الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:35 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: سوريا.. وقمة الأحزان العربية


الموجز تدق أجراس الخطر :
ـ هل تتخلى إيران عن برنامجها النووى بعد 13 عاماً من المفاوضات؟
ـ تصريحات ترامب حول تورط طهران فى دعم الإرهاب وقتل الجنود الامريكان جاءت للتهديد وليس للحسم
ـ نص رسالة وزير الخارجية البريطانى من مجلس العموم إلى البيت الأبيض
يخطئ من يتصور أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، سيضع حدا لمحاولات تدخل الدولة الفارسية المتمادية، في المنطقة، التي جعلتها تعلن طوال الأعوام الماضية أنها هي القوة المحورية الوحيدة التي يُفترض أن تدير شؤون المنطقة! بل وواصلت سياستها الاقتحامية بتدخلها في شؤون المنطقة، سواء في اليمن أو السعودية أو في العراق والبحرين والكويت ولبنان والسودان و...حتى مصر!
دائما وأبدا، كانت هناك حسابات ورهانات في طهران، شجّعتها على الاستمرار في هذه الممارسات العدائية، دون أن تضع في اعتبارها أية ردود أفعال من الدول التي تدس أنفها و"عملاءها" في شئونها. وبالتالي يمكننا النظر إلى التطورات الأخيرة باعتبارها حلقة من مسلسل بدأت حلقاته الأولى منذ زمن بعيد.. واستمر العرض حتى وصلنا إلى حلقة قيام الرئيس الأمريكي بإلغاء الاتفاق النووي بعد تردد دام سنة، وبعد ضغوط أوروبية أرادت ألا يحدث ذلك. وهكذا عاد الملف النووي الإيراني إلى نقطة الصفر. بل أصبح أكثر تعقيدا من السابق، بعد أن ربط ترامب الملف بتسلح إيران الصاروخي بعيد المدى وبتدخلها في أزمات المنطقة. أي لم تعد القضية قضية تخصيب اليورانيوم، بل قضية استراتيجية تتعلق بالنظام الإيراني ودوره وانتشاره في المنطقة وتسببه في زعزعة استقرارها، وتهديداته المستمرة لدول المنطقة.
مع إعلان الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق النووي كدنا نصل إلى مرحلة قلب الطاولة.. وبات الطريق ممهدا أمام جولات جديدة من المواجهات المستترة والمكشوفة، وقطع أي طريق أمام أي محاولات للتهدئة. وبغض النظر عن خلفيات الصراع العربي ـ الفارسي، فان العبور إلى "المنطقة المجهولة" أو "الصراع المفتوح" بين الطرفين أمر صعب جدا ويمثل معضلة حقيقية.
وما من شك في أن محاولات التقارب السابقة بين الطرفين فشلت كلها في التوصل إلى تقارب دبلوماسي منطقي، خاصة مع تنامي موجة الإرهاب العالمي، والشعور العالمي بخطر تنامي التنظيمات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط، الذي بات يهدد الأمن والسلم على المستوى العالمي، وهو الأمر الذي دفع الجميع للتفكير مرتين في إقامة شراكة إقليمية ودولية لدفع خطر الإرهاب بدلا من الدخول في صراعات ثنائية تساعد على تنامي التطرف.
عندما جاء من قيل إنهم "إصلاحيون" إلى السلطة في إيران، كانت هناك وساطات قامت بها سلطنة عمان على المستوى الإقليمي والدولي، وهي الوساطات التي مهدت الطريق، في تصوري، لحل الخلاف النووي والتوصل إلى اتفاق مع مجموعة (5+1) بعد (22) شهراً من المباحثات التي اتسمت بالسرية والتوتر. كما سعت إلى تقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية المستمر منذ عام 1979، لكنها لم تنجح في ذلك رغم المؤشرات الإيجابية والتشجيع الدولي الذي تزامن مع هذه المساعي، بعد أن تقاطعت الوفود المشاركة عند أول القضايا المطروحة، وزاد من تعقيد التفاهم الدبلوماسي، وفاة الملك السعودي (عبد الله بن عبد العزيز) وتسلم أخيه للسلطة (سلمان بن عبد العزيز) في المملكة، وما رافقها من حرب اليمن والاتفاق النووي وتبادل الاتهامات حول سوريا وحادثة منى وغيرها.
