ياسر بركات يكتب: وتبقى القدس فى قلب مصر وشعبها.. واللعنة على كل خائن.. باعوها
src="//pagead2.googlesyndication.com/pagead/show_ads.js">
التوطين.. ملفات الخيانة العربية الكبرى من وثائق مكتب الإرشاد
مرسى.. عرّاب بيع الأوطان
* أسرار لقاءات المعزول مع أمير قطر فى قصر الرئاسة بحضور جواسيس إسرائيل
* نص الرسالة التى تلقاها وزير الاقتصاد القطرى من تنظيم الإخوان لشراء الصهاينة الأرض العربية
* تفاصيل صفقة سبتمبر الأسود بين خيرت الشاطر والدوحة.. وحكاية الـ5.2 مليار دولار
جاء إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الأربعاء الماضى، اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إلى المدينة المحتلة ليضع العالم كله، وليس الفلسطينيين والعرب فحسب، فى اختبار صعب ومعقد، وفتح الأبواب على احتمالات لا حصر لها. وكما هو معروف ومتوقع، رفضت القرار غالبية الدول فى العالم. لكن ما نراه مهما الآن، هو أن القرار لم يكن غير جزء صغير من مخطط أكبر كاد ينجح لولا ثورة هذا الشعب العظيم فى 30 يونية 2013 ولولا جيشنا العظيم الذى أثبتت أحداث ومواقف عديدة أنه حريص كل الحرص على كل «شبر» من تراب مصر.
جاء إعلان القرار ليقدم إجابات جزئية عن أسئلة صعبة من عينة: من يريد إشعال النار فى المنطقة ولماذا؟!.. هل محاولاتنا لاستعادة دورنا كمنطقة مركزية فى العالم جريمة نعاقب عليها؟!.. أم أن سقوط نظام «الإخوان» كان بالنسبة لدوائر أمريكية وبريطانية «طعنة» أصابت مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، فأرادوا أن يردوا عليها بطعنة أقسى منها؟!
بقدر ما تقدم الإجابات عن تلك الأسئلة صورة واضحة المعالم لحقيقة ما كان مخططا له أن يحدث بعد تثوير أو تفخيخ المنطقة، بما أسموه بالربيع العربى، بقدر ما يكشف أن مصر أدركت اللعبة جيدا وامتلكت كل الكروت التى تستطيع بها أن تعيد الاستقرار لدول كادت تتلاشى بفعل فاعل.
والعودة هنا ضرورية إلى سنة 2004 وهى السنة التى قوبل فيها مشروع الشرق الأوسط الكبير برفض شديد من أكبر دولتين فى المنطقة العربية وهما مصر والسعودية، اللذان أجبرا الرئيس جورج بوش على وضع ذلك المشروع جانباً. لذلك كله، قامت ثورة 30 يونية بتغيير موقع مصر من المعادلة الأمريكية، بشكل انقلبت معه خطة الشرق الأوسط الجديد رأساً على عقب، لأن خطة إقامة المحور التركى- الإيرانى- المصرى كانت تقتضى أن يسيطر الإسلاميون على الدول الثلاث، لكنهم فقدوا مصر وازدادت الاضطرابات فى دول الربيع العربى التى وصل الإخوان فيها إلى الحكم، فانفرطت خريطة الشرق الأوسط الأمريكية، ليعاد ترتيب مواقع الدول، لتأتى دولة تؤكد وجودها وثباتها ومكانتها على خريطة المنطقة من جديد كقوة سياسية ضاربة.
قبل أن نعرض تفاصيل أكثر، نشير أولا إلى أن عدداً من الكيانات التى تمول منظمات المجتمع المدنى تضع العلاقة مع إسرائيل كشرط أساسى فى تقديم المعونات والمنح! فوكالة التنمية الدولية السويدية (SIDA) التابعة لوزارة الخارجية السويدية، وضعت استراتيجية تركز على دمج «إسرائيل» اقتصادياً فى المنطقة العربية، كمقدّمة أساسية لما تصفه الوكالة بـ«منع النزاعات». وكذلك، الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC) تضع ضمن أولوياتها لمنطقة «الشرق الأوسط» تحقيق «سلام دائم» ودعم «الوسائل السلميّة لحل النزاعات».
ولاحظ أن المثالين من دولتين لهما تأثير سياسى ضعيف لنؤكد على أنه حتى تلك الدول ذات التأثير الضعيف، تدفع بكامل قوّتها لدمج «إسرائيل» فى المنطقة وتطبيع العلاقات معها من خلال المشاريع المشتركة، والتعاون والتواصل عبر الحدود، ومبادرات السلام، ومبادرات حل النزاعات، والتعامل مع «الإقليم» كوحدة واحدة متكاملة).. فإذا كان هذا حال جهات التمويل التابعة للدول ضعيفة التأثير فكيف يكون الحال مع الممولين الكبار مثل الـUSAID التابعة للخارجية الأمريكية، أو الاتحاد الأوروبى ومؤسساتها الكبرى مثل مؤسسة آنا ليندا التى تعلن بكل وضوح دعمها ومساندتها لإسرائيل؟!
ولا نبالغ لو قلنا إن غالبية جهات التمويل والمعاهد الثقافية التى تتبع وزارات الخارجية فى بلادها (SIDA، USAID، SDC، CIDA، British Council، Institute Francis، وغيرها) وبالتالى فهى جزء من ذراع السياسة الخارجية لبلدانها التى تدعم «إسرائيل» بشكل مطلق وفى كل المحافل وتحت كل الظروف.. أما المؤسسات الألمانية مثل فدريدرش ناومان، وفريدريش إيبرت، وهاينرش بول، وروزا لوكسمبورج، فهى تتبع الأحزاب الألمانية (الديمقراطى الحر، الاجتماعى الديمقراطى، الخضر، اليسار) وجميعها تدعم «إسرائيل».
ولاحظ أننا لا نسمع شيئاً من هذه الكيانات عن الجرائم الإسرائيلية والقتل والتشريد والمذابح وأن كل ما نسمعه منها مجرد كلام «السلام» و«حل النزاعات» و«التعايش» و«مدّ الجسور» و«مشروعات البنى التحتية المشتركة» والمشاريع الثقافية المشتركة. ولعلنا لا نكشف سراً لو قلنا إن هؤلاء المموِّلين (والجهات التى تأخذ الأموال منهم وتنفذ مشروعات بالتعاون معهم) لا يوزّعون الأموال لوجه الله، وأنهم جميعا يعملون وفق استراتيجيّات مكتوبة وواضحة فى ما يتعلّق بالمنطقة، وبالتالى فهم يشاركون بشكل كبير فى إعادة إنتاج المنطقة ودمج «إسرائيل» فيها على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتشكيل فئات مرتبطة مالياً بالمموّلين، وهى بالضبط تلك الفئات التى يظهر واحد منها كل فترة، ليثير الجدل بشأن أنشطة تطبيعية يقوم بها.
