ياسر بركات يكتب عن: نجل رئيس الجمهورية يقود البلاد إلى المجهول تونس.. مافيا الفساد تحكم المـدينة!!
كلما توافرت لدينا معلومات تكشف تردى الأوضاع فى تونس، تساءلت متعجباً عن سر إشادات الغرب، وبعض المحسوبين على المعارضة المصرية، بالنموذج التونسى!
مؤشرات كثيرة تؤكد أن تونس تحولت إلى دولة مافيا، وطبقاً لغالبية تقارير المنظمات الدولية، فإن كل عشرة مشروعات هناك أكثر من ستة مشروعات تدار بالفساد، وهناك تقارير عن مليارات من أموال الدولة التى يتم نهبها سنوياً، وتقريباً هناك إجماع من الخبراء فى تونس على أن الفساد ينخر فى تونس ويؤكدون أن انتشار ما يعرف بـ«الفساد الصغير» جعل شرائح واسعة من التونسيين «تطبع» وتتعايش مع الفساد من أجل تسيير شئونها.
هذا غير المال الفاسد الذى يمول الأحزاب، وكثير من المتابعين يؤكدون أنها أحزاب فى غالبيتها تعانى من الفساد، وأنها مخترقة من الفاسدين أو ما أصبح يُعرف بالمال الفاسد.
ويرجع كثيرون تجنب الأحزاب الكبرى الخوض فى ملفات الفساد المتشعبة إلى المال السياسى وعلاقة هذه الأحزاب برجال الأعمال الضالعين فى قضايا فساد والمعروفين بالاسم ويمثلون نقاطاً سوداء فى سجل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، وزاد الأمر سوءاً بدخول بعض هؤلاء (رجال الأعمال الفاسدين) على الخط الحكومى بصفة علنية ورسمية وأصبحوا من الفاعلين السياسيين وأصحاب القرار وجزءا من تركيبة الحكم هناك.
وبشكل عام، أحدث التراجع فى مقاومة الفساد الذى يعد من الملفات الحساسة والمحورية، حالة من الإحباط عبّر عنها بأشكال مختلفة سياسيون وخبراء تساءلوا عن مصير الملفات التى تم العمل عليها طوال الفترة الماضية والتى اقتصرت على الجانب النظرى فى غياب خطوات عملية.
أضف إلى كل هذا أن آخر الإحصائيات تشير إلى أن أكثر من 90٪ من الاقتصاد التونسى خارج سيطرة الدولة، وسبق أن أعلن شوقى الطبيب، رئيس هيئة مكافحة الفساد فى تونس، «أن استشراء الفساد سيولّد ثورة ثانية تطرد الرئيس والحكومة والنوّاب، وحتى أعضاء هيئة مكافحة الفساد». وأكد أن الفساد عم أكثر فى البلاد بعد الثورة!
غير أن الأكثر خطورة مما سبق، هو الفساد السياسى الذى يستهدف إعادة توزيع «منظومة نهب الثروات الوطنية» من خلال سعى كثير من السياسيين الجدد إلى تحقيق مصالح شخصية وتكديس الثروات بالاستعانة بالوسائل القديمة غير المشروعة وتطويع الأدوات التى سبق أن استعملها نظام زين العابدين بن على لمواصلة معادلة الفساد: تطويع القوانين للحصول على الامتيازات، وهو ما أكده تقرير للبنك الدولى حول الوضع الاقتصادى التونسى بعنوان «الثورة غير المكتملة».
كما تكشفت طرق وفرص جديدة للفساد من خلال الصراع على إعادة السيطرة على مخصصات وأصول النظام القديم، وخاصة الشركات الكبرى التى كانت مملوكة لعائلة بن على والتى صودرت بعد الثورة وسرعان ما تم رفع المصادرة عن العديد منها.
وفى السياق ذاته، يأتى التقرير الذى نشرته مجلة «جون أفريك» وتناول الدور الذى يلعبه حافظ قائد السبسى، نجل الرئيس التونسى الحالى، والذى تسبب فى كثير من الاضطرابات التى عاشتها تونس مؤخراً!
