الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:42 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: حروب التجسس فى شارع توماس بمدينة نيويورك

ماذا وراء هجوم «أوباما» على «فيس بوك»؟!
ربط موقع «فيس بوك» بمشروع تابع لوكالة «داربا» الأمريكية، ومقرها ولاية فرجينيا، وتتبع وزارة الدفاع الأمريكية
الوكالة تضم مئات العلماء، وتستهدف تطوير مشروعات جديدة للاستخدام العسكرى
«تيتا بوينت»: مركز التجسس الذى تخفيه وكالة الأمن القومى عن أعين الجميع
أطلقوا عليه اسم «مشروع إكس»، عبارة عن ناطحة سحاب ضخمة يمكنها تحمل انفجار ذرى فى وسط مدينة نيويورك وتتكون من 29 طابقًا
مركز «تيتان بوينت» يقوم بعمليات مراقبة ضمن برنامج يسمى «سكيدرو»، يعمل على اعتراض الاتصالات من الأقمار الاصطناعية
«سنودن» يكشف عن برنامج مراقبة جديد لوكالة الأمن القومى يطلق عليه اسم «بلارنى»، لمراقبة اتصالات 38 دولة حول العالم
نظام «إكس كى سكور»، وهو نظام تجسس ضخم يشبه جوجل يستعمله موظفو وكالة الأمن القومى
«سى آى إيه» تراقب يومياً أكثر من 5 ملايين تدوينة قصيرة على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» فى المنطقة العربية وحدها ومصر من أكبر الدول التى تتم مراقَبتها!
قامت الدنيا ولم تقعد حين تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن خطورة الاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعى كمصادر للأخبار.
كان الرئيس يتحدث، فى 13 أبريل 2016، أمام مجموعة من ممثلى المجتمع المصرى، فى إطار اللقاءات الدورية التى يعقدها مع أطياف وفئات الشعب لإطلاعهم على مستجدات الأوضاع الداخلية والخارجية. ووقتها، ناشد الإعلاميين ووسائل الإعلام ضرورة التحقق من الأخبار والمعلومات التى يجرى تداولها على الفيس بوك وشبكات التواصل الاجتماعى، وحذّر من خطورة التعامل مع تلك الشبكات كمصادر للأخبار.
مرت شهور على تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى، قبل أن نفاجأ بالرئيس الأمريكى «باراك أوباما» يتهم شبكة «فيس بوك» بأنها منصة لإطلاق الكثير من الأخبار الوهمية التى من شأنها أن تلحق الضرر بل وتدمر الديمقراطية، خاصة فى العصر الذى يحصل فيه العالم على الأخبار وما يحدث حولهم من خلال شاشة هواتفهم الذكية.
والأكثر من ذلك هو أن الرئيس الأمريكى قال إن الأخبار المزيفة التى تم نشرها على شبكات التواصل الاجتماعى مثل «فيسبوك» خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية أضرت بالديمقراطية.
ودعا أوباما، خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى برلين، يوم الجمعة، مستخدمى «فيسبوك» إلى الانتباه والتأكد من صحة الأخبار التى يتم ترويجها، محذرًا من أن «السهولة التى يتعامل بها رواد المواقع مع الأخبار دون التحقق من مصداقيتها تهدد المبادئ الأساسية للديمقراطية».
ما قاله الرئيس الأمريكى، لم يكن أكثر من تأكيد على ما أثير حول الدور الذى لعبه «فيسبوك» فى الانتخابات الأمريكية، خاصة فى الأشهر الثلاثة الأخيرة، من تساؤلات حول قدرته بالمقارنة مع مختلف وسائل الإعلام، وحول طبيعة دوره. مع الوضع فى الاعتبار تلك الدراسات والإحصائيات التى أظهرت أن أكثر الأخبار تداولًا على شبكة التواصل الاجتماعى «فيسبوك» على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة قبل الانتخابات الأمريكية هى «بابا الفاتيكان يدعم المرشح الجمهورى دونالد ترامب»، وتسريبات ويكيليكس عن قيام المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون ببيع أسلحة لـ«تنظيم داعش».
كما أكدت الإحصائيات أن فيسبوك كان أكثر سرعة، والأخبار التى نشرت على الموقع أكثر رواجًا من غيرها التى نشرت على وسائل إعلام أخرى أبرزها «واشنطن بوست»، و«نيويورك تايمز».
أيضاً، قال «هيكو ماس»، وزير العدل الألمانى، إنه يعتقد أن «فيس بوك» يجب أن يتم معاملتها على أنها شركة متخصصة فى مجال الإعلام وليس كمنصة تكنولوجية. وكشف أن السلطات الألمانية تستخدم برامج مراقبة لمعرفة كيفية حذف العديد من المشاركات العنصرية التى يقوم بها مستخدمو فيس بوك طوال الـ24 ساعة، مضيفاً أنهم سيتخذون التدابير التشريعية ضد شركة فيس بوك الأمريكية إذا كانت النتائج لا تزال غير مرضية.
بهذه التصريحات، تجددت الاتهامات لشبكة التواصل الاجتماعى «فيس بوك» بأنها نسخة مطورة لأحد مشروعات المخابرات الأمريكية الـ«سى آى إيه» لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول الأفراد، دون الحاجة إلى استجوابهم، أو مراقبتهم بهدف التجسس عليهم، وهو ما يحدث بالفعل بالنسبة لملايين الصفحات المنتشرة على موقع الفيس بوك، حيث يمكنك الحصول على كم غير محدود من المعلومات، حول شخص ما، بمجرد زيارة حسابه الشخصى. بالإضافة إلى إتاحة «فيس بوك» لخاصية تحديد المنطقة التى يتصل من خلالها صاحب الحساب، مع سهولة تحديد وجهه، ووجوه أصدقائه، بمجرد استخدام خاصية «التاج» لمرة واحدة، حتى إن كانت الصورة ذات جودة منخفضة.
أيضاً، تم ربط موقع «فيس بوك» بمشروع تابع لوكالة «داربا» الأمريكية، ومقرها فى ولاية فرجينيا، وتتبع وزارة الدفاع الأمريكية، وهى الوكالة التى تضم مئات العلماء، وتستهدف تطوير مشروعات جديدة للاستخدام العسكرى، وبرامج خاصة بحماية قواعد البيانات بالبنتاجون، وبرامج للاستخدام على الإنترنت.
وعرفنا من الموقع الإلكترونى لـ«داربا»، أن الوكالة تم إنشاؤها سنة 1957 بقرار من الرئيس الأمريكى «إيزنهاور»، بالتزامن مع بدء الحرب الباردة، مع الاتحاد السوفييتى.