لم يترك الرئيس الأمريكي، على غرار ما فعل في خطاب سابق يوم الثالث عشر من تشرين الأوّل الماضي نقطة مرتبطة بالنشاط الإيراني في المنطقة إلّا وذكرها. كان واضحاً أنّه يتحدّث عن تنفيذ مشروع توسّعي في المنطقة. من عناصر هذا المشروع إطلاق صواريخ باليستية من الأراضي اليمنية في اتجاه المملكة العربية السعودية. ليس تفصيلاً الموقف الذي اتّخذه الرئيس الأمريكي من النشاط الإيراني في اليمن.
كان من بين أهمّ ما قاله ترامب إنّه بات يعرف "أنّ النظام الإيراني يتصدّر الدول الراعية للإرهاب في العالم". أضاف: "إنّه يُصدّر صواريخ خطرة ويُشعل الصراعات في الشرق الأوسط ويدعم التنظيمات والميليشيات الإرهابية مثل "حزب الله" و"حماس" و"طالبان" و"القاعدة". وعلى مدى السنوات الماضية، قام وكلاء إيران بتفجير السفارات الأمريكية والقواعد العسكرية الأمريكية، فقتلوا مئات الجنود الأمريكيين واختطفوا وسجنوا وعذّبوا مواطنين أمريكيين". بما يعني أن إدارة ترامب، على عكس إدارة باراك أوباما، تعرف أنّ المشكلة مع إيران ليست محصورة في الملف النووي، الذي كان بمثابة تحايل على المنطق والحقيقة ولا شيء غير ذلك. بل إن المشكلة في السلوك الإيراني في المنطقة وفي مشروع يعتمد أوّلاً وأخيراً السيطرة على دول المنطقة.
بعد 48 ساعة على عودته من واشنطن دون تحقيق أي نتائج، أكد بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني، أمام مجلس العموم أن بلاده مستمرة في الاتفاق النووي مع إيران الذي قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الانسحاب منه الثلاثاء الماضي. وقال جونسون إن لندن ستعمل على "الحفاظ على مكتسبات" الاتفاق الذي أُبرِم في 2015 بين بلاده وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين وأمريكا وإيران، ورُفعت بموجبه العقوبات الأممية والأوروبية والأمريكية المفروضة على طهران مقابل وقف أنشطتها النووية. وأضاف: "على الإدارة الأمريكية أن تحدد الآن رؤيتها للمضي قدماً"، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية، مضيفاً أنه "ما دامت التزمت بريطانيا بالاتفاق... يمكن لبريطانيا أن تبقى طرفاً في خطة العمل المشترك الشاملة"، مشدداً على أن بريطانيا "ستبذل جهوداً حثيثة للمحافظة على المكاسب التي حققتها من الاتفاق".
جونسون دعا الولايات المتحدة من منبر البرلمان البريطاني بعد أن فشلت محاولاته مع كبار المسؤولين في واشنطن، إلى "عدم إعاقة تطبيق الآخرين الاتفاق النووي مع إيران"، الذي وصفه بـ"الحيوي لأمن بلاده". وتابع وزير الخارجية البريطاني أن الرئيس الأمريكي يتحمّل الآن مسؤولية توضيح خطته للوصول إلى تسوية جديدة، موضحاً أن بريطانيا مستعدة لدعم هذه الجهود، لكن مع الحفاظ على مكتسبات الاتفاق النووي.
وفي خطوة نادرة في حكومة تيريزا ماي، انضمّ نواب من حزب العمال المعارض إلى جونسون في إدانة القرار الأمريكي، ووصفوا انسحاب واشنطن بـ"العمل المتهور"، و"غير المنطقي" و"التخريب الدبلوماسي"، وفق هيئة الإذاعة البريطانية. وفي المقابل، خرج نواب محافظون بارزون عن موقف حزبهم، ورحّبوا بإعلان ترمب معتبرين الاتفاق ضعيفاً، ولا يواجه سلوك إيران المزعزِع للاستقرار في الشرق الأوسط. وكان بين هؤلاء وزير الدفاع في حكومة ديفيد كاميرون، مايكل فالون الذي قال إن الاتفاق "بدل تقييد سلوك إيران، أتاح للنظام استخدام حريته المالية للتدخل في سوريا والعراق، وخصوصاً في اليمن حيث يرعى هجمات الحوثيين على أصدقائنا في السعودية".
