جحيم البابا.. لماذا ينتحر الرهبان المعارضون للبطريرك؟
= "عضمة زرقا" تنشر قائمة بالمطرودين من دير أبو مقار وتتهم النظام الرهباني الحديث بالتورط في حوادث الرهبان
= متي المسكين استقل بـ"أبو مقار" وأحدث فجوة بين رهبانه والكنيسة.. و"شنودة" خطط للسيطرة على الدير إدارياً وفكرياً
=كمال زاخر: الحوادث الأخيرة جرس إنذار.. وعلي البابا استكمال ثورة الإصلاح
=كريم كمال: نقل الرهبان يصدّر مشاكلهم إلي الأديرة الأخرى
------------------------------------------------------------
حالة من الغموض والارتباك يعيشها الشارع القبطي مع توالي الأحداث المؤلمة التي شهدتها الكنيسة الأرثوذكسية خلال الفترة الماضية، والتي بدأت بكارثة مقتل الأنبا أبيفانيوس رئيس دير أبو مقار واتهام اثنين من الرهبان بقتله، مروراً بمحاولة انتحار فاشلة لأحدهما، وأخيراً ما أثير حول وفاة الراهب زينون المقاري "أب اعتراف" المتهم الثاني في ظروف غامضة بدير المحرق بأسيوط، وأحد الرهبان الستة الذين نُقلوا مؤخراً من دير أبو مقار خلال ثورة إصلاح الرهبنة التي يقودها البابا تواضروس الثاني .
الموجز ترصد في السطور التالية اللحظات الأخيرة في حياة الراهب زينون، وتبعات زلزال دفعة2010 الذي يواجهه البابا تواضروس داخل الكنيسة.
عزلة تامة
كان فريق من النيابة العامة قد استدعى منذ حادث وفاة القس زينون المقاري، راهب الدير المحرق بالقوصية، أكثر من 20 راهبًا وقسًا وخادماً من العاملين والمقيمين بالدير؛ لسؤالهم وسماع أقوالهم حول تفاصيل تعاملات وحياة القس زينون المقاري في الساعات الأخيرة.
واستمعت النيابة العامة بالقوصية لأقوال 7 من الرهبان والقساوسة المقيمين بالدير، والذين أكدوا في أقوالهم أن القس زينون منذ نقله من دير أبو مقار يعيش في عزلة تامة، ولا يتحدث مع أحد.. مشيرين إلى أنهم لا يعلمون شيئًا عن حياة القس سوى تواجده بالصلاة وسط الرهبان والشعب.
وعاين فريق من النيابة العامة بأسيوط، الحجرة التي كان يمكث بداخلها الراهب، وعثرت بداخلها على متعلقات من بينها "لاب توب"، وعدد من "الهارد وير"، وعدد من "الهواتف المحمولة"، وحقيبة بداخلها مبالغ مالية تقارب الـ20 ألف جنيه، وبعض الأدوية التي تم ضبطها، وأمر فريق النيابة العامة، بتحريزها وضمها لأوراق القضية.
واستمع فريق النيابة لشهادة الأنبا بيجول، أسقف ورئيس الدير المحرق بالقوصية، والذي كشف أن القس تم نقله إلى الدير بعد واقعة مقتل الأنبا إبيفانوس رئيس دير أنبا أبو مقار بوادي النطرون، مؤكدًا أنه كان يتمتع بعلاقة طيبة برهبان الدير، وكان يعامل بأحسن معاملة، ولم يشتك من شيء منذ قدومه إلى الدير.
وحول الساعات الأخيرة من حياة الراهب قال الأنبا بيجول، إن حياته كانت طبيعية داخل الدير، قائلاً "إننا في الساعات الأولى من صباح الأربعاء الماضي، سمعنا صراخ وصوت عالي من داخل قلاية الراهب، مما دفع الرهبان إلى الهرولة ليجدوا القس يعاني من آلام شديدة بالبطن، تم نقله على إثرها إلى مستشفى سانت ماريا، التابعة للدير بمدينة أسيوط؛ ليلفظ أنفاسه الأخيرة بالطريق".
وعلى الجانب الآخر طالبت النيابة العامة، من مصلحة الطب الشرعي، سرعة إرسال التقرير النهائي لمعرفة أسباب وفاة الراهب للوقوف على إذا ما كانت ناتجة عن "انتحار" أم لا، كما طلبت تحريات المباحث حول الواقعة وتفريغ الكاميرات.