والأكثر من ذلك أن موقع «ديلى بيست» نشر تقريراً منتصف 2014، كان عنوانه: «هل أنشأت السى آى إيه شبكة فيس بوك، كما قال بوتين؟». والتقرير انطلق من تصريحات للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، قال فيها إن الفيس بوك موقع تابع للمخابرات الأمريكية، السى آى إيه. ورجّح التقرير احتمال أن يكون ما قاله بوتين صحيحاً، بالإشارة إلى أنه من الممكن أن يكون موقع «فيس بوك» مثل الإنترنت، الذى بدأ كبرنامج دعمته «سى آى إيه»، وطوره العلماء خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضى، قبل أن يتم إتاحة استخدامه للأفراد العاديين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2
الأهم والأكثر خطورة، من كل ما سبق هو ذلك التقرير الذى جاء نتاج عمل مشترك بين صحيفة «الإنترسبت» و«فيلد أوف فيجن» تحت عنوان Titanpointe: The NSA’s Spy Hub in New York, Hidden in Plain Sight أو «تيتا بوينت: مركز التجسس الذى تخفيه وكالة الأمن القومى عن أعين الجميع». والتقرير يتناول واحداً من أخطر برامج التجسس أطلقوا عليه اسم «مشروع إكس»، عبارة عن ناطحة سحاب ضخمة، يمكنها تحمل انفجار ذرى فى وسط مدينة نيويورك، بلا نوافذ، وتتكون من 29 طابقًا مع ثلاثة طوابق تحت الأرض، وبها مخزن ضخم يتسع لغذاء يكفى 1500 شخص لأسبوعين، فى حالة وقوع أى كارثة. أما الهدف من ناطحة السحاب المحصنة، فكان حماية أجهزة الكمبيوتر القوية والكابلات ومراكز الاتصالات التليفونية، التى يضمها أهم مراكز الاتصالات السلكية واللاسلكية فى الولايات المتحدة وأكبر مركز فى العالم لتحويل المكالمات التليفونية للمسافات الطويلة، وتديره «شركة اتصالات نيويورك» تابعة لشركة الاتصالات الأمريكية «إيه تى أند تى».
هذه الناطحة بدأ بناؤها سنة 1969، وبحلول سنة 1974 تم الانتهاء منها، ويقع هذا البرج الرمادى المشيد من الجرانيت والأسمنت فى قلب مدينة مانهاتن، فى شارع توماس عدد 33 ويبلغ ارتفاعه 550 قدمًا فى سماء نيويورك، ولا تزال حتى الآن شركة الاتصالات الأمريكية «إيه تى أند تى» تستخدم هذا النمط من العمارة «الوحشية»، هذا المبنى المملوك لهذه الشركة بحسب وزارة المالية فى نيويورك، يتميز بنمط من الهندسة المعمارية لا مثيل له فى المنطقة المجاورة.
وعلى عكس العديد من المبانى السكنية والمكاتب المجاورة، فإنه من المستحيل معرفة ماذا يحصل داخل مبنى عدد 33، الموجود فى شارع توماس، وعمومًا كانت الخطط الأولية لمصممى هذا المبنى تهدف إلى أن يكون مبنى دون نوافذ ودون إضاءة، ولكن فى الليل تصبح له ظلال عملاقة وتخرج من فتحاته الكبيرة المربعة بعض الانبعاثات المتميزة ويصدر منه صوت خافت بالكاد يكون مسموعًا، بسبب صوت حركة المرور ودوى صفارات سيارات الشرطة.
وبالنسبة لكثير من سكان نيويورك، مثّل المبنى عدد 33 فى شارع توماس، الذى يطلق عليه «بناء الخطوط الطويلة»، مصدرًا من الغموض لسنوات، وقد تم اعتباره أغرب وأشهر ناطحة سحاب فى المدينة، الذى لم تُنشر عنه إلا معلومات قليلة فى وسائل الإعلام.
ومن المألوف أن يتم إخفاء معلومات عن مثل هذه المبانى التى تحتوى على معدات اتصالات حيوية، ولكن المبنى 33 يختلف عن بقية المواقع المشابهة، فوفقًا لتحقيق أجراه موقع الإنترسبت الأمريكى، فإن ناطحة السحاب هذه تمثل أكثر من مجرد مركز لتحويل المكالمات الهاتفية، بل يُعدّ أحد أهم مواقع مراقبة وكالة الأمن القومى على التراب الأمريكى، ويُعتبر مركز مراقبة سرية يتنصت على المكالمات الهاتفية والبيانات الإلكترونية.
لا تكشف الوثائق التى حصل عليها موقع الإنترسبت من إدوارد سنودن الذى كان يعمل مع وكالة الأمن القومى الأمريكى سوى عن أن مبنى 33 الموجود فى شارع توماس ستريت يمثل مركزًا للمراقبة والتجسس، ولكن كل المخططات المعمارية والسجلات العامة والمقابلات التى أجراها الموقع مع الموظفين السابقين لشركة الاتصالات الأمريكية «إيه تى أند تى» توفر أدلة دامغة على أن هذا البناء يُستغل كموقع للمراقبة لوكالة الأمن القومى، ويطلق عليه اسم «تيتان بوينت».
ووفقًا لمهندس سابق فى شركة «إيه تى أند تى»، يوجد داخل هذا المبنى محطة تحويل مكالمات دولية تقوم بتوجيه المكالمات الهاتفية من الولايات المتحدة إلى بقية الدول فى جميع أنحاء العالم، وتشير سلسلة من المذكرات السرية لوكالة الأمن القومى إلى أن الوكالة تقوم بالتنصت على هذه المكالمات داخل منشأة صغيرة موجودة داخل هذا المبنى.
كما يبدو أن ناطحة سحاب مدينة مانهاتن تمثل موقعًا أساسيًا يخدم برنامج مراقبة وكالة الأمن القومى المثير للجدل، الذى يستهدف الاتصالات التابعة للأمم المتحدة وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى، وما لا يقل عن 38 بلدًا آخر، بما فى ذلك حلفاء الولايات المتحدة المقربون، مثل ألمانيا واليابان وفرنسا.
وكان معروفًا منذ فترة طويلة أن شركة «إيه تى أند تى» تتعاون مع وكالة الأمن القومى (وهو ما سبق أن تناولته «الموجز» بكثير من التفاصيل) لكن اليوم ظهرت بعض التفاصيل الجديدة المتعلقة بالدور الذى كانت تلعبه بعض الوحدات فى تنفيذ برامج سرية، كما تقدم وثائق سنودن معلومات جديدة عن كيفية دمج وكالة الأمن القومى بعض المعدات كجزء من شبكة شركة «إيه تى أند تى» فى مدينة نيويورك، كما كشفت تفاصيل لم يسبق ذكرها، عن الأساليب والتقنيات التى تستخدمها الوكالة للتنصت على الاتصالات عن طريق أنظمة الشركة.
وفى هذا السياق، قالت المديرة المشاركة لبرنامج الحرية والأمن القومى فى مركز برينان للعدالة، إليزابيث جوتين: «هذا دليل آخر عن مقدمى خدمات الاتصالات فى بلادنا الذين أصبحوا ذراع الدولة لأنشطة المراقبة والتجسس، ومن المفترض أن وكالة الأمن القومى تعمل تحت مظلة السلطات للتنصّت على الأجانب، ولكن فى الواقع أصبحت هذه الوكالة اليوم جزءًا لا يتجزأ من بنيتنا التحتية للاتصالات المحلية».
ورد «تيتان بوينت» عشرات المرات فى وثائق وكالة الأمن القومى، وفى كثير من الأحيان فى العديد من التقارير السرية المتعلقة بعمليات المراقبة، كما تستخدم أيضًا الوكالة أسماء رمزية أخرى لإخفاء المعلومات الحساسة والمهمة، على غرار أسماء الشركات التى تتعاون معها أو المواقع التى من خلالها تقوم بعمليات تجسس إلكترونى.
