الموجز
السبت 9 نوفمبر 2024 12:38 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب : حزب الله يدخل مرحلة الغموض لبنان على صفيح ساخن


أعيد انتخاب نبية برى رئيسا للبرلمان اللبنانى لمرة جديدة، كما تم تكليف سعد الحريرى بتشكيل الحكومة الجديدة، ويوم الجمعة، بدأ رئيس الحكومة المكلف مشاوراته لتشكيل حكومة بجولة على رؤساء الحكومة السابقين، وفق ما تنص عليه الأعراف، على أن يخصّص يوم الاثنين للمشاورات مع الكتل النيابية، بحسب ما أعلن مكتبه. وتمنى الحريرى النجاح فى تأليف حكومة وحدة وطنية معلناً أنه من الحكمة عدم توزير أى شخص عليه اتهامات، فى إشارة إلى "حزب الله" داعياً إلى النظر لهذا الأمر من الناحية القانونية. وما زلنا على رأينا بأن التشكيل الجديد قد يتأخر الإعلان عنه كثيرا أو كثيرا جدا، لكثرة عدد الطامحين فى دخول الوزارة . والعقبة الأهم هى ما قد يترتب على مشاركة وزراء من "حزب الله" وإمكانية تأثير ذلك على الاقتصاد والوضع المالى اللبنانى وكذا على علاقات لبنان بمحيطها العربى والإقليمى والدولى. بدأ الحريرى جولته بزيارة رئيس الحكومة السابق سليم الحص فى منزله فى بيروت، حيث قال: "نريد حكومة يكون فيها توافق وطنى على العناوين العريضة وعلى بعض التفاصيل ويجب أن نعمل بإيجابية"، مؤكداً أن "الضغط الإقليمى سيسرع تشكيل الحكومة ما دام هناك توافق داخلى"، مجدِّداً التأكيد على أن "تيار المستقبل سيفصل النيابة عن الوزارة". وكانت محطة الحريرى الثانية مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتى، مؤكداً أن "التوافق يقوّى البلد من أجل استنهاض لبنان، وإن شاء الله تتطور العلاقة مع ميقاتى"، ولفت إلى أن "الطرفين أكدا أنّ التوافق بين الجميع والعمل معاً يقوّى البلد وكل الفرقاء السياسيين يحثون على الإسراع فى تشكيل الحكومة". وبعد ميقاتى التقى رئيس الحكومة المكلف رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، حيث أكد أن "الاقتصاد هو أساس فرص العمل ولدينا فرصة تاريخية بتطبيق مؤتمر سيدر والإصلاحات متعلقة بنا، ولا يفكر أحد بأنه يمكنه أن يفرض علينا شيئاً". وحول توزير شخصيات طالتها العقوبات من "حزب الله" قال الحريرى: "من الحكمة ألا يتم توزير أى شخص عليه اتهامات، ويجب أن ننظر من المنظار القانونى إلى الأمر وليس من منظار التحدى، و(حزب الله) لم يفاتحنى بتوزير أى أحد ممّن طالتهم العقوبات الدولية". وكان ختام الجولة بلقاء رئيس الحكومة السابق تمام سلام الذى أكد بدوره الوقوف إلى جانب الرئيس المكلف. وأقر الحريرى بوجود تحديات كبيرة من الواجب التصدى لها، لافتا إلى أنها "ليست المرة الأولى التى تفرض فيها عقوبات على (حزب الله)، ونحن فى بلد ديمقراطى، ويجب علينا كلنا التعاون لمصلحة البلد"، وأكد: "نعمل ليل نهار لتشكيل الحكومة والتحديات بالمنطقة، وفى الداخل صعبة وهناك فرصة حقيقية للنهوض بالبلد". تنشيطا للذاكرة نشير إلى أن العقوبات الجديدة تشمل تجميد أرصدة هذه العناصر، وفى مقدمهم حسن نصر الله، ونائبه نعيم قاسم، ومحمد يزبك، وحسين خليل، وإبراهيم أمين السيد وطلال حمية. كما أن إدراج نصر الله ونائبه نعيم قاسم يرفع حزمة العقوبات الجديدة إلى المستوى الأكبر فى تاريخ الحزب منذ تأسيسه، لتكون الأكثر شمولاً، والأوسع نطاقاً؛ إذ شملت أيضاً معاونين سياسيين، مثل حسين خليل، ونعيم قاسم نائب الأمين العام الذى تولى المفاوضات لتقديم ترشيحات مرشحى الحزب للانتخابات النيابية الأخيرة. الأمر الذى يجعل حزمة العقوبات الجديدة تتمتع برمزية عالية، وتتضمن رسائل عديدة، أولها وأهمها أنها تؤكد منهجياً أن التحالف الأمريكى – الخليجى حول مكافحة الإرهاب عموماً و(حزب الله) خصوصاً، هو تحالف للسنوات المقبلة، وأن التطورات الحالية لن تؤثر فيه كما لن تؤثر فيه أى تطورات قد تطرأ لاحقا. أما الرسالة الثانية من حزمة العقوبات، فتتمثل فى كونها رسالة واضحة لطهران تفيد بأنه ليس هناك رأس كبير لا يمكن الوصول إليه، بمعنى أن الوصول إلى نصر الله، يعنى أن العقوبات قد تطال رؤوس الحرس الثورى الإيرانى، وتصل إلى مكان أبعد فى فيلق القدس. بينما الرسالة الثالثة موجهة للأوروبيين الذين لا يزالون يحاولون إمساك العصا من المنتصف فى الملف النووى الإيرانى، وفى قضية تصنيف (حزب الله) بين جناحين سياسى