ياسر بركات يكتب : رغم قسوة الظروف عشرة أسباب تدعو للتفاؤل بالاقتصاد المصرى
أشرنا العدد الماضى إلى أن الزيادة فى الدين الخارجى الذى بلغ 100 مليار دولار أمريكى وفقا لأحدث الأرقام المعلنة، بعد أن كان 67 مليار دولار أمريكى فى ديسمبر 2016، تمثل مصدرا رئيسيا لتحديات الاقتصاد المصرى، كما تشتمل المخاطر الخارجية الأخرى على زيادة أسعار النفط العالمية، ما قد يخل بالتوازن بين استقرار الأسعار، وبين خطة تصحيح أوضاع المالية العامة. وفى هذا السياق يمكننا التعامل مع ما كشفته تقارير صادرة عن وزارة المالية، عن اعتماد سياسة لتنويع مصادر التمويل بين الأدوات والمصادر المحلية والخارجية، إذ تستهدف الوزارة فى موازنة العام المالى المقبل 2019/2018 أن يتم تمويل نحو 30% من جملة الاحتياجات من الخارج و70% من مصادر التمويل المحلى، وتأتى هذه الاستراتيجية للحد من تأثير ارتفاع الفائدة فى السوق المحلى على خدمة الدين من خلال الاستفادة من مصادر التمويل الميسرة "منخفضة التكاليف وطويلة الأجل" المتاحة من قبل المؤسسات الدولية أو الأسواق المالية الدولية. يستحق الإشادة أن تستهدف سياسة وزارة المالية تنويع مصادر التمويل المحلية ما بين إصدار الأذون والسندات الحكومية، باستهداف 80-85% من جملة الإصدار للأذون المحلية مقارنة بنسبة وصلت إلى 95% خلال العام المالى 2018/2017، بالإضافة إلى استهداف 15-20% من جملة الإصدارات للسندات المحلية فى موازنة 2019/2018 مقارنة بنحو 5% خلال العام المالى السابق. وهو ما يعنى أن وزارة المالية تسعى إلى تمديد آجال إصدارات أدوات الدين مع توسيع وتنويع قاعدة المستثمرين من خلال جذب المؤسسات الاستثمارية المختلفة للاكتتاب فى أذون وسندات الخزانة بما يساهم فى تحقيق خفض تدريجى فى تكلفة خدمة الدين العام، كما تعمل وزارة المالية على استحداث أدوات تمويلية جديدة وتنشيط السوق الثانوية للأذون والسندات. كنا قد أشرنا العدد الماضى أيضا إلى أن كل الشواهد تؤكد أن مصر تسير على الطريق الصحيح وتتطلع إلى استدامة استقرار الأوضاع الاقتصادية وتحقيق النمو وتوفير فرص العمل وتحسين بيئة الأعمال. وكانت أهم ملامح البرنامج التى طرحها الجانب المصرى تستند إلى تحسن مؤشرات الاقتصاد خلال الفترة الماضية حيث انخفض معدل البطالة إلى 11.3 وهو أدنى مستوى له منذ 4 سنوات وزيادة احتياطى النقد الأجنبى إلى 44 مليار دولار بنهاية ابريل الماضى وانخفاض التضخم إلى أدنى مستوى له ليصل إلى 13.1% وهو أدنى مستوى منذ 22 شهرا وانخفاض العجز فى المعاملات الجارية بنسبة 14% نتيجة نمو الصادرات السلعية بنسبة 15% ومتحصلات السياحة بنسبة 214% وتحويلات العمالة بالخارج بنسبة 29% وإيرادات قناة السويس بنسبة 10%. كما تراجع الدين العام خلال الفترة نفسها إلى جانب توقعات تحقيق فائض مستمر فى الموازنة خلال السنوات القادمة. ويهدف البرنامج إلى إحداث تطور صناعى خلال السنوات القادمة فى اقتصاد يتجه إلى اللامركزية والتكنولوجيا المالية واقتصاد رقمى يتجه إلى ضبط الإنفاق الحكومى وخفض الدين العام ورفع معدلات الادخار وترشيد الدعم وضمان وصول دعم الكهرباء والطاقة لمستحقيه وتحويل الدعم إلى دعم نقدى والتوسع فى برنامج تكافل وكرامة للدعم النقدى. وتعزيز الشمول المالى باعتبار مصر حلقة مهمة فى القطاع المالى العالمى. الأرقام تقول إن الاحتياجات التمويلية للعام المالى المقبل تبلغ 714.6 مليار جنيه مقارنة بـ696.2 مليار جنيه العام الحالى، ويبلغ إجمالى العجز الكلى 438.5 مليار جنيه، مقارنة بـ460.8 مليار جنيه العام الحالى، ويبلغ إجمالى سداد القروض الأجنبية 243.7 مليار جنيه العام المقبل، مقارنة بـ232 مليار جنيه العام الحالى، و32.3 مليار جنيه إجمالى القروض الأجنبية، مقارنة بـ33.2 مليار جنيه العام الحالى. وتعتمد