الموجز
السبت 9 نوفمبر 2024 12:42 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب: فرنسا.. البوابة المصرية الجديدة


تقرير خاص عن اتفاقيات الرئاسة فى باريس
حصاد كبير حققته زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى الثالثة إلى فرنسا فى مجالات الاقتصاد والتسليح والاستثمار والتعاون الأمنى، بالإضافة إلى رسائل بالغة التأثير وجهها الرئيس للشعب الفرنسى وأوروبا والعالم فى حوارين مع اثنتين من أكبر وسائل الإعلام، تحدث فيها بقوة وثقة وإقناع وأجاب عن تساؤلات عديدة مهمة أبرزها ما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان فى مصر.
الزيارة، ككل الزيارات الخارجية التى قام بها الرئيس حققت عدداً من النتائج المباشرة والسريعة على المستويين السياسى والاقتصادى، وأثبتت نجاح السياسة الخارجية المصرية فى جذب رءوس أموال أجنبية للاستثمار فى مصر. خاصة مع الجهود المبذولة داخليا للحد من الإجراءات البيروقراطية التى كان المستثمرون الأجانب يعانون منها. وخلال أربعة أيام، استغرقتها الزيارة أجرى الرئيس مباحثات سياسية واقتصادية واستراتيجية، أسفرت عن التوقيع على الاتفاق التنفيذى لقرض الوكالة الفرنسية للتنمية لدعم قطاع الطاقة بالموازنة المصرية. والاتفاق التنفيذى لقرض الوكالة الفرنسية للتنمية لتطوير عدد من مراكز الرعاية الصحية الأولية فى 5 محافظات مصرية. والاتفاق التنفيذى لقرض الوكالة الفرنسية للتنمية لتطوير محطة معالجة الصرف الصحى شرقى الإسكندرية.
هذا إلى جانب إعلان مشترك مع الوكالة الفرنسية للتنمية لتقديم مساعدة تقنية لوزارة الكهرباء والطاقة. وإعلان مشترك بين الوكالة الفرنسية للتنمية والحكومة المصرية لدعم قطاع الحماية الاجتماعية بالموازنة. وإعلان مشترك لتمويل مؤسسة Proparco لإنشاء محطتين لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بمنطقة بنبان بمحافظة أسوان، بطاقة إنتاجية 50 ميجاوات لكل محطة، من خلال شركة EDF الفرنسية بالتعاون مع الحكومة المصرية وشركة السويدى. وإعلان مشترك لتمويل مؤسسة Proparco لإنشاء محطتين لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بطاقة إنتاجية 25 ميجاوات بمنطقة بنبان بمحافظة أسوان من خلال الحكومة المصرية وشركة «oltalia الفرنسية.
بالإضافة إلى ما سبق تم توقيع خطاب نوايا بين حكومتى البلدين حول توريد فرنسا لـ500 عربة مأكولات متنقلة. وإعلان نوايا بين حكومتى البلدين حول قيام فرنسا بتمويل دراسات الجدوى لتطوير شبكة النقل الحضرى بمدينة المنصورة. وأيضاً مذكرة تفاهم بين شركة ATP والهيئة القومية للأنفاق، حول صيانة الخط الأول لمترو الأنفاق وتشغيل الخط الثالث للمترو. وإعلان نوايا بين الهيئة القومية لسكك حديد مصر وشركة SNF. وإعلان خاص بتعزيز التعاون الثقافى والتعليمى والفرانكفونى والجامعى والعلمى والفنى. وإعلان نوايا بشأن إنشاء الجامعة الفرنسية المصرية وتنميتها. وإعلان بشأن تعزيز التعاون فى مجال تدريب القادة بالإدارة المصرية. واتفاقية متعلقة بعقد إنشاء البيت المصرى بالمدينة الدولية الجامعية بالعاصمة الفرنسية باريس.
بدأ الرئيس نشاطه بالعاصمة الفرنسية باستقبال إيريك ترابييه الرئيس التنفيذى لشركة «داسو» للصناعات الجوية، المُصنعة لطائرات «الرافال» الحربية. كما التقى الرئيس وزيرة الدفاع الفرنسية لورنس بارلى بمقر الوزارة، بحث الجانبان، على مأدبة عشاء أقامتها وزيرة الدفاع الفرنسية، سبل تعزيز التعاون الدفاعى والعسكرى بين مصر وفرنسا، وأكد السيسى لوزيرة الدفاع، ضرورة اتخاذ موقف حاسم تجاه الدول الداعمة للإرهاب، مؤكدا أهمية التوصل إلى تسويات سياسية للأزمات فى المنطقة. ثم توجه الرئيس إلى مقر وزارة الجيوش الفرنسية (وزارة الدفاع) فى باريس، حيث كانت فى استقباله فلورانس بارلى وزيرة الجيوش الفرنسية، فضلا عن عدد من كبار قادة الجيش الفرنسى.
