الموجز
السبت 9 نوفمبر 2024 12:33 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن ..ننشر المقالات المدفوعة فى الصحف الأجنبية للدفاع عن عرش موزة

نكشف أوراق اللعب من طهران وأسطنبول إلى واشنطن والدوحة



الثعبان الإيرانى يؤجل ذبح قطر!
* بالأرقام وأسعار السلع.. نكشف حقيقة انهيار الاقتصاد القطرى
* لماذا سارعت تركيا بإرسال قوات عسكرية إلى الدوحة؟!.. ولماذا تراجعت أمريكا عن سحب قواعدها العسكرية؟!
* نص مقال عميل الموساد الذى يغازل فيه إدارة ترامب
اللعب صار على المكشوف، ولم يعد لدى الكيان الصهيونى القطرى ما يخفيه، وأظهر بوضوح أكثر وجوهه القبيحة، من تحالفه مع المجوس أو إيران إلى تحالفه مع الكيان الصهيونى. وبهذا الشكل، لم تكن مفاجأة أن تهدد دراسة إسرائيلية بأن ما وصفتها بـ«الأزمة مع قطر»، ستؤدى إلى سقوط عدد من أنظمة الحكم فى الخليج!
قبل أن نستعرض الوجوه القبيحة التى أظهرتها الدويلة الصغيرة، نشير إلى أن ما كشفته بيانات رسمية عن أن المقاطعة العربية لها أدت لارتفاع فى معدل التضخم لديها فى يونيه. وأن التضخم السنوى للأسعار المستهلكين ارتفع إلى 0.8% فى الشهر الماضى من 0.1% فى مايو، فيما زادت الأسعار 0.7% على أساس شهرى فى يونيه من العام الحالى. وتركز التأثير الأكبر على أسعار الغذاء. وزادت تكلفة المشروبات والأغذية 2.4% على أساس سنوى، و2.5% على أساس شهرى فى يونيه، وكانت فى اتجاه نزولى قبل ذلك، حيث انخفضت 1.9% على أساس سنوى فى مايو.
وفى تقرير بشأن قطر قالت «هيومان رايتس ووتش» إن 70 عاملاً أجنبياً أجرت معهم مقابلات فى أنحاء الدوحة قد شكوا جميعاً من زيادة أسعار الغذاء بسبب ارتفاع تكلفة الاستيراد نتيجة غلق الحدود البرية. وقفزت تكاليف النقل 8.9% على أساس سنوى فى يونيه، فى حين انخفضت تكلفة الإسكان والمرافق 2.9% على أساس سنوى.
على صعيد آخر، طلبت شركة قطر غاز من مورديها إقامة عمليات محلية لهم فى قطر وسط الأزمة التى تمر بها البلاد، وخشية أى إجراءات اقتصادية أخرى إثر المقاطعة الخليجية. وطلبت قطر غاز من الموردين الرئيسيين ومقدمى الخدمات إنشاء مرافق كاملة التجهيزات فى قطر لتقليص زمن توفير أى مواد أو خدمات. كما قال التعميم الصادر بتاريخ 11 يوليو إن على الموردين الذين تنقصهم مثل تلك المرافق أن يقدموا خططا لإقامتها بنهاية الشهر الجارى.
ونأتى لأكثر الوجوه قبحاً والذى ظهر فى التهديد أو السؤال التالى: «هل هناك ربيع عربى جديد على الأبواب فى الخليج الفارسى؟».. والتهديد أو السؤال هو عنوان الدراسة التى صدرت قبل ساعات عن «مركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية»، التابع لجامعة «بار إيلان»، وبالإضافة إلى أنها تعمدت أن تصف الخليج العربى بـ«الخليج الفارسى»، فإنها هددت بوضوح من أن الأزمة الخليجية الحالية تنذر بسقوط عدد من العواصم العربية، بسبب ما زعمت أنه أزمات اقتصادية غير مسبوقة تعصف بمنطقة الخليج إلى جانب القرارات السياسية غير الحكيمة، التى تعزز المخاوف بقرب اندلاع هبات جماهيرية ستؤدى إلى تعميم الاضطراب فى المنطقة!.
كما زعمت الدراسة أن «الأزمات الداخلية يمكن أن تقود إلى ربيع عربى جديد، قد يفضى إلى سقوط بعض الملكيات الخليجية». واعتبرت الدراسة أن «الرابح الرئيسى» من الأوضاع السائدة فى الخليج هى إيران، مشددة على أن المقاطعة المفروضة على قطر «عبدت مساراً يمكن طهران من السيطرة على البحرين»، بحسب الدراسة.. واستنتجت الدراسة الإسرائيلية أن نظام الحكم الحالى فى السعودية بشكل خاص، يواجه خطر السقوط، نتاج مفاعيل تراجع الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير.
وأشارت الدراسة الإسرائيلية إلى أن الاقتصاد السعودى تدهور فى الأعوام الأخيرة بشكل غير مسبوق، بسبب تراجع أسعار النفط فى الأسواق العالمية، وبفعل ضخ مساعدات مالية ضخمة لنظام السيسى، منذ أن استولى على الحكم عام 2013، إلى جانب فاتورة تكاليف الحرب فى اليمن الباهظة، علاوة على حرص أفراد العائلة المالكة مراكمة ثرواتهم الشخصية. كما زعمت الدراسة أن السلطات السعودية أقدمت على خطوات من شأنها إثارة الجمهور السعودى ضد نظام الحكم، ويمكن أن تسمح بانفجار مظاهرات غضب، تماماً كما حدث فى تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، أواخر 2010 وبداية 2011.
