الموجز
الجمعة 8 نوفمبر 2024 11:42 مـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب: ماذا حدث عند الكيلو 135؟ ..تفاصيل خاصة عن جريمة الغدر فى الواحات


"وإنّ جندنا لهم الغالبون"

القصة الكاملة لضابط الصاعقة الفاسد الذى قاد الهجوم ضد رجال مصر
ـ شارك فى محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق والنائب العام وصدر ضده حكم بالإعدام
ـ يبلغ من العمر 43 عاماً والتحق بالقوات المسلحة عام 1994 كفرد صاعقة، وأحيل للنيابة العسكرية عام 2000.
ـ هو صاحب التسجيل الصوتى لقتال جيش مصر والدعوة لاغتيال السيسى
ـ بدأ النشاط الإرهابى فى أحد المساجد بالمطرية وسافر إلى تركيا وتسلل منها إلى سوريا
ـ انضم لمجموعات الإرهاب ضد بشار قبل عودته إلى مصر فى عهد المعزول
ـ قام بتشكيل خلية إرهابية فى "درنة" وبايع "داعش" فى 2015
ـ انشق عن تنظيم "داعش" وأسس تنظيم "المرابطون" فى الصحراء الغربية
الخلايا النائمة بوزارة الداخلية!
وقائع تسريب المكالمات السرية بين شفيق واللواء محمد إبراهيم
وضع 500 ضابط تحت المراقبة تمت ترقيتهم فى عهد المعزول
من وراء اغتيال الضابط محمد أبوشقرا بعد تسريب زيارته إلى سيناء؟.. وهل شارك مكتب الإرشاد فى تصفيته؟
جريمة الواحات جزء من مخطط الموساد الذى تم وضعه تحت عنوان "خطة الصحراء الليبية المصرية"

بقلوب يعتصرها الحزن، ننعى شهداء الوطن الأبرار، داعين الله عز وجل أن يسكنهم فسيح جناته ويلهم ذويهم الصبر والسلوان، ونتمنى الشفاء العاجل للمصابين. ونؤكد أن تلك الأعمال الإرهابية الخسيسة لن تثنينا عن القيام بواجبنا المقدس نحو اقتلاع جذور الإرهاب والقضاء عليه.
ونشد بأيدينا على أيدى رجال الشرطة والقوات المسلحة، مع استمرار وتكثيف أعمال المداهمات والملاحقات لكل عناصر الإرهاب والتطرف بالواحات البحرية وجميع ربوع البلاد وبدعم مطلق من جموع شعب مصر. ولن نضيف جديدا لو قلنا إن الفاعل معلوم، لكن الجديد هذه المرة هو أن اللعب صار مكشوفاً أو "ع المكشوف". ونحن نرى وسائل إعلام ووكالات أنباء عالمية، تمارس طوال ساعات وساعات ما لا يمكن وصفه إلا بأنه عهر إعلامى، عبر فبركة أرقام ومعلومات ثبت بشكل قاطع ويقينى أنها لا أساس لها من الصحة.
حتى دقائق مضت من كتابة هذه السطور ما كان بالإمكان الحديث بصورة قطعية ويقينية عما جرى فى حادث الواحات، لغياب المعلومات الحقيقية من مصادرها. وكالات أنباء قالت إن عدد من راحوا 35 "على الأقل" من رجال الشرطة جراء اشتباكات مع إرهابيين فى منطقة الواحات البحرية على بعد أقل من 200 كم جنوب غرب القاهرة، بينما لم يعلن بيان الداخلية الأول أى أرقام، ويا للأسف! وقعت وسائل إعلام مصرية فى الفخ وزعمت أن عدد شهداء الشرطة تجاوز الخمسين ونسبت الأرقام إلى مصادر أمنية مجهولة، بينها مصدر أمنى، فضل عدم ذكر اسمه، زعم أن "المعلومات الأولية تفيد أن القوة الأمنية التى استهدفت الجمعة فى مواجهات بالواحات كانت لا تقل عن 50 شرطيا بين ضباط قوات خاصة من أمن الجيزة (غربى العاصمة) وضباط الأمن الوطنى، ومجندين وأن "الاحتمال المطروح أن القوة تعرضت لفخ من الإرهابيين، وتعرضوا هم ومعداتهم بين عربات ومدرعة أمنية لهجوم شرس بأسلحة ثقيلة على الأرجح، ما أدى لقطع التواصل الأمنى وتأخر دعمهم بقوات جديدة، وبالتالى سمعنا عن حالات الاستشهاد والإصابة لكل من كانوا بالقوة.
هناك أيضا من زعموا أن القافلة الأمنية تم استدراجها لكمين أُعدّ لها، عن طريق معلومات خاطئة تم تزويدهم بها. مع كلام فارغ عن ضعف شبكة الاتصالات بين مسرح العملية ومركز القيادة. وهو ما يتنافى مع وجود شبكات ودوائر اتصالات ومعدات "لا سلكى" خاصة بالشرطة.
ثم جاء بيان الداخلية الثانى موضحاً استشهاد 16 من قوات الأمن ومقتل 15 إرهابياً. وجاء فى بيان وزارة الداخلية أنه استكمالاً لما سبق الإعلان عنه من جهود ملاحقة البؤر الإرهابية التى تسعى عناصرها لمحاولة النيل من الوطن وزعزعة الاستقرار، والمعلومات التى وردت لقطاع الأمن الوطنى حول اتخاذ مجموعة من العناصر الإرهابية من إحدى المناطق بالعمق الصحراوى بالكيلو 135 بطريق "أكتوبر - الواحات" بمحافظة الجيزة مكاناً للاختباء والتدريب والتجهيز للقيام بعمليات إرهابية، مستغلين فى ذلك الطبيعة الجغرافية الوعرة للظهير الصحراوى وسهولة تحركهم خلالها.
