ياسر بركات يكتب: أسرار الضربات التى قصمت ظهر إسرائيل .. الرئيس فى إفريقيا والفزع فى تل أبيب
السيسى أفسد على إسرائيل عقد أول قمة مع إفريقيا فى أكتوبر القادم
* لماذا جاءت الزيارة بعد أيام من حضور بنيامين نتنياهو قمة المجموعة الاقتصادية فى ليبيريا
* تفاصيل الجلسة الطارئة التى عقدتها جامعة الدول العربية قبل ساعات من زيارة الرئيس
* لماذا اختار الرئيس زيارة تنزانيا فى شرق إفريقيا، ورواندا من دول حوض النيل، وتشاد والجابون من دول وسط إفريقيا؟ ولماذا أصر على زيارة النصب التذكارى لضحايا الإبادة الجماعية فى رواندا؟
* بالوقائع.. كيف تغازل تل أبيب إفريقيا؟
* تسللت إلى نيجيريا وساندت الانفصاليين.. وأقامت شركة ضخمة للإنشاء والتعمير اسمها «نيوجيرسال»
* قامت بتجنيد الأب أكوام أنكروما وأقامت شركة النجمة السوداء للملاحة البحرية فى غانا وساهمت فى بناء مطار أكرا.. وأقامت جامعة هيلاسيلاسى فى إثيوبيا!
* غياب سياسات عربية لمحاصرة الدور الإسرائيلى ساهم فى توغل الصهاينة.. وزيارة الرئيس أول ضربة منذ 20 عاماً
حملت الجولة الإفريقية للرئيس عبدالفتاح السيسى، العديد من الدلالات الاستراتيجية للسياسة المصرية على مختلف الأصعدة الإفريقية والإقليمية والدولية. خاصة أن تلك الجولة، التى امتدت أربعة أيام، وشملت 4 دول إفريقية هى تنزانيا ورواندا والجابون وتشاد، تأتى فى إطار استكمال مسيرة التواصل مع القارة الإفريقية، وتعزيز الشراكة المصرية مع دول القارة السمراء. وتعمل من خلالها القيادة السياسية على إعادة اللُحمة الإفريقية، وإحداث نوع من التكامل بين دول القارة فى كل المجالات، خاصة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، إضافة إلى تبادل الرؤى حول قضايا المنطقة، وحل النزاعات التى تشهدها الصومال وليبيا، بما يحقق الاستقرار فى المنطقة. وما من شك فى أن مصر لديها رؤية ثاقبة، تريد من خلالها أن تعود لريادتها فى القارة الإفريقية، كما كانت فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. وواضح جداً أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يعمل على تنويع الصداقات مع الدول الإفريقية، خاصة أن القارة أرض خصبة للاستثمار، ينبغى أن يتوجه لها المستثمرون المصريون. مع ضرورة توفير حزمة من الحوافز لها ومنحها امتيازات فى استخدام قناة السويس سعيا إلى إحداث حالة من الرواج التجارى، والعمل على تطبيق نظام التأشيرة الواحدة فى الدول الإفريقية بعد دراسة الأمر، كما ينبغى تفعيل وخلق مزيد من الشراكات البرلمانية والزيارات مع الدول الإفريقية.
ولا يمكن، بحال من الأحوال، فصل تحركات السيسى فى إفريقيا عن تحركات سابقة ولاحقة تقوم بها إسرائيل، وتحاول الدول العربية أن تواجهها أو تقوم بخطوات مضادة، كتلك الخطوة التى قامت بها جامعة الدول العربية، يوم الاثنين 12 يونيه الماضى، حين عقدت جلسة طارئة على مستوى المندوبين الدائمين، لبحث التصدى للتغلغل الإسرائيلى المتنامى فى القارة الإفريقية، بناء على طلب من فلسطين، وبتأييد عدد من الدول العربية. وهى الجلسة التى جاءت بعد أيام من حضور رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، قمة منظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا فى ليبيريا، التى حاولت فيها إسرائيل استمالة تأييد الدول الإفريقية والالتفاف على مكانة القضية الفلسطينية فى القارة الإفريقية. وهو الهدف نفسه من وراء تنظيم قمة إفريقية-إسرائيلية فى جمهورية توجو ما بين 16 و20 أكتوبر المقبل، وغيرها من التحركات الإسرائيلية فى هذا السياق. ونشير هنا إلى أن هناك قرارا صادراً عن قمة عمان، يدعو إلى تعزيز العمل مع الاتحاد الإفريقى لدعم قضية فلسطين والتصدى لأى محاولات إسرائيلية للالتفاف على مكانة القضية فى القارة الإفريقية، وحث الدول الإفريقية على عدم المشاركة فى أى مؤتمرات إسرائيلية إفريقية.