قبل أن نعرض تفاصيل أكثر، نؤكد أيضاً أنه لا يمكن لكائن من كان أن يزايد على دور مصر.. ولن نعدد ما قدمناه للقضية الفلسطينية طوال السبعين سنة الماضية، مكتفين بالإشارة إلى أن مصر هى التى دعت لانعقاد الجلسة الطارئة لمجلس الأمن التى انعقدت، الجمعة، وشاركها الطلب أغلبية الدول الأعضاء الذين ينتابهم، وعدد كبير من دول وشعوب العالم، القلق إزاء مسألة تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، وذلك فى سابقة مهمة وغير تقليدية تستدعى التوقف عندها.
مندوب مصر فى مجلس الأمن، السفير عمرو أبوالعطا، لخص فى كلمته موقف مصر التى ستظل على عهدها الذى قطعته فى سبيل التوصل إلى سلام دائم وشامل وعادل فى المنطقة سلام مبنى على محددات الشرعية الدولية. ونقل إلى العالم استنكارنا لقرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل ونقل سفارتها إليها، ورفضنا لأية آثار مترتبة على ذلك.. وأوضح أن عمر مسألة القدس الشريف يمتد إلى جذور التاريخ، وتعلق قلوب أجيال من شعوب العالم من الأديان السماوية الثلاثة بها يرجع لمئات السنين، مؤكدا أن المجتمع الدولى تمكن فى العصر الحديث من خلال الأمم المتحدة من وضع محددات قانونية للتعامل معها منذ أن قررت تلك المنظمة إنشاء دولتين على أرض فلسطين وفقاً للقرار رقم181.. وأكد أن المنطق الوحيد والحقيقة الثابتة الوحيدة فى التعامل مع القدس الشريف فى إطار القضية الفلسطينية، هو هذا المنطق وتلك الحقيقة التى انعكست فى القانون الدولى المتمثل فى قرارات الأمم المتحدة لاسيما قرارات هذا المجلس، والتى رفضت بما لا يدع مجالاً للشك احتلال القدس الذى بدأ عام 1967.
وما من شك فى أن اتخاذ مثل هذه القرارات الأحادية يعد مخالفاً للشرعية الدولية، وتخالف القانون الدولى وتهدد منظومة العلاقات السياسية، التى تأسست على ميثاق الأمم المتحدة منذ أكثر من 70 عاماًً للحيلولة دون تكرار مآسى الحروب، وضمان تنظيم العلاقات بين الشعوب فى عصر من المفترض أنه يراعى الحقوق الأساسية لتلك الشعوب على أساس من المساواة. وبالفعل، نحن أمام اختبار لتلك المنظومة واختبار لسيادة القانون، ولن يتحقق النجاح فى هذا الصدد إلا من خلال العمل الجماعى فى إطار الشرعية الدولية.. ولا يعنى الاستسلام للفشل غير أن علينا التعامل مع عواقب وخيمة، لسنوات طويلة مقبلة.
اجتماع مجلس الأمن جاء لتأكيد خطورة المساس بالمحددات القانونية التى تم التوصل إليها على مدار عشرات السنين، ونشير هنا إلى أهم قرارات مجلس الأمن الملزمة، القديم منها والحديث، بشأن القدس، بدءاً من القرار 242 الذى نص على انسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها عام 1967 ومن ضمنها القدس، كما رفض القرار 478 احتلال المدينة بالقوة، أما ما يسمى «بالقانون الأساسى» الذى فرضته إسرائيل، فكان انتهاكاً للقانون الدولى ولا يغير من الوضع القانونى للمدينة، ولا يؤثر على تطبيق اتفاقية جنيف المعنية بحماية المدنيين فى وقت الحرب على القدس الشريف. وكان آخر قرارات مجلس الأمن الصادرة فى هذا الشأن، والتى لم يتخط عمرها العام الواحد، هو القرار 2334 الذى أكد عدم اعتراف المجلس بأى تغير فى خطوط الرابع من يونية لعام 1967، بما فى ذلك ما يتعلق بالقدس الشريف، إلا من خلال التفاوض بين الأطراف. وأكد أن القرار 478 طالب بسحب جميع البعثات الدبلوماسية من مدينة القدس كون المجتمع الدولى لا يعترف بها عاصمة لإسرائيل، جاء القرار 2334 ليطالب بوضوح جميع الدول بالتفرقة فى تعاملاتها بين الأراضى الإسرائيلية وتلك الأراضى التى تم احتلالها عام 1967 وهى الأراضى التى تتضمن القدس.
قرارات مجلس الأمن المتسقة فى محتواها منذ عشرات السنين، وحتى الآن تعد القانون الذى يحكم الوضع بالقدس، مؤكدا أن قرارات مجلس الأمن ملزمة وتعهدت جميع الدول وفقاً للميثاق بتنفيذها والالتزام بها حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، وتلك القرارات هى التى تمثل الحقيقة والمنطق الوحيد فيما يتعلق بالقدس الشريف.
ما جاء فى كلمة مصر معروف للقاصى والدانى، كما أن الدعوة للحفاظ على مرجعيات الشرعية الدولية والقانون الدولى ليست من قبيل الترف، لاسيما فى منطقة تموج بالنزاعات وعالم يتعرض لتحديات جمة ولا يحتاج لمزيد من الفوضى غير المبررة بل هى دعوة تراعى ما نراه واضحاً أمام أعيننا من مخاطر شديدة تستتبع انهيار المنظومة القانونية الدولية. والمؤكد هو أن وضع القدس الذى حددته قرارات مجلس الأمن كمدينة محتلة لم يتغير، ولن يتغير، إلا إذا اتفقت الأطراف على ذلك من خلال المفاوضات، داعيا أجهزة الأمم المتحدة إلى التعامل مع التحديات الناشئة بالقضية الفلسطينية بالأسلوب الذى يحفظ للشعب الفلسطينى حقوقه غير القابلة للتصرف، بما فى ذلك إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف وفقاً لحدود الرابع من يونية عام 1967.
2
قرار ترامب الأخير، جاء ليكشف استمرار مخطط التقسيم الذى بدأ الغرب الأمريكى والأوربى تنفيذه منذ غزو العراق سنة 2003 والذى اتضحت ملامحه بعد ما عّرفت بثورات الربيع العربى التى أدت إلى اهتزاز الأنظمة العربية كلها تقريباًً. وتقريباً لم يفلت من ذلك الاهتزاز غير مصر، التى أصبحت محاطة بمشهد شديد التعقيد، لم نر فى مثل تعقيده وتناقضاته طوال نصف قرن كما لم نشهد اضطرابا فى خريطة الدول العربية، كذلك الذى نراه الآن. كما أن رحيل أنظمة كان لها ثقلها فى المنطقة ولها توازناتها وتحالفاتها، أدى إلى اختلال تلك التوازنات والتحالفات بزوال تلك الأنظمة أو بتفككها أو بتفكك وانهيار الدول نفسها!
مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، أو فكرة استحداث كيان شرق أوسطى بديل للعالم العربى يمكن أن تندمج فيه إسرائيل ليست فكرة جديدة ولم تظهر فقط بظهور مصطلح الشرق الأوسط الجديد فى 2001، سبق أن طرح الفكرة الرئيس الإسرائيلى «شيمون بيريز» سنة 1993 والذى كان عنوانه «الشرق الأوسط الجديد».
فى هذا الكتاب، دعا بيريز إلى فكرة شرق أوسط جديد قائم على التنمية يتم بناء العلاقات فيه بين الدول بشكل تعاقدى قائم على المصالح المادية فقط، وبهذا يمكن تحييد الهويات الوطنية والقومية والدينية والثقافية من تعامل الدول العربية مع إسرائيل. وليست صدفة بالطبع أن يكون عنوان كتاب بيريز هو ذاته المصطلح الذى تبناه الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن بعد ضربات 11 سبتمبر، وبشرت به وزيرة خارجيته كونداليزا رايس مع مصطلح «الفوضى الخلاقة»، مع الترويج لفكرة أن نشر الديمقراطية على الطريقة الأمريكية هو العلاج الوحيد المضاد للإرهاب، وأن العالم العربى يعيش أوضاعا شبيهة بدول أوروبا الشرقية، وبموجب هذه المقارنة فالحرب مع العالم الإسلامى ليست حربا عسكرية، بل حرب أفكار فى المقام الأول، هدفها كما زعموا هو نشر قيم الحرية والعدالة!
ولعلنا نتذكر أن بوش الابن وهو يطرح فى فبراير 2004، فكرته عن الشرق الأوسط الكبير أو الجديد أمام مجموعة الثمانية قال بوضوح إن منطقة الشرق الأوسط تقترب أو على وشك الانفجار بسبب التدهور الاقتصادى والاستبداد السياسى، وكيف أن ذلك يمثل خطورة على الغرب ومصالحه فى المنطقة. أما الأهداف الحقيقية للمشروع، فكانت إعادة تشكيل وترتيب أوضاع المنطقة لتقبل النموذج الليبرالى عبر الديمقراطية الغربية.. وتهيئة المنطقة للعولمة، وهيمنة الشركات الأمريكية والأوروبية العابرة للقارات على اقتصاد المنطقة.. والأهم كما أشرنا من قبل هو دمج إسرائيل مع العالم العربى فى كيان شرق أوسطى.
هذا التصور للشرق الأوسط، انطلق من تصور أن التاريخ متوقف تماماً فى هذه المنطقة، وأن الشعب العربى يمكن أن يصبح مجرد أداة فى مساحة أو منطقة بلا تاريخ ولا تراث مشترك، يمكن توزيعه على جماعات دينية وعرقية لا يربطها رابط وليس لها ذاكرة تاريخية، مادى اقتصادى لا تحركه غير الدوافع المادية الاقتصادية فقط. وهذا هو الإطار الذى انطلق منه رالف بيترز، ضابط مخابرات أمريكى متقاعد، ليضع مخططاً لإعادة تقسيم الشرق الأوسط فى مقال (نشرته مجلة القوات المسلحة الأمريكية فى عدد يونية 2006) عنوانه «حدود الدم، كيف يبدو الشرق الأوسط بصورته الأفضل»، وهو المقال الذى وصفه بأنه «طبعة حديثة لمشروع تقسيم العالم الإسلامى الذى سبقه إليه برنارد لويس والخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية.
«بيترز» انطلق مما يسميه الظلم الفادح الذى لحق بالأقليات حين تم تقسيم الشرق الأوسط فى أوائل القرن العشرين (يقصد اتفاقية سايكس بيكو)، مشيراً إلى هذه الأقليات بأنها «الجماعات أو الشعوب التى تم خداعها حين تم التقسيم الأول»، ويذكر أهمها: الأكراد، والشيعة العرب. كما يشير إلى مسيحيى الشرق الأوسط، والبهائيين، والإسماعيليين، والنقشبنديين. ويرى بيترز أن هناك كراهية شديدة بين الجماعات الدينية والعرقية فى المنطقة تجاه بعضها البعض، وأنه لذلك يجب أن يعاد تقسيم الشرق الأوسط انطلاقا من تركيبته السكانية غير المتجانسة القائمة على الأديان والمذاهب والقوميات والأقليات، حتى يعود السلام إليه. والنموذج الكامن هناك هو الدولة الصهيونية القائمة على الدين والقومية وامتزاجهما.
وليس غريباً، أن يتزامن نشر مقال رالف بيترز مع مقال آخر كتبه الصهيونى جاى بخور (نشرته يديعوت أحرونوت فى 27 يوليو 2006) طرح فيه أيضاً خطة لإعادة صياغة الشرق الأوسط، يتم فيه تقسيم العراق إلى ثلاث دول، بحسب مقياس طائفى: سنية فى الوسط والغرب، وشيعية فى الجنوب، وكردية فى الشمال، كما يجب إنهاء نظام سوريا وإعادة الأكثرية السنية إلى الحكم. وعلى الأردن أن يتحمل المسئولية عن الضفة الغربية، وبهذا ينشأ كيان فلسطينى واحد فينتشر الفلسطينيون إلى الشرق.
أما مصر طبقا لمقال بخور فستصبح مسئولة عن قطاع غزة، وهو شىء حسب تصوره أصبح يحدث فى الواقع أكثر فأكثر. ويجب أن يقوم فى لبنان نظام دولى فى جنوب الدولة وشرقها، لمنع عودة الأصولية الشيعية أو غيرها.
خطة الشرق الأوسط الأمريكى الجديد اعتمدت على دول، أقل ما توصف به أنظمتها هو النفعية والانتهازية السياسية، وهو ما دفعها بالتالى إلى محاولة تهميش دول كبرى كان لها ثقلها الإقليمى والتاريخى فى المنطقة.. فالخطة كانت تعتمد على إضعاف دول الخليج لحساب قطر التى تدين بالولاء للمحور الأمريكى.. وكان القلق من مخطط الشرق الأوسط الجديد أنه يؤدى فى النهاية إلى وضع السعودية والكويت والعراق والبحرين والإمارات كلها فى موقف أضعف كثيراً من عدوها التقليدى ونقصد إيران. وكانت أمريكا مستعدة فى نظر الممالك الخليجية للتضحية بها فى سبيل إرضاء حليفتها الجديدة إيران التى تصورت واشنطن إمكانية أن يتعايش الشيعة فيها جنباً إلى جنب مع السنة الأتراك والإخوان فى مصر، وهو ما جعل السعودية تنتظر الفرصة لوضع حد لخارطة الشرق الأوسط الجديد التى تريدها الإدارة الأمريكية، والتى اتخذت منحى خطيراً بعد ما يوصف بـ«الربيع العربى».