دعت بريطانيا وحليفيها الأوروبيين، فرنسا وألمانيا، إيران إلى الوفاء بالتزاماتها في إطار الاتفاق النووي في مسعى للحفاظ عليه. وتعتبر لندن أنه وفقاً لتصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني وموقفي الصين وروسيا، تبدي كل الجهات المشاركة في الاتفاق اهتماماً بالبقاء جزءاً منه والحفاظ عليه، بعد الانسحاب الأمريكي. كما ترى لندن أنه من مصلحة إيران البقاء في الاتفاق لعاملين اثنين؛ الأول دبلوماسي يتيح لطهران مكاناً على طاولة مفاوضات جديدة محتملة، والثاني اقتصادي يُجنّبها عودة العقوبات الأوروبية. ويشجع المسؤولون البريطانيون الشركات الأوروبية على مواصلة التجارة مع إيران في إطار الاتفاق النووي، إلا أنهم يتفهّمون حاجة قطاع الأعمال لإعادة مراجعة مواقفه بعد تهديد واشنطن بفرض عقوبات قاسية.
متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية، قال إن بريطانيا تواصل العمل من أجل تعزيز التجارة مع إيران، لكن الشركات قد تريد دراسة تداعيات العقوبات الأمريكية على أنشطتها والسعي إلى مشورة قانونية. وأبلغ المتحدث الصحفيين بأن "المملكة المتحدة مستمرة في أن تكون طرفاً في خطة العمل الشاملة المشتركة (التي استند إليها الاتفاق النووي مع إيران)، وعليه فإن حكومة المملكة المتحدة مستمرة في أن تدعم بشكل كامل توسيع علاقتنا للتجارة مع إيران، وتشجيع الشركات في المملكة المتحدة على الاستفادة من الفرص التجارية التي تظهر". واستدرك: "لكن مع إعادة فرض عقوبات أمريكية فإن الشركات في المملكة المتحدة قد ترغب في دراسة التداعيات على أنشطتها للأعمال في إيران وتسعى حيثما يكون ضرورياً للحصول على المشورة القانونية المناسبة".
الإتفاق النووي كان اختباراً للنظام الإيراني، ليس في درجة تجاوبه مع المنظمة الدولية للتفتيش النووي، بل في تعديل سياسات إيران وضبط سلوكها الإقليمي. وهو أمر أخفقت قوى الإصلاح في تحقيقه، ما تسبب بفشل مشروعها أمام الشعب الإيراني، ويدفع العالم إلى الاستخفاف بمؤسسة الرئاسة الإيرانية وأجهزتها، ويطرح علامة استفهام جدية حول جدوى اعتماد الانتخابات وسيلة للتغير في إيران. والأهم من ذلك هو استمرارها في شن الحروب خارج حدودها.
الثابت هو أنه في مثل هذه الحروب التي يمكن تسميتها "الحرب بالوكالة" أو بـ"النيابة"، تقوم القوى المتحاربة باستخدام أطرافا أخرى للقتال بدلا عنها بشكل غير مباشر (أو مباشر) لتحقيق أهداف خاصة.. ومن بين أساليب تلك الحروب تجنيد المرتزقة والأطراف الخارجة على القانون. وقد تكون الأطراف الأخرى حكومات أخرى كوكلاء للحرب، بأن تكون لهذه الحكومات أهداف مشتركة مع القوى الدافعة والداعمة لها، وهناك أمثلة عديدة في التاريخ المعاصر شهدت مثل هذه الحروب، آخرها تلك الحرب التي تقوم فيها أطراف معلومة باستخدام "داعش" بتواطؤ واضح جدا من حكومات عميلة للولايات المتحدة وإسرائيل.
كما أنه أصبح من الواضح تماما أن ما تشهده المنطقة طوال السنوات الـ15 الماضية، واستهداف الدول والشعوب الإسلامية ومواردها الإستراتيجية وعقائدها، هدفه الأبعد أو الرئيسي الهيمنة على هذه الدول واستبدال الحكام بآخرين عملاء، يضمنون لمستخدميهم الهيمنة والسيطرة على الموارد النفطية أو كل مواردها إجمالا. والأهداف الواضحة والتي لا تحتاج كثيرا من الجهد لإدراكها هي فرض واقع جغرافي سياسي جديد لتقسيم وتمزيق المنطقة على أسس طائفية وعرقية تنفيذا لخطة مرسومة جرى إعدادها في مطابخ أمريكا وإسرائيل ومن يواليهم من الغرب والشرق.