وذكر البيان أنه فى ضوء توافر هذه المعلومات تم إعداد القوات للقيام بمأموريتين من محافظتى الجيزة والفيوم لمداهمة تلك المنطقة، إلا أنه حال اقتراب المأمورية الأولى من مكان وجود العناصر الإرهابية استشعروا بقدوم القوات وبادروا باستهدافهم باستخدام الأسلحة الثقيلة من جميع الاتجاهات، فبادلتهم القوات إطلاق النيران لعدة ساعات، ما أدى لاستشهاد 16 من القوات "11 ضابطا – 4 مجندين – 1 رقيب شرطة" مرفق كشف بأسمائهم وإصابة عدد 13 "4 ضابط – 9 مجند"، وما زال البحث جارٍ عن أحد ضباط مديرية أمن الجيزة. وفى وقت لاحق تم تمشيط المناطق المتاخمة لموقع الأحداث بمعرفة القوات المعاونة وأسفر التعامل مع العناصر الإرهابية عن مقتل وإصابة عدد "15" الذى تم إجلاء بعضهم من مكان الواقعة بمعرفة الهاربين منهم، وما زالت عمليات التمشيط والملاحقة مستمرة.
وكان من الطبيعى أن تؤكد الوزارة وهى تنعى شهداءها الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم فداءً للوطن ودفاعاً عن المواطنين أن ذلك لن يزيدهم إلا إصراراً وعزيمة على الاستمرار فى بذل المزيد من الجهد لاقتلاع جذور الإرهاب وحماية وطننا الغالى.
كما كان مهما وضروريا أن تهيب الوزارة بوسائل الإعلام تحرى الدقة فى المعلومات الأمنية قبل نشرها والاعتماد على المصادر الرسمية وفقاً للمعايير المتبعة فى هذا الشأن، وكذا إتاحة الفرصة للأجهزة المعنية فى التحقق من المعلومات وتدقيقها ولا سيما فى ظل ما قد تفرضه ظروف المواجهات الأمنية من تطورات، الأمر الذى قد يؤدى إلى التأثير سلباً على سير عمليات المواجهة والروح المعنوية للقوات.
خصائص طريق الواحات جعلت منه مسرحاً للعديد من الاشتباكات والعمليات الإرهابية والمداهمات الأمنية، أبرزها فى سبتمبر 2015، وآخرها فى يونيه 2017، بين قوات الأمن، وعدد من عناصر "حركة حسم"، وفق بيان رسمى للداخلية المصرية آنذاك. وأغلب الترجيحات أشارت إلى تورط تنظيم "المرابطون"، الذى أسسه الإرهابى هشام عشماوى، خاصة أن الصحراء الغربية، التى يقطعها طريق الواحات، تعد مسرحاً مهماً لعمليات العشماوى، بعد خروجه من سيناء.
العشماوى ظهر للعلن أول مرة فى 20 يوليو 2015، فى رسالة صوتية دعا فيها إلى قتال الجيش والشرطة، ومهاجماً الرئيس عبدالفتاح السيسى وداعياً إلى الجهاد ضده، باعتباره فرض عين على كل مسلم، مطلقاً على نفسه اسم "أبو عمر المهاجر، أمير جماعة المرابطين".
الإرهابى هشام عشماوى، ضابط الصاعقة السابق، هو المنفذ الرئيسى للهجوم على مأمورية من الأمن الوطنى قُبيل مداهمة بؤرة مسلحة عند الكيلو 135 بطريق الواحات فى الجيزة. بعد أن جاء إلى مصر خلال الفترة الماضية، لقيادة عدد من العمليات الإرهابية بمساعدة عدد من الإرهابيين داخل مصر، دخلوا عن طريق الحدود الليبية وسيناء. وتكثف أجهزة الأمن من جهودها لإلقاء القبض على هذا الإرهابى قبل قيامه بأى عمليات إرهابية.
ضابط الصاعقة السابق، قاد بنفسه عملية الإعداد للهجوم على قوات الشرطة بالواحات، يبلغ من العمر 43 سنة، ولد بحى مدينة نصر، والتحق بالقوات المسلحة عام 1994 كفرد صاعقة، حتى ثارت حوله شبهات بتشدده دينياً وأحيل للتحقيق وتقرر نقله للأعمال الإدارية عام 2000، حسب تحقيقات النيابة العسكرية.
أُحيل "عشماوى"، فى 2007، للمحكمة العسكرية بسبب تحريضه ضد الجيش حتى تقرر فصله من الخدمة فى 2009، واتجه للعمل فى الاستيراد والتصدير، وخلالها تعرف إلى مجموعة من معتنقى "الفكر الجهادى" فى أحد المساجد بحى المطرية، ثم نقل نشاطه لمدينة نصر، وشكَّل خلية لتنظيم أنصار بيت المقدس. وسافر "العشماوى" إلى تركيا فى أبريل 2013، وتسلل منها إلى سوريا، وهناك انضم لمجموعات تقاتل ضد نظام بشار الأسد، وسرعان ما عاد إلى مصر، مع عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى، ليشارك فى اعتصام رابعة، وفقاً للتحقيقات.
وكانت "ليبيا" الملاذ الآمن لعشماوى، إذ شكّل فى معسكرات "درنة" خلية تضم 4 ضباط شرطة مفصولين تسمى "أنصار بيت المقدس" تحولت إلى "ولاية سيناء" بعد مبايعته لتنظيم "داعش". وفى يوليو 2015، أعلن "العشماوى" المعروف بـ"أبوعمر المهاجر" انشقاقه عن تنظيم "داعش"، وتأسيس تنظيم "المرابطون" فى ليبيا، الموالى لتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامى.
