الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:34 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: ظُهر.. قصة كفاح الرئيس التى لا يعرفها أحد!

* لماذا ذهب السيسى بنفسه.. وكيف تلاعبت القيادة المصرية بالأتراك؟



* التفاصيل الكاملة لحرب «منابع الغاز»
* الحقل الجديد ليس مجرد اكتشاف بترولى.. لكنه نهاية صراع مرير مع قراصنة البحر
* لماذا عقد الرئيس قمة ثلاثية مع قبرص واليونان فى 2014؟!.. وكيف أفشلت المخابرات المصرية اتفاقيات العار بين الإخوان والأتراك؟!
* أسرار معركة ترسيم الحدود البحرية التى أجبرت تركيا على وقف عمليات التنقيب.. وأفسدت مخطط الإخوان لبيع ثروات مصر
* الاكتشاف الجديد فضح تواطؤ المعزول مع أردوغان للاستيلاء على 70 كيلومتراً من مناطق النفوذ المصرى فى البحر الأبيض المتوسط
* لماذا غضب قائد القوات البحرية التركية بعد التواصل المصرى مع القبارصة؟!
* التاريخ أعاد نفسه وسواحل بورسعيد شهدت لحظة حسم المعركة
جاء بدء الإنتاج المبكر فى حقل «ظهر» المصرى، ليعيد رسم خريطة تجارة الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط، إذ يعتبر الحقل الأكبر من نوعه فى المنطقة، بحسب شركة الطاقة الإيطالية «إينى».. حقل ظهر هو أكبر حقل للغاز الطبيعى تم اكتشافه حتى الآن فى البحر المتوسط باحتياطيات تبلغ أكثر من 30 تريليون قدم مكعب، واكتشفته شركة «إينى» الإيطالية فى المياه المصرية أمام سواحل بورسعيد فى عام 2015. وكان الرئيس السيسى قد طالب شركة «إينى» بتغيير جدول أعمالها لتنمية الحقل بعد اكتشافه لتبدأ الإنتاج بشكل أسرع من المعتاد، «وهو ما تعده الشركة أمراً تاريخياً بالنسبة لها».
الضخ الفعلى بدأ بعد نجاح اختبارات التشغيل الفنية لوحدات المعالجة وخطوط نقل الغاز من آبار الحقل إلى محطة المعالجة، ويبدأ بإنتاج 350 مليون قدم مكعب يومياً ترتفع فى نهاية يونية المقبل إلى مليار قدم يومياً مع اكتمال المرحلة الأولى من الإنتاج ثم ترتفع إلى 2.7 مليار قدم مكعب يومياً بنهاية أعمال التنمية بالحقل.. ويساهم إنتاج الغاز من الحقل إلى جانب عدد من الحقول الكبيرة الأخرى فى وقف استيراد مصر لشحنات الغاز المسال فى منتصف العام الجارى، وهو ما يوفر على مصر العملة الصعبة التى كانت تدفعها من أجل الاستيراد، ولكنها ستستخدم جزءا منها فى شراء حصة الشريك الأجنبى من هذه الحقول.
ما سبق ليس أكثر من مقدمة، لنقول إن ما شهدته ليبيا وسوريا ومصر من حروب طاحنة، كان ورائها المصالح الأمريكية والأوروبية التى تسعى إلى السيطرة على منابع الغاز وسرقتها بأقل الأثمان. وأن قدر هذه المنطقة أن تدفع ثمن وجودها والحفاظ على ثروة شعوبها بالدماء التى سالت على أرضها، جراء الإرهاب الوحشى المنظم الذى تعرضت له.. كانت كل القوى الإرهابية مدعومة من العديد من دول الخليج وتركيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة عليها وعلى مقدراتها والثروات الهائلة التى تملكها. ولدينا وثائق خطيرة، تكشف تواطؤ نظام الحكم الإخوانى فى عهد محمد مرسى، لتسهيل استيلاء تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان، على نحو 70 كيلومتراً من مناطق النفوذ الاقتصادى المصرية فى البحر الأبيض المتوسط، لتوسيع مساحة الحقوق التركية فى امتيازات حقول الغاز الطبيعى.. وتتضمن الوثائق خريطة قدمها أردوغان، لمرسى، لإعادة ترسيم الحدود البحرية فى المتوسط، ووافق حزب الحرية والعدالة الإخوانى على المشروع التركى وحاول تمريره عن طريق مجلس الشورى وحكومة الدكتور هشام قنديل، لكن وزارة الدفاع واللجنة العليا لأعالى البحار رفضت المقترح فى مارس 2012 لأنه يضر بأمن مصر القومى.
حكومة أردوغان حاولت إقناع الحكومة المصرية خلال حكم الإخوان بإعادة رسم حدودها البحرية طبقاً لتصوراتها التى تخالف القانون الدولى، أملاً منها فى تعظيم ثرواتها البحرية المحدودة من غاز المتوسط على حساب دول الجوار وتحديداً قبرص واليونان، وهو ما تصدت له وزارة الدفاع المصرية بقيادة «عبدالفتاح السيسى» وقتها، فى مارس 2012 لعدم قانونيته ولكونه يمثل تعدياً صارخاً على مناطق الامتياز الخاصة بمصر. ونص المقترح على مد حدود «تركيا» إلى داخل حدود اليونان بنحو 50 كيلومتراً، ويعتدى على مناطق الامتياز المصرية بنحو 70 كيلومتراً بالإضافة إلى استيلائها على 274 كيلومتراً من حدود قبرص داخل المتوسط. ووقتها، سارعت وزارة الدفاع، بإرسال الخريطة «الأصلية» التى توافق نصوص قانون البحار الدولى لوزارة البترول، حتى تكون الخريطة المرجع الذى تستند إليه الوزارة فى طرح المزايدات البترولية.