وعددت الدراسة بعض الإجراءات التى أقدمت عليها السعودية، والتى تمثلت فى تخفيض رواتب الموظفين فى الجهازين المدنى والعسكرى بـ900 ريال (300 دولار) كجزء من خطة تقشف فى القطاع العام، إلى جانب إلغاء الزيادات والعلاوات على الرواتب، علاوة على فرض ضرائب على السجائر ومشروبات الطاقة، بحيث تبلغ الضريبة 100٪، من كلفة إنتاجها. كما زعمت الدراسة أن ما يدلل على الحد الذى وصلت إليه خطورة الأوضاع الاقتصادية فى السعودية، أن حكومة الرياض قررت فرض رسوم على استخدام الشوارع فى منطقة الرياض، ورسوم على المسافرين من الدول العربية المجاورة وإليها.
وبحسب الدراسة، فإن تدهور الأوضاع الاقتصادية فى السعودية سيترك آثاراً سلبية على دول عربية أخرى، وخاصة البحرين، التى تواجه أزمة اقتصادية خانقة، فى الوقت الذى تعمل فيه إيران على عدم استقرار البلاد، من خلال دعم الجماعات الشيعية التى تعارض نظام الحكم فى المنامة. ولم تستبعد الدراسة أن تعمد إيران إلى العمل على عدم استقرار الأوضاع فى السعودية، من خلال استخدام الوسائل العسكرية «النشطة»، كما يحدث فى البحرين.
وتستنتج الدراسة، أن قرار مقاطعة قطر سمح لإيران «بدق الأسافين بين الدول الأعضاء فى مجلس التعاون الخليجى، إلى جانب أن هذا التطور سمح لطهران بتعزيز مكانتها باعتبارها قوة إقليمية رائدة»، محذرة من أن سقوط إحدى الملكيات الخليجية قد يفضى إلى سقوط ملكيات أخرى. وتنطلق الدراسة من افتراض مفاده، أن موقف إيران المساند لقطر منحها نقاطاً لدى الرأى العام العربى. وحذرت من أن تحقق السيناريو أعلاه سيفضى إلى إضعاف مكانة الولايات المتحدة فى منطقة الخليج، وسيمكن إيران وروسيا من تقاسم النفوذ فى الخليج العربى.
واعتبرت أن هذه النتيجة ستكون سيئة لإسرائيل. وأوردت الدراسة أنه على الرغم من أن الأزمة الخليجية ليست مرتبطة بإسرائيل، إلا أنه يتوجب على صناع القرار فى تل أبيب أن يراقبوا تداعياتها بشكل دقيق. ووجهت انتقادات لإدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، مشيرة إلى أن كل ما يعنى هذه الإدارة فى الأزمة الخليجية هو توظيفها، من أجل زيادة مبيعات السلاح لدول المنطقة.
وفى النهاية، وصلت الدراسة إلى مربط الفرس، بمطالبتها الولايات المتحدة بالتحرك للحفاظ على الاستقرار فى المنطقة، قبل أن يدمرها ربيع عربى جديد، حسب زعمها!
وجه قبيح آخر، ظهر فى ورقة بحثية عنوانها «أسباب ومآلات الأزمة القطرية»، نشرها الصهيونى عزمى بشارة، عميل الموساد، وعراب أمير قطر، زعم فيها أن السياسة الخارجية القطرية، بما تتسم به من سمات، هى السبب فى ما يحدث لقطر، وزعم أن علاقات قطر المتينة مع الولايات المتحدة وامتلاك الدوحة قدرة عالية على الانفتاح فى الوقت نفسه على القوى الإقليمية الأخرى تفسر ما يدور فى منطقة الخليج العربى.
فى تلك الورقة، يزعم الصهيونى عزمى بشارة أن سياسات قطر منذ إطلاق قناة «الجزيرة» اتسمت بـ«الانفتاح»، فاستضافت من يصفهم بـ «الإعلاميين والمثقفين والناشطين من مختلف التيارات السياسية والفكرية الليبرالية والقومية واليسارية والإسلامية»، بما يعنى اعترافه بأن سياسات الإمارة أو الدويلة التآمرية مريبة، بوجود رموز جماعة الإخوان الإرهابية، وقادة حركة حماس الإرهابية أيضاً وكذا عناصر تابعة للحوثيين وحركة طالبان.
وبما زعم أنها سياسة خارجية وإعلامية منفتحة، يبرر عزمى بشارة التدخل الفج فى شئون الدول الأخرى، وإطلاق الآلة الإعلامية القطرية للتحريض، وكلنا نعرف الدور الذى لعبته «الجزيرة» منذ انطلاقها سنة 1996، فى نشر الشائعات، والفوضى فى عدة دول عربية، بزعم ما يصفه بشارة بـ«المد الثورى» ثم بعد ذلك يدعى الصهيونى أن الدلائل والأدلة على تمويل قطر للإرهاب، ليست أكثر من شائعات، متناسيا أو متعاميا أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اتهم قطر صراحة بدعم الإرهاب، أكثر من مرة وطالبها بوقف تمويل الإرهاب. كان آخرها حين قال فى حواره مع قناة «سى بى إن نيوز»، إن القطريين «معروفين بتمويل الإرهاب، وقد قلنا لهم: لا يمكنكم فعل ذلك، لا يمكنكم فعل ذلك». وتأكيده على أن الولايات المتحدة لن تسمح لدولة غنية بـ«تسمين الوحش»، موضحاً أن «هذا الوحش هو الإرهاب». والأكثر من ذلك هو أن ترامب حين سئل عن قاعدة العديد العسكرية الأمريكية، قال إن واشنطن ستنقلها إذا اضطرت لذلك، مضيفاً «إذا اضطررنا للرحيل، فإننا سنجد عشر دول مستعدة لبناء قاعدة عسكرية بدلاً من تلك الموجودة فى قطر».