وقد شارك "عشماوى" فى محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد إبراهيم، وكذلك اغتيال النائب العام السابق هشام بركات، والإعداد لاستهداف الكتيبة "101 حرس حدود". وقضت محكمة جنايات غرب القاهرة العسكرية، غيابياً بإعدام هشام عشماوى، و13 من العناصر الإرهابية فى اتهامهم بالهجوم على "كمين الفرافرة" الذى أسفر عن مقتل 28 ضابطاً ومجنداً.
2
هنا، علينا أن نتوقف أمام السؤال الذى تردد كثيراً: هل اخترق تنظيم الإخوان وتيارات متشددة أخرى وزارة الداخلية؟! لنؤكد أن الوزارة فى 30 يونيه 2013 أجرت تحقيقات مكثفة حول ذلك، وأن قطاع الأمن الوطنى قدم مذكرة معلومات حول الاشتباه فى أسماء لها صلة بالإخوان، ويشتبه فى وجود دور لها حول تسريب معلومات الوزارة. كما شهد مقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع اجتماعاً موسعاً بين قيادات وزارة الداخلية والدفاع تم خلاله مناقشة أساليب تطوير خطط المواجهة مع العناصر الإرهابية، وتمت مراجعة نتائج الجهود المبذولة فى هذا الشأن.
مصادر أكدت أن الداخلية قامت باستبعاد المسئولين الذين عينهم المعزول، محمد مرسى، فى مناصب رئيسية بالوزارة وقامت بإعادة أولئك الذين قام باستبعادهم خلال فترة حكمه إلى مناصبهم مرة أخرى. وقد تعاملت وزارة الداخلية بطريقة احترافية. فبعد حصولهم على الأكثرية فى مجلس الشعب، سعى الإخوان إلى تجنيد عدد من الضباط والدفع بهم إلى مناصب قيادية بعد الإطاحة بالقيادات السابقة، وبدأت الخطة بحل جهاز أمن الدولة، وإحالة عدد كبير من القيادات إلى التقاعد، وعمل خلية إخوانية فى صفوف ضباط الشرطة يساند الجماعة فى الخفاء حتى تتم أخونته بالكامل ليدين بالولاء التام للجماعة. غير أن الجماعة لم تستطع استقطاب إلا عدد قليل جداً.
منذ 30 يونيه، بدأت وزارة الداخلية فى الكشف عن خلايا نائمة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة داخل بعض المديريات والقطاعات، وكان بينها –مثلاً- الكشف عن ضابط بمديرية أمن الغربية أكدت التحريات انتماءه للتنظيم، بل مشاركته فى إحدى مسيراتها بمركز كفر الزيات، ما دفع الوزارة لإيقافه عن العمل. كما قامت الوزارة بفحص ملفات عدد آخر من الضباط والأمناء لمعرفة مدى صلتهم بالجماعة. وعندما وصل الإخوان إلى قصر الاتحادية وأصبح محمد مرسى رئيسا، بدأ كل من خيرت الشاطر النائب الأول لمرشد جماعة الإخوان، ومحمد البلتاجى القيادى الإخوانى فى وضع خطة سريعة للسيطرة على الجهاز الأهم فى وزارة الداخلية وهو قطاع الأمن الوطنى، ونجح الشاطر فى رسم سيناريو اختراق الجهاز، لمتابعة ملفات النشطاء السياسيين والثوار المناهضين لمرسى، والتسجيل للقيادات والمشاهير ورموز المجتمع والصحافة والإعلام.
خيرت الشاطر اشترى من أمواله أجهزة حديثة بحجة تدعيم جهاز الأمن الوطنى وتحديثه من خلال هذه الأجهزة، وتبين بعد ذلك أنه تم تسريب أجهزة تنصت تنقل للشاطر كواليس ما يجرى داخل هذا الجهاز. وبالفعل تم تسريب كثير من المعلومات الخطيرة من قطاع الأمن الوطنى إلى مكتب الإرشاد خلال سنة من حكم مرسى، كان أبرزها تسريب سفر الضابط محمد أبوشقرا بالأمن الوطنى إلى سيناء للتحقيق فى الأحداث الملتهبة بسيناء، حيث تمكن مكتب الإرشاد من الحصول على معلومات دقيقة عن مكان أبو شقرا والمهام المكلف بها.
المعلومات التى وصل إليها وكان معظمها يدين الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية فى التورط بالعديد من الوقائع الإجرامية، وبناءً على هذه المعلومات توجهت جماعات إرهابية لتنهى حياة أبوشقرا قبل أن يكشف أسرار الجماعة. كما تم تسريب المكالمة التى جرت بين الفريق أحمد شفيق المرشح السابق فى الانتخابات الرئاسية واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الحالى، والتى أكد من خلالها الوزير لشفيق أنه ليس إخوانيا ولا يسعى لأخونة الوزارة ويتعاطف مع الشعب، وفى نهاية المكالمة أكد شفيق لـوزير الداخلية أنه لن يفصح عن هذه المكالمة لأحد، إلا أنه فوجئ بالإخوان يعلنون عنها، وتبين أنه تم تسجيلها داخل قطاع الأمن الوطنى وتسريبها لمكتب الإرشاد ومنه لمؤسسة الرئاسة.
الشرطة المصرية حفظت نفسها من الأخونة؛ لأنها جهاز وطنى يتم اختيار أفراده بعد تحريات مكثفة يتم خلالها جمع معلومات شاملة عن المتقدمين للالتحاق بكلية الشرطة كالأعمام والأخوال وجدود الجدود، ويتم تربيتهم فى الكلية بطريقة معينة يتم خلالها تشكيل عقولهم لخدمة الوطن والشعب ويكبرون على هذه القواعد؛ ولذلك يصعب السيطرة عليهم وتغيير مفاهيم مغروسة فى عقولهم عند الكبر. لكن بالطبع، هناك ضعاف النفوس المشتاقين للمناصب الذين سقطوا فريسة لوعود قيادات الإخوان بتصعيدهم وتم استقطابهم للعمل فى خدمة الإخوان وهم قلة.