يقول خبراء الطاقة إنّ القرن العشرين كان قرن النفط بامتياز، لكن القرن الحادى والعشرين هو قرن الغاز، وإنّ مكانة أمريكا العالمية فى القرن العشرين المقرونة بهيمنتها على أسواق النفط وشركات التنقيب والتصدير النفطية مهدّدة بالانتقال لصالح روسيا كقوة موازية تملكها فى أسواق الغاز وعجز واشنطن عن مجاراة موسكو فى هذا المجال، وليست مجرد تكهّنات عن المعادلة التى تقول إنّ حروب أفغانستان 2001 والعراق 2003 ولبنان 2006 كانت آخر حروب النفط. فأفغانستان ممرّ أنابيب الشركات الناقلة لنفط كازاخستان إلى الصين والهند، والعراق خزان احتياط النفط، ولبنان ممرّ بحرى لأنبوب نفط يربط مرفأ جيهان التركى بحيفا آتياً من ضمن مشروع ناباكو لنفط كازاخستان إلى المتوسط وأوروبا، وأنّ الحرب على سورية هى أولى حروب الغاز، بالوكالة عن حليفيها الروسى والإيرانى اللاعبين الكبيرين فى سوق الغاز العالمية، وبالأصالة عن موقعها الجغرافى بين تركيا بامتدادها الأوروبى وبين الخليج من جهة، وموقعها على البحر المتوسط من جهة مقابلة، ما يمنح قيمة استراتيجية لأنابيب النفط، العابرة فيها وكانت قطر وتركيا لاعبين محوريّين فى هذه الحرب كواقفين على طرفى الأنبوب الواصل من منابع الغاز القطرى نحو أوروبا بتمويل ألمانى.



2
بالفعل، عانى الوطن العربى عبر تاريخه الطويل من الحروب والاعتداءات والاحتلالات المتكررة، بدأ الصراع بين مختلف الإمبراطوريات الاستعمارية الكبرى على هذه المنطقة الغنية بثرواتها، وتكمن أهمية المنطقة لامتلاكها ثروات طبيعية هائلة، وفى غمار الصراع الدولى على الطاقة أصبح الغاز الطبيعى المسال فى السنوات الأخيرة أحد أهم مصادر الطاقة النظيفة المطلوبة فى معظم أنحاء العالم، ووفق ما جاء فى موقع «بيزنس» الاقتصادى ان الصراع على الغاز الطبيعى والمناطق الاقتصادية الخالية امتد ليصل إلى تركيا من جانب، وقبرص وإسرائيل من جانب آخر. فعلى خلفية توقيع الاتفاقية الإسرائيلية-القبرصية، رفضت تركيا الاتفاقية، واعتبرت أن الحكومة القبرصية لا يحق لها التوقيع على أى اتفاقية دولية، أو البدء فى أى عمليات تنقيب طالما ظلت أزمة جزيرة قبرص قائمة، على اعتبار أن أى موارد سيتم استخراجها يحق للطرفين استغلالها.
وإثر ذلك بدأ الصراع يأخذ مسارا أكثر تشددا بعد قيام تركيا بتوقيع اتفاق مع جمهورية شمال قبرص التركية، للتنقيب عن الموارد النفطية بالقرب من السواحل المقابلة لشمال قبرص. وقد بات واضحا أن الغاز قد أصبح يُمثل إحدى أبرز وسائل التوظيف السياسى لتصفية الحسابات السياسية بين القوى الإقليمية، لا سيما مع وصول أنظمة سياسية إلى سدة الحكم ليست على وفاق مع نظيرتها فى الدول الأخرى. وقد تجلى ذلك بوضوح فى الصراع السياسى الذى نشب بين مصر وتركيا على خلفية سقوط نظام الإخوان بعد ثورة 30 يونية من جانب، وبين قبرص وتركيا إثر الاعتراف التركى بشمال قبرص، وبين تركيا واليونان على خلفية الصراعات التاريخية بشأن القضية القبرصية وبحر إيجه.
ويبدو أن الأطراف المعنية بالمنطقة قد بدأت فى القيام بعملية استغلال الغاز وتوظيفه سياسيًّا كأداة من أدوات الضغط على بعضها البعض. فمن المعروف أن العلاقات المصرية-التركية دخلت بعد 30 يونية نفقا مظلما، وهو الوضع ذاته فى حالة العلاقات التركية القبرصية، فى الوقت الذى تسعى فيه مصر لإعادة ترسيم حدودها البحرية مع قبرص بهدف الاستفادة من الغاز المكتشف فى حقل أفروديت.. ويبدو أن السلطات المصرية بدأت فى تبنى استراتيجية تقديم دعم سياسى وتقارب مع خصوم تركيا فى المنطقة، خاصة قبرص واليونان، عبر الزيارات المتبادلة، فى مقابل إعادة النظر فى موضوع تقاسم الموارد الطبيعية لا سيما الغاز معها.
وقد ظهر ذلك بوضوح فى القمة الثلاثية التى عُقدت فى القاهرة بين رئيسى مصر وقبرص ورئيس وزراء اليونان، والتى نتج عنها إعلان القاهرة فى 8 نوفمبر 2014، الذى تضمن عدة أمور هامة بشأن الغاز فى شرق المتوسط، أبرزها: احترام القانون الدولى والأهداف والمبادئ التى يجسدها ميثاق الأمم المتحدة فى ما يخص اكتشاف مصادر مهمة للطاقة التقليدية فى شرق المتوسط، واستئناف المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية، ودعوة تركيا إلى التوقف عن جميع أعمال المسح السيزمى الجارية فى المناطق البحرية لقبرص.
