الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:48 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن ..الضربة الأخيرة لبقايا جماعة الإرهاب.. الخطاب الخامس للرئيس فى الأمم المتحدة


* تفاصيل اللقاءات المرتقبة بين مصر وقادة العالم فى نيويوك
* السيسى يترأس مجموعة السبعة والسبعين ويلقى بيان مصر صباح الثلاثاء ويشارك فى مئوية نيلسون ما نديلا
* ترامب وماكرون وأنجيلا.. على قائمة الأولويات فى اللقاءات المباشرة.. وحضور غير مسبوق للخارجية المصرية
* لقاءات مفتوحة مع أعضاء الكونجرس وصناديق الاستثمار وأصحاب بيوت المال والشركات الكبرى
يشارك الرئيس عبدالفتاح السيسى للمرة الخامسة فـى اجـتـماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ توليه المسئولية فى عام 2014، كما تعد هذه الاجتماعات الحدث الأبرز على الأجندة الدولية والملتقى الأكبر لقادة العالم سنوياً. وفى خامس الخطابات الرئاسية المصرية بعد انقضاء فترة رئاسية أولى، سيقف الرئيس مرتكزا على قاعدته الشعبية التى أعادت تأكيد نفسها بقوة أصوات المصريين التى أعادت انتخابه، وأثبتت للعالم أن ٣٠ يونيه كانت خروجاً فطرياً بكامل الوعى والغريزة المصرية التى تحركت لإنقاذ وطن بحجم مصر قاعدة لاستقرار الإقليم وسلامته.
بدأ الرئيس يوم الجمعة زيارته إلى مدينة نيويورك الأمريكية للمشاركة فى اجتماعات الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التى سيلقى خلالها بيان مصر أمام الجمعية العامة، الذى سيتناول رؤية مصر لتعزيز دور المنظمة الدولية، والمواقف المصرية تجاه تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية ورؤيتها لأولويات حفظ السلم والأمن العالميين، وجهود مصر فى دعم مكافحة الإرهاب الدولى. كما سيرأس الرئيس الاجتماع رفيع المستوى لمجموعة السبعة والسبعين، التى تتولى مصر رئاستها خلال العام الجارى للمرة الثالثة فى تاريخ المجموعة، وسيلقى البيان الافتتاحى لمصر أمام الاجتماع، الذى يتضمن استعراض الدور المصرى فى دعم أنشطة المجموعة منذ تأسيسها فى ستينيات القرن الماضى، ما أسهم بشكل فعال فى تعزيز دورها فى إطار التعاون فيما بين دول الجنوب. ويشمل البيان موقف مصر نحو الجهود الرامية لإصلاح المنظومة التنموية للأمم المتحدة للاستجابة بشكل أكبر للمتطلبات والاحتياجات التنموية لدولها الأعضاء.
زيارة الرئيس نيويورك ستتضمن أيضاً نشاطاً مكثفاً على الصعيد الثنائى بين مصر والولايات المتحدة على عدة مستويات، من ضمنها عقد عدد من اللقاءات مع الشخصيات السياسية والفكرية ذات الثقل بالمجتمع الأمريكى، وكذا مع قيادات كبريات الشركات الأمريكية وصناديق الاستثمار وبيوت المال وكبار مسئولى وأعضاء غرفة التجارة الأمريكية، فضلا عن مجموعة من أعضاء الكونجرس، حيث سيجرى الرئيس حوارات مفتوحة معهم للتباحث حول سُبُل تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.. كما يتضمن برنامج الزيارة عقد لقاءات مكثفة مع عدد من رؤساء الدول والحكومات، للتباحث بشأن سبل تعزيز العلاقات الثنائية فى شتى المجالات، إضافة إلى تبادل الرؤى ووجهات النظر حول تطورات القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. كما سيشارك الرئيس فى قمة نيلسون مانديلا للسلام، التى تتزامن مع الاحتفال بالذكرى المئوية لمولد الزعيم الإفريقى الراحل، ويلقى كلمة بهذه المناسبة أمام القمة.
الرئيس يحرص على المشاركة فى جميع الفعاليات المهمة التى يتضمنها هذا المحفل الدولى الكبير ولكن كثرة الفعاليات وتداخلها يحول دون ذلك ولذا يشارك فى أكبر قدر ممكن فيما توجد مصر بالفعل بمستويات أخرى من التمثيل فى باقى الفعاليات. كما تشهد الأمم المتحدة حضوراً مكثفاً للرؤساء والملوك من مختلف دول العالم للمشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة وهى الاجتماعات التى تعقد كل عام لمناقشة قضايا العالم ورؤية كل دولة لمعالجة المشكلات والقضايا التى يمر بها المجتمع الدولى.