وسبق أن أكدت لنا مصادر أن أجهزة مختصة فى وزارة الداخلية، وضعت بالفعل ما يقرب من "500" ضابط من مختلف الرتب، وفى العديد من قطاعات الوزارة المختلفة، خصوصا فى الأمن الوطنى والأمن العام، تحت المراقبة الدقيقة نظرا لارتباطهم بجماعة الإخوان أو تعاطفهم معها. وبعض هؤلاء الضباط تمت ترقيتهم بشكل استثنائى فى عهد النظام الإخوانى، تمهيداً لتصعيده إلى مراكز القيادة العليا فى وزارة الداخلية، ومن ثم تنفيذ مخططات "الجماعة" الهادفة إلى السيطرة على المنظومة الأمنية فى مصر، وتحقيق مصالحها الشخصية بغض النظر عن المصلحة العليا للبلاد.
ترقية هؤلاء بالطبع جاءت على حساب العديد من الكفاءات المميزة من ضباط الوزارة خصوصا فى البحث الجنائى، والتى أُبعدت إلى وظائف شبه إدارية فى وزارة الداخلية. وهناك عدد من الضباط يقومون بالتجسس على زملائهم خاصة من القيادات العليا فى الداخلية، ورصد تحركاتهم ونقل هذه المعلومات إلى أنصار جماعة الإخوان، وهؤلاء ربما يعتمدون على تلك المعلومات فى تنفيذ بعض الاغتيالات لكبار الضباط فى الفترة المقبلة، وربما يكون المقدم مبروك واحداً من الموضوعين على قوائم الاغتيالات تلك، وهناك احتمال لتكرار جرائم قتل ضباط الأمن الوطنى خلال الأيام المقبلة، وهؤلاء الضباط تحت الملاحظة والمراقبة، ومن المتوقع أن يتم الكشف عنهم قريبا.
ونشير هنا إلى أن وزارة الداخلية، بها جهاز يسمى "التفتيش والرقابة" مهمته الأساسية هى متابعة كل الضباط وإصدار تقارير مفصلة عن أداء كل واحد فيهم، وبناء على هذه التقارير تتم الترقيات لمن يستحق، وتوقع الجزاءات على المقصرين. وهذا الجهاز يتولى التحقيق مع أى ضابط يثبت تورطه فى أى أعمال تضر بمصلحة جهة عمله، كما يتولى التحقيق فيما يرد إليه من شكاوى مختلفة. ولسنا فى حاجة إلى أن نقول إن رجال الشرطة يخوضون حربا شرسة ضد الإرهاب، ولا مجال لوجود أى شخص لا يعلى قيمة الوطن فوق الجميع بين الضباط والجنود، لأنه ببساطة سيهدم كل جهود اقتلاع الإرهاب من جذوره، وربما يساعد على زيادته وانتشاره.
3
نعود إلى حادث الواحات، الذى لا نراه محاولة من محاولات كثيرة تم إجهاضها لفرض سيناريو "فقدان السيطرة على الحدود الغربية" ومحاولة صناعة محطة "ترانزيت" للإرهابيين، وهو السيناريو الذى كشفه تقرير لأحد المراكز السياسية التابعة لوكالة المخابرات الأمريكية الـ"سى آى إيه"، عنوانه "خطة الصحراء الليبية المصرية".
التقرير يشير إلى دراسة قدمها الموساد الإسرائيلى عام 1993 يقترح فيها إعادة توطين الإرهابيين العرب الذين تم استخدامهم فى الحرب الأمريكية ضد الاتحاد السوفييتى السابق فى أفغانستان (العائدون من أفغانستان) فى منطقة الصحراء الليبية ضمن عدد آخر من الوجهات للتمكن من استخدامهم فيما بعد. وهذه المجموعات تم زرعها خصيصاً على الحدود المصرية، ويرصد التقرير تزايد أعداد الأفراد المقاتلين إلى نحو 180 ألفا فى سنة 2012 الأمر الذى يتعامل معه التقرير بشكل أو بآخر على أنه إيجابي!
ويوضح التقرير استنادا لعدد من الوثائق أن الاتصالات بين الخلايا التى تمت زراعتها فى مناطق الصحراء الغربية المصرية الليبية والمخابرات المركزية الأمريكية لم تنقطع منذ 1998 حيث تعترف الوثائق أن خمسة معسكرات تم إنشاؤها فى منطقة الصحراء المصرية الليبية ضمت عناصر العائدين من أفغانستان إضافة إلى عناصر من الطوارق وبعض القبائل المحلية.
ويؤكد التقرير أن مجموعات كبيرة من هذه المعسكرات ساهمت بفاعلية فى "الثورة الليبية" ضد معمر القذافى، وأنها تتمتع بـ"مستوى تدريب قتالى عال" وتجيد أيضا استخدام الأسلحة الثقيلة، وهو أمر أكده اعتراف الولايات المتحدة وتحديداً تصريحات مدير وكالة المخابرات الأمريكية الأسبق جورج تينت فى الكونجرس الذى أشار إلى أن بلاده مولت عناصر من إرهابيى القاعدة فى ليبيا بالسلاح.
ويطرح التقرير فكرة لتقسيم ليبيا إلى ثلاث دويلات إضافة إلى منطقة الصحراء الشرقية التى يعتبرها التقرير ذات حيثية خاصة لوجود أعداد كبيرة من "الإرهابيين" بها وأن هؤلاء الإرهابيين، الذين تمت زراعتهم بمعرفة الـ"C.I.A." منذ قرابة العشرين عاما، هم السبب الرئيسى وراء الأزمة الليبية، وعليه فإن من المهم بمكان إنهاء حالة التوتر الدائم بين هذه المجموعات من خلال فرض سيطرة أمنية حقيقية على منطقة الصحراء المصرية الليبية.