يذكر أن الراهب المتوفي من مواليد عام 1975، هو أب اعتراف الراهب أشعياء المقاري "وائل سعد" المجرّد، والمتهم بقتل أسقف ورئيس دير أبو مقار الأنبا أبيفانيوس
وتعد واقعة وفاة الراهب زينون والتي صُورت في البداية علي أنها "انتحار" نظراً لملابسات الوفاة الغامضة هي الحالة الثانية بين رهبان دير أبو مقار الذين واجهوا ثورة الإصلاح خلال الفترة الماضية حيث سبق ذلك محاولة فلتاؤس المقاري الفاشلة للانتحار عقب مقتل الأنبا ابيفانيوس رئيس الدير الراهب عندما قام بقطع شرايينه، وتم إنقاذه بالعيادة الطبية بالدير، ولكنه غافل مرافقه وصعد أعلى العيادة وألقى بنفسه من فوقها وتم نقله إلي المستشفي وإنقاذه.
من جانبه قال المحامي ميشيل حليم، محامى فلتاؤس المقاري، المتهم الثانى في قضية مقتل رئيس دير أبومقار، إنه طلب، منذ أيام، في أولى جلسات محاكمة المتهمين، سماع شهادة الراهب زينون المقاري، الذى كان أحد شهود الإثبات في القضية، وأدان في أقواله المتهم الأول أشعياء والثاني فلتاؤوس، خصوصاً أن "زينون" كان راهب الاعتراف لأشعياء المتهم الأول، وبالفعل صرحت المحكمة بسماع الشاهد وأجلت القضية لإعلانهم بالحضور.
قضية ملتبسة
وقال كمال زاخر المفكر القبطي إن قضية مقتل الأنبا ابيفانيوس "ملتبسة" وما جري للقس زينون جزء من هذا الالتباس؛ لأن هناك اختلافاً في ظروف ونشأة وتكوين دير أبو مقار، مضيفاً "رب ضارة نافعة، ما جري سيدفع البابا لاستكمال عمله الإصلاحي وإصدار قرارات إصلاحية مهمة خلال الفترة المقبلة".. وتوقع أن تكون هذه القرارات صادمة للبعض، فقد تتعلق بإدارة شئون الكنيسة لاسيما أن مثل هذه الحوادث تمثل جرس إنذار.
كما رجّح "زاخر" أن يعود دير أبو مقار بعد فترة لعمله اللاهوتي والبحثي كدير مهتم فقط بإحياء الحياة الرهبانية، وأن يسترد مساره التقليدي كدير بحثي، منوهاً إلي أن الأحداث داخل الكنيسة تشير إلي أن البابا عازم علي الاستمرار في الإصلاح.
وفي السياق ذاته قال الكاتب والباحث كريم كمال رئيس الاتحاد العام لـ"أقباط من أجل الوطن" إن الأحداث الصادمة التي شهدتها الكنيسة منذ مقتل الأنبا ابيفانيوس رئيس واتهام اثنين من الرهبان بقتله ونقل آخرين ووفاة أحدهما في ظروف غامضة يستدعي من الكنيسة توخي الحذر في أي قرار تصدره.. معرباً عن خشيته أن تكون وفاة الراهب بأزمة قلبية حدثت نتيجة إحساسه بالظلم لترك ديره.
وأضاف أن حل أزمة رهبان أبو مقار ليس بنقلهم إلي أديرة أخري؛ لأنه لو افترضنا أن بعضهم يثير المشاكل أو كانت له أخطاء هناك فهل من المنطق أن نصدّر تلك المشاكل إلي الأديرة الأخرى المستقرة؟.. واقترح كمال تشكيل لجنه لإدارة الدير تضم عدداً من رؤساء الأديرة لفترة زمنية محددة يكون هدفها إجراء مراجعة فكرية وعقيدية ونفسية لرهبان الدير.