المالية فى مصادر التمويل الخارجى على 26.250 مليار جنيه قروضا من مؤسسات دولية العام المالى الحالى، و70 مليار جنيه من صندوق النقد الدولى العام المالى المقبل، مقابل 70 مليار جنيه العام المالى الحالى، و128 مليار جنيه إصدار سندات دولية مقارنة بـ112 مليار جنيه العام الحالى، و4.3 مليار جنيه قرض من ألمانيا العام المقبل، ومليار جنيه قرض من فرنسا مقابل 3.6 مليار جنيه العام الحالى، بالإضافة إلى تمويل محلى بقيمة 511.2 مليار جنيه، منها 409.6 مليار جنيه أذون خزانة و101.6 مليار جنيه سندات خزانة. زيادة الاعتماد على القروض طويلة الأجل من المؤسسات الدولية وأسواق المال العالمية، أدى إلى تحسن متوسط عمر الدين القابل للتداول ليصل إلى 3.3 سنة فى فبراير 2018، مقارنة بنحو 2.9 فى يونيو 2017، إلا أن تراجع متوسط عمر الدين المحلى القابل للتداول المقدر بنحو 1.5 سنة فى فبراير 2018 مقارنة بنحو 1.7 فى يونيو 2017 يعد من المخاطر المالية، وذلك لحتمية إعادة التمويل فى المدى المتوسط وفى ظل ارتفاع أسعار الفائدة ما سيكون له أثر على مدفوعات الفوائد واستدامة الدين وتعمل الحكومة على الاستمرار فى تنويع مصادر التمويل ومكونات محفظة الدين العام ما بين المحلى والخارجى، وإطالة عمر الدين المحلى القابل للتداول وتطوير منحنى العائد على الأوراق المالية المحلية. كما تستهدف وزارة المالية تقليل مخاطر إعادة التمويل، من خلال إطالة عمر الدين المحلى القابل للتداول ودمج منحنى العائد المحلى، وتتمثل أغلبية رصيد الدين الخارجى فى الديون الثنائية المستحقة لنادى باريس والقروض من المؤسسات متعددة الأطراف، وتتراوح مدد هذا الدين بين آجال طويلة ومتوسطة بأسعار ميسرة الهدف منها تمويل المشروعات التنموية كقروض المؤسسات الدولية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر قروض البنك الدولى والبنك الإسلامى للتنمية وبنك التنمية الإفريقى. معروف أن استراتيجيات إدارة الدين التى يتم تحليلها خلال فترة المحاكاة تعكس الطرق البديلة للتمويل والمتعلقة بتوفير الاحتياجات التمويلية المطلوبة، وهى تتضمن حصة الدين الجديدة من مصادر التمويل الداخلية والخارجية لأدوات الدين المستهدف إصدارها إذ تم تثبيت نسب التمويل الهيكلى لأدوات الدين الداخلية والخارجية لكل الاستراتيجيات خلال المدى الزمنى للتحليل، وبالتالى، تستهدف وزارة المالية التوسع فى إصدار وإعادة فتح سندات الخزانة من الآجال الطويلة بشكل تدريجى للعمل على زيادة متوسط عمر الدين القابل للتداول، كما تستهدف وزارة المالية الاعتماد خلال المرحلة المقبلة، على القروض من مؤسسات دولية، التى تتميز بتراجع العائد عليها، كبديل للاقتراض المحلى، بسبب ارتفاع أسعار العائد. هنا، تكون العودة مهمة إلى الكلمة التى ألقاها ديفيد ليبتون، فى مؤتمر النمو الشامل والتنمية المستدامة، الذى عقده صندوق النقد الدولى والحكومة المصرية. وهى الكلمة التى حذر فيها ليبتون من ثلاثة تحديات كبرى تواجه الاقتصاد المصرى خلال الفترة المقبلة، وهى ارتفاع الدين العام، والتأخر فى إصلاح دعم الطاقة، والحد من البطالة وتوفير فرص عمل. وأشار إلى أن هذه الفترة تشهد تعافى الصادرات والسياحة، وتراجع العجز فى الحساب الجارى، كما تحسنت مستويات الثقة وانتعش الاستثمار. ونتيجة لذلك، بلغ النمو فى العام الجارى حتى وقتنا هذا 5.2%، كما توقع انخفاض التضخم إلى 11%. وأكد أن هناك أدلة واضحة على أن سيطرة البنك المركزى المصرى على السياسة النقدية مكنت من احتواء الآثار الجانبية لانخفاض سعر صرف الجنيه، وارتفاع أسعار الوقود، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة. أما إصلاح الدعم فى حد ذاته فقد أتاح بعض الموارد اللازمة لتمويل المساعدات الاجتماعية الموجهة لمستحقيها، وسمح