الموجز
الجمعة 8 نوفمبر 2024 11:39 مـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: سوريا.. وقمة الأحزان العربية


خاص: أخطر تصريحات سعودية عن تصالح العرب مع قطر فى الرياض
مؤسف جداً أن يحدث العدوان الثلاثى على سوريا، قبل ساعات من انطلاق أعمال القمة العربية الـ29، التى تستضيفها المملكة العربية السعودية، والتى كان من المفترض أن تنعقد وسط أجواء من التفاؤل، فى ظل استقرار نسبى فى أكثر الدول العربية التى تعرضت لهزات عنيفة نتيجة ما يُعرف بـ«الربيع العربى»، وبعد أشهُر على هزيمة تنظيم داعش الإرهابى. وأيضاً فى ظل رغبة عديد من الدول العربية فى العمل على صياغة مستقبل عربى أكثر قوة وفاعلية.
الضربة الثلاثية على سوريا من شأنها أن تخلط أوراق القمة وأن تزيد الانقسامات البينية من جهة وتخطف فى المقابل الأضواء من الموضوعات الرئيسية الثلاثة التى تصدرت أعمالها: الحرب فى سوريا التى تعرضت لضربة غربية على خلفية هجوم كيميائى اتُّهمت دمشق بتنفيذه ضد المدنيين فى دوما بالغوطة الشرقية فى ريف دمشق، ومستقبل القدس قبل شهر من نقل السفارة الأمريكية إليها، والتصعيد فى اليمن، خصوصاً بعد تمادى الحوثيين فى توجيه صواريخهم نحو الأراضى السعودية. وتبحث القمة العربية كذلك التدخلات الإقليمية فى الشأن العربى، وبخاصة من قبل إيران وتركيا. وتمثل السياسة الإيرانية مصدر تهديد متفاقم بالنسبة إلى العديد من الدول خصوصاً دول الخليج، نظراً إلى تبنى إيران سياسة معلنة تهدف إلى بسط نفوذها فى البلاد العربية، ويعد العراق واليمن ولبنان وسوريا، ساحات مفتوحة للنفوذ الإيرانى.
كذلك يشكل احتضان تركيا لجماعة الإخوان المسلمين المتهمة بالإرهاب والسعى لتقويض نظام الحكم فى مصر، مع اعتبارها مصدراً لزعزعة الاستقرار فى ليبيا وتونس ودول عربية أخرى، مصدر قلق بالنسبة إلى الدول العربية. ويعانى العراق من التدخل التركى العسكرى فى أراضيه بدعوى ملاحقة متمردى حزب العمال الكردستانى التركى.
يشارك فى القمة قادة ومسئولون من 21 دولة عربية من أعضاء جامعة الدول العربية الـ22، وتغيب سوريا التى لا تزال عضويتها معلّقة منذ أن اتُّخذ قرار بذلك قبل نحو 7 سنوات على خلفية تعامل النظام السورى بقسوة مع التظاهرات المطالبة بالتغيير فى بداية النزاع. وإلى جانب التطورات السورية، يمثل الوضع فى اليمن والاتهامات السعودية لإيران بتأجيج النزاع فيه، موضوعاً رئيسياً على جدول أعمال القمة خصوصاً مع تصعيد المتمردين الحوثيين هجماتهم الصاروخية على أراضى المملكة. ومن المنتظر أن تصدر القمة إعلاناً بهذا الشأن، إلا أنه من غير المؤكد ما إذا كانت الدول العربية ستتخذ خطوات فعلية لمواجهة هذا القرار، أم أنها ستكتفى بالإدانة.
وفى حين شهد العديد من العلاقات العربية تقدماً خلال العام، أبرزها التحسن الكبير الذى طرأ على العلاقات السعودية العراقية، والعراقية الخليجية، فإن الأزمة القطرية ما زالت تراوح مكانها، مع إصرار دول الخليج على اتّباع الآليات الخليجية لحلّ الأزمة، بدلاً من تدويلها. وقال وزير الخارجية السعودى، الخميس، إن الأزمة الدبلوماسية بين قطر من جهة والسعودية ومصر والإمارات والبحرين من جهة ثانية، لن تكون مطروحة فى القمة العربية، فى السعودية. ورداً على سؤال أوضح عادل الجبير، أنّ حل هذه الأزمة سيكون «داخل مجلس التعاون الخليجى». وكان وزير الدولة للشئون الخارجية فى الإمارات، أنور قرقاش، قد ذكر فى تغريدة على حسابه فى «تويتر»، أنه «لا يوجد اختراق فى أزمة قطر بعد زيارة أميرها العادية للولايات المتحدة». وأكد قرقاش أن «حلّ الأزمة بوابته الرياض وسيتم بجهود خليجية ويشمل مصر، وإطاره السياسى المبادئ والمطالب. الدول الأربع مجمعة على ذلك».