بهذا الشكل يمكننا النظر إلى جولة الرئيس السيسى باعتبارها ترجمة حقيقية لحركة السياسة الخارجية المصرية فى قارة إفريقيا، فى إطار انفتاح مصر على القارة، وحرصها على مواصلة تعزيز علاقاتها بدولها فى كل المجالات، وتكثيف التواصل والتنسيق مع دول قارة إفريقيا، إحدى أهم دوائر السياسة الخارجية المصرية. وبإمعان النظر فى دول الجولة الأربع، نلاحظ تعدد محاور ودوائر التحرك المصرى على الصعيد القارى: تنزانيا فى شرق إفريقيا، ورواندا من دول حوض النيل، وتشاد والجابون من دول وسط إفريقيا، بما يرسخ فكرة تعدد الدوائر الفرعية للدور المصرى إفريقيا، يضاف لمناطق القرن الإفريقى، والجنوب الإفريقى، وغرب إفريقيا.
السياسة المصرية تجاه دول الجولة الأربع، والمحيط الإفريقى بشكل عام، تحرص على التأكيد على جملة من الثوابت التاريخية والاستراتيجية، لعل أبرزها إعلاء مبادئ التعاون الإقليمى، وتبنى دور مصرى فى مجال التنمية البشرية والاقتصادية، الأمر الذى يجعلنا نقول إن شعار «الأمن والتنمية والتكامل الإقليمى» أصبح الرسالة المصرية لدول القارة من ناحية، والمنهج المصرى فى المحافل الدولية من ناحية أخرى.
تاريخ العلاقات المصرية مع دول تنزانيا ورواندا والجابون وتشاد، إلى تعدد مجالات الاهتمام المتبادل بين الطرفين، على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتعليمية، علاوة على ذلك تشترك مصر مع هذه الدول فى العديد من التجمعات والتنظيمات المختلفة الاتحاد الإفريقى، منظمة المؤتمر الإسلامى، الكوميسا، مبادرة حوض النيل، مبادرة النيباد، تجمع الساحل والصحراء وأنه هو الأمر الذى يسمح بتنوع وتشعب وتعدد مجال العلاقات والتعاون ثنائياً وقارياً ودولياً، خاصة فى مجالات بناء السلم والأمن الإفريقى، ومكافحة الإرهاب، التنمية المستدامة.
وفى هذا الإطار تمثل تنمية العنصر البشرى أبرز جوانب التعاون المصرى مع الدول الأربع سواء من خلال إيفاد مئات الخبراء المصريين، واستقبال أعداد كبيرة من المواطنين الأفارقة للتدريب فى مصر فى مجالات: التعاون القضائى، والتعاون الشرطى، والتعليم، والمساعدات الطبية، والمساعدات الغذائية، ودورات للدبلوماسيين الأفارقة، والتعاون والتدريب الإعلامى.
ولو نظرنا إلى تنزانيا، سنجد أن العلاقات بينها وبين مصر تقوم على مبدأ التعاون والتفاهم فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدفاع والأمن بالإضافة إلى الساحة السياسية والتعاون الدولى والدفاع عن حقوق الإنسان والتأكيد على وحدة وتنمية القارة الإفريقية، وأن الدولتين ترتبطان بعلاقات سياسية قوية تعود لفترة الزعيمين التاريخيين عبدالناصر ونيريرى، وهو الأمر الذى ساهم فى التأسيس لمنظمة الوحدة الإفريقية، ومن ثم فإن القيادة الحالية للبلدين ستعمل على البناء على هذا الإرث التاريخى للدفع بمسيرة تنمية الاتحاد الإفريقى، وأنه من الناحية السياسية، تظل ملفات شرق إفريقيا، على رأس اهتمام البلدين، خاصة دعم استقرار الدولة الصومالية وإعادة بنائها. أما العلاقات مع رواندا فتركز على الجانب الاقتصادى، للدفع بأفق العلاقات الاقتصادية، كما أن الجانب الرواندى يعول على دور الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية للدفع فى اتجاه تطوير القدرات البشرية، كما يمثل ملف الاستثمارات المصرية، أبرز مجالات التعاون المستقبلية على أجندة الزيارة الرئاسية.
