المتحدة وإفريقيا.
وفق هذا السياق تأتى زيارة سيدة أمريكا الأولى، ميلانيا ترامب، إلى عدد من الدول الإفريقية هى مصر وغانا وملاوى وكينيا، فى أول رحلة دولية كبيرة لها، قالت فى بيان إنها من أجل الترويج لرعاية الطفولة والتعليم. وأضافت: «سيكون اليوم الأول من أكتوبر أول يوم فى زيارتى إلى 4 بلدان جميلة ومختلفة فى إفريقيا»، مؤكدة أن هذه الدول عملت جنباً إلى جنب مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فى إحداث تقدم فى مواجهة أكبر التحديات التى تواجهها.
ربما لا تكون الزيارة كافية، بعد أن دفعت السياسات الأمريكية العديد من دول القارة إلى اللجوء للصين، التى أصبحت بحلول سنة 2016 أكبر شريك تجارى لإفريقيا، ومصدر الاستثمار الأجنبى المباشر. فى أواخر يوليو الماضى، وخلال الجولة الأجنبية الأولى فى إطار فترة ولايته الثانية أكمل الرئيس الصينى شى جين بينج جولة متعددة للعديد من الدول فى موريشيوس ورواندا والسنغال وجنوب إفريقيا.
الاستثمار الصينى لفت انتباه الدول الأخرى إلى الإمكانيات المالية للقارة الإفريقية. كما أكمل رئيس الوزراء الهندى نارندرا مودى جولة فى إفريقيا فى أواخر يوليو، حيث زار رواندا وجنوب إفريقيا وأوغندا. وارتفع حجم التجارة الثنائية بين الهند والدول الإفريقية من 5.3 مليار دولار سنة 2001 إلى أكثر من 70 مليار دولار سنة 2013، أكثر من التجارة الهندية الثنائية مع الولايات المتحدة فى ذلك العام. كما أن نمو المؤسسات الإفريقية الإقليمية، وخاصة الاتحاد الإفريقى شجع مشاركة الأطراف الخارجية. فقد برز الاتحاد الإفريقى كمؤسسة سياسية نقدية وذات مصداقية.
كما أن الصين، التى كانت تتردد فى التواجد عسكريا خارج حدودها، لديها الآن أكثر من 2400 جندى لحفظ السلام يخدمون فى ست عمليات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة فى إفريقيا، اعترافا بحقيقة أن مشاريعها التجارية يمكن أن تزدهر فقط من خلال بيئة من الأمن. ومع انتشار الشراكات الدولية، بات هناك شعور عام بين النخب السياسية الإفريقية بأن الولايات المتحدة تفتقر إلى سياسة متماسكة تجاه إفريقيا، وأنها تتخلى عن موقفها كشريك مفضل للدول والمنظمات الأخرى خاصة الصين والاتحاد الأوروبى. كما أن المكاسب التى سيحققها شركاء آخرون مثل الصين والاتحاد الأوروبى ستقيد فى النهاية الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة لتشكيل التطورات القادمة فى القارة بطريقة تدعم مصالحها الخاصة وكذلك أولويات البلدان الإفريقية. يجب على الولايات المتحدة أن تتصرف بسرعة واستراتيجية لتعديل سياساتها تجاه قارة متغيرة، وإلا فإنها ستخسر كثيراًً.
هناك دور واضح ومؤثر تلعبه القوات الخاصة الأمريكية لمكافحة الإرهاب فى إفريقيا، فتلك القوات تقوم بالتخطيط والمشاركة فى الغارات بالعديد من الدول الإفريقية مثل الصومال وكينيا وتونس والنيجر وفقا لمجموعة من البرامج السرية. وفى تصريحات عامة، قال متحدثون عسكريون إن الدور الأمريكى فى إفريقيا يقتصر على تقديم النصح والمساعدة للجيوش الأخرى. لكن التواجد العسكرى الأمريكى فى إفريقيا لا يقتصر على وجود قوات أمريكية لمكافحة الإرهاب بجانب الجيوش المحلية، حيث تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية العديد من القواعد العسكرية فى حوالى 18 دولة إفريقية من بينها قواعد مخصصة للطائرات بدون طيار يمكنها تنفيذ مهمات استطلاع تجسسية وغارات جوية.
الدور الذى تقوم به القوات الخاصة الأمريكية يساعد فى تفسير الأحداث المعقدة التى أدت إلى مقتل أربعة من جنود القوات الخاصة الأمريكية فى هجوم على كمين قرية تونجو تونجو بالنيجر فى أكتوبر الماضى، والذى أعلن تنظيم داعش فى الصحراء الكبرى مسئوليته عنه. ولم يكشف هذا الهجوم عن مدى الوجود العسكرى الأمريكى فى النيجر فقط، بل كشف أيضاً عن تزايد الوجود العسكرى الأمريكى بالمنطقة. كما أظهر أنه على الرغم من الجهود الإقليمية لمواجهة التطرف والإرهاب، لا تزال الهجمات الإرهابية مستمرة.