التقرير يقدم مشروع أفريكوم كحل أمثل لهذه الأزمة حيث يقترح أن تحظى منطقة الصحراء المصرية الليبية وحدودها شرقا أطراف بنى غازى نزولا حتى مناطق بحر الرمال ثم الكوفرة أو الجفرة وشرقا داخل ليبيا ثم ما أسماها مناطق نفوذ قبائل أولاد على وهى مناطق الواحات المصرية الداخلة والخارجة والسلوم حتى شمال دارفور فى السودان بوضع خاص تحت القانون الدولى حيث تخضع هذه المناطق لسلطة القيادة الأمريكية فى أفريقيا أمنيا وتحظى المجموعات القبلية بشبه حكم ذاتى حيث تتعهد فيه القيادة الأمريكية فى أفريقيا بإمداد هذه "الميليشيات القبلية" باحتياجاتها دون تدخل من الدولة المصرية!!
والأخطر هو انتقال التقرير للتوغل الأمريكى فى مناطق الواحات الغربية "الواحات المصرية الداخلة والخارجة" بزعم أن ذلك ضرورة لمحاربة وجود الميليشيات المسلحة بها التى تهدد السيادة المصرية على أراضيها حيث يدعى التقرير أن هذه المناطق التى تعانى ضعفا للخدمات المعيشية بصورة كبيرة ما يجعلها مواقع ممتازة للميليشيات المسلحة للاستقرار بها واتخاذها ملاذا آمنا.
هكذا، يمكننا الإمساك بخيوط اللعبة. الولايات المتحدة كانت تبحث عن نقطة التقاء مع الإسلاميين بالمنطقة، وأنصار التيارات الدينية كانوا يسعون لجسر للتواصل معها. وفى ظل انشغال مختلف القوى الإقليمية فى المنطقة بمشاكلها الداخلية، وقع الاختيار على قطر كى تلعب دور الوسيط بين الفريقين. وعلى هذا النحو، بدت الدوحة بذراعها الإعلامية المؤثرة، الجزيرة، وببحور الغاز ومليارات الدولارات التى تعوم فوقها، وبرغبة قادتها فى تعظيم دورهم باللعب فى كنف كبار العالم، هى الأكثر جاهزية بين بلدان المنطقة، لتكون حلقة الوصل فى الزواج الحرام بين الإخوان، ومن خلفهم من تيارات الإسلام السياسى السائرة فى ركبهم، وواشنطن الساعية للسيطرة على حكام المنطقة بنظم يمكنها التعامل بسلام مع تل أبيب، وأن تكون جاذبة وحاضنة لجميع رموز التكفير والإرهاب فى جميع أنحاء العالم، ومن ثم ترتاح الولايات المتحدة الأمريكية وكذا القارة العجوز من خطر عنف الإرهابيين المتأسلمين.
4
ونأتى إلى الشائعات والمعلومات الكاذبة التى صاحبت حادث الواحات، وتلك هى الصيغة الأخطر من حرب جماعة الإخوان الإرهابية التى تشنها ضد مصر، والتى استخدمت فيها الشباب المضلل، وعدداً من وسائل الإعلام المشبوهة التى يعمل بها عدد من الإعلاميين المنتفعين، لتخوض بهم أبشع أنواع حروب الشائعات.
ومعروف أن الجماعة أنشأت وحدة خاصة هدفها نشر الشائعات وفبركة الأخبار، وتنقسم تلك الوحدة إلى وحدة داخلية تهدف إلى نشر الشائعات والأخبار المغلوطة بوسائل التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام المحلية والناطقة باللغة العربية، ووحدة أخرى تقوم بالمهمة نفسها لكن باللغة الإنجليزية، وتقوم بإرسال ما تنتجه من أخبار ومعلومات لوسائل الإعلام والصحف ووكالات الأنباء العالمية.
والخطر فى حرب الشائعات أنها تبدأ بنصف معلومة حقيقية وباقى المعلومات شائعة، وهو ما يؤثر على الأمن القومى فى مصر، ومنذ بداية الحرب العالمية الثانية أثرت الشائعات فى الأمن القومى للدول، حيث تمتلك بعض الدول أجهزة خاصة لكيفية ترويج الشائعات بطريقة صحيحة حتى يصدقها الشعب.
وحرب الشائعات هى حرب نفسية من الطراز الأول، لا يستخدم فيها الأسلحة التقليدية للحرب من دبابات أو بنادق أو صواريخ أو غيرها، ومن ملامح حرب الصورة وحرب الخبر يأتى تزوير الصورة وتلفيق الخبر أى هى العودة لحرب الشائعات، وهى حرب قديمة لا تزال عميقة التأثير فيما يسمى بالحرب النفسية، ولكنها تطورت الآن لتدخل فيها فنون التآمر وبالونات الاختبار، والتصريحات المجهّلة المصدر والأخبار المصنوعة المفبركة، والتصريحات التى يمكن التراجع عنها بعد أن ينتهى مفعولها أو تضر صاحبها. ثم دخل العالم فى نوعية جديدة من الحرب، هى الحرب الإعلامية بالصورة، ولقد كان معروفا استخدام الصورة الصحفية، ولكن عصر الإنترنت الذى جعل الكرة الأرضية غرفة محكمة الاتصالات بين أفرادها دخل بالحرب الإعلامية منعطفا هائلا. صورة الراحل خالد سعيد بعد قتله تعذيبا حرّكت الملايين وأججت الثورة فى مصر، ومثلها فى تونس صورة بوعزيزى وهو يحترق احتجاجا، ويأتى قرين الصورة "الخبر" الذى يتم تداوله فى اللحظة نفسها بين مئات الآلاف من الأشخاص بعيدا عن سيطرة المستبد الذى أفقدته ثورة الاتصالات والمعلومات عصره الذهبى حين كان يحيط شعبه بسور ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.