غير أن تركيا ردت على تلك القمة بتصريح للأدميرال بولنت أوغلو، قائد القوات البحرية التركية، الذى أكّد أنّ الحكومة التركية فوّضت القوات البحرية لتطبيق قواعد الاشتباك الجديدة التى جرى تعديلها لمواجهة التوتر المتزايد بين الدول الساحلية بسبب مشروعات التنقيب عن الغاز الطبيعى والنفط فى شرق البحر المتوسط. وبعد ان ألمحت إسرائيل سابقاً وعلى مدى السنوات الماضية إلى تدمير شاحنات محملة بصواريخ «ياخونت»، أعلنت البحرية الإسرائيلية مؤخراً عن تأكيدها لإمتلاك حزب اللة هذا النوع من الصواريخ الذى يمثل التهديد الأكبر للسفن والغواصات الإسرائيلية، وبأن هذه الصواريخ تُسلم للحزب من النظام السورى الذى اشتراها من روسيا ويقوم بتخزينها فى منشآت سرية يستطيع الحزب الدخول إليها.
وتعمل إسرائيل باستمرار لتطوير منظومات للدفاع عن منشآت الغاز «الإسرائيلية»، وكانت البحرية الإسرائيلية قد أختبرت بالتعاون مع الهند عام 2009 منظومة «باراك 8» بهدف توفير ردود ضد صواريخ بحر بحر وصواريخ أخرى لا سيما ما يمتلكه «حزب الله» من صواريخ «C- 802» الصينية، والتى تصنع إيران نسختها الخاصة منها، وتستطيع ضرب منصات الغاز، ولكن بشكل غير دقيق، وبشكل غير قادر على تغطية جميع الأهداف. كما وضعت القيادة البحرية الإسرائيلية خططاً للرد على تهديدات اكبر تتمثل بوصول صواريخ «ياخونت»، فطورت مدى المنظومة لتصل فى العام 2014 إلى 100كم، ويوفر نظام الرادار تغطية بحدود 360 درجة ويمكن للصواريخ إعتراض الصاروخ القادم من على بعد 500 متر من السفينة. ويحتوى كل نظام على حاوية صواريخ وأجهزة الرادار، وأجهزة الكمبيوتر، وتكلف كل منظومة نحو 24 مليون دولار وستكلف صيانة هذه المنظومات 100 مليون دولار سنوياً. كما تعمل إسرائيل على تطوير رادار «أدير»، الذى يستطيع الكشف عن المخاطر والأهداف من مسافات عالية جدّاً، ويمسح المنطقة المحيطة بالسفينة بطريقة رقمية، وباستطاعته أن يكتشف الأهداف فى البحر، وفى الجو وفى والبر، والذى سيتم تثبيت صواريخ من طراز «باراك» عليه بنسخة أكثر تطوراًً تُسمى «باراك 8-ER» لتزيد مدى الصاروخ إلى 150 كم، وطوله إلى ستة أمتار مع قدرة فائقة على مواجهة عدد كبير من التهديدات الغير مرئية ما يجعلها من النماذج الأكثر تطوّراً فى العالم.



3
مصادر وممرات الغاز التى تزود الأسواق الأوروبية والتى أصبحت وجودية بالنسبة لها للحفاظ على أحادية القطبية فى الوقت الذى تُعانى فيه من الخسائر والهزائم والأزمات الاقتصادية الكبيرة، وهى كانت قد خططت منذ البداية للسيطرة على العالم من خلال سيطرتها على الغاز الروسى والإيرانى.. بعد أن أصبح الصراع على الغاز يعنى الصراع على السيطرة والنفوذ فى العالم. أعلنت أمريكا فى عام 2002 عن مشروع خط غاز أطلقت عليه اسم «نابوكو» وهو عنوان لمقطوعة «فيردى» الموسيقية التى تعبر عن سبى «نبوخد نصّر» لليهود فى العراق.
جاء إعلان أمريكا وذلك قبل إحتلالها العراق بسنة واحدة، وبعد أن نفذّت انقلابين: الأول فى قطر عام 1995 حيث بدأ تسييل الغاز لعدم إمكانية مد الأنابيب إلى أوروبا، والثانى فى عام 2002 مع العدالة والتنمية فى تركيا كمحطتين لتجميع الغاز من روسيا وأذربيجان وإيران ومصر وسواحل فلسطين ولبنان وسوريا وقبرص (روسيا لم تكن قد اكتشفته بعد) وضخه إلى أوروبا دون المرور باليونان، وهذا حلم اردوغان الذى ستتحول بلاده إلى محطة تستقبل أكثر من 40 مليار متر مكعب من الغاز وما يعنيه ذلك من سيطرة ونفوذ فى البلقان والقوقاز والشرق الأوسط. القلق الامريكى بدأ منذ عام 1992 حين عُقدت اتفاقية (كيوتو) للحد من الاحتباس الحرارى واعتماد الغاز كطاقة بديلة، وأدّت موافقة أوروبا على تطبيقه فى عام 1994 إلى قيام أمريكا بتنفيذ عدد كبير من الإجراءات على الساحة الدولية بهدف قطع الطريق على نفوذ الغاز الروسى فى أوروبا، خصوصاً بعد أن سقطت حماية حلف وارسو لها، فأشغلتها بأحداث الشيشان ويوغسلافيا بواسطة الأفغان العرب.