التقرير الذى نشرته المجلة الفرنسية كشف أن حافظ قائد السبسى، الذى يشغل منصب المدير التنفيذى لحزب نداء تونس، لا يتوانى عن فرض هيمنته الكاملة على الحركة، ما أثار غضب باقى أعضاء الحزب، خاصةً أن الشاهد اتخذ فى مناسبات عدة قرارات فردية ومبادرات فى غير أوانها، وهو ما زاد فى تعمق أزمة هذا الحزب.
وذكرت المجلة أنه منذ العامين الماضيين، أصبح الحزب الذى فاز فى انتخابات 2014، مسرحاً لمعركة مبتذلة تطغى عليها المشاحنات والخلافات، والمصالح والأنانية المفرطة، وذلك بسبب الإدارة «الرجعية» وغير الديمقراطية للمدير التنفيذى للحزب الذى أسسه والده.
وفى هذا السياق، تحدث العضو المؤسس للحزب، بوجمعة الرميلى، عن السياسة الاستبدادية التى يتبعها حافظ السبسى فى إدارة هذا الحزب، مستنكراً عملية اتخاذه لقرارات فردية، وفرضها على الحزب دون استشارة أعضاء المجلس التنفيذى.
وذكرت «جون أفريك» أن الانتقادات ذاتها تم توجيهها إلى القيادى فى الحزب ورئيس الحكومة، يوسف الشاهد، خلال مفاوضات تشكيل حكومة وحدة وطنية، التى عُقدت فى شهرى يوليو، وأغسطس من هذه السنة.
وفى هذا السياق، أشار مدير المكتب السياسى للحزب، نبيل القروى، إلى سياسة التفرد باتخاذ القرارات التى يتبعها حافظ السبسى، والتى تتجاهل مضمون الاجتماعات التى تُعقد فى قصر قرطاج.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال اجتماع عُقد فى مدينة قمرت، يوم 18 سبتمبر الماضى، أعلن حافظ السبسى بصفة غير متوقعة تعيين الشاهد رئيساً للجنة السياسات فى الحزب، ودمجه لبعض الوزراء كأعضاء جدد فى الحزب.
وأشارت «جون أفريك» إلى أن قرار تعيين الشاهد رئيساً للجنة السياسات يعدّ إحدى مناورات حافظ السبسى، التى تهدف إلى تقويض مصداقية الشاهد، والذى يتطلب منصبه منه كرئيس لحكومة وحدة وطنية الابتعاد عن كل المواقف الحزبية، والسعى إلى تحقيق المصالح العليا للبلاد.
وقال أحد الناشطين فى حزب نداء تونس إنه «من الحكمة أن يوحّد يوسف الشاهد بين كل أحزاب تونس، ويكرّس كل جهوده نحو إنقاذ الدولة التونسية، عوضاً عن الحزب».
ويُعتقد أن مناورة حافظ السبسى الأخيرة تهدف بالدرجة الأولى إلى إحكام قبضته على السلطة التنفيذية، وبدرجة ثانية إلى إرضاء باقى أعضاء الحزب، الذين يعتقدون أن حزب نداء تونس ليس ممثلاً بالشكل الكافى داخل الحكومة.
وأكدت «جون أفريك» أن السبسى يقف وراء كل الأزمات التى مرّ بها الحزب منذ نشأته، فقد أدّت سياسته إلى خلق العديد من النزاعات والانشقاقات الداخلية، حيث دفعت قراراته المتعنتة إلى تهديد وزير التربية والتعليم بانسحابه من منصبه مؤخراً. كما اتهمه القيادى البارز فى الحزب، خميس قسيلة، بإلحاق الأذى بالحزب وكامل كيان الدولة.
كما أن رئيس اللجنة السياسية السابق، رضا بلحاج، الذى لطالما دافع بضراوة عن مواقف حافظ السبسى، أعرب عن قلقه من محاولة «الانقلاب» التى يقوم بها السبسى الابن، مؤكداً أنه الشخصية الرئيسية التى تقف وراء كل الأزمات التى يشهدها الحزب منذ تأسيسه.
وأوضحت «جون أفريك» أن عدم امتلاك حافظ شرعية سياسية ساهم فى تفاقم الغضب السياسى، حيث إن هذه الشخصية كثيراً ما أثارت جدلاً كبيراًً؛ بسبب مبادراتها وقراراتها المقلقة التى كانت تتخذها دون التشاور مع بقية قيادات الحزب، وهو ما عكس مدى رغبته فى إحكام قبضته على السلطة.