وطبقا لوثيقة صادرة عن التنظيم الدولى، فهناك ثلاثة أنواع من الشائعات تقوم الجماعة باستخدامها الشائعة الزاحفة: وهى التى يتم ترويجها ببطء ويتناقلها الناس همساً وبطريقة سرية تنتهى فى آخر الأمر إلى أن يعرفها الجميع. وهذا النوع من الشائعات يتضمن تلك القصص العدائية التى توجه فى مجتمعنا ضد المسئولين لمحاولة تلطيخ سمعتهم، وكذلك تلك القصص الزائفة التى تروج لعرقلة أى تقدم اقتصادى، أو سياسى، أو اجتماعى، ويدخل فى ذلك ما يقوم به المروجون من نشر تنبؤات بوقوع أحداث سيئة تمس هذه الموضوعات. ويقوم مروجو هذا النوع من الشائعات بنسخ سلسلة لا تنتهى من القصص ويستمرون فى العمل على تغذيتها واستمرار نشرها.
وهناك شائعات العنف: وهى تتصف بالعنف، وتنتشر انتشار النار فى الهشيم، وهذا النوع من الشائعات يغطى جماعة كبيرة جداً فى وقت بالغ القصر، ومن نمط هذا النوع تلك التى تروج عن الحوادث والكوارث أو عن الانتصارات الباهرة أو الهزيمة، ولأن هذه الشائعة تبدأ بشحنة كبيرة فإنها تثير العمل الفورى لأنها تستند إلى العواطف الجياشة من الذعر، والغضب، والسرور المفاجئ.
أما النوع الثالث فهو "الشائعات الغائصة" وهى التى تروج فى أول الأمر ثم تغوص تحت السطح لتظهر مرة أخرى عندما تتهيأ لها الظروف بالظهور، ويكثر هذا النوع من الشائعات فى القصص المماثلة التى تعاود الظهور فى كل اشتباك أو مظاهرة والتى تصف وحشية قوات الأمن وقسوتها مع الأطفال والنساء. ولسلاح الشائعات الذى تستخدمه الجماعة آثار نفسية وحسية بالغة فبمقدورها القضاء على مجتمعات كاملة إذا لم تقم أطراف واعية بمواجهتها، خاصة أن شائعات الإخوان تعتمد على حقائق جزئية يمكن رصدها فى الواقع، ما يجعل الخبر المراد ترويجه يبدو منطقياً، وقابلاً للتصديق وبالتالى يجد قبولاً فى المتلقى نفسه وينتشر بسهوله من شخص إلى آخر.
وبهذا الشكل تحولت عقول شباب الإخوان إلى خزان ممتلئ بالشائعات والأكاذيب، يرددها أعضاء الجماعة أو المتعاطفين معهم. وعلى مستوى قواعد الإخوان، فإن إعلام تنظيم الإخوان الدولى روج بين هؤلاء روايات التشكيك فى كل شىء، فالكنائس التى احترقت والعنف فى سيناء وعشرات الجنود الذين استشهدوا والمنشآت التى حدث تعدٍ عليها؛ كلها من صنع الجيش وجهاز المخابرات!
ولعل النموذج الأبرز لنجاح حرب الشائعات ظهر فى الغزو الأمريكى للعراق، والذى بدأ الحرب بداية نفسية تمثلت فى شائعة اغتيال صدام حسين. وهى الشائعة التى استمرت لبضعة أيام تمكن الإعلام الأمريكى خلالها من الإبقاء على غموض الخبر. ونظراً لكفاءة هذه الشائعة وفعاليتها أعيد استغلالها خلال الأيام الأخيرة للحرب تحديدا عقب قصف مقر اجتماع القيادة العراقية فى حى المنصور. حيث كان لتكرار الشائعة فعالية مضاعفة لحدوث التكرار فى ظروف القصف الأمريكى المكثف والصادم لبغداد. وكذلك فى ظروف معاناة العراقيين.
واللافت فى تفاصيل الحرب النفسية الأمريكية هو ظاهرة تقاسم الأدوار. حيث كانت الـCNN تنقل الشائعة وتنسبها إلى قائد ميدانى أمريكى، ثم تتلقى قاعدة السيلية (فى قطر) الخبر لتذيعه الجزيرة على شكل معلومات واردة من الجبهة. أما البنتاجون فيعلن أنه سمع هذا الخبر لكنه لا يملك ما يؤكده. وهكذا يتسرب الخبر أو الشائعة. ومهما بلغت درجة الشك فى هذا الخبر فإنه يبقى مطروحاً لانعدام إمكانية التحقق منه. وهذا الجو من الغموض هو المناخ الأكثر ملاءمة لزراعة الشائعة. وهكذا تدفقت الشائعات الأمريكية على شكل سيول معلومات غامضة غير قابلة للتحقق منها. وكانت الشائعة الأبرز هى تلك المرتبطة بتبرير الحرب على العراق، شائعة أسلحة الدمار الشامل والتحالف مع القاعدة وتهديد الأمن القومى الأمريكى وأمن دول الجوار.
ومنذ بداية التهديدات بالحرب كانت الأنظار متجهة نحو معركة فاصلة فى بغداد. وأسهب الإعلام الأمريكى فى وصف أهمية هذه المعركة وهامشية بقية المدن العراقية، حتى تسربت تقارير تشير إلى عدم رغبة القيادة العسكرية فى استفزاز أهالى الجنوب العراقى وكادت هذه القيادة تعلن عن عدم رغبتها الدخول إلى أية مدينة أو قرية فى الجنوب. وساهمت الجزيرة بشكل واضح فى التسويق لمعركة بغداد وأهميتها، قبل أن تشيع أنها سقطت فجأة ودون مقاومة قبل أيام من سقوطها، ليصبح سقوط بغداد على هذا النحو هو اللغز الأكبر فى هذه الحرب؟!
