عيد.. بأى حال عدت؟...هدايا الرئيس للعمال
ما زالت مشكلة المصانع المتعثرة منذ انفجارها قبل سبع أو ثمانى سنوات بلا حل بل إنها تتفاقم يوما بعد يوم. مع أن الحلول ليست صعبة أو مستحيلة، وهناك بالفعل حزمة من المقترحات على رأسها أن يتخذ البنك المركزى خطوات ايجابية للتعامل مع المشكلة بحلول غير تقليدية من خارج الصندوق، أو أن تقوم الدولة بإنشاء صندوق بقانون خاص يقدم التمويل للمصانع المتعثرة بنظام "القرض الدوار". ولاحظ أن المشروعات المتوقفة كان من الممكن أن تزيد فاتورة الصادرات بأكثر من 30% وتوفر ما يزيد على مليونى فرصة عمل بمتوسط 300 عامل فى المصنع الواحد، وهو ما يعنى ببساطة القضاء على 70% من حجم البطالة بمصر إلى جانب ما تضيفه من زيادة فى حصيلة الخزانة العامة من الضرائب والرسوم.
قبيل احتفال مصر بعيد العمال، عقد المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء اجتماعاً بقيادات اتحاد عمال مصر حضره محمد سعفان وزير القوى العاملة، وكانت أهم مطالب العمال، التى تم طرحها خلال الاجتماع هى تشغيل المصانع المتعثرة، والشركات المتوقفة التابعة للشركات القابضة بقطاع الأعمال، وإعادة هيكلتها. ولا أستبعد أن يقوم الرئيس بتناول المصانع المتعثرة خلال كلمته التى سيلقيها يوم الأحد، أى بعد ساعات من كتابة هذه السطور. ولو حدث ذلك، فلن تكون تلك هى المرة الأولى التى يتحدث فيها الرئيس عن المصانع المتعثرة. سبق أن قال، فى يناير الماضى، خلال افتتاحه عددا من المشروعات بمدينة العاشر من رمضان، إن "المصانع المتعثرة أمر فى منتهى الأهمية، وندرس وضعها لتعود العمالة بها مرة أخرى". ووقتها وجه السيسى حديثه إلى المهندس طارق قابيل وزير التجارة الصناعة قائلا: "شوفوا الدعم اللى محتاجينه للمصانع المتعثرة بأى شكل".
بعدها أعلن طارق قابيل، وزير الصناعة إن "الوزارة تلقت طلبات من 800 مصنع متعثر، لكن الحالات التى يمكن تعويمها وحل مشكلاتها حوالى 135 مصنعا، تم تشغيل 66 مصنعا منها والباقى يعمل صندوق المخاطر على حل مشكلاته". ودعت وزارة الصناعة والتجارة، أصحاب المصانع المتعثرة والمتوقفة إلى التقدم بطلب لبيان حالة التعثر أو التوقف لمصانعهم، لبحث مساعدتهم من قبل الوزارة. وقالت الوزارة، فى إعلان نشرته إحدى الصحف القومية، فى 10 فبراير الماضى إنها ستتلقى الطلبات لبحث إمكانية تقديم يد العون للمصانع من خلال استيفاء الاستمارة الإلكترونية التى يمكن الحصول عليها مجانا من خلال الموقع الإلكترونى لمركز تحديث الصناعة. وأشارت الوزارة إلى أن المصانع التى تقدمت بطلباتها قبل الإعلان ليست فى حاجة لتجديد طلبها.
كانت الحكومة قد أعلنت نهاية العام قبل الماضى، عن إطلاق شركة مصر لرأس المال المخاطر، بهدف تمويل المصانع المتعثرة لإعادة تشغيلها مرة أخرى، ويساهم فى هذه الشركة مركز تحديث الصناعة وشركة "أيادى" وبنك الاستثمار القومى وصندوق "تحيا مصر"، وبلغ رأسمال الشركة المصدر، قرابة 150 مليون جنيه، ويساهم فيها مركز تحديث الصناعة بـ30 مليوناً، وبنك الاستثمار القومى 30 مليوناً، وشركة أيادى 20 مليوناً جنيه، ويستحوذ صندوق تحيا مصر على النسبة الكبرى عبر مساهمته بنحو 70 مليون جنيه.