مصر من الدول المؤسسة للمنظمة الدولية ولها مكانتها وتحظى بتقدير المجتمع الدولى وسيلقى الرئيس عبدالفتاح السيسى، كلمة مصر فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهى كلمة تحمل الثوابت المصرية تجاه القضايا الدولية خاصة قضية الشرق الأوسط وهى القضية الفلسطينية واعتاد العالم من مصر وضوح الموقف وثبات الرؤية والحرص البالغ على دعم الأمم المتحدة وتميزها فى تأدية رسالتها فى كل المحافل والمواقف. وخلال اجتماعات الجمعية العامة من المقرر أن يكون محور النقاش الذى سيركز عليه القادة هو تعظيم وتوسيع دور الأمم المتحدة وتوثيق صلتها وأهميتها للجميع.
استهل الرئيس يوم السبت نشاطه الرسمى فى مدينة نيويورك الأمريكية التى وصل إليها يوم الجمعة. ونشير هنا إلى أن كل الفعاليات التى سيشارك بها الرئيس السيسى سيكون بها كلمة لمصر وبشكل أساسى هناك الكلمة العامة التى سيلقيها الرئيس أمام النقاش العام للقادة والزعماء الذى سينطلق الثلاثاء القادم. وفى كل الخطابات، السابقة، ظل السيسى حريصا على مفهوم الدولة الوطنية فى مواجهة محاولات الارتداد إلى الولاءات المذهبية والقبلية مرورا على أنقاض الهويات الأصيلة للدول الوطنية. وحريصا على أن يؤكد معنى الدولة الوطنية باعتبارها أيقونة الصمود الحقيقى أمام أهداف الإرهاب التى لا يمكن أن تتحقق إلا على أطلال الدول لتحل محلها الطوائف والعرقيات البغيضة.
هناك أيضاً قمة نيلسون مانديلا واجتماع مجموعة الـ٧٧ واجتماع تغير المناخ.. ولم يجر حتى الآن تحديد مستوى مشاركة مصر فى قمة حفظ السلام سواء بحضور الرئيس أو وزير الخارجية، لكن فى كل الأحوال ستكون هناك كلمة خاصة بمصر فى هذه القمة. كما جرى ترتيب عدد كبير من اللقاءات الأخرى مع كبار القادة المشاركين فى الاجتماعات بنيويورك. ومعروف أن هذا النوع من الاجتماعات يخضع لاعتبارات كثيرة تنظيمية ولذلك لا يتم الإعلان عنها حتى اللحظات الأخيرة نظراً لأنه فى ظل الجدول المزدحم للجميع وكثرة الفعاليات وتداخلها من الوارد إلغاء أو تعديل أى منها فى أى وقت. والحذف أو الإضافة فى هذه الحالات يكون لاعتبارات تنظيمية لا علاقة لها بالسياسة. لكن من المنتظر أن يعقد الرئيس السيسى، عدداً كبيراً مـن اللقاءات مع مجموعة من رؤساء وقادة العالم المشاركين فى اجتماعات الجمعية العامة، منهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والمستشارة الألمـانـية أنجـيلا مريكل، والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون.
زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لنيويورك هذا العام، تستهدف أيضاً دفع العلاقات المصرية-الأمريكية إلى آفاق أرحب من خلال سلسلة من اللقاءات المتنوعة مع النخبة وصناع القرار الأمريكى، وبعثتنا الدبلوماسية فى واشنطن تعمل بجد فى هذا الإطار لترتيب هذه اللقاءات وعلى رأسها القمة الثنائية بين الرئيس السيسى والرئيس ترامب إلى جانب الشخصيات السياسية والاقتصادية المؤثرة فى صنع القرار الأمريكى كذلك يجرى الرئيس لقاءات مع وسائل الإعلام الأمريكية. كما أن الشق الاقتصادى والاستثمارى سيحتل موقعاً بارزاً فى هذه اللقاءات حيث يستقبل السيسى مجموعة من رؤساء كبريات الشركات الأمريكية. كما يلتقى مجموعات مختلفة من النخبة الأمريكية فى دوائر صنع القرار بالولايات المتحدة، وأعضاء الكونجرس الأمريكى، من الحزبين الجمهورى والديمقراطى لعرض الرؤية المصرية للأزمات الإقليمية، وكيفية التعامل معها كما يجرى لقاءات إعلامية مع وسائل إعلام أمريكية.
