الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:52 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب : انفراد.. حمد الوريث الجديد للعرش القطرى

أسرار اللحظات الأخيرة فى حياة تميم وموزة
العدو الأول لموزة يقبض على مفتاح الحكم ويطيح بتميم
* ظهر مع «تشارلى روز» أشهر المحاورين الأمريكيين ليبعث آخر رسالة إلى الفتى الصغير وأمه
* كان الطرف القطرى مع دونالد رامسفيلد فى صفقة بناء أكبر قاعدة عسكرية أمريكية لضرب بغداد
* يمتلك شركة الخطوط الجوية وبنك قطر الدولى، وفنادق راديسون وتشرشل فى لندن والفور سيزون وويست باى بالدوحة
* يعتمد فى صراعه مع موزة على حسين الفردان وأكبر العائلات الشيعية فى قطر
* كان شريكاً فى صفقة محلات هارودز الشهيرة فى لندن وتلقى 200 مليون دولار من المليادير المصرى محمد الفايد
* لا ينام سوى أربع ساعات وعاش فى قصر الديوان الأميرى فى مكتب ملاصق لمكتب الأمير حمد
* وجه طعنة إلى الشيخ أحمد العطية ووضع يده على كل استثمارات البترول والغاز المملوكة لهيئة الاستثمارات!
* هو صانع السياسة الخارجية القطرية من خلع خليفة إلى تأسيس قناة الجزيرة ومهندس العلاقات مع جماعة الإخوان
* احتفظ بأسرار صفقات قطر الكبرى وعاش فى حماية الأمير لهذا السبب
شواهد كثيرة تؤكد أن تميم بن موزة اختار طريق اللاعودة، أبرزها ظهور حمد بن جاسم.
بن جاسم تم إبعاده من جميع مناصبه فى الدولة وانسحب من السلطة فى يونيه 2013 مع حليفه وصديقه أمير قطر السابق عندما تنازل الأخير عن السلطة لابنه تميم. وقيل وقتها إنه تفرغ لأعماله التجارية الخاصة، وإنه يقضى معظم وقته فى شقة فاخرة بالعاصمة البريطانية لندن، تقدر قيمتها بحوالى 200 مليون جنيه إسترلينى تطل على حديقة الهايدبارك، وهناك من يقدر ثروته بأكثر من عشرين مليار دولار!!
كان بن جاسم قد ظهر مرتين فى أقل من عامين على وسائل الإعلام العالمية، الأولى فى حوار أجرته معه رولى خلف، نائبة رئيس تحرير «الفايننشال تايمز» وكشف فيه أن قطر اختيرت لكى تقود الأزمة السورية، ثم أزيحت إلى المقاعد الخلفية لإفساح المجال للسعودية، أما المرة الثانية فكانت فى حوار أجرته رشا قنديل على قناة «بى بى سى» العربية.
وهناك معلومة مؤكدة، بأن بن جاسم كان سيظهر على شاشة الجزيرة، وليس لدى تفسير لعدم عرض الحوار الذى أجرته معه القناة! وهو الحوار الذى أعلن عنه القطرى عبدالله العذبة المرى، رئيس تحرير صحيفة «العرب» القطرية، المقرب من تميم فى حسابه على «التويتر» قائلا: «اضبطوا التلفاز على قناة «الجزيرة» بعد الساعة 12». كما أكد الخبر جمال ريان، مذيع الجزيرة، وكشف فى تغريده له أن بن جاسم سيتحدث عن الأزمة الخليجية، وسيكاشف الأشقاء الخليجيين.
عودة بن جاسم إلى المشهد، بعد انقطاع طويل، يوحى بأن الدويلة الصغيرة تنوى الإقدام على خطوات تصعيدية، وتوجيه عدة رسائل منها ظهور الأسرة القطرية الحاكمة بأنها متماسكة، وملتفة حول تميم، وأن ما يشاع عن صراع الأجنحة ليس صحيحاً. بالإضافة إلى تأكيده على أن قطر قررت استخدام كل أسلحتها السياسية والإعلامية والمالية فى مواجهة خصومها، بما فى ذلك الحرس القديم الذى يقوده حمد بن خليفة الأمير الوالد، وجهازه المعروف بعدائه للمملكة العربية السعودية وحلفائها. كما يمكن النظر لظهور بن جاسم باعتباره تجسيداً لرغبة قطر فى «استحضار» شخصيات لها خبرة فى قيادة الحملات الإعلامية القذرة ومخاطبة الإعلام بما يبرر مواقفها الملتبسة من القضايا المختلفة أبرزها الإرهاب وتمويله ورعايته.