وما من شك فى أن هذا المبلغ ضئيل جدا، لأن الـ 150 مليون جنيه لا تكفى لإعادة تشغيل عشرة مصانع. وهناك أزمة أخرى هى الديون المستحقة على هذه المصانع وهى لا تستطيع السداد ومن هذه الديون قروض بالدولار بعد أن ارتفع سعره، ومطلوب من هذه المصانع أن تسدد ما عليها بسعر الدولار اليوم وفى هذا ظلم كبير يضاف لذلك أن البنوك توقفت عن تمويل أنشطة هذه المصانع لأنها لم تسدد ما عليها كما إنها لا تملك من الضمانات إنتاجا أو تصديرا أو أصولا ما يشجع البنوك على الاستمرار فى إقراضها. أما مصانع الدولة المتعثرة فهى تحتاج إلى عمليات إصلاح جذرية فى العمالة والإنتاج والتشغيل والأصول وقبل هذا لابد أن تصارح الدولة نفسها هل تفكر فى بيع هذه الأصول أم وضع برامج حتى لو كانت طويلة الأجل لإنقاذ هذه المصانع من التوقف والإفلاس.
عدد المصانع المتعثرة يتراوح بين 7 آلاف و10 آلاف مصنع. وربما يزيد الرقم كثيرا، لان التعثر بالنسبة لرجال الأعمال أمر مخجل يشبه شهادة الفقر لدى المواطن العادى وقد يتسبب له فى مزيد من الخسائر أو يؤدى إلى توقف نشاطه بالكامل، خاصة أن أسباب التعثر مختلفة منها عدم العمل بكامل طاقة المصنع أو وجود مصانع قائمة وتنتظر ضخ أموال لاستكمال خطوط الإنتاج وتجديد المعدات والآلات وهناك مصانع أخرى تبحث عن تمويل قصير الأجل لتمويل دورة رأس المال العاملة لشراء الخامات ومستلزمات الإنتاج ومصانع متوقفة بالكامل نتيجة تعثرها مع البنوك.
فى العالم كله توجد برامج لمساعدة المصانع المتعثرة ومساعدتها بوجود حلول إما بضخ أموال أو بإعادة جدولة مديونياتها، عكس النظام القائم بمصر، الذى تزداد فيه الفوائد والعمولات البنكية على المتعثرين بزعم ارتفاع درجة المخاطر، بما يزيد من الأعباء على المقترض ويؤدى إلى توقفه بالكامل. لكن المشكلة الأكبر هنا، هى أن من تعثر لمرة واحدة فى حياته وسدد أصل الدين يظل محكوما عليه أو موصوما بوصمة التعثر طوال حياته بالرغم من أن القانون اشترط إدراج المتعثر فى القوائم السلبية بالبنوك لفترة زمنية كانت فى السابق 3 سنوات وتم رفعها إلى 5 سنوات ولكن البنوك أنشأت لجانا تسمى "لجان الجدارة الائتمانية" تحظر تعامل المتعثر مرة اخرى مع البنوك. هذا بالإضافة إلى أن العديد من البنوك قامت طبقا لعقود إذعان بمطالبة المتعثرين بسداد المديونيات بالدولار بعد أن تضاعف سعره ما أدى إلى تضخم المديونية.
المصانع المتعثرة تعد استثمارات معطلة لرءوس أموال وطنية تتآكل قيمتها يوما بعد آخر نتيجة التطور الهائل الذى يحدث على مستوى العالم فمن المعروف أن جميع دول العالم حاليا تحدث خطوط إنتاجها باستخدام تكنولوجيا عالية التقنية ما يعمل على تكهين خطوط الإنتاج القديمة بعد أن أصبحت غير قادرة على المنافسة.
نادرا ما تجد مستثمرا فى القطاع الصناعى قام بتهريب أموال إلى الخارج بل على العكس هناك من استثمروا فى الصناعة قاموا بضخ أموال خاصة قبل أن يقترضوا من البنوك، وضاع هذا وذاك بسبب تأكل الأسواق الخارجية أو تغير الخريطة السياسية العالمية وظهور النمور الآسيوية التى أغرقت الأسواق داخليا وخارجيا بالإضافة إلى الأحداث السياسية الداخلية التى تسببت فى تفاقم الوضع الأمنى وفى إضرابات فئوية وكذا صعوبة نقل السلع على الطرق وتقلص ورديات المصانع إلى وردية واحدة.
كان يجب على البنك المركزى اتخاذ خطوات ايجابية للتعامل مع مشكلة التعثر لأنه فى الأحداث الكبرى والجسيمة يحتاج الأمر إلى حلول غير تقليدية من خارج الصندوق. ولو كانت الدولة قد فكرت فى ضخ أموال تتراوح بين مليارين و3 مليارات جنيه لانتشال تلك المشروعات من عثرتها، لكان من الممكن إلى جانب توفير فرص العمل أن تزداد حصيلة الخزانة العامة من الضرائب والرسوم إلى جانب التأثير الإيجابى على الأمن القومى بامتصاص البطالة والتى يتم التأثير عليها واستخدامها فى أعمال غير مشروعة تضر بالوطن.