ياسر بركات يكتب: 6 أيام بدون الرئيس
ماذا يحمل السيسى إلى الأمم المتحدة؟
الرئيس يشارك للمرة الرابعة وفى حقيبته كلمة تاريخية مسجلة فى وثائق مجلس الأمن
ـ ماذا يخبئ العالم لتميم بعد مرور 100 يوم على الأزمة القطرية؟
ـ البيت الأبيض يعلن قائمة الزعماء العرب للقاء ترامب و24 ساعة تفصل القاهرة عن الدوحة
ـ القضية الفلسطينية والإرهاب فى أوروبا.. أهم الملفات.. والدبلوماسية المصرية تستعد لمواجهة الدول التى أعلنت مقاطعة مصر بعد 30 يونيو
وأنت تقرأ هذه السطور، يكون الرئيس السيسى قد توجه إلى نيويورك، للمشاركة على مدى 6 أيام فى أعمال اجتماعات الدورة رقم 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التى تعقد تحت عنوان «قمة الأمم المتحدة المعنى باللاجئين والمهاجرين». وتدور المناقشات السنوية العامة عن «أهداف التنمية المستدامة هى دفعة عالمية لتحويل عالمنا».
يذهب الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الأمم المتحدة هذه المرة فى سياق مختلف. له منجزات متعددة على الصعيدين الإقليمى والدولى، وله كلمة تاريخية تم اعتمادها فى وثائق مجلس الأمن، ويبنى على أداء الدبلوماسية المصرية التى تؤكد أن مشاركة الرئيس فى فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة تأتى إيمانًا من مصر بأهمية تفعيل العمل الدولى متعدد الأطراف بما يسهم فى تعزيز الجهود الرامية للتوصل لحلول سياسية للأزمات الإقليمية والدولية القائمة.
كلمة مصر التى سيلقيها الرئيس أمام اجتماعات الجمعية العامة ستتناول عدة موضوعات على الصعيدين الداخلى والخارجى، خاصة الإنجازات التى تحققت خلال عامين والجهود المبذولة لإحداث نهضة تنموية واجتذاب طاقات الشباب من أجل بناء المستقبل، بالتزامن مع جهود مواجهة قوى التطرف والأفكار التى تسعى إلى نشرها، بجانب عدد من مستجدات الوضع الإقليمى وسبل دفع الجهود الدولية والإقليمية للتصدى لما تواجهه المنطقة من تهديد للسلم والأمن وخاصة أزمات الشرق الأوسط، وخاصة القضية الفلسطينية، وأهمية نزع فتيل الأزمات التى تموج بها المنطقة دون تأخير.
وقبل ساعات من كتابة هذه السطور، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سيلتقى بالرئيس عبدالفتاح السيسى يوم الأربعاء المقبل. وقال إتش آر مكماستر، مستشار الأمن القومى للرئيس الأمريكى، إن ترامب سيلتقى بمجموعة من زعماء العالم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، منهم رؤساء فرنسا وإسرائيل يوم الاثنين ويتبعه لقاء مع قادة أمريكا اللاتينية، كما سيجتمع بأمير قطر يوم الثلاثاء ويلتقى يوم الأربعاء مع قادة الأردن وفلسطين وبريطانيا ومصر. والخميس يلتقى بقادة تركيا وأفغانستان وأوكرانيا قبل أن يجتمع مع قائدى كوريا الجنوبية واليابان. ولا نحتاج إلى الربط بين اجتماع ترامب مع الرئيس السيسى وتميم واستمرار الأزمة القطرية لما يزيد على 100 يوم، وبين الجولة الأوروبية لأمير قطر التى التقى فيها بزعماء ألمانيا وفرنسا وتركيا.
تلك هى المشاركة الرابعة للرئيس السيسى. شارك من قبل فى ثلاث فعاليات للأمم المتحدة، الأولى فى الدورة الـ69 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك 24 سبتمبر 2014، التى عقدت تحت شعار صياغة وتنفيذ خطة للتنمية لما بعد عام ٢٠١٥، والثانية كانت فى سبتمبر 2015 حيث ألقى الرئيس السيسى بيان مصر أمام الجمعية العامة، والثالثة فى سبتمبر 2016 وفيها ترأس السيسى اجتماع مجلس الأمن والسلم الأفريقى واجتماع لجنة الرؤساء الأفارقة المعنية بتغير المناخ.