ومن ضمن الوثائق التى كشف عنها سنودن، هى دليل السفر السرى لوكالة الأمن القومى بتاريخ أبريل سنة 2011، وفبراير 2013، والذى يكشف عن بعض المعلومات بخصوص هوية موقع «تيتان بوينت» الذى ساعد على ربط الاتصالات فى شارع توماس ستريت، فدليل سنة 2011 الذى وُضع خصيصًا لمساعدة موظفى وكالة الأمن القومى على زيارة مختلف المرافق التابعة للوكالة، يكشف أن مركز تيتان بوينت موجود فى مدينة نيويورك، أما دليل سنة 2013، فيكشف أن «شريكًا» يدعى ليثيوم، ويعتبر هذا الاسم الرمزى التى تستعمله وكالة الأمن القومى لشركة «إيه تى أند تى»، يشرف على زيارات هذا الموقع.
يقع المبنى 33 الموجود فى شارع توماس ستريت بجوار المكتب الميدانى لمكتب التحقيقات الفيدرالى فى نيويورك، ولذلك يعطى دليل سفر وكالة الأمن القومى الأمريكى تعليمات للموظفين المسافرين لمركز تيتان بوينت بالتوجه إلى هذا المكتب، ويضيف الدليل أن الرحلات إلى الموقع يجب أن تكون منسقة مع شركة «إيه تى أند تى» (المشار إليها باسم «ليثيوم») ومع مكتب التحقيقات الفيدرالى، وتحديدًا مع ضابط المراقبة الميدانية.
ومن ضمن التعليمات التى كانت تفرضها وكالة الأمن القومى على موظفيها، أنه عندما يسافر الموظفون إلى مركز تيتان بوينت، يجب عليهم التمويه عبر استئجار سيارة عادية لا تلفت الأنظار بمساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالى، خاصة إذا كانوا سينقلون معدات إلى الموقع، وكذلك من أجل الحفاظ على سرية هوياتهم الحقيقية فى أثناء زيارتهم للموقع، تحذر الوكالة موظفيها من ارتداء أية ملابس تُظهر انتماءهم لفريق وكالة الأمن القومى أو من وضع الشارات التابعة لها.
ويقول دليل سنة 2011 أيضًا، إنه ينبغى على الموظفين فور وصولهم إلى موقع تيتان بوينت، قرع الجرس وتسجيل الدخول، وانتظار قدوم شخص لرؤيتهم، وتجدر الإشارة إلى أنه عندما زار «موقع الإنترسبت» المبنى 33، وجد فعلاً جرسًا أمام مدخله وورقة لتسجيل الدخول على مكتب موجود فى ردهة المبنى، وحارسًا موجودًا هناك على مدار كامل ساعات اليوم، كما يوجد أمام هذا المبنى موقف للسيارات مخصص لموظفى الوكالات الفيدرالية.
وفى تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فى سنة 1994، ذكرت أن المبنى 33 كان جزءًا من الشبكة الذكية العملاقة، «إيه تى أند تى»، ومسئولاً عن تحويل قرابة 175 مليون مكالمة هاتفية يوميًا، كما صرح مهندس سابق ترك منصبه منذ سنة 2004 فى هذه الشركة يدعى توماس سوندرز، فى لقاء مع موقع الإنترسبت، أن هناك قرابة أربعة أنظمة تحويل إلكترونى تُستخدم لتوجيه المكالمات عبر شبكات الهاتف، مشيرًا إلى أن هناك نظامين كانا يقومان بتحويل المكالمات المحلية وآخرين لتحويل المكالمات الدولية.
تصف وكالة الأمن القومى فى وثائقها مركز «تيتان بوينت» ببوابة تحويل المكالمات الخارجية وتؤكد أنه يملك الإذن بالدخول إلى «ريمروك»، الكلمة السرية التى تعتمدها وكالة الأمن القومى للحديث عن أنظمة التحويل الإلكترونية الأربعة.
كما تكشف وثائق وكالة الأمن القومى أيضًا أن إحدى وظائف مركز «تيتان بوينت» هو القيام بعمليات مراقبة ضمن برنامج يسمى سكيدرو، الذى يعمل على اعتراض الاتصالات من الأقمار الاصطناعية، وهذه المعلومة ملفتة للنظر لأنه يوجد بالفعل فى أعلى سطح مبنى 33 العديد من «الصحون اللاقطة».
كما تؤكد سجلات هيئة الاتصالات الفيدرالية أن هذا المبنى هو المكان الوحيد فى مدينة نيويورك الذى يملك ترخيصًا من الهيئة يمنح له الحق فى إنشاء محطات أرضية فضائية.
ويعتبر الرجل الذى كان يقف وراء تصميم مبنى 33، جون كارل وورناك، أحد أبرز المهندسين المعماريين فى الولايات المتحدة فى الستينيات والثمانينيات، وقد قام وورناك بتصميم العديد من المشاريع المهمة الأخرى فى الولايات المتحدة الأمريكية مثل الأكاديمية البحرية الأمريكية فى ولاية ماريلاند ومبنى مكتب مجلس الشيوخ فى واشنطن العاصمة ومبنى الكابيتول الأمريكى الموجود فى ولاية هاواى.
كما كلفت إدارة الرئيس جون كينيدى فى سنة 1962 وورناك بصيانة وإعادة هيكلة المبانى الموجودة فى ساحة لافاييت، على الجانب الآخر من البيت الأبيض.
وبعد اغتيال كينيدى، طُلب من وورناك تصميم الشعلة الخالدة للرئيس وضريحه فى مقبرة أرلينغتون الوطنية، كما يُقال إنه ساعد فى بناء مجمّع السفارة الجديد فى واشنطن للاتحاد السوفيتى، والذى ادعى السوفييت أنهم قد وجدوا فيه معدات تنصت مخفية داخل الجدران.
لم تكن الحكومات هى الوحيدة التى تثق فى وورناك، لكن كانت تربطه أيضًا علاقات وثيقة مع شركات الاتصالات، وربما يكون قد ساهم عن طريق روابطه الأسرية أيضًا فى تطوير هذه الصناعة، حيث كان والد زوجته مدير شركة اتصالات باسيفيك بيل، المتمركزة فى ولاية كاليفورنيا والتى تمثل فرعًا من فروع شركة «إيه تى أند تى»، ففى الستينيات، طُلب منه تصميم مبنى لشركة باسيفيك بيل فى مدينة أوكلاند، كما أنه من المشاع أنه صمم مركزًا للاتصالات الهاتفية فى وليامز، بروكلين، وفى ولاية نيوجيرسى.
أطلقت على بعض الرسومات المعمارية الأصلية لوورناك المشابهة لمبنى 33 تسمية «مشروع أكس»، ويشار إليها أيضًا باسم مبنى برودواى، ويصف وورناك تصاميمه «بناطحات سحاب الأجهزة»، ويقول إنه صممها لاستيعاب أعداد هائلة من معدات الهاتف ولحماية موظفيها فى حال وقع أى هجوم نووى، وعموما شُيّدت معظم هذه المبانى فى أثناء الحرب الباردة، عندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تخشى من احتمال وقوع هجوم نووى سوفييتى.
لم يكن معلومًا عدد الأشخاص العاملين داخل مبنى 33، لكن وفقًا لتصميمات وورناك، فإن هذا المبنى مُعدّ لتوفير مؤونة قرابة 1500 شخص، كما من شأنه أيضا تخزين 250 ألف جالون من الوقود لمولدات الكهرباء، التى من شأنها أن تمكّن المبنى من الحصول على الاكتفاء الذاتى، لمدة أسبوعين، فى صورة قطع التيار الكهربائى فى حالات الطوارئ.