كذلك بتوجيه أسعار الوقود نحو مستوى أقرب إلى تكلفتها الحقيقية، وإن تخفيض الدعم يتيح زيادة الكفاءة فى تخصيص الموارد على مستوى الاقتصاد، وهو ما يشكل عنصرا مهما فى إطلاق الإمكانات الاقتصادية لمصر. وأضاف أن مصر لا يسعها التأخر فى جهود خلق فرص العمل، فمع حلول عام 2028 سيرتفع عدد السكان فى مصر ممن هم فى سن العمل بنسبة قدرها 20%، الأمر الذى سيؤدى إلى بلوغ حجم القوى العاملة 80 مليون مصرى بعد 10 سنوات فقط. وخلق فرص العمل لكل هؤلاء المواطنين هو حتما أكبر تحد اقتصادى أمام مصر. أهمية خطاب ديفيد ليبتون على المستوى الدولى، تأتى من أن المؤسسات الدولية والشركات الأجنبية متعددة الجنسيات وكبار المستثمرين الدوليين يعتمدون اعتمادا كليا على تقارير البنك الدولى وصندوق النقد قبل ضخ أى استثمارات فى أى دولة، فتقارير صندوق النقد تعتمد دائما على الأرقام والمؤشرات الدقيقة للاقتصاد المحلى وتبرز أهم المخاطر التى قد يتعرض لها اقتصاد الدولة التى يتحدث عنها التقرير ويضع أهم التنبؤات المستقبلية الأكثر احتمالا بالنسبة للدولة محل الدراسة. كما أن استضافة النائب الأول لمدير صندوق النقد الدولى مؤشر إيجابى للغاية لصورة مصر أمام العالم، فهى رسالة واضحة بأن مصر أصبحت ملاذا آمنا للاستثمارات الأجنبية خاصة بعد إشارته لارتفاع توقعات النمو للاقتصاد المصرى، فهو لم يقل ذلك إلا بعد الاطلاع على خطة الحكومة وبرنامج العمل الذى تطبقه خلال العام المالى الحالى والمقبل وتقييمه للأوضاع الحقيقية عن قرب أثناء زيارته لمصر. والأهم هو أن قيام صندوق النقد الدولى بتعديل توقعات النمو للاقتصاد المصرى من 4.8 إلى 5.2% جاء بعد تحقق الاستقرار السياسى وانتهاء الانتخابات الرئاسية دون حدوث أى توترات تعكر الاستقرار الداخلى. كما أن الإشادة بمستقبل الاقتصاد المصرى الذى تحدث عنه ديفيد ليبتون جاءت بناء على تقييمه لما قدمته الحكومة من برامج وخطط الأداء ومن المؤكد أن صندوق النقد الدولى لم يعتمد على مؤشرات الحكومة المصرية فقط، فهو لديه مصادره الخاصة ويعمل لديه خبراء ومكاتب استشارية كثيرة داخل مصر يراقبون ويحللون كل القرارات والمؤشرات الاقتصادية بالإضافة إلى مراجعة كل المشروعات القومية ومعدلات العمل فيها وفقا للخطط الزمنية المحددة. مصر، إذن، كما سبق أن قلنا ونكرر، فى طريقها للنمو الصحيح خلال السنوات المقبلة. ونجحت فى إحراز عدد من الأهداف، تشمل تقليص التضخم وزيادة صافى احتياطياتها الدولية. غير أن ذلك كان على حساب زيادة المديونية. لكن على الرغم من الاعتقاد بأن المستوى الحالى العالى للدين المحلى (97% من الناتج القومى الإجمالى) يمثل عبئا على الموازنة العامة، فإننا على ثقة من أن التزام مصر ببرنامج الإصلاح، وخطة تصحيح أوضاع المالية العامة، وتوقعاتنا بزيادة نمو الناتج المحلى الإجمالى، ستؤدى إلى الانخفاض التدريجى لنسبة الدين المحلى إلى الناتج المحلى الإجمالى. أخيرا، ولأن تقارير صادرة عن وحدة الدين العام بوزارة المالية، كشفت عن وصول إجمالى الدين العام إلى 4.7 تريليون جنيه، وهى معدلات مرتفعة، كان لا بد من تنفيذ الخطة سابقة الذكر، لتقليل معدلات الدين والفوائد، حتى لا تتحمل الأجيال القادمة، نتائج تلك الديون. وهنا تكون الإشارة مهمة، مجددا إلى أن مصر التى نجحت من خلال مفاوضاتها مع الصندوق فى الحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار، على مدار 3 سنوات، تقوم بتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى محدد بفترة زمنية، حتى يتم سداد القرض، دون أى خضوع لإملاءات من أى نوع بتنفيذ سياسات محددة، بل يوجد نقاش مع صندوق النقد الدولى تستطيع الاستفادة منها بالطريقة التى تناسبها، فى الوقت الذى تحدده، وترفض ما لا تراه مناسبا أو لا يتناسب مع خطة الدولة.