فى لقائه مع تشارلى روز، قال رئيس الوزراء القطرى السابق إن «الاتهامات بشأن علاقة خاصة مع إيران ودعم الإرهاب فاجأتنا». وأضاف أنه «دائماً كانت هناك قضايا بين بلدينا أو مع البلدان الأخرى بحاجة للحل من خلال القنوات المناسبة». وتابع: «بالنسبة لنا عزل إيران ينتهى بعزل قطر، وهم يعلنون أن لدينا علاقة خاصة جدا مع إيران ونتعاطف معها ومع الإرهاب وتمويل الإرهاب». وقال: «أولا بالنسبة لإيران فإذا أخذت الأمر من قاعدة تجارية وهى الأهم فإن حصة قطر واحد بالألف مقارنة مع بقية الدول الخليجية فيما يتعلق بتجارتها مع إيران». وأكد: «نعم نحن نواصل محاولة تحقيق علاقة طبيعية وجيدة مع إيران لأنها جارة ونتشارك معا حقلا للغاز وهذا طبيعى وقانونى». ولم ينف وجود علاقات لقطر مع إيران، بل قال «لسنا الدولة الوحيدة التى تمتلك علاقة مع إيران»!
وطوال اللقاء حاول بن جاسم، أن يتسلح بالتناقضات والمتناقضات عما اعتبره علاقة عادية لقطر مع إيران، وفضح كذبه التسريب الأخير لمستشار تميم، ثم سقط فى التناقض حين اعتبر أن الدور القطرى فى سوريا مضاد للأهداف الإيرانية، ثم بحث عن مهرب آخر من اتهام دعم قطر لجماعات متطرفة فى سوريا، رغم اعترافه بهذا الدعم تحت شعار مساندة «الثورة» السورية، ولم يفسر كيف تعارض قطر إيران، بينما ينسق حمد العطية مستشار تميم مع إرهابيين لإثارة القلاقل فى البحرين مدعوماً بمباركة أميرية قطرية وتغطية إعلامية من قناة «الجزيرة».
التناقض شمل أيضاً علاقة قطر بالولايات المتحدة، وبسلاسة شديدة يتنقل بن جاسم بين التناقض والكذب، والارتباك الذى تنتهى إليه كل المواقف القطرية الملتبسة، بأنه معاناة قطرية من المأزق الشديد لكونها دولة صغيرة، فتسعى لإقامة علاقات مع كل الأطراف. وإجمالا يمكننا أن نقول إن ما قاله حمد بن جاسم كشف محدودية التفكير لدى الأسرة الحاكمة فى الدوحة، التى دفعتها لاستدعاء شخص خرج من السلطة منذ 4 أعوام فى ترتيبات تخص هذه السلطة بشكلها الحالى!
اختيار «تشارلى روز» بالذات له أكثر من دلالة، فهو واحد من أشهر المحاورين الأمريكيين خلال الفترة الحالية. واستضاف العديد من الرؤساء فى برنامجه الشهير «ساعة مع...» على شاشة قناة «بى بى إس»، ومعروف أنه يولى اهتماماً خاصاً بقادة ورؤساء وملوك ومسئولى منطقة الشرق الأوسط. ومن أشهر من حاورهم الملك الأردنى «عبدالله بن الحسين» وكان هناك عدد من اللقاءات بدأت عام 2002، كما استضاف أيضا الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن فى يونيه 2010. كما أجرى 5 لقاءات مع الرئيس الإيرانى السابق «أحمدى نجاد» فى أعوام 2007، 2008، 2009، 2010، 2011. وحل ضيفا على برنامجه أيضا أمير دولة قطر السابق «حمد بن خليفة آل ثان» فى عامى 2005 و2007، كما استضاف أيضا رئيس وزرائه حمد بن جاسم بن جبر آل ثان، فى عام 2004.
وأهمية ظهور حمد بن جاسم مع شارلى روز هذه الأيام، هو تأكيده لتصريحات تميم التى زعم بأنه لم يقلها، وأن وكالة الأنباء القطرية كانت ضحية اختراق. ليضاف هذا التأكيد إلى تطابق ما جاء فى التصريحات والسياسة القطرية التى يشارك فى توجيهها حمد بن خليفة أمير قطر السابق وحمد بن جاسم رئيس الوزراء، وزير الخارجية السابق. والاثنان ومعهما موزة نجحوا فى جعل قطر إمارة إرهابية!
