ياسر بركات يكتب عن التحول الرهيب فى خطاب الرئيس الأمريكى
توبة ترامب
* 50 دولة مسلمة تشهد أكبر تحول فى تاريخ أمريكا.. ومؤشرات لحصار النفوذ الفارسى فى المنطقة
* «السيسى» تنبأ بتراجع نبرة العنف فى خطاب ترامب.. وزيارة عادل الجبير لعبت دوراً فى التفاوض
* المملكة صدت قانون «جاستا».. واختارت «الصفقات» بديلاً عن «الإجبار»
أكتب هذه السطور بعد ساعات من وصول الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، إلى العاصمة السعودية، الرياض، لتكون هى المحطة الأولى فى أول جولة خارجية له منذ تسلمه منصبه.
ترامب الذى أثار كثيراًً من الجدل خلال حملته الانتخابية عندما دعا إلى فرض حظر مؤقت على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة لمخاوف أمنية، واقتراحه تشريعاً عرقلت المحاكم الأمريكية إصداره لفرض قيود على السفر من عدة دول ذات غالبية مسلمة، يتراجع قليلا، بل كثيراً ويلقى خطاباً أمام قادة نحو 50 بلداً إسلامياً فى القمة العربية الإسلامية الأمريكية، يتحدث فيه عن «آماله فى رؤية سلمية للإسلام»، ويتمنى أن يجد خطابه صدى فى عموم العالم لبلورة «رؤية مشتركة للسلام والتقدم والرخاء» ويدعو إلى التوحد فى مكافحة التطرف فى العالم الإسلامى و«طرد الإرهابيين من أماكن العبادة».
اللافت هو أن الرئيس الأمريكى، كان قد خصص خطابه الأسبوعى الموجه إلى الشعب الأمريكى، للحديث عن زيارته إلى السعودية. وأوضح ترامب -فى خطابه الذى نشرته وزارة الخارجية الأمريكية عبر حسابها الرسمى على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»- أن هذه الزيارة التى تعد الأولى له منذ توليه المنصب، تحمل أهمية تاريخية كبيرة للشعب الأمريكى.
وأضاف أنه سيزور قادة العالم فى بلاد مختلفة لتقوية صداقات أمريكا القديمة، ولبناء شراكات جديدة، ولتوحيد المجتمع المتحضر فى الحرب على الإرهاب. وأكد أنه سيزور 3 بلدان مرتبطة بالأديان الثلاثة العظيمة فى العالم (الإسلام والمسيحية واليهودية) من أجل تأكيد روح الوحدة. واصفاً زيارته إلى السعودية بأنها ستكون محطته الأولى؛ لكونها قلب العالم المسلم، لافتاًً إلى أنه سيخاطب جمعاً تاريخيًّا من قادة نحو 50 دولة مسلمة، وسيمثل وجهة نظر الشعب الأمريكى بصراحة. وأضاف أن هؤلاء القادة الذين سيلتقيهم، عبروا عن قلقهم نحو الإرهاب والتطرف، ودور إيران فى تمويل الاثنين، مؤكداً أن هؤلاء القادة مستعدون الآن للقيام بدور أكبر، مشيراًً إلى أنه لا يمكن لأمريكا أن تحل كل مشكلات العالم، ولكن يتحتم عليها مساعدة أى أمة مستعدة للمشاركة فى محو الإرهاب من على وجه الأرض.
ومع أن جدول أعمال زيارة الرئيس الأمريكى يركز على مكافحة الإرهاب والتطرف وعلى النفوذ الإقليمى المتزايد لإيران. إلا أن هناك من أكدوا أن الهدف من الزيارة هو عقد صفقات تجارية بمليارات الدولارات، مشيرين إلى أن الزيارة ستشهد توقيع اتفاقيات اقتصادية. ونقلت وكالة رويترز عن أمين الناصر الرئيس التنفيذى لشركة النفط الوطنية أرامكو السعودية قوله على هامش مؤتمر لمديرى الشركات الأمريكية والسعودية بالتزامن مع زيارة ترامب، إن الشركة تتوقع توقيع صفقات قيمتها 50 مليار دولار مع شركات أمريكية -يوم السبت- فى إطار مسعى لتنويع موارد اقتصاد المملكة المعتمد على صادرات النفط. وأضاف أن الشركة تبحث عن فرص للتوسع فى الولايات المتحدة على مدى العشر سنوات المقبلة وأنها ترغب فى تطوير أعمال مصفاة التكرير «موتيفا» التى تملكها هناك.
2
الأهم مما سبق هو أن الزيارة تأتى لتجيب عن تساؤلات عديدة حول مستقبل السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، خاصة تجاه السعودية التى كانت تصريحات دونالد ترامب خلال حملته عنها تثير القلق بسبب حدتها وما عكسته من ابتزاز صريح وعداء واضح.
وبطبيعة الحال، فإن التصريحات فى الحملات الانتخابية تتم صياغتها لدغدغة العواطف واستمالة الأصوات، وهى غير ملزمة.
ترامب قال كلاما خالياً من الدبلوماسية عن السعودية، ولم يستبعد وقف شراء النفط منها ومن دول خليجية أخرى، إن هى لم ترسل قواتها لمحاربة «داعش»، أو لم تسدد فواتير حرب الولايات المتحدة ضد التنظيم!
كما طالبها وجميع الحلفاء بما يشبه دفع «الجزية» نظير الحماية والخدمات التى توفرها الولايات المتحدة لها، والتى وصفها بالهائلة، قائلاً فى هذا الصدد: «هل تتخيلون أننا ندافع عن السعودية بكل الأموال التى لديها، نحن ندافع عنها، وهم لا يدفعون لنا شيئاً؟!»، لافتاً إلى أن المملكة لديها أموال طائلة، وهى تجنى يومياً نصف مليار دولار، وهم «لا يملكون شيئاً البتة.. إلا المال ولا شىء آخر».