وفى الإطار ذاته، تتمتع العلاقات الاقتصادية المصرية الرواندية، بميزة نسبية فى إطار عضوية البلدين فى تجمع «الكوميسا»، كما تشهد المنتجات المصرية رواجاً متزايداً بالسوق الرواندية. وبالنسبة لدولة الجابون، فهى تعد من أبرز اللاعبين السياسيين فى منطقة وسط إفريقيا، ومن ثم فإن تنسيق المواقف بين البلدين يحظى بأهمية خاصة، وتحديداً الأوضاع فى إفريقيا الوسطى ودولة الكونغو، بجانب الدفع بأطر العلاقات الاقتصادية.
وعلى الصعيد الثقافى والتعليمى، تتواجد بالجابون بعثة أزهرية يقدر عددها بـ13 مبعوثا، تسهم فى خلق جسور للتقارب الثقافى والتعليمى بين البلدين، هذا بالإضافة إلى المنح المقدمة من الأزهر الشريف سنوياً لأفراد الجالية المسلمة الجابونية. وكانت الأوضاع الأمنية فى منطقة الساحل والصحراء، أبرز أبعاد التنسيق المصرى التشادى، لما لهذه الدولة من أدوار مهمة فى تلك المنطقة، وفى ضوء استضافة مصر اجتماعات وزراء دفاع دول الساحل والصحراء العام الماضى، والمبادرة المصرية لإنشاء مركز لمكافحة الإرهاب، وعرض مصر استضافة ضباط من دول التجمع للتدريب بالقاهرة، موضحة أنه فى الإطار نفسه، يمثل التشاور المصرى مع تشاد أهمية خاصة بشأن الملف الليبى، بحكم الجوار الجغرافى، واشتراك البلدين فى آلية «دول الجوار الليبى».
2
وفق هذه الحقائق، يمكننا قراءة تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى بشكل مختلف، خاصة تأكيده، خلال المؤتمر الصحفى المشترك مع نظيره التنزانى «جون ماجوفولى»، يوم الإثنين الماضى، عقب مباحثاتهما فى مدينة دار السلام، إذ أكد الرئيس حرص مصر على التشاور المستمر مع الجانب التنزانى بغرض تعزيز الاستقرار وتحقيق السلم والأمن فى القارة الإفريقية والتنسيق فى مختلف القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك. وأضاف الرئيس السيسى، ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات والخطوات اللازمة لتيسير وتشجيع زيادة التبادل التجارى والمشروعات المشتركة فى القطاعات الاقتصادية المشتركة بين مصر وتنزانيا، خاصة فى مجالات الزراعة والصناعة والصناعات الدوائية والطاقة والثروة المعدنية.
الرئيس السيسى، أشار أيضاًً، إلى التعاون القائم بين البلدين فى مجالات بناء القدرات وتبادل الخبرات والمشروعات التنموية التى يتم العمل على تنفيذها من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية والمبادرة المصرية لتنمية دول حوض النيل. كما أشاد الرئيس السيسى بمجهود الرئيس التنزانى فى مجال مكافحة الفساد، قائلا: أشيد بمجهود رئيس تنزانيا الملحوظ فى مجال مكافحة الفساد وتطوير الأداء الإدارى للدولة ونهتم بتعزيز التعاون القائم بين المؤسسات الرقابية بين البلدين فى هذا المجال، لاسيما مع ما تقوم به مصر من جهود مكثفة فى مكافحة الفساد وتبنى الدولة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد «2014-2018». وأعرب الرئيس السيسى، عن تقدير مصر لدور تنزانيا ورئيسها فى تعزيز الأمن والسلم فى القارة الإفريقية ولاسيما فى قضايا المنطقة المتعلقة بالبحيرات العظمى. وعبر الرئيس السيسى عن سعادته البالغة بزيارته لتنزانيا، مؤكدا أن الشعب التنزانى تربطه علاقات تاريخية بالشعب المصرى، وأن «العلاقات بين مصر وتنزانيا كانت دوماً نموذجاً للتعاون البناء والمثمر بين دولتين شقيقتين، يربطهما نهر النيل الخالد، فى طريق طويل من الكفاح بقيادة نماذج تاريخية مثل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر».
