ياسر بركات يكتب عن: مستعمرة أمريكا فى قلب القاهرة ..حكاية مبنى السفارة الذى تحول إلى وكر الجواسيس
..وبدأ العدوان الثلاثى
مصر تواجه أكاذيب واشنطن ولندن ومؤامرات الأشقاء العرب
ماذا تعرف عن:
SOCOM
العمليات الخاصة الأمريكية
تأسست بعد فشل إنقاذ الرهائن الأمريكيين فى إيران سنة 1980 ويقودها حالياً الأدميرال (ويليام ماكرافين)،
- تضم 33000 مقاتل وميزانيتها وصلت إلى 6.9 مليار دولار
تقوم بعمليات اغتيال وتجنيد عملاء وهدفها الرئيسى تكوين قيادات تابعة للبنتاجون فى كل دول العالم
ماذا يعنى تحذير السفارة الأمريكية بالقاهرة لرعاياها فى مصر من «تهديدات أمنية محتملة» الأحد الموافق التاسع من أكتوبر؟!
التحذير، الذى نشرته السفارة على موقعها الإلكترونى، احتوى على نصائح للمواطنين الأمريكيين بأن يكونوا على علم بمحيطهم ويتبعون احتياطات أمنية جيدة فى جميع الأوقات، وتجنب التجمعات الكبيرة والأماكن العامة مثل قاعات الحفلات الموسيقية ودور السينما والمتاحف ومراكز التسوق، والملاعب الرياضية بالقاهرة.
كما طالب التحذير الأمريكيين بضرورة مراجعة خطط أمنهم الشخصية والبقاء فى حالة تأهب وحذر لمحيطهم فى جميع الأوقات بمصر ونصحتهم بالاطلاع على قسم التحذيرات الأمنية فى الموقع الإلكترونى لوزارة الخارجية الأمريكية، الذى تتوافر به معلومات محددة عن مصر، وتحذيرات وتنبيهات السفر. ومتابعة الحساب الرسمى للسفارة الأمريكية بالقاهرة على موقع «تويتر» وصفحة مكتب الشئون القنصلية على «فيس بوك».
الأمر ذاته كررته السفارة الكندية التى نصحت مواطنيها عبر تغريدات فى حسابها الرسمى على «تويتر» بتجنب التجمعات الكبيرة والأماكن العامة مثل قاعات الحفلات الموسيقية ودور السينما والمتاحف ومراكز التسوق، والملاعب الرياضية فى القاهرة، خلال الأحد 9 أكتوبر، بسبب ما اعتبرته «مخاوف أمنية محتملة».
وعلى الخط، دخلت السفارة البريطانية، الأمر الذى يجعلنا نقول بلا تردد إن المقصود بتلك البيانات هو إشاعة الفوضى، والتأثير على الحالة الاقتصادية، مع الوضع فى الاعتبار أن تكهنات السفارات وتحذيراتها لرعاياها تخالف القانون الدولى خاصة لو كانت سفارات دول اعتادت بث شائعات ولعب أدوار مشبوهة، كشف بعضها موقع ويكيلكس الذى كان للسفارات الأمريكية فى أنحاء العالم نصيب كبير من وثائقه المسربّة، وكان بين تلك الوثائق ما يؤكد أن مبنى السفارة الأمريكية فى كل دولة يمثل فرعاً للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA) يتصل بالمركز الرئيسى (Headquarter) فى الولايات المتحدة. كما بينت الوثائق المسربة الدور المخابراتى الذى تقوم به السفارات الأمريكية فى معظم الدول، وتم الكشف عن ذلك من خلال برقيات أرسلتها وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلارى كلينتون، مصنفة (سرى) موجهة إلى السفارات تطلب فيها واشنطن مهمات عادة ما توكل إلى المخابرات المركزية كالتنصت والتجسس على جهات بعينها.
وكشفت الوثائق بين ما كشفت عن الفرق الكبير بين الوجه الدبلوماسى للسفارة، ودورها الخفى، المخابراتى أو التجسسي الذى يتطلب وجود طاقم مدرّب مخابراتياً واجتماعياً وعسكرياً ونفسياً، حتى يستطيع القيام بجميع المهمات الموكلة إليه ولديه الجاهزية التامة لتنفيذ أى مطلب مخابراتى وقد يتطور ليصبح تدخلاً مباشراً فى سياسة البلد المضيف بل وقد يصل نفوذ سفراء بعض الدول إلى أن يقوموا بمهام الحاكم الفعلى لهذا البلد أو ذاك فيعزلون وزراء أو يشرعون القوانين.
ولهذه السفارات الدور الأكبر فى دعم الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية المتطرفة، التى لا يمر يوم إلا ويظهر ما يؤكد أن «مواجهتها» المزعومة لتلك التنظيمات ليس أكثر من وسيلة أو ستار للتغطية على الدعم الكبير الذى تقدمه بشكل مباشر وغير مباشر لهذه التنظيمات، ولم يعد سراً أن الولايات المتحدة تقوم بدعم وتمويل وتسليح وتدريب التنظيمات الإرهابية وأنها توفر لها وتحت غطاء «الحرب على الإرهاب» فرص التدخل فى شئون الدول والتلاعب بأوضاعها السياسية والتأثير فى حكوماتها وابتزازها تحت التهديد بخطر «داعش» وهو ما جرت عليه الأمور فى العراق وسوريا وبعض الدول الأخرى، إضافة إلى أن الخطر يستدعى شراء المزيد من الأسلحة لمواجهته ما يعنى أن تقوم دول المنطقة بتبديل أولوياتها من تعليم وصحة ورعاية وبنية تحتية وتنمية ومواكبة التطور إلى خيار آخر هو محاربة الإرهاب ومكافحته، ما يعنى المزيد من التراجع فى مؤشرات التنمية والدخول فى مربعات الفقر والجهل والتخلف وهى البيئات المصنّعة والمنشئة للإرهاب والمصدرة له. أى إن مكافحة الإرهاب تتحول إلى إعادة إنتاج له بطريقة أخرى.
ولعل المتابع للسياسة الأمريكية وللدول الأوروبية وفى مقدمتها بريطانيا يلاحظ الدعم المتواصل للعصابات الإرهابية الإجرامية تحت مسميات مختلفة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، دعم ما يسمى «المعارضة المعتدلة».
2
ولم يكن مفاجئاً ولا مستغرباً أن يكشف موقع الـ«دايلى بيست» عن قيام وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بتنفيذ برنامج سرى بالتعاون مع شركة بريطانية للعلاقات العامة، لفبركة أشرطة لتنظيم القاعدة لاستخدامها فى الدعاية ضده فى العراق، وهو البرنامج الذى تكلف حوالى نصف مليار دولار، وعمل على إنتاج فيديوهات تحمل طابع شبكات الأخبار العربية مثل الجزيرة، بهدف تتبع من يتصفحونها.
هذا البرنامج بحسب الموقع أشرف عليه مسئولون عسكريون فى «معسكر فكتورى» ببغداد، وهو ما أكده مدير الشركة السابق لصحيفة «صنداى تايمز»، كما أكد أنه تعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية فى هذا الشأن.
وينقل التقرير عن مارتن ويلز، وهو موظف سابق لدى الشركة كان قد عمل فى البرنامج، قوله إنه كان «صادماً ومذهلاً وغير مسبوق». وكان يجرى إقرار عمل الشركة من قبل البيت الأبيض، والجنرال ديفيد بترايوس، قائد قوات التحالف فى العراق سابقاً.
ويشير التقرير إلى أن عمل الشركة تجاوز جهود العلاقات العامة المعتادة، ونقل عن أحد المتعاقدين قوله إنه قد جرى تصنيف التسجيلات إلى ثلاثة أصناف، الأبيض وهو يمنح لجهة إنتاج معروفة، والرمادى الذى يمنح للفيديوهات التى لا يعرف من أنتجها، والأسود للفيديوهات المزيفة.
هذه العمليات السرية اتسمت بالضخامة والتعقيد، وشارك فيها المئات من البريطانيين والعراقيين، حسبما تكشف إحدى الوثائق. لكن مهمة الشركة العلنية التى دخلت بسببها العراق سنة 2004 كانت الترويج للانتخابات الديمقراطية.
وينقل التقرير عن المكتب قوله إن حجم التعاون بين الشركة والبنتاجون بين منتصف عام 2007 و2011 بلغ حاجز نصف مليار دولار، كما جرى توقيع عقد مشابه فى 2006.
ويتناول التقرير تجربة ويلز الذى جرى استدعاؤه فى مايو سنة 2006 لإجراء مقابلة لدى الشركة، وذلك لتولى مهمة تحرير بعض مقاطع الفيديو. ثم تبين له لاحقاً أن مكان المقابلة كان وحدة إعلامية تابعة للبحرية الأمريكية، وأنه سيعمل على مواد تخص الشرق الأوسط. وعندما سألهم عن مقر العمل، تفاجأ حين عرف أنه سيكون فى السفارة الأمريكية ببغداد.
وكاد ويلز يلقى حتفه وهو يهبط بالطائرة فى بغداد بعد أن أطلق متمردون النار صوبها. وقد جرى نقله إلى قاعدة فكتورى العسكرية.
كان العنف على أشده فى تلك الفترة. وأثناء مساهمته فى العمليات المخابراتية للجيش الأمريكى فى العراق، تعرض المعسكر لتفجير انتحارى قتل 14 شخصاً وجرح ستة آخرين.
ووصف ويلز المكان بأنه شديد الحراسة ولا يسمح بالدخول إلا لحاملى التصاريح. وجرى تخصيص مكان لشركة بيل بوتنجر وموظفيها. وقد أدرك لاحقاً أن عمله سيتجاوز مجرد التعديل على التغطيات الإخبارية.
وينقل الموقع عن ويلز أن العمل تشكل من ثلاثة محاور. الأول هو إنتاج إعلانات لتشويه صورة تنظيم القاعدة. والثانى هو إنتاج أخبار كالتى تبثها القنوات العربية، حيث كان يجرى تصوير تفجيرات للقاعدة بجودة منخفضة والتلاعب فيها وإرسالها إلى المحطات الإخبارية فى المنطقة. والثالث كان الأكثر خطورة ويتمثل فى إنتاج أفلام دعاية مزيفة للقاعدة. وكان يشارك فى إنتاج تلك الأفلام بناءً على تعليمات محددة عن محتواها ومدة كل تسجيل. وكان يجرى إنتاج التسجيل بحيث يعمل ببرنامج Real Player بعد الاتصال بالإنترنت. وكان كل قرص مدمج به أحد التسجيلات متصل بكود سرى إلى حساب على خدمة Google Analytics، فيقوم بتسجيل جميع عناوين بروتوكول الإنترنت IP Address لكل من شاهد التسجيل.
ويقول ويلز إنه كان يجرى زرع تلك التسجيلات فى المنازل التى كان يداهمها الجيش الأمريكى على أنها أحراز جرى مصادرتها وتخص مقاتلين فى القاعدة.
وكانت البيانات التى جرى جمعها تصل إلى عضو بارز فى إدارة الشركة وقادة فى الجيش الأمريكى. وتكمن أهمية تلك التسجيلات فى أنها تعطى خيوطاً لتتبع عناصر القاعدة ومناصريها. وقد ظهرت تلك التسجيلات فى بلدان أخرى بخلاف العراق مثل إيران ولبنان وحتى أمريكا.
الغريب، هو أن البنتاجون أكد أنه تعاون مع الشركة فى العراق، وأنها كانت ضمن قوة عمليات المعلومات IOTF، وأنها كانت تنتج مواد لصالح قوات التحالف، وأنه لم يكن من بينها أى شىء مزيف.
وينقل التقرير عن ويلز قوله إن الشركة قد عملت أيضاً ضمن قوة العمليات النفسية المشتركة JPOTF التى رفض مسئولون الإفصاح عن طبيعة مهماتها المخابراتية. ويؤكد التقرير أن الشركة البريطانية فازت بالعقد لأن «أيان تانكليف»، وهو جندى بريطانى سابق، كان يرأس مجلساً من ثلاثة أشخاص شكلته سلطة التحالف الانتقالية التى حكمت البلاد بعد الإطاحة بصدام حسين، وأسند إليه مهمة الترويج للانتخابات الديمقراطية.