أما الكارثة الكبرى.. بل والأكثر من كارثة، فكانت حين أعلن وفد جامعة الدول العربية فى واشنطن الذى رأسه رئيس الوزراء القطرى، موافقة الجامعة من حيث المبدأ على فكرة تبادل الأراضى بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، وأن يعلن قبول بإدخال تعديلات على حدود ما قبل الخامس من يونية ١٩٦٧.. وكان البعد الكارثى فى تلك الموافقة هو أنها تعنى توفير غطاء سياسى عربى لكى تتمكن إسرائيل من ضم أجزاء من الأراضى الفلسطينية التى احتلتها خلال عدوان يونية ١٩٦٧.
كما أن الموافقة على إدخال تعديلات على الحدود، يعنى أن إسرائيل لن تتوقف عند حدود الضفة الغربية، بل ستتجاوز ذلك إلى تبادل إقليمى للأراض وفق ما ورد فى مشروع طرحه سنة 2004 الجنرال الإسرائيلى جيورا إيلاند وهو المشروع الذى تضمن تبادل أراضى بين مصر وفلسطين وإسرائيل والأردن بالشكل الذى تتكون معه «غزة الكبرى» عبر توسيع حدود القطاع من ناحية الجنوب الغربى بنحو 600 كيلومتر مربع من أراضى سيناء.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مشروع الجنرال إيلاند نص على صفقة لتبادل الأراضى تحصل مصر بموجبه على سبعين مليار دولار.
ونشير إلى أن حلم إسرائيل بالخلاص من الفلسطينيين وتوطينهم فى غزة، حلم قديم جداً بدأ منذ أكثر من ستين عاماً. سنة 1951 كتب يوسف فايتس لسفير إسرائيل فى الأرجنتين ياكوف تسور: استقرت الحكومة الإسرائيلية على (عملية يوحنان) والهدف الأساسى منها هو ترحيل السكان العرب من إسرائيل إلى الأرجنتين للبقاء بها.
العملية كانت تعتمد على إغراء الفلسطينيين لكى يهاجروا لكن فشلت محاولات إغراء كثيرين منهم، وأكدت الدراسات وقتها أن السبب الرئيسى للرفض هو أن الفلسطينيين لا يريدون الهجرة لأماكن بعيدة. وكان تنفيذ «عملية يوحنان» صعباً، بل شبه مستحيل، فبعد المسافة بين فلسطين والأرجنتين كان كافيا لإفسادها وهو ما دفع اسرائيل للتفكير فى أماكن تهجير تكون أكثر ملاءمة وتوقيتات أكثر مناسبة للعمل.
وانتظرت إسرائيل حتى سنة 1953 لتقوم بترحيل الفلسطينيين إلى ليبيا، وبدأت بدفع مبالغ للمستعمرين الإيطاليين فى ليبيا لشراء أراض شاسعة لترحيل الفلسطينيين إليها لكن تكالب المستعمرين على جنى أرباح المشروع قبل نهايته أدى لافتضاح الأمر برمته وفشل العملية.
وهنا، ظهر مشروع تامير. والمشروع عبارة عن خطة وضعها أبراهام تامير مستشار وزارة الخارجية الاسرائيلية فى ذلك الوقت، وكان الهدف منه توطين 750 ألف فلسطينى فى لبنان على أن يتوسط ديكتاتور رومانيا السابق تشاوشيسكو فى الأمر لكن العملية فشلت أيضاً لأنها كانت تعتمد على قيام المجتمع الدولى بدفع تكاليف التوطين وهو ما لم يكن المجتمع الدولى على استعداد لتحمله فى ذلك الوقت.
وفى سنة 1955 ظهر مشروع سيناء. وهو المشروع الذى حاولت فيه إسرائيل أن تتلافى كل مشكلات المشروعات السابقة، فقامت باختيار هيئة دولية هى «الأونروا» لتتولى تسويق المشروع دوليا. وبموجب هذا المشروع، كان مقررا أن تمنح مصر للأونروا حق اختيار 230 ألف فدان لإقامة مشروعات عليها، فضلاً عن 50 ألف فدان للتطوير الزراعى، وتم تقدير عدد الذين سيستوعبهم «مشروع سيناء» بنحو (214 ألف شخص).
وبعد نكسة 1967، استغلت إسرائيل ظروف الهزيمة، لتعلن عن مشروع «ييجال ألون» الذى تقوم فكرته على أن إسرائيل ليست مسئولة عن المشكلة الفلسطينية، بل دول الجوار، وعليه يكون الحل بتوطين اللاجئين الفلسطينيين فى سيناء.. وفى عام 1971 ظهر مشروع أرئيل شارون وكان شارون وقتها قائد القوات الإسرائيلية فى قطاع غزة، وكانت فكرة المشروع هو تخفيف الكثافة السكانية بقطاع غزة المزدحم، وبالفعل قام بشق شوارع فى المخيمات الرئيسية فى قطاع غزة لتسهيل مرور القوات إلى المخيمات، وهدم آلاف المنازل ونقل أصحابها إلى مخيم كندا داخل الأراضى المصرية، وبعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر رفضت إسرائيل عودة هؤلاء إلى الأراضى الفلسطينية.
ظلت الأوضاع هادئة، حتى تم طرح الأمر مرة أخرى سنة 2004 من خلال مشروع «جيورا إيلاند» الذى سبق وأشرنا إليه، وكان يشغل وقتها موقع مجلس الأمن القومى الصهيونى وهو المشروع الذى اقترح خطة للتسوية مع الشعب الفلسطينى تتضمن تنازل مصر عن نحو 600 كيلومتر محاذية لقطاع غزة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وفى المقابل تمنح إسرائيل لمصر مائتى كيلومتر مربع فى صحراء النقب فى شمال غرب مدينة إيلات لإقامة جيب مصرى يمتد عبر نفق يخضع للسيادة المصرية، يربط بين مصر والأردن.
وبموجب المشروع، أيضاً، فإن الأردن ستحصل على منفذ على البحر المتوسط عبر النفق البرى وميناء غزة، كما سيحصل العراق على منفذ بالطريقة ذاتها، تحصل السلطة الفلسطينية على 89% من مساحة الضفة الغربية، فيما يحصل الكيان الصهيونى على مساحة الـ11% المتبقية، والتى تضم التجمعات الاستيطانية.