كما اتفق الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره الجابونى على بونجو، خلال مباحثاتهما فى العاصمة الجابونية «ليبرفيل» على تفعيل التعاون الأمنى والعسكرى بين البلدين وتنسيق جهودهما فى مواجهة الإرهاب وما يمثله من مخاطر على أمن واستقرار مختلف دول القارة الإفريقية والعالم. ووجه الرئيس السيسى الدعوة لنظيره الجابونى للمشاركة فى المؤتمر الدولى للشباب، ومنتدى «إفريقيا 2017»، المقرر عقدهما فى شرم الشيخ نوفمبر وديسمبر المقبلين، وقد رحب الرئيس بونجو بالدعوة مؤكداً تطلعه لزيارة مصر فى أقرب فرصة.
وفى رواندا، كانت زيارة الرئيس السيسى للنصب التذكارى لضحايا الإبادة الجماعية، حيث قام بوضع إكليل من الزهور على النصب التذكارى، كما تفقد الرئيس المتحف الملحق بالنصب التذكارى والذى يحوى توثيقاً للمذابح التى جرت فى رواندا فى تسعينات القرن الماضى، وقام الرئيس كذلك بالتوقيع فى سجل الزيارات، حيث أعرب عن أسفه لسقوط الضحايا الأبرياء، وأكد أهمية التعايش المشترك بين مختلف أطياف البشر، وبحيث يكون التعاون والحوار والسلام هو اللغة السائدة بين مختلف شعوب العالم، معرباً عن تمنياته بألا تتكرر مثل هذه الأعمال البشعة وأن يعم السلام كافة بقاع العالم.
وهناك أيضاً بحث الرئيس السيسى مع رئيس رواندا التعاون فى عدة مجالات من بينها الزراعة والتبادل التجارى، مؤكداً على اتفاق الحكومتين المصرية والرواندية على اتخاذ كافة الإجراءات والخطوات اللازمة فى تيسير وتشجيع زيادة التبادل التجارى بين البلدين وإقامة المشروعات المشتركة فى القطاعات الاقتصادية المختلفة بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين.
وخلال مؤتمر صحفى مع الرئيس الرواندى بول كاجامى، أشار السيسى إلى أنه فى ظل الأهمية الاستراتيجية للعلاقات بين البلدين فإن مصر حريصة على مواصلة وتطوير التعاون مع روندا، كذلك فى مجالات بناء القدرات وتبادل الخبرات فى المجالات التنموية المختلفة، خاصة من خلال البرامج ودورات الدعم الفنى التى تقدمها الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، والمبادرة المصرية لتنمية حوض النيل. وأوضح الرئيس أنه اتفق مع الرئيس كاجامى، خلال المباحثات على أهمية العمل على عقد لجنة مشتركة بين البلدين فى أقرب فرصة ممكنة للتشاور بشأن سبل تنمية مجالات التعاون ذات الأولوية للبلدين، مؤكدا على أن مصر ورواندا تتفقان على أهمية العمل الإفريقى المشترك لتعزيز الأمن والاستقرار فى القارة الإفريقية والتعامل مع مختلف الأزمات والتحديات التى تواجهها القارة فضلا عن أهمية تفعيل جهود الإصلاح المؤسسى للاتحاد الإفريقى، التى يطلع الرئيس كاجامى بدور هام لتحقيقها.
وخلال زيارة تشاد أبدى الرئيس السيسى ونظيره التشادى إدريس ديبى إتنو، رغبتهما بأن تشترك كل الأطراف الليبية لتحقيق السلام فى ليبيا، كما أشاد الرئيس السيسى بالتزام رئيس تشاد لصالح السلام والأمن فى منطقة الساحل. كما أشاد رئيس تشاد خلال المباحثات الثنائية بالعمل القيادى للرئيس عبدالفتاح السيسى على حل الأزمات فى إفريقيا والشرق الأوسط، وحث الزعيمان الأمم المتحدة ببذل المزيد من الجهد للحد من التوترات. وأبدى الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره التشادى إدريس ديبى إتنو، رغبتهما بأن تشترك كل الأطراف الليبية لتحقيق السلام فى ليبيا، كما أشاد الرئيس السيسى بالتزام رئيس تشاد لصالح السلام والأمن فى منطقة الساحل.