على الخط دخلت جريدة «واشنطن بوست» الأمريكية التى نشرت تقريراً لمارك لينش زعم فيه أن الدول الأربع مصر والسعودية والإمارات والبحرين بالغت فى تقدير احتمالات النجاح، وفشلت فى وضع خطة بديلة فى حالة سير الرياح بما لا تشتهى السفن. مضيفاً أن الدول الأربع بالغت فى تقدير حجم المخاوف القطرية من الانعزال عن مجلس التعاون الخليجى، وضخَّمت من قدرتها على إلحاق الأذى بجارتها التى تعد واحدة من الدول الأغنى فى العالم. لم تؤذِ المقاطعة الاقتصادية قطر إلا قليلاً، وتقلص تأثير التهديدات العسكرية ما إن أعلن الجيش الأمريكى أنه لا ينتوى الانصياع لمقترحات الإمارات ونقل قاعدته العسكرية من قطر.
وزعم التقرير أن الدول الأربع فشلت فى ضم المزيد من الدول إلى التحالف، لأن البحرين، حسب قوله، لم تتمتع بسياسة خارجية مستقلة منذ قمعها الوحشى لتظاهرات 2011، بينما ترى مصر قطر جزءاً من صراع القوة الداخلى مع جماعة الإخوان المسلمين. لكن لم تدعم أى دولة أخرى الحملة السعودية الإماراتية ضد قطر دعماً حقيقياً. اختارت الكويت وعُمان دور الوساطة، بينما بذلت دول شمال إفريقيا، وحتى عمان، جهدها لتبقى على الحياد انتظاراً لمآلات الأزمة، فيما أسماه لينش «انقساماً» داخل مجلس التعاون الخليجى.
فى الوقت نفسه، يضيف التقرير، خلقت جهود عزل قطر فجوات جديدة سعت القوى الإقليمية الأخرى إلى ملئها. أرسلت تركيا قوات عسكرية إلى قطر بهدف ردع أى غزو؛ فى خطوة رمزية أكثر من كونها عملية، إذ إن احتمالات الهجوم على قطر كانت ضعيفة منذ بداية الأزمة. بينما انتهزت إيران الفرصة لتحسين علاقاتها مع قطر، ومع عمان والكويت أيضاًً.
ويرى لينش أن استعداد السعودية والإمارات لتفتيت مجلس التعاون الخليجى بسبب عداواتهما مع قطر يُشير إلى أن صراعات القوة بين القوى السنية، ومخاوفها الوجودية المستمرة من الاحتجاجات الشعبية وحركات الإسلام السياسى المُنافسة، هى تهديدات يرونها أكثر إلحاحاً من الخطر الإيرانى الذى تدور حوله النقاشات أكثر بكثير فى العالم العربى.
ويرى التقرير أن إدارة ترامب ترسل رسائل مختلطة اختلاطاً مثيراً للارتباك منذ بداية الأزمة. موضحا أن ترامب أعلن عدداً من التصريحات والتغريدات المؤيدة بقوة للتحالف الرباعى وهو ما دفعه إلى الثبات على موقفه. لكن البنتاجون أوضح أنه لا يعتزم نقل القاعدة العسكرية الأمريكية من قطر. أما تيلرسون فقد ركز على الوساطة وضرورة إيقاف التصعيد، ووقع اتفاقية متعلقة بتمويل الإرهاب مع قطر، ما تسبب فى تهميش المطلب الأساسى فى حملة الدول الأربع.
وكان كثيرٌ من مراقبى المشهد، بحسب التقرير، قد توقعوا أن اتفاق ترامب مع وجهة النظر العالمية التى تتبناها الدول الأربع، والذى ظهر فى أثناء زيارته إلى المنطقة، يُشير إلى عودة الشراكة الوثيقة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين فى الخليج. إلا أن الفوضى الحالية تُشير إلى أن الخلافات بين الولايات المتحدة والدول الخليجية كانت هيكلية لا شخصية، إذ تمر إدارة ترامب الآن بديناميكية تحالف سياسى مشابهة جداً لما مرت به إدارة أوباما، أدى إلى أن تتصرف أنظمة الخليج وفق مصالحها الداخلية والإقليمية بلا اعتبار لأولويات واشنطن، وعلى رأسها الحملة على تنظيم داعش.