وبرر هذا الموقف، الذى وضعه تحت شعار «الولايات المتحدة أولاً» و«لن نكون لقمة سائغة لأحد» بالقول إن بلاده لديها ديون تبلغ 20 تريليون دولار، وعلى اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية والسعودية أن يدفعوا للولايات المتحدة لأنها توفر «لهم خدمة هائلة ونخسر الثروات».
وذهب فى هذا الاتجاه إلى حد القول إن المملكة قد تصبح قريباً هدفاً لتنظيم «داعش»، إضافة إلى متاعبها فى اليمن، مشيراً إلى أن «السعودية ستكون فى ورطة كبيرة قريباً، وستحتاج لمساعدتنا.. لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى»، بل واتهمها بالتدخل فى اليمن المجاور طمعاً فى نفطه وثرواته.
غير أن البحث عن هذا التصريح باللغة الإنجليزية أو الفرنسية لم يعط أية نتائج، بما قد يشير إلى أن هناك من استغل لسان ترامب لتصفية حساباته مع السعودية فأضاف إليه ما يوافق أهواءه.
التصريح الأقرب الذى يمكن أن يكون ملهماً للنص السابق المنشور باللغة العربية، نشره باللغة الإنجليزية موقع «awdnews.com» الألمانى فى 2 سبتمبر 2015 وتناقلته عدة مواقع، وجاء فيه على لسان ترامب: «علينا حلب المملكة العربية السعودية السمينة قدر الإمكان، وحين يصبح المشايخ الأثرياء عديمى الفائدة، يتوجب علينا مغادرة الشرق الأوسط».
ولعلنا نتذكر مشاركة رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماى، فى القمة الخليجية الـ37 التى انعقدت فى العاصمة البحرينية المنامة، فكانت أول رئيس للوزراء لبريطانيا وأول سيدة تحضر هذه القمة على مدار تاريخها.. فهل يساوى ذلك 30 مليار جنيه إسترلينى؟!.. أم أن دول الخليج دفعت الرقم مقابل الحصول على الحماية العسكرية والأمنية البريطانية؟!
رئيسة الوزراء البريطانية «تريزا ماى»، لم تخف وقتها أن مشاركتها، فى القمة الخليجية بالعاصمة البحرينية المنامة، تهدف إلى تحضير بلادها لمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبى. وكلنا نعرف أن لندن، ستفقد عقب الخروج، الامتيازات التى تمتعت بها فى السوق الأوروبية المشتركة.. كما نعرف أيضاً أن منطقة الخليج هدف سهل لثرائها النفطى، واحتياجاتها الأمنية والعسكرية المتزايدة!
وبهذا الشكل، كان طبيعياً أن تركز رئيسة الوزراء البريطانية على أهمية التركيز على التعاون العسكرى مع دول الخليج؛ التى تواجه عدة تحديات أمنية سواء من خلال مشاركتها المباشرة فى حرب اليمن، ضمن التحالف العربى الذى تقوده السعودية، أو من خلال دورها البارز فى الأزمة السورية، ناهيك عن تنامى الدور الإيرانى فى المنطقة.
وقبيل مشاركتها فى القمة الخليجية بالبحرين، قالت ماى: «مسألة الأمن أمر متشابك بين دول الخليج وبلادنا، فأمن الخليج هو أمننا، وهذا هو السبب فى أننا نستثمر فى القوة الصلبة هناك، بأكثر من 3 مليارات جنيه إسترلينى فى مجال الدفاع، خلال السنوات العشر المقبلة». وأشارت إلى أن «الإنفاق (العسكرى) فى الخليج أكثر من أى منطقة أخرى من العالم». ومعروف أن الإنفاق العسكرى لعام 2016 فى السعودية وحدها بلغ 87 مليار دولار، أى ما يعادل 13.7٪ من ناتجها المحلى، وحلت ثالثة بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
وفى هذا السياق، أشارت صحيفة «تلغراف» البريطانية، إلى أن الزيارة كشفت «عن خطط بريطانية لدعم الإجراءات الأمنية فى مطارات دول الخليج بموازنة تقدر بملايين الدولارات، وسط مخاوف متزايدة من هجمات إرهابية محتملة قد تستهدف قطاع الطيران، من قبل عناصر داعش، المتمركزين فى العراق وسوريا».
وفى محاولة لتعزيز التعاون المشترك لمواجهة الإرهاب، لفتت «ماى»، إلى أنها «ستعلن قريباًً عن تعيين ثلاثة خبراء بريطانيين متخصصين فى أمن المعلومات ليتم إرسالهم إلى المنطقة بغية دعم السلطات المحلية».
وقتها كانت المعنى الواضح جداً هو أن بريطانيا استغلت الأوضاع الملتهبة لتستعيد صندوق الخليج ومفتاحه، ويمكن تلخيص عنوان الصفقة فى ثلاث كلمات: المليارات مقابل الحماية!
3
وما من شك فى أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لديهما رؤية مشتركة للقضايا العالمية. فى ضوء تغير المشهد الجغرافى السياسى وعلى الرغم من التحديات التى تواجه البلدين فى علاقاتهما الخارجية، سيكون حاسماً للبلدين الحفاظ على علاقات قوية ومواصلة العلاقات الودية. صنّاع السياسة فى الولايات المتحدة بحاجة إلى أن يدركوا أن المملكة العربية السعودية هى من أهم الحلفاء لهم فى العالم الإسلامى. ليس صحيحاً أن المملكة تمثل فقط أكبر احتياطى للنفط فى العالم ومتحكم رئيسى فى سوق النفط فقط ولكن وهو ما تدركه الإدارات الأمريكية المتعاقبة جيداً، بأن المملكة تحتفظ بموقعها الدينى.
لكن موقف الإدارة الأمريكية الحالية المتذبذب من قضايا الشرق الأوسط ورأيها بأنها منهمكة بشكل مفرط فى الشرق الأوسط وبأن هذه المنطقة من العالم تستنزفهم وتفضيلها الانسحاب من المنطقة لصالح تحول سياستها التجارية والاقتصادية نحو أستراليا وجنوب شرق آسيا الذى بلغت ذروته فى «اتفاق الشراكة» عبر الباسفيك.