وتابع: يخطئ من يظن أن أزمات الدير بدأت عقب رسامة الراحل البابا شنودة الثالث لدفعة 2010 من الرهبان لأن الأزمات الحقيقية عمرها أكثر من خمسين عاماً حينما هرب عدد كبير من الرهبان في حياة الراحل القمص متي المسكين من الدير لسوء الحياة الرهبنة داخل الدير ومنهم من أصبح أساقفة بعد ذلك مشهود لهم بالكفاءة مثل الراحل نيافة الأنبا مكاري أسقف سيناء والذي توفي في حادث سيارة، ويشهد الجميع علي قداسته حيث ترك الدير ولجأ إلي دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون حتي أصبح أسقفاً.. مشيراً إلى أنه يوجد العديد من الحالات المشابهة ما زالت تعيش بيننا وأيضاً يوجد حالات تركت الرهبنة بشكل عام وكل ذلك حدث قبل وفاة القمص متي المسكين وخلال إدارته للدير.
وأشار إلى أن مشكلة الدير لا تتمثل في جيل أو دفعة معينة، وإنما الأزمة الحقيقية للدير متأصلة في أجيال متعاقبة وعلاجها يحتاج إلي وقت وحكمة وعدد من الآباء الروحانيين المشهود لهم بالكفاءة لعلاج كل المشاكل، مؤكداً أن قرارات لجنة الرهبنة وحدها لن تنهي الأزمة.
غموض وتعتيم
من جانب آخر نشرت صفحة "عضمة زرقا" عبر صفحتها الرسمية علي "فيس بوك" قائمة تضم نحو 82 راهباً تركوا دير أبو مقار منذ دخول الأب متي المسكين إليه في 1969 وحتى اليوم وذلك ما بين مطرودين وبين تاركين الدير لخلافهم مع المسكين وأفكاره.
وأشارت الصفحة إلي أن الأحداث المؤلمة التي شهدتها الكنيسة خلال الفترة الماضية تعد نتيجة مباشرة لنظام رهباني حديث يدعي القدم محاولاً أن يأخذ مكان الرهبنة القبطية القديمة التي استمرت لنحو 1700 عام وأثبتت نجاحها في الحياة الروحية ولم تصدر عنها مشاكل أو سلبيات مثلما يحدث الآن –علي حد تعبيرهم -.
وأضافت أن هذا النظام الرهباني الحديث يتخذ من الغموض والتعتيم علي كل ما يحدث بداخله سلاحاً قوياً لإخفاء الحقائق وتزيف الواقع.
استقلال الدير
وتعود أزمة رهبان دير أبو مقار بجذورها للخلاف التاريخي الذي نشب بين البابا شنودة والأب متي المسكين الذي كان يفرض سطوته الإدارية والفكرية عليه، ما تسبب في وجود فجوة بين رهبان هذا الدير وبين الكنيسة، وبالتالي وقع هذا الدير في عزلة، وواجه البابا شنودة هذا الأمر وقتها بتهديد كل من يفكر في دخول هذا الدير بالحرمان كما وصف رهبان أبو مقار بـ"المضطربين نفسيًّا" وتم حظر مطبوعات الدير وخاصة مؤلفات متي المسكين.
وبناء على هذه الأحداث استمر استقلال الدير حتى رحيل الأب الروحي متى المسكين في عام 2006، وما قبل هذا التاريخ حتى عام 2009 لم يزر البابا الراحل الدير مطلقًا.
بعد موت "المسكين" خطط البابا شنودة لضم الدير إداريًّا إلى الكنيسة، فأعلن أنه المسئول المباشر عن الدير وعن الرهبان، وذلك بعد أن أعلن الأنبا ميخائيل رئيس الدير السابق ومطران أسيوط استقالته السبت 21 مارس 2009 من رئاسة الدير، بعد مضى 65 عامًا على خدمته كرئيس للدير منذ عام 1944.
وبعد أن تمكن البابا شنودة إداريًّا من الدير، اتجه لتنفيذ خطة السيطرة فكريًّا، والتخلص من فكر متى المسكين، الذي توغل وتربى عليه الرهبان هناك، وكان إيمانهم به مسلماً، وهى الخطة الأصعب، نظرًا لقيمة وقامة القمص الراحل.
وعلي الرغم أن الخلاف بين متى المسكين والبابا شنودة كان فكرياً، وبرز ذلك من خلال تراشقهم عبر صفحات الجرائد، والمؤلفات، إلا أن الاحترام ظل متبادلاً بين الطرفين، فلا يمكن إنكار أن الاثنين كانت لهما مكانتهما في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
وفي سياق خطة البابا شنودة بحث بين الأديرة الثلاثة (بيشوي، السرياني، البرموس)، عن طلبة رهبنة يتمتعون بمواصفات خاصة، ويمتلكون الحجة التي تمكنهم من المبارزة فكريًّا، ويؤمنون بفكر البطريرك، الأرثوذكسي الصميم، بناء على ترشيحات رؤساء الأديرة الثلاثة.