وعندما طالب بعض أعضاء المجلس التنفيذى بتمثيل أفضل لهم، وبوضع حدّ لممارسات نجل رئيس الجمهورية، قال نبيل القروى إن حافظ قائد السبسى أكّد أنه المسئول الوحيد عن الحزب، مشيراً إلى أن كل من لا يرغب فى الانصياع لرغباته يمكنه التخلى عن عضويته بالحزب.
وأفادت المجلة بأن المقربين من المدير التنفيذى لحزب نداء تونس ساهموا فى تعزيز رغبته فى الهيمنة على السلطة. كما أن الدعم الأولى الذى قدّمه والده له ساهم فى تعمق استبداديته؛ ما أدى إلى اتهام النائب عن حزب العمال التونسى، عمار العمروسى، لرئيس الجمهورية، علناً، بإرباك النظام الجمهورى للدولة التونسية.
وقالت المجلة إن أى أزمة جديدة سيشهدها هذا الحزب يمكن أن تؤدى إلى حدوث شرخ كبير داخل صفوفه فى البرلمان، والتى من المرجح أن تكون لها تداعيات خطيرة على الحزب، كما يمكن أن تؤدّى إلى توتر الوضع السياسى فى البلاد.
وتساءلت «جون أفريك» عن مدى قدرة حزب نداء تونس على الاستمرار فى منافسة حركة النهضة، وإلى أى مدى ستسمح الأزمة التى يشهدها الحزب حالياً بظهور قوة سياسية جديدة، معتبرة أن الأزمات المتكررة لهذا الحزب فتحت المجال أمام أحزاب اليسار للاستفادة من الوضع.
انتهى تقرير «جون أفريك»، الذى لا يمكن قراءته بمعزل عن المؤشرات الاقتصادية العديدة التى تنذر باتجاه تونس نحو أزمة غير مسبوقة، وبإمكانية انزلاقها نحو إفلاس الخزينة العامة للدولة، نتيجة عدم الاستقرار السياسى والأمنى الذى تشهده البلاد منذ سنوات عدة.
فعلى مدار أكثر من خمس سنوات، تعثر النمو الاقتصادى فى تونس حتى إنه لم يتجاوز 1% خلال الربع الأول من السنة الحالية، وفى الوقت نفسه فقد الدينار التونسى قيمته أمام الدولار واليورو، وتجاوزت معدلات البطالة 15%، وساء الوضع الاقتصادى فى البلاد إلى ما هو أكثر من ذلك.
كما تشهد تونس، تقلصاً ملحوظاً فى الإنتاج، خاصة فى قطاعين أساسيين لجلب العملة الصعبة للبلاد وهما السياحة والمناجم اللذين تكبدا خسائر مالية كبيرة وكلفا ميزانية الدولة عجزا بقيمة 2.5 مليار دولار و1.76 مليار دولار على التوالى.
ونتيجة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى تمر بها تونس وحالة عدم الاستقرار التى تعيشها؛ عجزت البلاد عن تحقيق نسبة النمو المتوقعة (2.5%)، وهو ما أثر سلبا على موارد الدولة، وخلف خسارة بين 15 و20 ألف موطن شغل جديد.
وأشار تقرير صادر عن البنك المركزى التونسى، خلال أغسطس الماضى، إلى أن الأوضاع الإقليمية المحيطة بتونس، إلى جانب الأوضاع المحلية، (عدم الاستقرار السياسى وتواصل الاحتجاجات وعدم الاستقرار الاجتماعى فى مناطق الإنتاج، والتأخير فى تنفيذ الإصلاحات الضرورية ومنها مجلة الاستثمار)، من شأنها أن تزيد من الضغط على الوضع الاقتصادى فى البلاد.
أيضاً، واجهت ميزانية الدولة لسنة 2016عجزا كبيراً، نتيجة الصعوبات المالية التى يواجهها كثير من الهياكل العمومية، وعلى رأسها الصناديق الاجتماعية وكبرى المؤسسات الحكومية، وفاتورة مكافحة الإرهاب والزيادات المتتالية فى الميزانيات المخصصة للمؤسستين العسكرية والأمنية. وبلغ الدين الخارجى لتونس خلال السنة الحالية 27 مليار دولار، بما يوازى 69٪ من الناتج القومى الإجمالى.