ولعلنا لاحظنا كيف قامت الولايات المتحدة بالمراحل الأولى من إعادة ترتيب العناصر فى سياستها الخارجية تجاه «آسيا والمحيط الهادئ»، وكيف جاء هذا التحرك بعد الاعتراف بأن الثروات الاقتصادية للقرن الحادى والعشرين سوف تكون مكتوبة فى «جنوب المحيط الهادئ». وكذلك كيف قامت «إدارة أوباما» ببرنامج السياسة الخارجية «المحور الاستراتيجى» الذى يهدف إلى إنشاء الدبلوماسية والأمن والروابط الاقتصادية مع البلدان فى منطقة «جنوب المحيط الهادئ» الذى يحظى بدعم الحزبين فى الكونجرس. المحور الاستراتيجى الذى أطلقه الرئيس أوباما يعترف بأن جنوب آسيا يعد دافعاً مهماً للنمو الاقتصادى فى القرن الحادى والعشرين، الحكومة الأمريكية اتخذت خطوات لإنشاء أطر قانونية تتسم بالشفافية من أجل خلق بيئة عمل مناسبة للشركات.
ومع الاتجاه إلى تقليص الاعتماد على منطقة الشرق الأوسط كمصدر للنفط والطاقة، خاصة بسبب نمو إنتاج النفط الصخرى فى الولايات المتحدة، وتفضيل إدارة أوباما العمل على التخلص من الاعتماد على النفط الأجنبى بالتركيز على الغاز الطبيعى ومصادر الطاقة البديلة قد أدى إلى الزيادة المطردة فى إنتاج الغاز الصخرى فى الولايات المتحدة. ثورة الغاز الصخرى وزيادة التكهنات بشأن إمكانية تصديره إلى بلدان أخرى مع اكتشاف موارد كبيرة من الغاز الطبيعى، جعلها فى مواجهة مباشرة مع أوبك المهيمنة على تحديد الأسعار، والتى تؤثر على العرض والطلب.
بهذا الشكل شاب العلاقات السعودية–الأمريكية بعض التصدع، وسبق أن نشرت جريدة «نيويورك تايمز» فى أبريل 2016، تقريراً أوضحت فيه حجم التهديدات الاقتصادية الخليجية للولايات المتحدة الأمريكية، التى قد تترتب على إقرار قانون جاستا، الذى يسمح بمقاضاة المملكة العربية السعودية أمام المحاكم الأمريكية على خلفية اتهامها بالتورط فى أحداث 11 سبتمبر 2001، واتهام مسئولين فى الحكومة السعودية بالمسئولية عن الهجوم على برجى مركز التجارة العالمى.
وقتها، أشارت مصادر إلى أن عادل الجبير، وزير الخارجية السعودى، حمل فى زيارته إلى واشنطن، مارس 2016، رسالةً من الملك سلمان إلى الإدارة الأمريكية يهدد فيها ببيع المملكة لأصولٍ تملكها داخل الولايات المتحدة بقيمة 750 مليار دولار، إذا تم إقرار القانون. غير أن الكونجرس مرر القانون فى سبتمبر الماضى، دون أن يحدث شىء مما حمله التهديد! لكن فى الوقت نفسه شهدت العلاقات الأمريكية السعودية تطوراً ملحوظاً. وتردد أن زيارة محمد بن سلمان، ولى ولى العهد السعودى إلى واشنطن، فى مارس الماضى، حملت الكثير من التفاصيل، التى أدت إلى تغيير الموقف الأمريكى أو تحسين العلاقات بين البلدين، وزيادة الصفقات الثنائية بينهما.
كما توالت تصريحات ترامب، المتوعدة لإيران فى حال تمردها واستمرارها فى اختبار الصواريخ وتطوير ترسانتها العسكرية، بعد أن كانت قد وقَّعت اتفاقية تثنيها عن التجارب النووية لـ10 سنوات قادمة.
ورأينا ترامب يتحدث كثيراًً عن المخاطر التى تثيرها إيران فى جوارها العربى، وضرورة التضافر لتحجيم نفوذها فى العراق وسوريا. بعد أن أغدقت إدارة أوباما الهدايا على إيران من أجل هذه الاتفاقية على حساب أمن دول المنطقة، وتسببت فى هذا الانفلات الخطير وحدوث أسوأ مأساة فى تاريخ المنطقة.
ونعتقد أن بإمكان الإدارة الأمريكية الحالية وضع إيران أمام الواقع الجديد، وأن عليها أن تتوقف عن نشر الفوضى والعنف فى المنطقة والعالم، وأن هذا سيقابل إيجابياً بالانفتاح ليس من الولايات المتحدة والغرب وحدهم بل كذلك من دول المنطقة وجيران إيران. ونشير هنا إلى أن ترامب سبق أن أعلن دعمه للتدخل فى اليمن وأعاد صفقات الأسلحة مع المملكة. كما أن الإدارة الأمريكية وافقت على صفقات سلاح مع المملكة العربية السعودية تُقدَّر إجمالاً بما يزيد على 100 مليار دولار، فيما يلمِّح المتحدث باسم الإدارة الأمريكية بإمكانية أن تتجاوز عقود تجارة السلاح بين البلدين 300 مليار دولار. ويبدو أن ائتلاف جماعات النفط والسلاح وجدوا ضالتهم كما كانوا فى فترة حكم بوش الابن، هذه المرة فى ظل إدارة ترامب.
وبحكم أن الولايات المتحدة تتربع على عرش مصدرى الأسلحة فى العالم، يعتبر الخليج من أهم الزبائن لدى واشنطن، فوفقاً لدراسة أجراها معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام (SIPRI)، تصدّرت الولايات المتحدة الدول المصدرة للسلاح حول العالم بنسبة 33%، وكانت المملكة العربية السعودية أكبر المستوردين منها بنسبة 13%، إذ ذكر المعهد أن نسبة استيراد السعودية للأسلحة تضاعفت 212٪ منذ عام 2012-2016 مقارنة بما بين 2007-2011، فى حين ارتفع حجم استيراد دولة قطر إلى 245%.