قيل إن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سيطرح خطته حول السلام بالشرق الأوسط أثناء فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، المعروفة إعلاميا بصفقة القرن، وأن مصر ستشارك فى اجتماعات حول هذا الإطار، غير أن مصادر أكدت أنه لا توجد اجتماعات فى إطار مبادرة الرئيس ترامب للسلام ستشارك فيها مصر ولكن هناك اجتماعات أخرى ستعقد لتخفيف معاناة الشعب الفلسطينى منها اجتماع لجنة تقديم المساعدات للشعب الفلسطينى التى تشارك بها مصر دائما واجتماعات لبحث الوضع فى الأونروا والفجوة التمويلية التى تعانى منها هذه الوكالة الدولية، بالإضافة إلى اجتماعات فرعية خاصة ببحث الأوضاع فى ليبيا وسوريا واليمن ولن تشارك بها جميع الدول ولكن الدول المعنية وعلى رأسها مصر لبحث التطورات الأخيرة والجهود التى يقوم بها مبعوثو الأمم المتحدة لسوريا وليبيا واليمن، تأكيدا لحرص مصر على إنهاء معاناة تلك الشعوب الشقيقة والتوصل إلى حلول سياسية توقف الصراع والنزاع والاقتتال.
الدورة الحالية تقام تحت شعار «لنجعل الأمم المتحدة ذات أهمية ومصداقية للجميع وبناء مجتمعات تقوم على التنمية والتعاون والتضامن». وهذا الشعار وضعته ماريا فرناندا أسبيلوزا، وزيرة خارجية الأكوادور السابقة التى ترأس الجمعية العامة لهذا العام. وتتضمن الاجتماعات بالجمعية العامة للأمم المتحدة أنشطة متنوعة للمنظمة منها اجتماعات رفيعة المستوى وهو الشق الذى يشارك به قادة ورؤساء الدول ويتضمن هذا العام عدة فعاليات أبرزها ما يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى قمة للخروج بإعلان التزامات مشتركة من جانب قادة الدول فيما يتعلق بعمليات حفظ السلام، ومعروف أن مصر فى مقدمة الدول تسهم فى دعم تلك العمليات بقوات عسكرية وشرطية فى مهام حفظ السلام الدولية. كما سيتم عقد اجتماع رفيع المستوى خاص بتمويل التنمية فى إطار استراتيجية ٢٠٣٠ لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السابعة عشرة وهى خطة طموح تحتاج إلى تمويل كبير ولذلك دعا الأمين العام للمنظمة لعقد هذا الاجتماع لحشد التمويل اللازم.
قمة خاصة للزعيم الإفريقى الراحل نيلسون مانديلا تحتفى بمرور مائة عام على ميلاده ولكنها لن تكون فقط احتفالا بشخصه وذكراه ورحلته ومسيرته ولكن احتفالا بالقارة الإفريقية ونضالها من أجل التحرر والاستقلال وتعزيز قيم مكافحة التمييز والعنصرية، كما تلقى الضوء على تحديات القارة الإفريقية وعلى رأسها التنمية والسلم والأمن والتحديث التطوير السياسى والاجتماعى وإنهاء الصراعات والنزاعات بالقارة وتعظيم دور الاتحاد الإفريقى ومبدأ إيجاد حلول إفريقية للقضايا الإفريقية.. هذه القمة تحتل اهتماماً لدينا فى ظل رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى العام القادم.. وأيضاً هناك اجتماعات خاصة بالصحة التى تعد محورا مهماً هذا العام فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى إطار الجهود الدولية لمكافحة الأمراض غير المعدية مثل السل ونحن نهتم بهذا الأمر لأنه يتصل بشكل مباشر بحياة الشعوب ولمصر تجربة ناجحة فى مكافحة فيروس «سى» أشاد العالم بها.
الموضوعات الإفريقية تأتى فى مقدمة اهتمامات السياسة الخارجية المصرية ليس فقط لاعتبارات التاريخ والجغرافيا وإنما كذلك لاعتبارات المصالح المشتركة والمصير الواحد. وبالتالى، فإن القضايا الإفريقية والأوضاع فى القارة وسبل دعم التعاون المشترك بين دولها سيتم تناولها خلال جميع اللقاءات الثنائية التى سيعقدها الرئيس السيسى مع نظرائه الأفارقة المشاركين فى الشق رفيع المستوى لاجتماعات الجمعية العامة. ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة هذا العام، لاختيار مصر لرئاسة الاتحاد الإفريقى للعام القادم.. وفى إطار ذلك تعنى مصر دائماً بالمشاركة بفعالية فى جميع الاجتماعات الإفريقية، حيث تشارك فى هذا الإطار فى عدد من الاجتماعات التى تعقد على هامش الشق الرفيع المستوى لدورة الجمعية العامة وفى مقدمتها الاجتماع الوزارى لمجلس السلم والأمن، بالإضافة إلى الاجتماع الوزارى للجنة تنسيق المشاركة العربية الإفريقية الذى تشارك فيه مصر بصفتها الرئيس المقبل للاتحاد الإفريقى لعام 2019.