وقد لجأ «تانكليف» إلى البحث عن شركة بعد أن تبين له وللمجلس أن الجهود التى يبذلونها لتوعية العراقيين بأهمية دولة القانون لا يجدى نفعاً، وقد بلغت قيمة العقد بالمجمل 5.8 مليون دولار، وقد وقع الاختيار على الشركة بعد أن قدمت عرضاً مقنعاً أكثر من الشركات الثلاث الأخرى التى تنافست على العرض.
التقرير أشار أيضاً إلى أن العراق بعد الغزو الأمريكى كان فرصة مغرية لشركات العلاقات العامة. وأن أكثر من 40 شركة، ما بين عراقية وأجنبية، قد تلقت أموالاً ضخمة لتقديم خدمات فى مجال التليفزيون والإذاعة والدعاية وإجراء استطلاعات الرأى، لكن شركة «بيل بوتنجر» كان لها النصيب الأكبر. ونقل التقرير عن «جلين سيجيل»، الذى عمل ضمن قوة عمليات المعلومات فى العراق، قوله إن قوات التحالف لجأت إلى المتعاقدين لأنها افتقدت الخبرة، ولأن مثل هذا العمل مشكوك فى صحته قانونياً.
وفى مقال له كتبه فى 2011، قال «سيجيل» إن القانون الأمريكى يحظر استخدام الدعاية الزائفة لتوجيه الرأى العام فى الداخل. ولكن فى عصر العولمة، كان من الممكن رؤية كل ما يجرى فى العراق داخل الولايات المتحدة. لذا تجنب الجيش الأمريكى تولى مثل تلك المهمات.
وقد أظهرت دراسة أجراها معهد «راند»، التابع للجيش الأمريكى، أنه يصعب تقييم جهود الإعلام والتأثير والإقناع التى اتبعتها وزارة الدفاع الأمريكية فى العراق. على الرغم من أن «سيجيل» يرى أنها قد أحدثت تغييراً على أرض الواقع.
ومما جاء فى التقرير أن البرنامج توقف مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق بنهاية عام 2011. وقد تغيرت إدارة شركة بيل بوتنجر بعد أن تم عرضها للبيع وجرى إغلاق الوحدة التى عملت فى العراق. وصدرت الأوامر لجميع المسئولين فى تلك الوحدة بأن ينكروا عملهم ضمن هذا البرنامج!
3
ما سبق، يفسر ما أعلنه الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسى (الناتو) فاج راسموسن فى مقال نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية بأن الولايات المتحدة ترتدى «أحياناً» زى الشرطى العالمى لـ«تحقيق السلام» فى العالم، الأمر الذى دفع الجنرال الأمريكى المتقاعد «دانيال ديفيز» للرد على تصريح «راسموسن» بأن على واشنطن أن تكف عن إرسال الجيش الأمريكى لإشعال الحرائق فى الدول الأخرى.
الجنرال الأمريكى المتقاعد طالب واشنطن بالكف عن تمثيل دور «الشرطى العالمى» لسببين: الأول هو أنها لا تستطيع فرض أيديولوجيتها وقوانينها ونظامها على العالم، فكل بلد فى العالم لديه قوانينه وثقافته ولغته الخاصة التى يتعين على أمريكا احترامها. والسبب الثانى يتعلق بالتاريخ، حيث قال: بالنظر إلى المغامرات العسكرية لأمريكا ضد عدة دول، فإننا نرى أنها فشلت تماماً فى تحقيق أهدافها التى تدعى «تعليم الديمقراطية»، بل ساهمت فى إيجاد حالة من عدم الاستقرار وتفاقم التوترات وساءت الأوضاع فى الدول التى تدخلت ضدها عسكرياً، مثل العراق وأفغانستان وليبيا وباكستان والصومال والآن اليمن وسوريا، مؤكداً أن الولايات المتحدة قامت بقتل الأبرياء وأشعلت العنف.
وأضاف «ديفيز»: منذ غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 فإننا نجده قد تحول بعد ثلاث عشرة سنة من الحرب إلى «بلد ممزق» سياسياً وعسكرياً وطائفياً، فالعراق الآن يسيطر على بعض أجزاء من أراضيه تنظيم إرهابى وهو من أكثر التنظيمات الإرهابية وحشيةً على الإطلاق.
وبشكل أوضح كتب ديفيز: تجربتنا الفعلية لأداء دور الشرطى العالمى فشلت تماماً، والأمن القومى الأمريكى تدهور بشكل ملحوظ، ألم يحن الوقت للاعتراف بهذه السلسلة المتواصلة من الفشل والبدء بالتفكير فى سياسات بديلة؟!
ما ذكره «ديفيز» يدفعنا إلى السؤال: كم عدد الدول التى انتشرت فيها قوات العمليات الخاصة عام 2013؟!.. ولماذا تمت زيادة أعدادها لتصل إلى 72 ألفاً فى 2014؟!.. وهل مازالت قيادة القوات الخاصة الأمريكية تهدف إلى معدلات نمو (3%–5%) سنوياً؟!
أحد التقارير مفتوحة المصدر كشفت أنه فى 2012 و2013، قامت قوات العمليات الخاصة الأمريكية SOF بالانتشار فى أكثر من 100 دولة أجنبية (وربما هذا أقل من عدد الدول الحقيقى) سواء بشكل مباشر، أو عبر تقديم المشورة، أو العمل مع أفراد. ويؤكد ما جاء بالتقرير ما ذكره العقيد (تيم ناى) المتحدث باسم قيادة القوات الخاصة الأمريكية SOCOM لموقع «توم ديسباتش» بأنه يتم إرسال أفراد القوات الخاصة إلى 120 دولة حول العالم سنوياً، بما يعنى حوالى 60% من دول العالم.
وعلى الرغم من عدم وجود معلومات رسمية، إلا أن أحد التحليلات فى موقع «ديسباتش» أوضح أن قيادة العمليات الخاصة الأمريكية SOCOM تسعى لأن تكون قيادة هجومية حازمة على نطاق واسع ومترامى الأطراف فى 2020 وذلك على حد تعبير رئيس قيادة العمليات الخاصة الأدميرال (ويليام ماكرافين)، الذى صرح بأن خطته للمستقبل هى خلق قيادة لديها تطلعات لإنشاء «شبكة قوات خاصة عالمية لحلفاء وشركاء من ذوى التفكير المتماثل»، وهو ما يعنى أنه يريد تكوين تلك القيادة فى كل مكان فى العالم وخلال ست سنوات فقط من الآن!
ونشير هنا إلى أن فكرة «القوات الخاصة»، ظهرت بعد فشل إنقاذ الرهائن الأمريكيين فى إيران سنة 1980 (والتى قتل فيها ثمانية موظفين فى السفارة الأمريكية)، وعليه تم تأسيس القيادة سنة 1987 وتكونت من وحدات من كل فروع الخدمات. وهذه القيادة تتولى تنفيذ العمليات الأكثر تخصصاً وسريةً لواشنطن، بما فى ذلك الاغتيالات، والاستطلاعات الخاصة والحروب غير التقليدية وبعض عمليات الحرب النفسية وتدريب القوات الأجنبية، والتعامل مع أسلحة الدمار الشامل.
وبعد هجمات 11 سبتمبر، شهدت القيادة نمواً بشكل مطرد، حيث وصل عدد أفرادها عام 2001 إلى حوالى 33000 فرد، وتفيد التقارير بأنها وصلت إلى 72000 فرد سنة 2014 مع تضاعف الدعم المالى الموجه للقيادة، حيث تضاعفت ميزانية SOCOM ثلاثة أضعاف، فقد كانت 2.3 مليار دولار، حتى وصلت إلى 6.9 مليار دولار فى الفترة من 2001 إلى 2013.وإذا قمنا بإضافة الدعم الإضافى، سيكون الدعم فى الواقع قد تضاعف أكثر من أربعة أضعاف ليصل إلى 10.4 مليار دولار.
وليس ذلك غريباً، فقد ارتفع معدل انتشار الأفراد فى الخارج كما خططت له القيادة من 4900 رجل سنوياً فى 2011 حتى وصل عددهم إلى 11500 فى 2013. وفى العام الماضى، قام الأدميرال ماكرافين الرئيس السابق لقيادة العمليات الخاصة المشتركة JSOC، وهو من القيادة الفرعية السرية الذى تخصص فى تتبع وقتل الإرهابيين المحتملين بتوضيح رؤيته عن عولمة القوات الخاصة أمام لجنة الخدمات المسلحة بمجلس النواب الأمريكى قائلاً: «إن قيادة العمليات الخاصة الأمريكية US-SOCOM تقوم بتعزيز شبكة «قوات العمليات الخاصة العالمية» لدعم الجهود المشتركة بين المخابرات والشركاء الدوليين، وذلك لكسب وعى موسع عن الأوضاع والفرص الناشئة والأخطار المحتملة. وترجع أهمية هذه الشبكة إلى أنها تُمكّننا من التواجد المستمر فى الأماكن الحيوية، وبالتالى يسهل مشاركتنا إذا كان الأمر ضرورياً».
وهذا يعنى أن قيادة العمليات الخاصة الأمريكية SOCOM حولت كوكب الأرض إلى ساحة حرب عملاقة تنقسم إلى عدة جبهات منفصلة، وهذه الجبهات هى: قيادة العمليات الخاصة فى أفريقيا «سوك أفريكا» SOCAFRICA التى تعتبر شبه مصنفة كمركز القيادة الأمريكية فى الشرق الأوسط لذا تسمى أيضاً «سوكسينت» SOCCENT، الوحدة الأوروبية SOCEUR «سوكيور» أو SOCKOR والتى خصصت حصرياً لكوريا، SOCPAC «سوكباك» وهذه الجبهة تغطى المنطقة المتبقية من آسيا والمحيط الهادى، و«سوكثاوس» SOCSouth التى تقوم بمهمات خاصة فى وسط جنوب أمريكا ومنطقة بحر الكاريبى، بالإضافة إلى قيادة العمليات الخاصة المشتركة JSOC التى تجوب العالم.
أيضاً، سبق أن حصلت قيادة العمليات الخاصة الأمريكية SOCOM على ترخيص لإنشاء قوات مهام مشتركة خاصة بها بصلاحيات محدودة للمقاتلين الأعلى مثل القيادة المركزية الأمريكية CENTCOM. هذه العمليات الخاصة تشمل قوة المهام الخاصة المشتركة مع الفلبين، حيث يتراوح عددها من 500-600 فرد مخصص لدعم عمليات مكافحة الإرهاب من قبل الحلفاء الفلبينيين ضد الجماعات المتمردة مثل جماعة (أبوسياف).
وكمثال لهذه الكيانات «قيادة وحدة العمليات الخاصة ناتو-أفغانستان» (أى قوات العمليات الخاصة المشتركة مع أفغانستان)، التى تقوم بتنفيذ العمليات وفقاً لتعليمات قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، وذلك لتمكين القوة الأمنية للمساعدة الدولية ISAF وقوات الأمن الوطنية الأفغانية وحكومة جمهورية أفغانستان الإسلامية GIRoA من توفير بيئة آمنة ومستقرة للشعب الأفغانى، ومنع أنشطة المتمردين من تهديد سلطة أو تعدى على سيادة الحكومة الأفغانية.
وفى العام الماضى، كان لحليف الولايات المتحدة فى أفغانستان الرئيس الأفغانى (حامد كرازاى) تقييم مختلف عن القوات الخاصة الأمريكية المتمركزة حينها فى مقاطعة (وارداك) حيث اتهمها «بمضايقة وإزعاج وتعذيب وحتى قتل الأبرياء».
ووفقاً لأحدث الإحصائيات المتاحة من القوة الدولية للمساعدة الأمنية ISAF (من أكتوبر 2012 حتى مارس 2013) فقد شاركت الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها فى 1464 مهمة خاصة فى أفغانستان، متضمنةً 167 مهمة مع الولايات المتحدة أو قوات التحالف و85 مهمة من جانب الـISAF. وشاركت قوات العمليات الخاصة الأمريكية فى جميع الأعمال بدايةً من توجيه قوات الأمن المحلية المسلحة تسليحاً خفيفاً (وذلك فى إطار مبادرة «عمليات استقرار القرى») إلى تدريب نخبة القوات الأفغانية المسلحة بالأسلحة الثقيلة.