3
لو كنت من قراء الموجز، وتمتلك ذاكرة قوية، لتذكرت أننا كنا قد فضحنا وكشفنا بالتفاصيل المخطط الإخوانى الإسرائيلى الأمريكى، وقت أن حاولوا تمريره.. كل حرف كتبناه فى هذه المساحة كان صادقا ومدعما بالقرائن والبراهين، وكنا أول من حذر من خطورة تنفيذ السيناريو القطرى على أرض مصر، وكان عنوان «الموجز» قبل الإعلان النهائى عن نتائج الانتخابات الرئاسية ووصول الرئيس الإخوانى إلى مقعد الرئاسة يقول: «مرسى رئيسا.. مبروك لقطر» وبالفعل كان كل يوم يؤكد أن دويلة قطر هى المستفيد الأول وأن مشروعاتها وطموحاتها تتحقق بفضل سياسة الرئيس الإخوانى التى هى فى الأساس سياسة جماعة الإخوان المسلمين والمرشد العام الدكتور محمد بديع وحركة حماس، وأصبحت قطر هى الوجهة الوحيدة التى يتوجه إليها الدكتور مرسى ومعه باقى أعضاء وقيادات مكتب الإخوان وعلى رأسهم المهندس خيرت الشاطر الذى يواصل زياراته للدوحة والتى بدأت قبل وصول مرسى إلى الحكم واستمرت وأخذت شكلاً رسمياً فيما بعد.
حذرنا عشرات المرات من خطورة الاستثمار فى قناة السويس وخصصنا ملفات عن خطورة ذلك استراتيجياً خاصة وسط أطماع قطر فى تلك المنطقة تحديداً، ولكن لم يستجب الإخوان وأصبحت قطر تأمر فتطاع! بل وأصبحت دويلة الشيخة موزة هى التى تقود العرب وهى التى تتدخل لفض النزاعات الإقليمية فى ظل غياب دور مصر.
وكتبنا مثلاً، فى 19 نوفمبر 2012 تحت عنوان «القتلة والخونة فى قصر الرئاسة، غزة تدفع ثمن صفقة «العار» بين مرسى وأمير قطر وحماس»: إن قطر التى يحتضنها مرسى هى الأفعى التى ستلدغ العرب جميعا وإن كان الرئيس يجهل علاقاتها بالصهاينة فلاشك أن مستشاريه يعرفون، كما أن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يعرفون حجم الاستثمارات الصهيونية فى قطر ويعرفون أن الصهاينة يعتبرون قطر هى العاصمة العربية الأولى بالنسبة لهم فمن المعروف أن قطر هى أقرب أصدقاء الصهاينة».
وأوضحنا أن أمير قطر السابق ذلك الخائن لوالده ولوطنه يخطط لتفجير الوضع أكثر ولكى تتحول غزة إلى مقاطعة منفصلة تثير قلق الصهاينة فيطالبون بتهجير سكانها إلى سيناء. وأكدنا أن هذا هو السيناريو الصهيونى الحقير الذى يسعى أمير قطر إلى تنفيذه.. وقلنا إنها ليست تكهنات وليست خيالات بل وبكل أسف واقع أليم علينا أن نلتفت إليه. وطالبنا الرئيس الإخوانى بأن يستيقظ قبل أن تضيع سيناء وقبل أن ينفذ الأمير القطرى مخططات أسياده الصهاينة.
وفى أعداد تالية ومتلاحقة حذرنا من أنه بمساعدة قطر وبنك جى بى مورجان تشيس، قد تتمكن إسرائيل من امتلاك النصيب الأكبر فى مشروع محور قناة السويس، وهو ما يعنى أنها قد توسعت غربا، متجاوزة شبه جزيرة سيناء، وبقليل من التركيز فى المشهد الراهن نستطيع أن نرى خطوات جدية اتخذها الكيان لبدء تنفيذه، وقلنا إنها لو لا قدر الله نجحت فى ذلك تكون قد أنجزت شوطاً كبيراً فى تحقيق حلم إسرائيل الكبرى.. من النيل إلى الفرات!
كان كل ما يفعله الإخوان يشير إلى أنهم ينفذون مشروع «استراتيجية إسرائيل» الذى وضعه عوريدبنيون مدير مكتب مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق عام 1974 وهو المشروع الذى نشرته صحيفة «كيفونيم» فى فبراير 1982. هذا المشروع، انتقد خطأ الحكومة الإسرائيلية التى نجح السادات فى خداعها باتفاقية السلام مقابل الجلاء عن سيناء، وطالب بضرورة أن تعمل إسرائيل على استعادة سيناء مرة أخرى للاستفادة من مواردها الطبيعية التى هى فى أشد الحاجة إليها. ولم يكتف بنيون بذلك، بل طالب أيضاً باحتلال مدن القناة الثلاث وتشغيل قناة السويس بواسطة إسرائيل ولصالحها.
الاستيلاء على سيناء إذا لم يتحقق عن طريق المساومات والصفقات، فإنه سيتحقق عن طريق الاحتلال تحت زعم محاربة الإرهاب وحماية النفس ولهذا سارت أمريكا وإسرائيل فى خطين متوازيين كلاهما يؤدى إلى احتلال سيناء.. والخط الأول هو الدفع بأن سيناء أصبحت مقرا للإرهاب العالمى وخطراً على أمن إسرائيل ولذلك يجب أن تقوم بتأمين نفسها واحتلالها. أما الخط الثانى فيتمثل فى التفاوض مع الإخوان وعقد صفقة معهم.
وكان مخطط استيلاء إسرائيل على سيناء، تحت شعار حماية نفسها من الإرهاب بدأت أولى خطواته بوجود الإرهاب فى سيناء التى سيطرت عليها الجماعات الجهادية المسلحة وبوجود مسلحين يرتدون أقنعة ومدججين بالسلاح يظهرون فى شوارع الشيخ زويد. ولكى يكتمل المسلسل، كان يجب أن تندد الولايات المتحدة بالإرهاب الموجود بسيناء بين الحين والآخر.
سيناء كانت، بالفعل، معرضة للعديد من المخاطر فى ظل حكم الإخوان، حيث تتنازعها كل من حماس وقطر والقاعدة وإسرائيل، واتفق الإخوان إلى حد كبير مع أهداف ومخططات إسرائيل وحماس فى استقطاع جزء من شمال سيناء وضمه لقطاع غزة، وبدعم ومساندة أمريكية.
وهنا نشير إلى أنه بعد ثورة يناير 2011 أصدر معهد «بيجين السادات للسلام» دراسة تحت عنوان «الثورات العربية 2011 والأمن القومى الإسرائيلى»، قيل فيها: «سنضطر فى ظل ظروف معينة إلى استعادة أجزاء من سيناء فى ظل حكم الرئيس مرسى، وحال استمرار تدهور الوضع الأمنى، وقد أكد هذه النظرة عديد من مراكز الأبحاث الأمريكية مسئولين وسياسيين أمريكيين وإسرائيليين».
هذا عن الخط الأول أو المسار الأول.
