الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:43 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب : مصر فوق الاملاءات


"مو صلاح".. تفاصيل العلاقة السرية بين "الكينج" وبرنامج الاصلاح الاقتصادى
- تقارير سيادية : صندوق النقد الدولي لا يملك إلزام مصر بتنفيذ سياسات محددة بل يقدم تصورات تحدث بشأنها نقاشات تستطيع مصر الاستفادة منها بالطريقة التي تناسبها
- رسائل ديفيد ليبتون تكشف تفاصيل العبور الصعب للسنوات العجاف
لا تتوقف الشائعات بدءًا من الحديث عن ضغوط يمارسها صندوق النقد الدولي على مصر وليس انتهاء بالربط بين تلك الضغوط المزعومة وموجات غلاء الأسعار السابقة والحالية والمتوقعة. بينما تقول الحقائق إن هناك إيجابيات كثيرة ظهرت واضحة أمام العالم أكدت أن مصر تسير على الطريق الصحيح وتتطلع إلى استدامة استقرار أوضاعها الاقتصادية، وتواصل تحقيق النمو وتوفير فرص العمل وتحسين بيئة الأعمال.وأن صندوق النقد الدولي لا يملك إلزام مصر بتنفيذ سياسات محددة، بل يقدم تصورات تحدث بشأنها نقاشات تستطيع مصر الاستفادة منها بالطريقة التي تناسبها، فى الوقت الذي تحدده بناء على الأوضاع الداخلية. وقد ترفض ما تراه لا يتناسب مع خطة الدولة أو يتعارض مع احتياجات شعبها.
صندوق النقد الدولي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، أنشئ بموجب معاهدة دولية عام 1945 للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، ومقره العاصمة الأمريكية (واشنطن)، ويديره أعضاؤه الذين يشملون جميع بلدان العالم تقريبا بعددها البالغ 188 بلدا. وتطورت أهداف الصندوق منذ نشأته، فبعد أن تمثل دوره في تزويد الدول التي تتعرض لعجز في موازين المدفوعات، بمساعدات مالية قصيرة الأمد، تحول في السبعينيات، لمؤسسة تدير الأزمات المالية في الأسواق النامية، وتقدم قروضا طويلة المدى، بالإضافة إلى الاستشارات والنصح.
وتخضع قروض الصندوق لمجموعة من الاشتراطات تهدف لربط إتمام التحويلات المالية بقيام الدول بتنفيذ سياسات، تضمن للدولة المقترضة استمرار الحصول على التمويل.
زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر لإجراء المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي أكدت الشراكة والتعاون المثمر بين مصر والصندوق، ومساندة الصندوق لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، وسعى الجانبين لرسم رؤية واضحة للمستقبل لتحقيق نتائج إيجابية ملموسة للبرنامج خلال المراحل الأخيرة من قرض صندوق النقد الدولي المتفق عليه مع مصر منذ نوفمبر 2016 الذي تحصل مصر بموجبه على 12 مليار دولار عبر شرائح متعددة، حيث ستوفر المراجعة الثالثة ملياري دولار تليها شرائح أخرى بالقيمة نفسها لكل مراجعة تالية حتى الأشهر الأخيرة من العام المقبل 2019.