بعد وضع أسماء المرشحين من قبل رؤساء الأديرة، وقف طالبوا الرهبنة أمام البطريرك، وكانوا بمثابة كتيبة لغزو دير الأنبا مقار، وتفتيت فكر القمص متى المسكين، وبناء عليه أوصاهم، وأدخلهم الدير لمدة 6 أشهر، بعدها تم رسامتهم رهبانا بالدير لنشر أفكاره ومواجهة تعاليم المسكين.
دفعة 2010
عُرفت هذه الدفعة من رهبان دير أبو مقار بدفعة 2010، كما أطلق عليها دفعة الأنبا ميخائيل، رئيس الدير آنذاك، وكان عددهم 10 رهبان، وحملت في جعبتها مسئولية تطهير الدير من تعاليم "المسكين" التي كان البطريرك مختلفاً معها.
وتنتمي دفعة الأنبا ميخائيل من رهبان دير أبو مقار لمدرسة البابا شنودة الفكرية، ووقتها قرر البابا إلباس رهبان الدير القلنسوة الرهبانية المشقوقة التي كان يرتديها كل رهبان الكنيسة القبطية، عدا تلاميذ متى المسكين من رهبان دير أبو مقار، في محاولة لتمييز رهبانه عن بقية رهبان الدير وإعلان انتهاء استقلاليته.
وبرز اسم دفعة 2010، بعد حادث محاولة انتحار الراهب فلتاؤس المقاري، بقطع شرايين يديه وإلقاء نفسه من أعلى عيادة دير أبو مقار بالطابق الرابع قفزًا من أعلى مبنى بالدير، حيث إنه أحد أفراد هذه الدفعة المثيرة للجدل.
والواضح أن الأزمة ليست في الدفعة، لكن في ارتباط اسم الراهب فلتاؤس المقاري، بحادث مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار، وهو ما فتح الصراع القديم بين البابا شنودة ومتى المسكين وأتباعهما، والتي وصلت لحد منع وضع صور البطريرك على إصدارات الدير، كما أن الأخير كان يشجع ويحفز ترك الدير، وكان يحفظ أسماء الذين هربوا من الدير.
= متي المسكين استقل بـ"أبو مقار" وأحدث فجوة بين رهبانه والكنيسة.. و"شنودة" خطط للسيطرة على الدير إدارياً وفكرياً
=كمال زاخر: الحوادث الأخيرة جرس إنذار.. وعلي البابا استكمال ثورة الإصلاح
=كريم كمال: نقل الرهبان يصدّر مشاكلهم إلي الأديرة الأخرى
------------------------------------------------------------
حالة من الغموض والارتباك يعيشها الشارع القبطي مع توالي الأحداث المؤلمة التي شهدتها الكنيسة الأرثوذكسية خلال الفترة الماضية، والتي بدأت بكارثة مقتل الأنبا أبيفانيوس رئيس دير أبو مقار واتهام اثنين من الرهبان بقتله، مروراً بمحاولة انتحار فاشلة لأحدهما، وأخيراً ما أثير حول وفاة الراهب زينون المقاري "أب اعتراف" المتهم الثاني في ظروف غامضة بدير المحرق بأسيوط، وأحد الرهبان الستة الذين نُقلوا مؤخراً من دير أبو مقار خلال ثورة إصلاح الرهبنة التي يقودها البابا تواضروس الثاني .
الموجز ترصد في السطور التالية اللحظات الأخيرة في حياة الراهب زينون، وتبعات زلزال دفعة2010 الذي يواجهه البابا تواضروس داخل الكنيسة.
عزلة تامة
كان فريق من النيابة العامة قد استدعى منذ حادث وفاة القس زينون المقاري، راهب الدير المحرق بالقوصية، أكثر من 20 راهبًا وقسًا وخادماً من العاملين والمقيمين بالدير؛ لسؤالهم وسماع أقوالهم حول تفاصيل تعاملات وحياة القس زينون المقاري في الساعات الأخيرة.
واستمعت النيابة العامة بالقوصية لأقوال 7 من الرهبان والقساوسة المقيمين بالدير، والذين أكدوا في أقوالهم أن القس زينون منذ نقله من دير أبو مقار يعيش في عزلة تامة، ولا يتحدث مع أحد.. مشيرين إلى أنهم لا يعلمون شيئًا عن حياة القس سوى تواجده بالصلاة وسط الرهبان والشعب.