3
نعود لنكرر أنه لا يمكن، بحال من الأحوال، فصل تحركات السيسى فى إفريقيا عن تحركات سابقة ولاحقة تقوم بها إسرائيل، وتحاول الدول العربية أن تواجهها أو تقوم بخطوات مضادة، كتلك الخطوة التى قامت بها جامعة الدول العربية، يوم الاثنين 12 يونيه الماضى، حين عقدت جلسة طارئة على مستوى المندوبين الدائمين، لبحث التصدى للتغلغل الإسرائيلى المتنامى فى القارة الإفريقية، بناء على طلب من فلسطين، وبتأييد عدد من الدول العربية.
حضور بنيامين نتنياهو القمة الأخيرة للمجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية (إكواس)، فى ليبيريا، كان خطوةً متقدمة فى مسار التطبيع بين إسرائيل وهذه المنظمة الإفريقية. ومع أن الاهتمامات المعلنة للمنظمة والأهداف التى تأسست من أجلها سنة 1975 تنحصر أساسا فى الجوانب الاقتصادية والتنموية، كتطوير قطاعات الطرق والطاقة والزراعة والاتصالات؛ إلا أن حضور رئيس الوزراء الإسرائيلى مقابل غياب تام للقادة العرب فى هذه القمة يحمل أكثر من رسالة سياسية ودبلوماسية.
مدفوعةً بهوس النفوذ الخارجى؛ تجد إسرائيل من مصلحتها حط الرحال فى منطقة كهذه، فإسرائيل باتت تستشعر النفوذ المتعاظم لدول منافسة كإيران وتركيا فى قارة إفريقيا، التى تمثل عمقا استراتيجياً لا يستهان به وسوقا استهلاكية ضخمة. وبالإضافة إلى التخوف من الدورين الإيرانى والتركى فى إفريقيا، فإن حكام تل أبيب بحاجة ماسة لتحسين صورتهم وسجلهم الأسود فى الجرائم الإنسانية ضد الشعب الفلسطينى أمام الرأى العام الإفريقى، ولن يتأتى ذلك إلا بدبلوماسية فاعلة وحضور سياسى واقتصادى مؤثر.
الدوافع الرئيسية للاهتمام الإسرائيلى بمنطقة غرب إفريقيا يمكن حصرها فى تشويه المقاومة وربطها بالإرهاب، فقد اتخذت إسرائيل من ظهور «الجماعات الجهادية» فى منطقة غرب إفريقيا على مدار الأعوام الأخيرة شماعة لوصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، واعتبارها هى والجماعات الإفريقية المسلحة وجهين لعملة واحدة، مستفيدة من ضعف وعى وفهم النخب السياسية الإفريقية لأبعاد الصراع العربى/الإسرائيلى، بفعل تأثير الإعلام الغربى الموجه والخادم للمشروع الإسرائيلى. ولم يتوقف المسئولون الرسميون الإسرائيليون -الذين زاروا إفريقيا على مدار السنوات الماضية- عن اللعب على هذا الوتر الذى كان مهندسه الرئيسى وزير الدفاع الإسرائيلى الحالى أفيجدور ليبرمان، عندما وصف سنة 2010 (وكان حينها وزيراً للخارجية) من العاصمة النيجيرية أبوجا حركات المقاومة الإسلامية الفلسطينية -وبالتحديد حماس والجهاد الإسلامى- بأنها «إرهابية»، وحملها مسئولية تدهور الأوضاع فى الشرق الأوسط.
كل ذلك بهدف لجم التعاطف مع القضية الفلسطينية فى هذا التكتل الاقتصادى الذى يمثل المسلمون فيه نسبة تزيد على 55% من سكانه، الذين يمثلون ديموجرافياً ربع سكان القارة الإفريقية، بالإضافة إلى محاولة كسب تأييد الأفارقة فى المحافل والمنظمات الدولية، إذ كانت الصفعة الأخيرة التى تلقتها إسرائيل من مجلس الأمن الدولى بعد تقديم السنغال لمشروع قانون مجرم للاستيطان صادق عليه المجلس، جعل تل أبيب تستحضر أن التعاطف مع القضية الفلسطينية لم يمت فى مواقف الحكومات والأنظمة الرسمية بإفريقيا جنوب الصحراء.
