الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:44 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: حكاية «الدول الحثالة» التى كشفت الوجه الجديد للرئيس الأمريكى!

سر لقاء الساعات الخمس بين «كاجامى» وترامب فى دافوس



طرح المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس العام الماضى، عام 2017، سؤالاً «من هو السيد ترامب» الرئيس الجديد للولايات المتحدة؟!.. وكان على العالم أن ينتظر عاماً كاملاً من السلوك والسياسات المتخبطة والعشوائية أحيانا ليتلقى فى نهاية المنتدى هذا العام جوابا - وهو رجل أعمال يشعر بالراحة والانطلاق والقدرة على التحدث بلغة مشتركة مع مديرى الشركات والمؤسسات العالمية، أكثر بكثير من قدرته على فعل ذلك مع السياسيين المحنكين ورجال الدولة والمسئولين الحكوميين الكبار.
وفى الأيام الأولى من المنتدى، تحدث رؤساء الدول والأعمال عن تفاؤلهم بشأن النمو الاقتصادى الذى بدأ، وعن التكنولوجيات الجديدة، وتطوير سوق النفط، والجرائم السيبرانية المحزنة.. ومع ذلك، فإن اللحظات الأكثر توقعا والأقل أهمية من المنتدى الاقتصادى العالمى كانت وصول وأداء دونالد ترامب، وأصبح وصول الأخير فى الواقع إيذانا بانتهاء أعمال المنتدى.
الحدث لم يقتصر على دافوس وحدها، ففى اليومين الأولين خرج نحو 20 شخصاً إلى الشارع الرئيسى فى دافوس نفسها مع ملصقات وشعارات مناهضة لترامب وحضوره.. وفى يوم الأربعاء خرج مئات الأشخاص إلى شوارع العديد من المدن السويسرية بما فى ذلك زيوريخ وجنيف ولوزان معربين عن عدم رضاهم عن سياسة الهجرة التى ينادى بها الرئيس الأمريكى، كما اتهموه بالعنصرية والتحيز الجنسى.
منتدى دافوس منظمة غير حكومية لا تهدف للربح مقرها جنيف بسويسرا أسسها أستاذ فى علم الاقتصاد كلاوس شواب فى 1971.. يعتبر هذا المنتدى بمنزلة مساحة تلاقى النخب من 1000 من ممثلى الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى، والقادة السياسيين بهدف النقاش فى المشكلات الاقتصادية والسياسية التى تواجه العالم وكيفية حلولها.. يعقد المنتدى اجتماعاته السنوية فى دافوس «عاصمة مايكروسوفت» حيث يتم وضع مسودات لخطط ومشاريع اقتصادية مشتركة، هذا إلى جانب دوره التعبوى لسياسات النيوليبرالية للبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية التى تستهدف بالأساس خصخصة الخدمات الأساسية وتحرير السوق وخلق مناخ يسمح بالاستثمار بما يتطلبه ذلك من إصلاحات سياسية. وعلى الرغم من انه رسمياً «منظمة غير حكومية ولا تستهدف للربح ومفتوحة لمن يرغب» فإن شروط عضويته تحتم على أن يكون دخل الشركة لا يقل عن مليار دولار فى السنة، إلى جانب اشتراك عضوية سنوى 12.500الف دولار، أما الاشتراك فى المؤتمر السنوى فيتكلف 6.250 ألف دولار، واذا أرادت الشركة الاشتراك فى وضع أجندة هذا المؤتمر قبل انعقاده فتتكلف 250.000 ألف دولار، وإذا أرادت أن تكون شريكا دائما فتدفع 78.000 ألف دولار.
يحضر ذلك المؤتمر أو المنتدى السنوى لفيف من النخب الاقتصادية إلى جانب رؤساء الحكومات والوزراء، وبعض منظمات المجتمع المدنى المختارة إلى جانب بعض المحامين والصحفيين والأكاديميين المختارين بعناية الذين لا ضرر من قيامهم بمشاريعهم الخاصة.. وقد رأى قادة العالم Bن الاجتماعات السنوية ليست بكافية لدرء مخاطر العالم، فوجبت الحاجة لعقد اجتماعات إقليمية من 5 إلى 10 اجتماعات إقليمية على مدار العام فى أمريكا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط من أجل التسريع لعملية «الانفتاح والاندماج الاقتصادى» والتعبئة لسياساته.