بهذا الشكل أو وفق هذا التصور، تم استغلال الصراع بين إيران والسعودية حول زيادة النفوذ والهيمنة على الشرق الأوسط، والمتغيرات والأزمات الأمنية والسياسية التي حدثت في بعض دول المنطقة، وكذلك تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في المملكة والتغيرات التي أجراها في مختلف القطاعات والمؤسسات، بشكل جعل مقاليد الأمور في أيدي بعض الشخصيات الشابة المندفعة، التي تفتقر للخبرة والمهارات القيادية.
تم استغلال ذلك كله لتعظيم التوترات لتشهد أعلى درجاتها منذ الغزو الأمريكي للعراق الذي دعمته السعودية وإيران في 2003، وما أعقبه من تطورات إقليمية أخرى تحولت فيما بعد إلى حرب بالوكالة من خلال دعم وتمويل وتسليح البلدين لحلفائهما وخصوم الطرف الآخر. ومن سوريا إلى العراق إلى اليمن، تدعم كل من الرياض وطهران مجموعات أو دول توافقها مذهبها، وبالتالي تم استخدم التعصب المذهبي كأداة لتحقيق أهدافها السياسية، بما ترتب من تداعيات ألقت بظلالها على المجتمعات والشعوب. ونضيف إلى ما سبق أن تصاعد الخلاف بين السعودية والدولة الفارسية يندرج تحت نظرية "البجعة السوداء" بالنسبة لسوق النفط.. فهو حدث يصعب التنبؤ بما سيفضي إليه لكن تداعياته قد تكون هائلة، ووصول الصراع إلى الشكل المفتوح بين القوتين سيشكل خطرا على نحو 20 في المائة من إمدادات النفط العالمية والتي يتم شحنها يوميا عبر مضيق هرمز.
عبر التاريخ ودروس الزمن تقول إن اللعبة لم تنته بعد، فمع قرابة 13 عاماً من المفاوضات، ونصف القرن من الحلم النووي الإيراني، يبدو من الصعب على الكثيرين تصديق أن الأمر انتهى هكذا، بل ربما يشهد صعوبات جديدة خلال الفترة القادمة، حتى 30 يونيو المقبل، وضع عشرات الخطوط تحت "30 يونيو".. ولا أعتقد، أن اختيار التاريخ مجرد صدفة!
سنة 1957، كان الانطلاقة الأولى للبرنامج النووي الإيراني، حينها وضع شاه إيران أساس البرنامج، بمساعدة من الولايات المتحدة كجزء من برنامج "الذرة من أجل السلام". ووافق الشاه على خطط لبناء عدة محطات لتصل إلى 23 محطة طاقة نووية بحلول عام 2000، كما وقعت إيران معاهدة انتشار الأسلحة النووية عام 1968، وصادقت عليها عام 1970، بما يجعل البرنامج النووي الإيراني محل تحقيق من الوكالة.. سواء وافقت أم لم توافق، فالعقد شريعة المتعاقدين.. والتوقيع على الاتفاقية يلزم من قام بالتوقيع على تنفيذ ما جاء بها من بنود.
غير أن المخطط أخذ منحى آخر مختلفاً تماماً، مع قيام الثورة الإيرانية (التي وصفوها بالإسلامية) عام 1979، إذ أمر روح الله الموسوي الخميني بحل أبحاث الأسلحة النووية السرية، باعتبارها محظورة بموجب الأخلاق الإسلامية، لكنه أعاد السماح بإجراء بحوث صغيرة النطاق في الطاقات النووية، وخضع البرنامج لتوسع كبير بعد وفاته عام 1989، لتبدأ سنوات طويلة من المفاوضات العالمية بين حق إيران بالطاقة النووية ومخاوف دولية من أسلحة فتاكة.