وزراء خارجية الدول العربية، كانوا قد أكدوا رفضهم العمليات التى تقوم بها القوات المسلحة التركية فى منطقة عفرين السورية، وتوغلها فى الأراضى العراقية، وطالبوا أنقرة بسحب قواتها فوراً دون قيد أو شرط باعتبار ذلك اعتداءً على السيادة العراقية وتهديداً للأمن القومى العربى. كما أدانوا التصعيد العسكرى المكثف الذى تشهده الغوطة الشرقية، وكذا قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها. وحسب مسودة قرارات اجتماع وزراء خارجية الدول العربية التى ستُرفع إلى قادة الدول خلال اجتماعهم، بالظهران، حصلت «الموجز» على نسخة منها، فإن وزراء الخارجية رفضوا خلال اجتماعهم، أول أمس، العمليات التى تقوم بها القوات المسلحة التركية فى منطقة عفرين وأكدوا أنها تقوض المساعى الجارية للتوصل إلى حلول سياسية للأزمة السورية. وأدان الوزراء، التصعيد العسكرى المكثف الذى تشهده الغوطة الشرقية ورحّبوا بالنتائج الإيجابية للاجتماع الموسع للمعارضة السورية الذى عُقد برعاية السعودية فى ديسمبر 2015، واجتماع «الرياض 2» فى نوفمبر 2017، وأكد الوزراء الالتزام الثابت بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقرارها وسلامتها الإقليمية، وذلك استناداً إلى ميثاق جامعة الدول العربية ومبادئه.
كما أكد وزراء خارجية الدول العربية مجدداً، مركزية قضية فلسطين بالنسبة إلى الأمة العربية جمعاء، والهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة عاصمة الدولة الفلسطينية. وأعاد الوزراء فى مشروعات القرارات الصادرة مساء أول أمس، فى ختام اجتماعهم التحضيرى بالرياض للقمة العربية فى دورتها الـ29 برئاسة السعودية، تأكيد حق دولة فلسطين فى السيادة على جميع الأراضى الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية ومجالها الجوى ومياهها الإقليمية وحدودها مع دول الجوار. وأكد الوزراء التمسك بالسلام كخيار استراتيجى، وحل الصراع العربى-الإسرائيلى، وفق مبادرة السلام العربية لعام 2000 بكل عناصرها. ‏كما أكدوا رفض وإدانة قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إليها، واعتباره قراراً باطلاً وخرقاً خطيراً للقانون الدولى وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة والفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية فى قضية الجدار العازل. وشدد الوزراء على أن القدس الشرقية هى عاصمة الدولة الفلسطينية، ورفض أى محاولة للانتقاص من السيادة الفلسطينية عليها. وأدانوا بشدة السياسة الاستيطانية الاستعمارية الإسرائيلية غير القانونية بمختلف مظاهرها على كامل أرض دولة فلسطين المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية.
وزراء الخارجية العرب، دعوا الدول العربية جميعاً للالتزام بمقررات الجامعة العربية وبتفعيل شبكة أمان مالية، بأسرع وقت ممكن بمبلغ 100 مليون دولار أمريكى شهرياً دعماً لدولة فلسطين، لمواجهة الضغوط والأزمات المالية التى تتعرض لها بفعل استمرار إسرائيل فى اتخاذ إجراءات اقتصادية ومالية عقابية من بينها احتجاز أموال الضرائب واقتطاع جزء كبير منها بما يتنافى مع القوانين والمواثيق الدولية والاتفاقيات بين الجانبين.
وأكد الوزراء مجدداً الالتزام بوحدة وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها، ورفض التدخل الخارجى أياً كان نوعه، ودعم الجهود والتدابير التى يتخذها مجلس الأمن الرئاسى لحكومة الوفاق الوطنى لحفظ الأمن وتقويض نشاط الجماعات الإرهابية وبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها وحماية حدودها والحفاظ على مواردها ومقدراتها، ودعوا إلى حل سياسى شامل للأزمة فى ليبيا. وأكد الوزراء أيضاًً استمرار دعم الشرعية الدستورية فى اليمن برئاسة الرئيس عبدربه منصور هادى، ودعم الإجراءات التى تتخذها الحكومة الشرعية الرامية إلى تطبيع الأوضاع، وإنهاء الانقلاب، وإعادة الأمن والاستقرار لجميع المحافظات اليمنية، والالتزام بالحفاظ على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، ورفض أى تدخل فى شئونه الداخلية. ‏وأعلنوا تأكيدهم المطلق لسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة الكاملة على جزرها الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، وتأييد كل الإجراءات والوسائل السلمية التى تتخذها دولة الإمارات لاستعادة سيادتها على جزرها المحتلة. وشددوا على أهمية أن تكون علاقات التعاون بين الدول العربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية قائمة على مبدأ حسن الجوار، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها. وأدانوا التدخل الإيرانى فى الشئون الداخلية للدول العربية باعتبارها انتهاكاً لقواعد القانون الدولى ولمبدأ حسن الجوار وسيادة الدول، وطالبوا إيران بالكفّ عن الأعمال الاستفزازية التى من شأنها أن تقوض بناء الثقة، وتهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة. كما أدان الوزراء توغل القوات التركية فى الأراضى العراقية وطالبوا الحكومة التركية بسحب قواتها فوراً دون قيد أو شرط باعتبارها اعتداءً على السيادة العراقية وتهديداً للأمن القومى العربى.