ويضيف لينش أن الأزمة القطرية ظهرت منذ الانتفاضات العربية فى 2011، والتى دعمت فيها دول الخليج بانتظام جماعات محلية مسلحة من خلفيات متنوعة سعياً إلى تنصيب حلفاء محليين فاعلين على الأرض. تدفقت الأموال والأسلحة القطرية-الإماراتية إلى الجماعات المسلحة فى ليبيا منذ بداية الحرب الليبية، وكان لهذا آثاره المدمرة العميقة على المسار الليبى ما بعد القذافى، ويعد سبباً رئيسياً فى إخفاق محاولات إعادة بناء الدولة الليبية. مشيرا إلى أنه لأعوام ضغطت مصر والسعودية والإمارات من أجل إعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية عالمية، رغم إجماع الخبراء على أنها ليست كذلك. والسبب الحقيقى هو أن قطر والإخوان المسلمين على الجانب الآخر من الصراع على النفوذ فى المنطقة، وأدى هذا الاستقطاب بين الإسلاميين وخصومهم فى النهاية إلى «انقلاب عسكرى مدعوم من الإمارات والسعودية» على حد قول لينش، بينما تجنبت تونس هذا المصير بالكاد حين تنحت حركة النهضة عن السلطة طواعية.
وفى سوريا قامت دول الخليج وشبكاتها الخاصة بدعم الجماعات الإسلامية المسلحة فى الخمسة أعوام الأخيرة، فيما وصفه لينش بـ«تصرف غير مسئول» تساوت فيه قطر مع دول الخليج الأخرى. شاركت السعودية مشاركة كبيرة فى تسليح الثوار السوريين، بينما كانت الكويت بؤرة جمع التمويل للمتمردين فى سوريا.
وفى بدايات 2015، انضمت السعودية إلى قطر وتركيا فى دعم تحالف «جيش الفتح» الإسلامى المتشدد، الذى ضم العديد من الرموز والجماعات نفسها التى تُشير إليها دول الخليج الآن بأصابع الاتهام. والخطاب الإسلامى الطائفى المتشدد فى وسائل الإعلام القطرية وشبكة قنوات الجزيرة لم يختلف كثيراً عن الحوار السائد فى وسائل الإعلام الخليجية الأخرى والشبكات الإسلامية السلفية.
وينتهى لينش إلى أن ما وصفها بالأزمة القطرية أثبتت أن الصراع بين الدول السنية سيستمر فى حدته، وأن المخاوف الأمنية للأنظمة ما زالت هى الدافع الرئيسى لسياساتها. وهو ما يجعل الرسائل المختلطة من إدارة ترامب شديدة الخطورة فى هذا الوقت الحرج بالنسبة للشرق الأوسط. فقوى المنطقة تخطئ بتواتر مذهل فى حساب النتائج المتوقعة من اتباع سياسات معينة.
وعلى غير المتوقع، خرج سعد شريدة الكعبى، الرئيس التنفيذى لشركة قطر للبترول، فى مؤتمر صحفى بالدوحة؛ ليعلن أن قطر تعتزم رفع طاقة إنتاج الغاز الطبيعى المسال بنسبة 30% خلال السنوات الخمس أو السبع القادمة.
وفى المؤتمر الذى انعقد فى الرابع من شهر يوليو الجارى، قال الكعبى: «هذا المشروع سيعزز مكانتنا كأكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعى المسال فى العالم، وسوف تزيد الشركة إنتاج الغاز من حقلها الشمالى الكبير الذى تتقاسمه مع إيران. وسيرفع المشروع الجديد الطاقة الإنتاجية الإجمالية للغاز الطبيعى المسال فى قطر بنسبة 30% إلى 100 مليون طن من 77 مليون طن سنوياً، وبعد اكتمال المشروع سيزيد إنتاج دولة قطر إلى نحو ستة ملايين برميل من النفط المكافئ يومياً».
الغاز الطبيعى المسال واختصاره LNG هو الغاز الطبيعى الذى تمت معالجته وإسالته بالتبريد فى درجة تبريد سالب 260 درجة فهرنهايت، وتعد قطر أكبر مُصدر للغاز الطبيعى المسال فى العالم، حيث يقل حجمه فى الحالة السائلة بحوالى 600 مرة عن حالته الغازية، وبالتالى يسهل نقله عبر البحار والمحيطات بتكلفة منخفضة، لذا تمتلك قطر أكبر أسطول عالمى من السفن والحاويات الناقلة للغاز الطبيعى المسال فى العالم.
تصريحات الكعبى أعطت إشارة قوية إلى أن قطر، تعتزم التحول مرة أخرى إلى مرحلة التوسع السريع فى الإنتاج بعد سنوات من النمو البطىء. ويمكن أن تؤدى الزيادة الإنتاجية فى الغاز القطرى إلى إحداث وفرة للغاز المسال عالمياً، وبالتالى يحدث انخفاض للأسعار؛ ما يغرق العديد من المنافسين ممن ترتفع تكلفة الإنتاج لديهم، على رأسهم الشركات الأمريكية للغاز المسال، والشركات الأسترالية والروسية.
أضف إلى ذلك، أنه فى الثالث من أبريل الماضى، ولأول مرة منذ 12 عاماً، أعلنت قطر الإفراج عن الحظر الذى فرضته على أكبر حقول الغاز الطبيعى فى العالم حقل الشمال، الذى تتشارك فيه مع إيران والذى تم اكتشافه عام 1971، حيث كانت قد حظرت إقامة مشاريع جديدة فى الحقل العملاق للسماح بتقييم مدى تأثير معدل الاستخراج على الخزان الضخم. بما يعنى أن قطر فضلت تجميد أية مشاريع فى الحقل المشترك لحين تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران حتى تتمكن الأخيرة هى الأخرى من إقامة مشاريع فى الجزء الشمالى الخاص بها فى الحقل والمعروف فى إيران باسم حقل غاز بارس الجنوبى. وبالفعل قامت إيران قبل الإعلان القطرى بيوم واحد بتوقيع اتفاق مع شركة توتال الفرنسية وشركة النفط الصينية سى إن بى سى، بقيمة خمسة مليارات دولار لتطوير الجانب الشمالى من حقل الشمال، على أثر رفع العقوبات الغربية عليها إذ يعد أول اتفاق مع شركة غربية.