فى ظل إدارتى أوباما وترامب، اعتمد الجيش على شركاء محليين للقيام بعمليات عسكرية ضد الإرهابيين، وذلك من أجل تجنب الخسائر التى لحقت بالولايات المتحدة فى العراق وأفغانستان. وفى الخريف الماضى قام البنتاجون بشرح طبيعة مهام القوات الخاصة الأمريكية فى إفريقيا، والذى لم يسمع عنه الكثير من الأمريكيين. وبعد مرور أكثر من ثمانية أشهر، كشف تحقيق القيادة الإفريقية عن مزيد من التفاصيل حول دور الوحدة الثانية، المعروفة باسم «Team Arlit» والمتمركزة فى النيجر. لكن البنتاجون ما زال يرفض الاعتراف بطبيعة المهام الكاملة للبعثة التى كانت تقوم بها.
بعد أسبوعين من الهجوم على كمين تونجو تونجو، سُئِل مدير هيئة موظفى البنتاجون المشتركة الجنرال كينيث ماكينزى فى مؤتمر صحفى عما إذا كانت عناصر القوات الخاصة الأمريكية قد شاركت فى مهام «مباشرة» لمكافحة الإرهاب إلى جانب القوات الإفريقية، فقال إن المستشارين الأمريكيين فى القارة لم يشاركوا بشكل مباشر فى العمليات القتالية». لكن هذا التصريح لم يكن صحيحاً. فقد شارك «Team Arlit» القوات النيجيرية فى غارات متعددة الفرق، بشكل مباشر. وعلى الرغم من أن القادة يحاولون إبقاء القوات الأمريكية خارج دائرة القتال إن أمكن ذلك، إلا أن المهمات توضح الطبيعة الغامضة لمن يساعد من فى إفريقيا، كما تقول «أليس فريند» المسئول السابق فى وزارة الدفاع الأمريكية والتى أشرفت على سياسة مكافحة الإرهاب فى شمال غرب إفريقيا.
التمويل السنوى لتلك البرامج تضاعف أربع مرات منذ إنشائها وهناك بعض الدول الإفريقية ترحب بالوجود العسكرى للولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الإرهاب والبعض الآخر لا يرحب بدورها نظرا لاعتقاد مواطنيها بأن الولايات المتحدة تستخدمهم كدمى. ومثل هذه النزاعات الموجودة فى القارة لا يمكن تجنبها فى بعض الأحيان. وطبقا لما قاله مايكل هوزا، السفير الأمريكى السابق فى الكاميرون، فإن الأمر يختلف من بلد لآخر، حيث تقوم القوات الخاصة الأمريكية بمساعدة القوات فى مطاردة مسئولى التفجير الانتحارى ببوكو حرام. وقد احتفظ رئيس الكاميرون بالحق فى الموافقة على كل مهمة، كما قال هوزا لبوليتيكيو «لأنه لم يكن يريد أى خسائر أمريكية فى بلاده». بينما قال ستيفن شوارتز السفير الأمريكى السابق فى مقديشيو إنه تم تنفيذ جميع الأنشطة العسكرية الأمريكية فى الصومال بدعم كامل من الحكومة الصومالية خلال فترة عمله.
مهما كان الأمر فإن الدول المضيفة تحقق منافع تكتيكية، وقد توافق الحكومات الإفريقية على استضافة البرامج لأنها تجعل وحداتها أكثر فاعلية وتسمح لها بالاستفادة من الموارد الأمريكية، كما أنها طريقة سهلة لخلق روابط أمنية أوثق مع الولايات المتحدة والحصول على المزيد من الدعم الأمريكى فى بعض الحالات. وبالتالى يمكننا استنتاج أن التحديات التى تواجه السياسة الخارجية الأمريكية فى إفريقيا أكثر عمقا من أن تحلها زيارة ميلانيا، نظراً لحجم اقتصادها وأهميتها الدبلوماسية وقدراتها الأمنية. وهو ما يعنى أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على البقاء كشريك مهم فى إفريقيا إلا إذا غيرت مسارها، وقامت بإجراء حوار منظم مع الاتحاد الإفريقى حول جدول أعمال عام 2063. وبعد ذلك يجب على ترامب أن يرسل وزير الخارجية مايك بومبيو ومساعد وزير الخارجية لإفريقيا تيبور ناجى إلى القارة قبل نهاية 2018 لتعزيز العلاقات الإقليمية والثنائية. قبل أن تفقد الولايات المتحدة نفوذها السياسى فى إفريقيا، سواء على المستوى الثنائى أو المتعدد الأطراف.