وزراء الخارجية العرب أدانوا أيضاً كل أشكال العمليات والأنشطة الإجرامية التى تمارسها التنظيمات الإرهابية فى الدول العربية وفى دول العالم جميعاً، بما فى ذلك رفع الشعارات الدينية أو الطائفية أو المذهبية أو العرقية التى تحرض على الفتنة والعنف والإرهاب، مؤكدين أن الحلول العسكرية والأمنية وحدها غير كافية لدحر الإرهاب.
هنا، لا بد أيضاًً من الإشارة إلى آفة الإرهاب والجهد المستمر والدؤوب الذى تبذله الدول العربية، بالتنسيق مع الدول الإقليمية والدولية لمحاربة الإرهاب والإرهابيين وتعرية ما يقومون به وما لحق جراء ذلك بالإسلام من تشويه، وما لحق بالمكونات الوطنية فى بعض الدول العربية من دمار وخراب بسبب الأعمال الإرهابية. وغنى عن القول أن «الفراغ الأمنى والسياسى» الذى تعيشه بعض دول المنطقة أوجد الأرضية المناسبة للجماعات الإرهابية لتعزيز وجودها والانتشار فى منطقة أو أخرى، وكلما تمت محاصرتها بحثت عن مكان بديل لتجميع صفوفها وبث الخراب والدمار فى المنطقة. ويتوجب هنا القول إن هناك الكثير من النجاح تحقق فى الحرب على الإرهاب سواء فى العراق أو سوريا وبقية الدول العربية، وكذلك خارج العالم العربى، كما فى منطقة الساحل الأفريقى، وما تقدمه بعض الدول العربية من جهود ودعم فى هذا الشأن.
يظل موضوع التدخلات الخارجية، خاصة الإقليمية، فى الشئون الداخلية للدول العربية مصدر خطر يتوجب مواجهته بكل فاعلية نظراً لما نتج عن هذه التدخلات من نتائج سلبية، ولما تشكله هذه التدخلات من خطر حقيقى وداهم على الأمن القومى العربى. ويمكن الإشارة فى هذا السياق إلى التدخلات الإيرانية فى بعض أرجاء العالم العربى، ومحاولتها الاصطياد فى الماء العكر من خلال خلق الميليشيات العسكرية ودعمها وتسليحها، ودعم الإرهاب، واستمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث ورفضها تسوية الخلاف بالطرق الدبلوماسية والقانونية، وتطوير صناعتها من الأسلحة الباليستية فى خرق واضح لقرار مجلس الأمن 2231 (2015)، بل وتزويد الانقلابيين الحوثيين بالصواريخ، إذ يتم إطلاقها على السعودية، حيث تم إطلاق أكثر من 100 صاروخ على مدن المملكة خلال السنتين الماضيتين، بما فى ذلك مكة المكرمة والعاصمة الرياض. ولا بد من القول هنا إن ذلك يشكل عدواناً صريحاً على أمن المملكة والأمن القومى العربى يستوجب موقفاً عربياً موحداً وحشداً للجهود الدولية للتصدى له.
من هذا المنطلق فإن أجندة القمة حافلة بالكثير من الملفات التى تعكس صعوبة الواقع السياسى العربى، وخاصة فى الجانب السياسى والأمنى منه. ونشير هنا إلى ما تواجهه القضية الفلسطينية من تحديات جمة تزايدت بشكل ملحوظ فى الآونة الأخيرة، بدت معها آفاق السلام مسدودة، ما يشى بضرورة اتخاذ موقف عربى موحد يأتى استمراراً للقرارات العربية التى اتخذت مؤخراً لمساندة الإخوة الفلسطينيين فيما يواجهون من تحديات وصعوبات، حيال مسيرة السلام وكذلك الوضع القانونى والتاريخى للقدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة، والدعم اللازم لجميع جوانب العمل الفلسطينى تجاه ما يتعرضون له من تجاوزات من قبل إسرائيل ومن يناصرها من الدول الأجنبية.
********************