وعاين فريق من النيابة العامة بأسيوط، الحجرة التي كان يمكث بداخلها الراهب، وعثرت بداخلها على متعلقات من بينها "لاب توب"، وعدد من "الهارد وير"، وعدد من "الهواتف المحمولة"، وحقيبة بداخلها مبالغ مالية تقارب الـ20 ألف جنيه، وبعض الأدوية التي تم ضبطها، وأمر فريق النيابة العامة، بتحريزها وضمها لأوراق القضية.
واستمع فريق النيابة لشهادة الأنبا بيجول، أسقف ورئيس الدير المحرق بالقوصية، والذي كشف أن القس تم نقله إلى الدير بعد واقعة مقتل الأنبا إبيفانوس رئيس دير أنبا أبو مقار بوادي النطرون، مؤكدًا أنه كان يتمتع بعلاقة طيبة برهبان الدير، وكان يعامل بأحسن معاملة، ولم يشتك من شيء منذ قدومه إلى الدير.
وحول الساعات الأخيرة من حياة الراهب قال الأنبا بيجول، إن حياته كانت طبيعية داخل الدير، قائلاً "إننا في الساعات الأولى من صباح الأربعاء الماضي، سمعنا صراخ وصوت عالي من داخل قلاية الراهب، مما دفع الرهبان إلى الهرولة ليجدوا القس يعاني من آلام شديدة بالبطن، تم نقله على إثرها إلى مستشفى سانت ماريا، التابعة للدير بمدينة أسيوط؛ ليلفظ أنفاسه الأخيرة بالطريق".
وعلى الجانب الآخر طالبت النيابة العامة، من مصلحة الطب الشرعي، سرعة إرسال التقرير النهائي لمعرفة أسباب وفاة الراهب للوقوف على إذا ما كانت ناتجة عن "انتحار" أم لا، كما طلبت تحريات المباحث حول الواقعة وتفريغ الكاميرات.
يذكر أن الراهب المتوفي من مواليد عام 1975، هو أب اعتراف الراهب أشعياء المقاري "وائل سعد" المجرّد، والمتهم بقتل أسقف ورئيس دير أبو مقار الأنبا أبيفانيوس
وتعد واقعة وفاة الراهب زينون والتي صُورت في البداية علي أنها "انتحار" نظراً لملابسات الوفاة الغامضة هي الحالة الثانية بين رهبان دير أبو مقار الذين واجهوا ثورة الإصلاح خلال الفترة الماضية حيث سبق ذلك محاولة فلتاؤس المقاري الفاشلة للانتحار عقب مقتل الأنبا ابيفانيوس رئيس الدير الراهب عندما قام بقطع شرايينه، وتم إنقاذه بالعيادة الطبية بالدير، ولكنه غافل مرافقه وصعد أعلى العيادة وألقى بنفسه من فوقها وتم نقله إلي المستشفي وإنقاذه.
من جانبه قال المحامي ميشيل حليم، محامى فلتاؤس المقاري، المتهم الثانى في قضية مقتل رئيس دير أبومقار، إنه طلب، منذ أيام، في أولى جلسات محاكمة المتهمين، سماع شهادة الراهب زينون المقاري، الذى كان أحد شهود الإثبات في القضية، وأدان في أقواله المتهم الأول أشعياء والثاني فلتاؤوس، خصوصاً أن "زينون" كان راهب الاعتراف لأشعياء المتهم الأول، وبالفعل صرحت المحكمة بسماع الشاهد وأجلت القضية لإعلانهم بالحضور.
قضية ملتبسة
وقال كمال زاخر المفكر القبطي إن قضية مقتل الأنبا ابيفانيوس "ملتبسة" وما جري للقس زينون جزء من هذا الالتباس؛ لأن هناك اختلافاً في ظروف ونشأة وتكوين دير أبو مقار، مضيفاً "رب ضارة نافعة، ما جري سيدفع البابا لاستكمال عمله الإصلاحي وإصدار قرارات إصلاحية مهمة خلال الفترة المقبلة".. وتوقع أن تكون هذه القرارات صادمة للبعض، فقد تتعلق بإدارة شئون الكنيسة لاسيما أن مثل هذه الحوادث تمثل جرس إنذار.