كل الشواهد تؤكد أن مصر تسير على الطريق الصحيح وتتطلع إلى استدامة استقرار الأوضاع الاقتصادية وتحقيق النمو وتوفير فرص العمل وتحسين بيئة الأعمال. وكانت أهم ملامح البرنامج التي طرحها الجانب المصري تستند إلى تحسن مؤشرات الاقتصاد خلال الفترة الماضية حيث انخفض معدل البطالة إلى 11.3 وهو أدنى مستوى له منذ 4 سنوات وزيادة احتياطي النقد الأجنبي إلى 44 مليار دولار بنهاية ابريل الماضي وانخفاض التضخم إلى أدنى مستوى له ليصل إلى 13.1% وهو أدنى مستوى منذ 22 شهرا وانخفاض العجز في المعاملات الجارية بنسبة 14% نتيجة نمو الصادرات السلعية بنسبة 15% ومتحصلات السياحة بنسبة 214% وتحويلات العمالة بالخارج بنسبة 29% وإيرادات قناة السويس بنسبة 10%. كما تراجع الدين العام خلال الفترة نفسها إلى جانب توقعات تحقيق فائض مستمر في الموازنة خلال السنوات القادمة. ويهدف البرنامج إلى إحداث تطور صناعي خلال السنوات القادمة في اقتصاد يتجه إلى اللامركزية والتكنولوجيا المالية واقتصاد رقمي يتجه إلى ضبط الإنفاق الحكومي وخفض الدين العام ورفع معدلات الادخار وترشيد الدعم وضمان وصول دعم الكهرباء والطاقة لمستحقيه وتحويل الدعم إلى دعم نقدي والتوسع في برنامج تكافل وكرامة للدعم النقدي. وتعزيز الشمول المالي باعتبار مصر حلقة مهمة في القطاع المالي العالمي.
كما يعمل البرنامج خلال الفترة القادمة على إحداث توازن بين نصيب القطاعين العام والخاص في التنمية وإفساح مزيد من المشاركة للقطاع الخاص في مشروعات التنمية مع الحفاظ على دور الدولة بهدف رفع معدل النمو الاقتصادي إلى 5.8% خلال العام المالي 2018-2019 وليرتفع إلى 8% بنهاية عام 2022 وزيادة مساهمة الصناعة وتحسين نمو القطاع الصناعي من 6% إلى 11% خلال الفترة نفسها في ضوء معدلات نمو سنوي للصادرات غير البترولية تتجاوز 12%. ويهدف برنامج الإصلاح الاقتصادي إلى إنعاش البورصة وخفض الفائدة في البنوك بنحو 200 نقطة أخرى في المدى القصير وإصدار قانون جديد للقطاع المصرفي والبنك المركزي بالاستفادة من الخبرات الدولية ومنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث يعمل القانون على دعم الحوكمة وحماية استقلالية القطاع المصرفي والبنك المركزي من أى سياسات غير مدروسة مع تهيئة مناخ الاستثمار وسن القوانين والتشريعات لتهيئة بيئة الاستثمار والأعمال.
البرنامج يركز أيضا على مضاعفة الجهود لضبط النمو السكاني وإيصال حجم فرص العمل إلى 750 ألف فرصة عمل في العام الحالي و850 ألف فرصة عمل في العام المقبل والتوسع في تدريب الموظفين والشباب، ويهدف أيضا لتحسين وتطوير شبكة الطرق ومياه الشرب والصرف الصحي والتعليم لتحسين حياة الموظفين وسد الفجوة التمويلية والاهتمام بالمحافظات الأكثر احتياجا في الصعيد وسيناء. وعلى الجانب الآخر ركزت رؤية الصندوق على أهمية تهيئة مناخ الاستثمار بشفافية وإزالة الحواجز غير الجمركية من أجل اقتصاد عادل ومحاربة الفساد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي واستكمال إنجازات برنامج الإصلاح الاقتصادي. وإفساح المجال لمشاركة القطاع الخاص ولدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وزيادة قدرتها على المنافسة محليا وعالميا وزيادة فرص التشغيل.