بالتزامن مع ظهور حمد بن جاسم، ظهرت وثائق تثبت وجود دور قطرى كبير فى تمويل مجموعة من القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية والإخبارية، إضافة إلى صحف، من أجل توجيه خطاب إعلامى ضد حكومة البحرين وسياساتها. وبحسب المعلومات التى تضمنتها الوثائق بلغت قيمة تمويل هذه المؤسسات الإعلامية أكثر من 10 ملايين دولار. كما تبيّن وجود اتصالات بين الحكومة القطرية مع الجماعات السياسية الراديكالية المناوئة للبحرين فى العاصمة البريطانية لندن بهدف التنسيق وتوحيد الجهود.
وأوضحت الوثائق أن الحكومة القطرية قدمت دعماً مالياً كبيراً لحركة (أحرار البحرين) الارهابية فى لندن التى يرأسها سعيد الشهابى، وهو متورط فى قضايا الإرهاب وملاحق قضائياً فى المنامة، وتم إدراج تنظيمه الإرهابى ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية التى أعلنتها الدول الأربع. وأضافت: صارت الاتصالات مكثفة بين الحكومة القطرية وحركة أحرار البحرين فى لندن قبل 5 أشهر فقط من اندلاع أحداث فبراير 2011.
وتابعت الوثائق أنه «فى سبتمبر 2010 جرى لقاء سرى وخاص جمع رئيس وزراء قطر السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثان مع سعيد الشهابى فى العاصمة البريطانية. وتم بحث أوجه التعاون والتنسيق لدعم الحركة مالياً وإعلامياً، وأشاد الشيخ حمد بجهود الحركة فى تحقيق مطالبها العادلة، وأكد اهتمام الدوحة بدعم التنظيمات السياسية الساعية نحو الحرية.
وأشارت الوثائق إلى أن الاجتماع انتهى بالاتفاق على تمويل الحركة من الدوحة، إضافة إلى الاتفاق على إنشاء قناة فضائية بتمويل قطرى، على أن يتولى سعيد الشهابى إدارتها، بعد عودة الشيخ حمد إلى الدوحة، تم تحويل مبالغ ضخمة للشهابى وحركته لتفعيل ما تم الاتفاق عليه فى الاجتماع.
وبينت الوثائق أيضاً أن القناة التى أسسها سعيد الشهابى بتمويل قطرى تعد جزءاً من منظومة إعلامية واسعة النطاق تم تأسيسها من أجل تحقيق الأجندة السياسية القطرية، وتشمل نحو 16 قناة فضائية، وموقعاً إلكترونياً، وصحيفة داخل وخارج قطر، خصصت لها ميزانية فاقت 10 ملايين دولار، وهى التى عملت بشكل مكثف على تشويه سمعة البحرين، وإثارة الخطاب الإعلامى السلبى ضدها، وضد مكونات المجتمع، خاصة بعد أزمة 2011.
2
تفاصيل أكثر عن الدور الذى لعبه بن جاسم فى قطر عرفناها من كتاب فرنسى مثير عنوانه «قطر.. خزانة الأسرار»، كشف الوجه الآخر لرئيس الوزراء القطرى السابق، خصوصا صفقاته وعمولاته التى تحوم حولها علامات استفهام ليس لها عدد، ومنه عرفنا أنه كان «القوة الضاربة، والذراع المسلحة للأمير القطرى. لا ينام سوى أربع أو خمس ساعات ليلاً، والأمير حمد لا يملك طاقته على العمل. وهو وهابى محافظ، لا يراه الناس أبداً مع زوجاته فى العلن، وظل لفترة طويلة يملك وحده الحق فى أن يكون مكتبه ملاصقاً لمكتب الأمير حمد فى قصر الديوان الأميرى».
الكتاب وصف حمد بن جاسم بأنه: «رجل أعمال محنك، لا بد أن تكون له صلة من قريب أو من بعيد بكل الشراكات والصفقات المالية والتجارية التى عقدتها قطر فى السنوات العشرين الأخيرة. كما أن قائمة ممتلكاته وثرواته تثير الإعجاب: فهو يرأس شركة الخطوط الجوية القطرية، وبنك قطر الدولى، ونائب رئيس هيئة الاستثمارات القطرية، ومؤسسة قطر القابضة، ذراعها المسئولة عن شراء العقارات فى الخارج. وهو يملك أيضاً فندقى الفور سيزون وويست باى فى الدوحة، وفندقى راديسون وتشرشل فى لندن».