وهنا تظهر بوضوح اللعبة القطرية الإيرانية، والتى أكدتها سرعة إيران فى مساعدة قطر بالمؤن وفتح الموانئ البحرية، والسماح لناقلات الغاز المسال القطرية العملاقة من المرور فى الجزء التابع لإيران من الخليج العربى، ومن ثم الخروج بسلاسة من مضيق هرمز لضخ الغاز إلى أكبر زبائنها، اليابان وكوريا الجنوبية والهند وباقى الأسواق العالمية.
فى السياق نفسه، أكدت صحيفة «واشنطن تايمز» الأمريكية أن قطر ينبغى أن تكون هدفاً فى أى حملة للقضاء على الإرهاب. وأوضحت الصحيفة أن أمريكا، بعد تنصيب ترامب رئيساً، ربما أصبح لديها فرصة فريدة للتعامل أخيراً مع مصادر الإرهاب فى الشرق الأوسط بطريقة أكثر حسماً مما فعلت فى أى وقت مضى منذ 11 سبتمبر، مشيرة إلى أن هذه الجهود تتطلب أن تلقى نظرة جديدة وباحثة فى الدولة التى تستضيف قاعدة أمريكية فى الشرق الأوسط وهى قطر. وأشارت الصحيفة إلى أن أيام إدارة أوباما التى كانت متسامحة مع الإخوان قد انتهت، وكانت قطر تراهن على أن الولايات المتحدة ستواصل طريق تمكين المتطرفين ورأت ضوءاً أخضر لتمويل وإيواء وتمكين الإرهاب من خلال دعمها للتنظيم الإرهابى.
وأضافت: كما أن الوعاظ المقيمين فى قطر وجامعى التبرعات لهم علاقات وثيقة بداعش، فى حين أن الدوحة تتسامح مع النظام الإيرانى وحماس، ذراع الإخوان فى غزة. لكنه تبين أن رهانها سيئ، مشيرة إلى أن جيران قطر يعتبرون البرنامج النووى والصاروخى لطهران هو تهديد لهم، كما أن قطر حولت قناة الجزيرة التى أنشأتها لتكون «قناة جهادية» ومتحدثاً باسم المتطرفين، كما تقوم الدوحة بدعم جماعة أنصار الشريعة فى ليبيا والمسئولة عن مهاجمة المنشآت الأمريكية فى بنغازى والتى قتلت السفير الأمريكى بوحشية. وأوضحت الصحيفة أن واشنطن ستحتاج إلى حلفاء الخليج فى أى صراع محتمل مع إيران وجيوشها وميليشياتها المنتشرة من العراق إلى سوريا ولبنان والعراق، وستحتاج أمريكا إلى السعودية والدول الأخرى للتعاون الاقتصادى وفى مجال الطاقة مع سعى إدارة ترامب لتحقيق معدل نمو 3% سنوياً.
وقالت إنه حتى بعد اتفاق الرياض بين الدول الخليجية واصلت قطر دعمها للإخوان ولم توفر لهم الملاذ فقط ولكن قاعدة آمنة لانطلاق عملياتهم ونشر أيديولوجيتهم. وأشارت الصحيفة أيضاًً إلى دفع الدوحة ما سمى بالفدية بنحو مليار دولار للحرس الثورى الإيرانى والذى يدعم الميليشيات الشيعية المتشددة.
وأوضحت أنه إضافة إلى ذلك هناك تمويل قطر لجبهة النصرة وعناصر القاعدة فى سوريا فضلاً عن الكثير من عناصر الإرهاب التى تعمل فى قطر دون أى قلق من احتمال اعتقالها.
وأكدت الصحيفة أنه لا يجب أن تلوم قطر إلا نفسها على العقوبات التى فرضها جيرانها فى الخليج عليها. ورغم ضرورة أن تسعى الولايات المتحدة لحل الموقف، إلا أن هناك عاصفة قادمة فى الشرق الأوسط، كما تقول، صراع محتمل بين إيران والدول السنية المتحالفة مع الغرب. وقد ذكرت المخابرات الألمانية هذا الأسبوع أن إيران لم تستسلم فى سعيها للحصول على التكنولوجيا النووية.
هكذا، تؤكد كل الأحداث أمراً واحداً لا ثانى له، وهو أن ما يسمى المجتمع الدولى ليس جاداً فى محاربة الإرهاب.. ويتعامل مع الإرهاب بالقطعة لا بالجملة.. وأن هذا الكيان الوهمى المسمى المجتمع الدولى ليس صفاً واحداً فى قضية مواجهة الإرهاب، وأن الأسلوب العقيم المتبع دولياً هو إدارة الأزمات والمشاكل والجرائم وليس حلها.. العالم يحتاج دوماً إلى أدلة لا تأتى أبداً من أجل أن يواجه دولة أو حكومة تدعم الإرهاب وتموله.. لكنه لا يحتاج إلى أدلة تدين دولة ما تواجه الإرهاب وتحاربه.. العالم أو ما يسمى المجتمع الدولى يسارع بإدانة هذه الدولة التى تواجه الإرهاب ويرميها بتهم القمع ومصادرة حرية التعبير والتعذيب فى السجون والمعتقلات والاستخدام المفرط للقوة وانتهاك حقوق الإنسان.. والدول التى تحارب الإرهاب مكبلة ومتهمة دوماً.. لكن الدول التى تدعم الإرهاب وتموله بريئة حتى تثبت إدانتها وهذه الإدانة لن تثبت أبداً.