وبالإضافة إلى قوات المهمات الخاصة، هناك أيضاً عناصر قيادة العمليات الخاصة الأمامية (SOC FWD) التى «تشكل التعاون الأمنى لقوات العمليات الخاصة، وتنسق المشاركة فى دعم قيادة مسرح عمليات العمليات الخاصة. وهذه الفِرَق ذات البصمة الخفيفة بما فيهم قيادة العمليات الخاصة الأمامية فى باكستان واليمن ولبنان تقدم التدريب والدعم لقوات النخبة المحلية فى المناطق الأجنبية الساخنة. ففى لبنان على سبيل المثال، كانت المهمة هى تدريب قوات العمليات الخاصة اللبنانية على مكافحة الإرهاب، إضافة إلى تقديم المساعدة لمدرسة القوات الخاصة اللبنانية فى تطوير المدربين اللبنانيين؛ لتوجيه أفراد الجيش اللبنانى.
لكن يظل نطاق قيادة العمليات الخاصة SOCOM وطموحاتها أبعد من ذلك بكثير، وهو ما ظهر فى تحليل «توم ديسباتش» عن أول عامين تولى فيهما «ماكرافين» القيادة، حيث كشف التحليل عن عدد هائل من العمليات. ففى أماكن مثل الصومال وليبيا، قامت قوات النخبة بتنفيذ مداهمات الكوماندوز السرية، وفى أماكن أخرى استخدمت القوة الجوية لمطاردة واستهداف وقتل المسلحين المشتبه بهم، بينما فى بعض الأماكن شنت حرباً معلوماتية مستخدمين الدعاية على الإنترنت، وفى كل مكان تقريباً فإنها كانت تقوم ببناء وإقامة علاقات قوية مع الجيوش الأجنبية من خلال المهمات التدريبية والتمرينات.
وفى مارس سنة 2013، على سبيل المثال، قامت قوات البحرية الأمريكية SEAL بتدريبات مشتركة مع الضفادع البشرية الأندونسية. وفى شهرى أبريل ومايو، شاركت قوات العمليات الخاصة الأمريكية أعضاء قوات الدفاع المالاوية فى تدريب «ملحمة الجارديان». ولأكثر من ثلاثة أسابيع، شارك 1000 جندى فى الرماية ووحدات التكتيكات الصغيرة والتدريب على القتال فى الأحياء الصغيرة وغيرها من الأنشطة عبر ثلاث دول هى جيبوتى ومالاوى وسيشيل. وفى شهر مايو، شاركت القوات الخاصة الأمريكية فى «عاصفة الربيع» التى تقام سنوياً وهى تعد أكبر التدريبات للجيش الإستوانى. وفى نفس الشهر شارك أعضاء قوات العمليات الخاصة فى (بيرو) والولايات المتحدة فى بعثات تدريبية مشتركة تهدف إلى تبادل التكتيكات وتحسين قدرتهم على القيام بعمليات مشتركة. أما فى يوليو، فقد قضت «القبعات الخضراء» من المجموعة الـ20 فى القوات الخاصة بالجيش عدة أسابيع فى «ترينيداد» و«توباجو» حيث ظلوا يعملون مع أعضاء من قوات الوحدة البحرية وكتيبة قوات العمليات الخاصة لهذه الدولة الصغيرة. وقد مزجت هذه التدريبات المشتركة ما بين تبادل الطرق التدريبية والعمل كجزء من برنامج التعاون الأمنى (SOCSOUTH)، والاتحاد بين الأمريكيين ونظرائهم المحليين فى تدريبات المسدس والبندقية والتدريبات التكتيكية للوحدات الصغيرة.
وفى شهر سبتمبر، شاركت قوات العمليات الخاصة الأمريكية، قوات خاصة من رابطة الـ10 دول من جنوب شرق آسيا وهى أندونسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، بروناى، فيتنام، ميانمار (بورما)، وكمبوديا، بالإضافة لنظرائها من أستراليا، نيوزيلاند، اليابان، كوريا الجنوبية، الصين، الهند، وروسيا. هذه المشاركة كانت للتدريب على مكافحة الإرهاب، بتمويل مشترك من الولايات المتحدة وإندونسيا، والتى عقدت فى مركز التدريب فى (سينتول)، جاوا الغربية.
ورغم كل ذلك فإن التدريب التكتيكى يعد جزءاً واحداً فقط من القصة. ففى مارس 2013 قام بعض الخبراء من مركز جون كنيدى للحرب (وهى مدرسة خاصة تابعة للجيش) باستضافة مجموعة عمل من أفضل المخططين التابعين لمركز تدريب عسكرى خاص فى المكسيك لمدة أسبوع، وذلك لمساعدتهم فى تطوير عقيدة القوات الخاصة لديهم.
وفى شهر أكتوبر، سافر أعضاء من قوات العمليات الخاصة النرويجية إلى قيادة العمليات الخاصة الأمريكية SOCOM فى مركز المناورات بمقرها بقاعدة (ماكديل) الجوية فى فلوريدا للتدريب على تحسين إجراءات الاستجابة فى عمليات إنقاذ الرهائن. حيث أوضح العقيد النرويجى (بيتر هيلسين) أن «قوات العمليات الخاصة النرويجية والقيادة المدنية النرويجية تشارك بانتظام فى التدريبات الميدانية التى تركز على سيناريوهات إنقاذ الرهائن كهذا».. وأضاف: «أن ما يميز هذه العملية أنها مكنتنا من جمع عدد كبير من كبار ضباط القيادة والعمل النرويجية، المدنية والعسكرية، فى غرفة واحدة مع نظرائهم فى الولايات المتحدة».
فى الحقيقة أن قاعدة (ماكديل) تحولت سريعاً إلى مركز للعمليات الخاصة بالعالم، ففى الخريف الماضى أنشأت SOCOM بتأن مركزاً عالمياً لتنسيق قوات العمليات الخاصة الذى يوفر إقامات طويلة الأجل لممثلى العلاقات المتبادلة من كبار المستويات. وبالفعل شارك ممثلو 10 دول للقيادة، (و ستشارك حوالى 24 دولة أخرى من المقرر أن تأتى على متن الطائرة خلال الـ12-18 شهر القادمين) وذلك وفقاً لرؤية (ماكرافين) العالمية.
وفى الأعوام المقبلة، سوف تقام بلا شك العديد والعديد من التفاعلات بين القوات الخاصة الأمريكية ونظرائهم الأجانب فى فلوريدا، ولكن يظل أيضاً من المرجح أنها سوف تقام بالخارج (كما يحدث اليوم). وقد أشار موقع (ديسباتش للوثائق الرسمية الحكومية) بالإضافة إلى النشرات الإخبارية والتقارير الصحفية أن قوات العمليات الخاصة الأمريكية انتشرت أو شاركت مع الجيوش فى 106 دول حول العالم خلال 2012-2013.
وما زالت القيادة تعلن لعدة سنوات أن إفشاء أسماء تلك الدول قد يغضب الحلفاء الأجانب ويشكل خطراً على الموظفين الأمريكيين. ولهذا أصر «بوكهولت» حينما حدثته أن مجرد الكشف عن أعدادهم يؤدى إلى تلك الخطورة، قائلاً: «أنت تعلم أن هناك معلومات عن الجيش تناقض ما فى التقارير. هناك بعض الأشياء التى لا يمكن أن نخبر بها الجمهور لضمان سلامة أعضاء الخدمة بالداخل أو الخارج. أنا لا أفهم لماذا أنت مهتم بتغطية ذلك».
ورداً على ما قال، سألته كيف يمكن لمجرد ذكر عدد أن يتعرض أفراد قوات العمليات الخاصة للخطر؟! فأجاب: «عندما تعمل مع الشركاء نحن نعمل مع مختلف الدول، كل دولة استثنائية جداً».. ثم رفض تقديم أى شرح لهذه الجملة، كما لم يفسر نهائياً لماذا أعطتنى القيادة SOCOM -مؤخراً- رقماً رغم وجود نوعية المخاطر تلك التى افترضوها.
هذا العام توجد لدى قيادة العمليات الخاصة عدة خطط لتحقق توسعات رئيسية فى دولة أخرى، ألا وهى: الولايات المتحدة الأمريكية. لهذا كان إنشاء SOCNORTH فى 2014، التى -وفقا للقيادة- تهدف إلى المساعدة فى «الدفاع عن أمريكا الشمالية من الأخطار المحتملة، والحفاظ على كامل الثقة مع شعبنا ودعمهم فى أوقات الحاجة».. وستكون SOCNORTH مسئولة عن الولايات المتحدة وكندا والمكسيك وجزء من البحر الكاريبى، وذلك تحت رعاية القيادة الشمالية للولايات المتحدة.
وقد ظهرت بعض الأصوات المعارضة فى الكونجرس الأمريكى أحبطت جهود الأدميرال (ماكرافين) فى إنشاء مقرات قمر صناعى، والتى من شأنها قيادة العمليات الخاصة الأمريكية لأكثر من 300 شركة خاصة تعمل فى واشنطن (بتكلفة مقدارها 10 ملايين دولار سنوياً)، ومع ذلك فقد قامت القيادة بتثبيت علاقات وفرق دعم فى جميع أنحاء العاصمة، فى محاولة لترسيخ نفسها بصورة أعمق داخل العاصمة الحكومية. حيث صرح (ماكرافين) أثناء نقاشه فى مركز (واشنطن ويلسون) عام 2013 قائلا: «لدينا أصدقاء فى كل وكالة هنا فى واشنطن بداية من (دى.سى.DC) التابعة لوكالة المخابرات الأمريكية (CIA)، مروراً بمكتب التحقيقات الفيدرالى (إف بى آى FBI)، ووكالة الأمن القومى والوكالة الجيوفضائية الوطنية، ثم وكالة المخابرات العسكرية».. كما أشار إلى مختصرات العديد من الوكالات الأخرى التى أقامت قيادة العمليات الخاصة الأمريكية علاقات معها. وحين تحدث (ماكرافين) فى نوفمبر فى مكتبة (رونالد ريجان) أوضح أن عدد الوكالات المخترقة من قبل القيادة (SOCOM) هو 38 وكالة.
وفى العام الماضى أخبر (ماكرافين) لجنة الخدمات المسلحة لمجلس النواب أنه «نظراً لأهمية التعاون المشترك بين الوكالات، تعطى قيادة العمليات الخاصة الأمريكية التركيز الأكبر على وجودها بنفسها فى منطقة العاصمة، لتنسيق الدعم واتخاذ القرارات مع الشركاء بين الوكالات. ولذلك، بدأت قيادة العمليات الخاصة الأمريكية بتعزيز وجودها فى منطقة العاصمة فى بدايات عام 2012».
إن هيئة المعونة الأمريكية تعتبر أحد الشركاء المجهولين لقيادة العمليات الخاصة، وتكرس هذه الهيئة الحكومية جهودها لتوفير المساعدات الخارجية للمدنيين حول العالم فى الدول التى تشمل حماية حقوق الإنسان، ولمنع نشوب الصراعات المسلحة، وتوفير المساعدات الإنسانية، وتعزيز «حسن النية بالخارج». وفى مؤتمر يوليو 2013، أوضحت (بيث كول)، مديرة مكتب التعاون المدنى والعسكرى بالمعونة الأمريكية، كيف أن الوكالة تقوم الآن بمساعدة الجيش السرى للجيش فى هدوء تام.
وفى المؤتمر نفسه قالت (بيث كول): «فى اليمن على سبيل المثال، يقوم مدير البعثة لدينا بعقد (مؤتمرات فيديو آمنة) مع أفراد قيادة العمليات الخاصة بشكل منتظم. الشىء الذى لم يكن يحدث منذ سنتين، أو ثلاث، أو أربع، أو خمس سنوات.» هكذا قالت وفقاً لنسخة من الحدث. ولكن هذه لم تكن سوى البداية، حيث أضافت (كول): «إن مكتبى بالمعونة الأمريكية يدعم تدريب ما قبل نشر قوات العمليات الخاصة فى تحضير البعثات حول العالم.. وأنا فخورة أن مكتبى وهيئة المعونة الأمريكية يقومان بتقديم الدعم فى مجال التدريب لعدة مئات من أفراد الجيش، والبحرية، وأفراد العمليات الخاصة البحرية الذين كانوا ينتشرون بانتظام فى أفغانستان، وسنواصل القيام بهذا الدعم».