في أبريل 1984، أعلنت مخابرات ألمانيا الغربية أن إيران قد تصنع قنبلة نووية في غضون سنتين، باستخدام اليورانيوم المستورد من باكستان. وعام 1990، بدأت إيران تنظر إلى الخارج نحو شركاء جدد لبرنامجها النووي، وشكلت روسيا منظمة بحثية مشتركة مع إيران باسم "برسيبوليس"، وأمدت روسيا طهران بخبراء الطاقة النووية الروسية، والمعلومات التقنية. وعام 1992، وفي أعقاب مزاعم وسائل الإعلام حول أنشطة نووية غير معلنة، دعت إيران مفتشي الوكالة الدولية إلى البلاد وسمحت لهم بزيارة جميع المواقع والمرافق التي طلبوا أن يروها، وذكر المدير العام "هانز بليكس" أن جميع الأنشطة التي شاهدوها تتفق مع الاستخدام السلمي للطاقة الذرية. كذلك، عام 1995، وقعت إيران عقداً مع روسيا في وزارة الطاقة الذرية لاستئناف العمل جزئياً في محطة بوشهر بالكامل، لإمداد المحطة بمفاعل الماء المضغوط، بقيمة 800 مليون دولار، وتوقع الانتهاء من المشروع عام 2009. وعام 1996، أقنعت الولايات المتحدة جمهورية الصين الشعبية بالانسحاب من عقد بناء محطة تحويل اليورانيوم، ومع ذلك فإن الصين قدمت مخططات مرفقة للإيرانيين، والتي نصحت الوكالة بأن تواصل العمل على البرنامج، وصادق الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون على مشروع قرار يقضي بفرض عقوبات في الولايات المتحدة على الشركات الخارجية التي تقوم باستثمارات في إيران وليبيا.
ولم ينقض عام 1999 إلا وكان الرئيس الإيراني (وقتها) محمد خاتمي، يعرب خلال زيارة إلى المملكة السعودية، عن قلقه بشأن ترسانة إسرائيل النووية، ويطالب بشرق أوسط منزوع الأسلحة النووية. غير أن عام 2002، حدث ما قلب "الترابيزة"، إذ كشف المتحدث باسم الجماعة الإيرانية المنشقة من المجلس الوطني للمقاومة في إيران "علي رضا جعفر زاده"، علناً عن وجود موقعين نوويين قيد الإنشاء: منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز، ومرفق المياه الثقيلة في أراك، وسعت الوكالة على الفور للوصول إلى هذه المرافق، ولم تسمح إيران لمفتشي الوكالة زيارة المنشأة النووية الجديدة، فيما نشرت الولايات المتحدة صوراً التقطت بواسطة الأقمار الصناعية تظهر المنشآت النووية ، وادعت أن هذه المواقع النووية تستخدم لأغراض عسكرية.
وعرفنا أن عناصر من الحكومة الإيرانية بقيادة محمد خاتمي قامت في مايو 2003 بتقديم اقتراح سري عن "صفقة كبرى" من خلال القنوات الدبلوماسية السويسرية، وعرضت خلالها بشفافية كاملة برنامجها النووي والانسحاب من دعم حماس وحزب الله، مقابل حصولها على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وتطبيع العلاقات الدبلوماسية، وقالت إن إدارة بوش لم تستجب لهذا الاقتراح، وبورك الاقتراح من المرشد الأعلى آية الله خامنئي.
ثم كان أن تعهدت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، في سبتمبر 2003، بمبادرة دبلوماسية مع إيران لحل المسائل حول برنامجها النووي، وفي 21 أكتوبر أصدرت الحكومة الإيرانية والاتحاد الأوروبي، بيانا صار معروفاً باسم إعلان طهران، إلا أن وكالة الطاقة الذرية ذكرت في تقرير أن "إيران فشلت في عدد من الحالات على مدى فترة طويلة من الوقت لتلبية التزاماتها بموجب اتفاق الضمانات، وذلك فيما يتعلق بالإبلاغ عن المواد النووية ومعالجتها و استخدامها، فضلاً عن إعلان المرافق التي تم تجهيزها وتخزين المواد بها".
وبموجب شروط اتفاق باريس، الذي تم إعلانه في 14 نوفمبر 2004، أعلن كبير المفوضين النوويين الإيرانيين بوقف طوعي ومؤقت لبرنامج تخصيب اليورانيوم، والتزمت إيران اتفاقا مع الترويكا الأوروبية بتخصيب وإعادة إنتاج اليورانيوم وبناء أجهزة الطرد المركزي. وفي فبراير 2005، ضغطت إيران على الاتحاد الثلاثي لتسريع المحادثات، ورفض الاتحاد القيام بذلك، ولم تحرز المحادثات إي تقدم يُذكر، بسبب المواقف المتباينة من الجانبين، وفي أوائل أغسطس 2005، بعد انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران، ورفضت طهران وجود أختام على معداتها لتخصيب اليورانيوم في أصفهان، الذي وصفه مسؤولون بالمملكة المتحدة بأنه "خرق لاتفاق باريس"، وقدم كبار مسؤولي أجهزة المخابرات الأمريكية إلى الوكالة الذرية وثائق تدل على برنامج عسكري نووي إيراني بهدف إنتاج قنبلة ذرية.