كما رجّح "زاخر" أن يعود دير أبو مقار بعد فترة لعمله اللاهوتي والبحثي كدير مهتم فقط بإحياء الحياة الرهبانية، وأن يسترد مساره التقليدي كدير بحثي، منوهاً إلي أن الأحداث داخل الكنيسة تشير إلي أن البابا عازم علي الاستمرار في الإصلاح.
وفي السياق ذاته قال الكاتب والباحث كريم كمال رئيس الاتحاد العام لـ"أقباط من أجل الوطن" إن الأحداث الصادمة التي شهدتها الكنيسة منذ مقتل الأنبا ابيفانيوس رئيس واتهام اثنين من الرهبان بقتله ونقل آخرين ووفاة أحدهما في ظروف غامضة يستدعي من الكنيسة توخي الحذر في أي قرار تصدره.. معرباً عن خشيته أن تكون وفاة الراهب بأزمة قلبية حدثت نتيجة إحساسه بالظلم لترك ديره.
وأضاف أن حل أزمة رهبان أبو مقار ليس بنقلهم إلي أديرة أخري؛ لأنه لو افترضنا أن بعضهم يثير المشاكل أو كانت له أخطاء هناك فهل من المنطق أن نصدّر تلك المشاكل إلي الأديرة الأخرى المستقرة؟.. واقترح كمال تشكيل لجنه لإدارة الدير تضم عدداً من رؤساء الأديرة لفترة زمنية محددة يكون هدفها إجراء مراجعة فكرية وعقيدية ونفسية لرهبان الدير.
وتابع: يخطئ من يظن أن أزمات الدير بدأت عقب رسامة الراحل البابا شنودة الثالث لدفعة 2010 من الرهبان لأن الأزمات الحقيقية عمرها أكثر من خمسين عاماً حينما هرب عدد كبير من الرهبان في حياة الراحل القمص متي المسكين من الدير لسوء الحياة الرهبنة داخل الدير ومنهم من أصبح أساقفة بعد ذلك مشهود لهم بالكفاءة مثل الراحل نيافة الأنبا مكاري أسقف سيناء والذي توفي في حادث سيارة، ويشهد الجميع علي قداسته حيث ترك الدير ولجأ إلي دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون حتي أصبح أسقفاً.. مشيراً إلى أنه يوجد العديد من الحالات المشابهة ما زالت تعيش بيننا وأيضاً يوجد حالات تركت الرهبنة بشكل عام وكل ذلك حدث قبل وفاة القمص متي المسكين وخلال إدارته للدير.
وأشار إلى أن مشكلة الدير لا تتمثل في جيل أو دفعة معينة، وإنما الأزمة الحقيقية للدير متأصلة في أجيال متعاقبة وعلاجها يحتاج إلي وقت وحكمة وعدد من الآباء الروحانيين المشهود لهم بالكفاءة لعلاج كل المشاكل، مؤكداً أن قرارات لجنة الرهبنة وحدها لن تنهي الأزمة.
غموض وتعتيم
من جانب آخر نشرت صفحة "عضمة زرقا" عبر صفحتها الرسمية علي "فيس بوك" قائمة تضم نحو 82 راهباً تركوا دير أبو مقار منذ دخول الأب متي المسكين إليه في 1969 وحتى اليوم وذلك ما بين مطرودين وبين تاركين الدير لخلافهم مع المسكين وأفكاره.
وأشارت الصفحة إلي أن الأحداث المؤلمة التي شهدتها الكنيسة خلال الفترة الماضية تعد نتيجة مباشرة لنظام رهباني حديث يدعي القدم محاولاً أن يأخذ مكان الرهبنة القبطية القديمة التي استمرت لنحو 1700 عام وأثبتت نجاحها في الحياة الروحية ولم تصدر عنها مشاكل أو سلبيات مثلما يحدث الآن –علي حد تعبيرهم -.
وأضافت أن هذا النظام الرهباني الحديث يتخذ من الغموض والتعتيم علي كل ما يحدث بداخله سلاحاً قوياً لإخفاء الحقائق وتزيف الواقع.