وجاءت قطر فى المرتبة الأولى بوصفها أكبر مستورد للأسلحة الأمريكية خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضى، إذ وصلت قيمة الصفقات التى عقدتها إلى 21 ملياراً و881 مليون دولار، بحسب وكالة التعاون الأمنى الدفاعى الأمريكية، وفى المرتبة الثانية تأتى الكويت، بشرائها أسلحةً أمريكية بقيمة 11 ملياراً و837 مليون دولار، فيما قالت الخارجية الأمريكية إنها وافقت على بيع أسلحة لكلٍّ من قطر والكويت والسعودية والإمارات، بلغت قيمتها 40 مليار دولار، خلال عام 2016.
ويشار إلى أن دول الخليج كان لها دورٌ فعال فى تخفيف آثار الأزمة المالية العالمية 2008، إذ ساهمت المنطقة فى إعادة الاقتصاد إلى الاستقرار، وجاء هذا التدخل بعد دعوة رئيس الوزراء البريطانى جوردون براون دول الخليج الغنية بالنفط للمساهمة فى تمويل صندوق يهدف إلى إعادة الاستقرار إلى النظام المالى العالمى ومساعدة الدول التى أصابتها الأزمة الاقتصادية العالمية. وقال براون وقتها إن «الجميع لديه دورٌ يلعبه فى علاج هذا الانكماش العالمى وأعتقد أن الدول الغنية بالنفط ستريد أن تلعب دورها»، وأضاف «السعوديون ودول أخرى فى الخليج مهمة جداً.. إنَّها دول لديها إيراداتٌ نفطية.. هى الدول التى هناك حاجة إلى أن تقدم المساعدة».
4
بعد هذا كله وغيره، تأتى الزيارة والقمة السعودية الأمريكية، ثم القمة الخليجية الأمريكية، وما يحمله زعماء الخليج من ملفات متعددة اقتصادية وسياسية، تطابقت وجهات نظرهم حولها، وستكون عبر ملف واحد يتكاتف فيه الخليجيون أمام الرئيس الأمريكى، ومعرفة دور الولايات المتحدة المقبل فى منطقة الخليج، والتأكيد على المواثيق والاتفاقيات المبرمة مع قيادات الخليج والإدارات الأمريكية على مر العقود الماضية، والتفاهمات المسبقة، بأن أمن الخليج من أمن العالم كله، وأن على الولايات المتحدة أن تدرك أن الورقة واحدة تجاه أمن الخليج، وهى رسالة بلا شك تدركها القيادة الأمريكية الجديدة.
وستفرز هذه الزيارة وهذه القمة هذه الاتفاقيات، وتعيد المواقف المعهودة للعلاقات الأمريكية الخليجية على مر العقود، والتى شابها بعض التردد، إبان حكم أوباما، لكن المبشر هو أن لقاء ترامب مع القادة الخليجيين سيكون نقطة تحول جادة فى الارتقاء بهذه العلاقات، والدفع بمناقشة الملفات التى بحثها وزراء خارجية تلك الدول مع نظيرهم الأمريكى.
أما القمة الثالثة، فهى قمة عربية إسلامية-أمريكية، ستكون فيها كلمة الوحدة والقوة التى أعلنتها الدول الإسلامية والعربية فى الاتحاد الإسلامى العسكرى، وهى أيضاً ستكون أكثر الملفات بحثاً مع الرئيس الأمريكى وإدارته ومستشاريه، الذين سبقوا القمة باجتماعات ثنائية ولقاءات تشاورية، تصب فى مصلحة العلاقات المقبلة لهذه الدول مع الحكومة الأمريكية، وبالتأكيد على رأسها محاربة الإرهاب وهزيمة «داعش» وأحداث اليمن والوضع فى سوريا، وهى ملفات ساخنة قضت وقتا طويلا من الانتظار إبان حكم أوباما الذى تعامل مع هذه الملفات على أنها ملفات وقتية، أسهم فى حفظها فى أدراج البيت الأبيض.
ومع أهمية الملفات المشتركة للزعماء المشاركين فى القمم الثلاث، سينتظر الجميع ما يتعلق بمواجهة الإرهاب، لكونه جوهر معاناة العالم اليوم، فى القلق على الأمن والاقتصاد وعلى التعايش بين الأديان والأقوام واللغات. فى هذا الإطار، نشير إلى أن ترامب يؤسس بزيارته نوعاً جديداً من السياسات الأمريكية يقوم على الدبلوماسية المباشرة بحضور الرئيس وليس بواسطة مبعوثين كما كان يحدث سابقاً. وهنا يقدّم ترامب نفسه رئيساً مسئولاً ويتجاوز صورته كمرشح يمينى متزمّت لطالما بدا معادياً للمهاجرين وللثقافة العربية أو الإسلامية.
وننتظر أن يجد ترامب مجالاً لبحث القضية الفلسطينية للوصول إلى حل الدولتين، خصوصاً أنه وعد فى جولاته كمرشح بحل لهذه القضية، مع وعى بأنها مفتاح السلام فى المنطقة العربية.
وأخيراً، تأتى الزيارة، لتؤكد أن الرئيس السيسى كان بعيد النظر عندما أعلن عن ثقته فى إدارة ترامب، وحرص على أن يكون أول المهنئين له بالفوز فى الانتخابات الرئاسية، قائلاًً إنه يأمل فى أن تبثّ رئاسته حياة جديدة فى أوصال العلاقات المصرية-الأمريكية والأمريكية-العربية.
ونشير هنا إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أجاب فى سبتمبر الماضى، عن سؤال حول رؤية المرشح الجمهورى للانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب للعالم الإسلامى بقوله: إن الحملات الانتخابية يطلق فيها الكثير من التصريحات المختلفة، لكن فى إدارة البلاد تحدث اختلافات كثيرة.