والإرهاب نفسه يصنف كمعارضة فى بلد ما.. والإرهاب نفسه يصنف كإرهاب فى بلد آخر.. ولا يوجد أى منطق ولا أخلاق ولا مبادئ ولا قوانين دولية فى مسألة الإرهاب.. وكل شىء مطاط وقابل للتأويل والتفسيرات المتناقضة.. والتنظيم الإرهابى المتفق عليه دولياً الآن هو «داعش».. أما الجماعات والتنظيمات الأخرى الإرهابية ففيها قولان.. وذلك لأن الولايات المتحدة وروسيا والقوى الكبرى الأخرى التى اختزل فيها وحدها مصطلح المجتمع الدولى اكتوت بنار «داعش» ووصل إلى عقر دارها فلا ترى غيره تنظيماً إرهابياً.. تماماًً كما حدث مع «القاعدة» فى السابق عندما كانت هى التنظيم الإرهابى الوحيد الذى يستحق المواجهة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر فى الولايات المتحدة.
وكل التنظيمات الإرهابية ابتداء من «الإخوان» وحتى «داعش»، ليست نبتاً شيطانياً ولا هى رمية من غير رامٍ.. لكنها جميعاً مصنوعة فى معامل الاستخبارات الدولية الكبرى.. وهى تشبه القنابل الفيروسية أو الأسلحة البيولوجية التى اخترعتها القوى الكبرى فى معاملها ثم اكتوت بنارها فيما بعد.. أى أن السحر ينقلب على الساحر.. وهذه القوى الكبرى امتلكت القدرة على تحضير العفريت لكنها لم تمتلك القدرة على صرفه أو استئناسه.. وما زالت هذه القوى الكبرى تستخدم التنظيمات الإرهابية فى تنفيذ أجنداتها السياسية والمخابراتية.
وفكرة الفوضى الخلاقة لا تعنى سوى استخدام التنظيمات الإرهابية فى إعادة رسم خريطة ما يسمى الشرق الأوسط الكبير.. ولا يمكن تنفيذ هذه الأجندة بمباركة الشعوب إلا من خلال رفع شعارات الدين الإسلامى.. وهى الشعارات التى انطلت على بعض الشعوب، وخلقت تعاطفاً مع الإرهاب والدمار والخراب وصناعة الفوضى.. بل إن بعض الشعوب، خصوصاً فى منطقتنا العربية، لم تكتف بالتعاطف.. بل شاركت فى صناعة الإرهاب وفى عملياته، وباركت تمويله ودعمه من دول كثيرة على أساس أن هذا التمويل والدعم عمل دينى شرعى، و«جهاد» فى سبيل الله بالمال والنفس.
ومن خلال الشعارات الدينية الزائفة التى يراد بها باطل، باركت بعض الشعوب العربية التدخل الخارجى فى شئون الدول، خصوصاً التدخل الإيرانى والتركى، بل والغربى والشرقى، على أساس أن هذا التدخل يهدف لنصرة الإسلام وتمهيد الطريق لتحرير القدس.. والنتيجة التى أرادتها الاستخبارات الكبرى هى استخدام شعارات الإسلام لنصرة إسرائيل التى أصبحت الآن واحة الأمن والأمان فى المنطقة، وخفضت ميزانيتها العسكرية والدفاعية.. ولم تعد تدان أو تقوم ضدها الدنيا ولا تقعد عندما تضرب المواقع السورية أو حتى تضرب غزة أو جنوب لبنان على أساس أن جرائم إسرائيل صارت لعب أطفال إذا قيست بالجرائم التى يرتكبها الإرهابيون ضد العرب والمسلمين.
ومن فضول القول الذى يعرفه الجميع أن الولايات المتحدة منذ عهد ريجان، احتضنت «القاعدة» و«طالبان»، ودعمتهما ورعتهما على أساس فكرة مخابراتية خبيثة، وهى أنه لا يمكن حشد العرب والمسلمين ضد الاتحاد السوفييتى الملحد والشيوعى إلا من خلال الحرب الدينية.. ونجحت الفكرة فى تجييش العرب بالتحديد، سواء كانوا دولاً أو منظمات فى هذه الحرب بين الإسلام والكفر!. ومن يومها بدأت لعبة تمويل ودعم الإرهاب سراً وعلانية، وتوسع مفهوم الكفر ليشمل الغرب المسيحى أيضاًً عندما سقط الاتحاد السوفييتى وتحول الأمر إلى تجييش الإرهاب لمصلحة مصطلح الفوضى الخلاقة وتحقيق الزعامة النهائية لإسرائيل.