كما أشارت (كول) إلى أنه فى أفغانستان كان يعمل موظفى المعونة الأمريكية أحياناً جنباً إلى جنب مع قوات العمليات الخاصة فى عملية «مبادرة استقرار القرى». وقالت متحدثة عن مناطق محددة: «نستطيع أن نتشارك الوظائف مع بعض ضباطنا فى البرنامج الميدانى، كضباط اتصال LNOs فى مهمات القوات الخاصة المشتركة، بحيث نكون قادرين على تنفيذ أعمال التطوير التى يتعين علينا القيام بها جانب قوات العمليات الخاصة».. كما اقترحت (كول) بإلقاء نظرة فاحصة عما إذا كان هذا التجانس بين هيئتها المدنية والعمليات الخاصة يمكن أن يقدم كنموذج للعمليات فى مكان آخر فى العالم.
ذكرت (كول) أيضاً أن مكتبها سيقوم بتدريب «فرد على أعلى مستوى» ليعمل مع (ماكرافين)، الرجل الذى على وشك أن «يترأس عناصر القوات الخاصة فى لبنان».. ربما فى إشارة غامضة إلى قيادة القوات الخاصة الأمامية فى لبنان SOC FWD. وستقوم هيئة المعونة الأمريكية -كما ذكرت- بدور الوسيط فى هذه الدولة «وعليها أن توفر العلاقات اللازمة التى تمكنها من التعامل مع المشاكل الخطيرة جداً لحكومتنا ولشعب هذه المنطقة».
هيئة المعونة الأمريكية تقوم بدور الوسيط فى الداخل الأمريكى أيضاً. حيث أشارت (كول) إلى أن وكالتها ترسل مستشارين إلى مقر قيادة العمليات الخاصة الأمريكية فى فلوريدا، وأن الهيئة قد «نظمت لقاءات (للعملاء المميزين) مع الخبراء، وعقدت لهم اجتماعات الموائد المستديرة، كما غمستهم فى الأجواء التى نفهمها كهيئة قبل أن يخرجوا إلى منطقة المهام الفعلية ونربطهم بالأشخاص على أرض الواقع».. ويبدو أن كل هذا يشير إلى اتجاه آخر وهو: غزو قيادة العمليات الخاصة للمجتمع المدنى.
فى تصريحاته أمام لجنة الخدمات المسلحة بالكونجرس، أشار الأدميرال (ماكرافين) إلى أن عمليات واشنطن التى تسمى SOCOM-NCR «تتواصل مع الأوساط الأكاديمية، والمنظمات غير الحكومية، والمصانع، وقطاع المؤسسات الخاصة الأخرى، وذلك لفهم وجهة نظرهم بشأن القضايا المعقدة التى تؤثر على قوات العمليات الخاصة».. وعندما تحدث (ماكرافين) فى مركز (ويلسون) كان أكثر جرأة حين قال: «نحن لدينا أيضاً ضباط اتصال مع الصناعة ومع الأوساط الأكاديمية.. ولقد وضعنا أفراداً من أفضل وأبرع من لدينا فى بعض المؤسسات الأكاديمية، حتى نتمكن من فهم فيمَ تفكر هذه الأكاديميات».
لم تكتفِ قيادة العمليات الخاصة بوجودها فى العالم المادى فقط، بل لجأت أيضاً إلى الفضاء الإلكترونى، حيث قدمت مبادرة إقليمية عبر شبكة الإنترنت، هذه المبادرة عبارة عن شبكة من 10 مواقع دعائية تدار عن طريق مختلف القيادات القتالية، وقد صممت المواقع لتشبه وكالات الأنباء المشروعة. وكأمثلة لهذه المواقع الغامضة:
KhabarSouthAsia.com، Magharebia الذى يستهدف شمال أفريقيا، وAl-Shorfa.com الذى به جهود تهدف لمنطقة الشرق الأوسط، وآخر يستهدف أمريكا اللاتنينية يسمى Infosurhoy.com – ويمكننا أن نقول بطريقة مستترة إن هذه المواقع «برعاية» الجيش الأمريكى.
وفى يونيو الماضى، دعت لجنة الخدمات المسلحة بالكونجرس لإلغاء المبادرة الإقليمية عبر شبكة الإنترنت، وذلك بسبب تكاليفها الباهظة معللة ذلك بأن «فعالية المواقع مشكوك فيها، ومقاييس الأداء لا تبرر التكلفة». ومع ذلك أعلنت قيادة العمليات الخاصة أنها مازالت تبحث عن شركاء فى الصناعة قادرين على «تطوير مواقع جديدة مصممة خصيصاً للجمهور الأجنبى».
وكما تعمل قيادة العمليات الخاصة على التأثير فى الجمهور بالخارج، فإنها تشارك أيضاً بمنتهى الحزم فى السيطرة على مراقبة المعلومات بالداخل.
وأياً كان ما تحاول فعله قيادة العمليات الخاصة عالمياًً أو بالداخل، فإن (بوكهولت) وغيره فى القيادة SOCOM يحرصون على أن يظل سراً قدر الإمكان.
4
ونتوقف عند دراسة نشرها «توماس فولك» فى أكتوبر 2015 تحت عنوان: «كيف تمكن داعش من تجنيد مقاتلين فى أوروبا؟».. أشار فيها إلى أن تنظيم داعش استطاع أن يحقق نجاحات هائلة من خلال إجادة استخدام الوسائل الإعلامية، التى يعتمد عليها بشكل أساسى فى استقطاب المقاتلين على الوسائل الإلكترونية وظهر ذلك فى إصدار التنظيم لكتاب إلكترونى كدليل للسفر لمناطق تمركز داعش متاح على الإنترنت باللغة الإنجليزية ليقدم نصائح للسفر إليها وهو ما يعكس ما يمتلكه التنظيم من مهارات، إضافة إلى استخدام الحسابات على تويتر من أجل جذب المقاتلين.
إضافة إلى إنشاء التنظيمات الإرهابية لعدد من المواقع التى توفر معلومات عن رؤيتها المتطرفة للإسلام والعديد من الصفحات للتنظيمات الإرهابية على تويتر وفيسبوك وقنوات اليوتيوب خاصة قناة جهاد أونلاين من أجل جذب المقاتلين لها من جميع أرجاء العالم، إلى جانب ذلك تم إطلاق عدد من القنوات المتخصصة من أجل استقطاب المرأة وحثها على الجهاد، ومن المثير أن جميع المؤشرات تعكس مدى فعالية الحملة الإعلامية التى يدشنها داعش، خاصة فى ظل تصاعد عدد زوار منصاتهم الإعلامية بالإضافة إلى تزايد أعداد المنضمين للتنظيم.
وتأكيداً على ما سبق يرى آنيتا بريسين وألبرتو سيرفونى فى دراستهما المنشورة فى إبريل 2015 تحت عنوان «المهاجرات الغربيات لداعش» أن هناك تزايداً فى اعتماد الجماعات الإرهابية على وسائل التواصل الاجتماعى والاستخدام المكثف للإنترنت من أجل بث الأفكار المتطرفة وتجنيد المقاتلين الجدد وتشكيل هوية الشباب وحثهم على «استعادة الخلافة» وفق رؤية التنظيم.
كما أشار جيمس جاى كارافانو فى دراسة عنوانها «تويتر يقتل: كيف أصبحت شبكات الإنترنت تهديداً للأمن القومى؟» تم نشرها فى يونيو 2015 فى مجلة ناشونال إنترست، إلى أن الجماعات الإرهابية استطاعت أن تحقق ما يسمى بالاستخدام النشط لمواقع التواصل الاجتماعى فهى تعتمد كليةً عليها فى نشر ما تقوم به من أعمال عنف وبث جرائم القتل والإعدام والإبادة الجماعية التى ترتكبها بهدف الانتشار العالمى وتصدر وسائل الإعلام بالإضافة إلى استخدامها لجذب المقاتلين من جميع أنحاء العالم من خلال الدخول فى دوائر للحوار العلنى.
على مستوى آخر، تناول هاردن لانج وبيتر جول وتريفور سوتون فى دراسة تم نشرها فى نوفمبر 2015 عنوانها «مواجهة تحدى تمويل الإرهاب فى الشرق الأوسط»، طرق التمويل المتصاعد للجماعات الإرهابية، وقاموا بتحديد المصادر المالية للجماعات الإرهابية والتحولات التى طرأت عليها من الاقتصار على تلقى التبرعات والمساهمات المالية إلى الاعتماد على التمويل الذاتى، الذى يتجسد فى استخراج الموارد والثروات من الأراضى التى يسيطرون عليها وتلقى الضرائب ممن يقع تحت سيطرتهم.. وكيف أن القوة المالية للجماعات الإرهابية لم تقتصر فقط على عمليات تكرير وتهريب النفط ولكن يحقق داعش أرباحاً متفاقمة من عمليات بيع القطع الأثرية المنهوبة حيث أشارت جميع التقديرات إلى أن ما تحصل عليه داعش من عمليات بيع الآثار يأتى فى المرتبة الثانية بعد الإيرادات النفطية مباشرة. إضافة إلى اعتماد بعض الجماعات الإرهابية فى استمرارها وقدراتها العسكرية على التمويل الذى تتلقاه من دول لها مصالح محددة وهو ما يتضح فى تمويل إيران لعدد من الميليشيات العسكرية والجماعات المسلحة فى سوريا. كما رصدت دراسات غربية عديدة تصاعد أعداد المقاتلين المنضمين للجماعات الإرهابية وتنوع الخلفيات الاجتماعية والثقافية والدينية بالإضافة إلى اختلاف جنسياتهم.
هكذا، فشلت السياسة الأمريكية فى المنطقة على الرغم من احتلال أفغانستان والمذابح الوحشية التى ارتكبتها فى العراق وتدميرها لليبيا وإطالة أمد التوتر فى سوريا وكل دول المنطقة وعدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بمكافحة الإرهاب.. وبات واضحاً تماماً أن الولايات المتحدة والغرب لا يحاربون الإرهاب لأنهم لو كانوا كذلك لألزموا أنفسهم بتطبيق قرارات الأمم المتحدة التى وافقوا عليها وبخاصة تلك التى تطالب بمنع دعم وتمويل وتسليح الإرهابيين، وتجفيف منابع الإرهاب وتفكيك بيئاته الحاضنة، متناسين أو متجاهلين أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وأنه لن يتوقف عند حدود ما ترسمه له الولايات المتحدة، وإنما سيتعدى ذلك ليطال العالم بأسره بما فى ذلك الدول البعيدة عن منطقتنا، والأحداث تؤكد أن الإرهاب المدعوم أمريكياً وغربياً وتركياً وقطرياً سوف يرتد على داعميه، وستحصد الإدارة الأمريكية وغيرها من الحكومات الغربية ثمن ما زرعته من أمنها وأمن مواطنيها.
وأخيرا، نرى أنه من حقنا أن نعرف من يريد إشعال النار فى المنطقة ولماذا؟!.. هل محاولاتنا لاستعادة دورنا كمنطقة مركزية فى العالم جريمة نعاقب عليها؟!.. أم أن سقوط نظام «الإخوان» كان بالنسبة لدوائر أمريكية وبريطانية «طعنة» أصابت مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، فأرادوا أن يردوا عليها بطعنة أقسى منها؟!
إننا نعرف جميعاً أن واشنطن ولندن كانتا تطمحان، إلى أن يكون نظام الإخوان فى مصر هو «الخيمة الإسلامية» التى تحتضن التيار الإسلامى فى المنطقة على أن يتكامل مع التيار الاسلامى ممثلاً فى حزب «العدالة والتنمية» فى تركيا، فيحدث التغيير الذى ينتج انضباط التطرف الإسلامى بكل مظاهره.
وضع فى اعتبارك أن واشنطن كانت تزعم دائماً أن «داعش» تنظيم إرهابى إقليمى لا يشكل خطراً على الخارج وتحديداً على الغرب!
ولا تبقى فى النهاية غير الإشارة إلى أن مصر التى ظلت عصية على الفوضى المدمرة والصراعات والحروب الطائفية، ستظل عصية على أى محاولات تريد أن تمنعها من إعادة الاستقرار ومن السير بخطوات ثابتة نحو التقدم، خاصة بعد أن أصبح فى حكم المؤكد والبديهى أنه كلما تقدمت جهود مكافحة الإرهاب فى المنطقة، علا صراخ وعويل التنظيمات الإرهابية والجهات والدول الداعمة لها، وارتفعت حمى التضليل والكذب فى وسائل الإعلام الأمريكية والغربية، للتغطية على التواطؤ، والهروب من الفضائح والجرائم التى يرتكبها «التحالف» الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية تحت اسم «مكافحة» الإرهاب بينما هو فى الواقع لا يفعل شيئاً غير دعمه وتوفير الغطاء له، سواء عبر القوات الأمريكية المنتشرة التى تعمل تحت ستار أو عبر فروع المخابرات المركزية الأمريكية التى تسمّى نفسها سفارات!