وبالتزامن مع الجزيرة كان مراسل CNN يقوم بجولة فى الشوارع العراقية يوم 6 أبريل (أى قبل سقوط بغداد بثلاثة أيام) ولاحظ عدم وجود استعدادات عسكرية كافية فى الشوارع العراقية. وكذلك عجز المستشفيات العراقية عن استيعاب الأعداد الكبيرة للجرحى واضطرارها لدفن الأموات فى حدائق المستشفيات مع انقطاع الكهرباء وعدم توافر المياه وكانت هذه الأخبار أو الشائعات تؤكد عجز هذه المدينة عن تحمل أية معركة وعن القيام بأية مقاومة.
وبهذا الشكل يمكننا أن نقول إن الجزيرة وCNN لعبتا دوراً جاسوسياً خلال هذه الحرب وهو الدور الذى تلعبه القناتان مع قنوات أخرى مع سوريا ومصر الآن. وإن كانت الإشارة واجبة إلى أنها نجحت فى سوريا إلى حد بعيد وفشلت فى مصر فشلا ذريعا.
5
بهذا الشكل يمكننا أن نقول إن حرب الشائعات التى تمارسها جماعة الإخوان لا تختلف من بلد إلى آخر، وتمكن مشاهدة هذا النهج فى الداخل المصرى بكل وضوح، حيث تلجأ حاليا عناصر الإخوان فى مصر إلى وسائل متعددة بهدف الترويج لشائعاتهم بداية من نشر أخبار مغلوطة وصور مفبركة، وكلمات محددة يتفقون على نشرها فى وقت واحد على وسائل إعلام لهم يد فيها، وعلى شبكات التواصل الاجتماعى، حتى تأخذ اتساعا أكبر تخدع بوحدة أفكارها ومعلوماتها الرأى العام وترى أنها حقائق ومعلومات مؤكدة، على الرغم من عدم قدرتهم على نشر أى دليل على صدق ما يلفقونه.
كما تسعى أجنحة العنف فى الإخوان إلى تدريب كوادرها على كيفية اختلاق الشائعات، وإدارة حرب نفسية بلا هوادة على الجميع، عسكريين ورجال حكم وحتى المدنيين، كتمهيد سيكولوجى طويل الأمد فى محاولتها الرامية لإفشال نظام الرئيس السيسى.
وهناك محاور حددتها دوائر العنف بالإخوان، ومن أجلها لجأت لتجنيد وتجييش أعضائها عبر مدهم بمثل تلك الكتب، لتنفيذ خطتها على مراحل، فى مقدمتها الإساءة لسمعة الدولة بالخارج؛ وتحريك الغضب داخل أعضاء الجماعات الإسلامية المتعاطفة معها، والمحافظة على حالة الشحن الدينى عبر تعريضهم يوميا لمشاهد الدماء المستندة إلى زجر ولعن وفتاوى التفسيق والتكفير. وفى السياق نفسه، تسعى الأجنحة العسكرية للجماعة وعبر بث فيديوهات دعائية لأنشطتها الإرهابية لخلق هالة من الترهيب والتخويف على الطريقة الداعشية، بسبب وحشية القتل وتصوير الجثث مضرجة بالدماء، وإصدار بيانات شبه عسكرية، وترويجها على وسائل التواصل الاجتماعى، لتجسيد صورة خرافية لقوة الردع الإخوانية، فى مواجهة الدولة بكل هيئاتها، ما يجعل هناك ــحسب ظنهم- حالة من الرعب تمّكن لهم باعتبارهم الطرف الأقوى فى الصراع، على الأقل بالنسبة لجماهيرهم التى تنتظر لحظة الخلاص.
هكذا وجدت جماعة الإخوان فى بث الفوضى والشائعات سلاحاً لنشر أفكارها المغلوطة لخداع الرأى العام، ومحاربة الدولة إعلامياً، ونفسياً، فى إطار سياساتها الرامية إلى تدميرها التى تهدف بشكل واضح إلى إدخال البلاد فى فوضى ودمار.
وقد أشار موقع "كندا فرى برس" فى تقرير له إلى أن جماعة الإخوان تستخدم واحدة من أكثر الأسلحة خطراً وتأثيراً، وهو نشر الشائعات والأكاذيب، واللعب بعقول أتباعها، عبر وسائل الإعلام الدولية القوية، وشبكات التواصل الاجتماعى كـ"فيس بوك"، و"تويتر" عن طريق ما وصفه الموقع بالميليشيات الإلكترونية، للوصول إلى هدفهم.
وقال التقرير: "من المعروف جيداً أن وسائل الإعلام تستخدم كسلاح من قبل وكالات الاستخبارات، سواء كانت عسكرية أو عامة، للتأثير فى الأعداء، وغيرها من البلدان، ومع ذلك فإن الإخوان يدعون أنهم يدافعون عن الإسلام، وإيصال كلمة الله إلى الجماهير، عن طريق تلك الوسائل، والتاريخ الطويل للإخوان أعطاهم خبرة وبراعة فى عملية نشر الشائعات، والأكاذيب.
6
نحن بالفعل، ومنذ 30 يونيه 2013 نخوض حرباً نفسية تعتمد على مجموعة من الخبراء والمحللين والمعلومات النفسية، إضافة إلى وجود اقتصاديين واجتماعيين، بهدف وضع إستراتيجية وخطة متكاملة على المديين الطويل والقصير من أجل ترسيخ بيانات ومعلومات بعينها.
ويرجع خطر العمليات النفسية إلى أنها غير محددة المصادر فالعدو غير معروف وغير محدد إذ تستهدف الجانب النفسى والمعنوى للأفراد للتأثير فى أفكارهم واتجاهاتهم كما تستهدف المدنيين والعسكريين ومرت هذه العمليات بثلاث مراحل هى مرحلة مزاولة العمليات النفسية دون علم أو دراية، والمرحلة الثانية مرحلة شن العمليات النفسية بناء على خطة فردية والثالثة مرحلة شن العمليات النفسية المخططة.