فى هذا الإطار جاءت تصريحات ديفيد ليبتون النائب الأول لمدير صندوق النقد الدولي خلال زيارة البعثة للقاهرة التي أكدت شجاعة القيادة السياسية المصرية في تبنى إصلاحات جريئة أدت إلى تجنب العبء على مصر وتحسين المؤشرات الاقتصادية. كما أكد حرص الصندوق على التعاون مع مصر لإنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي. وأكد أعضاء بعثة الصندوق وملاحظاتهم أن النظام الاقتصادي الحديث سيلبى تطلعات الشباب ويرفع مستويات المعيشة ويواجه التحدي الكبير في خلق فرص عمل واسعة في ظل الزيادة السكانية الكبيرة، حيث تشير توقعات الصندوق إلى ارتفاع قوة العمل بنسبة 20% في عام 2028، وأن مصر تستطيع ان تستفيد من إمكانيات الشباب واستيعابهم، ما سيعطى دفعة للنمو ليصل إلى 6 - 8% وهو ما سينعكس بالضرورة على تحسين مستوى معيشة المواطن. وعلى الجانب الاجتماعي ركزت رؤية الصندوق على أن تكامل برنامج الحماية الاجتماعية أهم ضمانات نجاح الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.
الإيجابيات التي أشارت إليها التصريحات المتوالية أو المتواترة، يمكن تلخيصها في خطاب ديفيد ليبتون الذي أكد فيه أن مصر تشهد الآن استقرارا اقتصاديا كليا وأن الثقة عادت إلى الأسواق، وأن النمو استأنف مساره والتضخم تراجع، بينما توقع انخفاض نسبة الدين العام للمرة الأولى منذ ما يقرب من عقد من الزمن. وأشار إلى أن الشعب المصري لعب دورا كبيرا حينما تحلى بالصبر خلال وقت عصيب، وأكد أن الوقت قد حان الآن للاستفادة من الاستقرار الاقتصادي الكلى الذي تحقق بصعوبة بالغة والمضي نحو خلق فرص العمل ورفع مستويات المعيشة من خلال النمو المستدام وربما كان ذلك أمرا صعبا، لكنه سيؤتى ثماره نتيجة كل الجهود التي بُذِلت حتى يومنا هذا.
قبل أن نتوقف أمام نقاط أخرى تضمنتها كلمته بمؤتمر النمو الشامل والتنمية المستدامة، نشير إلى أن ديفيد ليبتون منذ أن وصل إلى القاهرة وهو يتحدث عن مصر في تغريداته على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" فقال في التغريدة الأولى: "أنا في القاهرة لعقد مؤتمر حول مستقبل الإصلاحات الاقتصادية في مصر.. سوف نتصدى لتحديات النمو الشامل والتوظيف - القضايا الرئيسية لبلد حقق خطوات كبيرة لتحقيق الاستقرار الكلى في السنوات الأخيرة". أما التغريدة الثانية فكتب فيها: "تحتاج مصر للبناء على نجاحها الاقتصادي الأخير من خلال تعميق الإصلاحات، خلاصة القول هى التركيز على خلق فرص العمل. وهذا يتطلب وجود قطاع خاص سليم قائم على أساس متكافئ يشجع المنافسة الحقيقية". وكانت التغريدة الثالثة عن لقائه برواد الأعمال بمنطقة وسط البلد مصحوبة بصور المكان وقال فيها: "أجريت مناقشة حيوية مع رواد الأعمال الشباب في مصر في الحرم اليوناني.. من المهم وجود قطاع خاص قادر على خلق مساحة للشباب ورجال الأعمال". وكتب في التغريدة الرابعة: " مصر يمكن أن تتعلم الكثير من الدول التي عالجت التحديات الاقتصادية التي تواجهها الآن - خلق فرص العمل، والحد من البيروقراطية، وزيادة الشفافية، واستخدام التكنولوجيا لتقوية البرامج الاجتماعية". وكان لافتا في التغريدة الخامسة أنه شبه فيها التحدي الاقتصادي الذي تواجهه مصر بالتحديات التي يواجهها نجم كرة القدم محمد صلاح، فكتب: "أعتقد أن اقتصاد مصر جاهز لمزيد من المنافسة. شاهد نموذج محمد صلاح فقد تربح أو تخسر في لعبة واحدة، لكن التنافس مع الأفضل هو ما يجعلك أفضل".