وزاد الأمر تفاقماً خلال إدارة أوباما عندما صارت إدارته داعمة لـ«الإخوان» حتى أوصلتهم إلى السلطة فى بلدان الخريف العربى.. وبدأت مرحلة التحالف مع إيران وتركيا القوتين الضالعتين فى كل نكبات المنطقة.. ولست قادراً على فهم معنى الوساطة بين دولة داعمة للإرهاب ودول أخرى تحارب هذا الإرهاب.. ولست أفهم معنى التركيز على قطر التى لا تملك قرارها ولا إرادتها ولا تلبية المطالب الثلاثة عشر ولا حتى رفضها.. فما هى فى النهاية إلا مخلب قط لقوى أكبر.. كانت ومازالت تملى عليها إرادتها، وكانت تتخذها وسيطاً لدفع فدية لجماعات إرهابية اختطفت غربيين.. ولا يمكن أن يقنعنى أحد بأن قطر بكيانها الصغير قادرة على كل هذا التمدد الإرهابى فى المنطقة، أو أنها تفعل كل ذلك بمفردها وبملء إرادتها.. والأمر بالنسبة لقطر ليس سوى أنها تعمل لحساب قوى أكبر وأن لديها الضوء الأخضر لتمويل الإرهاب منذ عشرات السنين.. ولذلك ليس منطقياً أن يُقال إن قطر وافقت أو رفضت أو اعترفت أو أنكرت.. لكن المنطقى أن يُقال إنها مجرد مصرف لتمويل أجندات أكبر من مساحتها الجغرافية والديموجرافية وحجمها السياسى.. والمنطقى أن يُقال إن ما يسمى المجتمع الدولى منافق وهازل فى مواجهة الإرهاب.. وإن هذا المجتمع الدولى ليس معنياً بإطفاء حرائق المنطقة، ولكنه معنى باستمرارها وإدارتها واللعب على عنصر الزمن حتى يبرد الساخن ويسكن المتحرك، ونعتاد جميعاً ونتآلف مع الوضع السيئ، ومع الإرهاب والدمار والخراب.. والمنطقى أكثر من كل ذلك أن نعى أن المواجهة ليست مع قطر وحدها.. وأن الخطر أكبر بكثير من قطر!
يقودنا ما سبق، إلى كتاب «صدمة البربرية، الإرهاب والاضطراب العالمى»، الذى ناقش فيه جيلبير أشكار الإرهاب العالمى والتداعيات الكارثية المترتبة عليه وتأثيره السلبى على العلاقات الدولية، وبالتالى على بنية النظام العالمى ككل.
أشكار يعتبر أحد أكثر المتخصصين فى أوروبا فى الشئون الشرق أوسطية، فهو لبنانى-فرنسى، وعلى معرفة واسعة بالمشهدين السياسى والثقافى فى المنطقة العربية الإسلامية، كما أصدر أيضاًً من قبل عدة كتب عن المنطقة منها على سبيل المثال لا الحصر «العرب والفوضى»، و«الحرب العربية-الإسرائيلية»، كما كتب أيضاًً عن انتفاضات ما سمى الربيع العربى كتاباً مهماً بعنوان: «إرادة الشعب، استكشاف راديكالى للانتفاضات العربية». وحين جنح هذا الربيع إلى التطرف والعنف والصخب والفوضى وتكشف عن كوارث وحروب أهلية وإبادات ودمار واسع نشر أيضاًً عنه كتاباً آخر بعنوان: «سقوط الانتفاضات العربية».
فى كتاب «صدمة البربرية، الإرهاب والاضطراب العالمى»، يقول أشكار إن الستة عشر عاماً التى مرت الآن بعد هجمات 11 سبتمبر قد شهدت استمراراً، بل تغولاً أحياناً لأعمال العنف والهجمات المرتبطة بالإرهاب، على رغم الحرب الدولية الواسعة على الإرهاب بمشاركة قوية من مختلف دول وشعوب العالم. وهذا ما جعل كثيرين يرون فى دوامة الإرهاب والجهود الدولية الرامية للقضاء عليه نوعاً من الحرب المفتوحة التى لا تبدو لها نهاية قريبة، إن كانت لها نهاية أصلاً. وإن كان احتقان وصخب الموقف قد خف أيضاًً مع مرور الزمن بذهاب أحد وجهى الصدمة اللذين انخرطا فى صراعات الحرب على الإرهاب فى بداياتها الأولى، وهو عصبة المحافظين الجدد فى أمريكا التى تزامنت انطلاقة هذه الحرب مع فترة تنفذها وتغلغل بعض رموزها فى مفاصل إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق بوش الابن. وهنا اعتبر الكاتب أن بداية هذا الصراع المرير المديد مثلت فى الواقع حالة اصطدام صاخبة بين أصوليتين متعصبتين لا تكاد أى منها تقل عنفاً وتطرفاً عن الأخرى، هما أصولية اليمين المحافظ المتطرف فى الجانب الغربى، وأصولية الجماعات الراديكالية الإسلامية المعادية للغرب فى الجانب العربى الإسلامى. وقد تزامن اصطدام هاتين الأصوليتين فى المنطلق مع شيوع مقولة صراع الحضارات التى روج لها المنظر الأمريكى هنتينجتون، فضلاً عن جنوح قطاعات غير قليلة من الإعلام الغربى يومها للنفخ أيضاًً فى رماد كافة صور العداء والجفاء بين الشرق والغرب، على نحو زاد الفجوة السياسية والجفوة الثقافية بين الجانبين وهدد بالامتداد حتى إلى مواقف وتمثيلات الشرائح الشعبية والأفراد العاديين.