مصر تواجه أكاذيب واشنطن ولندن ومؤامرات الأشقاء العرب
ماذا تعرف عن:
SOCOM
العمليات الخاصة الأمريكية
تأسست بعد فشل إنقاذ الرهائن الأمريكيين فى إيران سنة 1980 ويقودها حالياً الأدميرال (ويليام ماكرافين)،
- تضم 33000 مقاتل وميزانيتها وصلت إلى 6.9 مليار دولار
تقوم بعمليات اغتيال وتجنيد عملاء وهدفها الرئيسى تكوين قيادات تابعة للبنتاجون فى كل دول العالم
ماذا يعنى تحذير السفارة الأمريكية بالقاهرة لرعاياها فى مصر من «تهديدات أمنية محتملة» الأحد الموافق التاسع من أكتوبر؟!
التحذير، الذى نشرته السفارة على موقعها الإلكترونى، احتوى على نصائح للمواطنين الأمريكيين بأن يكونوا على علم بمحيطهم ويتبعون احتياطات أمنية جيدة فى جميع الأوقات، وتجنب التجمعات الكبيرة والأماكن العامة مثل قاعات الحفلات الموسيقية ودور السينما والمتاحف ومراكز التسوق، والملاعب الرياضية بالقاهرة.
كما طالب التحذير الأمريكيين بضرورة مراجعة خطط أمنهم الشخصية والبقاء فى حالة تأهب وحذر لمحيطهم فى جميع الأوقات بمصر ونصحتهم بالاطلاع على قسم التحذيرات الأمنية فى الموقع الإلكترونى لوزارة الخارجية الأمريكية، الذى تتوافر به معلومات محددة عن مصر، وتحذيرات وتنبيهات السفر. ومتابعة الحساب الرسمى للسفارة الأمريكية بالقاهرة على موقع «تويتر» وصفحة مكتب الشئون القنصلية على «فيس بوك».
الأمر ذاته كررته السفارة الكندية التى نصحت مواطنيها عبر تغريدات فى حسابها الرسمى على «تويتر» بتجنب التجمعات الكبيرة والأماكن العامة مثل قاعات الحفلات الموسيقية ودور السينما والمتاحف ومراكز التسوق، والملاعب الرياضية فى القاهرة، خلال الأحد 9 أكتوبر، بسبب ما اعتبرته «مخاوف أمنية محتملة».
وعلى الخط، دخلت السفارة البريطانية، الأمر الذى يجعلنا نقول بلا تردد إن المقصود بتلك البيانات هو إشاعة الفوضى، والتأثير على الحالة الاقتصادية، مع الوضع فى الاعتبار أن تكهنات السفارات وتحذيراتها لرعاياها تخالف القانون الدولى خاصة لو كانت سفارات دول اعتادت بث شائعات ولعب أدوار مشبوهة، كشف بعضها موقع ويكيلكس الذى كان للسفارات الأمريكية فى أنحاء العالم نصيب كبير من وثائقه المسربّة، وكان بين تلك الوثائق ما يؤكد أن مبنى السفارة الأمريكية فى كل دولة يمثل فرعاً للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA) يتصل بالمركز الرئيسى (Headquarter) فى الولايات المتحدة. كما بينت الوثائق المسربة الدور المخابراتى الذى تقوم به السفارات الأمريكية فى معظم الدول، وتم الكشف عن ذلك من خلال برقيات أرسلتها وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلارى كلينتون، مصنفة (سرى) موجهة إلى السفارات تطلب فيها واشنطن مهمات عادة ما توكل إلى المخابرات المركزية كالتنصت والتجسس على جهات بعينها.
وكشفت الوثائق بين ما كشفت عن الفرق الكبير بين الوجه الدبلوماسى للسفارة، ودورها الخفى، المخابراتى أو التجسسي الذى يتطلب وجود طاقم مدرّب مخابراتياً واجتماعياً وعسكرياً ونفسياً، حتى يستطيع القيام بجميع المهمات الموكلة إليه ولديه الجاهزية التامة لتنفيذ أى مطلب مخابراتى وقد يتطور ليصبح تدخلاً مباشراً فى سياسة البلد المضيف بل وقد يصل نفوذ سفراء بعض الدول إلى أن يقوموا بمهام الحاكم الفعلى لهذا البلد أو ذاك فيعزلون وزراء أو يشرعون القوانين.
ولهذه السفارات الدور الأكبر فى دعم الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية المتطرفة، التى لا يمر يوم إلا ويظهر ما يؤكد أن «مواجهتها» المزعومة لتلك التنظيمات ليس أكثر من وسيلة أو ستار للتغطية على الدعم الكبير الذى تقدمه بشكل مباشر وغير مباشر لهذه التنظيمات، ولم يعد سراً أن الولايات المتحدة تقوم بدعم وتمويل وتسليح وتدريب التنظيمات الإرهابية وأنها توفر لها وتحت غطاء «الحرب على الإرهاب» فرص التدخل فى شئون الدول والتلاعب بأوضاعها السياسية والتأثير فى حكوماتها وابتزازها تحت التهديد بخطر «داعش» وهو ما جرت عليه الأمور فى العراق وسوريا وبعض الدول الأخرى، إضافة إلى أن الخطر يستدعى شراء المزيد من الأسلحة لمواجهته ما يعنى أن تقوم دول المنطقة بتبديل أولوياتها من تعليم وصحة ورعاية وبنية تحتية وتنمية ومواكبة التطور إلى خيار آخر هو محاربة الإرهاب ومكافحته، ما يعنى المزيد من التراجع فى مؤشرات التنمية والدخول فى مربعات الفقر والجهل والتخلف وهى البيئات المصنّعة والمنشئة للإرهاب والمصدرة له. أى إن مكافحة الإرهاب تتحول إلى إعادة إنتاج له بطريقة أخرى.
ولعل المتابع للسياسة الأمريكية وللدول الأوروبية وفى مقدمتها بريطانيا يلاحظ الدعم المتواصل للعصابات الإرهابية الإجرامية تحت مسميات مختلفة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، دعم ما يسمى «المعارضة المعتدلة».
2
ولم يكن مفاجئاً ولا مستغرباً أن يكشف موقع الـ«دايلى بيست» عن قيام وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بتنفيذ برنامج سرى بالتعاون مع شركة بريطانية للعلاقات العامة، لفبركة أشرطة لتنظيم القاعدة لاستخدامها فى الدعاية ضده فى العراق، وهو البرنامج الذى تكلف حوالى نصف مليار دولار، وعمل على إنتاج فيديوهات تحمل طابع شبكات الأخبار العربية مثل الجزيرة، بهدف تتبع من يتصفحونها.
هذا البرنامج بحسب الموقع أشرف عليه مسئولون عسكريون فى «معسكر فكتورى» ببغداد، وهو ما أكده مدير الشركة السابق لصحيفة «صنداى تايمز»، كما أكد أنه تعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية فى هذا الشأن.
وينقل التقرير عن مارتن ويلز، وهو موظف سابق لدى الشركة كان قد عمل فى البرنامج، قوله إنه كان «صادماً ومذهلاً وغير مسبوق». وكان يجرى إقرار عمل الشركة من قبل البيت الأبيض، والجنرال ديفيد بترايوس، قائد قوات التحالف فى العراق سابقاً.
ويشير التقرير إلى أن عمل الشركة تجاوز جهود العلاقات العامة المعتادة، ونقل عن أحد المتعاقدين قوله إنه قد جرى تصنيف التسجيلات إلى ثلاثة أصناف، الأبيض وهو يمنح لجهة إنتاج معروفة، والرمادى الذى يمنح للفيديوهات التى لا يعرف من أنتجها، والأسود للفيديوهات المزيفة.
هذه العمليات السرية اتسمت بالضخامة والتعقيد، وشارك فيها المئات من البريطانيين والعراقيين، حسبما تكشف إحدى الوثائق. لكن مهمة الشركة العلنية التى دخلت بسببها العراق سنة 2004 كانت الترويج للانتخابات الديمقراطية.
وينقل التقرير عن المكتب قوله إن حجم التعاون بين الشركة والبنتاجون بين منتصف عام 2007 و2011 بلغ حاجز نصف مليار دولار، كما جرى توقيع عقد مشابه فى 2006.
ويتناول التقرير تجربة ويلز الذى جرى استدعاؤه فى مايو سنة 2006 لإجراء مقابلة لدى الشركة، وذلك لتولى مهمة تحرير بعض مقاطع الفيديو. ثم تبين له لاحقاً أن مكان المقابلة كان وحدة إعلامية تابعة للبحرية الأمريكية، وأنه سيعمل على مواد تخص الشرق الأوسط. وعندما سألهم عن مقر العمل، تفاجأ حين عرف أنه سيكون فى السفارة الأمريكية ببغداد.
وكاد ويلز يلقى حتفه وهو يهبط بالطائرة فى بغداد بعد أن أطلق متمردون النار صوبها. وقد جرى نقله إلى قاعدة فكتورى العسكرية.
كان العنف على أشده فى تلك الفترة. وأثناء مساهمته فى العمليات المخابراتية للجيش الأمريكى فى العراق، تعرض المعسكر لتفجير انتحارى قتل 14 شخصاً وجرح ستة آخرين.
ووصف ويلز المكان بأنه شديد الحراسة ولا يسمح بالدخول إلا لحاملى التصاريح. وجرى تخصيص مكان لشركة بيل بوتنجر وموظفيها. وقد أدرك لاحقاً أن عمله سيتجاوز مجرد التعديل على التغطيات الإخبارية.
وينقل الموقع عن ويلز أن العمل تشكل من ثلاثة محاور. الأول هو إنتاج إعلانات لتشويه صورة تنظيم القاعدة. والثانى هو إنتاج أخبار كالتى تبثها القنوات العربية، حيث كان يجرى تصوير تفجيرات للقاعدة بجودة منخفضة والتلاعب فيها وإرسالها إلى المحطات الإخبارية فى المنطقة. والثالث كان الأكثر خطورة ويتمثل فى إنتاج أفلام دعاية مزيفة للقاعدة. وكان يشارك فى إنتاج تلك الأفلام بناءً على تعليمات محددة عن محتواها ومدة كل تسجيل. وكان يجرى إنتاج التسجيل بحيث يعمل ببرنامج Real Player بعد الاتصال بالإنترنت. وكان كل قرص مدمج به أحد التسجيلات متصل بكود سرى إلى حساب على خدمة Google Analytics، فيقوم بتسجيل جميع عناوين بروتوكول الإنترنت IP Address لكل من شاهد التسجيل.
ويقول ويلز إنه كان يجرى زرع تلك التسجيلات فى المنازل التى كان يداهمها الجيش الأمريكى على أنها أحراز جرى مصادرتها وتخص مقاتلين فى القاعدة.
وكانت البيانات التى جرى جمعها تصل إلى عضو بارز فى إدارة الشركة وقادة فى الجيش الأمريكى. وتكمن أهمية تلك التسجيلات فى أنها تعطى خيوطاً لتتبع عناصر القاعدة ومناصريها. وقد ظهرت تلك التسجيلات فى بلدان أخرى بخلاف العراق مثل إيران ولبنان وحتى أمريكا.
الغريب، هو أن البنتاجون أكد أنه تعاون مع الشركة فى العراق، وأنها كانت ضمن قوة عمليات المعلومات IOTF، وأنها كانت تنتج مواد لصالح قوات التحالف، وأنه لم يكن من بينها أى شىء مزيف.
وينقل التقرير عن ويلز قوله إن الشركة قد عملت أيضاً ضمن قوة العمليات النفسية المشتركة JPOTF التى رفض مسئولون الإفصاح عن طبيعة مهماتها المخابراتية. ويؤكد التقرير أن الشركة البريطانية فازت بالعقد لأن «أيان تانكليف»، وهو جندى بريطانى سابق، كان يرأس مجلساً من ثلاثة أشخاص شكلته سلطة التحالف الانتقالية التى حكمت البلاد بعد الإطاحة بصدام حسين، وأسند إليه مهمة الترويج للانتخابات الديمقراطية.
وقد لجأ «تانكليف» إلى البحث عن شركة بعد أن تبين له وللمجلس أن الجهود التى يبذلونها لتوعية العراقيين بأهمية دولة القانون لا يجدى نفعاً، وقد بلغت قيمة العقد بالمجمل 5.8 مليون دولار، وقد وقع الاختيار على الشركة بعد أن قدمت عرضاً مقنعاً أكثر من الشركات الثلاث الأخرى التى تنافست على العرض.