كما أن مخططات هذا المبنى تشير إلى أن هناك ثلاثة طوابق أرضية، حيث أن أحد هذه الطوابق مخصص لكابلات الاتصالات، التى تمر على الأرجح من تحت كل شوارع مانهاتن المزدحمة.
وبعد أن تم بناء هذا المبنى، جذبت هندسته المعمارية المختلفة اهتمام العديدين، حيث إن مظهره البائس والمظلم يتناقض بشكل كبير مع بقية مبانى مانهاتن، ومع ذلك جلبت هندسة هذا المبنى اهتمام هواة الهندسة المعمارية، ففى مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز، صرح الناقد المعمارى الأمريكى الشهير بول جولدبرجر، أن المبنى 33 يعتبر أحد نماذج العمارة الحديثة الجيدة، كما أفاد فى حوار أجراه مع موقع الإنترسبت، أن مبانى شركات الهاتف التى بُنيت فى تلك الحقبة، قد صُمّمت فقط لاستيعاب المعدات وكانت شبيهة بالصناديق الرهيبة، لكن هذا المبنى كانت له جاذبية خاصة، فهناك شىء غامض يدور حول شكله، حيث إنك تنظر إليه وفى نفس الوقت لا تراه.
فى سنة 1975، وبعد انقضاء سنة واحدة فقط من انتهاء أشغال تشييد المبنى 33، وجدت وكالة الأمن القومى نفسها متورطة فى إحدى أكبر الفضائح فى تاريخ أجهزة المخابرات الأمريكية، ووفقًا لذلك بدأت لجنة مختارة من الكونجرس بالتحقيق فى الانتهاكات المزعومة بعد الكشف عن عمليات المراقبة الداخلية التى تستهدف الناشطين المناهضين لحرب فيتنام.
التحقيق الذى ترأسه السيناتور الديمقراطى «فرانك تشرش»، والذى تم نشر نتائجه فى أبريل من سنة 1976، خلص إلى أن وكالات المخابرات الأمريكية قد «انتهكت الخصوصية الفردية واعتدت على الحقوق الشرعية وعلى حرية التعبير السياسى»، كما كشفت التحقيقات فى وقت لاحق، عن برنامج المراقبة الذى تديره وكالة الأمن القومى خلال هذه الفترة الذى استهدف «الإرهابيين المحليين والأجانب المتشددين» المشتبه بهم، بمن فى ذلك مجموعة من الأمريكيين البارزين، كزعماء فى حركة الحقوق المدنية من بينهم مارتن لوثر كينج وويتنى يونج والملاكم محمد على وكاتب عمود فى صحيفة واشنطن بوست بوشفالد وصحفى فى صحيفة نيويورك تايمز يدعى توم ويكر.
أوصت اللجنة التى ترأسها تشرش بوضع ضوابط جديدة على عملية جمع المعلومات المخابراتية، وفى سنة 1978، وافق الكونجرس على قانون مراقبة المخابرات الخارجية الذى يُلزم السلطة التنفيذية بأن تطلب الإذن من المحكمة التى تم تشكيلها مؤخرًا قبل تنفيذ عمليات التجسس.
ومؤخرًا خلال هذا الوقت العصيب الذى تعيشه وكالة المخابرات الأمريكية، أنشأت وكالة الأمن القومى برنامج مراقبة جديداً، يطلق عليه اسم «بلارنى»، والذى قام سنودن بالكشف عن حيثياته فى سنة 2013، ووفقًا لوثيقة غير منشورة سابقًا عرضها سنودن على موقع الإنترسبت، فقد تأسس مشروع «بلارنى» خلال السبعينيات، ومع حلول منتصف سنة 2013، أصبح هذا البرنامج من أكبر برامج وكالة الأمن القومى الأمريكى.
وتذكر الوثائق التى عرضها سنودن أن برنامج بلارنى يستغل أيضًا العديد من الشراكات التجارية التى تسعى فى المقابل إلى استغلال المعلومات التى تحصل عليها من الشبكات العالمية، كما ينفذ هذا البرنامج عمليات مراقبة شاملة فى العديد من المجالات مثل مكافحة عمليات التجسس الخارجية ومكافحة الإرهاب ومراقبة السلك الدبلوماسى والاقتصاد والمجال العسكرى والسياسى.
ومنذ يوليو 2010، تلقت وكالة الأمن القومى ما لا يقل عن 40 عريضة من المحكمة وجهت فيها اتهامات بالتجسس للوكالة فى إطار برنامج بلارنى، الذى يقوم بمراقبة اتصالات العديد من الدول والشركات والمنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى وبنك اليابان والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة، وما لا يقل عن 38 بلدًا آخر، بما فى ذلك حلفاء الولايات المتحدة مثل إيطاليا واليابان والبرازيل وفرنسا وألمانيا واليونان والمكسيك وقبرص، وكان هذا البرنامج المصدر الأساسى لوكالة الأمن القومى فى مجال جمع البيانات بموجب قانون مراقبة المخابرات الخارجية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3
يكون من المهم هنا، توضيح أن «تيتان بوينت» لعب دورًا مركزيًا فى عمليات بلارنى، حيث اعتبرته وثائق وكالة الأمن القومى، المؤرخة ما بين سنتى 2012 و2013، موقعًا مرفقًا للمراقبة من بين ثلاثة من المواقع الأساسية فى مدينة نيويورك التابعة لبرنامج بلارنى، وقد تم استخدام معدات «تيتان بوينت» لمراقبة المكالمات الهاتفية والفاكسات والمكالمات الدولية ومكالمات الفيديو عبر الإنترنت المعتمدة على تقنية «إرسال الصوت عبر الإنترنت».
خلال إحدى القضايا التى ربما تورط فيها المبنى رقم 33 فى شارع توماس، عمل مهندسو وكالة الأمن القومى مع برنامج بلارنى على جمع المعلومات من خلال اختراق معدات الاتصال التى تستعملها بعثة الأمم المتحدة فى نيويورك، وقد أدّت عمليات التجسس إلى جمع معلومات من مراسلات بريد إلكترونى بقيادة الأمم المتحدة بشأن مهام المراقبة فى سوريا، وهو ما أكدته مذكرة صادرة فى أبريل سنة 2012.
وقد انتقد «موجنس ليكوتوفت» الرئيس السابق للدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة برنامج عمليات التجسس هذا، وقال للإنترسبت: «أنشطة التجسس هذه غير مقبولة بالمرة، وتُعدّ خرقًا للثقة المعمول بها فى العلاقات الدولية».
فى موقع تيتان بوينت، يتم تخزين معدات وكالة الأمن القومى داخل غرفة آمنة تعرف بتسمية «منشأة المعلومات الحساسة»، وقد كشفت رسوم بيانية يعود تاريخها إلى أبريل سنة 2012، أن داخل هذا الفضاء الذى يخضع لإجراءات أمنية مشددة هناك معدات تتحكم فيها وكالة الأمن القومى مرتبطة بخوادم الإنترنت التابعة لشريكها، فى إشارة لشركة «أيه تى أند تى».
وخلال هذا البرنامج كان يتم اختراق شبكات الإنترنت وجمع المعلومات من الأجهزة المتصلة بها، ثم يتم تحليل هذه المعلومات فى موقع تيتان بوينت، قبل تمريرها إلى وكالة الأمن القومى لتقوم بتخزينها، وفضلاً عن المكالمات الهاتفية التى تم اعتراضها، تم أيضًا جمع المعلومات المستقاة منها عبر أجهزة للتزويد بالإنترنت تابعة لموقع «تيتان بوينت» بعد أن يتم تمريرها عبر شريكتها «أيه تى أند تى»، ثم يتم إرسال هذه المعلومات إلى مركز عمليات وكالة الأمن القومى فى ميريلاند عبر موقع إنترنت مشترك.