* 50 دولة مسلمة تشهد أكبر تحول فى تاريخ أمريكا.. ومؤشرات لحصار النفوذ الفارسى فى المنطقة
* «السيسى» تنبأ بتراجع نبرة العنف فى خطاب ترامب.. وزيارة عادل الجبير لعبت دوراً فى التفاوض
* المملكة صدت قانون «جاستا».. واختارت «الصفقات» بديلاً عن «الإجبار»
أكتب هذه السطور بعد ساعات من وصول الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، إلى العاصمة السعودية، الرياض، لتكون هى المحطة الأولى فى أول جولة خارجية له منذ تسلمه منصبه.
ترامب الذى أثار كثيراًً من الجدل خلال حملته الانتخابية عندما دعا إلى فرض حظر مؤقت على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة لمخاوف أمنية، واقتراحه تشريعاً عرقلت المحاكم الأمريكية إصداره لفرض قيود على السفر من عدة دول ذات غالبية مسلمة، يتراجع قليلا، بل كثيراً ويلقى خطاباً أمام قادة نحو 50 بلداً إسلامياً فى القمة العربية الإسلامية الأمريكية، يتحدث فيه عن «آماله فى رؤية سلمية للإسلام»، ويتمنى أن يجد خطابه صدى فى عموم العالم لبلورة «رؤية مشتركة للسلام والتقدم والرخاء» ويدعو إلى التوحد فى مكافحة التطرف فى العالم الإسلامى و«طرد الإرهابيين من أماكن العبادة».
اللافت هو أن الرئيس الأمريكى، كان قد خصص خطابه الأسبوعى الموجه إلى الشعب الأمريكى، للحديث عن زيارته إلى السعودية. وأوضح ترامب -فى خطابه الذى نشرته وزارة الخارجية الأمريكية عبر حسابها الرسمى على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»- أن هذه الزيارة التى تعد الأولى له منذ توليه المنصب، تحمل أهمية تاريخية كبيرة للشعب الأمريكى.
وأضاف أنه سيزور قادة العالم فى بلاد مختلفة لتقوية صداقات أمريكا القديمة، ولبناء شراكات جديدة، ولتوحيد المجتمع المتحضر فى الحرب على الإرهاب. وأكد أنه سيزور 3 بلدان مرتبطة بالأديان الثلاثة العظيمة فى العالم (الإسلام والمسيحية واليهودية) من أجل تأكيد روح الوحدة. واصفاً زيارته إلى السعودية بأنها ستكون محطته الأولى؛ لكونها قلب العالم المسلم، لافتاًً إلى أنه سيخاطب جمعاً تاريخيًّا من قادة نحو 50 دولة مسلمة، وسيمثل وجهة نظر الشعب الأمريكى بصراحة. وأضاف أن هؤلاء القادة الذين سيلتقيهم، عبروا عن قلقهم نحو الإرهاب والتطرف، ودور إيران فى تمويل الاثنين، مؤكداً أن هؤلاء القادة مستعدون الآن للقيام بدور أكبر، مشيراًً إلى أنه لا يمكن لأمريكا أن تحل كل مشكلات العالم، ولكن يتحتم عليها مساعدة أى أمة مستعدة للمشاركة فى محو الإرهاب من على وجه الأرض.
ومع أن جدول أعمال زيارة الرئيس الأمريكى يركز على مكافحة الإرهاب والتطرف وعلى النفوذ الإقليمى المتزايد لإيران. إلا أن هناك من أكدوا أن الهدف من الزيارة هو عقد صفقات تجارية بمليارات الدولارات، مشيرين إلى أن الزيارة ستشهد توقيع اتفاقيات اقتصادية. ونقلت وكالة رويترز عن أمين الناصر الرئيس التنفيذى لشركة النفط الوطنية أرامكو السعودية قوله على هامش مؤتمر لمديرى الشركات الأمريكية والسعودية بالتزامن مع زيارة ترامب، إن الشركة تتوقع توقيع صفقات قيمتها 50 مليار دولار مع شركات أمريكية -يوم السبت- فى إطار مسعى لتنويع موارد اقتصاد المملكة المعتمد على صادرات النفط. وأضاف أن الشركة تبحث عن فرص للتوسع فى الولايات المتحدة على مدى العشر سنوات المقبلة وأنها ترغب فى تطوير أعمال مصفاة التكرير «موتيفا» التى تملكها هناك.
2
الأهم مما سبق هو أن الزيارة تأتى لتجيب عن تساؤلات عديدة حول مستقبل السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، خاصة تجاه السعودية التى كانت تصريحات دونالد ترامب خلال حملته عنها تثير القلق بسبب حدتها وما عكسته من ابتزاز صريح وعداء واضح.
وبطبيعة الحال، فإن التصريحات فى الحملات الانتخابية تتم صياغتها لدغدغة العواطف واستمالة الأصوات، وهى غير ملزمة.
ترامب قال كلاما خالياً من الدبلوماسية عن السعودية، ولم يستبعد وقف شراء النفط منها ومن دول خليجية أخرى، إن هى لم ترسل قواتها لمحاربة «داعش»، أو لم تسدد فواتير حرب الولايات المتحدة ضد التنظيم!
كما طالبها وجميع الحلفاء بما يشبه دفع «الجزية» نظير الحماية والخدمات التى توفرها الولايات المتحدة لها، والتى وصفها بالهائلة، قائلاً فى هذا الصدد: «هل تتخيلون أننا ندافع عن السعودية بكل الأموال التى لديها، نحن ندافع عنها، وهم لا يدفعون لنا شيئاً؟!»، لافتاً إلى أن المملكة لديها أموال طائلة، وهى تجنى يومياً نصف مليار دولار، وهم «لا يملكون شيئاً البتة.. إلا المال ولا شىء آخر».