التقرير أشار أيضاً إلى أن العراق بعد الغزو الأمريكى كان فرصة مغرية لشركات العلاقات العامة. وأن أكثر من 40 شركة، ما بين عراقية وأجنبية، قد تلقت أموالاً ضخمة لتقديم خدمات فى مجال التليفزيون والإذاعة والدعاية وإجراء استطلاعات الرأى، لكن شركة «بيل بوتنجر» كان لها النصيب الأكبر. ونقل التقرير عن «جلين سيجيل»، الذى عمل ضمن قوة عمليات المعلومات فى العراق، قوله إن قوات التحالف لجأت إلى المتعاقدين لأنها افتقدت الخبرة، ولأن مثل هذا العمل مشكوك فى صحته قانونياً.
وفى مقال له كتبه فى 2011، قال «سيجيل» إن القانون الأمريكى يحظر استخدام الدعاية الزائفة لتوجيه الرأى العام فى الداخل. ولكن فى عصر العولمة، كان من الممكن رؤية كل ما يجرى فى العراق داخل الولايات المتحدة. لذا تجنب الجيش الأمريكى تولى مثل تلك المهمات.
وقد أظهرت دراسة أجراها معهد «راند»، التابع للجيش الأمريكى، أنه يصعب تقييم جهود الإعلام والتأثير والإقناع التى اتبعتها وزارة الدفاع الأمريكية فى العراق. على الرغم من أن «سيجيل» يرى أنها قد أحدثت تغييراً على أرض الواقع.
ومما جاء فى التقرير أن البرنامج توقف مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق بنهاية عام 2011. وقد تغيرت إدارة شركة بيل بوتنجر بعد أن تم عرضها للبيع وجرى إغلاق الوحدة التى عملت فى العراق. وصدرت الأوامر لجميع المسئولين فى تلك الوحدة بأن ينكروا عملهم ضمن هذا البرنامج!
3
ما سبق، يفسر ما أعلنه الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسى (الناتو) فاج راسموسن فى مقال نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية بأن الولايات المتحدة ترتدى «أحياناً» زى الشرطى العالمى لـ«تحقيق السلام» فى العالم، الأمر الذى دفع الجنرال الأمريكى المتقاعد «دانيال ديفيز» للرد على تصريح «راسموسن» بأن على واشنطن أن تكف عن إرسال الجيش الأمريكى لإشعال الحرائق فى الدول الأخرى.
الجنرال الأمريكى المتقاعد طالب واشنطن بالكف عن تمثيل دور «الشرطى العالمى» لسببين: الأول هو أنها لا تستطيع فرض أيديولوجيتها وقوانينها ونظامها على العالم، فكل بلد فى العالم لديه قوانينه وثقافته ولغته الخاصة التى يتعين على أمريكا احترامها. والسبب الثانى يتعلق بالتاريخ، حيث قال: بالنظر إلى المغامرات العسكرية لأمريكا ضد عدة دول، فإننا نرى أنها فشلت تماماً فى تحقيق أهدافها التى تدعى «تعليم الديمقراطية»، بل ساهمت فى إيجاد حالة من عدم الاستقرار وتفاقم التوترات وساءت الأوضاع فى الدول التى تدخلت ضدها عسكرياً، مثل العراق وأفغانستان وليبيا وباكستان والصومال والآن اليمن وسوريا، مؤكداً أن الولايات المتحدة قامت بقتل الأبرياء وأشعلت العنف.
وأضاف «ديفيز»: منذ غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 فإننا نجده قد تحول بعد ثلاث عشرة سنة من الحرب إلى «بلد ممزق» سياسياً وعسكرياً وطائفياً، فالعراق الآن يسيطر على بعض أجزاء من أراضيه تنظيم إرهابى وهو من أكثر التنظيمات الإرهابية وحشيةً على الإطلاق.
وبشكل أوضح كتب ديفيز: تجربتنا الفعلية لأداء دور الشرطى العالمى فشلت تماماً، والأمن القومى الأمريكى تدهور بشكل ملحوظ، ألم يحن الوقت للاعتراف بهذه السلسلة المتواصلة من الفشل والبدء بالتفكير فى سياسات بديلة؟!
ما ذكره «ديفيز» يدفعنا إلى السؤال: كم عدد الدول التى انتشرت فيها قوات العمليات الخاصة عام 2013؟!.. ولماذا تمت زيادة أعدادها لتصل إلى 72 ألفاً فى 2014؟!.. وهل مازالت قيادة القوات الخاصة الأمريكية تهدف إلى معدلات نمو (3%–5%) سنوياً؟!
أحد التقارير مفتوحة المصدر كشفت أنه فى 2012 و2013، قامت قوات العمليات الخاصة الأمريكية SOF بالانتشار فى أكثر من 100 دولة أجنبية (وربما هذا أقل من عدد الدول الحقيقى) سواء بشكل مباشر، أو عبر تقديم المشورة، أو العمل مع أفراد. ويؤكد ما جاء بالتقرير ما ذكره العقيد (تيم ناى) المتحدث باسم قيادة القوات الخاصة الأمريكية SOCOM لموقع «توم ديسباتش» بأنه يتم إرسال أفراد القوات الخاصة إلى 120 دولة حول العالم سنوياً، بما يعنى حوالى 60% من دول العالم.
وعلى الرغم من عدم وجود معلومات رسمية، إلا أن أحد التحليلات فى موقع «ديسباتش» أوضح أن قيادة العمليات الخاصة الأمريكية SOCOM تسعى لأن تكون قيادة هجومية حازمة على نطاق واسع ومترامى الأطراف فى 2020 وذلك على حد تعبير رئيس قيادة العمليات الخاصة الأدميرال (ويليام ماكرافين)، الذى صرح بأن خطته للمستقبل هى خلق قيادة لديها تطلعات لإنشاء «شبكة قوات خاصة عالمية لحلفاء وشركاء من ذوى التفكير المتماثل»، وهو ما يعنى أنه يريد تكوين تلك القيادة فى كل مكان فى العالم وخلال ست سنوات فقط من الآن!
ونشير هنا إلى أن فكرة «القوات الخاصة»، ظهرت بعد فشل إنقاذ الرهائن الأمريكيين فى إيران سنة 1980 (والتى قتل فيها ثمانية موظفين فى السفارة الأمريكية)، وعليه تم تأسيس القيادة سنة 1987 وتكونت من وحدات من كل فروع الخدمات. وهذه القيادة تتولى تنفيذ العمليات الأكثر تخصصاً وسريةً لواشنطن، بما فى ذلك الاغتيالات، والاستطلاعات الخاصة والحروب غير التقليدية وبعض عمليات الحرب النفسية وتدريب القوات الأجنبية، والتعامل مع أسلحة الدمار الشامل.
وبعد هجمات 11 سبتمبر، شهدت القيادة نمواً بشكل مطرد، حيث وصل عدد أفرادها عام 2001 إلى حوالى 33000 فرد، وتفيد التقارير بأنها وصلت إلى 72000 فرد سنة 2014 مع تضاعف الدعم المالى الموجه للقيادة، حيث تضاعفت ميزانية SOCOM ثلاثة أضعاف، فقد كانت 2.3 مليار دولار، حتى وصلت إلى 6.9 مليار دولار فى الفترة من 2001 إلى 2013.وإذا قمنا بإضافة الدعم الإضافى، سيكون الدعم فى الواقع قد تضاعف أكثر من أربعة أضعاف ليصل إلى 10.4 مليار دولار.
وليس ذلك غريباً، فقد ارتفع معدل انتشار الأفراد فى الخارج كما خططت له القيادة من 4900 رجل سنوياً فى 2011 حتى وصل عددهم إلى 11500 فى 2013. وفى العام الماضى، قام الأدميرال ماكرافين الرئيس السابق لقيادة العمليات الخاصة المشتركة JSOC، وهو من القيادة الفرعية السرية الذى تخصص فى تتبع وقتل الإرهابيين المحتملين بتوضيح رؤيته عن عولمة القوات الخاصة أمام لجنة الخدمات المسلحة بمجلس النواب الأمريكى قائلاً: «إن قيادة العمليات الخاصة الأمريكية US-SOCOM تقوم بتعزيز شبكة «قوات العمليات الخاصة العالمية» لدعم الجهود المشتركة بين المخابرات والشركاء الدوليين، وذلك لكسب وعى موسع عن الأوضاع والفرص الناشئة والأخطار المحتملة. وترجع أهمية هذه الشبكة إلى أنها تُمكّننا من التواجد المستمر فى الأماكن الحيوية، وبالتالى يسهل مشاركتنا إذا كان الأمر ضرورياً».
وهذا يعنى أن قيادة العمليات الخاصة الأمريكية SOCOM حولت كوكب الأرض إلى ساحة حرب عملاقة تنقسم إلى عدة جبهات منفصلة، وهذه الجبهات هى: قيادة العمليات الخاصة فى أفريقيا «سوك أفريكا» SOCAFRICA التى تعتبر شبه مصنفة كمركز القيادة الأمريكية فى الشرق الأوسط لذا تسمى أيضاً «سوكسينت» SOCCENT، الوحدة الأوروبية SOCEUR «سوكيور» أو SOCKOR والتى خصصت حصرياً لكوريا، SOCPAC «سوكباك» وهذه الجبهة تغطى المنطقة المتبقية من آسيا والمحيط الهادى، و«سوكثاوس» SOCSouth التى تقوم بمهمات خاصة فى وسط جنوب أمريكا ومنطقة بحر الكاريبى، بالإضافة إلى قيادة العمليات الخاصة المشتركة JSOC التى تجوب العالم.
أيضاً، سبق أن حصلت قيادة العمليات الخاصة الأمريكية SOCOM على ترخيص لإنشاء قوات مهام مشتركة خاصة بها بصلاحيات محدودة للمقاتلين الأعلى مثل القيادة المركزية الأمريكية CENTCOM. هذه العمليات الخاصة تشمل قوة المهام الخاصة المشتركة مع الفلبين، حيث يتراوح عددها من 500-600 فرد مخصص لدعم عمليات مكافحة الإرهاب من قبل الحلفاء الفلبينيين ضد الجماعات المتمردة مثل جماعة (أبوسياف).
وكمثال لهذه الكيانات «قيادة وحدة العمليات الخاصة ناتو-أفغانستان» (أى قوات العمليات الخاصة المشتركة مع أفغانستان)، التى تقوم بتنفيذ العمليات وفقاً لتعليمات قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، وذلك لتمكين القوة الأمنية للمساعدة الدولية ISAF وقوات الأمن الوطنية الأفغانية وحكومة جمهورية أفغانستان الإسلامية GIRoA من توفير بيئة آمنة ومستقرة للشعب الأفغانى، ومنع أنشطة المتمردين من تهديد سلطة أو تعدى على سيادة الحكومة الأفغانية.
وفى العام الماضى، كان لحليف الولايات المتحدة فى أفغانستان الرئيس الأفغانى (حامد كرازاى) تقييم مختلف عن القوات الخاصة الأمريكية المتمركزة حينها فى مقاطعة (وارداك) حيث اتهمها «بمضايقة وإزعاج وتعذيب وحتى قتل الأبرياء».
ووفقاً لأحدث الإحصائيات المتاحة من القوة الدولية للمساعدة الأمنية ISAF (من أكتوبر 2012 حتى مارس 2013) فقد شاركت الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها فى 1464 مهمة خاصة فى أفغانستان، متضمنةً 167 مهمة مع الولايات المتحدة أو قوات التحالف و85 مهمة من جانب الـISAF. وشاركت قوات العمليات الخاصة الأمريكية فى جميع الأعمال بدايةً من توجيه قوات الأمن المحلية المسلحة تسليحاً خفيفاً (وذلك فى إطار مبادرة «عمليات استقرار القرى») إلى تدريب نخبة القوات الأفغانية المسلحة بالأسلحة الثقيلة.