نعود إلى الكلمة التي ألقاها في مؤتمر النمو الشامل والتنمية المستدامة، الذي عقده صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية. وفيها حذر ديفيد ليبتون من ثلاثة تحديات كبرى تواجه الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة، وهى ارتفاع الدين العام، والتأخر في إصلاح دعم الطاقة، والحد من البطالة وتوفير فرص عمل. وأشار إلى أن هذه الفترة تشهد تعافى الصادرات والسياحة، وتراجع العجز في الحساب الجاري، كما تحسنت مستويات الثقة وانتعش الاستثمار. ونتيجة لذلك، بلغ النمو في العام الجاري حتى وقتنا هذا 5.2%، كما توقع انخفاض التضخم إلى 11%. وأكد على أن هناك أدلة واضحة على أن سيطرة البنك المركزي المصري على السياسة النقدية مكنت من احتواء الآثار الجانبية لانخفاض سعر صرف الجنيه، وارتفاع أسعار الوقود، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة.
أما إصلاح الدعم في حد ذاته فقد أتاح بعض الموارد اللازمة لتمويل المساعدات الاجتماعية الموجهة لمستحقيها، وسمح كذلك بتوجيه أسعار الوقود نحو مستوى أقرب إلى تكلفتها الحقيقية، وإن تخفيض الدعم يتيح زيادة الكفاءة في تخصيص الموارد على مستوى الاقتصاد، وهو ما يشكل عنصرا مهما في إطلاق الإمكانات الاقتصادية لمصر. وأضاف أن مصر لا يسعها التأخر في جهود خلق فرص العمل، فمع حلول عام 2028 سيرتفع عدد السكان في مصر ممن هم في سن العمل بنسبة قدرها 20%، الأمر الذي سيؤدى إلى بلوغ حجم القوى العاملة 80 مليون مصري بعد 10 سنوات فقط. وخلق فرص العمل لكل هؤلاء المواطنين هو حتما أكبر تحد اقتصادي أمام مصر.
أهمية خطاب ديفيد ليبتون على المستوى الدولي، تأتي من أن المؤسسات الدولية والشركات الأجنبية متعددة الجنسيات وكبار المستثمرين الدوليين يعتمدون اعتمادا كليا على تقارير البنك الدولي وصندوق النقد قبل ضخ أي استثمارات في أي دولة، فتقارير صندوق النقد تعتمد دائما على الأرقام والمؤشرات الدقيقة للاقتصاد المحلى وتبرز أهم المخاطر التي قد يتعرض لها اقتصاد الدولة التي يتحدث عنها التقرير ويضع أهم التنبؤات المستقبلية الأكثر احتمالا بالنسبة للدولة محل الدراسة. كما أن استضافة النائب الأول لمدير صندوق النقد الدولي مؤشر إيجابي للغاية لصورة مصر أمام العالم، فهي رسالة واضحة بأن مصر أصبحت ملاذا آمنا للاستثمارات الأجنبية خاصة بعد إشارته لارتفاع توقعات النمو للاقتصاد المصري، فهو لم يقل ذلك إلا بعد الاطلاع على خطة الحكومة وبرنامج العمل الذي تطبقه خلال العام المالي الحالي والمقبل وتقييمه للأوضاع الحقيقية عن قرب أثناء زيارته لمصر.
المهم هو أن قيام صندوق النقد الدولي بتعديل توقعات النمو للاقتصاد المصري من 4.8 إلى 5.2% جاء بعد تحقق الاستقرار السياسي وانتهاء الانتخابات الرئاسية دون حدوث أي توترات تعكر الاستقرار الداخلي. كما أن الإشادة بمستقبل الاقتصاد المصري الذي تحدث عنه ديفيد ليبتون جاءت بناء على تقييمه لما قدمته الحكومة من برامج وخطط الأداء ومن المؤكد أن صندوق النقد الدولي لم يعتمد على مؤشرات الحكومة المصرية فقط، فهو لديه مصادره الخاصة ويعمل لديه خبراء ومكاتب استشارية كثيرة داخل مصر يراقبون ويحللون كل القرارات والمؤشرات الاقتصادية بالإضافة إلى مراجعة كل المشروعات القومية ومعدلات العمل فيها وفقا للخطط الزمنية المحددة.