لذلك أدركت إسرائيل أن غيابها عن مجريات الحدث الدبلوماسى والسياسى بهذه المنطقة قد يصب فى صالح القضية الفلسطينية داخل المحافل الدولية والإقليمية، فقد ظلت إسرائيل تظن خطأ أن التعلق بالقضية الإفريقية على المستوى الرسمى الإفريقى مرهون بديناميكية الدبلوماسية العربية الداعمة لفلسطين فى المحافل الإفريقية. ولذلك عندما تراجع طرح القضية الإفريقية فى الأجندات العربية المتعلقة بتعزيز التعاون مع إفريقيا؛ خُيّل إلى إسرائيل أن القضية الفلسطينية كتبت لها شهادة الوفاة فى اهتمامات ومواقف الأفارقة.
ويمكن أن نضيف إلى ما سبق، أن منطقة غرب إفريقيا تعتبر الركن الأهم من أركان القارة للأنشطة الاقتصادية والمالية للجالية اللبنانية المتهمة بدعم حزب الله ماليا؛ فقد انصب اهتمام أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ودوائر النفوذ الاقتصادى على بعض بلدان هذه المنطقة، المعروفة بالتأثير الاقتصادى والسياسى للجالية اللبنانية مثل ليبيريا وساحل العاج. وفى الآونة الأخيرة؛ أنشأت إسرائيل عدة مؤسسات استثمارية لمنافسة اللبنانيين فى مجالات التأثير الاقتصادى والمالى، عبر تشجيع حركة استثمار رجال الأعمال الإسرائيليين فى ساحل العاج، كما أقامت شركات للحراسة والأمن لجمع قاعدة بيانات عن رجال حزب الله فى البلد، وخريطة انتشارهم ومستوى تأثيرهم الاقتصادى. وتتولى شركة فيزيوول ديفنس الإسرائيلية الكندية تأمين مطار فليكس هوفيت بونى الدولى بالعاصمة الاقتصادية أبيدجان وكذلك تأمين ميناء آبيدجان المستقل، ما يعنى أن حركة الأفراد والواردات والصادرات الاقتصادية للبلد خاضعة للرقابة الإسرائيلية.
هناك أيضاًً هدف مهم وهو زيادة التبادل التجارى مع غرب إفريقيا، ومعروف أن اهتمام إسرائيل الاقتصادى بهذا الجزء من القارة، ظل مقتصرا على دول قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، فحجم التبادل التجارى بين إسرائيل وإفريقيا يظهر أن علاقات تل أبيب بها فى المجال الاقتصادى ما زالت ضعيفة جداً. وقد كشف معهد الصادرات الإسرائيلية -فى تقرير له سنة 2015- أن حجم صادرات إسرائيل نحو إفريقيا يبلغ فقط 1.6% فى حين تصل الواردات من إفريقيا 0.5%، ما يعنى أن استفادة إسرائيل من سوق بحجم تكتل «إكواس» الاقتصادى -والذى يبلغ حجم مستهلكيه 340 مليون نسمة، ويمتلك مقدرات اقتصادية هائلة وثروات طبيعية كبيرة ومتنوعة- ما زالت ضعيفة جداً.
وقد مهدت الدبلوماسية الإسرائيلية على مدار السنوات الأخيرة لمساعى اختراق غرب إفريقيا، فقبل حوالى سبع سنوات اعتبر ليبرمان فى إحدى زياراته لإفريقيا أن إسرائيل ستدخل قريبا هذه المنطقة بشكل قوى وفاعل، وأن ثمة دولا إفريقية صديقة ستلعب أدواراً كبيرة لتهيئة التقارب الإسرائيلى مع «إكواس»، ذكر منها نيجيريا وغانا. وقد حصرت إسرائيل أدوات اختراقها الدول الإفريقية فى جوانب التعاون الأمنى والعسكرى والاقتصادى، مركزة على الاقتصاد بوجه خاص بالنسبة للدول التى يصعب فيها تحقيق اختراق على مستوى الشعوب فى المنظور القريب، لكونها فى الغالب دولا ذات أغلبية مسلمة صحيح أن الحضور الإسرائيلى فى فضاء غرب إفريقيا ليس متجذرا ولا تاريخيا، لكن إسرائيل -فى المقابل- تحتفظ بعلاقات مهمة مع بلدان مؤثرة فى هذه المنطقة، كنيجيريا مثلا التى تسللت إسرائيل إليها عشية استقلالها عن بريطانيا سنة 1960. واستطاعت تل أبيب أن تنجح فى إقامة منشآت اقتصادية مهمة فى هذا البلد، وكانت تمتلك شركة ضخمة للإنشاء والتعمير اسمها «نيوجيرسال». كما كانت إسرائيل داعما سخيا للانفصاليين النيجيريين فى حرب بيافرا الأهلية عام 1967 (تواصلت هذه الحرب ما بين 1967-1970)، ولديها جالية كبيرة هناك ذات نفوذ اقتصادى ضخم.