أما الخط الثانى أو المسار الثانى، وهو التفاوض مع جماعة الإخوان وعقد صفقة معهم، اتخذت فيها إسرائيل أيضاً خطوات جدية، كان أبرز نتائجها إعلان وفد الجامعة العربية فى واشنطن الذى رأسه رئيس الوزراء القطرى، موافقة الجامعة العربية من حيث المبدأ على فكرة تبادل الأراضى بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، وأن يعلن قبول بإدخال تعديلات على حدود ما قبل الخامس من يونية ١٩٦٧.
البعد الكارثى فى تلك الموافقة هو أنها تعنى توفير غطاء سياسى عربى لكى تتمكن إسرائيل من ضم أجزاء من الأراضى الفلسطينية التى احتلتها خلال عدوان يونية ١٩٦٧.
الخطة قديمة جداًً، وبدأت محاولات تنفيذها منذ أكثر من ستين عاماً، لكن أكثر المحاولات خطورة، ظهر سنة 2004 من خلال مشروع «جيورا إيلاند» الذى كان يشغل وقتها موقع رئيس مجلس الأمن القومى الصهيونى.
ووقتها، كان الجنرال الإسرائيلى «جيورا إيلاند»، قد عاد ليعرض المشروع المقترح لتسوية الصراع مع الفلسطينيين فى دراسة أعدها لصالح مركز «بيجين - السادات للدراسات الاستراتيجية»، فى (37) صفحة بعنوان: «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين».
وقبل أن يعرض مشروعه، أكد جيورا إيلاند على أن حل القضية الفلسطينية ليس مسئولية إسرائيل وحدها، ولكنه مسئولية 22 دولة عربية.
وكان نص المشروع، هو أن تتنازل مصر عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضى سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة. وهذه الأراضى عبارة عن مستطيل، ضلعه الأول 24 كيلو متراً، ويمتد بطول ساحل البحر المتوسط من مدينة رفح غربا، وحتى حدود مدينة العريش، أما الضلع الثانى فيصل طوله إلى 30 كيلو متراً من غرب «كرم أبوسالم»، ويمتد جنوبا بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية. وهذه الأراضى (720 كيلو متراً مربعاً) التى سيتم ضمها إلى غزة تضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات، حيث إن مساحته الحالية تبلغ 365 كيلومتراً مربعاً فقط.
وأن تكون منطقة الـ(720 كيلو متراً مربعاً) توازى 12% من مساحة الضفة الغربية. وفى مقابل هذه المنطقة التى ستُضم إلى غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12% من مساحة الضفة لتدخل ضمن الأراضى الإسرائيلية. وفى مقابل الأراضى التى ستتنازل عنها مصر للفلسطينيين، تحصل القاهرة على أراض من إسرائيل جنوب غربى النقب (منطقة وادى فيران). مقابل استعداد مصر للتنازل للفلسطينيين، وليس لإسرائيل، عن 720 كم مربع من الأراضى المصرية -كما تقول الدراسة- ستحقق مصر المكاسب التالية:
أولاً: مبدأ الأرض مقابل الأرض. تتسلم مصر قطعة أرض من إسرائيل فى صحراء النقب، لكن المكاسب الضخمة الأخرى التى ستجنيها القاهرة تستحق الأخذ والرد حول هذا المشروع.
ثانياً: مصر مقطوعة جغرافيا عن القسم الرئيسى (الشرقى) من الشرق الأوسط. فالبحر الأحمر يحدها من الشرق والجنوب، والبحر المتوسط يحاصرها من الشمال.
ولكى يحدث الترابط البرى غير المتاح، ستسمح تل أبيب للقاهرة بشق نفق يربط بين مصر والأردن. ويبلغ طول هذا النفق حوالى 10كم، ويقطع الطريق من الشرق للغرب (على بعد 5 كم من إيلات)، ويخضع للسيادة المصرية الكاملة، والحركة من مصر إلى الأردن (وبعد ذلك شرقا وجنوبا للسعودية والعراق) ستتم بدون الحاجة للحصول على إذن من إسرائيل.
ثالثاً: بين الميناء الجوى الجديد فى غزة الكبرى والميناء البحرى الجديد هناك، وكلاهما على ساحل المتوسط، وحتى هذا «النفق المصرى-الأردنى» فى الجنوب، سيتم مد خط سكك حديدية، وطريق سريع، وأنبوب نفط (وتسير هذه الخطوط داخل الأراضى المصرية بمحاذاة الحدود مع إسرائيل).
وتعبر هذه الخطوط الثلاثة النفق إلى الأردن، ثم تتشعب باتجاه الشمال الشرقى لتغذى كلاً من الأردن والعراق، وإلى الجنوب، باتجاه السعودية، ودول الخليج.
هذا الربط كما سيتضح فى البند السابع من الخطة، له فوائد اقتصادية هائلة، لأن القاهرة ستحصل على نصيبها من الجمارك والرسوم مقابل كل «حركة» تتم بين الأردن والعراق ودول الخليج فى اتجاه ميناء غزة. وذلك لأن الطريق التجارى يمر بالأراضى المصرية.
رابعاً: تعانى مصر من مشكلة مياه تتفاقم يوما بعد يوم. وهناك زيادة مطردة فى أعداد السكان، ومصادر المياه العذبة فى تناقص مستمر. وبناء على ذلك فإن الدولة التى يعتمد 50% من سكانها على النشاط الزراعى لن تتمكن من الحفاظ على بقائها واستمرارها بعد جيل أو جيلين بدون إيجاد حل مبدئى لأزمة المياه.
ويتطلب الأمر، ضخ استثمارات هائلة فى مجال تحلية وتنقية المياه. ويتطلب هذا المجال الحصول على خبرات تكنولوجية متقدمة جداً، وتوفير رؤوس أموال بالمليارات، وتفتقر مصر لهذين العنصرين.. لذلك، فمقابل «الكرم» المصرى، سيقرر العالم ضخ استثمارات كبرى فى مصر فى مشروعات ضخمة لتحلية وتنقية المياه، وذلك عبر البنك الدولى ومؤسسات مشابهة.
خامساً: منح اتفاق السلام المصرى الإسرائيلى الموقع سنة 1979، لمصر ميزات كثيرة، لكنه اضطرها أيضاً لقبول تقييدات قاسية فيما يتعلق بنشر قواتها العسكرية فى سيناء. وأحد المكاسب التى ستحققها مصر مقابل التنازل عن قطاع من أراضيها للفلسطينيين، هو موافقة إسرائيل على إجراء «تغييرات محددة» فى الملحق العسكرى من اتفاقية السلام.
وهذه خطوة لا غنى عنها لمساعدة القيادة السياسية المصرية فى مواجهة الرأى العام الداخلى بهذا التبرير: نحن تنازلنا، حقاً، عن نسبة 1% من أراضى سيناء، لكن هذا التنازل سمح لنا، بعد 30 عاماً، أن نبسط سيادتنا على 99% من مساحتها بصورة كاملة.
