الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:49 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن:أغنياء العالم يضحكون على الفقراء


هل تهتم الدول الغنية فعلاً بالدول الفقيرة؟!
هل تقدم لها المساعدات للقضاء على فقرها ومساعدتها على التنمية دون أن تستفيد فى مقابل ذلك؟
هل يمكنك أن تقتنع بأن الدول الغربية أو الغنية تدفع ما يتجاوز الـ125 مليار دولار سنوياً، لوجه الله؟
منظمة النزاهة المالية العالمية، التى تقع فى الولايات المتحدة الأمريكية، أجرت بالتعاون مع مركز الأبحاث التطبيقية بالمدرسة النرويجية للاقتصاد، دراسة مهمة، كشفت الكثير والكثير من المعلومات المدهشة، أبرزها أن تدفق الأموال من الدول الغنية إلى الفقيرة يتضاءل مقارنة بالتدفق العكسى، أى من الدول الفقيرة إلى الغنية!
فخلال عام، تلقت الدول النامية، طبقاً لآخر البيانات المسجلة، 1.3 تريليون دولار، تشمل كل المساعدات، والاستثمار، والدخل الآتى من الخارج. وفى العام ذاته خرجت من هذه البلاد 3.3 تريليون دولار. أى إن الدول النامية أرسلت 2 تريليون دولار فوق التى حصلت عليها، تمثلت فى تحويلات نقدية مباشرة إلى البنوك الكبيرة فى نيويورك ولندن، وتحويلات الأجانب من استثماراتهم. وهذا كله بالإضافة إلى رؤوس الأموال الهاربة، غير المسجلة، وغير القانونية. والتى وصل مجموعها إلى 13.4 تريليون دولار!
وطبقاً لما جاء فى التقرير فإن غالبية هذه التدفقات المالية غير القانونية تحدث من خلال نظام التجارة العالمى، بأن تقوم الشركات، الأجنبية والمحلية بإثبات أسعار مزيفة فى فواتيرها التجارية من أجل تهريب الأموال خارج الدول النامية مباشرة إلى الملاذات الضريبية والنطاقات القضائية السرية، وهو ما بات معروفاً باسم «تجارة الفواتير المزيفة»، والتى يكون الهدف منها التهرب من الضرائب، أو غسيل الأموال.
ويوجه التقرير أصابع الاتهام إلى الشركات متعددة الجنسيات التى أشار إلى أنها تسرق أموال الدول النامية من خلال «تزوير الفاتورة»، بأن تقوم بتحويل الأرباح بشكل غير مشروع بين الشركات التابعة لهم من خلال التزوير المتبادل للفواتير التجارية على كلا الجانبين.
ويكشف التقرير عن معلومة صادمة بتأكيده أن أكثر من 60 دولة فى العالم، بها ملاذات ضريبية آمنة منها دول فى أوروبا مثل لوكسمبورج وبلجيكا، وفى أمريكيا مثل ديلاوير ومانهاتن، وأن أكبر شبكة من الملاذات الضريبية تتمحور حول مدينة لندن، التى تتحكم فى النطاقات السرية فى كل أنحاء وملحقات التاج البريطانى وأقاليم ما وراء البحار، وأن أكثر الدول التى تروج لتقديمها مساعدات هى تلك التى تقوم بسرقات ضخمة من الدول النامية، وأن هذه المساعدات ليس لها أى فائدة بل هى مجرد محاولات لإخفاء السرقات الرهيبة، وتجعل الناهبين أو اللصوص يظهرون فى صورة المانحين، وبالتالى يحصلون على نوع من التفوق الأخلاقى!
وينتهى التقرير بمطالبة الدول الغنية بشطب ديون الدول الفقيرة، والسماح لها بإنفاق أموالها فى التنمية بدلاً من استنزافها فى الفوائد وخدمات القروض القديمة. مع ضرورة غلق النطاقات القضائية السرية والملاذات الضريبية الآمنة، وفرض عقوبات على البنوك التى تقوم بتسهيل التدفقات النقدية غير المشروعة، وعلى الشركات متعددة الجنسيات التى تقوم بتحويل الأموال بشكل سرى وغير مشروع حول العالم.
سطوة ونفوذ الشركات متعددة الجنسيات، تنامت بالفعل بشكل مرعب بالتزامن مع تراجع دور الحكومات فى إدارة الأنشطة الاقتصادية.
وسبق أن نشرت مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية تقريراً طويلاً أكدت فيه أن هذه الشركات حققت مكاسب مهولة رغم ما سببته من أزمات وكوارث مالية باتت تهدد العديد من دول العالم، وتلقى بظلال سلبية على اقتصاديات دول متقدمة.