يبدو أن الكثير من عمليات التجسس والمراقبة التى قام بها موقع تيتان بوينت، تتضمن اختراق اتصالات هاتفية ووسائل أخرى للتواصل فى أثناء مرورها عبر خطوط الهاتف الدولية، وخطوط كابل شركة «أيه تى أند تى».
إلا أن هذا الموقع لديه أيضًا قدرات أخرى وصلاحيات أوسع، حيث إن وثائق وكالة الأمن القومى تشير إلى أنه مزود بجهاز الأقمار الصناعية الذى يتمتع بقدرة التقاط قوية، وعلى الأرجح، فإن هذا الجهاز يتمثل فى تلك «اللاقطات» الموجودة فى سطح المبنى 33 فى شارع توماس، حيث تستعمل لاعتراض الإشارات التى يتم بثها فى الهواء.
ويركز برنامج سكيدرو للتجسس على «شفط» المعلومات من الإنترنت، فى عملية تعرف بتسمية «مخابرات الشبكة الرقمية»، حيث يتم اعتراض المعلومات فى أثناء مرورها بين الأقمار الصناعية التابعة لدول أجنبية، وبعد جمع هذه المعلومات تُعرض عبر نظام «إكس كى سكور»، وهو نظام تجسس ضخم يشبه جوجل، يستعمله موظفو وكالة الأمن القومى للبحث عن معلومات شخصية وسط كمية مهولة من المعلومات المتنوعة لمعرفة عناوين البريد والمحادثات الشخصية ومحادثات سكايب وكلمات السر وسجل المواقع التى زارها المستخدم.
وقال فليتشر كوك المتحدث باسم شركة «أيه تى أند تى»، فى حوار له مع موقع «الإنترسبت»، إن شركته لا تسمح لأية وكالة حكومية بالاتصال مباشرة بشبكات الشركة أو التحكم فيها من أجل الحصول على معلومات.
وأكد فليتشر كوك أيضًا أن شركة «أيه تى أند تى» تتفاعل فقط مع الطلبات الحكومية، فيما يتعلق بالمعلومات التى هى على علاقة بدعاوى قضائية، وفى حالات طارئة يتم أيضًا توفير هذه المعلومات بشكل تطوعى وقانونى عندما تكون حياة شخص ما فى خطر ويكون الوقت عاملاً حاسمًا، مثلما يحدث فى حالات الاختطاف.
وأضاف كوك أيضًا أن ممثلى وكالة الأمن القومى ليست لهم إمكانية الولوج لأى من الغرف الآمنة والفضاءات الخاصة التى تعتمد عليها شركة «أيه تى أند تى» فى الجزء الذى تملكه فى المبنى رقم 33 فى شارع توماس.
وعند محاصرته بالأسئلة عما إذا كانت هناك غرفة فى المبنى رقم 33 فى شارع توماس تحتوى على معدات تستعمل من قبل وكالة الأمن القومى بهدف التجسس، أشار هذا المتحدث باسم شركة «أيه تى أند تى» إلى واقعة حدثت فى سنة 1983، حينما أعلن فى مدينة نيويورك عن أن شركة «فيريزون» التى كانت تملك هذا المبنى فى الماضى، حافظت على ملكية 3 طوابق وطابق أرضى فى هذا المبنى.
وقد أعلنت وزارة المالية فى نيويورك أن هذه الشركة المالكة سابقًا للمبنى لا يزال لديها الحق فى استغلال هذا الفضاء وهى تدفع ضرائبها، إلا أنها أكدت أن شركة «أيه تى أند تى» تملك كامل المبنى، فيما رفض المتحدث باسم الشركة تقديم المزيد من المعلومات أو التعليق.
ولا توضح وثائق وكالة الأمن القومى ما إذا كانت قادرة على التواصل بشكل مباشر أو التحكم بأية طريقة فى شبكات شركة أيه تى أند تى، إلا أنها توضح بشكل قطعى أن الوكالة قامت بتركيز معداتها الخاصة بها داخل موقع تيتان بوينت، من أجل اختراق مكالمات هاتفية ومعلومات عبر الإنترنت.
ومن المحتمل أن تكون الغرفة المؤمّنة والتى تم فيها تركيز المعدات، تخضع لإشراف مباشر من مهندسى وفنيى شركة «أيه تى أند تى»، الذين يملكون تصريحًا أمنيًا للولوج إلى هذا الموقع.
وقد كشفت وثيقة تابعة لوكالة الأمن القومى، يعود تاريخها إلى مارس 2013، عن «إمكانية وجود علاقة من هذا النوع بين الوكالة والشركة، حين أشارت إلى وجود مواقع تعاون ثنائى تجمع منها الوكالة معلومات رغم أنها غالبًا ما تخضع لإشراف الشريك الذى يقوم بتصفية المعلومات الواردة فى الاتصالات قبل إرسالها لوكالة الأمن القومى».
وكما حدث سنة 1983، فإن شركة «أيه تى أند تى»، ربما لا تكون بمفردها فى المبنى رقم 33 فى شارع توماس، ففى مطلع هذه السنة كشف موظف تقنى يعمل فى هذا المبنى، فى لقاء مع «الإنترسبت»، أن هناك مجموعة من موظفى شركة فيريزون، لا يزالون موجودين فى المبنى.
إلا أن وثائق وكالة الأمن القومى لا تشير إلى أن شركة فيريزون متورطة فى عمليات التجسس هذه فى موقع تيتان بوينت، وتشير فقط إلى مشاركة شركة «أيه تى أند تى» فى هذه العمليات، ويذكر أن شركة فيريزون رفضت التعليق على هذه المعلومات.
ومن المؤكد أن شركة «أيه تى أند تى» ليست الوحيدة التى تربطها علاقة بوكالة الأمن القومى، حيث إن هذه الوكالة أقامت أيضًا ما تسميه «شراكة استراتيجية» مع أكثر من 80 شركة، إلا أن البعض من هذه الشركات أظهرت تعاونًا أكثر من الأخرى.
وتاريخيًا حرصت شركة «أيه تى أند تى» دائمًا على المحافظة على روابط متينة مع الحكومة، والدليل على ذلك هذه الحادثة التى وقعت فى يونيو سنة 1976، عندما أصدرت لجنة فرعية تابعة للكونجرس أمرًا ملزمًا للشركة يطالبها بتسليم معلومات عن دورها فى ممارسات غير قانونية، مثل تورط مكتب التحقيقات الفيدرالى فى التجسس على مكالمات هاتفية على خطوط أرضية.
وقد تدخل الرئيس جيرارد فورد شخصيًا لتعطيل هذا القرار الملزم، معلنًا أن شركة «أيه تى أند تى» كانت ولا تزال تابعة لحكومة الولايات المتحدة، وهى تعمل بموجب عقد يربطها بالسلطة التنفيذية.
كما قال الرئيس فورد إن هذه الشركة تحظى بموقع خاص جدًا فيما يتعلق بأجهزة الهاتف وبقية خطوط الاتصال فى الولايات المتحدة، ولذلك فإنه من الضرورى للسلطة التنفيذية فى الولايات المتحدة الاعتماد على خدماتها وطلب مساعدتها فى الحصول على معلومات محددة تهمّ السياسة الخارجية والدفاع عن الأمن القومى الأمريكى.