سادساً: مصر مثل دول كثيرة فى المنطقة، معنية بالحصول على القدرة النووية (لأغراض سلمية). وجزء من التعويضات التى ستحصل عليها مصر، سيتمثل فى موافقة الدول الأوروبية (خاصة فرنسا) على بناء مفاعلات نووية فى مصر لإنتاج الكهرباء.
سابعاً: اتفاق السلام الذى تطرحه هذه الخطة سيضع نهاية لصراع استمر 100 عام بين إسرائيل والدول العربية. ولن يشك أحد فى أن هذا الاتفاق لم يكن ليحدث لولا مباركة الرئيس المصرى.
4
هذا المشروع أيضاً، كان هناك مستوى آخر لتنفيذه.
مستوى أسماه الإخوان بـ«مشروع إقليم قناة السويس» الذى أرادوا بالصيغة التى وضعوا بها القانون الخاص به أن يُنشئوا دولة داخل الدولة، وأن يمنحوا أرضنا لمن أرادوا وبامتيازات مفتوحة.
وكذا، مشروع الصكوك الإسلامية الذى كان من المتوقع ألا ينجح محلياً، نظراً لارتفاع أسعار الفائدة على الأوراق الحكومية البديلة.
ولم يكن مشروع الصكوك غير صيغة للاقتراض يمنح الأفراد (والحكومات) الحق فى امتلاك أصول مصر فى حال ما إذا كان دائناً للدولة.. وهو ما يعنى أن تنفيذ مشروع الصكوك كان يتيح لجماعة الإخوان وللدول التى تدعمها أن تمتلك مصر.
وتأكد ذلك، حين تلقى يوسف حسين كمال وزير الاقتصاد والمالية القطرى، فى 17 سبتمبر 2012، خطاباً من رئيس وزراء قطر يطالبه بتشكيل فريقين: الأول لمشاريع شرق التفريعة والثانى لمشاريع شركة الديار القطرية للاستثمار العقارى.
وبعد الخطاب حدثت مفاوضات أجراها الرئيس محمد مرسى وخيرت الشاطر مع الجانب القطرى، وبعد عدد من اللقاءات التى تمت فى هذا الصدد، انتهت المفاوضات إلى الاتفاق على إنشاء مدينة قطر الصناعية فى السويس باستثمارات 5.2 مليار دولار وأن تنفيذ المشروع بدأ بشراء قطر لسندات خزانة من مصر بإجمالى 2.5 مليار دولار من وديعتها بالبنك المركزى.
ووافق مرسى على منح 7 مناطق صناعية لدولة قطر للانتفاع بها لمدة 50 عاماًً. كما أن وزير المالية القطرى يوسف حسين كمال، بعد لقائه بوزير المالية السابق المرسى حجازى وبحضور هشام قنديل أعلن موافقة قطر على شراء سندات وأذون مصرية بمبلغ 2.5 مليار دولار. وأعلن منتدى الاستثمار القطرى أن هذا المشروع سيقام على 14 كيلو متراً مربعاً وأنه سيوفر 200 ألف فرصة عمل وأن عائد الربح يبلغ 1.62 مليار دولار سنوياً خلال 4 سنوات من تنفيذه.
نضيف إلى ذلك إعلان وزير النقل عن طرح أول مشروع لتنمية قناة السويس فى مناقصة عالمية لإنشاء محطة حاويات ثانية بميناء شرق بورسعيد على مساحة «100» ألف كيلو متر مربع، كل رصيف مساحته 1200 متر مربع. وقبلها وصلت 3 مليارات دولار مساعدات قطرية إضافية للبنك المركزى المصرى، ولم يتم الإعلان عن مجالات استخدامها أو تحديد العائد عليها بعد، لكن كانت هناك معلومات تؤكد أن قطر ستشترى صكوكاً بالمليارات الثلاثة فى مشروع قناة السويس.
وكان أن التمويل الذى يتم به إنشاء مشروع القناة غير واضح المعالم، والمشروع سوف يخضع لسيطرة رئيس الجمهورية وليس للدولة المصرية. وعليه، كان بإمكان قطر أو بنك جى بى مورجان تيس بيع «الصكوك» التى تملكها إلى إسرائيل فى حال مطالبتها بقيمة الصكوك وعجزت الشركة المالكة للمشروع عن السداد!
لم تكن فكرة تنمية محور قناة السويس وليدة اللحظة، بل إنها بدأت فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لكنها لم تدخل طور التنفيذ، أما ما حاول «تنظيم الإخوان» تنفيذه، فهو بيع المشروع برمته لدويلة قطر.. وأخذ المشروع منحى مختلفاً تماماً عما كان مقررا له، وهو ما كان واضحا من نص القانون، الذى اعترض عليه كل الوطنيين الغيورين على تراب مصر ومنهم من كان موالياً للتنظيم مثل المستشار طاهر البشرى. وهو القانون الذى تم تفصيله ليتمكن تنظيم الإخوان من بيع عدة كيلو مترات ويبيع معها الوطن والدولة كلها بسيادتها وبقوانينها وإدارتها! ليتحول حلم مصر من تنمية محور قناة السويس وتنمية سيناء إلى كابوس يتم من خلاله جعل قناة السويس تحت الرهن من جديد وبداية تنفيذ مخطط تقسيم مصر والتخلى عن سيناء ومدن القناة من أجل الحلم الصهيونى والحلم القطرى تحت مسمى «إقليم قناة السويس»!!
مسودة المشروع الإخوانى جعلت من محور قناة السويس دولة داخل الدولة وإقليما خارج السيادة المصرية لتعود من جديد قناة السويس تحت الرهن والامتياز من جديد بعد تحقيق حلم تأميمها!!
وكانت مسودة مشروع القانون بمثابة الإعلان الرسمى لإقليم قناة السويس واستقلاله عن الدولة المصرية.. وتعنى أيضاًً تحويل المشروع إلى ملكية خاصة لأعضاء الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس وكذلك منح رئيس الجمهورية سلطات مطلقة للإقليم بعيداً عن أية رقابة، مسودة تدعو العالم وكل من شاء ليمارس نشاطه التجارى فى هذا الإقليم حسبما يشاء مطمئناً أن الإقليم خارج نطاق القوانين المصرية والأجهزة المؤسسية المصرية.