فى عام 1996 بدأ يظهر نجم بوتين من خلال احداث الشيشان، حيث أسس شركة غازبروم للإمساك بالوضع الروسى تمهيداً لدور حاسم على الساحة الدولية، وأدى وصوله إلى السلطة فى 2002 إلى نكسة فى سياسات واشنطن حول الغاز، فكان لابد من إخضاع الغاز التركمستانى والأذربيجانى لتسهيل السيطرة على الغاز الإيرانى والمصرى، اضافة إلى مخزون الساحل الشرقى للمتوسط لإحكام قبضتها على الأسواق الأوروبية ووسط آسيا، وبذلك تحتفظ بسيطرتها على العالم. وفى الوقت نفسه، كان لا بد لواشنطن من أن تدمر المقاومة فى لبنان لتحرير غاز المتوسط وللانقضاض على سوريا لاحقاً للحصول أيضاًً على الغاز الإيرانى وتطويق روسيا فى وسط آسيا وأوروبا. ولكنها أُصيبت بالفشل فى حرب عناقيد الغضب عام 1996، وبالخيبة فى عام 2000 حين أجبرت المقاومة الجيش الإسرائيلى على الانسحاب مخذولاً من جنوب لبنان.هكذا أصبح استخراج الغاز من سواحل فلسطين ولبنان وقبرص مُستحيلاً وخاضعاً لمُعادلة صواريخ المقاومة المتزايدة والمُتعاظمة.
ظهور معادلات جديدة وضَعَ واشنطن أمام خيارات المواجهة الحتمية. فالتقارب الصينى-الروسى، ووجود بوتين المُعادى لسياساتها فى السلطة وإحرازه بعض التقدم والنفوذ فى القارة الأوروبية فى ظل انتعاش اقتصادى ملحوظ سيؤدى إلى إستعادة روسيا لعافيتها، نظرية البحار الخمسة التى يعمل عليها الرئيس السورى بشار الأسد، تراجع قوة إسرائيل وتفوفها أمام توازن الرعب الذى أرسته المقاومة فى لبنان، عدم قدرة الغاز القطرى على المُنافسة فى الأسواق الأوروبية، كلها عوامل تساعد على تقليص نفوذها فى أوروبا ووسط آسيا، يُضاف إليه نفوذ الصين وروسيا التجارى فى القارة الإفريقية (من هنا نفهم تدخل الناتو الأطلسى فى ليبيا) وتقلص بعض نفوذها فى أمريكا الجنوبية.
كان الرد الأمريكى مُفاجئاً وصاعقاً. هجوم بالطائرات المدنية على مبنى التجارة العالمى ومواقع أمريكية اُخرى، واحتلال أفغانستان كخطوة أولى لقطع طريق الترانزيت عن الصين ومُحاصرة روسيا وإيران من جهة ثانية، بهدف تحقيق الخطوة الأولى من السيطرة على الغاز المصرى وغاز سواحل المتوسط الذى كانت روسيا تجهل وجوده، فقدِم أردوغان وأوغلو إلى القاهرة لإقناع الرئيس المصرى آنذاك حسنى مبارك بالتوقيع على اتفاق «نابوكو» لإنجاز السيطرة على غاز وسط آسيا على حساب سلطة مبارك الذى وقع فى الخديعة التركية-الأمريكية التى تقضى بتقسيم مصر إلى ثلاث دول والعراق إلى ثلاثة دول وسوريا إلى أربع دول مُقابل تعهد أمريكى لتركيا بالحؤول دون تمرير خط الغاز الروسى من اليونان لتتمكن تركيا من السيطرة على كامل قبرص والدخول فى الاتحاد الأوروبى على حساب اليونان (أسباب أزمة اليونان الاقتصادية) وبذلك تحتكر تركيا بوصاية أمريكية إمداد أوروبا بالغاز على حساب روسيا وإيران (الدرع الصاروخى الأطلسى فى تركيا).
المرحلة الثانية من الهجوم الأمريكى المُركّب بدأت بالثورة البرتقالية فى أوكرانيا وافتعال أحداث روسيا البيضاء للتأثيرعلى إمدادات الغاز الروسى، اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى للضغط على سوريا وتمهيداً لتهجير الشيعة من جنوب لبنان إلى العراق، ومُباشرة تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات طائفية تقودها دولة يهودية، وهذا ما أفشلته قوى المقاومة والمُمانعة حتى الآن.
جاء الرد الروسى على الهجوم الأمريكى عنيفاً. خرج البرتقاليون فى أوكرانيا من السلطة، أعلنت روسيا عن بناء خطوط الغاز الأربعة: الخط الشمالى يصل إلى ألمانيا، الخط الجنوبى عبر البحر الأسود إلى بلغاريا وعبرها إلى رومانيا وهنغاريا والنمسا وجنوباً عبر اليونان وإيطاليا، الخط الأزرق عبر تركيا وسوريا والأردن (أُلغى هذا الخط بعد اكتشاف روسيا لغاز المتوسط)، ورابعاً خط نيجيريا والنيجر والجزائر الذى يعتمد تسييل الغاز وشحنه إلى أوروبا فى المرحلة الأولى على أن يتم مد الأنابيب إلى أوروبا فى المرحلة الثانية.. ولم تكتفِ روسيا بذلك، بل سارعت إلى الاستحواذ على نصف حصة شركة «إينى» الإيطالية فى ليبيا وبدأت الاستثمار فى السودان.
وهكذا، كان الربيع العربى هو الرد الأمريكى المُباشر على الحركة الروسية المُتصاعدة، عبر إحياء مشروع هنرى كيسنجر القديم، لتقسيم الشرق الأوسط وقطع الطريق على استثمارات روسيا والصين، والاستحواذ على الغاز فى مصر ولبنان وفلسطين وقبرص، وتوسيع المروحة باتجاه شمال آسيا وإسقاط شمالى إفريقيا لمحاولة منع التمدد الروسى-الصينى.