وأكد فورد أن التفاصيل التى تريد اللجنة التابعة للكونجرس الحصول عليها لا يمكن الكشف عنها، لأنها قد تشكل خطرًا يصل إلى حد «الكشف عن معلومات مخابراتية هامة وحساسة».
وفى العقود التى تلت هذه الحادثة، أوردت صحيفتا نيويورك تايمز وبروبوبليكا فى السنة الماضية، أن شركة «أيه تى أند تى» سمحت لوكالة الأمن القومى بالولوج لمليارات الرسائل الإلكترونية، وهو ما يكشف سياسة هذه الشركة التى تصفها وكالة الأمن القومى بأنها تظهر «رغبة كبيرة فى مدّ يد المساعدة»، هذه الأسرار التى تم كشفها كانت قد سبقتها مؤشرات أخرى على وجودها فى سنة 2006، حين أعلن موظف سابق فى شركة «أيه تى أند تى» يدعى «مارك كلاين» أن الشركة كانت تحافظ على «غرفة آمنة» بأحد مكاتبها فى سان فرانسيسكو، التى كانت تستعمل لوضع معدات مراقبة الاتصالات، والتى على ما يبدو تستعملها وكالة الأمن القومى لاختراق أجهزة الهاتف وشبكة الإنترنت.
هذه التسريبات التى قدمها كلاين، كانت منطلقًا لرفع دعوى قضائية قدمتها مؤسسة «إلكترونيك فرونتير» وإلى الآن لا تزال هذه القضية فى أروقة المحاكم دون أن يصدر فيها حكم قضائى نهائى.
ويصادف أن هذا الشاهد مارك كلاين، كان قد عمل بين سنتى 1981 و1990 مع شركة «أيه تى أند تى» فى المبنى رقم 33 فى شارع توماس، وبخصوص هذه الفترة قال كلاين «لم أكن على علم بوجود عملاء وكالة الأمن القومى عندما كنت هناك، ولكن كان يساورنى شعور غريب عن هذا المبنى، لأننى كنت على علم بالتعاون الوثيق بين شركة «أيه تى أند تى» والبنتاجون، والذى يعود إلى وقت بعيد».
كما قال كلاين فى حواره مع «الإنترسبت»، إنه لم يفاجأ بالمعلومات التى ظهرت بشأن ارتباط المبنى رقم 33 فى شارع توماس بموقع تيتان بوينت التابع لوكالة الأمن القومى، وقال: «من الواضح أن هذا المكان يحتوى على معدات ضخمة، وإذا كنت تريد القيام بعمليات تجسس فإن هذا هو المكان المناسب لذلك».
وبحسب وثائق كشف عنها إدوارد سنودن، فإن شركة «أيه تى أند تى» قامت بتركيز معدات تجسس فيما لا يقل عن 59 موقعًا فى الولايات المتحدة، وفى أى يوم من الأيام قد يكون موظفو وكالة الأمن القومى بصدد العمل فى مكاتب هذه الشركة.
وقد أشارت مذكرة سرية بتاريخ أبريل سنة 2013، إلى إرسال موظفين تقنيين تابعين لوكالة الأمن القومى للقيام بمهمات تمتد من يوم إلى 4 أيام فى موقع تيتان بوينت ومبان أخرى، إلا أن أغلب موظفى شركة «أيه تى أند تى» فى هذه المواقع لا يبدو أن لديهم علم بحضور عملاء وكالة الأمن القومى والنشاط الذى تقوم به، إذ إن عملاء الوكالة يقومون بارتداء ملابس والتصرف بطريقة تساعدهم على الاختلاط بين الناس وعدم كشف هويتهم.
هنا، نشير إلى أن صحيفتا «واشنطن بوست» و«جارديان» كشفتا فى 10 يونية 2013 أن وكالة الأمن القومى الأمريكى «إن سى إى» ومكتب التحقيقات الفيدرالى «أف بى آى» يمكنهما الدخول مباشرة إلى تسعة خوادم من عمالقة الإنترنت فى الولايات المتحدة منها مايكروسوفت وياهو وجوجل وفيس بوك، لمراقبة النشاطات الرقمية لمن لا يحملون الجنسية الأمريكية. وكان «بريزم» هو اسم البرنامج السرى الذى تقوم من خلاله وكالة الأمن القومى الأمريكى «NSA» منذ سنة 2007 وبإذن من قاض فيدرالى، بمراقبة النشاط والتبادل الرقمى لأشخاص لا يحملون الجنسية الأمريكية والذين يستعملون الخدمات الإلكترونية المختلفة لشركات الإنترنت الأمريكية المعروفة.
وفى التاريخ نفسه، كشف «إدوارد سنودن»، وهو موظف سابق فى وكالة المخابرات الأمريكية، للـ«الجارديان»، مسئوليته عن تسريبه هذه المعلومات التى تكشف أن الولايات المتحدة تستخدم برامج سرية لمراقبة مستخدمى الإنترنت فى أى مكان فى العالم عبر وكالة الأمن القومى الأمريكية.
وحسب صحيفتى «واشنطن بوست» و«جارديان» التى سرب لهما إدوارد سنودن الوثائق المعنية بعمليات المراقبة الإلكترونية هذه، فإن عملاء المخابرات الأمريكية يقومون ضمن برنامج «بريزم» بنسخ التبادلات الرقمية على أنواعها من الدردشات الصوتية، الفيديو، الصور والبريد الإلكترونى والاتصالات التليفونية عبر الإنترنت بالإضافة إلى حفظ سجل الاتصالات بما يتيح لمحللى المخابرات الأمريكية مراقبة وملاحقة «أهداف» أجنبية يعتقد أنها أهداف إرهابية.
ويقوم عملاء وكالة الأمن القومى باستخراج البيانات الرقمية مباشرة من خوادم شركات الإنترنت كشركة مايكروسوفت وياهو وجوجل وفيس بوك وخدمة الدردشة «بال توك» وسكايب وآبل وذلك دون تصريح قضائى للتجسس على هؤلاء المستخدمين لأنهم يقيمون خارج الولايات المتحدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4
وما من شك فى أن القدرة على الوصول إلى العالم، واحدة من الأدوات الفاعلة لمنظومة الهيمنة. وأن العولمة التى تقودها الولايات المتحدة أزالت العوائق أمام التدفق الحر للأموال والبضائع والمعلومات، بما صاحب إزالة هذه الحواجز من تكاليف ضخمة.. لكن هذه التكاليف لم تتحمل أعباءها غير الدول الأخرى، التى اضطرت لضبط قواعدها المحلية فى محاولة منها للاستفادة من الانفتاح الاقتصادى العالمى، فكانت النتيجة هى أن المستفيد الأوحد كانت أمريكا، التى أصبح مسموحاً لها إيجاد أسواق جديدة وبناء سلاسل التوريد الدولية المعقدة التى تؤدى إلى انخفاض تكاليفها.
وهو ما استفادت منه الشركات التكنولوجية الكبرى، مثل فيسبوك وجوجل واستغلت هذا الانفتاح وتحدت بشكل صارخ القواعد المحلية والوطنية فى دول العالم المختلفة.. الأمر الذى رفع من أهمية الدولار الأمريكى والسوق الأمريكية.