وبالإضافة إلى قوات المهمات الخاصة، هناك أيضاً عناصر قيادة العمليات الخاصة الأمامية (SOC FWD) التى «تشكل التعاون الأمنى لقوات العمليات الخاصة، وتنسق المشاركة فى دعم قيادة مسرح عمليات العمليات الخاصة. وهذه الفِرَق ذات البصمة الخفيفة بما فيهم قيادة العمليات الخاصة الأمامية فى باكستان واليمن ولبنان تقدم التدريب والدعم لقوات النخبة المحلية فى المناطق الأجنبية الساخنة. ففى لبنان على سبيل المثال، كانت المهمة هى تدريب قوات العمليات الخاصة اللبنانية على مكافحة الإرهاب، إضافة إلى تقديم المساعدة لمدرسة القوات الخاصة اللبنانية فى تطوير المدربين اللبنانيين؛ لتوجيه أفراد الجيش اللبنانى.
لكن يظل نطاق قيادة العمليات الخاصة SOCOM وطموحاتها أبعد من ذلك بكثير، وهو ما ظهر فى تحليل «توم ديسباتش» عن أول عامين تولى فيهما «ماكرافين» القيادة، حيث كشف التحليل عن عدد هائل من العمليات. ففى أماكن مثل الصومال وليبيا، قامت قوات النخبة بتنفيذ مداهمات الكوماندوز السرية، وفى أماكن أخرى استخدمت القوة الجوية لمطاردة واستهداف وقتل المسلحين المشتبه بهم، بينما فى بعض الأماكن شنت حرباً معلوماتية مستخدمين الدعاية على الإنترنت، وفى كل مكان تقريباً فإنها كانت تقوم ببناء وإقامة علاقات قوية مع الجيوش الأجنبية من خلال المهمات التدريبية والتمرينات.
وفى مارس سنة 2013، على سبيل المثال، قامت قوات البحرية الأمريكية SEAL بتدريبات مشتركة مع الضفادع البشرية الأندونسية. وفى شهرى أبريل ومايو، شاركت قوات العمليات الخاصة الأمريكية أعضاء قوات الدفاع المالاوية فى تدريب «ملحمة الجارديان». ولأكثر من ثلاثة أسابيع، شارك 1000 جندى فى الرماية ووحدات التكتيكات الصغيرة والتدريب على القتال فى الأحياء الصغيرة وغيرها من الأنشطة عبر ثلاث دول هى جيبوتى ومالاوى وسيشيل. وفى شهر مايو، شاركت القوات الخاصة الأمريكية فى «عاصفة الربيع» التى تقام سنوياً وهى تعد أكبر التدريبات للجيش الإستوانى. وفى نفس الشهر شارك أعضاء قوات العمليات الخاصة فى (بيرو) والولايات المتحدة فى بعثات تدريبية مشتركة تهدف إلى تبادل التكتيكات وتحسين قدرتهم على القيام بعمليات مشتركة. أما فى يوليو، فقد قضت «القبعات الخضراء» من المجموعة الـ20 فى القوات الخاصة بالجيش عدة أسابيع فى «ترينيداد» و«توباجو» حيث ظلوا يعملون مع أعضاء من قوات الوحدة البحرية وكتيبة قوات العمليات الخاصة لهذه الدولة الصغيرة. وقد مزجت هذه التدريبات المشتركة ما بين تبادل الطرق التدريبية والعمل كجزء من برنامج التعاون الأمنى (SOCSOUTH)، والاتحاد بين الأمريكيين ونظرائهم المحليين فى تدريبات المسدس والبندقية والتدريبات التكتيكية للوحدات الصغيرة.
وفى شهر سبتمبر، شاركت قوات العمليات الخاصة الأمريكية، قوات خاصة من رابطة الـ10 دول من جنوب شرق آسيا وهى أندونسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، بروناى، فيتنام، ميانمار (بورما)، وكمبوديا، بالإضافة لنظرائها من أستراليا، نيوزيلاند، اليابان، كوريا الجنوبية، الصين، الهند، وروسيا. هذه المشاركة كانت للتدريب على مكافحة الإرهاب، بتمويل مشترك من الولايات المتحدة وإندونسيا، والتى عقدت فى مركز التدريب فى (سينتول)، جاوا الغربية.
ورغم كل ذلك فإن التدريب التكتيكى يعد جزءاً واحداً فقط من القصة. ففى مارس 2013 قام بعض الخبراء من مركز جون كنيدى للحرب (وهى مدرسة خاصة تابعة للجيش) باستضافة مجموعة عمل من أفضل المخططين التابعين لمركز تدريب عسكرى خاص فى المكسيك لمدة أسبوع، وذلك لمساعدتهم فى تطوير عقيدة القوات الخاصة لديهم.
وفى شهر أكتوبر، سافر أعضاء من قوات العمليات الخاصة النرويجية إلى قيادة العمليات الخاصة الأمريكية SOCOM فى مركز المناورات بمقرها بقاعدة (ماكديل) الجوية فى فلوريدا للتدريب على تحسين إجراءات الاستجابة فى عمليات إنقاذ الرهائن. حيث أوضح العقيد النرويجى (بيتر هيلسين) أن «قوات العمليات الخاصة النرويجية والقيادة المدنية النرويجية تشارك بانتظام فى التدريبات الميدانية التى تركز على سيناريوهات إنقاذ الرهائن كهذا».. وأضاف: «أن ما يميز هذه العملية أنها مكنتنا من جمع عدد كبير من كبار ضباط القيادة والعمل النرويجية، المدنية والعسكرية، فى غرفة واحدة مع نظرائهم فى الولايات المتحدة».
فى الحقيقة أن قاعدة (ماكديل) تحولت سريعاً إلى مركز للعمليات الخاصة بالعالم، ففى الخريف الماضى أنشأت SOCOM بتأن مركزاً عالمياً لتنسيق قوات العمليات الخاصة الذى يوفر إقامات طويلة الأجل لممثلى العلاقات المتبادلة من كبار المستويات. وبالفعل شارك ممثلو 10 دول للقيادة، (و ستشارك حوالى 24 دولة أخرى من المقرر أن تأتى على متن الطائرة خلال الـ12-18 شهر القادمين) وذلك وفقاً لرؤية (ماكرافين) العالمية.
وفى الأعوام المقبلة، سوف تقام بلا شك العديد والعديد من التفاعلات بين القوات الخاصة الأمريكية ونظرائهم الأجانب فى فلوريدا، ولكن يظل أيضاً من المرجح أنها سوف تقام بالخارج (كما يحدث اليوم). وقد أشار موقع (ديسباتش للوثائق الرسمية الحكومية) بالإضافة إلى النشرات الإخبارية والتقارير الصحفية أن قوات العمليات الخاصة الأمريكية انتشرت أو شاركت مع الجيوش فى 106 دول حول العالم خلال 2012-2013.
وما زالت القيادة تعلن لعدة سنوات أن إفشاء أسماء تلك الدول قد يغضب الحلفاء الأجانب ويشكل خطراً على الموظفين الأمريكيين. ولهذا أصر «بوكهولت» حينما حدثته أن مجرد الكشف عن أعدادهم يؤدى إلى تلك الخطورة، قائلاً: «أنت تعلم أن هناك معلومات عن الجيش تناقض ما فى التقارير. هناك بعض الأشياء التى لا يمكن أن نخبر بها الجمهور لضمان سلامة أعضاء الخدمة بالداخل أو الخارج. أنا لا أفهم لماذا أنت مهتم بتغطية ذلك».
ورداً على ما قال، سألته كيف يمكن لمجرد ذكر عدد أن يتعرض أفراد قوات العمليات الخاصة للخطر؟! فأجاب: «عندما تعمل مع الشركاء نحن نعمل مع مختلف الدول، كل دولة استثنائية جداً».. ثم رفض تقديم أى شرح لهذه الجملة، كما لم يفسر نهائياً لماذا أعطتنى القيادة SOCOM -مؤخراً- رقماً رغم وجود نوعية المخاطر تلك التى افترضوها.
هذا العام توجد لدى قيادة العمليات الخاصة عدة خطط لتحقق توسعات رئيسية فى دولة أخرى، ألا وهى: الولايات المتحدة الأمريكية. لهذا كان إنشاء SOCNORTH فى 2014، التى -وفقا للقيادة- تهدف إلى المساعدة فى «الدفاع عن أمريكا الشمالية من الأخطار المحتملة، والحفاظ على كامل الثقة مع شعبنا ودعمهم فى أوقات الحاجة».. وستكون SOCNORTH مسئولة عن الولايات المتحدة وكندا والمكسيك وجزء من البحر الكاريبى، وذلك تحت رعاية القيادة الشمالية للولايات المتحدة.
وقد ظهرت بعض الأصوات المعارضة فى الكونجرس الأمريكى أحبطت جهود الأدميرال (ماكرافين) فى إنشاء مقرات قمر صناعى، والتى من شأنها قيادة العمليات الخاصة الأمريكية لأكثر من 300 شركة خاصة تعمل فى واشنطن (بتكلفة مقدارها 10 ملايين دولار سنوياً)، ومع ذلك فقد قامت القيادة بتثبيت علاقات وفرق دعم فى جميع أنحاء العاصمة، فى محاولة لترسيخ نفسها بصورة أعمق داخل العاصمة الحكومية. حيث صرح (ماكرافين) أثناء نقاشه فى مركز (واشنطن ويلسون) عام 2013 قائلا: «لدينا أصدقاء فى كل وكالة هنا فى واشنطن بداية من (دى.سى.DC) التابعة لوكالة المخابرات الأمريكية (CIA)، مروراً بمكتب التحقيقات الفيدرالى (إف بى آى FBI)، ووكالة الأمن القومى والوكالة الجيوفضائية الوطنية، ثم وكالة المخابرات العسكرية».. كما أشار إلى مختصرات العديد من الوكالات الأخرى التى أقامت قيادة العمليات الخاصة الأمريكية علاقات معها. وحين تحدث (ماكرافين) فى نوفمبر فى مكتبة (رونالد ريجان) أوضح أن عدد الوكالات المخترقة من قبل القيادة (SOCOM) هو 38 وكالة.
وفى العام الماضى أخبر (ماكرافين) لجنة الخدمات المسلحة لمجلس النواب أنه «نظراً لأهمية التعاون المشترك بين الوكالات، تعطى قيادة العمليات الخاصة الأمريكية التركيز الأكبر على وجودها بنفسها فى منطقة العاصمة، لتنسيق الدعم واتخاذ القرارات مع الشركاء بين الوكالات. ولذلك، بدأت قيادة العمليات الخاصة الأمريكية بتعزيز وجودها فى منطقة العاصمة فى بدايات عام 2012».
إن هيئة المعونة الأمريكية تعتبر أحد الشركاء المجهولين لقيادة العمليات الخاصة، وتكرس هذه الهيئة الحكومية جهودها لتوفير المساعدات الخارجية للمدنيين حول العالم فى الدول التى تشمل حماية حقوق الإنسان، ولمنع نشوب الصراعات المسلحة، وتوفير المساعدات الإنسانية، وتعزيز «حسن النية بالخارج». وفى مؤتمر يوليو 2013، أوضحت (بيث كول)، مديرة مكتب التعاون المدنى والعسكرى بالمعونة الأمريكية، كيف أن الوكالة تقوم الآن بمساعدة الجيش السرى للجيش فى هدوء تام.
وفى المؤتمر نفسه قالت (بيث كول): «فى اليمن على سبيل المثال، يقوم مدير البعثة لدينا بعقد (مؤتمرات فيديو آمنة) مع أفراد قيادة العمليات الخاصة بشكل منتظم. الشىء الذى لم يكن يحدث منذ سنتين، أو ثلاث، أو أربع، أو خمس سنوات.» هكذا قالت وفقاً لنسخة من الحدث. ولكن هذه لم تكن سوى البداية، حيث أضافت (كول): «إن مكتبى بالمعونة الأمريكية يدعم تدريب ما قبل نشر قوات العمليات الخاصة فى تحضير البعثات حول العالم.. وأنا فخورة أن مكتبى وهيئة المعونة الأمريكية يقومان بتقديم الدعم فى مجال التدريب لعدة مئات من أفراد الجيش، والبحرية، وأفراد العمليات الخاصة البحرية الذين كانوا ينتشرون بانتظام فى أفغانستان، وسنواصل القيام بهذا الدعم».
كما أشارت (كول) إلى أنه فى أفغانستان كان يعمل موظفى المعونة الأمريكية أحياناً جنباً إلى جنب مع قوات العمليات الخاصة فى عملية «مبادرة استقرار القرى». وقالت متحدثة عن مناطق محددة: «نستطيع أن نتشارك الوظائف مع بعض ضباطنا فى البرنامج الميدانى، كضباط اتصال LNOs فى مهمات القوات الخاصة المشتركة، بحيث نكون قادرين على تنفيذ أعمال التطوير التى يتعين علينا القيام بها جانب قوات العمليات الخاصة».. كما اقترحت (كول) بإلقاء نظرة فاحصة عما إذا كان هذا التجانس بين هيئتها المدنية والعمليات الخاصة يمكن أن يقدم كنموذج للعمليات فى مكان آخر فى العالم.