وبرر هذا الموقف، الذى وضعه تحت شعار «الولايات المتحدة أولاً» و«لن نكون لقمة سائغة لأحد» بالقول إن بلاده لديها ديون تبلغ 20 تريليون دولار، وعلى اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية والسعودية أن يدفعوا للولايات المتحدة لأنها توفر «لهم خدمة هائلة ونخسر الثروات».
وذهب فى هذا الاتجاه إلى حد القول إن المملكة قد تصبح قريباً هدفاً لتنظيم «داعش»، إضافة إلى متاعبها فى اليمن، مشيراً إلى أن «السعودية ستكون فى ورطة كبيرة قريباً، وستحتاج لمساعدتنا.. لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى»، بل واتهمها بالتدخل فى اليمن المجاور طمعاً فى نفطه وثرواته.
غير أن البحث عن هذا التصريح باللغة الإنجليزية أو الفرنسية لم يعط أية نتائج، بما قد يشير إلى أن هناك من استغل لسان ترامب لتصفية حساباته مع السعودية فأضاف إليه ما يوافق أهواءه.
التصريح الأقرب الذى يمكن أن يكون ملهماً للنص السابق المنشور باللغة العربية، نشره باللغة الإنجليزية موقع «awdnews.com» الألمانى فى 2 سبتمبر 2015 وتناقلته عدة مواقع، وجاء فيه على لسان ترامب: «علينا حلب المملكة العربية السعودية السمينة قدر الإمكان، وحين يصبح المشايخ الأثرياء عديمى الفائدة، يتوجب علينا مغادرة الشرق الأوسط».
ولعلنا نتذكر مشاركة رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماى، فى القمة الخليجية الـ37 التى انعقدت فى العاصمة البحرينية المنامة، فكانت أول رئيس للوزراء لبريطانيا وأول سيدة تحضر هذه القمة على مدار تاريخها.. فهل يساوى ذلك 30 مليار جنيه إسترلينى؟!.. أم أن دول الخليج دفعت الرقم مقابل الحصول على الحماية العسكرية والأمنية البريطانية؟!
رئيسة الوزراء البريطانية «تريزا ماى»، لم تخف وقتها أن مشاركتها، فى القمة الخليجية بالعاصمة البحرينية المنامة، تهدف إلى تحضير بلادها لمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبى. وكلنا نعرف أن لندن، ستفقد عقب الخروج، الامتيازات التى تمتعت بها فى السوق الأوروبية المشتركة.. كما نعرف أيضاً أن منطقة الخليج هدف سهل لثرائها النفطى، واحتياجاتها الأمنية والعسكرية المتزايدة!
وبهذا الشكل، كان طبيعياً أن تركز رئيسة الوزراء البريطانية على أهمية التركيز على التعاون العسكرى مع دول الخليج؛ التى تواجه عدة تحديات أمنية سواء من خلال مشاركتها المباشرة فى حرب اليمن، ضمن التحالف العربى الذى تقوده السعودية، أو من خلال دورها البارز فى الأزمة السورية، ناهيك عن تنامى الدور الإيرانى فى المنطقة.
وقبيل مشاركتها فى القمة الخليجية بالبحرين، قالت ماى: «مسألة الأمن أمر متشابك بين دول الخليج وبلادنا، فأمن الخليج هو أمننا، وهذا هو السبب فى أننا نستثمر فى القوة الصلبة هناك، بأكثر من 3 مليارات جنيه إسترلينى فى مجال الدفاع، خلال السنوات العشر المقبلة». وأشارت إلى أن «الإنفاق (العسكرى) فى الخليج أكثر من أى منطقة أخرى من العالم». ومعروف أن الإنفاق العسكرى لعام 2016 فى السعودية وحدها بلغ 87 مليار دولار، أى ما يعادل 13.7٪ من ناتجها المحلى، وحلت ثالثة بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
وفى هذا السياق، أشارت صحيفة «تلغراف» البريطانية، إلى أن الزيارة كشفت «عن خطط بريطانية لدعم الإجراءات الأمنية فى مطارات دول الخليج بموازنة تقدر بملايين الدولارات، وسط مخاوف متزايدة من هجمات إرهابية محتملة قد تستهدف قطاع الطيران، من قبل عناصر داعش، المتمركزين فى العراق وسوريا».
وفى محاولة لتعزيز التعاون المشترك لمواجهة الإرهاب، لفتت «ماى»، إلى أنها «ستعلن قريباًً عن تعيين ثلاثة خبراء بريطانيين متخصصين فى أمن المعلومات ليتم إرسالهم إلى المنطقة بغية دعم السلطات المحلية».
وقتها كانت المعنى الواضح جداً هو أن بريطانيا استغلت الأوضاع الملتهبة لتستعيد صندوق الخليج ومفتاحه، ويمكن تلخيص عنوان الصفقة فى ثلاث كلمات: المليارات مقابل الحماية!
3
وما من شك فى أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لديهما رؤية مشتركة للقضايا العالمية. فى ضوء تغير المشهد الجغرافى السياسى وعلى الرغم من التحديات التى تواجه البلدين فى علاقاتهما الخارجية، سيكون حاسماً للبلدين الحفاظ على علاقات قوية ومواصلة العلاقات الودية. صنّاع السياسة فى الولايات المتحدة بحاجة إلى أن يدركوا أن المملكة العربية السعودية هى من أهم الحلفاء لهم فى العالم الإسلامى. ليس صحيحاً أن المملكة تمثل فقط أكبر احتياطى للنفط فى العالم ومتحكم رئيسى فى سوق النفط فقط ولكن وهو ما تدركه الإدارات الأمريكية المتعاقبة جيداً، بأن المملكة تحتفظ بموقعها الدينى.
لكن موقف الإدارة الأمريكية الحالية المتذبذب من قضايا الشرق الأوسط ورأيها بأنها منهمكة بشكل مفرط فى الشرق الأوسط وبأن هذه المنطقة من العالم تستنزفهم وتفضيلها الانسحاب من المنطقة لصالح تحول سياستها التجارية والاقتصادية نحو أستراليا وجنوب شرق آسيا الذى بلغت ذروته فى «اتفاق الشراكة» عبر الباسفيك.