حديث ليبتون عن مصر وعن التحسن الإيجابي لأداء اقتصادها هو أكبر دليل أمام العالم على أن مصر في طريقها للنمو الصحيح خلال السنوات المقبلة. وأنها نجحت في إحراز عدد من الأهداف، تشمل تقليص التضخم وزيادة صافى احتياطياتها الدولية، ولكن ذلك كان على حساب زيادة المديونية، وذلك رغم الاعتقاد بأن المستوى الحالي العالي للدين المحلى (97% من الناتج القومي الإجمالي) يمثل عبئا على الموازنة العامة، إلا أننا على ثقة من أن التزام مصر ببرنامج الإصلاح، وخطة تصحيح أوضاع المالية العامة، وتوقعاتنا بزيادة نمو الناتج المحلى الإجمالي؛ ستؤدى إلى الانخفاض التدريجي لنسبة الدين المحلى إلى الناتج المحلى الإجمالي.
الزيادة في الدين الخارجي الذي بلغ 100 مليار دولار أمريكي وفقا لأحدث الأرقام المعلنة، بعد أن كان 67 مليار دولار أمريكي في ديسمبر 2016، يمثل مصدرا رئيسيا لتحديات الاقتصاد المصري، كما تشتمل المخاطر الخارجية الأخرى على زيادة أسعار النفط العالمية، ما قد يخل بالتوازن بين استقرار الأسعار، وبين خطة تصحيح أوضاع المالية العامة. كما نؤمن بأن نمو استثمارات القطاع الخاص عامل رئيسي لزيادة استدامة نمو الناتج المحلى الإجمالي. ومع التطلع إلى نمو أكثر شمولا، نتوقع أن تتبنى الحكومة عددا من التدابير النقدية والمالية، لتحفيز نمو استثمارات القطاع الخاص، خاصة أن تباطؤ التضخم يدعو بقوة لسياسة تيسير نقدية، ونتوقع أن يبلغ إجمالي خفض أسعار الفائدة 800 نقطة أساس طوال الفترة 2018-2019، حيث سيواصل التضخم السنوي التباطؤ إلى متوسط قدره 13% في السنة المالية 2018/2019، و11% في السنة المالية 2019/2020، مع تحقيق استقرار إلى حد كبير في سعر الصرف الأجنبي في المدى القصير، وهو أمر من شأنه أن يؤدى إلى تحسين مناخ الاستثمار في مصر، وتحفيز النمو.
وبالنظر إلى أن الناتج المحلى الإجمالي قد نما في النصف الأول من السنة المالية 2017/2018 من 3.83% إلى 5.23% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، وهى الأرقام التي من المرجح ان تستمر في التحسن بموجب نمو الاستثمار وعدد من الإصلاحات التشريعية القادمة. وهو ما يدفعنا إلى توقع أن يبلغ الناتج المحلى الإجمالي 5.3% في السنة المالية 2017/2018، قبل أن يصل إلى 6% في السنة المالية 2018/2019، و6.2% في السنة المالية 2019/2020"
صندوق النقد، في تقرير المراجعة الثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، حذر البنك المركزي، من تخفيف السياسة النقدية "قبل الأوان" وأِشار إلى أن خطوة كهذه قد تؤثر سلبا في توقعات التضخم التي يرغب الصندوق في خفضها. لكنه عاد وعدل من تحفظه خلال قرار المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة 1% للمرة الثانية واصفا الخطوة بأنها جاءت في التوقيت المناسب، وخاصة أن القرار يتسق مع اتجاهات التضخم المسجلة في الأشهر الأخيرة ومع هدف البنك المركزي المصري المتمثل في خفض التضخم إلى أدنى مستوياته في عام 2018.