وخلال السنوات الـ15 الماضية، مارست واشنطن هذه السياسة على نحو متزايد بوصفها سلاح، وتحكمت بذلك فى تشكيل قرارات حكومات غالبية دول العالم والشركات التى أصبحت تعتمد كلياً (تقريبا) على عملة الولايات المتحدة، إضافة إلى قطاع المعلومات. وبدلاً من أن تنشر الولايات المتحدة قواعدها وتفضيلاتها من خلال آليات السوق المعتادة، فإنها سخرت القوة لأسواقها وشبكات المعلومات التى تتحكم فيها لتحقيق أهدافها الأمنية والسياسة الخارجية.واستطاعت تطبيق العقوبات والتلاعب بخصومها اقتصادياً. وتدريجياً أصبحت الولايات المتحدة الآن تسيطر على التدفقات المالية وتدفقات المعلومات أيضاً. وصار بإمكانها تكبيد الخسائر للمؤسسات المالية الأجنبية إذا لم تتوافق مع القواعد الأمريكية.
إحدى هذه الاستراتيجيات أطلقوا عليها اسم «حرب الخزانة» وهى الحرب التى وضع قواعدها «خوان زاراتى»، مساعد وزير الخزانة الأمريكية لتمويل الإرهاب والجرائم المالية، فى عهد إدارة «جورج دبليو بوش». وتقوم هذه الاستراتيجية على قيام الولايات المتحدة بممارسة الضغوط على المؤسسات المالية الأجنبية لخدمة مصالح وكلاء واشنطن. وبموجب المادة 311 من قانون باتريوت الأمريكى، فإن وزارة الخزانة الأمريكية لديها القدرة على تصنيف أى مؤسسة مالية أجنبية باعتبارها «مؤسسة مشتبه فى تورطها بغسيل الأموال»، وهذا التصنيف يمكن أن يؤثر على قدرة البنك أو المؤسسة على العمل فى الولايات المتحدة ويسمح لواشنطن ممارسة الضغط على المؤسسات المالية العاملة فى الأسواق الأمريكية.
مثلاً، تم إجبار أحد الكيانات المالية التى تقع فى بلجيكا على الإفصاح عن كنز من المعلومات حول التحويلات المالية الإلكترونية فى جميع أنحاء العالم، وكسر قوانين الخصوصية المتبعة فى الاتحاد الأوروبى. وقد تم استغلال الترابط العالمى أيضاً من أجل دفع الحكومات الأجنبية إلى تغيير الممارسات المحلية حول قضايا لا يبدو أن لها علاقة بالأمن مثل السرية المصرفية، والرشاوى وغسيل الأموال. كما أن البنوك السويسرية، التى طورت أعمالها لمساعدة الأثرياء على تجنب دفع الضرائب فى دول العالم، وجدت نفسها فى بؤرة اهتمام سياسات الأمن القومى الأمريكية.
الغريب أنه عندما حاولت هيئات غير أمريكية تطبيق القواعد المحلية أو الوطنية التى تستخدمها شركات التكنولوجيا الأمريكية، اتهمتها الولايات المتحدة بأنها تحمل دوافع خفية. والمثال الأبرز على ذلك قيام الرئيس الأمريكى «باراك أوباما»، بتفسير الجهود المبذولة من الحكومات غير الأمريكية لحماية مواطنيها ضد الشركات الأمريكية بأنها سياسات حماية كاذبة. وقال فى حوار فى فبراير 2015 حول التحقيقات الأوروبية المتعلقة بفيسبوك وجوجل: «شركاتنا قامت بتأسيس الإنترنت وتطويره بطريقة لا يستطيع الأوربيون منافستها. وفى كثير من الأحيان فإن ما يتم تصديره على أنه مواقف سامية (حماية المستخدمين) لا هدف له غير تحقيق بعض المصالح التجارية».
أوباما قال ذلك، بينما شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، تواصل جمع المعلومات الشخصية المفصلة وتغذى بها دولة المراقبة الأمريكية. وحيث إن الدول الأخرى لا يمكنها توجيه الاتهامات المباشرة نحو وكالة الأمن القومى الأمريكية، فإنها تحاول الآن إجبار الشركات الأمريكية على تغيير أنظمتها.
وبفضل ما كشفه «إدوارد سنودن»، فإن الاستياء من الممارسات المخابراتية الأمريكية تحول إلى معارضة نشطة، بعد أن أظهرت ملفات «سنودن» أن الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع حلفائها الرئيسيين، قد استغلوا نقاط الضعف التكنولوجية للتجسس على العالم، وجمع كميات هائلة من البيانات من الاتصالات الشخصية لمئات الملايين من البشر وتمشيطها من أجل الحصول على المعلومات الأمنية ذات الصلة. وهذا يعنى أن واشنطن التى أمضت سنوات فى الدعوة إلى الإنترنت المفتوح وأدانت المراقبة الرقمية التى فرضتها بلدان مثل الصين وروسيا قد استغلت هذا الإنترنت المفتوح لأغراض خبيثة. وكانت الولايات المتحدة تبشر علناً بالتدفق الحر للمعلومات، فى حين أن هذا التدفق كان يتم توجيهه سراً إلى خوادم وكالة الأمن القومى. وقد أيدت بشدة التوسع العالمى لشركات التكنولوجيا.
وبينما كانت الولايات المتحدة تدافع عن حق نشطاء ما يوصف بـ«الربيع العربى»، فى استخدام شبكات التواصل الاجتماعى فيسبوك وتويتر، أجبرت تلك الشركات، بمنتهى الهدوء، على تسليم كل ما لديها من كنوز البيانات!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5
ولدينا بالفعل معلومات مؤكدة عن أن المخابرات الأمريكية «سى آى إيه» تراقب يومياً أكثر من 5 ملايين تدوينة قصيرة على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» فى المنطقة العربية وحدها، وأن مصر من أكبر الدول التى تتم مراقَبتها! وهناك مركز خاص يقوم بأعمال المراقبة اليومية وعمل تقرير يومى بالتفاصيل وعرضها على الرئيس الأمريكى «باراك أوباما».
وإضافة إلى ذلك، فإن القيادة المركزية للجيش الأمريكى، التى تشرف على العمليات المسلحة الأمريكية فى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، تعاقدت مع شركة «كاليفورنيا» من أجل تطوير برنامج يسمح للمسئول الواحد من المخابرات الأمريكية بأن ينتحل 10 هويات إلكترونية مختلفة، وأن هناك برامج و«سيرفرات» خاصة لعدم كشف تلك الشخصيات الوهمية، وإظهارها على أنها شخصيات حقيقية تتناقش على «فيسبوك» و«تويتر»، وتنتمى أيضاً لمصر والعالم العربى؛ ما يعنى أن ينشر هؤلاء الأشخاص الوهميون من المخابرات الأمريكية أخباراً ومعلومات كاذبة تصب فى صالح أهداف أمريكية بعينها!
قاعدة «ماكديل» للقوات الجوية بالقرب من تامبا بولاية فلوريدا، مقر قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، هى مركز تلك الوحدة المخابراتية المعلوماتية، وفقاً لما جاء فى نص العقد بين الجيش الأمريكى وشركة «كاليفورنيا»، أما العملية فقد أطلقوا عليها اسم «الدمية».