أما عن رجال حمد بن جاسم، ومندوبيه فى إتمام الصفقات، فيذكرهم الكتاب بالتفصيل: «فى عديد من المفاوضات والصفقات التجارية والصناعية، تكون عائلة الفردان الشيعية الكبيرة فى قطر هى ممثلة حمد بن جاسم، خاصة كبيرها حسين الفردان، مصحوباً بأولاده على وفهد وعمر. أما «مديرو» صفقاته، الذين يتولون مهمة ترتيب تفاصيلها، فأبرزهم الشيخ محمد العقر، أحد أعضاء مجلس إدارة بنك قطر الدولى، ووزير الطاقة الشيخ غانم بن سعد السعد، الذى يقوم بدور جندى الاستطلاع فى مفاوضات حمد بن جاسم مع المؤسسات الأجنبية، وكان هو الرجل الذى أرسله لجس النبض فى صفقة شراء فندق كارلتون فى مدينة كان الفرنسية».
ويحكى الكتاب واقعة غريبة عن التعامل المالى لحمد بن جاسم: «لقد انتبه حمد بن جاسم مبكراً لقوة ونفوذ المال على الناس، وهو يرى أن كل شىء، وكل شخص، يمكن شراؤه، بشرط أن تضع له الثمن المناسب. ومنذ فترة طويلة، قبل أن ينقلب حمد على والده الأمير خليفة فى أوائل التسعينيات، جاء اثنان من رجال الأعمال الفرنسيين لزيارة خليفة، فى منزله بمدينة كان الفرنسية، سعياً لتعزيز وتوسيع أنشطة شركاتهما فى قطر».
ويواصل: «هنا، سأل الأمير خليفة، الذى لم يكن مهتماً بالبزنس أصلاً، وزير خارجيته حمد بن جاسم عما ينبغى قوله لرجلى الأعمال، فرد عليه ابن جاسم: قل لهما أن يناقشا هذا الأمر معى أنا! ووصل رجلا الأعمال الفرنسيان إلى فيلا الريان، مقر إقامة الأمير خليفة، وبعد دقائق من المناقشة، قال الأمير: إن حمد بن جاسم هو الذى يهتم بشئون الأعمال الخاصة بنا، سأترككم معه الآن.. ونهض ابن جاسم مرافقاً الأمير خليفة حتى الباب، متظاهراً بأنه يهمس فى أذنه بكلمات ما، وعندما عاد إلى رجلى الأعمال الفرنسيين قال: أنا أشعر بحرج بالغ لأننى مضطر إلى أن أقول هذا، لكن الشيخ طلب 20 مليون دولار لنفقاته الخاصة! هو لن يقول لكما هذا، أنا فى غاية الحرج».
ويؤكد الكتاب أن مصدر هذه القصة هو أحد قيادات شركة الأعمال التى كانت تتفاوض على توسيع أعمالها فى قطر، وأن القصة أكدها مصدر آخر من قلب العائلة الحاكمة: «كانت تلك غالباً هى الـ20 مليون دولار الأولى التى وضع حمد بن جاسم يده عليها من الشركات الفرنسية التى تعمل فى قطر. وإن كان من غير المؤكد أن الأمير خليفة قد رأى هذه الأموال أصلاً».
ويتابع: «ابن جاسم مثله مثل الشيخة موزة، عدوته اللدود، يعتبره البعض مبالغاً فى ظهوره، بينما أمير قطر نفسه يقول صراحة إن حمد بن جاسم هو أغنى رجل فى قطر، إلا أن كل هذا النشاط كان سبباً فى إثارة الكثيرين ضده، لم تكن صدفة مثلاً أن عائلة (العطية)، التى يعتبر أفرادها من رفاق درب أمير قطر، شكلت مركزاً لمكافحة الفساد فى قطر منذ بضعة أعوام. ظاهرياً، قيل إن هذا المركز يستهدف مكافحة هذا (الشر) الذى يلتهم الإدارة، إلا أنه فى واقع الأمر كان سيفاً مصلتاً على رأس حمد بن جاسم على وجه التحديد».
ويواصل: «وبدأ الضجيج بالفعل، ففى قلب العائلة المالكة القطرية لا أحد يجهل أن حمد بن جاسم تلقى ما بين 200 و400 مليون دولار فى صورة عمولات، بعد إتمام صفقة شراء محلات هارودز الشهيرة فى لندن، التى كان يملكها الملياردير المصرى محمد الفايد، وفى فرنسا تلقى حمد عمولة قدرها 200 مليون دولار من شركة مقاولات بهدف بناء جسر بين قطر والبحرين، وهو جسر لن يرى النور فى القريب غالباً.. واللائحة تمتد لتشمل أكثر من ذلك بكثير».
