الموجز
الجمعة 8 نوفمبر 2024 11:40 مـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن ..عصابة الأربعة


هيلارى كلينتون- هوما عابدين- جاريد كوهين- وائل غنيم
* حكاية الشاب الإسرائيلى الغامض الذى صعد على أكتاف كونداليزا وأصبح الطفل المدلل لهيلارى كلينتون
* درس بجامعة هارفارد واخترق المجتمعات العربية من خلال وائل غنيم
التحق بالخارجية الأمريكية وهو فى العشرين واشترك فى مؤامرة برنامج صناعة الدول فى القرن 21 الذى أعدته الـسى أى إيه.
* أسرار لقاءاته فى معهد ميلكين مع «داليا مجاهد» مستشارة أوباما لشئون العالم الإسلامى
* لأول مرة بالوثائق:
تفاصيل الصفقات السرية بين «جوجل» والمخابرات الأمريكية وتلميذ البرادعى
سرى للغاية
من مكتب هيلارى كلينتون إلى الناشط المصرى إكس إكس
* حكايات ناشط سياسى صغير فى «الكابيتول هيل» مع موظفى البيت الأبيض
* نص الرسائل المتبادلة بين هيلارى ونشطاء 6 أبريل
* فضائح نشطاء 6 أبريل فى رسائل السفارة الأمريكية
* من هو رالف بيترز الذى اقترح اقتطاع مكة والمدينة من السعودية وإنشاء دولة إسلامية جديدة؟
لا يكاد يمر يوم، دون أن يتم الكشف عن وثائق تؤكد التحليلات التى نكتبها وتنقلها من خانة التحليل إلى خانة المعلومات.. وثائق تثبت أن دول المنطقة ومصر فى القلب منها كانت هدفاً للعديد من المشروعات والمخططات الأمريكية التى تنتهى كلها إلى نقطة واحدة، هى تفتيت تلك الدول وخلق عالم عربى منقسم إلى دويلات عرقية ودينية تقف على قمتها دولة عبرية متماسكة مدعومة عسكرياًً من الولايات المتحدة، لتصبح الدولة الصهيونية الاستيطانية، المغروسة فى الجسد العربى، دولة طبيعية بل وقائدة. وتلك هى الرؤية التى طرحها برنارد لويس منذ سبعينيات القرن الماضى وتبناها المحافظون الجدد، وتدور السياسة الأمريكية فى إطارها. وهى الرؤية التى انطلقت من تصور أن التاريخ متوقف تماماً فى منطقة الشرق الأوسط، وأن الشعب العربى يمكن أن يصبح مجرد أداة فى مساحة أو منطقة بلا تاريخ ولا تراث مشترك، يمكن توزيعه على جماعات دينية وعرقية لا يربطها رابط وليس لها ذاكرة تاريخية، مادى اقتصادى لا تحركه غير الدوافع المادية الاقتصادية فقط.
ومع تسريب حزمة جديدة من وثائق ويكليكس، اتضح لنا طبيعة الدور القذر الذى لعبته الإدارة الأمريكية متمثلة فى هيلارى كلينتون التى تكاد تكون على بعد خطوة أو اثنتين من البيت الأبيض.
الوثائق تؤكد أنها عندما كانت وزيرة للخارجية تبنت برنامجاً لتشجيع نشطاء وسائل التواصل الاجتماعى من دول ما صار يُعرف فيما بعد بالربيع العربى للتحريض على تغيير الأنظمة بها وهو البرنامج الذى كانت له عواقب جسيمة على مسار دول منطقة الشرق الأوسط.
وتكشف التسريبات الأخيرة أن كبيرة مساعدى هيلارى كلينتون، هوما عابدين، أرسلت إليها رسالة نصها كالتالى: لا بد أن ننسب لك الفضل فى إلهام المظاهرات «السلمية» فى مصر.
فى الرسالة، وضعت هوما علامة التنصيص على كلمة «سلمية» وهو ما يعنى أنها تقصد السخرية من الكلمة أو تشير إلى معنى ما تعرفه رئيستها!
وبين ما كشفته التسريبات هو أن حكومة الولايات المتحدة استفادت من برنامج أطلقت عليه تحالف الحركات الشبابية، الذى شارك فى تأسيسه أحد مستشارى كلينتون المقربين، لتوفير فرص التواصل عبر شبكات التواصل لأى ناشط يسعى لإسقاط حكم مبارك قبل عدة سنوات من 25 يناير 2011 ومع تحالف الحركات الشبابية، دعمت الولايات المتحدة تنظيم الإخوان المسلمين للوصول إلى الهدف نفسه.
