الموجز
السبت 9 نوفمبر 2024 12:34 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: إمبراطور الكوكايين السعودى الذى فجر الغضب بين القاهرة والرياض

الصغار الذين يتلاعبون بمصائر الأوطان ويشعلون المعارك بين الكبار
* نايف تورط مع عصابات كولومبيا فى تهريب المخدرات على طائرة بوينج 727
* كان يمتلك «بنك الكنز» وتوقف نشاطه بعد الفضيحة
* اعترافات المحامى الفرنسى «جاك فرجيس» عن وقائع الفضيحة فى مطار «لوبورجيه»
* أسرار اختفاء الدبلوماسى السعودى عادل الجبير بعد قانون «جاستا»!
هل يمكن للمشبوهين وتجار المخدرات أن يتدخلوا فى العلاقات المصرية-السعودية؟!
هل يمكن أن تستخدمهم أطراف إقليمية أو دولية لتضخيم أحداث صغيرة، يبدأ بعدها الصيد فى الماء العكر؟!
ما حدث بين الدولتين الشقيقتين هو بالفعل خلاف صغير عقب تصويت القاهرة العضو غير الدائم بمجلس الأمن لصالح قرار بشأن الأزمة السورية فى مجلس الأمن قدمته روسيا التى استعملت حق الفيتو لإجهاض قرار فرنسى يتوافق مع موقف السعودية ودول عربية خليجية أخرى من الأزمة، وهو القرار الذى صوتت مصر أيضاً لصالحه. فكان أن انتقد المندوب السعودى فى الأمم المتحدة تصويت مصر لصالح قرار روسيا وقال إن موقف القاهرة «مؤلم» لتكون المرة الأولى التى يظهر فيها للعلن خلاف بين مصر والسعودية منذ تولى الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى السلطة. على الرغم من أن اختلاف وجهات النظر بين البلدين مصر والسعودية فيما يتعلق بالملف السورى، معلن ومعلوم للجميع، والجميع يعلم أن سوريا ذات يوم كانت الإقليم الشمالى للجمهورية العربية المتحدة ومصر الإقليم الجنوبى، وأن سوريا دولة مواجهة مع الكيان الصهيونى وأن هدفنا الوحيد (هدف مصر) هو الحفاظ على وحدة تراب الدولة السورية وقوة جيشها وسلامة شعبها وطرد العصابات المتطرفة من أراضيها، وصولاً إلى حل سياسى يرتضيه الشعب السورى بكل فئاته وأطيافه السياسية. كذلك، فإن الجميع يعرف أن أمن دول الخليج وفقاً لقناعة القيادة المصرية هو من أمن مصر وأن الأمن القومى العربى لا ينفصل عن الأمن القومى المصرى.
الحدث صغير، والاختلاف يمكن تلخيصه بأنه زوبعة فى فنجان وانتهت، لأن العلاقة بين البلدين لا يمكن تجاهلها، بسبب سوء اتخاذ القرارات أو حتى سوء تفسيرها، غير أن وكالة «رويترز» كانت بين من حاولوا التصيد، فزعمت أن شركة أرامكو السعودية أبلغت الهيئة العامة للبترول المصرية بوقف شحنات المساعدات، وربطت بين ذلك وبين تصويت مصر فى مجلس الأمن على القرار الروسى، وكان الرد الأقوى هو تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، الخميس الماضى، خلال الندوة التثقيفية التى نظمتها الشئون المعنوية للقوات المسلحة، بأن وقف شحنات البترول السعودية ليس له علاقة بتصويت مصر فى مجلس الأمن على مشروعى قرارين بشأن سوريا.. كما أكد الرئيس أن «سياستنا مستقلة بشأن سوريا» ولا بد من حل سياسى للأزمة. وطالب باحترام إرادة الشعب السورى، ونزع الأسلحة من الجماعات المتطرفة وإعادة إعمار الدولة السورية، مشيراً إلى أن سياسة مصر هى الحفاظ على الأمن القومى العربى برؤية مصرية. ولفت إلى أن التصويت المصرى على مشروعى القرارين الروسى والفرنسى أغضب البعض، وتابع «لكننا نظرنا إلى أن القرارين يدعوان إلى وقف إطلاق النار، وإعطاء الهدنة للسماح بإدخال المساعدات للمواطنين الذين يعانون».