«وتتردد قصة بأن حمد بن جاسم، الذى ورث عن أبيه أراضى شاسعة، كان الوحيد من بين عائلة آل ثان الذى قال له والده: اذهب لإتمام دراستك فى الولايات المتحدة، لكنى لن أنفق عليك مليماً، عليك أنت أن تتصرف حتى لو قمت بغسيل السيارات»!
ويتابع الكتاب: «أما ابن حمد، جاسم، فهو وسيطه عادة فى الشئون الخاصة، يقول عنه أحد رجال الأعمال الفرنسيين إنه يرسله كثيراً فى طليعة كتيبة المفاوضين على عقد ما سيتم توقيعه بين الشركات، ربما لأنه ورث عن أبيه سرعته التى تقترب من سرعة البرق فى إنجاز وعقد الصفقات، وهى المزايا التى جعلت حمد بن جاسم دائماًً موجوداً وظاهراً فى قطر، كما لو أن الأمير حمد غير قادر على الاستغناء عنه».
ويذكر الكتاب مثلاً تلك الواقعة التى جرت بين أمير قطر وعدد من ملوك وأمراء دول الخليج، وتدخل فيها الأمير لحماية حمد بن جاسم، يقول: «فى أحد اجتماعات قادة مجلس التعاون الخليجى بسلطنة عمان، تحدث حمد بن جاسم بلهجة لم تعجب الكبار فى المجلس، فقالوا صراحة لأمير قطر: نحن نريد أن نعاقبه، أو ألا نراه بيننا مجدداً.. إلا أن الأمير تدخل لصالح وزيره قائلاً: عفواً، لن أقبل المساس بحمد، أنا من سيحدد ما سأفعله فى هذا الموضوع.. وهو ما جعل البعض يرى أن أقصى عقاب يمكن أن يفرضه الأمير على حمد بن جاسم، هو أن ينتزع منه منصب رئيس الوزراء، ويترك له منصب وزير الخارجية الذى أثبت فيه أنه أكثر نفعاً».
ويواصل: «ويرى البعض أن هناك سبباً لعدم المساس بحمد بن جاسم، هو أنه يمسك بين يديه بكل أسرار تمويل الصفقات التى تعقدها قطر فى الخارج، وظل يتحكم فيها لوقت طويل».
لكن، تظل هناك تلك الصراعات القاسية التى يمكن أن تغير مسار حمد بن جاسم، خاصة صراعه مع الشيخة موزة، وابنها ولى العهد تميم، الذى عهد إليه والده بملفات صفقات التسليح التى ظلت فى يد حمد بن جاسم لوقت طويل، وبدأ يدخله إلى قلب نفوذ حمد بن جاسم، وهو مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية لقطر. وكانت الحرب على ليبيا هى التى شهدت تزايد دور الأمير تميم فى مجال العلاقات الخارجية لقطر.
يقول الكتاب الفرنسى: «إن أمير قطر صار يعتمد على ابنه أكثر فأكثر لإدارة الملفات الدبلوماسية المهمة التى كانت فى الأساس مهمة رئيس الوزراء. وخلال الحرب ضد نظام القذافى فى ليبيا، كان الأمير تميم هو المسئول عن الاتصالات بالقبائل الليبية، التى لعبت دوراً شديد الأهمية والحسم فى الإطاحة بالقذافى».
وكان نجاح تميم فى إدارة الملف الليبى سبباً فى أن يعتمد عليه والده من جديد فى تعامل قطر مع الأزمة السورية، وهو الملف الذى أشعل الصراع بين حمد بن جاسم وعزمى بشارة، رجل تميم فى الملف السورى، على حد وصف الكتاب.
وتقول إحدى البرقيات الدبلوماسية السرية التى أرسلتها السفارة الفرنسية فى الدوحة وفقاً للكتاب، إنه «فى أزمة سوريا سعت قطر لحشد التأييد الدولى لدعم المعارضة السورية بكل الوسائل والسبل؛ حشد الفنانين، تقديم الدعم المالى والسياسى للمجلس الوطنى السورى، تحريك رجال الأعمال السوريين.. باختصار، كل ما يمكن أن يجعل الدوحة عاصمة المعارضة السورية التى يتم التخطيط لمستقبل سوريا فيها».