الإشارة هنا مهمة إلى القمة الثالثة للآلية الثلاثية للتشاور السياسى والتعاون، التى ضمت مصر واليونان وقبرص، والتى استضافتها العاصمة اليونانية أثينا، وشارك فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى ونيكوس أنيستاسيادس رئيس جمهورية قبرص، وأليكسيس تسيبراس رئيس وزراء جمهورية اليونان، أقر خلالها قادة الدول الثلاث «إعلان أثينا» الذى أكدوا فيه أهمية تعزيز أطر التعاون الثلاثى فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية، والبناء على ما يجمع بين مصر واليونان وقبرص من قيم مشتركة من أجل إرساء دعائم الأمن والاستقرار والسلام ودفع عملية التنمية فى منطقة شرق المتوسط.. وأكد القادة الثلاثة دعمهم لجهود المجتمع الدولى فى مواجهة الإرهاب، مع التشديد على أهمية تبنى مقاربة شاملة فى مواجهة الإرهاب، ودعم التحالف الدولى ضد تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، وتفكيك بنيتها الأيديولوجية وتجفيف منابع تمويلها ووقف مصادر تسليحها. وتم التأكيد كذلك على أهمية التصدى لما يقوم به تنظيم داعش وغيره من التنظيمات من تدمير ونهب للممتلكات التراثية والثقافية فى المنطقة، والدفع نحو قيام مجلس الأمن بإصدار قرار مشدد لمواجهة وعلاج تلك المشكلة.
كما تناولت القمة الثلاثية أزمة تدفق المهاجرين، وضرورة التعامل معها من منظور شامل، من خلال التوصل إلى أفق سياسى لتسوية الأزمات الإقليمية والقضاء على الفقر، ودفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى المنطقة ومواجهة أنشطة التهريب، فضلاً عن معالجة الوضع الإنسانى لأزمة اللاجئين بالتعاون مع الدول المعنية، مع التنويه إلى أهمية الدور الذى يمكن أن يلعبه الاتحاد الأوروبى فى هذا الشأن.. وعلى الصعيد الإقليمى، تناولت القمة عدداًً من القضايا المهمة، بتأكيد القادة الثلاثة على أهمية المحافظة على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية، والمبادئ التى تم الاتفاق عليها خلال اجتماعات فيينا حول مستقبل العملية السياسية فى سوريا. وفى الشأن الليبى، أعرب القادة الثلاثة عن قلقهم البالغ جراء تنامى خطر الإرهاب والأوضاع الأمنية المتدهورة فى ليبيا، محذرين من خطورتها على الأمن والاستقرار فى دول الجوار ومنطقة المتوسط، كما تم حث الأطراف الليبية على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
كما أعرب القادة الثلاثة عن قلقهم إزاء الأزمة فى اليمن، وتزايد خطر الإرهاب والتطرف، مؤكدين دعمهم للحكومة الشرعية فى اليمن وللجهود الخليجية والأممية الرامية إلى استئناف المفاوضات والحفاظ على وحدة وسلامة اليمن الإقليمية. وأشار القادة الثلاثة إلى دعمهم لجهود الحكومة العراقية فى محاربة الإرهاب، منوهين إلى أهمية دفع عملية المصالحة واستعادة اللُحمة الوطنية للشعب العراقى. وأعرب القادة عن أملهم فى الالتزام بتنفيذ الاتفاق النووى بين إيران والأطراف الغربية من أجل تعزيز الأمن الإقليمى والدولى.. كما دعوا إلى سرعة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وأكدوا دعمهم لجهود رئيس الحكومة اللبنانية والوقوف إلى جانب لبنان فى حربه ضد الإرهاب وجهوده للحفاظ على الأمن.
كذلك، وبالإضافة إلى ما سبق، فهناك رسائل عديدة ومهمة حملها تكثيف التعاون العسكرى المصرى اليونانى خلال الفترة الأخيرة خاصة بعد اكتشاف آبار غاز فى منطقة شرق المتوسط والتداخلات التركية والإسرائيلية فى هذه المنطقة بما يجعل تلك المناورات رسالة ردع، خاصة أن المناورات البحرية والجوية الحالية بين البلدين ليست الأولى وليست كذلك مفاجئة حيث شهدت الفترة الأخيرة تطوراً كبيراً، سواء كان عن طريق تبادل الزيارات بين وزراء الدفاع والقادة العسكريين تحالف «مصر - اليونان – قبرص» الذى دشنه الرئيس عبدالفتاح السيسى للعمل المشترك من أجل تنمية الموارد وترسيم الحدود البحرية.
بين تلك الرسائل، أن مصر قادرة على حماية مصادر الطاقة الخاصة بها، والتحرك فى أى وقت ولأى مكان لحماية مقدرات الأمن القومى المصرى، بالإضافة إلى أن التدريب يحمل نقاطا مهمة، على رأسها التدريب على أعمال الاعتراض البحرى مثل اعتراض المهربين والقرصنة البحرية وحق زيارة وتفتيش السفن المشتبه بها، كما أنها تعبر عن قدرة مصر على حماية مصالحها خارج حدودها، وهو الأمر الذى ظهر واضحاً فى المناورات العسكرية التى جرت، مثل المناورة البحرية المشتركة المصرية اليونانية (أليكساندربوليس 2014)، والتى استمرت لعدة أيام فى نطاق المياه الإقليمية اليونانية، بمشاركة عدد من الدول العربية بصفة مراقب، ومشاركة وحدات وقطع بحرية، شملت المدمرات ولانشات الصواريخ وسفن النقل والإمداد وطائرات مكافحة الغواصات من الجانبين، لتنفيذ العديد من الأنشطة، منها تخطيط الجانبين أعمال قتال مشتركة نهارا وليلا، لتأمين نطاق البحر المتوسط.
وهناك أيضاً المرحلة الرئيسية للتدريب الجوى المصرى اليونانى المشترك «حورس 2015»، التى شملت أعمال التخطيط لتنفيذ أعمال قتال مشتركة لصد وتدمير الأهداف المعادية وتوحيد المفاهيم والمصطلحات وتبادل الخبرات المكتسبة.. ثم كان التدريب البحرى الجوى المشترك «ميدوزا 2015» - ديسمبر 2015 بمشاركة وحدات من القوات البحرية والجوية المصرية. وبالإضافة إلى ذلك، جاءت نحو خمسة زيارات متبادلة بين كبار القادة العسكريين فى البلدين خلال العام الأخير، لتؤكد أن التعاون المصرى اليونانى القبرصى قادر على مواجهة أية مخاطر قد تواجهها فى منطقة شرق المتوسط ومواجهة أى أطماع إقليمية فى مصادر مصر وقبرض واليونان من الطاقة.