ونعود إلى الصائدين فى الماء العكر الذين حاولوا إفساد العلاقات المصرية-السعودية، ونتوقف عند نايف بن فواز الشعلان الدبلوماسى السعودى السابق الذى أجاب سؤال مقدم برنامج «ساعة حوار» المذاع على قناة «المجد» حول موقف الدولة التركية من قانون جاستا الأمريكى بقوله: «تركيا هى الدولة الوحيدة التى وقفت معنا لأننا ما أعطيناها رُز لأن بيننا وبينها قواسم دين وتاريخ وأمة، أما اللى تشتريه بالرز يبيعك بالفول».
وكان هذا التعليق هو الشرارة التى انطلق منه هجوم المشبوهين على مصر، ونايف بن فواز الشعلان، لمن لا يعرف سبق أن صدر ضده حكم بالسجن عشر سنوات بتهمة المشاركة سنة 1999 فى عمليات تهريب كوكايين ضخمة. والحكم صدر من محكمة فى بوبينييه (إحدى ضواحى باريس الشمالية) بعد إدانة المذكور بتهمة استيراد مخدرات والتواطؤ فى نقلها وتخزينها، مستغلاً حصانته الدبلوماسية فى محاولة تهريب 2 طن (2000 كيلو جرام) من الكوكايين إلى الأراضى الفرنسية على متن طائرة خاصة. كما تم الحكم عليه وتسعة آخرين، يحملون الجنسية الكولومبية، بغرامات مالية يصل مجموعها إلى 110 ملايين دولار لصالح هيئة الجمارك الفرنسية. وجاءت إدانة الشعلان بناء على شهادات متهمين كولومبيين بتهريب الكوكايين على متن طائرة خاصة من طراز بوينج 727 بين 15 و16 مايو 1999 من مطار لوبورجيه شمال باريس وتولى المحامى الفرنسى الشهير جاك فرجيس الدفاع عن الشعلان وهو المحامى نفسه الذى تولى من قبل الدفاع عن الإرهابى الدولى كارلوس!!.. وبعد صدور الحكم بأيام أعلن مجلس إدارة بنك الكنز الذى يملكه نايف الشعلان عن وقف نشاطه نظراً لقلة المعاملات!
نايف الشعلان، مجرد عينة من المشبوهين الذين حاولوا الإساءة إلى العلاقات المصرية-السعودية، مستغلين خلافاً سياسياً من الطبيعى جداً أن يحدث، وهو الأمر الذى حاولت إيران الاستفادة منه أو اللعب به لصالحها، وهو ما يمكن استنتاجه من تعامل الإعلام الرسمى الإيرانى مع الموضوع. فقد قال تليفزيون «برس تى فى» الإيرانى الحكومى إن السعودية تبدو أكثر عزلة فى أعقاب خلاف دبلوماسى مع حليفتها الوثيقة مصر.
وقال التليفزيون الإيرانى إن السعودية وافقت فى أبريل الماضى على منح مصر سبعمائة ألف طن من المنتجات البترولية شهرياً لمدة خمس سنوات بشروط سداد ميسرة، لكن شحنات أكتوبر الجارى لم تصل لمصر.
واستشهد التليفزيون الإيرانى بما زعمت وكالة رويترز أنها نقلته عن مسئولين فى وزارة البترول المصرية بأن شركة أرامكو السعودية أبلغت الهيئة العامة للبترول المصرية مطلع الشهر بوقف شحنات المساعدات.
وقال التليفزيون فى تقرير بموقعه على الانترنت إن وسائل الإعلام المصرية انتقدت السعودية بعد قرار تجميد إرسال شحنات الوقود إلى القاهرة.
وقال تليفزيون «برس تى فى» إن الخلاف بين مصر والسعودية فى مجلس الأمن بشأن الأزمة السورية هو الأول بين القاهرة والرياض منذ عزل محمد مرسى وزعم أن أغلبية ردود فعل متابعيه كشفت أن ما حدث هو بمثابة تحرير لمصر من «تبعيتها» للسعودية القائمة على المساعدات التى تحصل عليها منذ عام 2013.