وكالعادة من المقرر أن يعقد الرئيس على هامش مشاركته فى الاجتماعات، عدة لقاءات مع عدد من قادة وزعماء العالم فى إطار الجهود لتدعيم العلاقات المشتركة سياسيا واقتصاديا خاصة ما يتعلق بالمشروعات القومية العملاقة التى يمكن للمستثمرين الأجانب المشاركة فيها بجانب بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية مع مصر وتبادل الرؤى حول التعامل مع التحديات الراهنة على المسرح الدولى وتنسيق المواقف بشأن الموضوعات المطروحة على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما تكتسب مشاركة مصر فى أعمال الدورة الجديدة للجمعية العامة أهمية خاصة على ضوء كثرة الموضوعات والاجتماعات المرتبطة بمنطقتى الشرق الأوسط وأفريقيا خلال الدورة والدور الهام الذى تضطلع به مصر نظرا لعضويتها الحالية فى كل من مجلس الأمن ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقى. إضافة إلى ما ستتناوله الاجتماعات من مناقشات حول عدد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المسرحين الدولى والإقليمى والتحديات الأمنية والتى على رأسها تمدد وانتشار ظاهرة الإرهاب واحتدام الصراعات والنزاعات وانتشار أسلحة الدمار الشامل وقضايـا الهجرة واللاجئين وتأثيراتها فى السلم والأمن الدوليين.
فى كلمته أمام أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها 71، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، إن التحديات والإمكانات المتاحة للدول النامية، تحول دون الوفاء بمستوى الطموح الوارد فى إجندة التنمية، موضحا أن هذه الدول تفتقر لفرص كافية لتحقيق التنمية المستدامة. إذ كانت تلك قد انعقدت بعد أن أطلقنا مرحلة جديدة لتحقيق التنمية المستدامة بأبعادها البيئية والاقتصادية والاجتماعية باعتمادنا لأجندة التنمية 2030 وبعد وثيقة أديس ابابا لتمويل التنمية. وبالتالى كان من الطبيعى أن يؤكد الرئيس على أن الشعوب خاصة النامية تتطلع لمستوى حياة لائق ونمو مطرد، وأن ذلك هو المسئولية الرئيسية التى يتحملها قادة وضعت الشعوب ثقتها فيهم وحملتهم هذه المسئولية. ولكن التحديات والإمكانات المتاحة للدول النامية تحول دون الوفاء بمستوى الطموح الوارد فى أجندة التنمية حيث تفتقر الدول النامية لفرص كافية لتحقيق التنمية المستدامة إذ تحتاج إلى مناخ دولى مناسب يتمثل فى نصيب أكبر من التجارة الدولية وآليات لتمويل ونقل للتكنولوجيا. وكذلك تدفق للاستثمارات ومعالجة المديونية بالإضافة إلى ضرورة إيجاد المناخ المواتى للتنمية وطنيا.
وبعد أن أضحى العالم قرية كونية بفعل الآثار الإيجابية لثورة التكنولوجيا والاتصالات وحرية تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات والتجارة الدولية، أوضح الرئيس أننا مازلنا نرصد وجها آخر للعولمة بما أفرزته بعض التحديات الاجتماعية والاقتصادية، حيث ارتبطت بها زيادة الفقر واتساع فجوة عدم المساواة واهتزاز العقد الاجتماعى بالعديد من الدول النامية. وكيف وضع تضافر تلك العوامل ضغوطا على تماسك الكيان الأساسى لتلك الدول ولعل تلك التحديات والضغوط تمثل أكبر حافز للمجتمع الدولى ليعمل بجدية على توفير أفضل السبل للمؤسسات فى كل دوله للاضطلاع بواجباتها والوفاء باحتياجات وطموحات شعوبها.
فى وسط تلك التحديات التى يمر بها النظام الدولى، أكد الرئيس أمام العالم أن شعب مصر استطاع أن يفرض إرادته لتحقيق الاستقرار وحماية الدولة ومؤسساتها بل وتحصين المجتمع من التشرذم والانزلاق نحو الفوضى، فأقر دستورا جديدا يحمل الحقوق والحريات التى شملها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان حيث كفل الدستور المساواة فى الحقوق على اساس المواطنة ورسخ الحماية للفئات التى تحتاج رعاية الأمر الذى سمح للمرأة بالفوز بعدد غير مسبوق من مقاعد مجلس النواب ووسع التمثيل للشباب فى المجلس. وبدأ مجلس النواب بالفعل فى ممارسة سلطته التشريعية ومراقبة السلطة التنفيذية.
وعلى الصعيد الاقتصادى، أوضح الرئيس السيسى أن مصر تمضى بثبات فى تنفيذ خطة طموحة للإصلاح الاقتصادى تراعى البعد الاجتماعى ومتطلبات الحياة الكريمة للشعب المصرى كما تم تنفيذ مشروعات قومية عملاقة لتوسيع شبكة الطرق وإنشاء محطات الطاقة الكهربائية والمتجددة وتطوير البنية التحتية والقدرات التصنيعية وتوسيع الرقعة الزراعية.