وأشار التقرير إلى استحواذ الشركات الأمريكية على نصيب الأسد من حيث عدد الشركات الأكثر نفوذاً حول العالم بإجمالى تخطى 15 شركة، وأن قائمة الشركات الـ25 الأكثر نفوذاً حول العالم شملت شركات صينية وأوروبية أخرى.
وتصدرت القائمة، التى نشرتها «فورين بوليسى»، شركة ولمارت الأمريكية، التى تعد الأولى عالمياً فى مجال البيع بالتجزئة القائمة، حيث بلغ عائدها السنوى 486 مليار دولار فى عام 2015، يليها شركة أكسون موبيل النفطية فى المرتبة الثانية ومقرها بولاية تكساس الأمريكية بإجمالى 269 مليار دولار وشركة رويل ديتش شل، وهى شركة نفط متعددة الجنسيات بريطانية هولندية الأصل، بعائد سنوى وصل إلى 265 مليار دولار فى المرتبة الثالثة. وتأتى فى المرتبة الرابعة مجموعة أبل الأمريكية بعائد سنوى 234 مليار دولار، يليها شركة جلينكور السويسرية المتخصصة فى مجال التعدين فى المرتبة الخامسة، حيث بلغ عائدها السنوى 221 مليار دولار خلال عام 2014.. أما فى المرتبة السادسة، فيحل عملاق صناعة الالكترونيات سامسونج ومقرها بكوريا الجنوبية حيث بلغ العائد السنوى 163 مليار دولار فى عام 2015 يليها فى المرتبة السابعة والثامنة الأمريكيتان أمازون، ومايكروسوفت بإجمالى عائد سنوى 107 مليارات دولار و94 مليار دولار على التوالى.
وحلت شركة نستله المتخصصة فى إنتاج الأطعمة المعلبة فى المرتبة التاسعة ومقرها بسويسرا، حيث بلغ إجمالى العائد السنوى 93 مليار دولار خلال عام 2015 فى حين جاءت شركة الفابيت، المالكة لعملاق البحث جوجل، فى المرتبة العاشرة بعائد سنوى وصل إلى 75 مليار دولار فى العام ذاته، يليها فى المركز الحادى عشر شركة أوبر الأمريكية الرائدة فى مجال النقل، بإجمالى أرباح 5ر62 مليار دولار فى ديسمبر من 2015.
كما حلت الصينية هواوى، العاملة فى مجال الالكترونيات وتكنولوجيا المعلومات، بإجمالى أرباح 60 مليار دولار فى عام 2015 والبريطانية فودافون للاتصالات بإجمالى 60 مليار دولار أيضا فى المركزين الثانى والثالث عشر.
وفى المركز الرابع عشر جاءت شركة انهيزر بوش البلجيكية بإجمالى 47 مليار دولار فى 2014، وشركة ميرسك الدنمركية التى تعمل فى مجال السفن البحرية، فى المركز الخامس عشر حيث بلغ إجمالى أرباحها 40 مليار دولار خلال عام 2015، يليها مؤسسات الخدمات المالية جولدن مان ساكس التى تتخذ من نيويورك مقراً لها، فى المركز السادس عشر بإجمالى أرباح 34 مليار دولار فى العام ذاته.
أما المجموعة الأمريكية للخدمات النفطية هاليبرتون، فحلت فى المركز السابع عشر بأرباح 33 مليار دولار خلال عام 2014 ومجموعة أكسنشر الاستشارية فى المركز الثامن عشر حيث بلغ إجمالى العائد السنوى 31 مليار دولار وسلسلة المطاعم الأمريكية الشهيرة ماكدونالدز فى المرتبة التاسعة عشرة بأرباح وصلت إلى 25 مليار دولار.
والمفاجأ كانت فى مجىء شركة طيران الإمارات فى المرتبة العشرين بأرباح بلغت 24 مليار دولار خلال عام 2015، يليها فيسبوك فى المرتبة الحادية والعشرين بعدما حقق العام الماضى عائدا سنويا بلغ 18 مليار دولار بينما احتلت شركة على بابا الصينية للتجارة الإلكترونية المركز الثانى والعشرين بأرباح 12 مليار دولار فى العام ذاته. بينما جاء فى المرتبة الثالثة والعشرين، شركة بلاك روك، شركة إدارة الاستثمارات العالمية الأمريكية، بأرباح بلغت 11 مليار دولار خلال 2014 يليها ماكينزى آند كومبانى ومقرها نيويورك فى المركز الرابع والعشرين بإجمالى 8 مليارات خلال عام 2014 وفى المرتبة الخامسة والعشرين، جاء تويتر بعدما حقق أرباحاً تخطت 2 مليار دولار العام الماضى.