من شأن الفائدة المرتفعة أن تشجع المواطنين على الادخار بدلا من الاستثمار، كما أنها تجعل تكلفة الاقتراض مرتفعة، فيقل الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي لا تزيد الأسعار بمعدلات كبيرة. وهناك عوامل يستند عليها البنك المركزي في قرار خفض الفائدة تتضمن تراجع التضخم إلى معدلات أقل، وتحسن ميزان المدفوعات، وثبات الدولار الجمركي. وما من شك في أن قرارات رفع الفائدة في الفترة الأخيرة جاءت تزامنا مع قرار تحرير سعر الصرف لجمع السيولة من السوق، ومقاومة التضخم الذي تفاقمت مستوياته إلى حدود كان لابد معها من وقفات إصلاحية، وهو الهدف الذي نجحت السلطات النقدية في تحقيقه بالفعل بعد بلوغ مبيعات شهادات الاستثمار ذات العائد 20 % نحو 800 مليار جنيه بالبنوك العامة.
خفض الفائدة يندرج تحت التيسيرات النقدية المرنة التي ينتهجها المركزي والتي تستهدف دعم نشاط التمويل في القطاع البنكي أمام تخفيض تكلفة الإقراض، الأمر الذي يعزز الاستثمارات، ويمثل فرصة سانحة أمام المستثمرين لسحب رءوس الأموال من البنوك وإعادة ضخها في الأسواق، ما ينعكس إيجابا على النمو الاقتصادي. كما أن الاتجاه الحالي ينبئ بإجراء مزيد من الخفض، حيث إن إجراءات رفع الفائدة عقب تحرير سعر الصرف في نوفمبر بدأت تؤتى ثمارها وأسفرت عن خفض معدل التضخم الذي ارتفع بعد قرار التعويم إلى مستويات تجاوزت 30%، ما قد يخفف من الأعباء الواقعة على كاهل المواطنين إزاء إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها البلاد. ويشار إلى أن ميزان المدفوعات في مصر شهد تحسنا ملحوظا في الفترة الأخيرة ليتراجع عجز الحساب الجاري إلى 3.4 مليار دولار في النصف الأول من العام المالي 2017-2018 مقابل 9.4 مليار دولار سجلها العجز بنحو 64% مقارنة بالفترة نفسها من العام المالي الماضي. أما الاتجاه الرامي إلى تثبيت أسعار الفائدة للحفاظ على استثمارات الأجانب في أذون الخزانة التي تجاوزت 20 مليار دولار العام الماضي لن يؤتى بثماره، خاصة أن مصر تمنح فائدة مميزة على أدوات الدين الحكومي.
رؤية صندوق النقد الدولي بأن الوقت غير مناسب لخفض سعر الفائدة، مجرد توصية يقدمها، وليست رؤية إلزامية لأن البنك المركزي بيده زمام الأمور فيما يتعلق بالسياسة النقدية التي تتضافر مع نظيرتها المالية. أما تحذيرات الصندوق بالتأني في اتخاذ قرار تخفيض سعر الفائدة فتشير إلى احتمالية لجوء البنك المركزي لتثبيت العائد في اجتماع الأسبوع الجاري، على أن يبدأ موجة التخفيض من الاجتماع التالي. ونتوقع ثبات أسعار الفائدة خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية نهاية الأسبوع الجاري، خاصة في ظل التأكيدات على رفع أسعار الوقود خلال الفترة المقبلة وخطط زيادة أسعار الخدمات الأخرى، الأمر الذي قد يجعل لهذه الخطوة تأثيرا في معدلات التضخم.