هذا التقرير، الذى تفوح منه رائحة الشماتة، تزامن مع إعلان أشبه ما يكون بصب الزيت على النار، وتصعيد ينذر بخطورة الأوضاع ويبين ما يكنه النظام الإيرانى من عداء متجذر تجاه الشعوب العربية والإسلامية، وهو الإعلان الذى ادعى فيه الحرس الثورى الإيرانى أنه أرسل سفينتين حربيتين إلى خليج عدن ومضيق باب المندب، والهدف هو إشعال أكثر للأوضاع وتوتير المنطقة وإدخالها فى فوضى عارمة، وإن كان هذا الإعلان مجرد كلام، فإنه يحمل رسالة إيرانية واضحة مفادها أن النظام الإيرانى يرفض أى حل سلمى، وأن أهدافه باتت واضحة، وهى تدمير الشعوب العربية وإبقاء المنطقة فى فوضى عارمة.
إن الحرس الثورى الإيرانى، اختار هذا التوقيت للتصعيد بنشره هاتين السفينتين من أجل صرف الأنظار والرأى العام العربى عن حقيقة أهداف هذه الخطوة التصعيدية، وحسب ما ذكر الإعلان فإن الهدف من إرسالهما هو حماية السفن التجارية من هجمات القراصنة، كما أن هذا الإعلان جاء بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها أقدمت على قصف ثلاثة مواقع مفترضة لجماعة الحوثى المتمردة فى اليمن بعد تعرض إحدى بوارجها البحرية فى خليج عدن لصواريخ أطلقت من الأراضى اليمنية، ليوهم الحرس الثورى أن الهدف هو مواجهة القوات الأمريكية.
فى الواقع فإن الحرس الثورى لا يريد إلا التصعيد ضد دول الخليج العربى، لأن الأمريكيين موجدون جنباً إلى جنب مع قوات الحرس الثورى الإيرانى فى العراق وبخاصة فى بغداد، وإنما اتخذ الحرس الثورى هذا الوقت للإعلان عن هذه الخطوة التصعيدية من أجل التعذر بمواجهة أمريكا والدفاع عن المنطقة من القوات الغربية، والخطورة التى يمكن أن تتعرض لها السفن عند العبور من هذه المنطقة هى الصواريخ الإيرانية، التى أرسلت منها عدداً إلى الحوثيين، فهل تريد إيران حماية سفنها من صواريخها وأذنابها بالفعل؟!.. أم ما هذا الإعلان سوى غطاء لكنه شفاف للنوايا الفارسية المتقيحة؟!
وينص الإعلان الذى نشرته وكالة أنباء تسنيم السبت الماضى أن المجموعة 44 التابعة للقوات البحرية الإيرانية والمؤلفة من مدمرة «ألوند» القتالية وسفينة الإسناد «بوشهر» توجهت فى تاريخ 5 أكتوبر الحالى إلى المياه الدولية فى خليج عدن ومضيق باب المندب الاستراتيجى، بهدف حماية السفن الإيرانية العابرة من هذه المنطقة.
وعادة ما تحاول الزوارق الإيرانية التابعة للحرس الثورى تأزيم الوضع فى مضيق هرمز ومياه الخليج العربى من خلال تحرشاتها بالسفن العابرة، وهى سياسة انتهجها الحرس الثورى كوسيلة تهديد للاقتصاد العالمى بعد أن قامت بعض الدول الخليجية باتخاذ خطوات استباقية وصفت بالتأديبية لإيران تريد من خلالها الاستغناء عن مضيق هرمز فى نقل المواد النفطية والبضائع الدولية، حتى لا يتمكن النظام الإيرانى من تشكيل خطر على تجارتها فى أى مغامرة يقوم فيها فى مضيق هرمز، وهو ما جعل النظام الإيرانى يجن جنونه، ويبدأ بمحاولات انتقام من الاقتصاد العالمى عن طريق تشكيل خطر على منطقة الخليج لإلحاق الضرر باقتصاد دول الخليج العربى.
بهذا الشكل، يتضح أن إيران تتجه نحو التصعيد فى وقت زادت فيه التوترات فى منطقة باب المندب وعلى سواحل اليمن، بعد اعتداءات حوثية على سفن إماراتية مدنية وأخرى أمريكية، ما جعل الحكومة اليمنية الشرعية، تقوم بتوجيه رسالة إلى التحالف العربى بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مفادها ضرورة منع دخول السفن غير المصرح لها إلى السواحل اليمنية أو الاقتراب منها، مشيرة إلى العمل على تقديم شكوى لمجلس الأمن الدولى ضد الاختراقات الإيرانية.