وعسكرى. وهناك رسالة إضافية تفيد بأن نتائج الانتخابات التى أحرز فيها الحزب تقدما لا تعنى أن التعامل مع (حزب الله) بات حلالاً ومباحاً. مع ذلك، لن يتردد "الثنائى الشيعى" المتمثل فى "حزب الله" وحركة "أمل" فى استثمار الـ26 مقعداً شيعياً التى حصدها، فى عملية تشكيل الحكومة التى تنطلق رسمياً يوم الاثنين عبر الاستشارات التى يجريها الرئيس المكلف سعد الحريرى مع الكتل النيابية. وبات واضحاً أن "الثنائى" سيطالب بحقيبة سيادية هى وزارة المالية لتكون من حصة حركة "أمل" وبحقيبة أخرى رئيسية خدمية تكون من حصة "حزب الله" الذى اتخذ قراراً بأن يكون له تمثيل قوى فى الحكومة بعدما كان يتعامل مع المسألة ببساطة ويكتفى بوزارتين غير أساسيتين ويعطى إحدى الوزارات من حصته لحلفائه. وبينما يتولى رئيس مجلس النواب، نبيه برى، كالعادة عمليه التفاوض باسم "الثنائى الشيعى" فى عمليات تشكيل الحكومة، تردد أن برى يُطالب بالحصول على 6 وزارات شيعية، لو تقرر أن تضم الحكومة ثلاثين وزيرًا أو بـ5 فى حال كانت من 24 وزيراً. شرطان رئيسيان يضعهما "حزب الله"، لتشكيل الحكومة، قيل إنه لا يمكن أن يتنازل عن أى منهما: الأول يقول بحصوله على كامل المقاعد الشيعية الوزارية كما هو حال المقاعد النيابية، على أن يتم تمثيل الحزب "القومى" هذه المرة من الحصة المسيحية. أما الشرط الثانى، فالحصول على حقيبة سيادية وحقيبتين أساسيتين، على أن يتولى وزير عن "حزب الله" أحدها فتكون من "الوزن الثقيل". وتشير المعلومات إلى أن الحزب "سيصر على تحصيل وزارة لأحد حلفائه السنّة، وإن كان يُدرج ذلك فى إطار المطالب لا الشروط". وهناك مصادر تجزم بأنه تم حسم أمر وزارة المالية التى كانت محل جدل، خصوصاً بين "أمل" و"التيار الوطنى الحر" قبل الانتخابات النيابية، بأن تبقى من حصة الحركة، فى إطار التفاهم السياسى المستجد بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برى، وقيل إن ذلك هو الذى تسبب فى تصويت عدد كبير من نواب تكتل "لبنان القوى" لصالح برى فى جلسة انتخاب رئيس جديد للمجلس، ولصالح تولى النائب إيلى الفرزلى نيابة رئاسة مجلس النواب إضافة إلى تولى نائبين من التكتل عضوية هيئة المجلس. الجدل لا يزال مستمرا، وقد ينتج عنه توزيع جديد للحقائب السيادية. لكن الاحتمال الأكبر هو للحفاظ على التوزيع الحالى لهذه الحقائب، بحيث تكون وزارة الدفاع من حصة رئيس الجمهورية، والخارجية للتيار، والداخلية لـ"المستقبل" والمالية للثنائى الشيعى. ولاحظ أن كتلة "حزب الله" النيابية امتنعت يوم الخميس عن التصويت لصالح تكليف سعد الحريرى بتشكيل الحكومة، تماماً كما فعلت فى المرتين السابقتين لتوليه رئاسة مجلس الوزراء، لكنها أبدت استعدادها للمشاركة فى الحكومة المقبلة وأكدت تعاونها مع من تختاره الأكثرية النيابية لرئاسة الحكومة. كما طالب رئيس الكتلة النائب محمد رعد بوجوب النظر فى استحداث وزارة خاصة للتخطيط. ولاحظ أيضا أن حكومة تسيير الأعمال الحالية يشارك فيها وزيران فقط من "حزب الله"؛ الأول يتولى وزارة الشباب والرياضة وهو محمد فنيش، والثانى يتولى وزارة الصناعة وهو حسين الحاج حسن. وكان الحزب قد قرر أخيراً فصل النيابة عن الوزارة، فى وقت لم تعلن فيه حركة "أمل" و"التيار الوطنى الحر" قراراً نهائياً فى هذا الشأن، مع ترجيح عدم موافقتهما على هذا المبدأ فى المرحلة الراهنة، لإصرار الأولى على إسناد حقيبة وزارية إلى النائب على حسن خليل، ولرغبة الثانى على استمرار النائب ورئيس "التيار" جبران باسيل فى الوزارة القادمة. الأمر مربك جدا، بعد أن سجلت الحزمة الأخيرة من العقوبات الأمريكية والخليجية على "حزب الله"، أعلى مستوى من العقوبات وأكثرها شمولاً، بالإضافة إلى أنها لم تفرّق بين الجناحين السياسى والعسكرى، وطالت مختلف الشخصيات القيادية فى العمل السياسى، وبدا واضحا أنها تحمل رسائل للإيرانيين واللبنانيين والأوروبيين حول جدية العقوبات ومنع أى هامش للمناورة بين جناحى الحزب. إذ إنها المرة الأولى فى تاريخ "حزب الله"، التى توضع فيها أسماء كامل قيادته السياسية على قوائم العقوبات التى أصدرتها المملكة العربية السعودية وشركاؤها فى مركز استهداف تمويل الإرهاب. وأمام هذا الوضع المربك لا نملك إلا الفرجة مع الدعاء بألا يصيب البلد الشقيق أى مكروه!