وإلى جانب ارتفاع الدين الخارجى لتونس، شهدت عملتها المحلية انهياراً غير مسبوق، نتيجة تزايد الطلب على العملة الأجنبية اللازمة للحصول على الواردات، فى ظل تفضيل التونسيين للمنتجات المستوردة؛ ما خلق طلباً كبيراً على العملة الأجنبية.
ويكلف انهيار العملة المحلية، تونس، أعباء إضافية، إضافة إلى تخصيص 6.5 مليار دولار لنفقات الأجور، وتخصيص نحو 2.5 مليار دولار لنفقات التنمية، وأكثر من 25 مليار دولار للدين العمومى.
وسبق لمحافظ البنك المركزى الشاذلى العيارى، أن أكد فى وقت سابق، أن «تمويل ميزانية 2017 سيكون صعبا فى ظل عدم كفاية الموارد الضريبية، التى لا تغطى النفقات الجارية مثل أجور القطاع العام ودعم المؤسسات وميزانيات الصناديق الاجتماعية».
هكذا، تدخل تونس إلى المجهول، ولا نستبعد نهايات مؤسفة، خاصة مع توالى ظهور وقائع عديدة تكشف كيف توغل الفساد فى تلك الدولة وكيف قامت حكوماتها المتعاقبة (بعد الإطاحة بزين العابدين بن على) بتعطيل الشفافية والنزاهة، بل وقيام تلك الحكومات بمحاولة غسل الفساد أو تجميله، واتخاذ الفساد مساراً جديداً منذ تولى الباجة قائد السبسى للسلطة لتصبح ممارسته علنية ويتحكم فى المناصب الهامة والاختيارات القائمة على المحسوبية والولاء وذوى القربى، بشكل أعاد إنتاج الخراب الذى نخر جسد تونس المريضة، ليصبح الاقتصاد التونسى على مشارف «الإفلاس»، ولا يفصله عن الهاوية إلا عدة خطوات، يسارع النظام السياسى فى قطعها بشكل يجعله الخادم الأول للفساد بل وأكثر المتورطين فيه!
مؤشرات كثيرة تؤكد أن تونس تحولت إلى دولة مافيا، وطبقاً لغالبية تقارير المنظمات الدولية، فإن كل عشرة مشروعات هناك أكثر من ستة مشروعات تدار بالفساد، وهناك تقارير عن مليارات من أموال الدولة التى يتم نهبها سنوياً، وتقريباً هناك إجماع من الخبراء فى تونس على أن الفساد ينخر فى تونس ويؤكدون أن انتشار ما يعرف بـ«الفساد الصغير» جعل شرائح واسعة من التونسيين «تطبع» وتتعايش مع الفساد من أجل تسيير شئونها.
هذا غير المال الفاسد الذى يمول الأحزاب، وكثير من المتابعين يؤكدون أنها أحزاب فى غالبيتها تعانى من الفساد، وأنها مخترقة من الفاسدين أو ما أصبح يُعرف بالمال الفاسد.
ويرجع كثيرون تجنب الأحزاب الكبرى الخوض فى ملفات الفساد المتشعبة إلى المال السياسى وعلاقة هذه الأحزاب برجال الأعمال الضالعين فى قضايا فساد والمعروفين بالاسم ويمثلون نقاطاً سوداء فى سجل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، وزاد الأمر سوءاً بدخول بعض هؤلاء (رجال الأعمال الفاسدين) على الخط الحكومى بصفة علنية ورسمية وأصبحوا من الفاعلين السياسيين وأصحاب القرار وجزءا من تركيبة الحكم هناك.
وبشكل عام، أحدث التراجع فى مقاومة الفساد الذى يعد من الملفات الحساسة والمحورية، حالة من الإحباط عبّر عنها بأشكال مختلفة سياسيون وخبراء تساءلوا عن مصير الملفات التى تم العمل عليها طوال الفترة الماضية والتى اقتصرت على الجانب النظرى فى غياب خطوات عملية.