ذكرت (كول) أيضاً أن مكتبها سيقوم بتدريب «فرد على أعلى مستوى» ليعمل مع (ماكرافين)، الرجل الذى على وشك أن «يترأس عناصر القوات الخاصة فى لبنان».. ربما فى إشارة غامضة إلى قيادة القوات الخاصة الأمامية فى لبنان SOC FWD. وستقوم هيئة المعونة الأمريكية -كما ذكرت- بدور الوسيط فى هذه الدولة «وعليها أن توفر العلاقات اللازمة التى تمكنها من التعامل مع المشاكل الخطيرة جداً لحكومتنا ولشعب هذه المنطقة».
هيئة المعونة الأمريكية تقوم بدور الوسيط فى الداخل الأمريكى أيضاً. حيث أشارت (كول) إلى أن وكالتها ترسل مستشارين إلى مقر قيادة العمليات الخاصة الأمريكية فى فلوريدا، وأن الهيئة قد «نظمت لقاءات (للعملاء المميزين) مع الخبراء، وعقدت لهم اجتماعات الموائد المستديرة، كما غمستهم فى الأجواء التى نفهمها كهيئة قبل أن يخرجوا إلى منطقة المهام الفعلية ونربطهم بالأشخاص على أرض الواقع».. ويبدو أن كل هذا يشير إلى اتجاه آخر وهو: غزو قيادة العمليات الخاصة للمجتمع المدنى.
فى تصريحاته أمام لجنة الخدمات المسلحة بالكونجرس، أشار الأدميرال (ماكرافين) إلى أن عمليات واشنطن التى تسمى SOCOM-NCR «تتواصل مع الأوساط الأكاديمية، والمنظمات غير الحكومية، والمصانع، وقطاع المؤسسات الخاصة الأخرى، وذلك لفهم وجهة نظرهم بشأن القضايا المعقدة التى تؤثر على قوات العمليات الخاصة».. وعندما تحدث (ماكرافين) فى مركز (ويلسون) كان أكثر جرأة حين قال: «نحن لدينا أيضاً ضباط اتصال مع الصناعة ومع الأوساط الأكاديمية.. ولقد وضعنا أفراداً من أفضل وأبرع من لدينا فى بعض المؤسسات الأكاديمية، حتى نتمكن من فهم فيمَ تفكر هذه الأكاديميات».
لم تكتفِ قيادة العمليات الخاصة بوجودها فى العالم المادى فقط، بل لجأت أيضاً إلى الفضاء الإلكترونى، حيث قدمت مبادرة إقليمية عبر شبكة الإنترنت، هذه المبادرة عبارة عن شبكة من 10 مواقع دعائية تدار عن طريق مختلف القيادات القتالية، وقد صممت المواقع لتشبه وكالات الأنباء المشروعة. وكأمثلة لهذه المواقع الغامضة:
KhabarSouthAsia.com، Magharebia الذى يستهدف شمال أفريقيا، وAl-Shorfa.com الذى به جهود تهدف لمنطقة الشرق الأوسط، وآخر يستهدف أمريكا اللاتنينية يسمى Infosurhoy.com – ويمكننا أن نقول بطريقة مستترة إن هذه المواقع «برعاية» الجيش الأمريكى.
وفى يونيو الماضى، دعت لجنة الخدمات المسلحة بالكونجرس لإلغاء المبادرة الإقليمية عبر شبكة الإنترنت، وذلك بسبب تكاليفها الباهظة معللة ذلك بأن «فعالية المواقع مشكوك فيها، ومقاييس الأداء لا تبرر التكلفة». ومع ذلك أعلنت قيادة العمليات الخاصة أنها مازالت تبحث عن شركاء فى الصناعة قادرين على «تطوير مواقع جديدة مصممة خصيصاً للجمهور الأجنبى».
وكما تعمل قيادة العمليات الخاصة على التأثير فى الجمهور بالخارج، فإنها تشارك أيضاً بمنتهى الحزم فى السيطرة على مراقبة المعلومات بالداخل.
وأياً كان ما تحاول فعله قيادة العمليات الخاصة عالمياًً أو بالداخل، فإن (بوكهولت) وغيره فى القيادة SOCOM يحرصون على أن يظل سراً قدر الإمكان.
4
ونتوقف عند دراسة نشرها «توماس فولك» فى أكتوبر 2015 تحت عنوان: «كيف تمكن داعش من تجنيد مقاتلين فى أوروبا؟».. أشار فيها إلى أن تنظيم داعش استطاع أن يحقق نجاحات هائلة من خلال إجادة استخدام الوسائل الإعلامية، التى يعتمد عليها بشكل أساسى فى استقطاب المقاتلين على الوسائل الإلكترونية وظهر ذلك فى إصدار التنظيم لكتاب إلكترونى كدليل للسفر لمناطق تمركز داعش متاح على الإنترنت باللغة الإنجليزية ليقدم نصائح للسفر إليها وهو ما يعكس ما يمتلكه التنظيم من مهارات، إضافة إلى استخدام الحسابات على تويتر من أجل جذب المقاتلين.
إضافة إلى إنشاء التنظيمات الإرهابية لعدد من المواقع التى توفر معلومات عن رؤيتها المتطرفة للإسلام والعديد من الصفحات للتنظيمات الإرهابية على تويتر وفيسبوك وقنوات اليوتيوب خاصة قناة جهاد أونلاين من أجل جذب المقاتلين لها من جميع أرجاء العالم، إلى جانب ذلك تم إطلاق عدد من القنوات المتخصصة من أجل استقطاب المرأة وحثها على الجهاد، ومن المثير أن جميع المؤشرات تعكس مدى فعالية الحملة الإعلامية التى يدشنها داعش، خاصة فى ظل تصاعد عدد زوار منصاتهم الإعلامية بالإضافة إلى تزايد أعداد المنضمين للتنظيم.
وتأكيداً على ما سبق يرى آنيتا بريسين وألبرتو سيرفونى فى دراستهما المنشورة فى إبريل 2015 تحت عنوان «المهاجرات الغربيات لداعش» أن هناك تزايداً فى اعتماد الجماعات الإرهابية على وسائل التواصل الاجتماعى والاستخدام المكثف للإنترنت من أجل بث الأفكار المتطرفة وتجنيد المقاتلين الجدد وتشكيل هوية الشباب وحثهم على «استعادة الخلافة» وفق رؤية التنظيم.
كما أشار جيمس جاى كارافانو فى دراسة عنوانها «تويتر يقتل: كيف أصبحت شبكات الإنترنت تهديداً للأمن القومى؟» تم نشرها فى يونيو 2015 فى مجلة ناشونال إنترست، إلى أن الجماعات الإرهابية استطاعت أن تحقق ما يسمى بالاستخدام النشط لمواقع التواصل الاجتماعى فهى تعتمد كليةً عليها فى نشر ما تقوم به من أعمال عنف وبث جرائم القتل والإعدام والإبادة الجماعية التى ترتكبها بهدف الانتشار العالمى وتصدر وسائل الإعلام بالإضافة إلى استخدامها لجذب المقاتلين من جميع أنحاء العالم من خلال الدخول فى دوائر للحوار العلنى.
على مستوى آخر، تناول هاردن لانج وبيتر جول وتريفور سوتون فى دراسة تم نشرها فى نوفمبر 2015 عنوانها «مواجهة تحدى تمويل الإرهاب فى الشرق الأوسط»، طرق التمويل المتصاعد للجماعات الإرهابية، وقاموا بتحديد المصادر المالية للجماعات الإرهابية والتحولات التى طرأت عليها من الاقتصار على تلقى التبرعات والمساهمات المالية إلى الاعتماد على التمويل الذاتى، الذى يتجسد فى استخراج الموارد والثروات من الأراضى التى يسيطرون عليها وتلقى الضرائب ممن يقع تحت سيطرتهم.. وكيف أن القوة المالية للجماعات الإرهابية لم تقتصر فقط على عمليات تكرير وتهريب النفط ولكن يحقق داعش أرباحاً متفاقمة من عمليات بيع القطع الأثرية المنهوبة حيث أشارت جميع التقديرات إلى أن ما تحصل عليه داعش من عمليات بيع الآثار يأتى فى المرتبة الثانية بعد الإيرادات النفطية مباشرة. إضافة إلى اعتماد بعض الجماعات الإرهابية فى استمرارها وقدراتها العسكرية على التمويل الذى تتلقاه من دول لها مصالح محددة وهو ما يتضح فى تمويل إيران لعدد من الميليشيات العسكرية والجماعات المسلحة فى سوريا. كما رصدت دراسات غربية عديدة تصاعد أعداد المقاتلين المنضمين للجماعات الإرهابية وتنوع الخلفيات الاجتماعية والثقافية والدينية بالإضافة إلى اختلاف جنسياتهم.
هكذا، فشلت السياسة الأمريكية فى المنطقة على الرغم من احتلال أفغانستان والمذابح الوحشية التى ارتكبتها فى العراق وتدميرها لليبيا وإطالة أمد التوتر فى سوريا وكل دول المنطقة وعدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بمكافحة الإرهاب.. وبات واضحاً تماماً أن الولايات المتحدة والغرب لا يحاربون الإرهاب لأنهم لو كانوا كذلك لألزموا أنفسهم بتطبيق قرارات الأمم المتحدة التى وافقوا عليها وبخاصة تلك التى تطالب بمنع دعم وتمويل وتسليح الإرهابيين، وتجفيف منابع الإرهاب وتفكيك بيئاته الحاضنة، متناسين أو متجاهلين أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وأنه لن يتوقف عند حدود ما ترسمه له الولايات المتحدة، وإنما سيتعدى ذلك ليطال العالم بأسره بما فى ذلك الدول البعيدة عن منطقتنا، والأحداث تؤكد أن الإرهاب المدعوم أمريكياً وغربياً وتركياً وقطرياً سوف يرتد على داعميه، وستحصد الإدارة الأمريكية وغيرها من الحكومات الغربية ثمن ما زرعته من أمنها وأمن مواطنيها.
وأخيرا، نرى أنه من حقنا أن نعرف من يريد إشعال النار فى المنطقة ولماذا؟!.. هل محاولاتنا لاستعادة دورنا كمنطقة مركزية فى العالم جريمة نعاقب عليها؟!.. أم أن سقوط نظام «الإخوان» كان بالنسبة لدوائر أمريكية وبريطانية «طعنة» أصابت مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، فأرادوا أن يردوا عليها بطعنة أقسى منها؟!
إننا نعرف جميعاً أن واشنطن ولندن كانتا تطمحان، إلى أن يكون نظام الإخوان فى مصر هو «الخيمة الإسلامية» التى تحتضن التيار الإسلامى فى المنطقة على أن يتكامل مع التيار الاسلامى ممثلاً فى حزب «العدالة والتنمية» فى تركيا، فيحدث التغيير الذى ينتج انضباط التطرف الإسلامى بكل مظاهره.
وضع فى اعتبارك أن واشنطن كانت تزعم دائماً أن «داعش» تنظيم إرهابى إقليمى لا يشكل خطراً على الخارج وتحديداً على الغرب!
ولا تبقى فى النهاية غير الإشارة إلى أن مصر التى ظلت عصية على الفوضى المدمرة والصراعات والحروب الطائفية، ستظل عصية على أى محاولات تريد أن تمنعها من إعادة الاستقرار ومن السير بخطوات ثابتة نحو التقدم، خاصة بعد أن أصبح فى حكم المؤكد والبديهى أنه كلما تقدمت جهود مكافحة الإرهاب فى المنطقة، علا صراخ وعويل التنظيمات الإرهابية والجهات والدول الداعمة لها، وارتفعت حمى التضليل والكذب فى وسائل الإعلام الأمريكية والغربية، للتغطية على التواطؤ، والهروب من الفضائح والجرائم التى يرتكبها «التحالف» الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية تحت اسم «مكافحة» الإرهاب بينما هو فى الواقع لا يفعل شيئاً غير دعمه وتوفير الغطاء له، سواء عبر القوات الأمريكية المنتشرة التى تعمل تحت ستار أو عبر فروع المخابرات المركزية الأمريكية التى تسمّى نفسها سفارات!