ما يستلفت الانتباه هو أن الجلسة الختامية للمنتدى، لم تشهد مواجهة كانت متوقعة بين الأفكار الليبرالية لغالبية قادة ورجال أعمال دول العالم، من جهة وأفكار الرئيس الأمريكى رافع شعار «أمريكا أولاً» من جهة أخرى. إذ اختار الرئيس الأمريكى لغة «تصالحية»، مفضلا استعمال قاموس عالم المال والأعمال، فدعا إلى علاقات تجارية عادلة ومربحة للجميع. وحرص على الإشارة إلى أنه أول رئيس أمريكى قادم من عالم الأعمال، فى حين كان أسلافه من السياسيين أو الجنرالات. وقال ترامب، مخاطبا حشوداً من السياسيين ورجال الأعمال أمس الجمعة: «سأطرح دائما شعار أمريكا أولا، كما يتعين على قادة البلدان الأخرى أن يضعوا مواطنيهم أولا. لكن أمريكا أولا لا تعنى أمريكا وحدها». وأكد أن بلاده ملتزمة بتجارة حرة وعادلة ومتبادلة، لافتا إلى أنه «لا يمكن الحفاظ على تجارة حرة إذا استغلت بعض الدول هذا النظام على حساب غيرها».
ولم يقتصر خطاب ترامب على الجوانب الاقتصادية، وقال إن إدارته تقود جهودا تاريخية فى مجلس الأمن وعبر العالم لممارسة أقصى الضغوط على كوريا الشمالية، كما دعا العالم إلى مواجهة دعم إيران للإرهابيين وعرقلة طريقها لامتلاك السلاح النووى.. كما ادعى ترامب أن قوات التحالف بقيادة واشنطن استعادت 100% تقريبا من الأراضى التى سيطر عليها تنظيم داعش فى سوريا والعراق، محذرا من أن «معارك» أخرى ما زال يتعين خوضها «لترسيخ» هذا التقدم.
الرئيس الأمريكى أكد لقادة العالم، فى خطابه الختامى لأعمال المنتدى الاقتصادى العالمى، التزامه بنظام تجارى «حر وعادل»، واستعرض نجاحات إدارته مشجعا المستثمرين على ضخ ملايين الدولارات فى الاقتصاد الأمريكى. وحمل خطاب الرئيس الأمريكى الذى تلقى ترحيبا حارا من مؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى كلاوس شواب وكبار رجال الأعمال، رسالة واضحة مفادها: «أمريكا مفتوحة للأعمال.. استثمروا فى اقتصادنا»، وبدت شخصية رجل الأعمال مهيمنة على الخطاب الذى ختم أربعة أيام من الفعاليات المكثفة بـ«دافوس»، مع استعراضه لإنجازاته الاقتصادية، وقال: «منذ انتخابى، وبعد سنوات من الركود الاقتصادى، حققت سوق الأسهم مستويات قياسية واحدة تلو الأخرى، وأضافت سبع تريليونات إلى الاقتصاد الأمريكى»، لافتا إلى أن مستويات ثقة المستهلكين والمستثمرين والصناعات هى الأعلى منذ عقود. وتابع: «منذ انتخابى، خلقنا 4.2 مليون وظيفة، وانخفضت معدلات البطالة إلى مستويات هى الأضعف منذ نحو نصف قرن». واستنتج الرئيس أن «العالم يشهد عودة أمريكا قوية ومزدهرة».
وفى محاولته لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى بلاده، قال ترامب: «أنا هنا لتسليم رسالة بسيطة: لا يوجد وقت أنسب من اليوم للتوظيف والبناء والنمو فى الولايات المتحدة. أمريكا مفتوحة للأعمال، وأصبحنا منافسين من جديد». وسلط الرئيس الأمريكى الضوء عدة مرات خلال خطابه على الإصلاحات الضريبية الأخيرة التى صادق عليها الكونجرس. وقال: «خفضنا نسبة الضريبة على الشركات من 35٪ إلى 21٪.. وتلقّى ملايين الموظفين علاوات نتيجة لذلك، بلغت 3 آلاف دولار». وأعلن ترامب فى هذا الإطار أن إجمالى استثمارات شركة «آبل» فى الاقتصاد الأمريكى خلال السنوات الخمس المقبلة سيصل إلى 350 مليار دولار.