استقلال الدير
وتعود أزمة رهبان دير أبو مقار بجذورها للخلاف التاريخي الذي نشب بين البابا شنودة والأب متي المسكين الذي كان يفرض سطوته الإدارية والفكرية عليه، ما تسبب في وجود فجوة بين رهبان هذا الدير وبين الكنيسة، وبالتالي وقع هذا الدير في عزلة، وواجه البابا شنودة هذا الأمر وقتها بتهديد كل من يفكر في دخول هذا الدير بالحرمان كما وصف رهبان أبو مقار بـ"المضطربين نفسيًّا" وتم حظر مطبوعات الدير وخاصة مؤلفات متي المسكين.
وبناء على هذه الأحداث استمر استقلال الدير حتى رحيل الأب الروحي متى المسكين في عام 2006، وما قبل هذا التاريخ حتى عام 2009 لم يزر البابا الراحل الدير مطلقًا.
بعد موت "المسكين" خطط البابا شنودة لضم الدير إداريًّا إلى الكنيسة، فأعلن أنه المسئول المباشر عن الدير وعن الرهبان، وذلك بعد أن أعلن الأنبا ميخائيل رئيس الدير السابق ومطران أسيوط استقالته السبت 21 مارس 2009 من رئاسة الدير، بعد مضى 65 عامًا على خدمته كرئيس للدير منذ عام 1944.
وبعد أن تمكن البابا شنودة إداريًّا من الدير، اتجه لتنفيذ خطة السيطرة فكريًّا، والتخلص من فكر متى المسكين، الذي توغل وتربى عليه الرهبان هناك، وكان إيمانهم به مسلماً، وهى الخطة الأصعب، نظرًا لقيمة وقامة القمص الراحل.
وعلي الرغم أن الخلاف بين متى المسكين والبابا شنودة كان فكرياً، وبرز ذلك من خلال تراشقهم عبر صفحات الجرائد، والمؤلفات، إلا أن الاحترام ظل متبادلاً بين الطرفين، فلا يمكن إنكار أن الاثنين كانت لهما مكانتهما في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
وفي سياق خطة البابا شنودة بحث بين الأديرة الثلاثة (بيشوي، السرياني، البرموس)، عن طلبة رهبنة يتمتعون بمواصفات خاصة، ويمتلكون الحجة التي تمكنهم من المبارزة فكريًّا، ويؤمنون بفكر البطريرك، الأرثوذكسي الصميم، بناء على ترشيحات رؤساء الأديرة الثلاثة.
بعد وضع أسماء المرشحين من قبل رؤساء الأديرة، وقف طالبوا الرهبنة أمام البطريرك، وكانوا بمثابة كتيبة لغزو دير الأنبا مقار، وتفتيت فكر القمص متى المسكين، وبناء عليه أوصاهم، وأدخلهم الدير لمدة 6 أشهر، بعدها تم رسامتهم رهبانا بالدير لنشر أفكاره ومواجهة تعاليم المسكين.
دفعة 2010
عُرفت هذه الدفعة من رهبان دير أبو مقار بدفعة 2010، كما أطلق عليها دفعة الأنبا ميخائيل، رئيس الدير آنذاك، وكان عددهم 10 رهبان، وحملت في جعبتها مسئولية تطهير الدير من تعاليم "المسكين" التي كان البطريرك مختلفاً معها.
وتنتمي دفعة الأنبا ميخائيل من رهبان دير أبو مقار لمدرسة البابا شنودة الفكرية، ووقتها قرر البابا إلباس رهبان الدير القلنسوة الرهبانية المشقوقة التي كان يرتديها كل رهبان الكنيسة القبطية، عدا تلاميذ متى المسكين من رهبان دير أبو مقار، في محاولة لتمييز رهبانه عن بقية رهبان الدير وإعلان انتهاء استقلاليته.
وبرز اسم دفعة 2010، بعد حادث محاولة انتحار الراهب فلتاؤس المقاري، بقطع شرايين يديه وإلقاء نفسه من أعلى عيادة دير أبو مقار بالطابق الرابع قفزًا من أعلى مبنى بالدير، حيث إنه أحد أفراد هذه الدفعة المثيرة للجدل.
والواضح أن الأزمة ليست في الدفعة، لكن في ارتباط اسم الراهب فلتاؤس المقاري، بحادث مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار، وهو ما فتح الصراع القديم بين البابا شنودة ومتى المسكين وأتباعهما، والتي وصلت لحد منع وضع صور البطريرك على إصدارات الدير، كما أن الأخير كان يشجع ويحفز ترك الدير، وكان يحفظ أسماء الذين هربوا من الدير.