الإشارة هنا مهمة إلى أن تركيا ترفض الاعتراف بـ10 ميل منطقة جوية حول الجزر اليونانية، ولذلك تم انتهاك المجال الجوى بحسب الحكومة اليونانية لما يقرب من 1233 مرة حتى الآن هذا العام، 31 منها وقعت على الأراضى اليونانية. كما تكون الإشارة مهمة إلى أن هيئة الأركان العامة التركية قالت فى بيان لها- إن المقاتلتين كانت تقومان بطلعة تدريبية فوق المياه المحايدة.. وخلال مهمتها، بدأت اثنان من طائرات اف- 16 اليونانية اللحاق بمقاتلتنا، ووضعتهما هدف على الرادار لمدة ثلاث دقائق و40 ثانية».. مضيفا أن طياريها أثبتوا «رد الفعل اللازم».



4
وعودة إلى جريدة «إكسبريس» البريطانية، التى أشارت إلى أن رحلات التطفل على الأراضى اليونانية تضاعفت فى عام 2015، مقارنة بالعام السابق، وأن رئيس الوزراء اليونانى انتقد تركيا بسبب انتهاكاتها للمجال الجوى اليونانى، واتهمها بخلق حالة «مشينة، لا يمكن الموافقة عليها»، وقال رئيس الوزراء اليونانى ساخراً فى تغريده على تويتر: «لحُسن الحظ، فإن طيارينا لا يتمتعون بنفس مقدار الرحمة التى لدى طياريكم تجاه الروس».
المشكلات المثارة بسبب هذه الجزيرة متعددة، منها أنه وفقاً للمعاهدات التى وقعتها تركيا واليونان بعد الحرب العالمية الأولى، فإن عدداً كبيراً من جزر بحر إيجة يخضع للسيادة اليونانية، بعضها مثل جزر الدوديكانيز والتى تعنى الاثنتا عشرة جزيرة وأهمها رودس، تقع على مسافة قريبة من الشواطئ التركية، وبعض الجزر الصغيرة تفصلها مسافة قصيرة جدا مثل جزيرة كاستيلوريزو التى تقع على مسافة 1300 متر فقط من الأراضى التركية. ويعود النزاع حول الجزيرة المذكورة إلى عام 1932 بعد ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وإيطاليا، التى كانت تسيطر على جزيرة كاستيلوريزو آنذاك، فى ما يعرف باتفاقية أنقرة.
وفى عام 1996 أعلنت تركيا من جانب واحد أنها لا تعترف بملحق هذه الاتفاقية، بدعوى أنه لم يجر تسليمه فى عصبة الأمم، وبالتالى تسحب تركيا اعترافها السابق بتقسيم الجزر غير المأهولة المجاورة لكاستلوريزو، وتعتبر أن الجزر لا تزال قيد النزاع.
وبحسب ما نشرته جريدة «حرييت ديلى نيوز» التركية (30 يناير 2015)، فإن موافقة مصر على الطلب اليونانى بشأن ترسيم الحدود، جعل الجانب التركى محصورا فى منطقة ساحلية ضيقة، وسيزيد من نفوذ الجانب اليونانى فى البحر الأبيض المتوسط، على حساب تركيا، بحسب ما ذكرت الصحيفة. وأوضحت الصحيفة التركية أن توقيع هذه الاتفاقية مع القاهرة، بدون التوصل لحل بشأنها مع الجانب التركى، كان بمثابة تسليم منطقة كبيرة بها ثروات غير عادية للجانب اليونانى، وبموجبها ستفقد تركيا مساحة كبيرة فى البحر المتوسط، والأهم هو أنه سيزيد من صعوبة موقف تركيا فى نزاعها مع اليونان.
تزامناً مع ذلك، أو بالإضافة إليه، كانت تركيا تحاول فرض هيمنتها على قبرص جزيرة الاستراتيجية المهمة، بحجة حماية القبارصة الأتراك، بما يعنى أن دخول مصر كطرف داعم للقبارصة اليونانيين ورئيسهم، مثّل ضربة قوية لتركيا، وهدد نفوذها فى الجزيرة، التى كانت تركيا تحاول قرصنة وسرقة الثروات الطبيعية فى البحر المتوسط عن طريقها، من خلال سفينة أبحاث تركية (اسمها «بارباروس») كانت تبحر فى مواقع التنقيب، التى منحت قبرص تراخيص بشأنها، لشركات: «إينى» الإيطالية، وتوتال الفرنسية، ونوبل إنرجى الأمريكية. وهى المحاولة التى باءت بالفشل بعد تعزيز التعاون السياسى والاقتصادى بين مصر وقبرص، وترسيم الحدود، والذى جعل من الصعب على تركيا تكرار مثل هذه الانتهاكات، وعَزَز موقف قبرص إقليمياًً ودولياً، فى وقفها والتعامل معها برد فعل مناسب. خاصة بعد أن أجبرت حكومات الدول الثلاث، تركيا، على وقف عمليات المسح الجيولوجى لمناطق آبار الغاز الطبيعى فى البحر المتوسط، التى تؤكد قبرص ملكيتها، ووصفت هذه الأعمال بأنها مخالفة للقوانين الدولية.