الوزيرة الفرنسية أقامت عقب انتهاء المباحثات مأدبة عشاء على شرف الرئيس بمقر وزارة الجيوش الفرنسية، كما وقع الرئيس على كتاب الشرف الخاص بالوزارة الفرنسية. وشهد اللقاء تباحثا حول سبل تعزيز التعاون العسكرى بين البلدين، وخاصةً فى ضوء التحديات التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط، والجهود التى تبذلها مصر لمكافحة الإرهاب، حيث أكد الرئيس فى هذا السياق أهمية مضاعفة جهود المجتمع الدولى للتعامل مع تلك الظاهرة بشكل سريع، فضلا عن اتخاذ موقف حاسم إزاء الدول التى تدعم الإرهاب.
وبدأ الرئيس نشاطه فى اليوم الثانى لزيارته إلى باريس، باستقبال هيرفى جيلو الرئيس التنفيذى لشركة «نافال» للصناعات العسكرية البحرية. واستقبل الرئيس جييوم بيبى رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية للسكك الحديدية الفرنسية، وشهد اللقاء استعراض الجهود التى تبذلها مصر من أجل تطوير منظومة السكك الحديدية، والخطط التى وضعتها وزارة النقل من أجل الارتقاء بنظم الإشارات والتشغيل، وتحسين القدرات البشرية والإلكترونية للهيئة القومية للسكك الحديدية. وعقد مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، مؤتمراً صحفياً مشتركاً، فى قصر الإليزيه بالعاصمة الفرنسية باريس، بعد انتهاء جلسة مباحثات جمعتهما، وقبل بدء المؤتمر تم توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين مصر وفرنسا.
كما التقى الرئيس برئيس وزراء فرنسا إدوار فيليب، لبحث الملفات المشتركة وسبل تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادى والتجارى، وتناول اللقاء جهود الحكومة المصرية لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى وجذب المزيد من الاستثمارات الفرنسية لمصر، لا سيما فى المشروعات القومية الكبرى والقطاعات الحيوية المتنوعة. وأكد الجانبان حرصهما على متابعة تنفيذ الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التى تم التوقيع عليها خلال الزيارة فى العديد من المجالات، والتى تعد بمثابة خطوة جديدة نحو دفع التعاون المشترك إلى آفاق أرحب.
وزار الرئيس فى اليوم الثالث مقر وزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية، وكان فى استقباله وزير الاقتصاد والمالية برونو لومير، وأكد الوزير الفرنسى إعجابه ببرنامج الإصلاح الاقتصادى الشامل الذى تنفذه الحكومة المصرية، والخطط التنموية التى تطبقها من أجل تحقيق النمو الاقتصادى المستدام، كما استمع الرئيس إلى ملاحظات رؤساء الشركات الفرنسية ومقترحاتهم لتطوير مناخ الأعمال فى مصر. وأعلن وزير الاقتصاد والمالية فى نهاية اللقاء عن توجهه قريبا إلى مصر على رأس وفد يضم عددا كبيرا من الشركات الفرنسية من أجل بحث سبل تنفيذ مشروعات مشتركة فى العديد من المجالات.
كما التقى الرئيس، فرانسوا دوروجى رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية، فى مقر الجمعية الوطنية «هوتيل دو لاسى» بباريس، وتناولت المباحثات بين الجانبين سبل تعزيز العلاقات البرلمانية، وتطورات الأوضاع فى الشرق الأوسط، وجهود الحكومة المصرية لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى والتشريعى والإدارى. والتقى الرئيس أيضاً رئيس مجلس الشيوخ الفرنسى جيرار لارشيه، بمقر مجلس الشيوخ، وكان لارشيه فى استقبال الرئيس السيسى لدى وصوله لمقر مجلس الشيوخ، واستعرض السيسى حرس الشرف، ثم صافح رئيس مجلس الشيوخ الفرنسى أعضاء الوفد المصرى المرافق للرئيس السيسى، وتناولت المباحثات بين الجانبين، والتى امتدت على مأدبة عشاء عمل، لبحث سبل تعزيز العلاقات بين البلدين وخاصة العلاقات البرلمانية وتطورات الأوضاع فى الشرق الأوسط وجهود الحكومة المصرية، لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى والتشريعى والإدارى.
