الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:44 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن:أردوغان.. يواصل الحرب القذرة ضد مصر


احتجزت بارجة تركية 5 صيادين، من بينهم 4 مصريين، قبالة الساحل الشمالى لجزيرة قبرص، فيما تحاول السلطات المحلية والأمم المتحدة ضمان إطلاق سراحهم. ونقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن الناطق باسم الحكومة القبرصية، برودروموس برودرومو، قوله إن السلطات احتجت على توقيف الصيادين لدى قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى قبرص. وأفاد الناطق باسم الأمم المتحدة، عليم صديقى، بأن المنظمة الدولية تحاول «تسوية هذا الوضع، وهو وضع مؤسف».
المسئولون القبارصة قاموا بتقديم طلب رسمى لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام فى قبرصUNFICYP، للاحتجاج على احتجاز سفينة الصيد القبرصية والمطالبة بالمساعدة فى الإفراج الفورى عن البحارة المحتجزين،. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القبرصية، دميتريس صامويل، بأن مالك زورق الصيد الذى يحمل علم قبرص أبلغ السلطات بأن البارجة التركية اقتربت من زورقه على بعد 32 كيلومترا من الساحل الشمالى الغربى للجزيرة مساء الجمعة. وأوقفت البارجة التركية الصيادين، وهم قبرصى يونانى و4 مصريين، وتم جر الزورق إلى ميناء فى الجزء الشمالى من قبرص والواقع تحت السيطرة التركية.
كان غياب دور مصر عن منطقة البحر المتوسط بسبب انشغالها بقضايا الداخل والأزمات العربية، أعطى لتركيا مساحة التفرد والهيمنة على هذه المنطقة. ومعروف بالطبع أن تركيا واحدة من الدول صاحبة المشاريع عابرة الحدود فى المنطقة؛ ولذلك راهنت بقوة وما زالت على الإخوان المسلمين بعد أحداث الربيع العربى، ودعمتهم لركوب ثورات المنطقة؛ بهدف إيجاد حكومات تحقق المصالح التركية فى المنطقة العربية، وكادت تنجح بمساعدة تنظيم الإخوان فى تحويل مصر المطلة على مياه المتوسط إلى منطقة حرة تركية؛ حيث عبور البضائع التركية إلى الأسواق الإفريقية، وتسهيل العبور من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر، والاستفادة من القوى البشرية والإمكانات المصرية فى توفير الصناعات الإنشائية والأولوية التى تحتاجها الدول النامية داخل إفريقيا.
لذلك، كان خروج تركيا من المحيط المصرى صدمة كبيرة فى خريطة مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهو ما دفع بكل دول الشر إلى محاولاتها البائسة لمحاصرة الدولة المصرية وتهديد أمنها القومى فى ليبيا والسودان وفلسطين ومنطقة المتوسط بالشراكة مع حلفاء إقليميين. وعبر كل التنظيمات الإرهابية ابتداء من «الإخوان» وحتى «داعش»، وكلها مصنوعة فى معامل المخابرات الدولية الكبرى.. وهى تشبه القنابل الفيروسية أو الأسلحة البيولوجية التى اخترعتها القوى الكبرى فى معاملها وما زالت هذه القوى الكبرى تستخدم التنظيمات الإرهابية فى تنفيذ أجنداتها السياسية والمخابراتية. وما من شك فى أن فكرة الفوضى الخلاقة لا تعنى سوى استخدام التنظيمات الإرهابية فى إعادة رسم خريطة ما يسمى الشرق الأوسط الكبير.
بالتزامن، أظهرت بيانات من معهد الإحصاء التركى، الخميس، تراجع مؤشر ثقة المستهلك إلى 59.3 نقطة فى سبتمبر، ليسجل أدنى مستوى له فى ثلاث سنوات، فيما رصدت البيانات حالة الفقر ومستوى ديون الأفراد بالبلاد. ويشير مستوى الثقة الحالى إلى نظرة تشاؤمية، وينبغى أن يتجاوز المؤشر مستوى المائة نقطة، لكى ينبئ بنظرة متفائلة. كما كشفت تقارير هيئة الإحصاء ارتفاع نسبة الأتراك الأعلى دخلاً فى عام 2017 لتصل إلى 47.4٪ بزيادة 0.2٪ عن السنة السابقة، مشيرة إلى وجود 14٪ من الأتراك يعانون من الفقر، و28.8٪ يعانون فقراً شديداً. ولفت التقرير إلى أن 69.2٪ من الشعب التركى لديه ديون أو مدفوعات تقسيط، فضلا عن مصروفات المنزل وشراء الوحدات السكنية، وأن 60.8٪ لا يستطيعون توفير مصروفات قضاء عطلة أسبوعية بعيداً عن المنزل، و13.4٪ من المواطنين تعتبر مصروفات المنزل عبئاً كبيراً عليهم. وكانت بيانات اقتصادية كشفت عن تراجع مبيعات المنازل التركية بـ12.5٪ على أساس سنوى فى أغسطس إلى 105 آلاف و154 وحدة فى حين تراجعت مبيعات المنازل الممولة بالرهن العقارى بواقع الثلثين.
تأتى هذه الأرقام المقلقة وسط توقعات متزايدة بتباطؤ اقتصادى حاد فى النصف الثانى من العام، وفق ما نقلت الأسوشيتد برس. ويعد الانخفاض نقطة تحول عن يوليو حين زاد إجمالى مبيعات المنازل 6.9٪ بالمقارنة مع الفترة نفسها قبل عام وهو أول انخفاض للمبيعات منذ أبريل. وتباطأ نمو الاقتصاد التركى إلى 5.2٪ على أساس سنوى فى الربع الثانى من العام ومن المتوقع أن تتزايد وتيرة التباطؤ فى الجزء المتبقى من العام.
