الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:54 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: أسطورة الرياضة والفن فى المملكة حكاية الأمير الذى وقع فى غرام النادى الأهلى


ـ عبد الحليم حافظ غنى قصيدته للشياطين الحمر فى الاحتفال بمرور 50 سنة على التأسيس ـ قرر تأسيس نادى أهلى جدة حتى يرى اسم الفريق الذى يحبه فى كل مكان ـ أطلق أول دورى رسمى لكرة القدم فى المملكة عام 1952 وساهم فى تأسيس الاتحاد العربى السعودى لكرة القدم ـ تبرع بمبلغ مائتى ألف جنيه لإنشاء إستاد الأهلى فى مدينة نصر وتحمل تكاليف رواتب المدربين ـ قام بتكريم مشاهير الرياضة واستضاف مارادونا ومحمد على كلاى فى احتفال خاص
خاص من أجل عينيك رسائل الأمير إلى الست أم كلثوم
ـ ماذا كتب صاحب ثورة الشك إلى سيدة الغناء العربى بعد مرضها؟ ـ ما القصيدة التى أوصى بالتنازل عن حقوقها؟.. ولماذا تم تلحين قصيدة واحدة فى أربعين يوماً؟!
يشاء القدر أن تمر ذكرى وفاته الحادية عشرة، ونضطر بعد أيام أن نتذكر ذلك الأمير، الابن الأكبر للملك فيصل بن عبد العزيز، رحمهما الله، الذى تولى العديد من المناصب رفيعة المستوى فى المملكة العربية السعودية، بينها وزير الداخلية ورافق والده الملك فيصل فى العديد من المؤتمرات، ومنها مؤتمر إنشاء الأمم المتحدة سنة 1945 فى الولايات المتحدة، وظل حتى وفاته فى 8 مايو سنة 2007، محل تقدير الجميع فى العالم العربى، وفى مصر تحديدًا، "تحية وجلالًا أيها النادى.. فأنت زين النوادى.. حلية الوادى"، وكانت تلك الكلمات هى بدابة قصيدة كتبها الأمير الشاعر وغناها العندليب عبد الحليم حافظ للنادى الأهلى احتفالًا بمرور خمسين عامًا على إنشائه. والرجل أحب الأهلى بالفعل وانتمى له كأى عاشق لهذا النادى العريق، لدرجة أنه أسس ناديا جديدا فى مدينة جدة أصر على أن يحمل اسم الأهلى وحين سئل عن السبب قال لأنه يحب فريق الأهلى المصرى ويريد أن يرى كلمة "الأهلى" فى كل مكان، بشرط أن يبقى الأهلى الأكبر والأجمل والأول هو ذلك الذى يسكن الجزيرة فى قلب القاهرة. وكان للأمير دور بارز فى النهوض بالحركة الرياضية فى السعودية بدءاً من عام 1952، الذى شهد إقامة أول دورى رسمى منظم لكرة القدم فى المملكة، على كأسه فى المنطقة الغربية، وساهم فى عام 1954 بتأسيس الاتحاد العربى السعودى لكرة القدم للإشراف على تنظيم المباريات تحت مسمى اللجنة العليا لاتحاد كرة القدم، وفى العام الذى تلاه، أنشأ صندوقا للاعبين، وبفضل جهوده فى عام 1955 تم اعتماد بلاده رسمياً كعضو أساسى فى الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا)، وتم قبول المملكة عضواً رسمياً عام 1956. كما عمل على اعتماد ثلاث بطولات لكرة القدم السعودية، أبرزها كأس الملك وكأس ولى العهد. غير رئاسته الشرفية للنادى الأهلى، اختاره الاتحاد المصرى للسباحة رئيساً شرفياً له مدى الحياة. وغير تبرعه بمبلغ مائتى ألف جنيه لانشاء استاد الأهلى بمدينة نصر عام 1976م وتبرعه برواتب المدربين، تنازل أيضا عن نصيبه فى بعض الشركات فى مصر لصالح النادى الأهلى كما تكفل بإنشاء صالة مغطاة سميت باسمه داخل النادى الأهلى. وأكثر من ذلك هو أنه دعم كثيرا من الأندية العربية والنشاط الرياضى العربى سواء فى السودان أو المغرب أو تونس وأيضاً نادى الجيل اليمنى. ففى السودان قدم دعماً سخياً للأنشطة الرياضية ولنادى المريخ. وفى تونس الشقيقة قدم سموه الدعم لنادى الترجى والصفاقسى. بل إن دعمه للرياضة تخطى حدود الوطن العربى ليشمل الرياضة