وفى اليوم الرابع، التقى الرئيس عبدالفتاح السيسى مع وزير الداخلية الفرنسى، جيرارد كولوم، وتم التأكيد خلال اللقاء على أهمية تعزيز التشاور والتعاون المشترك بين البلدين، لاسيما فى ظل الظروف والتحديات التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وتنامى خطر الإرهاب وانتشاره بحيث أصبح يهدد كافة أنحاء العالم بما فيها فرنسا وأوروبا. وأشاد «كولوم» بالعلاقات بين البلدين، منوها بدعم دور مصر فى إرساء دعائم الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً حرص بلاده على الوقوف بجانب مصر وتقديم كل سبل الدعم لها فى حربها ضد الإرهاب.
واستكمالا لما تحقق فى الزيارة، فإن عدداً من الشركات الفرنسية المتخصصة فى مجالات التنمية المستدامة سوف تأتى إلى مصر فى غضون ثلاثة أسابيع، وهذه الشركات ستنظم فى 23 نوفمبر القادم مؤتمراًً كبيرا لتبادل الآراء مع الشركات المصرية فى مجالات التنمية الاقتصادية والمدن المستدامة، بالتعاون مع البعثة الاقتصادية الفرنسية فى مصر. كما سيزور القاهرة فى شهر يناير المقبل وفد من كبرى الشركات الفرنسية لتوقيع عدد من العقود فى المشروعات القومية الكبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة والمنطقة الاقتصادية بمحور قناة السويس، إضافة إلى المدن الخمس الجديدة. ومن 12 إلى 16 مارس المقبل، هناك أيضاً زيارة مرتقبة من عدة شركات كبرى من 3 مناطق فرنسية رئيسية، هى باريس وضواحيها ومنطقة الألب جنوب شرقى فرنسا ومنطقة كوت دازور (مرسيليا) بجنوبى فرنسا، الواقعة بشمال حوض المتوسط. تلبية لدعوة الرئيس للاستثمار فى مصر، وتأكيداً على حالة الاستقرار التى تحققت خلال الأشهر الماضية.
وستشهد الفترة القادمة إتمام زيارات متبادلة ولقاءات مكثفة فى باريس والقاهرة من أجل متابعة نتائج زيارة الرئيس السيسى لفرنسا واستكشاف فرص جديدة للتعاون فى المجال الاقتصادى والاستثمارى، لافتاً إلى حرص الحكومة المصرية على حل أية مشكلات قد تواجه الاستثمارات الفرنسية فى مصر وتحسين بيئة ومناخ الأعمال وهو الأمر الذى ركز عليه قانون الاستثمار الجديد. وهناك أيضاً زيارة سيقوم بها وزير الاقتصاد والمالية الفرنسى برونو لومير إلى القاهرة فى ربيع عام 2018 على رأس وفد يضم رؤساء كبريات الشركات الفرنسية يسبقها زيارة لمصر فى نوفمبر 2017 لوفد من المستثمرين تحت رعاية جمعية أرباب الأعمال الفرنسيين الدولية (ميديف إنترناسيونال).
ملف مكافحة الإرهاب من أبرز الملفات التى طرحت على طاولة مفاوضات الزعيمين، لما تعانيه كلتا الدولتين من ويلات هذه الآفة الخطيرة. ناقش الرئيس مع نظيره الفرنسى سبل مكافحة الإرهاب الآثم الذى عانت مصر وفرنسا من شروره وأصبح يهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والقارة الأوروبية ويعد التحدى الأكبر لجهودهم فى تحقيق التنمية، كما أكد الرئيسان على ضرورة تضافر الجهود الدولية والإقليمية لمعالجة أوجه القصور فى تلك الأزمة التى يعانى منها العالم أجمع وليست مصر أو أوروبا فقط.