وفي 4 فبراير 2006، قام 35 من محافظي مجلس أعضاء وكالة الطاقة الذرية بالتصويت لصالح قرار إحالة إيران إلى مجلس الأمن الدولي وأعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن إيران نجحت في تخصيب اليورانيوم، بنسبة 3.5٪ باستخدام أكثر من 100 جهاز طرد مركزي، فيما منح مجلس الأمن الدولي إيران فرصة لمدة شهر واحد بهدف تعليق نشاطاتها النووية، كما أصدر عقوبات تمنع بموجبها إيران من تصدير واستيراد المواد الأولية اللازمة لتخصيب اليورانيوم، وإنتاج الصواريخ البالستية. ثم كان أن أصدر مجلس الأمن الدولي 7 قرارات خاصة بإيران، في 2007، طالبت إيران بتعليق أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، وتوسيع العقوبات، وطالب بقطع التعاون النووي مع طهران، وتجميد أصول عدد من الأشخاص والمنظمات المرتبطة بالبرامج النووية والصاروخية الإيرانية، وأنشأت لجنة لمراقبة تنفيذ العقوبات، وفي العام التالي، صدر قرار المجلس بتمديد تلك العقوبات إلى أشخاص وكيانات إضافية، وفرض قيود على سفر الأشخاص، وشريط الصادرات من السلع ذات الاستخدام المزدوج النووي والمتعلق بالصواريخ إلى إيران. كما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، في أبريل 2009، انضمام بلادها إلى المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1، وقالت الولايات المتحدة إنها أجرت تحقيقات خلال سنوات كثيرة تقوم على معلومات حصلت عليها بواسطة العملاء، وصور الأقمار الصناعية، وتشير هذه التحقيقات إلى أن إيران تسعى إلى بناء محطات نووية في الجبال.
وعليه، فرض مجلس الأمن الدولي في 2010 عقوبات جديدة شملت التعامل العسكري مع إيران، منها القيام بمعاملات، ومبادلات مالية مع الحرس الثوري الإيراني، وفي نوفمبر 2010 تعرض العالم النووي والأستاذ الجامعي الإيراني مجيد شهرياري للإغتيال ، وحملت السلطات الإيرانية ووسائل الإعلام الرسمية الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولية الاغتيال. وفرض مجلس الشيوخ الأمريكي في نوفمبر 2011 عقوبات على البنك المركزي الإيراني، ومشتري النفط الإيراني، في خطوة تهدف إلى زيادة الضغوط، وفرض عقوبات أكثر على إيران.
وزاد الأمر تعقيدا في 2012 حين فشلت المفاوضات النووية في بغداد، وقيام الاتحاد الأوروبي بتطبيق العقوبات على استيراد النفط، وعدم توفير خدمات التأمين على حاملات النفط الإيرانية، وأدت هذه العقوبات إلى انخفاض مستوى مبيعات النفط الإيراني بمستوى 40%، كما أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً أعلنت فيه أن أجهزة الطرد المركزي في منشأة "فوردو" النووية سجلت ارتفاعاً من ألف جهاز إلى ألفي جهاز للطرد المركزي.
وعقب فوز حسن روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية في 2013، تم تسليط الأضواء على الدور الذي سيلعبه الرئيس في الملف النووي الإيراني، وأعلن روحاني بعد فوزه أنه ينوي أن يتواصل بشكل إيجابي مع العالم، ويجري مفاوضات "نشطة أكثر" حول البرنامج النووي لبلاده، تلاه بعد ذلك قيام الولايات المتحدة بالتصديق على مشروع جديد ستكون إيران بموجبه مضطرة إلى الحفاظ على إيراداتها النفطية فقط في بنوك الدول التي ابتاعت النفط من إيران، وحاولت مجموعة 5+1 خلال جولة إقناع إيران بوقف إنتاج وتخصيب اليورانيوم على المستوى 20%، إلا أنها لم تقبل بهذا العرض.