كما أن لإسرائيل علاقات وطيدة مع غانا، حيث ساهم فى تطوير العلاقات بين البلدين حضورُ جولدا مائير (كانت آنذاك وزيرة لخارجية إسرائيل) فعاليات تخليد استقلال غانا سنة 1957. لكن العنصر البارز فى تحسن العلاقات يرجع من جهة إلى الخلفية الدينية للزعيم الإفريقى والأب المؤسس لدولة غانا أكوام أنكروما، الذى تربى فى الإرساليات البروتستانتية التى تؤمن بالعودة المزعومة لليهود إلى فلسطين، ومن جهة أخرى إلى تأثر أنكروما وإعجابه بالجامايكى ماركوس كارفى المناصر لإسرائيل. ولا شك أن تأثير هذين البلدين فى القرار الإفريقى على مستوى منظمة «إكواس» -إضافة للعلاقات الحميمة بين تل أبيب ونظام الرئيس الحسن وتارا فى ساحل العاج- كانت من العوامل التى سمحت للقادة الأفارقة بالاحتفاء برئيس الوزراء الإسرائيلى فى القمة الأخيرة للمنظمة.
أيضاً، اعتمدت إسرائيل سياسة انفتاح جديدة على هذه المنطقة من إفريقيا بعد أن عاشت عزلة أو إهمالا أو هما معا، فأرادت أن تكون عودتها إلى هذه القارة مجددا قائمة على أسس صلبة. لذلك حصرت أدوات اختراقها الدول الإفريقية فى جوانب التعاون الأمنى والعسكرى والاقتصادى، مركزة على الاقتصاد بوجه خاص بالنسبة للدول التى يصعب فيها تحقيق اختراق على مستوى الشعوب فى المنظور القريب، لكونها فى الغالب دولا ذات أغلبية مسلمة. وعندما نتصفح مثلا مجالات التعاون بين إسرائيل وبلد كالسنغال نجد أن ملف الزراعة يعتبر إحدى الكلمات المفتاحية لهذه العلاقات، فإسرائيل جعلت الزراعة فى صدارة تعاونها مع دكار. إنها سياسة تطمح عبرها تل أبيب ليس فقط للتأثير فى الاقتصاد السنغالى -الذى تُعتبر الزراعة أحد أركانه الرئيسية- وإنما أيضاً لتحقيق اختراق للوسط الريفى فى بلد يعتنق أكثرُ من 95% من سكانه الدينَ الإسلامى، ويعدّ الوسط الريفى فيه أكثر محافظة من سكان المناطق الحضرية، كما أن نسبة 70% من سكانه يعتمدون على الأنشطة المرتبطة بالقطاعين الزراعى والرعوى.
ومن خلال الاقتصاد تحاول إسرائيل خلق مصالح لها مع الدول الإفريقية، فأقامت شركة النجمة السوداء للملاحة البحرية فى غانا وشركة الأسطول البحرى فى ليبيريا، وساهمت فى بناء مطار أكرا فى غانا، وأقامت أيضاًً مدارس وجامعات، مثل جامعة هيلاسيلاسى فى إثيوبيا، ومستشفيات مثل مستشفى مصوع فى أرتيريا، كما تقوم بتقديم المِنَح المالية من هيئة الماشاف الذى بدأ كمُقترح بإنشاء صندوق للمساعدات المالية والفنية لدول آسيا وإفريقيا تابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية عام 1958 ثم تطوّر ليصبح الوكالة الإسرائيلية للتعاون الدولى. ولم يتوقّف نشاطه خلال فترة قطع العلاقات الإسرائيلية الإفريقية، فكان جسراً مهماً لاختراق إفريقيا وتوطيد النفوذ الإسرائيلى فيها عن طريق تقديم دورات تدريبية للطلاب الأفارقة فى مجالات الطب والزراعة والتعليم والصناعة ( وصل عدد الطلبة الأفارقة الدارسين فى إسرائيل منذ أواخر الخمسينات حتى أوائل السبعينات إلى حوالى 16 ألفاً و797 طالباً). ويمثل المجال الأول عنصراً مهماً من عناصر التغلغل الإسرائيلى فى إفريقيا، حيث يدرس الأطباء الأفارقة فى المستشفيات الإسرائيلية، كما ترسل إسرائيل البعثات الطبية إلى دول إفريقية مثل كينيا وليبيريا وناميبيا، ولم يفتها بالطبع استغلال وباء الإيبولا فى غرب إفريقيا لتعمل على زيادة تواجدها فى هذه المنطقة التى يبلغ عدد الإسرائيليين فيها نحو 5 آلاف نسمة. فأوغندا كانت محط اهتمام بن جوريون فور استقلالها وقدّم 150 منحة دراسية مجانية كإثبات للحضور الإسرائيلى إفريقيا. ولا تكتفى إسرائيل بالتوسّع الممّول حكومياً، بل تشجّع رجال الأعمال الإسرائيليين على إقامة المشاريع الاقتصادية فى القارة الإفريقية، وتعتبرهم إحدى أذرعها لزيادة الاعتماد الإفريقى على إسرائيل، ليصبح خلعها من إفريقيا أو حتى محاصرتها كاستئصال الورَم يخرج بالدم واللحم فلا يغادر بسلام.