مشروع قانون تنمية محور قناة السويس بمواده الـ30 يجعل مجموعة الـ15 والمسماة وفقاً للمادة الثانية والهيئة العامة لتنمية إقليم السويس لا تتبع سوى رئيس الجمهورية يضع لها نظامها الأساسى بقرار منه وهو الذى يحدد الأبعاد والحدود والمناطق الخاصة والمشروعات الداخلة فى نطاق الهيئة.. وللهيئة جميع اختصاصات الوزراء ورؤساء الهيئات العامة فى نطاق الإقليم.. وفى نفس الوقت ليست مسئولة أمام السلطة التشريعية حسبما ينص الدستور وحسبما يوجب أن يكون للسلطة التشريعية مساءلة الوزراء وفقاً للمواد 122، 123، 124، 125، 126 من دستور 2012 الإخوانى السلفى وكل مؤهلات أعضاء تلك الهيئة أن يكونوا مصريين لم يسبق الحكم على أى منهم بعقوبة جنائية أو جنحة وألا يكون موظفاً مدنياً دون التقيد بالخبرة والكفاءة وللهيئة حق اختيار الشركات وإصدار كافة التراخيص!!.. وكذلك التخطيط العمرانى وبناء المرافق للإقليم والتخطيط العام للقطاعات ووضع النظم الخاصة بإنشاء وإدارة الموانئ والمطارات ما يؤكد انحسار سلطة الدولة المركزية عن هذا الإقليم ومن ذلك أيضاًً نظام العمل والتأمينات خاصة بالإقليم حتى نظام الوكالات التجارية والشهر العقارى والتوثيق والسجل التجارى وتأسيس الشركات وإنشاء المرافق العامة حتى تراخيص وإنشاء المدارس ودور الحضانة والمستشفيات والمراكز العلمية والبحثية والطبية والثقافية والتعليمية والاجتماعية داخل قطاعات الإقليم أى وببساطة أهالى وسكان اقليم قناة السويس يكونون شعباً آخر.
تفاصيل المؤامرة تعرفها مصر بالكامل منذ 2004 حين تحدث جورج تنت رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق مع اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية وقتها عن مشروع «غزة الكبرى»، الذى تعرض فيه واشنطن على القاهرة التنازل عن 1600 كيلومتر من سيناء، بامتداد الحدود مع غزة، مقابل 80 مليار دولار أو مساحة مماثلة فى صحراء النقب. وهو المشروع الذى كان أحد أسباب مقاطعة مبارك لإدارة بوش الابن وتوتر العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر بشكل ظل يزداد سوءاً حتى وصل باراك أوباما إلى الحكم.
بسبب ذلك المشروع أيضاً قرر مبارك أن يوقف كل مشروعات البنية الأساسية فى سيناء، وبينها مشروع ترعة السلام. وكان هذا المشروع أيضاً أحد أهم الأسباب أو بنود الصفقة التى وصل بها الإخوان إلى الحكم والتى شملت أيضاً التنازل عن حلايب وشلاتين للسودان وعن محور قناة السويس أو إقليم القناة لدويلة قطر! وبهذا الشكل وصل الإخوان إلى حكم مصر بمساعدة وتمويل من واشنطن ووكلائها فى الدوحة وأنقرة.
هكذا، يمكن فهم واستيعاب كثير من تفاصيل ما يوصف بـ«الربيع العربى» والدور القطرى الإسرائيلى فيه، إضافة إلى الدور الأبرز الذى لعبته المخابرات الأمريكية فى تدريب الكوادر والمختصين والذين كادوا ينجحون فى تنفيذ خطوات العملية (عملية الاحتلال) بدقة شديدة.. وهى العملية التى امتدت إلى تمويل قطر للإرهابيين لتخريب سوريا، واحتلال ليبيا وقتل العقيد معمر القذافى ومقتل ثلاث شخصيات من المطلعين بأسرار دعم القذافى للرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى بالأموال وغيره وبينهم مثلا وزير النفط -السابق- شكرى غانم الذى قيل إنه مات غرقاً فى سويسرا.. وكان بين تفاصيل العملية أو المؤامرة قيام قطر بـ«تفخيخ الخليج» لصالح الموساد اﻹسرائيلى.. وتنفيذاً للطموح الأمريكى فى تنفيذ سيناريو «التقسيم» بما يخدم مصالحها ويخدم «الإمارة الصغيرة» بتغيير موازين القوى وأوراق الضغط بدول الخليج لتصبح فى صالحها، ويجعلها تتمكن من إعادة رسم خريطة المنطقة بـ«أيد قطرية» ودعم أمريكى.
كانت طموحات الإدارة الأمريكية، بعد أن ضمنت وصول الإخوان للحكم فى مصر وتحالفهم معها، هو أن يتسع المحور «الانتهازى» الذى تكونه ما بين إسرائيل وتركيا وقطر لتنضم إليه «مصر الإخوانية» وبقية الدول التى وصل إليها الإخوان للحكم بعد ما يوصف بـ«الربيع العربى». وكان تعزيز ذلك المحور واحداً من أهم السياسات التى تسعى إليها إدارته فى ولايته الثانية، تحت مزاعم أو أوهام أمريكية بأن كل مشكلات وأزمات الشرق الأوسط سيتم حلها لو تم توزيع القوة بشكل متساوٍ على إيران الشيعية من ناحية، ومصر وتركيا السنية من ناحية أخرى، بحيث يحد كل منهما من نفوذ الآخر، ويحرص عليه أيضاًً بحكم تعاونهما ومصالحهما المشتركة.
رؤية واشنطن ارتكزت على أن التعاون بين تلك الدول المحورية الثلاث، إيران وتركيا و«مصر الإخوان»، يمكن أن يحل كل مشاكل الشرق الأوسط بما فيها السيطرة على طموح إيران النووى، فدخول تلك القوة الشيعية الكبرى فى شكل من أشكال «التحالف» أو «الاتحاد الإسلامى» مع تركيا و«مصر الإخوان» يمكن أن يحد من خطورة سباق التسلح النووى فيما بينها، ولن يكون هناك خطر من وجود أى قوة نووية أخرى فى المنطقة غير إسرائيل.
بعد كل ما سبق يمكننا أن نقول إن أهم منجزات ثورة يونية، هو أنها كسرت حلقة مهمة فى محور الشرق الأوسط الجديد، كما كانت تراه أمريكا، وتمكنت من إجهاض المشروع، وقلبت كل الموازين، وأطارت صواب الأمريكيين والإسرائيليين وحلفائهما فى المنطقة وفى كل دول العالم.
لقد أعطت مصر درسا كبيرا فى التاريخ الحديث، فهى من تصدت لمشروع الإخوان الدولى الكبير، وأحدثت زلزالاً أعاد رسم خارطة التحالفات فى منطقة الشرق الأوسط. وكشفت مصر المشروع الإخوانى الدولى، الذى لم يكن يتحدد فى سيناء وقطاع غزة بقدر ما يمتد على جغرافية الشرق الأوسط الجديد، بعد سايكس بيكو.. ومع الرئيس عبدالفتاح السيسى، عادت مصر إلى دورها الطبيعى بعد أن كانت ساحة لتنظيم الإخوان وساحة لطموحات العثمانيين الجدد.. ودولة تابعة للولايات المتحدة، تأتمر بأوامرها. وستبقى مصر عمق الحضارة البشرية كأول دولة مركزية فى تاريخها عبر سبعة آلاف عام بموروثها الحضارى.. وستصبح عمّا قريب هى السياسة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والجغرافيا والمكان والإنسان.