مصر تشارك كذلك فى عدد من الفعاليات الأخرى ذات الصلة بموضوعات التنمية المستدامة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية التى تتطرق كذلك إلى الأوضاع فى القارة الإفريقية، وأهمية دفع جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية بدولها، كما تشارك فى الاجتماع رفيع المستوى حول تمويل أجندة التنمية 2030، التى تتسم بأهمية بالغة للدول الإفريقية أخذاً فى الاعتبار أولوية موضوع تمويل التنمية لهذه الدول، حيث يهدف الاجتماع إلى إطلاق استراتيجية سكرتير عام الأمم المتحدة حول تمويل أجندة التنمية المستدامة 2030 وكذا حشد الدعم اللازم لسد الفجوة التمويلية من أجل تحقيق وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة.. مضيفا أن تبعات ظاهرة تغير المناخ فى مقدمة اهتمامات الدول الإفريقية أخذاً فى الاعتبار ارتباطها بأوضاع السلم والأمن فى بعض مناطق القارة، واتصالاً بذلك تشارك مصر فى الحوار رفيع المستوى للسكرتير العام للأمم المتحدة حول «تنفيذ اتفاق باريس لتغير المناخ والطريق إلى مؤتمر الدول الأطراف الرابع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ»، كما ستشهد الدورة الحالية انعقاد المنتدى الدولى التاسع لمكافحة الإرهاب وأيضاً اجتماع آخر رفيع المستوى لمدونة السلوك الخاصة بمواجهة تلك الظاهرة والتزامات الدول فى هذا الصدد، وتلك تمثل الجوانب الرئيسيّة للاجتماعات رفيعة المستوى التى تعقد فى إطار أنشطة الجمعية العامة وبالطبع هذه الاجتماعات العامة لكل الدول الأعضاء بالمنظمة وهناك اجتماعات أخرى تتعلق بمجموعة من الدول فقط منها اجتماع مجموعة الـ٧٧ والصين التى ترأسها مصر حالياً وهذا الاجتماع سيفتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى وسيشارك به رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة وسكرتير عام المنظمة الدولية.
كما تشارك مصر فى اجتماعات لحركة عدم الانحياز ومنظمة التعاون الإسلامى والاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية وكل هذه ستتم على المستوى الوزارى وتضم مجموعة من الدول التى تنتمى لهذه المنظمات والمجموعات، مشيراً إلى ان هناك شقاً ثالثاً يتعلق بمجموعة من الاجتماعات التى تعقدها الدول على المستويات الثلاثية أو الرباعية بالاتفاق بينها ومصر ستشارك فى هذا الجانب باجتماعات عربية ومتوسطية وإقليمية لبحث قضايا محددة ذات أهمية لهذه الدول بالإضافة إلى شق آخر مهم وهو اللقاءات الثنائية التى يعقدها الرئيس السيسى أو وزير الخارجية سامح شكرى لبحث القضايا التى تهم العلاقات المتبادلة مع الدول الأخرى إلى جانب الموضوعات الإقليمية والدولية التى تمثل أهمية لنا فى الجوانب المختلفة للأنشطة المتعددة التى سيتضمنها الشق رفيع المستوى من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
مصر تعود.. تعود بقوة ولتثبت ما كررناه مراراً بأن لا شىء سيمر فى المنطقة إلا عبر بوابة مصر.. وأن مصر هى الممر الأساسى لأى قضية إقليمية.. وهذه القناعة، تعود إلى أن السياسة المصرية الآن تتمتع بأعلى درجات القبول من جميع الأطراف بصرف النظر عن بعض المناكفة هنا أو هناك.. وسبب ذلك يرجع إلى تعاملها مع الواقع ونجاح السياسة المصرية فى تعريف نفسها للعالم، إضافة إلى القناعة الغربية بأن الوزن النسبى لدول عربية وإقليمية فى المنطقة يتراجع بسبب أوضاعها الداخلية.. بينما تواصل مصر تقديم حجتها القوية ورؤيتها الثاقبة، بعد أن صورتها أمام العالم بعد ثورة 30 يونيه ورسمت خارطة طريق إلى المستقبل بدأت مع الولاية الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسى، وبدأت تدير علاقاتها مع دول العالم فى إطار الشراكة وتبادل المصالح، لا التبعية أو الخضوع لإملاءات.