فى كلمة متوازنة تحلّت بالكثير من الدبلوماسية، طمأن ترامب حلفاءه مؤكدا التزامه بنظام تجارى حر وعادل، يتيح للدول التعاون فيما بينها لمواجهة التحديات.. وقال: «سأطرح دائما شعار أمريكا أولا، كما يتعين على قادة البلدان الأخرى أن يفعلوا أيضاً.. لكن أمريكا أولاً لا تعنى أمريكا وحدها». وقال ترامب: «لا يمكن الحفاظ على تجارة حرة إذا استغلت بعض الدول هذا النظام على حساب أخرى. ندعم التجارة الحرة، لكن يجب أن تكون عادلة ومتبادلة»، مضيفا أن «تجارة غير عادلة تضرنا جميعا». وتابع أن «الولايات المتحدة لن تغضّ النظر عن السياسات الاقتصادية غير العادلة، والتى تشمل سرقة الملكية الفكرية والتخطيط الاقتصادى الذى تقوده الدولة، والدعم الصناعى». ولم يغب عن خطاب ترامب التذكير بضرورة الاستثمار فى «الأشخاص»، قائلاً: إن «نسيان» الناس يقود إلى عالم متصدع. ولم يقتصر خطاب ترامب على الإصلاحات الاقتصادية، وشدد على أهمية الاستثمار فى الجيش الأمريكى، داعياً «أصدقاءنا وحلفاءنا إلى الاستثمار فى دفاعهم ودفع التزاماتهم المالية».. وقال: «نحن عاقدو العزم على ألا تعود أفغانستان ملجأ للإرهابيين». وشهد خطاب ترامب إقبالا استثنائيا هو الأعلى فى منتدى دافوس هذا العام، وربما منذ سنوات، كما كانت الإجراءات الأمنية مشددة للغاية فى القاعة التى تسع نحو 1500 شخص. وبدا أن ترامب التزم بخطابه ولم يرتجل كعادته، لكنه لم يفوت الفرصة لانتقاد الإعلام «الكاذب والشرير».
فى الساعات التى سبقت كلمته، أجرى الرئيس عدداً من المقابلات الصحفية فى دافوس، نفى خلالها أنباء نشرتها وسائل إعلام زعمت بأنة قرر العام الماضى إقالة المدعى الخاص روبرت مولر المكلف بالتحقيق باحتمال حصول تدخل روسى فى الانتخابات الرئاسية، قبل أن يتراجع تحت الضغوط.. وفى مقابلة مع قناة «آى تى فى» البريطانية للصحفى بيرس مورجان، صرح الرئيس الأمريكى بأنه مستعد للاعتذار عن إعادته نشر تغريدات تتضمن تسجيلات مناهضة للمسلمين للمجموعة البريطانية اليمينية المتطرفة «بريطانيا أولاً»، ما أثار جدلا فى المملكة المتحدة.. وقال: «إذا كنت تقول إنهم أشخاص سيئون وعنصريون، فسأعتذر بالتأكيد إذا رغبتم فى ذلك». وفى مقابلة أخرى مع شبكة «سى إن بى سى»، أكد ترامب أنه يود أن يرى «دولاراً قوياً»، معتبرا أن تصريحات وزير الخزانة ستيفن منوتشين أخرجت من سياقها. وساهمت تصريحات ترامب فى انتعاش طفيف فى أسواق المال بعد وصول سعر صرف العملة الخضراء هذا الأسبوع أدنى مستوى لها مقابل اليورو فى ثلاث سنوات.
إلى ذلك، عقد ترامب لقاء ثنائيا مع نظيره الرواندى بول كاجامى، هو الثالث بعد رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماى ونظيرها الإسرائيلى بنيامين نتنياهو. وطلب ترامب من كاجامى الذى يتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقى أن ينقل «تحيات حارة» إلى القادة الأفارقة، الذين استنكروا بشدة التصريحات «المهينة» بحق دولهم والمنسوبة إلى الرئيس الأمريكى، كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية. وهنأ الرئيس الأمريكى كاجامى بتوليه الرئاسة الدورية للكتلة التى تضم 55 دولة، والتى قال ترامب إنها «شرف عظيم». وكان الاتحاد الإفريقى الذى يعقد قمة فى 28 و29 يناير فى أديس أبابا، ندد منتصف الشهر الحالى بتصريحات ترامب عن «الدول الحثالة» فى القارة الإفريقية.