ولعلنا لاحظنا كيف قامت الولايات المتحدة بالمراحل الأولى من إعادة ترتيب العناصر فى سياستها الخارجية تجاه «آسيا والمحيط الهادئ»، وكيف جاء هذا التحرك بعد الاعتراف بأن الثروات الاقتصادية للقرن الحادى والعشرين سوف تكون مكتوبة فى «جنوب المحيط الهادئ». وكذلك كيف قامت «إدارة أوباما» ببرنامج السياسة الخارجية «المحور الاستراتيجى» الذى يهدف إلى إنشاء الدبلوماسية والأمن والروابط الاقتصادية مع البلدان فى منطقة «جنوب المحيط الهادئ» الذى يحظى بدعم الحزبين فى الكونجرس. المحور الاستراتيجى الذى أطلقه الرئيس أوباما يعترف بأن جنوب آسيا يعد دافعاً مهماً للنمو الاقتصادى فى القرن الحادى والعشرين، الحكومة الأمريكية اتخذت خطوات لإنشاء أطر قانونية تتسم بالشفافية من أجل خلق بيئة عمل مناسبة للشركات.
ومع الاتجاه إلى تقليص الاعتماد على منطقة الشرق الأوسط كمصدر للنفط والطاقة، خاصة بسبب نمو إنتاج النفط الصخرى فى الولايات المتحدة، وتفضيل إدارة أوباما العمل على التخلص من الاعتماد على النفط الأجنبى بالتركيز على الغاز الطبيعى ومصادر الطاقة البديلة قد أدى إلى الزيادة المطردة فى إنتاج الغاز الصخرى فى الولايات المتحدة. ثورة الغاز الصخرى وزيادة التكهنات بشأن إمكانية تصديره إلى بلدان أخرى مع اكتشاف موارد كبيرة من الغاز الطبيعى، جعلها فى مواجهة مباشرة مع أوبك المهيمنة على تحديد الأسعار، والتى تؤثر على العرض والطلب.
بهذا الشكل شاب العلاقات السعودية–الأمريكية بعض التصدع، وسبق أن نشرت جريدة «نيويورك تايمز» فى أبريل 2016، تقريراً أوضحت فيه حجم التهديدات الاقتصادية الخليجية للولايات المتحدة الأمريكية، التى قد تترتب على إقرار قانون جاستا، الذى يسمح بمقاضاة المملكة العربية السعودية أمام المحاكم الأمريكية على خلفية اتهامها بالتورط فى أحداث 11 سبتمبر 2001، واتهام مسئولين فى الحكومة السعودية بالمسئولية عن الهجوم على برجى مركز التجارة العالمى.
وقتها، أشارت مصادر إلى أن عادل الجبير، وزير الخارجية السعودى، حمل فى زيارته إلى واشنطن، مارس 2016، رسالةً من الملك سلمان إلى الإدارة الأمريكية يهدد فيها ببيع المملكة لأصولٍ تملكها داخل الولايات المتحدة بقيمة 750 مليار دولار، إذا تم إقرار القانون. غير أن الكونجرس مرر القانون فى سبتمبر الماضى، دون أن يحدث شىء مما حمله التهديد! لكن فى الوقت نفسه شهدت العلاقات الأمريكية السعودية تطوراً ملحوظاً. وتردد أن زيارة محمد بن سلمان، ولى ولى العهد السعودى إلى واشنطن، فى مارس الماضى، حملت الكثير من التفاصيل، التى أدت إلى تغيير الموقف الأمريكى أو تحسين العلاقات بين البلدين، وزيادة الصفقات الثنائية بينهما.
كما توالت تصريحات ترامب، المتوعدة لإيران فى حال تمردها واستمرارها فى اختبار الصواريخ وتطوير ترسانتها العسكرية، بعد أن كانت قد وقَّعت اتفاقية تثنيها عن التجارب النووية لـ10 سنوات قادمة.
ورأينا ترامب يتحدث كثيراًً عن المخاطر التى تثيرها إيران فى جوارها العربى، وضرورة التضافر لتحجيم نفوذها فى العراق وسوريا. بعد أن أغدقت إدارة أوباما الهدايا على إيران من أجل هذه الاتفاقية على حساب أمن دول المنطقة، وتسببت فى هذا الانفلات الخطير وحدوث أسوأ مأساة فى تاريخ المنطقة.
ونعتقد أن بإمكان الإدارة الأمريكية الحالية وضع إيران أمام الواقع الجديد، وأن عليها أن تتوقف عن نشر الفوضى والعنف فى المنطقة والعالم، وأن هذا سيقابل إيجابياً بالانفتاح ليس من الولايات المتحدة والغرب وحدهم بل كذلك من دول المنطقة وجيران إيران. ونشير هنا إلى أن ترامب سبق أن أعلن دعمه للتدخل فى اليمن وأعاد صفقات الأسلحة مع المملكة. كما أن الإدارة الأمريكية وافقت على صفقات سلاح مع المملكة العربية السعودية تُقدَّر إجمالاً بما يزيد على 100 مليار دولار، فيما يلمِّح المتحدث باسم الإدارة الأمريكية بإمكانية أن تتجاوز عقود تجارة السلاح بين البلدين 300 مليار دولار. ويبدو أن ائتلاف جماعات النفط والسلاح وجدوا ضالتهم كما كانوا فى فترة حكم بوش الابن، هذه المرة فى ظل إدارة ترامب.
وبحكم أن الولايات المتحدة تتربع على عرش مصدرى الأسلحة فى العالم، يعتبر الخليج من أهم الزبائن لدى واشنطن، فوفقاً لدراسة أجراها معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام (SIPRI)، تصدّرت الولايات المتحدة الدول المصدرة للسلاح حول العالم بنسبة 33%، وكانت المملكة العربية السعودية أكبر المستوردين منها بنسبة 13%، إذ ذكر المعهد أن نسبة استيراد السعودية للأسلحة تضاعفت 212٪ منذ عام 2012-2016 مقارنة بما بين 2007-2011، فى حين ارتفع حجم استيراد دولة قطر إلى 245%.