فى مصر، مثلاً، دخلت الشركات متعددة الجنسيات فى صناعات الحديد والأسمنت والدواء والغذاء والإلكترونيات والسيارات والنسيج والأثاث والمنظفات الصناعية والبنوك والعقارات وقبلها البترول والغاز الطبيعى. ويكفى أن تعرف أن لدينا على الأقل 200 شركة متعددة الجنسيات شديدة النشاط فى مصر، لها أكثر من 80 ألف وكيل محلى، وهو ما يعنى أننا دخلنا فى حزام تلك الشركات أو وقعنا تحت سيطرتها، وقد حدث ذلك الوقوع أو الاختراق من بوابة الاستثمار الأجنبى بعد أن تغيرت قوانين الضرائب والجمارك والتحكيم فى المنازعات لتشجيعه وتم توقيع العديد من اتفاقيات حمايته.. وبعد أن أنشئت وزارة خاصة للاستثمار.. وبعد أن تفرغت الدولة للترويج له فى الخارج من خلال سفاراتها ومكاتبها المختلفة. وذلك كله حدث فى عهد الرئيس الأسبق، وهو العهد الذى رغم ذلك كله لم يتدفق فيه الاستثمار الأجنبى إلا بالتنقيط.. نقطة.. نقطة.. ومراجعة الأرقام، تجعلنا لا نصف ما تم ضخه إلا بأنه «تافه»، ويكفى أن تعرف أن مصر، فى عهد الرئيس الأسبق، وبفضل رجال أعماله، كانت فى مرتبة أقل من دول مثل نيجيريا وأنجولا وغينيا والسودان وكلها دول بها صراعات وحروب أهلية، كما تعرف!
ولعلنا لا نكشف سراً، حين نقول إن معظم أنشطة وأعمال منظمة التجارة العالمية تحدث فى السر‏، وإن أهم‏ لجان المنظمة وهى اللجان القضائية تجتمع داخل غرف مغلقة‏،‏ والمحكمون أو القضاة الثلاثة داخل اللجنة تظل هويتهم الحقيقية مخفية ولا يتم الإعلان عن أسمائهم أو جنسياتهم‏.. كما أن المداولات تتم فى سرية‏.
ولدينا تفاصيل مرعبة تسربت من اجتماعات سرية عقدتها منظمة التعاون الاقتصادى ومقرها باريس‏،‏ وهى المنظمة التى تجمع فى عضويتها الدول الأكثر تقدماً،‏ وكان موضوع الاجتماعات التخطيط لاتفاقية دولية للاستثمار المتبادل‏،‏ هدفها تجاهل القوانين الوطنية التى تعرقل أنشطة الشركات العالمية الكبرى والقوانين التى تميز بين شركات وأخرى‏ بحيث يصبح من حق أى شركة عالمية أن تقاضى أى دولة تستثنى شركة بعينها لتحصل على امتيازات لا تحصل عليها بقية الشركات‏.
‏وكان أهم ما فى هذه الاتفاقية هو أنها تسمح للشركة بأن تجر الدولة إلى محاكم خاصة، وليست إلى محاكم تخضع للقانون الدولى أو القوانين الوطنية‏،‏ بمعنى آخر‏..‏ تنقل الاتفاقية السيادة فى قطاع الاستثمار من الدولة إلى الشركات المتعددة الجنسية‏.‏
وغير غياب الشفافية التى تحاول الدول الكبرى إجبار بقية الدول على ممارستها وهى نفسها لا تمارسها‏،‏ فإن الاتفاقية التى أشرنا إليها وتمت مناقشتها فى غرفة مغلقة لم يصدر بشأنها تصريح واحد‏.. وهى الصيغة التى صدرت بها قوانين واتفاقيات متعددة من قاعات الجات إلى منظمة التجارة العالمية ولم يطلع عليها معظم دول العالم النامى‏،‏ التى يتم إجبارها بعد ذلك بشكل أو بآخر على الانضمام إليها والالتزام بها.
لا هى ناقشتها ولا ناقشها الرأى العام العالمى‏ فى الشرق أو الغرب‏،‏ ولا مورست الشفافية خلال أى مرحلة من مراحل التفاوض‏.‏
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن هذه الاتفاقيات مثل كثير من القواعد الجديدة لمنظمة التجارة العالمية تمنح الشركات الكبرى سلطات تتجاوز سلطة الدولة، ومن هنا تأتى قوة بعض رجال الأعمال. وعلى هذه الخلفية، نستطيع أن نفهم بالضبط طبيعة الدور الذى يلعبونه، فى تخريب الصناعة الوطنية لصالح كيانات أكبر معروفة بالاسم!
هل قلنا إن وكلاء الشركات الكبرى، وأصحاب الامتدادات الخارجية، فى بعض الدول أقوى من الدولة ذاتها؟!
يخيفنى أن تكون مصر واحدة من تلك الدول، وأن يكون بعض الوكلاء أو المندوبين من دول أخرى، داخلها أقوى من الدولة، كما يشيع بعضهم فى جلسات خاصة!
------------