وتواصل البرقية: «وكما حدث فى ليبيا، فإن رجلاً واحداً لعب دوراً محورياً فى هذا التحرك، هذا الرجل هو عزمى بشارة، نائب الكنيست الإسرائيلى السابق من عرب إسرائيل، والرجل الذى تم نفيه من إسرائيل بسبب صلاته بحزب الله، واستضافته الدوحة بعدها لكى يدير أحد مراكز الأبحاث فيها. إن عزمى بشارة، المقرب من الأمير تميم، منخرط مع المعارضة السورية منذ بداية الأزمة، لكنه اضطر لاحقاً إلى أن يتراجع أمام رئيس الوزراء حمد بن جاسم، الذى انتزع ملف الأزمة السورية وأحكم قبضته عليه».
ووفقاً للكتاب، فإن الصراع الذى يجرى على أرض سوريا ستنعكس آثاره حتماً على الصراع الدائر فى قلب العائلة المالكة القطرية بين حمد بن جاسم والأمير تميم بن حمد، خاصة فى حالة فشل ابن جاسم فى وضع حد للأزمة، يقول المؤلفان: «إن الوضع فى سوريا شديد التعقيد بالنسبة لقطر، خاصة فى ظل وجود دول أخرى لها مصلحة فى الانتقام؛ فالعراقيون مثلاً يقولون إنهم يملكون دلائل على أن القطريين يقومون بتمويل الإرهابيين فى جماعة جبهة النصرة، وهى الامتداد السورى لتنظيم القاعدة فى العراق. مثل هذا الكلام هو أساس الانتقادات المبطنة التى يوجهها الأمير تميم، الأكثر حذراً، لطريقة التعامل مع الملف السورى، إلا أنه فى نهاية الأمر لا يملك ذلك الملف تحت يده».
ويقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين العاملين فى الدوحة: «إن التوازنات الداخلية فى قطر ستهتز لو ازداد تعقد الأزمة السورية، وتعذر الوصول إلى حل للصراع فيها. وستزداد حتماً حدة المعركة المكتومة الدائرة بين حمد بن جاسم، الذى يتحرك فى الملف السورى، وبين ولى العهد، الذى يملك وجهة نظر مختلفة فى إدارة هذا الملف».
وتقول إحدى البرقيات الدبلوماسية التى أرسلتها السفارة الفرنسية فى الدوحة: «إن القطريين يتحركون على أساس قرارات يتخذها بضعة رجال من وحى اللحظة، أو يتخذها الأمير منفرداً. لا يبدو أن السلطة فى قطر عندها تخطيط على المدى الطويل، ولكنها تتحرك وفقاً لما يقتضيه الموقف لحظتها، وهذا ما يمثل نقطة ضعفها الأساسية».
ويواصل الكتاب: «إن مجال الدبلوماسية، الذى يتحرك فيه حمد بن جاسم منذ عشرين عاماً ويمثل قلب تحركاته كلها، هو المجال الذى تفجرت فيه كل طاقاته، ليضع نفسه بوضوح فى قلب المجتمع الدولى. وفى اجتماع لمجلس الأمن، أرادت فيه قطر أن تفرض عقوبات على سوريا، أصر وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف على الاعتراض بحق الفيتو على أى مشروع قرار فى هذا الصدد، فسأله حمد بن جاسم: كم تريد مقابل رفع اعتراضكم بحق الفيتو؟ فرد عليه لافروف: إياك أن تتخيل أنكم قادرون على شراء كل شىء بالمال. وتعجب الحاضرون من هذا النقاش الذى يتم فى غير محله، وتوترت العلاقات بين روسيا وقطر منذ ذلك الوقت».
ويروى أحد الدبلوماسيين المغاربة، فى مقابلة مع مؤلفى الكتاب يوم 12 ديسمبر 2012، عن واقعة حدثت فى قلب جامعة الدول العربية فى المغرب، وجه خلالها حمد بن جاسم تهديداً صريحاً لوزير الخارجية الجزائرى مراد المدليسى، الذى كان رافضاً بشدة تبنى موقف معارض للنظام السورى بالطريقة التى تريدها قطر، فصاح فيه حمد بن جاسم: اسكت أنت، دورك سيأتى! ثم استدار للحاضرين الذين صمتوا مبهوتين قائلاً: «على كل حال، ليس أمامكم إلا أن تتبعونى، لأن الأمريكان ورائى أنا».