العالمية ورموزها، فدعم محمد على كلاى بطل الملاكمة العالمى الشهير، ودعاه إلى الأراضى المقدسة لأداء فريضة الحج وأقام حفل عشاء على شرف ضيفه. وأشار إلى أنه على أتم الاستعداد لدعمه فى أى مشروعات مستقبلية. كما دعم العديد من مشاهير الرياضة وأقام لهم حفلات تكريم، منهم المصارع سيف شاه وعبدالرحمن بهلوان، واللاعب الأرجنتينى الأشهر مارادونا. ملمح آخر مهم من شخصية الأمير الشاعر كشفته رسالة كتبها بخط دقيق غاية فى الجمال والأناقة، تفيض أدبا واحتراما لسيدة الغناء العربى، السيدة أم كلثوم، تكشف عن تقديره لأهل الفن والثقافة، يبدؤها بعبارة: "ست الكل أم كلثوم"، حملت مشاعر عفوية بين لمن تغنت بقصيدتى "ثورة الشك، و"من أجل عينيك عشقت الهوى" للأمير الشاعر الذى كتب قصائد أخرى سمعناها بأصوات كبار المطربات والمطربين، عبد الحليم حافظ، نجاة، فايزة أحمد، عزيزة جلال، عبادى الجوهر، طلال مداح ومحمد عبده. وكانت ردا على رسالة تحدثت فيها أم كلثوم للأمير عن مرضها، ليجيبها معبرا عن قلقه على صحتها ومزاجها المتعكر الذى ألم بها، كما يكشف أنه هو أيضا متعب المزاج وأن خبر مرضها زاد ما به، ويخبرها بأنه استجاب إلى طلبها بتسجيل حقوق قصيدة كانت تريد غناءها، لا تكشف الرسالة المختصرة عنوانها، ولا نعرف منها إن كان قد تم تلحينها وغناؤها فيما بعد أم لا، وكل ما نعرفه هو أن الأمير يؤكد أنه يقبل ما تختاره أم كلثوم منها بذائقتها الرفيعة. وهذا هو نص الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم ست الكل أم كلثوم.. تحياتى وأشواقى أبعثها لك، مع تمنياتى لك بالصحة وطول العمر والسعادة. تلقيت بيد الشكر رسالتك الكريمة، وكان فضلاً منك أن تكتبى لى، وأنت منحرفة المزاج، ولكنك صاحبة الفضل دائما، وقد عودتينا عليه، أنا بخير إن شاء الله، وكل شىء طيب، ما عدا حالتى النفسية، وقد زادت بعد سماعى الخبر السيئ عن انحراف صحتك. أما الأغنية فأنا قد كلفت "جمال" أنك الوصية عليها، حياً أو ميتاً، وسيصلك صك شرعى من المحكمة، وأنت تعلمين أننى ليس لى ملاحظة على ما تختارين، فهل هناك ذواقة للشعر مثلك؟! أرجو أن أسمع فى القريب ما يثلج صدرى عن صحتك، ودومى لنا يا مسعدة الملايين وأسية الجراح. المخلص عبدالله الفيصل 25 محرم 1393 هجرية يوافق 28 فبراير 1973 أى بعد شهور من غناء أم كلثوم لقصيدته " من أجل عينيك التى افتتحت بها موسمها الغنائى سنة 72 التى استغرق تلحينها خمسة وأربعين يوما، وأجريت عليها عشر بروفات مع قائد فرقتها الموسيقية عازف القانون الأول محمد عبده صالح، قبل أن يسمعها الجمهور فى دار سينما قصر النيل. لا أستطيع أن أمنعك من مقارنة رجل بطفل، ولا من الصيغة التى تعامل بها الأمير ابن الملك مع من تغنت بقصائدة، وصيغة أخرى تعامل بها آخرون وصلت إلى أقسام الشرطة. وطبيعى أن تنعقد المقارنة بين برج الشعر الذهبى، وبرج الحوت بكل التفاهات التى تسكنه. غير أن أهم من تلك المقارنات هو أن "من أجل عينيك" تعيدنا إلى علاقة الأمير الشاعر عبدالله الفيصل، رحمه الله، بمصر وشعبها وبناديها الأكثر شعبية الذى دعمه بمنتهى الحب وقدم له الكثير "من أجل عينيه"، دون أن يظهر الأمير فى صورة المستثمر أو المتبرع بل ظهر فى صورة المحب المشجع الذى ينفق من أمواله الخاصة لدعم النادى الذى يحبه؛ فبادلته جماهير الأهلى حبا بحب ولم تشعر بأن الرجل يقدم نفسه لأحد ولم تشعر بأن ناديها مشروع من مشاريع الاستثمار السعودى فى مصر، ربما لأن الرجل نفسه لم يفوّت فرصة إلا وأعلن صراحةً عشقه لمصر صاحبة الفضل.