ورغم الوضع الاقتصادى الحرج الذى تمر به تركيا، فإن وزير المالية براءت ألبيرق، لم يأبه بخطورة الموقف وتأخر نحو نصف ساعة عن الموعد المقرر لإعلان خطة متوسطة المدى للاقتصاد، الخميس الماضى، التى اعتبرها مراقبون «عقيمة». وركزت تقارير صحفية تركية على تأخر ظهور ألبيرق عن مؤتمره لمدة 30 دقيقة، لكن أيا منها لم يذكر السبب فى ذلك. وفى اعتراف بقتامة المشهد فى تركيا، توقع صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، أن تشهد البلاد فى الأعوام المقبلة مزيداً من التراجع فى النمو والزيادة فى التضخم. وقال الوزير، الذى كان يعرض خطته فى أسطنبول، إن نمو إجمالى الناتج الداخلى فى تركيا سيكون بنسبة 3.8٪ للعام الجارى و2.3٪ عام 2019، فى تراجع كبير بالنسبة لعام 2017، الذى شهد نمواً بنسبة 7.4٪. وفى المقابل، أفاد الوزير أن التضخم سيزداد بشكل كبير ليبلغ 20.8٪ فى 2018، وهو مستوى غير مسبوق منذ وصول أردوغان إلى السلطة، ويتعارض مع خطة مكافحة التضخم التى أكدت عليها الحكومة.
برر الوزير التراجع الاقتصادى الذى شهدته تركيا بعد وصولها للذروة فى مايو 2013، باحتجاجات «جيزى بارك» فى العام ذاته، ثم بمحاولة الانقلاب عام 2016. وبحسب ألبيراق، فقد جرى تحديد معدلات البطالة المستهدفة فى البرنامج الاقتصادى الجديد بـ11.3٪ للعام الجارى، و12.1٪ 2019، و11.9٪ 2020، و10.8٪ فى 2021. لكن مع تدخل أردوغان الشخصى فى السياسة النقدية لتركيا وتعليقه على قرارات البنك المركزى، يتضح عقم الخطة التى أعلنها ألبيراق، وتثار الشكوك فى إمكانية مساعدتها الليرة على التعافى على المدى القريب. وفى أعقاب مؤتمر ألبيراق، تراجعت الليرة التركية وسجلت 6.27 للدولار، لتضعف عن 6.2 قبل الكشف عن الخطة، ومقارنة مع 6.25 فى إغلاق الأربعاء. ويقلق المستثمرون من ارتفاع مستويات الدين الأجنبى لتركيا، وسياسات أردوغان الاقتصادية، فضلا عن النزاع الدبلوماسى والتجارى مع الولايات المتحدة على خلفية أزمة القس الأمريكى المحتجز فى تركيا أندرو برانسون بتهمة التخابر.
كانت تركيا تحاول فرض هيمنتها على قبرص تلك الجزيرة الاستراتيجية المهمة، بحجة حماية القبارصة الأتراك، بما يعنى أن دخول مصر كطرف داعم للقبارصة اليونانيين ورئيسهم، مثّل ضربة قوية لتركيا، وهدد نفوذها فى الجزيرة، التى كانت تركيا تحاول قرصنة وسرقة الثروات الطبيعية فى البحر المتوسط عن طريقها، من خلال سفينة أبحاث تركية (اسمها «بارباروس») كانت تبحر فى مواقع التنقيب، التى منحت قبرص تراخيص بشأنها، لشركات: إينى الإيطالية، وتوتال الفرنسية، ونوبل إنرجى الأمريكية. وهى المحاولة التى باءت بالفشل بعد تعزيز التعاون السياسى والاقتصادى بين مصر وقبرص، وترسيم الحدود، والذى جعل من الصعب على تركيا تكرار مثل هذه الانتهاكات، وعَزَّز موقف قبرص إقليمياً ودولياً، خاصة بعد أن أجبرت حكومات الدول الثلاث، تركيا، على وقف عمليات المسح الجيولوجى لمناطق آبار الغاز الطبيعى فى البحر المتوسط، التى تؤكد قبرص ملكيتها، ووصفت هذه الأعمال بأنها مخالفة للقوانين الدولية.
تلك هى السياسة التى أدخلت تركيا فى اضطراب مفتوح وصراعات داخلية لن يزيدها، القمع، كالعادة، إلا تأججاً. وبالتأكيد لن تكون تركيا قادرة على تجاوز «الهوس» الأردوغانى وما أدى إليه من تقلبات وتوترات وخسائر خارجية، ومن شروخ عميقة داخلية، لم ينجُ منها حزب «العدالة والتنمية» نفسه. وهذا هو أردوغان المتسلط الذى شارك ودعم الإرهابيين فى المنطقة ويحاضر فى الديمقراطية، وتلك حقيقته التى ظهرت مراراً وتكراراً. هذا هو أردوغان الذى لم يعد أمامه غير التسليم بطموحه وجموحه نحو الاستبداد والدكتاتورية، بعد أن تعثَّر مشروعه الإمبراطورى المبنى على تيار «الإخوان المسلمين» فى الخارج، وبعد أن تعثّر أكثر مشروعه الدكتاتورى المبنى على استنهاض العناصر الأكثر انتهازية وراديكالية بين إخوان الداخل. والمؤكد هو أنه حتى سنوات قادمة، لن تستقر تركيا ما دام يجلس فى كابينة قيادتها رجل مهووس ومتسلط، وغبى كرجب طيب أردوغان.