أضف إلى كل هذا أن آخر الإحصائيات تشير إلى أن أكثر من 90٪ من الاقتصاد التونسى خارج سيطرة الدولة، وسبق أن أعلن شوقى الطبيب، رئيس هيئة مكافحة الفساد فى تونس، «أن استشراء الفساد سيولّد ثورة ثانية تطرد الرئيس والحكومة والنوّاب، وحتى أعضاء هيئة مكافحة الفساد». وأكد أن الفساد عم أكثر فى البلاد بعد الثورة!
غير أن الأكثر خطورة مما سبق، هو الفساد السياسى الذى يستهدف إعادة توزيع «منظومة نهب الثروات الوطنية» من خلال سعى كثير من السياسيين الجدد إلى تحقيق مصالح شخصية وتكديس الثروات بالاستعانة بالوسائل القديمة غير المشروعة وتطويع الأدوات التى سبق أن استعملها نظام زين العابدين بن على لمواصلة معادلة الفساد: تطويع القوانين للحصول على الامتيازات، وهو ما أكده تقرير للبنك الدولى حول الوضع الاقتصادى التونسى بعنوان «الثورة غير المكتملة».
كما تكشفت طرق وفرص جديدة للفساد من خلال الصراع على إعادة السيطرة على مخصصات وأصول النظام القديم، وخاصة الشركات الكبرى التى كانت مملوكة لعائلة بن على والتى صودرت بعد الثورة وسرعان ما تم رفع المصادرة عن العديد منها.
وفى السياق ذاته، يأتى التقرير الذى نشرته مجلة «جون أفريك» وتناول الدور الذى يلعبه حافظ قائد السبسى، نجل الرئيس التونسى الحالى، والذى تسبب فى كثير من الاضطرابات التى عاشتها تونس مؤخراً!
التقرير الذى نشرته المجلة الفرنسية كشف أن حافظ قائد السبسى، الذى يشغل منصب المدير التنفيذى لحزب نداء تونس، لا يتوانى عن فرض هيمنته الكاملة على الحركة، ما أثار غضب باقى أعضاء الحزب، خاصةً أن الشاهد اتخذ فى مناسبات عدة قرارات فردية ومبادرات فى غير أوانها، وهو ما زاد فى تعمق أزمة هذا الحزب.
وذكرت المجلة أنه منذ العامين الماضيين، أصبح الحزب الذى فاز فى انتخابات 2014، مسرحاً لمعركة مبتذلة تطغى عليها المشاحنات والخلافات، والمصالح والأنانية المفرطة، وذلك بسبب الإدارة «الرجعية» وغير الديمقراطية للمدير التنفيذى للحزب الذى أسسه والده.
وفى هذا السياق، تحدث العضو المؤسس للحزب، بوجمعة الرميلى، عن السياسة الاستبدادية التى يتبعها حافظ السبسى فى إدارة هذا الحزب، مستنكراً عملية اتخاذه لقرارات فردية، وفرضها على الحزب دون استشارة أعضاء المجلس التنفيذى.
وذكرت «جون أفريك» أن الانتقادات ذاتها تم توجيهها إلى القيادى فى الحزب ورئيس الحكومة، يوسف الشاهد، خلال مفاوضات تشكيل حكومة وحدة وطنية، التى عُقدت فى شهرى يوليو، وأغسطس من هذه السنة.
وفى هذا السياق، أشار مدير المكتب السياسى للحزب، نبيل القروى، إلى سياسة التفرد باتخاذ القرارات التى يتبعها حافظ السبسى، والتى تتجاهل مضمون الاجتماعات التى تُعقد فى قصر قرطاج.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال اجتماع عُقد فى مدينة قمرت، يوم 18 سبتمبر الماضى، أعلن حافظ السبسى بصفة غير متوقعة تعيين الشاهد رئيساً للجنة السياسات فى الحزب، ودمجه لبعض الوزراء كأعضاء جدد فى الحزب.
وأشارت «جون أفريك» إلى أن قرار تعيين الشاهد رئيساً للجنة السياسات يعدّ إحدى مناورات حافظ السبسى، التى تهدف إلى تقويض مصداقية الشاهد، والذى يتطلب منصبه منه كرئيس لحكومة وحدة وطنية الابتعاد عن كل المواقف الحزبية، والسعى إلى تحقيق المصالح العليا للبلاد.