لكن، ربما كانت نظرة الأمريكان أنفسهم لحمد بن جاسم تختلف، يقول الكتاب: «إن حمد بن جاسم يضغط منذ زمن طويل على أعصاب نظرائه، فبعد الحرب الإسرائيلية على حزب الله فى لبنان عام 2006، كان من المفترض أن يكون هناك غداء يختتم اجتماع فى نيويورك عقدته وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها، كوندوليزا رايس، مع وزراء الخارجية العرب، لكن كوندوليزا رايس هتفت: كلا أرجوكم، لا أريد حمد بن جاسم تحديداً، سيستمر فى استعراضه! ولم يبذل أى من الوزراء العرب أدنى جهد لمحاولة تغيير رأيها أو الإصرار على أن يحضر حمد بن جاسم الغداء». ويواصل: «لا يوجد بلد واحد فى العالم يسمح لرئيس وزرائه ولا لوزير خارجيته بإهانة أحد نظرائه، وحده حمد بن جاسم يجرؤ على ذلك، لأنه يتصرف كأنه أمير ثانٍ. ووصلت به الجرأة يوماً ما إلى أن يدس ميكروفوناً تحت السجادة خلال مناقشة جرت بينه وبين ملك السعودية الراحل الملك فهد!».
ويضيف الكتاب: «إن حمد بن جاسم، مثل قطر، يمتلك شهية الغيلان.. نجح مؤخراً فى أن يضع يده على كل استثمارات البترول والغاز المملوكة لهيئة الاستثمارات القطرية، مستفيداً من اختفاء منافسه، الشيخ أحمد العطية، من قيادة وزارة الطاقة، إلا أنه فى النهاية يمتلك عقلية حقيقية للمساومة و(الفصال)، كما لو كان كل شىء بالفعل معروضاً للبيع فى سوق. وحدث مرة أنه كان يريد الاستحواذ على إحدى الشركات الفرنسية، فطلب من المسئولين فيها (تخفيضاً) على سعر الأسهم المعروضة للبيع فيها، فقالوا له من الفور: مستحيل! هذه صفقة بين شركاء، نحن لسنا فى سوق هنا! واحتاج الأمر إلى أن يتدخل أمير قطر شخصياً ليعيد العقل إلى ابن عمه».
3
ونعود لنكرر أن أهمية ظهور حمد بن جاسم مع شارلى روز هذه الأيام، هو تأكيده لتصريحات تميم التى زعم بأنه لم يقلها، وأن وكالة الأنباء القطرية كانت ضحية اختراق. ليضاف هذا التأكيد إلى تطابق ما جاء فى التصريحات والسياسة القطرية التى يشارك فى توجيهها حمد بن خليفة أمير قطر السابق وحمد بن جاسم رئيس الوزراء، وزير الخارجية السابق. والاثنان ومعهما موزة نجحوا فى جعل قطر إمارة إرهابية!
حمد وحمد وموزة شركاء فى نقل قطر من إمارة صغيرة مسالمة تلتزم بمسئولياتها كدولة عضو فى الأمم المتحدة والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجى، إلى دولة متمردة مؤذية ومتآمرة وإرهابية كأقل الأوصاف التى توصف بها قطر وفقاً لوضعها الآن، غير أن هناك إلى جانب ذلك طابوراً من الأشخاص الوافدين إلى قطر، وآخرين خارج قطر، تغلغلوا فى مفاصل الدولة، وأثروا فى قراراتها، ونجحوا فى اختراق مؤسساتها، وأثروا فى توجهاتها، وأقنعوا الثلاثى بأجندتهم.
بهذا الشكل، يمكننا أن نقول قطر ليست إمارة ضائعة أو مختطفة فقط، وإنما دولة مسروقة من خريطة الانتماء الخليجى، وأن الهدف من سرقتها كان إيذاء جيرانها، والتآمر عليهم، وجعل دولهم فى حالة ترقب دائم، ويحاولون دائماً منع وصول نيران الإرهاب إليهم.
وبالتدريج، لم تعد مؤامرات الدوحة سراً، ولم يعد خافيا تخطيطها لخلق الفوضى بين مواطنى دول الخليج العربى وممارسته. ولم يعد سارقوها يجدون حرجاً أو تردداً فى خرق كل القوانين والأعراف الدولية، والإعلان عن مؤامرات خطيرة على لسان شيوخها، وهو ما كان مستتراً ثم بدأ الإعلان عنه فى تسريبات صوتية.
وغير ما قاله حمد بن خليفة، أمير قطر السابق، عن السعودية فى حديث له مع معمر القذافى، ظهر أيضا ما قاله حمد بن جاسم الذى أكمل فيه السياسة القطرية، المتآمرة على أقرب الشعوب والدول لها، والمشاركة فى المؤامرات بل تقوم أيضا بالتخطيط لها وتمويلها وهو الدور الذى جاء تميم ليكمله بعد أن تم إرغام والده على التنازل عن السلطة.