كما أشار الرئيس إلى أن منطقة الشرق الأوسط تموج بصراعات دامية، إلا أن مصر استطاعت أن تحافظ على استقرارها وسط محيط إقليمى شديد الاضطراب وذلك بفضل ثبات مؤسساتها ووعى الشعب المصرى بموروثه الحضارى العميق لتستمر مصر كما كانت دوما ركيزة أساسية لاستقرار الشرق الأوسط..أخذاً فى الاعتبار أنها لا تألو جهدا فى الاطلاع بدورها الطبيعى فى العمل مع الأطراف الإقليمية والدولية لاستعادة الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط. وعلى رأس النزاعات الدامية فى المنطقة يستمر الوضع الأليم الذى تعيشه سوريا على مدار السنوات الماضية والذى تسبب فى مقتل مئات الآلاف وتحويل الملايين إلى نازحين ولاجئين داخل أوطانهم وبالدول المجاورة ومن بينهم نصف مليون سورى استقبلتهم مصر كأشقاء يلقون معاملة المصريين فيما يتعلق بالرعاية الصحية والتعليم والسكن.
وتأتى المشاركة الرابعة للرئيس ومصر ما زالت تدعو لتبنى منظور شامل فى مكافحة الإرهاب من خلال مقاربة لا تقتصر على البعد الأمنى وإنما تشمل الجانب الفكرى. وتجدد وتكرر أن ظاهرة الإرهاب، أضحت بما تمثله من اعتداء على الحق فى الحياة، خطراً دامغاً على السلم والأمن الدوليين، فى ظل تهديد الإرهاب لكيان الدولة لصالح أيديولوجيات متطرفة تتخذ الدين ستاراً للقيام بأعمال وحشية والعبث بمقدرات الشعوب، الأمر الذى يستلزم تعاوناً دولياً وإقليمياً كثيفاً.
والثابت هو أن مصر حرصت دوماً على التأكيد على أن التصدى للإرهاب لن يحقق غايته إلا عبر التعامل مع جذور الإرهاب، والمواجهة الحازمة للتنظيمات الإرهابية، والعمل على التصدى للأيديولوجيات المتطرفة المؤسسة للإرهاب ومروجيها. وأبرِز مبادرة مصر- خلال رئاستها لمجلس الأمن، فى مايو الماضى- لبلورة آلية دولية لمجابهة الأيديولوجيات المغذية للإرهاب. ودعوة مصر لاتخاذ المجتمع الدولى جميع التدابير للحيلولة دون استغلال الإرهاب للتقدم المعلوماتى والتكنولوجى الذى ساهم فى إضفاء أبعادٍ خطيرة على ظاهرة الإرهاب والتطرف الفكرى جعلها أكثر تفشياً فى عالم اليوم، الأمر الذى يستوجب العمل من أجل وقف بث القنوات والمواقع الالكترونية التى تُحرض على العنف والتطرف.
تأتى مشاركة الرئيس فى أعمال اجتماعات الدورة رقم 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لتؤكد من جديد أن مصر تعود.. تعود بقوة ولتثبت ما كررناه مرارا بأن لا شىء سيمر فى المنطقة إلا عبر بوابة مصر.. وأن مصر هى ممر أساسى لأى قضية إقليمية. وهذه القناعة، حسب رأيى، تعود إلى أن السياسة المصرية الآن تتمتع بأعلى درجات القبول من جميع الأطراف بصرف النظر عن بعض المناكفة هنا أو هناك. وسبب ذلك يرجع إلى تعاملها مع الواقع ونجاح السياسة المصرية فى تعريف نفسها للعالم، إضافة إلى القناعة الغربية بأن الوزن النسبى لدول عربية وإقليمية فى المنطقة يتراجع بسبب أوضاعها الداخلية. بينما تواصل مصر تقديم حجتها القوية ورؤيتها الثاقبة فيما يتعلق بمواجهة خطر الإرهاب ظهرت جلية فى اجتماعات العام الحالى وقد سبق للرئيس أن وجه تحذيرات من موجة إرهاب ستمتد إلى جميع أرجاء الكرة الأرضية نتيجة التقاعس عن مواجهة أصول التهديدات واستغلال الجماعات الإرهابية فى لعبة أممية لا طائل من ورائها.
وعندما بدأ الإرهاب يضرب أوروبا، وبعنف فى مدن كبرى تبدلت نظرة دول أوروبية كانت تناصب ثورة30 يونيو خصومة غير مفهومة إلا أن المصريين وقائدهم أثبتوا للعالم أن ما جرى من خروج ضد جماعة إرهابية، تقود تيار العنف والتطرف فى الشرق الأوسط، هو عين العقل ولب الحقيقة. كما ثبت ما حرصت مصر دوما على التأكيد عليه وهو أن التصدى للإرهاب لن يحقق غايته إلا عبر التعامل مع جذور الإرهاب، والمواجهة الحازمة للتنظيمات الإرهابية، والعمل على التصدى للأيديولوجيات المتطرفة المؤسسة للإرهاب ومروجيها.