وتسعى إيران بكل السبل والطرق إلى شق مزيد من الطرق لإمداد جماعة الحوثى الإرهابية التى تعرضت إلى خسائر كبيرة فى الآونة الأخيرة وجعلتها تقترب من نقطة النهاية بمزيد من السلاح والعتاد، وتعمل على إشعال المنطقة بعيداً عن حدودها ليتسنى لها تنفيذ مشروعها الصفوى بالتعاون مع الكيان الصهيونى فى التوسع والاحتلال وفرض الهيمنة والسيطرة على ثروات وموارد المنطقة.
وعلى الرغم من أن إعلان النظام الإيرانى إرسال سفينتين إلى قبالة السواحل اليمنية ليس منه إلا الدعاية الإعلامية والحرب النفسية، فإنها تكشف عن النوايا الإيرانية فى تصعيد وتوتير الأوضاع وجر المنطقة إلى فوضى مستمرة، وبعد فشله فى جر الروس إلى الملف اليمنى كما فعل فى سوريا، أصبح يعمل منفرداً متخبطاً ومعتمداً على سياسة الحرب النفسية، لأن ما تملكه القوات البحرية الإيرانية من سفن وعتاد يمكن تدميرها فى ثلاثة أيام من قبل الطائرات والبارجات الحربية التى تمتلكها دول الخليج العربى وبخاصة السعودية والإمارات.
2
هل يكون معقولاً، وسط تلك الأجواء ووسط هذا التربص ونضيف إليه ما تشهده العلاقات السعودية الأمريكية من توتر.. هل يكون معقولاً أن تتوتر العلاقات المصرية-السعودية؟!
العقل يقول إن التطورات الأخيرة، تفرض على السعودية إعادة النظر فى علاقاتها مع مصر انطلاقاً من حاجتها إلى حليف إقليمى قوى. فمنذ قيام مجموعة خمسة زائد واحد وإيران بتوقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، أصبحت الخيارات السعودية فى المنطقة محدودة جداً. وعلى الرغم من أن السعودية قبلت بالتطمينات الأمريكية حول الاتفاق مع إيران، فإن هناك مخاوف قائمة من أن يتيح الاتفاق لإيران تحسين مكانتها الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز نفوذها الإقليمى، خصوصا مع سياسة الولايات المتحدة المتلونة مع المملكة. كما أن النزاع فى اليمن المستمر دون أن تلوح له نهاية واضحة فى الأفق، بشكل قد يعتبره البعض ترجيحاً لكفّة الميزان الإقليمى لمصلحة إيران، يجعل من الحماقة تحميل الخلافات فى وجهات النظر مع الحلفاء الإقليميين (مثل مصر) أية تشنّجات. فالثابت هو أنه كلما تورّطت السعودية أكثر فى اليمن، ازدادت حاجتها إلى مصر كدولة حليفة، على الصعيدَين العسكرى والسياسى على السواء.
ولا ينبغى بحال من الأحوال أن يضايق المملكة، حفاظ مصر على درجة من الاستقلالية فى الشئون الخارجية. وعلى المملكة إن أرادت الحفاظ على أكبر قدر ممكن من العلاقات الجيدة فى المنطقة، أن تكون أكثر تقبّلاً للسياسات المصرية المتباينة عن سياساتها.
قبل سنة ونصف السنة تقريباً، رحل عميد الدبلوماسية السعودية، سعود الفيصل، ليقع الاختيار بعده على عادل الجبير خلفاً للأمير المخضرم، وقيل وقتها إن الاختيار سببه علاقة الرجل القوية بالولايات المتّحدة، وأن العامل الأقوى للاختيار هو قدرة الرجل على مخاطبة الأمريكيين والتواصل معهم. غير أنه مع إقرار الكونجرس الأمريكى لقانون «جاستا»، الذى سيسمح بملاحقة السعودية على خلفية هجمات 11 سبتمبر، لاحظنا أن الجبير اختفى وانتشر السؤال «أين عادل الجبير؟». حتّى إن موقف إدانة القانون، على أهمّيته، لم يصدر عنه شخصياً، بل تم توقيعه باسم مصدر فى الخارجية السعودية. وتذكر كثيرون سعود الفيصل مؤكدين ما أحدثه غيابه من فراغ.
ومع الخلاف المصرى-السعودى الصغير، أدركنا أن صلاحية الرجل انتهت! وقفزت عشرات الأسئلة عن الفشل الدبلوماسى السعودى، الذى لا نتوقع أن ينتهى إلا برحيله!