ويربط الكاتب بصفة خاصة بين التداعيات المباشرة لهجمات 11 سبتمبر والتداعيات اللاحقة لها، فبعد الهجمات مباشرة انخرطت إدارة بوش فى حرب مفتوحة قادتها للتدخل فى أفغانستان وطرد نظام حركة «طالبان» منها وملاحقة فلول تنظيم «القاعدة»، ثم فى مرحلة لاحقة غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين، وقد تبعت هاتين الحربين حالة اضطراب إقليمى كبرى تكشفت عن تغول الجماعات الأصولية الإسلامية ليس فقط ضد أمريكا والغرب، وإنما أيضاًً ضد الشعوب العربية والإسلامية نفسها. ومنذ تلك الفترة دخلت منطقة الشرق الأوسط الكبير فى حالة من عدم الاستقرار العارم هى التى أدت بعد قرابة عقد من الزمن إلى الانتفاضات والفوضى والحروب الأهلية ضمن ما سمى فى الإعلام الغربى بـ«الربيع العربى»، وهى حالة فوضى وعنف تغولت فيها جماعات الإسلام السياسى وحولت بلداناً كاملة إلى دول فاشلة، وما زالت أهوالها وصراعاتها المريرة مستمرة حتى الآن فى العديد من تلك البلدان.
تماماًً مثلما الحال فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى شهد هو أيضاًً تردياً ملحوظاً ضمن نتائج حالة الاضطراب الإقليمى والدولى الناجمة عن الحرب على الإرهاب أولاً، ثم فوضى ارتماء العديد من دول المنطقة فى حالة صراع داخلى لا يبقى ولا يذر، تالياً.
ويتوقف الكاتب أيضاًً بشكل خاص مع ما يعتبره خلفيات اجتماعية وثقافية لظاهرة تفشى التطرف والراديكالية فى قطاعات من بعض المجتمعات المسلمة، بطريقة مكنت الجماعات والتنظيمات الأصولية العنيفة من تهديد أمان واستقرار هذه المجتمعات المسلمة نفسها، وفى مرحلة تالية أمان واستقرار المجتمعات الغربية. وهنا يرى أن إحباطات التنمية وانعدام فرص العمل والأمل أسقطت من الطبقة الوسطى كثيراً من اليائسين والبائسين والمهمشين ليرتموا فى أحابيل العنف والتطرف، وزاد الأمر سوءاً العلاقة المرتبكة أصلاً مع الغرب، والصور النمطية التى يقدم نفسه فيها، أو تلك التى يقدمه خصومه فيها أيضاًً.
وعلى صعيد عالمى أوسع اعتبر الكاتب أن إعادة الاستقرار الشامل وترسيخ السلام الدائم غير ممكنين من خلال مقاربات القوة الخشنة وحدها، ذلك أن تكريس السلام فى العالم لا يمكن أن يولد من البربرية، ومحاولات الإفناء المتبادل بين الخصوم المتصارعين، وذلك لأن سياسات العنف قد تؤجج العنف، وسياسات التطرف تفاقم التطرف المضاد، ولذا فلابد من مقاربة أوسع أفقاً، وأكثر وعياً بتعقيدات وتحديات العالم المعاصر. ومن ذلك مثلاً أنه لابد من اجتراح مقاربات وحلول سياسية لأسباب الصراعات فى العالم، وتجفيف منابع التطرف، ونبذ السياسات والمواقف الحدية المتعصبة من كل شكل ولون. وهنا يرى الكاتب أن السياسات الغربية، وخاصة الأمريكية فى عهد بوش، عانت من قصور إدراكى فى فهم أبعاد وحجم التحدى، كما كانت استجاباتها أيضاًً موضعية ولحظية، ولم تستند إلى فهم عميق لخصوصيات المنطقة الشرق أوسطية، فى مفهومها الواسع. والحال أن هذا القصور لم يكن خاصاً أيضاًً بطرق التعامل مع هذه المنطقة تحديداً دون غيرها، بل كان عرَضاً من أعراض مقاربة أوسع، إذ منذ سقوط الاتحاد السوفييتى السابق، وانهيار المعسكر الشيوعى، ظهر ما يسمى الأحادية القطبية الأمريكية، وراحت واشنطن تتبع سياسات أحادية، وهو ما زاد حينها من بؤر الصراعات والاستقطابات المناهضة للسياسة الأمريكية ليس فى الشرق الأوسط فقط، وإنما فى دول الجنوب والعالم النامى بصفة عامة.
ويرى بعض من كتبوا عن هذا العمل أن قراءته لخلفيات التطرف الإسلامى العنيف تتسم بالعمق وخاصة لجهة مقاربته للجذور الاجتماعية والدينية التأويلية لظهور هذا التحدى، كما ينذر أيضاًً بأن هذه الظاهرة الخطيرة لا تبدو فى الظروف الراهنة برسم الاختفاء أو الانقراض، وذلك لأن العلاجات الكفيلة بالقضاء عليها لا يزال كثير منها لم يقترح حتى الآن، وهنا يختلف أشكار بشكل خاص مع المستعرب الفرنسى الشهير جيل كيبيل حين يتحدث عما يسميه هذا الأخير «ما بعد الإسلامية»، إذ يرى أشكار أن التحدى الإسلامى سيبقى زمناً ممتداً مؤرقاً للعالم، ما لم يتم سد كافة الذرائع والأسباب التى أدت إليه، وهذه مهمة دولية شاملة لابد أن تنخرط فيها المنطقة الشرق أوسطية نفسها، والغرب، ويلزم الاشتغال فيها أيضاًً على أكثر من صعيد مثل الثقافة والسياسة والاقتصاد والتدابير الوقائية والتوعوية، وكل ما من شأنه تجفيف منابع التطرف والإرهاب، ومن ثم وضع حد لهذا الحال العالمى الموسوم بعدم اليقين والعنف والرعب والاضطراب العام.