5
نائب الرئيس الأمريكى جون بايدن، سبق أن تناول فى خطاب له فى 2 أكتوبر 2014 فى جامعة هارفرد، دور تركيا فى تطوير تحالف بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان حول «خريطة الطاقة لشرق المتوسط»، وأشار إلى أن اهتمامه بالمسألة القبرصية بدأ منذ أن كان عضواً فى مجلس الشيوخ لولاية «ديلاوير» نظراً إلى العدد الكبير للسكان من أصل يونانى فى ولايته.
«بايدن» تطرق إلى ثلاثة متغيرات أساسية فى شرق المتوسط: حلف طاقة إقليمى جديد يشمل مصر وإسرائيل وقبرص وتركيا واليونان، لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تشييد أنابيب إلى تركيا واليونان، ومن ثم دول السوق الأوروبية، ثم التوصل إلى حل للمشكلة القبرصية من خلال توحيد الجزيرة على أساس إدارتين منفصلتين (يونانية وتركية)، والإشارة إلى استعداد الرئيس التركى أردوغان للقبول بتوحيدها على رغم اعتراضات الجيش على هذه الخطوة، انتهت الأخطار التى دعت إلى احتلال الجزء الشمالى من الجزيرة عام 1974، بخاصة المخاوف من تهديد اليونان للمصالح التركية فى الجزيرة، وإمكان التوصل إلى حلول وسطية إيجابية تتجاوز المخاوف القديمة، وأخيراً، اهتمام أردوغان بتطوير مصادر الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط، لحاجة تركيا الاقتصادية.
واعتبر بايدن أن إيصال غاز الشرق المتوسطى إلى الأسواق الأوروبية، جزء مهم فى محاولة واشنطن فك اعتماد أوروبا تدريجياً على صادرات الغاز الروسى، وقال: أولاً: تتفهم تركيا تماماً أن ليس من مصلحتها بعد الآن وجود جنودها فى قبرص. احتلت تركيا الجزء الشمالى من الجزيرة فى 1974 لاعتقاد فى حينه بأن اليونان كانت وراء الانقلاب العسكرى القبرصى للإضرار بالمصالح التركية فى قبرص. ثانياً: انفصل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان عن الطرف الأساسى الذى لديه مصلحة فى استمرار الاحتلال وهو الجيش. ثالثاً: التزم بالاجتماع معى فى أنقرة لدرس إمكان تحقيق أمرين، أولهما الوصول إلى حل يقول انه سيوافق عليه، أى جزيرة لمجتمعين ومنطقتين إداريتين، وثانيهما أنه بدأ يشعر، أن هناك مصلحة كبرى لتركيا فى الاستفادة من الغاز فى شرق المتوسط، ما سيحرر تركيا واليونان من الاعتماد على استيراد الغاز الروسى عبر الأنابيب، فهذه هى الطريقة التى تستعمل فيها روسيا هذا المورد كسلاح.
ونشير هنا إلى أن سعد شريدة الكعبى، الرئيس التنفيذى لشركة قطر للبترول، كان قد أعلن فى مؤتمر صحفى بالدوحة؛ أن قطر تعتزم رفع طاقة إنتاج الغاز الطبيعى المسال بنسبة 30% خلال السنوات الخمس أو السبع القادمة. وفى المؤتمر الذى انعقد فى الرابع من شهر يوليو الماضى، قال الكعبى: «هذا المشروع سيعزز مكانتنا كأكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعى المسال فى العالم، وسوف تزيد الشركة إنتاج الغاز من حقلها الشمالى الكبير الذى تتقاسمه مع إيران. وسيرفع المشروع الجديد الطاقة الإنتاجية الإجمالية للغاز الطبيعى المسال فى قطر بنسبة 30% إلى 100 مليون طن من 77 مليون طن سنوياً، وبعد اكتمال المشروع سيزيد إنتاج دولة قطر إلى نحو ستة ملايين برميل من النفط المكافئ يومياًً».
الغاز الطبيعى المسال واختصاره LNG هو الغاز الطبيعى الذى تمت معالجته وإسالته بالتبريد فى درجة تبريد سالب 260 درجة فهرنهايت، وتعد قطر أكبر مُصدر للغاز الطبيعى المسال فى العالم، حيث يقل حجمه فى الحالة السائلة بحوالى 600 مرة عن حالته الغازية، وبالتالى يسهل نقله عبر البحار والمحيطات بتكلفة منخفضة، لذا تمتلك قطر أكبر أسطول عالمى من السفن والحاويات الناقلة للغاز الطبيعى المسال فى العالم.
تصريحات الكعبى أعطت إشارة قوية إلى أن قطر، تعتزم التحول مرة أخرى إلى مرحلة التوسع السريع فى الإنتاج بعد سنوات من النمو البطيء. ويمكن أن تؤدى الزيادة الإنتاجية فى الغاز القطرى إلى إحداث وفرة للغاز المسال عالمياً، وبالتالى يحدث انخفاض للأسعار؛ ما يغرق العديد من المنافسين ممن ترتفع تكلفة الإنتاج لديهم، على رأسهم الشركات الأمريكية للغاز المسال، والشركات الأسترالية والروسية.
أضف إلى ذلك، أنه فى الثالث من أبريل الماضى، ولأول مرة منذ 12 عاماً، أعلنت قطر الإفراج عن الحظر الذى فرضته على أكبر حقول الغاز الطبيعى فى العالم حقل الشمال، الذى تتشارك فيه مع إيران والذى تم اكتشافه عام 1971، حيث كانت قد حظرت إقامة مشاريع جديدة فى الحقل العملاق للسماح بتقييم مدى تأثير معدل الاستخراج على الخزان الضخم. بما يعنى أن قطر فضلت تجميد أية مشاريع فى الحقل المشترك لحين تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران حتى تتمكن الأخيرة هى الأخرى من إقامة مشاريع فى الجزء الشمالى الخاص بها فى الحقل والمعروف فى إيران باسم حقل غاز بارس الجنوبى. وبالفعل قامت إيران قبل الإعلان القطرى بيوم واحد بتوقيع اتفاق مع شركة توتال الفرنسية وشركة النفط الصينية سى إن بى سى، بقيمة خمسة مليارات دولار لتطوير الجانب الشمالى من حقل الشمال، على إثر رفع العقوبات الغربية عليها إذ يعد أول اتفاق مع شركة غربية.