وقال أحد الناشطين فى حزب نداء تونس إنه «من الحكمة أن يوحّد يوسف الشاهد بين كل أحزاب تونس، ويكرّس كل جهوده نحو إنقاذ الدولة التونسية، عوضاً عن الحزب».
ويُعتقد أن مناورة حافظ السبسى الأخيرة تهدف بالدرجة الأولى إلى إحكام قبضته على السلطة التنفيذية، وبدرجة ثانية إلى إرضاء باقى أعضاء الحزب، الذين يعتقدون أن حزب نداء تونس ليس ممثلاً بالشكل الكافى داخل الحكومة.
وأكدت «جون أفريك» أن السبسى يقف وراء كل الأزمات التى مرّ بها الحزب منذ نشأته، فقد أدّت سياسته إلى خلق العديد من النزاعات والانشقاقات الداخلية، حيث دفعت قراراته المتعنتة إلى تهديد وزير التربية والتعليم بانسحابه من منصبه مؤخراً. كما اتهمه القيادى البارز فى الحزب، خميس قسيلة، بإلحاق الأذى بالحزب وكامل كيان الدولة.
كما أن رئيس اللجنة السياسية السابق، رضا بلحاج، الذى لطالما دافع بضراوة عن مواقف حافظ السبسى، أعرب عن قلقه من محاولة «الانقلاب» التى يقوم بها السبسى الابن، مؤكداً أنه الشخصية الرئيسية التى تقف وراء كل الأزمات التى يشهدها الحزب منذ تأسيسه.
وأوضحت «جون أفريك» أن عدم امتلاك حافظ شرعية سياسية ساهم فى تفاقم الغضب السياسى، حيث إن هذه الشخصية كثيراً ما أثارت جدلاً كبيراًً؛ بسبب مبادراتها وقراراتها المقلقة التى كانت تتخذها دون التشاور مع بقية قيادات الحزب، وهو ما عكس مدى رغبته فى إحكام قبضته على السلطة.
وعندما طالب بعض أعضاء المجلس التنفيذى بتمثيل أفضل لهم، وبوضع حدّ لممارسات نجل رئيس الجمهورية، قال نبيل القروى إن حافظ قائد السبسى أكّد أنه المسئول الوحيد عن الحزب، مشيراً إلى أن كل من لا يرغب فى الانصياع لرغباته يمكنه التخلى عن عضويته بالحزب.
وأفادت المجلة بأن المقربين من المدير التنفيذى لحزب نداء تونس ساهموا فى تعزيز رغبته فى الهيمنة على السلطة. كما أن الدعم الأولى الذى قدّمه والده له ساهم فى تعمق استبداديته؛ ما أدى إلى اتهام النائب عن حزب العمال التونسى، عمار العمروسى، لرئيس الجمهورية، علناً، بإرباك النظام الجمهورى للدولة التونسية.
وقالت المجلة إن أى أزمة جديدة سيشهدها هذا الحزب يمكن أن تؤدى إلى حدوث شرخ كبير داخل صفوفه فى البرلمان، والتى من المرجح أن تكون لها تداعيات خطيرة على الحزب، كما يمكن أن تؤدّى إلى توتر الوضع السياسى فى البلاد.
وتساءلت «جون أفريك» عن مدى قدرة حزب نداء تونس على الاستمرار فى منافسة حركة النهضة، وإلى أى مدى ستسمح الأزمة التى يشهدها الحزب حالياً بظهور قوة سياسية جديدة، معتبرة أن الأزمات المتكررة لهذا الحزب فتحت المجال أمام أحزاب اليسار للاستفادة من الوضع.
انتهى تقرير «جون أفريك»، الذى لا يمكن قراءته بمعزل عن المؤشرات الاقتصادية العديدة التى تنذر باتجاه تونس نحو أزمة غير مسبوقة، وبإمكانية انزلاقها نحو إفلاس الخزينة العامة للدولة، نتيجة عدم الاستقرار السياسى والأمنى الذى تشهده البلاد منذ سنوات عدة.