والثابت، هو أن وكالات الأنباء الدولية فرضت نفسها على إعلام الدول النامية مستفيدة من تطور إمكاناتها الفنية والمالية ومن منهج وطريقة أدائها وكتابتها للأخبار أو التقارير بصيغة توحى بالموضوعية والتجرد وسرعة توصيل الخبر وتأمين التسهيلات التقنية لتلقى الخبر. وما يؤسف هو أن هذه الوكالات لا تزال إلى الآن أهم المصادر على الإطلاق فى تزويد الصحف والمجلات ومحطات الراديو والتلفزيون ومواقع الإنترنت بالمواد الخبرية؛ لأنها تقوم بالعمل الذى لا يمكن لوسائل الإعلام الأخرى القيام به، وهو تغطية أهم العواصم والمدن، ومناطق الأحداث الساخنة فى العالم بشبكة واسعة من المراسلين والمكاتب، نظراً لما يتكلفه ذلك عادة من أموال ونفقات لا يمكن أن تتحملها تلك الوسائل.
ومن واقع متابعتنا ورصدنا، طوال سنوات، أصبح فى حكم المؤكد أن هذه الوكالات مرتبطة أساساً بالدول التى تتبعها ولا تستطيع الخروج على الخط المرسوم لها، لذلك فإن عملية تشويهها للأخبار التى تنقلها عن بلدان العالم الثالث تتعدى حدود نشر معلومات كاذبة لتأخذ أشكالاً أخرى منها المغالاة فى التأكيد على أحداث ليس لها أهمية، ووضع الحقائق التى لا ترتبط ببعضها فى قالب واحد وعرضها بشكل يوحى بأنها متصلة وتكون حالة واحدة. والتشويه القائم على خلق حالة مزاجية وعقلية مسبقة نحو الأحداث، عن طريق تقديم الأحداث ذات الأبعاد المعروفة بأسلوب خلق حالة خوف أو شك لا أساس لها من الصحة.
أضف إلى ذلك التشويه من خلال التعتيم أو عدم نشر أى معلومات متصلة بالحدث أو الموقف الذى لا يخدم مصالح الدول التى تنتمى إليها تلك الوكالات.
كما أن الأخبار والمعلومات التى تروجها هذه الوكالات لا تتلاءم فى واقع الحال مع بلدان العالم الثالث وحاجاته؛ لأنها جمعت ونشرت عن طريق مصادر وأجهزة الوكالات الغربية، إضافة إلى أن المحتكر هو الذى يحدد أى الموضوعات التى تستحق الطرح وأيها يستحق المنع وهم يعلمون أنهم يتحكمون بذلك التدفق إذ يحصلون على المعلومات التى يريدونها وبالشكل الذى يرونه مناسباً وفى الوقت الذى يرغبون فيه!
وهى أولاً وأخيراً، لا تعمل إلا على خدمة مصالح الدول التى تنتمى إليها، فهى فى تغطيتها الإخبارية لمختلف أحداث العالم، رغم ما تدعيه من موضوعية أو حياد. وهذا ما يجعلها تلجأ إلى تلوين الأخبار طبقاً لمصالحها ومصالح النظم السياسية والاقتصادية التى تتبعها. وما يجعلها أيضاً تمارس التعتيم المتعمد والتحريف وإحلال الأخطاء أو الأكاذيب محل الحقائق الثابتة أو بإضافة تفسير غير حقيقى إلى الخبر أو بصنع الأخبار من حقائق عشوائية وتقديمها كحقيقة متكاملة أو بتجميع الحقائق الجزئية؛ لكى تعطى انطباعاً بأنها الحقيقة الكاملة أو عرض الحقائق بطريقة تثير شكوكاً ومخاوف لا أساس لها من الصحة أو مبالغاً فيها، بهدف التحكم فى رد الفعل.
كما أن حكاية المراسلين الغربيّين فى بلادنا حكاية طويلة تتداخل فيها الصحافة مع السياسة مع المخابرات مع الجهل مع الدعاية المدفوعة، ويمكن وضع كثير منها فى خانة "الحرب النفسيّة". مبالغات وتعميمات وتسطيحات، يمكن أن نرجع كثيراً منها إلى انخفاض المردود المالى لوسائل الإعلام وشراء وسائل الإعلام من قبل شركات عملاقة تسعى وراء الربح! الأمر الذى أدّى إلى تدنّى المستوى الصحفى وازدياد العامل التجارى والضغط المستمرّ لربط كل شىء بحسابات المكسب والخسارة. ولم تعد وسائل الإعلام الغربية مهتمة إلا بالحسابات سواء كانت سياسية أو اقتصادية، حتى ما كان منها يفتعل الحياد أو الموضوعية صار يلعب بشكل واضح ومكشوف.
بشكل أو بآخر، نحن أمام حرب يجرى فيها استخدام جميع وسائل الإعلام والعمليات النفسية من خداع ودعاية وكذب وتضليل الرأى العام والشائعات. ونخطئ، لو اعتقدنا أن كل تلك الخطوط والخيوط لا تقود فى النهاية إلى الولايات المتحدة، تحديداً، إلى الوحدة المختصة بالشأن المصرى فى المخابرات المركزية الأمريكية، التى لا تعدم الخطط البديلة، والتى بدا وكأنها كانت مستعدة للتعامل مع فشل خطة السيطرة عبر الإخوان، بسيناريو بديل، يعتمد على إنتاج حالة من الارتباك السياسى والأمنى، الأمر الذى يتطلب مراجعة شاملة من كل الجهات المعنية. ولا نشك وهلة أن أى محاولات لإخضاع مصر وتعطيل مسيرتها ستبوء بالفشل، وستتحطم أمام تماسك هذا الشعب الذى طالما ما تحطمت على يديه كل المكائد على مر التاريخ.