وجاءت قطر فى المرتبة الأولى بوصفها أكبر مستورد للأسلحة الأمريكية خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضى، إذ وصلت قيمة الصفقات التى عقدتها إلى 21 ملياراً و881 مليون دولار، بحسب وكالة التعاون الأمنى الدفاعى الأمريكية، وفى المرتبة الثانية تأتى الكويت، بشرائها أسلحةً أمريكية بقيمة 11 ملياراً و837 مليون دولار، فيما قالت الخارجية الأمريكية إنها وافقت على بيع أسلحة لكلٍّ من قطر والكويت والسعودية والإمارات، بلغت قيمتها 40 مليار دولار، خلال عام 2016.
ويشار إلى أن دول الخليج كان لها دورٌ فعال فى تخفيف آثار الأزمة المالية العالمية 2008، إذ ساهمت المنطقة فى إعادة الاقتصاد إلى الاستقرار، وجاء هذا التدخل بعد دعوة رئيس الوزراء البريطانى جوردون براون دول الخليج الغنية بالنفط للمساهمة فى تمويل صندوق يهدف إلى إعادة الاستقرار إلى النظام المالى العالمى ومساعدة الدول التى أصابتها الأزمة الاقتصادية العالمية. وقال براون وقتها إن «الجميع لديه دورٌ يلعبه فى علاج هذا الانكماش العالمى وأعتقد أن الدول الغنية بالنفط ستريد أن تلعب دورها»، وأضاف «السعوديون ودول أخرى فى الخليج مهمة جداً.. إنَّها دول لديها إيراداتٌ نفطية.. هى الدول التى هناك حاجة إلى أن تقدم المساعدة».
4
بعد هذا كله وغيره، تأتى الزيارة والقمة السعودية الأمريكية، ثم القمة الخليجية الأمريكية، وما يحمله زعماء الخليج من ملفات متعددة اقتصادية وسياسية، تطابقت وجهات نظرهم حولها، وستكون عبر ملف واحد يتكاتف فيه الخليجيون أمام الرئيس الأمريكى، ومعرفة دور الولايات المتحدة المقبل فى منطقة الخليج، والتأكيد على المواثيق والاتفاقيات المبرمة مع قيادات الخليج والإدارات الأمريكية على مر العقود الماضية، والتفاهمات المسبقة، بأن أمن الخليج من أمن العالم كله، وأن على الولايات المتحدة أن تدرك أن الورقة واحدة تجاه أمن الخليج، وهى رسالة بلا شك تدركها القيادة الأمريكية الجديدة.
وستفرز هذه الزيارة وهذه القمة هذه الاتفاقيات، وتعيد المواقف المعهودة للعلاقات الأمريكية الخليجية على مر العقود، والتى شابها بعض التردد، إبان حكم أوباما، لكن المبشر هو أن لقاء ترامب مع القادة الخليجيين سيكون نقطة تحول جادة فى الارتقاء بهذه العلاقات، والدفع بمناقشة الملفات التى بحثها وزراء خارجية تلك الدول مع نظيرهم الأمريكى.
أما القمة الثالثة، فهى قمة عربية إسلامية-أمريكية، ستكون فيها كلمة الوحدة والقوة التى أعلنتها الدول الإسلامية والعربية فى الاتحاد الإسلامى العسكرى، وهى أيضاً ستكون أكثر الملفات بحثاً مع الرئيس الأمريكى وإدارته ومستشاريه، الذين سبقوا القمة باجتماعات ثنائية ولقاءات تشاورية، تصب فى مصلحة العلاقات المقبلة لهذه الدول مع الحكومة الأمريكية، وبالتأكيد على رأسها محاربة الإرهاب وهزيمة «داعش» وأحداث اليمن والوضع فى سوريا، وهى ملفات ساخنة قضت وقتا طويلا من الانتظار إبان حكم أوباما الذى تعامل مع هذه الملفات على أنها ملفات وقتية، أسهم فى حفظها فى أدراج البيت الأبيض.
ومع أهمية الملفات المشتركة للزعماء المشاركين فى القمم الثلاث، سينتظر الجميع ما يتعلق بمواجهة الإرهاب، لكونه جوهر معاناة العالم اليوم، فى القلق على الأمن والاقتصاد وعلى التعايش بين الأديان والأقوام واللغات. فى هذا الإطار، نشير إلى أن ترامب يؤسس بزيارته نوعاً جديداً من السياسات الأمريكية يقوم على الدبلوماسية المباشرة بحضور الرئيس وليس بواسطة مبعوثين كما كان يحدث سابقاً. وهنا يقدّم ترامب نفسه رئيساً مسئولاً ويتجاوز صورته كمرشح يمينى متزمّت لطالما بدا معادياً للمهاجرين وللثقافة العربية أو الإسلامية.
وننتظر أن يجد ترامب مجالاً لبحث القضية الفلسطينية للوصول إلى حل الدولتين، خصوصاً أنه وعد فى جولاته كمرشح بحل لهذه القضية، مع وعى بأنها مفتاح السلام فى المنطقة العربية.
وأخيراً، تأتى الزيارة، لتؤكد أن الرئيس السيسى كان بعيد النظر عندما أعلن عن ثقته فى إدارة ترامب، وحرص على أن يكون أول المهنئين له بالفوز فى الانتخابات الرئاسية، قائلاًً إنه يأمل فى أن تبثّ رئاسته حياة جديدة فى أوصال العلاقات المصرية-الأمريكية والأمريكية-العربية.
ونشير هنا إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أجاب فى سبتمبر الماضى، عن سؤال حول رؤية المرشح الجمهورى للانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب للعالم الإسلامى بقوله: إن الحملات الانتخابية يطلق فيها الكثير من التصريحات المختلفة، لكن فى إدارة البلاد تحدث اختلافات كثيرة.