فعلى مدار أكثر من خمس سنوات، تعثر النمو الاقتصادى فى تونس حتى إنه لم يتجاوز 1% خلال الربع الأول من السنة الحالية، وفى الوقت نفسه فقد الدينار التونسى قيمته أمام الدولار واليورو، وتجاوزت معدلات البطالة 15%، وساء الوضع الاقتصادى فى البلاد إلى ما هو أكثر من ذلك.
كما تشهد تونس، تقلصاً ملحوظاً فى الإنتاج، خاصة فى قطاعين أساسيين لجلب العملة الصعبة للبلاد وهما السياحة والمناجم اللذين تكبدا خسائر مالية كبيرة وكلفا ميزانية الدولة عجزا بقيمة 2.5 مليار دولار و1.76 مليار دولار على التوالى.
ونتيجة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى تمر بها تونس وحالة عدم الاستقرار التى تعيشها؛ عجزت البلاد عن تحقيق نسبة النمو المتوقعة (2.5%)، وهو ما أثر سلبا على موارد الدولة، وخلف خسارة بين 15 و20 ألف موطن شغل جديد.
وأشار تقرير صادر عن البنك المركزى التونسى، خلال أغسطس الماضى، إلى أن الأوضاع الإقليمية المحيطة بتونس، إلى جانب الأوضاع المحلية، (عدم الاستقرار السياسى وتواصل الاحتجاجات وعدم الاستقرار الاجتماعى فى مناطق الإنتاج، والتأخير فى تنفيذ الإصلاحات الضرورية ومنها مجلة الاستثمار)، من شأنها أن تزيد من الضغط على الوضع الاقتصادى فى البلاد.
أيضاً، واجهت ميزانية الدولة لسنة 2016عجزا كبيراً، نتيجة الصعوبات المالية التى يواجهها كثير من الهياكل العمومية، وعلى رأسها الصناديق الاجتماعية وكبرى المؤسسات الحكومية، وفاتورة مكافحة الإرهاب والزيادات المتتالية فى الميزانيات المخصصة للمؤسستين العسكرية والأمنية. وبلغ الدين الخارجى لتونس خلال السنة الحالية 27 مليار دولار، بما يوازى 69٪ من الناتج القومى الإجمالى.
وإلى جانب ارتفاع الدين الخارجى لتونس، شهدت عملتها المحلية انهياراً غير مسبوق، نتيجة تزايد الطلب على العملة الأجنبية اللازمة للحصول على الواردات، فى ظل تفضيل التونسيين للمنتجات المستوردة؛ ما خلق طلباً كبيراً على العملة الأجنبية.
ويكلف انهيار العملة المحلية، تونس، أعباء إضافية، إضافة إلى تخصيص 6.5 مليار دولار لنفقات الأجور، وتخصيص نحو 2.5 مليار دولار لنفقات التنمية، وأكثر من 25 مليار دولار للدين العمومى.
وسبق لمحافظ البنك المركزى الشاذلى العيارى، أن أكد فى وقت سابق، أن «تمويل ميزانية 2017 سيكون صعبا فى ظل عدم كفاية الموارد الضريبية، التى لا تغطى النفقات الجارية مثل أجور القطاع العام ودعم المؤسسات وميزانيات الصناديق الاجتماعية».
هكذا، تدخل تونس إلى المجهول، ولا نستبعد نهايات مؤسفة، خاصة مع توالى ظهور وقائع عديدة تكشف كيف توغل الفساد فى تلك الدولة وكيف قامت حكوماتها المتعاقبة (بعد الإطاحة بزين العابدين بن على) بتعطيل الشفافية والنزاهة، بل وقيام تلك الحكومات بمحاولة غسل الفساد أو تجميله، واتخاذ الفساد مساراً جديداً منذ تولى الباجة قائد السبسى للسلطة لتصبح ممارسته علنية ويتحكم فى المناصب الهامة والاختيارات القائمة على المحسوبية والولاء وذوى القربى، بشكل أعاد إنتاج الخراب الذى نخر جسد تونس المريضة، ليصبح الاقتصاد التونسى على مشارف «الإفلاس»، ولا يفصله عن الهاوية إلا عدة خطوات، يسارع النظام السياسى فى قطعها بشكل يجعله الخادم الأول للفساد بل وأكثر المتورطين فيه!