أما القمة التى تعتزم تل أبيب تنظيمها، فى أكتوبر القادم، فهى أول قمة إسرائيلية إفريقية، وستحتضنها توجو التى آلت إليها الرئاسة الدورية لـ«إكواس» أثناء قمة المنظمة الأخيرة التى انعقدت يونيه الماضى فى مونروفيا. إذ إن هذه الخطوة تشكل شراكة متقدمة فى مجال التطبيع بين إسرائيل والدول الإفريقية، وتأتى على غرار القمم الأخرى كالقمة الفرنسية الإفريقية، والقمة الهندية الإفريقية، والقمة الصينية الإفريقية، والقمة التركية الإفريقية، التى تسعى من خلالها هذه القوى لإحراز نفوذ اقتصادى فى إفريقيا. وسيتوقف مدى التقبل الإفريقى لإسرائيل على حجم استثمارها الاقتصادى وما ستضخه من أموال فى مشاريع البنى التحتية بالمنطقة، وعلى وفاء نتنياهو باتفاق التفاهم مع قادة «إكواس» بتقديم إسرائيل مبلغ مليار دولار للمنظمة فى السنوات الأربع المقبلة، لتطوير مشاريع الطاقة الخضراء فى الدول الأعضاء.
غياب سياسات عربية لمحاصرة الدور الإسرائيلى فى هذه المنطقة، كما أن ضعف توظيف دول شمال إفريقيا (المغرب وموريتانيا وتونس والجزائر) للمشترك التاريخى والاجتماعى والثقافى، وللتواصل الجغرافى مع دول فضاء منطقة غرب إفريقيا، قد يصب فى صالح الأجندات الإسرائيلية فى المنطقة. إلا أن كل هذا لا يعنى أن إسرائيل لن تواجه تحديات أثناء تغلغلها فى هذه المنطقة، خاصة من منطلقات الحسابات الأمنية؛ فالعديد من أنظمة غرب إفريقيا لن تكون مطمئنة لتقارب مع إسرائيل قد يضعها فى مرمى الجماعات الإسلامية المسلحة، التى بدأ هاجس الخوف من ضرباتها العسكرية يؤرق كثيرا من قادة دول منظمة «إكواس».
بهذا الشكل، يمكننا أن نقول إن جولة الرئيس السيسى الإفريقية، زادت من انفتاح مصر على القارة السمراء، وأكدت حرصها على مواصلة تعزيز علاقاتها بدول القارة فى كل المجالات، وأدت إلى تكثيف التواصل والتنسيق مع أشقائها الأفارقة، إضافة إلى تدعيم التعاون مع هذه الدول على كل الأصعدة، وبالأخص الصعيدان الاقتصادى والتجارى، فى ضوء الأولوية المتقدمة التى تحظى بها القضايا الإفريقية فى السياسة الخارجية المصرية. وأن التواجد المصرى بهذا الشكل، قام بتعويض غياب السياسات العربية لمحاصرة الدور الإسرائيلى فى هذه المنطقة، وقلل من تأثير هرولة بعض الدول العربية نحو التطبيع مع إسرائيل فى هذا التوقيت بالذات!!