فى التسريبات الصوتية، بلغت العدوانية بحمد بن جاسم، حداً يفوق التصور أو الوصف، وسمعناه يقول فى حوار له مع معمر القذافى إنه اجتمع مع المخابرات البريطانية والأمريكية منذ فترة فى لندن وإنهم طلبوا منه تحليل الوضع فى السعودية، ثم يضيف بالنص: «حللت لهم الوضع، إن الوضع صعب، وهناك حكومة هزيلة، ومش تاركة أحد يدير الأمور»، يواصل موجهاً حديثه للقذافى بالقول «المنطقة مقبلة على بركان، السعودية مقبلة على ثورة شئنا أم أبينا، طبعاً إذا تغيرت الظروف بعد تسع سنوات، واحنا إيش أسأنا للأمة العربية فى علاقاتنا بإسرائيل».
الأمريكان -أضاف حمد بن جاسم- عندهم استراتيجية، تهدأ العراق خلال سنتين، هم يفكرون أن السعودية لازم تتقسم، ويحلل الشيخ حمد ما يزعم أنه موقف أمريكى لتقسيم المملكة، فيوضح: «نجد ما فيها نفط إلا 400 ألف برميل، هاذيلا ما عندهم اللى يأكلونه، ما عندهم إلا 400 ألف برميل، والمتشددون موجودون فى وسط المملكة، فى نجد، الحجاز عندهم مكة والمدينة بئر بترول، الشرقية عندهم كل الثروات، إحنا نجحنا أننا نسحب قواعد الأمريكان من السعودية إلى قطر لنعمل خلل».
ولم يقتصر تآمر حمد بن جاسم على المملكة على ذلك، بل أضاف: «لابد يكون عندنا قوة يخافون منها، واحنا ما نستطيع نعمل قوة يخافوا منها، هناك جزء مهم فى العملية، فهؤلاء الذين يروحون لندن وباريس وروما وسويسرا معروفون، هاذيلاً تشتغل عليهم سفاراتنا بهدوء، واحد وقع فى مشكلة، واحد مريض يبى علاج، وهذا لا يكلف كثيراً، هذه نقطة، وواحد يشوف ويعطى هذا الضابط دون أن يطلب خدمة، يعنى يخلق علاقاته الشخصية مع هؤلاء الناس الذين فى المعارضة».
بعد هذا كله، هل يمكن أن تدعى قطر البراءة من الإرهاب، وهل يمكن أن نصدق مزاعمها بأنها بريئة من تآمرها على دول الجوار الأعضاء فى مجلس التعاون؟!
وهل يمكن أن تحميها تركيا وإيران، بهذا الشكل الذى يدينها أكثر مما يساعد على تحسين صورتها؟!
ولو تركنا الأشياء الشخصية، وقمنا بالتركيز على الشأن العام، يمكننا أن نقول إن هذا الرجل هو صانع السياسة الخارجية القطرية التى بدأت فعلياً من إقناع حمد بن خليفة بالانقلاب على والده والاستيلاء على عرش قطر، كأبشع عقوق للوالد يمكن أن يكون، فى 1995، ثم إنشاء قناة الجزيرة فى 1996 وفتح النار منها على كل الدول العربية (باستثناء سوريا لفترة ليست بالقصيرة) وهو من قام بتقريب جماعة الإخوان الإرهابية، وهو مهندس التقارب مع حزب الله وحماس، مع الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع إيران وإسرائيل، وهو من اتفق مع وزير الدفاع الأمريكى السابق دونالد رامسفيلد على إنشاء أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج الولايات المتحدة فى العديد، تلك التى كانت تنطلق منها الطائرات الأمريكية لضرب بغداد، ثم يوحى لأبواقه الذين كان يرشوهم بسخاء، أن يُشيعوا أن تلك الطائرات تنطلق من السعودية.
بالعودة إلى حواره مع تشارلى روز، وبقليل من التركيز سنكتشف أن حمد بن جاسم حاول أن يخفى نرجسيته الطاغية بدعوى الاهتمام بالإنسانية، وحاول أن يغلف ارتباكه بوشاح من الدبلوماسية التى خانته فى أغلب الأحيان، لتكشف عن رجل قلق، لا يُحب العيش فى سلام، بل يعشق العيش على الصراعات والعداوات. كما كشفت أيضا أن يتوقع الانهيار القريب للعائلة التى تحكم قطر.
ألم نقل فى البداية إن شواهد كثيرة تؤكد أن تميم بن موزة اختار طريق اللاعودة، وأبرزها ظهور حمد بن جاسم؟!