يمكننا أن نستنتج بسهولة أننا انتقلنا من حالة التابع إلى حالة الند أو الشريك، وهذا فى رأيى هو أهم ما أنجزته الدولة المصرية منذ 30 يونيه 2013 وحتى الآن. وما يؤكد ذلك، هو تعامل واشنطن الحذر بعد سنوات من التغيرات التى فضحت تناقضات الإدارة الأمريكية فى تعاملها مع الشأن المصرى. وإجمالا، يمكننا أن نقول إن العلاقات المصرية-الأمريكية شهدت تغيرات مهمة بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيه نقلتها من الشكل التقليدى الذى كانت فيه الولايات المتحدة المتغير المستقل ومصر هى المتغير التابع إلى نمط جديد يقوم على التعامل بندية نتيجة لاستقلالية السياسة الخارجية المصرية وتعدد دوائرها حيث لم تعد مقصورة فقط على الولايات المتحدة وأوروبا بل شملت أيضاً الدول الكبرى الأخرى فى النظام الدولى كروسيا والصين وتنويع مصادر تسليحها حيث لم تقتصر على الولايات المتحدة فقط كمصدر للتسلح كما برز فى صفقة الرافال من فرنسا.
الإدارة الأمريكية صارت فى موقع رد الفعل الذى فرض عليها أن تتعامل مع مصر وفقا للتغيرات الكبرى والمتسارعة التى شهدتها فى السنوات الأخيرة ولم يعد لها تأثير فى توجيه تفاعلاتها الداخلية كما كان فى السابق ولذلك فإن السياسة الأمريكية حاولت جاهدة تحقيق التوازن بين اعتبارات المصالح الاستراتيجية مع مصر وهى الحفاظ على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والمرور العسكرى فى قناة السويس وحشد دعم مصر فى الحرب على الإرهاب وبين اعتبارات المثالية المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان التى اعتادت توظيفها كورقة للضغط على النظام المصرى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية كمان كان إبان عهد مبارك.
ولعل من الواضح تماما أن التطور التدريجى فى سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر ليس وليد اليوم، وكانت أهم محطاته، تخلى واشنطن عن سياسة الضغط من خلال المساعدات العسكرية بعد أن اتضح عدم جدواها وأنها أصبحت تفضل أسلوب الحوار لتسوية المشكلات العالقة فى علاقتها مع مصر. وما زاد من قوة هذا الاتجاه هو زيادة احتياج واشنطن إلى القاهرة بسبب تصاعد النزاعات المسلحة ومصادر التهديد لمصالحها وبسبب استمرار تمسكها بتقليل وجودها العسكرى فى العالم العربى والشرق الأوسط.
مصر دولة كبرى لا بمساحتها ولا باقتصادها لكن بعمقها التاريخى والجغرافى وريادتها السياسية، وقوتها البشرية. لذلك فهى سقف العالم، ودمارها لا قدر الله يعنى دخول العالم كله فى حالة من الاضطراب والقلق أو انفجاره، وتلك حقيقة واقعية. وبالمشروعات التى بدأها الرئيس السيسى، وتلك التى يجرى استكمالها، ستتحول مصر إلى مركز للتجارة العالمية، وسرة للعالم العربى وبؤرة للعالم الإسلامى.. وستصبح كذلك رائدة الشمال فى القارة السمراء.. تماما، كما كانت مصر هى حائط الصد فى مواجهة الصليبيين والتتار وكل أعداء الأمة قديماً وحديثاً.
أعطت مصر درساً كبيراً فى التاريخ الحديث، فهى من تصدت لمشروع الإخوان الدولى الكبير، وأحدثت زلزالا أعاد رسم خارطة التحالفات فى منطقة الشرق الأوسط. كشفت مصر المشروع الإخوانى الدولى، الذى لم يكن يتحدد فى سيناء وقطاع غزة بقدر ما يمتد على جغرافية الشرق الأوسط الجديد، بعد سايكس بيكو. ومع الرئيس عبدالفتاح السيسى، عادت مصر إلى دورها الطبيعى بعد أن كانت ساحة لتنظيم الإخوان وساحة لطموحات العثمانيين الجدد وولاية الفقيه فى طهران.. ودولة تابعة للولايات المتحدة، تأتمر بأوامرها.