وفي أكتوبر 2013 انطلقت الجولة الأولى من المفاوضات النووية في جنيف بسويسرا، وأعلن الجانبان عن الاتفاق حول إجراء جولة أخرى من المفاوضات في مطلع نوفمبر، وهي الجولة التي التزمت إيران بموجبها بالحد من برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم، بينما يقوم الغرب برفع جزئي للعقوبات على إيران، ومنع فرض عقوبات أممية، ومتعددة الأطراف، وأحادية على إيران. غير أنه في ديسمبر 2013 جرى وقف المفاوضات النووية على مستوى الخبراء، بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 19 شخصاً وشركة إيرانية. وفي 20 يناير 2014، أطلقت إيران عملية تخصيب اليورانيوم على مستوى 20% في موقعي نطنز وفوردو النوويين، في خطوة أولى تهدف إلى تنفيذ اتفاق جنيف.. ثم انطلقت في 18 مارس 2014 جولة جديدة من المفاوضات النووية بلقاء بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والمفوضة السابقة للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون في فيينا، ووقتها اعتبرت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان أن المفاوضات مع إيران كانت "مثمرة". لكن في 4 مايو 2014 انتقد الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية فريدون عباسي أداء الفريق الإيراني الحالي بشأن المفاوضات النووية.
وفي 8 مايو 2014، وبينما دخلت المفاوضات النووية مرحلة حساسة، قالت كاثرين أشتون إن إيران التزمت بتعهداتها التي نص عليها اتفاق جنيف، وانطلقت الجولة الرابعة من المفاوضات دون مشاركة وزراء خارجية دول 5+1، بينما شكل عدد أجهزة الطرد المركزي أهم عناصر الخلاف في المفاوضات النووية. وفي 10 يونيو 2014 أعرب مساعد وزير الخارجية الإيرانية في مدينة جنيف عن شكوكه بشأن حل كل الخلافات خلال المهلة المحددة بستة أشهر لتنفيذ اتفاق جنيف. بعدها بأسبوع، أي في 17 يونيو 2014 انطلقت المفاوضات بهدف الحد من الخلافات وتقارب وجهات النظر للبدء في صياغة النص النهائي للاتفاق النووي الشامل، وذلك للوصول إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني في غضون الأسابيع الخمسة المتبقية، وقال المتحدث باسم منظمة الطاقة النووية في إيران بهروز كمالوندي إن روسيا ستبني محطتين نوويتين في إيران، وطلب الرئيس الإيراني روحاني من الصين بذل "جهود أكبر" خلال المفاوضات للوصول إلى اتفاق نووي شامل، وقالت إيران خلال الجولة السادسة من المفاوضات النووية في فيينا إنها لن تسعى إلى تطوير برنامج نووي لأغراض عسكرية ولكنها طالبت بامتلاك 50 ألف جهاز للطرد المركزي.
وأخيرا، وليس آخرا تم الإعلان 31 مارس 2015 عن التوصل لاتفاق حول معايير أساسية لاتفاق شامل بشأن البرنامج النووي الإيراني في مفاوضات لوزان السويسرية. وهو ما استقلبته أوساط عديدة بفرحة غير مبررة وغير منطقية، وأثير جدل كبير وخلافات كثيرة بشأن مسودة الاتفاق النهائي، بشكل يقطع الطريق على أمل إغلاق الصفحة الأخيرة لهذا الصراع الذي تريد له "الولايات المتحدة" ألا ينتهي. وبالتالي كان طبيعيا ومنطقيا أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي انسحابه من الاتفاق.
الآن، أدعوك ـ عزيزي القارئ ـ لقراءة السطور السابقة مرة أخرى، بمزيد من التدقيق في التواريخ، وحاول أن تربط كل منها بما شهدته المنطقة من أحداث، فربما تدرك أن إيران تعزف مع الولايات المتحدة لحنا واحدا، مع الوضع في الاعتبار أنك ستكون مخطئا لو اعتقدت أو اقتنعت بأن الولايات المتحدة تتعامل مع إيران كعدو، وتجاهلت الدور الذي لعبته وتلعبه طهران لصالح الولايات المتحدة والذي يؤكد (مع دلائل ووثائق أخرى) أن العلاقات الأمريكية الإيرانية في أفضل حالتها، وأن البلدين تكملان معا مشروعا بدأ تنفيذه مع وصول الخميني إلى السلطة!