والأرجح هو أن عملية «الدمية» قد تكون جزءاً من عملية أكبر اسمها «OEV»، تتعلق بالحرب النفسية وهى التى جرى تطبيقها فى غزو العراق سنة 2003. وسبق أن أشارت وكالة «أسوشيتد برس» (AP) الأمريكية فى نوفمبر 2011 إلى أن وكالة المخابرات الأمريكية أنشأت منذ أشهر قطاعاً جديداً فى مبنى صناعى فى ولاية فيرجينيا، يعمل به فريق من الخبراء أطلقوا عليهم اسم «أصحاب المكاتب الانتقاميون»، ويقوم هذا الفريق بمراقبة شبكات التواصل الاجتماعى وكل شىء يتوصل إليه الأشخاص علناً، ورصد أى معلومة تنطلق من هذه المواقع ومقارنتها مع الأخبار الصادرة فى الصحف ووكالات الأنباء والنشرات الإخبارية، وحتى التنصت على المكالمات التليفونية. ويتميز هذا الفريق بأنه يهتم بجميع المعلومات وبجميع لغات العالم، ويقدِّم تقريراً مخابراتيا بشكل يومى إلى لـ«البيت الأبيض».
كما سبق أن أكد «جوليان أسانج»، مؤسس موقع «ويكيليكس»، فى حوار مع قناة «روسيا اليوم» فى فبراير 2012 أن موقع «فيسبوك» يعتبر من أكثر أدوات التجسس التى ابتكرها الإنسان رعباً فى تاريخ البشرية، وأكد أن أجهزة المخابرات الأمريكية يمكنها الحصول على معلومات عن أى مستخدم لمواقع الإنترنت الكبيرة فى أيّ وقت تريده. وأكد «أسانج» أن موقع «فيسبوك» يعتبر أكبر قاعدة بيانات خاصة بالبشر حول العالم، بما يحتويه من بيانات عنهم وعن أقاربهم وعلاقاتهم وأعمالهم وعناوينهم، والكثير من البيانات الأخرى، وأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يمكنها الاطلاع عليها والاستفادة منها على النحو الذى تراه مناسباً.
لم تقتصر تحذيرات «أسانج» على موقع «فيسبوك»، بل امتدت إلى مواقع أخرى كبرى فى عالم التكنولوجيا، كمحركى البحث «جوجل» و«ياهو»، بل وجميع الشركات الكبرى الأمريكية، حيث اعتبرها مجرد واجهات لوكالة المخابرات المركزية. غير أن مؤسس «ويكيليكس» أوضح أن تلك المواقع والشركات لا تدار بشكل مباشر من قبل وكالة المخابرات الأمريكية، بل يتم الضغط عليها فى أغلب الأحيان بصورة قانونية أو سياسية لتتعاون مع الوكالة وتعطيها البيانات التى تريدها.
وبوضوح، طالب «أسانج» كل البشر حول العالم بأن يدركوا أن الاشتراك فى «فيسبوك» يعنى تقديم معلومات مجانية لوكالات الأمن الأمريكية؛ لكى تقوم بإضافتها إلى قواعد بياناتهم التى يضعونها لجميع البشر على وجه الأرض.
هناك أيضا مركز تكنولوجى مهم يقع فى مبنى متواضع بحديقة فى ولاية فرجينيا اسمه «Open Source Center»، يديره «دوج ناكوين» الذى سبق أن أكد أن المركز توقع قيام شبكات التواصل الاجتماعى بتغيير قواعد اللعبة فى المنطقة العربية وتقويض النظام فى مصر! وقال أيضاً إن المركز الذى يديره لديه خبراء يتقنون اللغات العربية، ويتابعون كل ما يدور على شبكات التواصل الاجتماعى ويخص الشرق الأوسط يومياً! وأن مواقع مثل «فيسبوك» و«تويتر» تتم مراقبتها يومياً وأصبحت مورداً أساسياً لمتابعة الأزمات التى تتحرك أحداثها بسرعة!
ما لدينا من معلومات يؤكد أيضاً حصول وكالة الأمن القومى الأمريكية على إذن دخول مباشر على أنظمة جوجل، فيس بوك، وغيرهما من مواقع الإنترنت فى الولايات المتحدة، وهناك وثيقة سرية تثبت وجود برنامج لم يتم الكشف عنه يسمى «بريزم»، يسمح للمسئولين بجمع المواد بما فيها سجل البحث، ومحتوى رسائل البريد الإلكترونى ونقل الملفات والمحادثات الحية.
هذه الوثيقة التى تقع فى 41 صفحة عبارة عن برنامج خاص بتدريب عملاء المخابرات على قدرات البرنامج، الذى يجمع المعلومات مباشرة من خوادم مقدمى الخدمات الرئيسيين فى الولايات المتحدة. استنادا إلى تمكين وصول وكالة الأمن القومى للمعلومات الذى تم تفعيله بالتغييرات فى قانون المراقبة التى تم إقرارها فى عهد إدارة الرئيس السابق جورج بوش، وتم تجديد الموافقة عليها فى ديسمبر 2012. ومن الوثيقة نكتشف أن برنامج «بريزم» يوفر مراقبة متعمقة على الاتصالات المباشرة والمعلومات المخزنة.. أما تعديلات القانون فتسمح باستهداف أى عملاء فى الشركات المشتركة من خارج الولايات المتحدة، أو الأمريكيين الذين تشمل مكالماتهم أشخاصاً من خارج أمريكا.
الطريقة التى تستخرج بها وكالة الأمن القومى ما تريده من معلومات غير معتادة بحسب الوثيقة، تتمثل فى تجميع البيانات مباشرة من أجهزة الحاسب الرئيسية لمزودى الخدمات الأمريكية، مايكروسوفت وياهو وجوجل وفيسبوك وبالتوك وأمريكا أون لاين وسكايب ويوتيوب وأبل.
وأشارت إلى أن برنامج «بريزم» جرى إطلاقه من بقايا برنامج سرى لجورج دبليو بوش خاص بالرقابة الداخلية التى تتم دون تصريح سنة 2007 بعد أن أجبرت تغطيات وسائل الإعلام الإخبارية، وعدد من الدعاوى القضائية بشأن مراقبة المخابرات الأجنبية، الرئيس على البحث عن وسيلة جديدة لفرض سلطاته.
ومما يثير الدهشة أن جيمس كلابر، مدير المخابرات الأمريكية، حين تسربت تلك الوثيقة لوسائل الإعلام منتصف 2013 أصدر بياناً أعلن فيه أن «المعلومات التى يجرى تجميعها بموجب هذا البرنامج هى من بين أكثر المعلومات المخابراتية الأجنبية المهمة والقيمة التى نجمعها، ويتم استخدامها فى حماية دولتنا من مجموعة واسعة من التهديدات. إننا نشجب هذا الكشف - غير المصرح به - عن هذا البرنامج المهم والقانونى تماماً، إذ إنه يعرض إجراءات حماية أمن المواطنين الأمريكيين للخطر».
ما يثير الدهشة أكثر (وربما يدعو للسخرية) أن جيمس كلابر (الذى يرأس جهازاً يضم 17 وكالة مخابرات)، أعلن يوم الأربعاء الماضى أنه قدم استقالته إلى الكونجرس، وخلال جلسة استماع أمام مجلس النواب الأمريكى، أوضح كلابر أنه لن يكون مستعداً للبقاء فى منصبه بعد تولى ترامب الرئاسة رسمياً فى 20 يناير القادم. وأضاف أمام اللجنة الدائمة للمخابرات بالمجلس: «أمامى 64 يوماً، وأعتقد أننى سأواجه أوقاتاً صعبة مع زوجتى بعد ذلك»!