التضخم كان وصل إلى ذروته خلال شهر يوليو 2017 بعدما رفعت الحكومة أسعار الوقود ضمن خطتها لترشيد الدعم، لتسجل 33% و35.3% للتضخم العام والأساسي على التوالي، ثم أخذت في الانخفاض منذ أغسطس وحتى يناير الماضي، لتسجل أدنى مستوى منذ أكتوبر وسبتمبر 2016. وعليه، سيكون أمام البنك المركزي خيارين: الأول ينطوي على تثبيت سعر الفائدة لمواصلة استيعاب السوق لتبعات تحرير سعر الصرف، بينما الخيار الآخر هو تخفيض أسعار الفائدة في ضوء انخفاض معدلات التضخم.
أسعار الفائدة مرشحة للتراجع على مدار العام الجاري. وهو ما يعنى أن المركزي قد يخفض الفائدة مجددا بين 1 و3% خلال الأشهر المقبلة من العام الجاري. وبالتالي نتوقع أن إصلاحات "دعم الطاقة" خلال النصف الثاني من العام الحالي ستسهم في رفع أسعار المنتجات البترولية، وذلك سيسهم في ثبات معدلات التضخم بين 12 و13% خلال النصف الثاني من 2018، ما قد يدفع البنك المركزي إلى تثبيت أسعار الفائدة حتى انتهاء الفترة التضخمية.
استمرار تحقيق معدلات التضخم وفقا لمستهدفات البنك المركزي عند 13% قبل نهاية العام، يدعم توجه للبنك المركزي في تخفيض الفائدة، ونستبعد أن يعاود البنك المركزي سياسة رفع الفائدة خلال العام الحالي. ولاحظ أن صندوق النقد الدولي أشاد باتجاه البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية الماضي بعد أن أبدى تحفظه على سياسة الخفض خلال اجتماع يناير الماضي. كما أن مصر مرتبطة باتفاق برنامج إصلاح اقتصادي يتسم بالمرونة مع صندوق النقد الدولي. وهناك اجتماعات دورية بين الجانبين للاطلاع على جميع التطورات، وسبق أن أشار الصندوق في بعض تقاريره إلى ضرورة التأني قبل تيسير السياسة النقدية. وإلى أن خفض الفائدة ضروري لتحقيق مستهدفات الحكومة فيما يتعلق بمعدل النمو الاقتصادي، حيث إن أهداف الحكومة لزيادة النمو الاقتصادي لن تتحقق دون جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية التي يعوق وجودها ارتفاع سعر الفائدة.
لسنا حالة استثنائية، كثير من الدول لجأت إلى صندوق النقد الدولي في محاولة منها لإنقاذ اقتصادها، وغالبا ما تسير خطوات الدول في طريقين، إما عن طريق وضع خطة لسداد القرض بدون أن تتحول إلى الرأسمالية، وإلغاء الدعم عن المواطن، والطريق الثاني هو إنهاك اقتصاد الدولة بالكامل، وعدم قدرتها على سداد القرض، وبالتالي تضطر إلى الاستسلام لفرض شروط جديدة من جانب الصندوق. ونشير هنا إلى المغرب والعراق، اتفقتا على الحصول على قروض من الصندوق، كما قررت دول الخليج تنفيذ توصيات النقد الدولي، للخروج من أزمة هبوط أسعار النفط، فيما تواصل السودان مباحثاتها دون التوصل لاتفاق.
مصر التي نجحت من خلال مفاوضاتها مع الصندوق في الحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار، على مدار 3 سنوات، تقوم بتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي محدد بفترة زمنية، حتى يتم سداد القرض، دون أي خضوع لإملاءات من أي نوع بتنفيذ سياسات محددة، بل يوجد نقاش مع صندوق النقد الدولي تستطيع الاستفادة منها بالطريقة التي تناسبها، في الوقت الذي تحدده، وترفض ما لا تراه مناسبا أو لا يتناسب مع خطة الدولة.