وهنا تظهر بوضوح اللعبة القطرية الإيرانية، والتى أكدتها سرعة إيران فى مساعدة قطر بالمؤن وفتح الموانئ البحرية، والسماح لناقلات الغاز المسال القطرية العملاقة من المرور فى الجزء التابع لإيران من الخليج العربى، ومن ثم الخروج بسلاسة من مضيق هرمز لضخ الغاز إلى أكبر زبائنها، اليابان وكوريا الجنوبية والهند وباقى الأسواق العالمية.
6
نعود إلى حقل «ظهر» لنؤكد أنه سيساهم إلى جانب عدد من الحقول الكبيرة الأخرى فى وقف استيراد مصر لشحنات الغاز المسال فى منتصف العام الجارى، وهو ما يوفر على مصر العملة الصعبة التى كانت تدفعها من أجل الاستيراد، ولكنها ستستخدم جزءا منها فى شراء حصة الشريك الأجنبى من هذه الحقول.. وبخلاف وقف الاستيراد، فإن الحقل سيشجع على تأمين احتياجات مصر القومية من الطاقة وتلبية احتياجات خطة التنمية الاقتصادية من الغاز خلال السنوات المقبلة سواء احتياجات المصانع أو محطات الكهرباء، أو استخدامه فى الصناعات البتروكيماوية ذات القيمة المضافة. كما قد يساهم الحقل فى تحول مصر إلى تصدير الغاز خلال السنوات المقبلة وأن تصبح مركزاً للطاقة وتشغيل محطتى تسييل الغاز اللتين تتواجدان فى مصر، وهو ما يسهم فى تحقيق تدفقات من العملات الأجنبية فى حالة حدوثه.
كما تعتزم مصر افتتاح رصيف بحرى جديد لاستقبال ناقلات الغاز الطبيعى والمنتجات البترولية على خليج السويس فى الأيام المقبلة وهى خطوة أخرى فى خطتها كى تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة، وتشيد الشركة العربية لأنابيب البترول (سوميد) التى تشغل منذ عقود خطى أنابيب من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، الرصيف الجديد البالغ طوله 2.5 كيلومتر.. وسيضم الرصيف البحرى ثلاثة مراس لاستقبال ناقلات الغاز الطبيعى والمنتجات البترولية.. ومن المقرر أن يكتمل إنشاء الرصيف بنهاية الشهر الحالى.. وتقوم مصر أيضاً ببناء مستودعات وقود للسفن بمحاذاة قناة السويس وتوسع طاقتها التكريرية. ولدى مصر شبكة أنابيب واسعة ومحطتان لتسييل الغاز جاهزتان لتصدير الغاز الجديد فور وصوله. وتنفق سوميد، المملوكة بنسبة 50٪ للحكومة المصرية والنسبة الباقية لدول عربية مصدرة للنفط فى منطقة الخليج، 415 مليون دولار لتوسعة منشآتها التى توجد بالأساس فى طرف القناة على البحر الأحمر.. والشركة تبنى أيضاً مستودعات لتخزين منتجات بترولية بطاقة 300 ألف متر مكعب ومنشآت للتحميل والتفريغ. ومن المقرر أن تُستكمل المستودعات بحلول نهاية 2018، وفى مايو الماضى قال بنك الكويت الوطنى مصر: «إنه قدم تمويلاً بقيمة 300 مليون دولار للمشروع».
كان غياب دور مصر عن منطقة البحر المتوسط بسبب انشغالها بقضايا الداخل والأزمات العربية، أعطى لتركيا مساحة التفرد والهيمنة على هذه المنطقة. ومعروف بالطبع أن تركيا واحدة من الدول صاحبة المشاريع عابرة الحدود فى المنطقة؛ ولذلك راهنت بقوة ومازالت على الإخوان المسلمين بعد أحداث الربيع العربى، ودعمتهم لركوب ثورات المنطقة؛ بهدف إيجاد حكومات تحقق المصالح التركية فى المنطقة العربية، وكادت تنجح بمساعدة تنظيم الإخوان فى تحويل مصر المطلة على مياه المتوسط إلى منطقة حرة تركية؛ حيث عبور البضائع التركية إلى الأسواق الأفريقية، وتسهيل العبور من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر، والاستفادة من القوى البشرية والإمكانات المصرية فى توفير الصناعات الإنشائية والأولوية التى تحتاجها الدول النامية داخل إفريقيا.
لذلك، كان خروج تركيا من المحيط المصرى صدمة كبيرة فى خريطة مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهو ما دفع بكل دول الشر إلى محاولاتها البائسة لمحاصرة الدولة المصرية وتهديد أمنها القومى فى ليبيا والسودان وفلسطين ومنطقة المتوسط بالشراكة مع حلفاء إقليميين. وعبر كل التنظيمات الإرهابية ابتداء من «الإخوان» وحتى «داعش»، وكلها مصنوعة فى معامل المخابرات الدولية الكبرى.. وهى تشبه القنابل الفيروسية أو الأسلحة البيولوجية التى اخترعتها القوى الكبرى فى معاملها وما زالت هذه القوى الكبرى تستخدم التنظيمات الإرهابية فى تنفيذ أجنداتها السياسية والمخابراتية.. وما من شك فى أن فكرة الفوضى الخلاقة لا تعنى سوى استخدام التنظيمات الإرهابية فى إعادة رسم خريطة ما يسمى الشرق الأوسط الكبير.