وأثناء لقائه مع قناة فرانس 24، أوضح الرئيس أن هناك دولا تقوم بتمويل الإرهاب بالمال والسلاح وتدريب المقاتلين، بالإضافة للدعم المعنوى والإعلامى والسياسى أيضاًً وعلى هذه الدول التوقف من أجل استقرار مصر والعالم الذى يدفع ثمن ويلات هذا الإرهاب، كما تحدث الرئيس عن ملايين المهجرين واللاجئين الذين تم قتلهم فى سوريا والعراق ودول أخرى كثيرة». وحذر الرئيس السيسى خلال لقائه بصحيفة لوفيجارو الفرنسية، من أيديولوجية جماعة «الإخوان» الإرهابية ومن استخدامها للسياسة للاستيلاء على السلطة، موضحا أن الجماعات الإرهابية كلها باختلاف مسمياتها، مثل «حسم، القاعدة، داعش، بوكو حرام» وغيرها، تنتهج نفس الفكر القاتل وتسعى لتدمير ليس فقط العالم العربى بل العالم بأسره.. وعما إذا كانت مصر تستعد لحرب طويلة مع الإرهاب، قال الرئيس السيسى «إن كل المتطرفين الذين سيفرون من سوريا والعراق سيحاولون دخول ليبيا لاتخاذها وكرا لهم، ومن هناك سيخططون لهجمات مفاجئة ضد مصر وكل الدول الأفريقية والأوروبية، ولذا فعلى كل دول العالم تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب».
أما فيما يخص حقوق الإنسان والأوضاع الاجتماعية فى مصر، تطرق العديد من الإعلاميين إلى تلك النقطة خاصة أثناء المؤتمر الصحفى للرئيس مع نظيره الفرنسى وكذلك أثناء حواره مع وسائل الإعلام. تحدث الرئيس عن تلك النقطة بوضوح، حيث أكد حرص مصر على حقوق الإنسان، مشيراً إلى أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن مصر تعيش فى منطقة مضطربة جدا، حيث أكد حرصه على دولة ديمقراطية مدنية فى مصر، فالشعب المصرى لن يرضى بالقمع، متابعا بأنه لا يمكن حصر حقوق الإنسان فى الحقوق السياسية. ولفت الرئيس إلى أن مصر لديها أكثر من 40 ألف منظمة تعمل فى خدمة المجتمع المصرى وتطويره بكل شفافية من أجل تقدم المجتمع، وأن عدد المنظمات الممنوعة قليل جداً لأنها تتبع جماعات وتنظيمات معينة تستهدف إحداث قلاقل بالمجتمع عن طريق تمويل الجماعات الإرهابية.. كما شدد الرئيس على أن مصر تسعى لتحقيق التوازن الضرورى بين الحقوق والواجبات للمواطنين من ناحية، والتحديات الأمنية لمكافحة الإرهاب من ناحية أخرى.. لافتاً إلى أن هذه المعادلة تكون أحيانا صعبة حينما تتمثل المسئولية فى تأمين «100 مليون مواطن».
وعلى صعيد مناقشة الملفات الإقليمية، تناول الزعيمان تطورات الأوضاع فى ليبيا والتى يمثل تحقيق الاستقرار والأمن بها أهمية خاصة لكلتا الدولتين فى ظل تأثيره المباشر على الأمن القومى المصرى والفرنسى ومنطقة البحر المتوسط.. كما تناول الجانبان الجهود المصرية الناجحة فى تحقيق المصالحة الفلسطينية وأهمية استعادة الزخم لاستئناف عملية السلام، وكذلك تطورات الأوضاع فى سوريا والعراق ومنطقة الساحل والصحراء بالقارة الإفريقية، وتبادلا الرؤى حول سبل المعالجة الشاملة لظاهرة الهجرة غير الشرعية فضلا عن العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى عقب توقيع وثيقة أولويات المشاركة لتعزيز التعاون بين الجانبين فى يوليو الماضى.
وحول دور مصر فى المصالحة الفلسطينية وسبل التسوية النهائية للنزاع الإسرائيلى - الفلسطينى، أكد الرئيس السيسى أن القضية الفلسطينية مازالت على رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية، منوها بالجهود المكثفة التى تبذلها مصر للتوصل لحل نهائى بإقامة دولتين بما يسمح بالحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وإحلال السلام والاستقرار فى المنطقة.
ما سبق كله يؤكد أن زيارة الرئيس السيسى إلى باريس شكلت نقطة تحول فى مسار العلاقات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا فى كل المجالات فى ضوء التغيرات المتلاحقة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط واستعادة مصر لدورها المحورى بالمنطقة وإدراك إدارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لأهمية دور مصر فى تعزيز الاستقرار الإقليمى ومكافحة الإرهاب والتطرف وحرص مصر على الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع كل القوى الفاعلة على الساحة الدولية.