فى 18 نوفمبر 2008، أى بعد أسبوعين من انتخاب أوباما رئيساً للولايات المتحدة، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن أول مؤتمر للحركات الشبابية فى كلية كولومبيا للحقوق بمدينة نيويورك، وبعد انتهاء المؤتمر نشأت جماعة دائمة أطلقوا عليها تحالف الحركات الشبابية على يد القيادات التى شاركت فى المؤتمر.
واللافت هنا هو أن جاريد كوهين المسئول فى وزارة الخارجية أثناء إدارة بوش، كان بين من حضروا المؤتمر وتم وصفه فى قائمة الحضور بـ«مسئول اتصال الصحافة الدولية». ووقتها قال الدكتور عوز حسن (جامعة وور ويك البريطانية) إن هذا المؤتمر كان من «بنات أفكار» السيد كوهين. ونشرت الصحف أنه من المشاركين فى تأسيس تحالف الحركات الشبابية، وهو التنظيم الذى نشأ من مؤتمر تحالف الحركات الشبابية.
وبهذا الشكل، يمكننا القول إن جاريد كوهين، الذى كان مستشاراً لوزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس وعمل كمستشار مقرب من هيلارى كلينتون، هو الدليل الواضح على التداخل بين مؤسسة السياسة الخارجية لبوش وكلينتون.
فى مؤتمر 2008 قال كوهين: «نحن نشهد حركات فى كل أنحاء العالم تستخدم مجموعة متنوعة من التكنولوجيات، وأبسطها هو التليفزيون، حيث نرى جماعات تستغل هذه الوسيلة لوضع فيديوهات وصور على الشاشة على شكل إعلانات تجارية. لكننا نشهد الكثير من الأنشطة تستخدم الهواتف المحمولة والإنترنت ومع استخدام التليفونات المحمولة أصبح هناك تكتيك يطلق عليه «الحشد الذكى» تستخدم فيه التليفونات المحمولة لتجميع الشباب حول قضية ما. وعلى الإنترنت لدينا شبكات تواصل اجتماعى مثل الفيسبوك وماى سبيس وبيبو وأوركوت والتى تصلح كمنتديات هامة للشباب ليتجمعوا معا ويتبنوا قضية ما أو مهمة ما وينظموا الفعاليات».
ونشير هنا إلى أن هيلارى كلينتون عندما تولت وزارة الخارجية، أبقت على كوهين فى طاقم تخطيط السياسات فى وزارة الخارجية. وعمل كوهين مع كلينتون حوالى عامين، حيث كان يركز على استراتيجيات مكافحة التطرف فى الشرق الأوسط، قبل أن ينتقل إلى شركة «جوجل».
وقد وصفه أحد كبار السياسيين الأمريكيين بأنه «أحد المستشارين المقربين» من كل من كونداليزا رايس وهيلارى كلينتون، حيث لم يكن فقط أصغر عضو فى التاريخ فى قسم تخطيط السياسات، بل كان واحداً من القلائل ممن تم تعيينهم ممن بقوا فى كلتا الإدارتين.
وبعد أن تولت كلينتون منصبها كانت وزارة خارجيتها الراعية لتحالف قمة الحركات الشبابية فى مدينة مكسيكو سنة 2009. وألقت كلينتون كلمة فى تلك القمة وأعلنت شخصياً عن تشجيع الشباب الحاضرين. وأصبحت أيضاً وجهاً لمبادرة «الكفاءة السياسية فى القرن الواحد والعشرين» التى كان كوهين رأس حربتها. كما دخلت وزارة خارجية كلينتون فى شراكة مع جوجل وفيسبوك وغيرهما لرعاية تحالف الحركات الشبابية 2009 فى مدينة مكسيكو فى 16 أكتوبر 2009. وألقت كلينتون خطاباً فى هذه القمة عن طريق رسالة بالفيديو، وجاء فى البيان الصحفى لوزارة الخارجية فى 2009 مايلى:
«أعلنت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون لأول مرة عن هذه القمة فى مارس 2009 أثناء زيارتها لقاعة المدينة الرقمية فى الحرم الجامعى لجامعة تكنولوجيكو دى مونتيرى فى مدينة مونتيرى بالمكسيك. حيث صرحت بأنها ملتزمة بالتواصل مع وتمكين هؤلاء الشباب».
وطالب خطاب كلينتون فى القمة «النشطاء» بأن يتعلموا كيفية التحريض والحث على التغيير فى أوطانهم، وكانت قد عقدت النية على أن تبقى خطة المساعدة فى التحفيز على تغيير النظام طى الكتمان، وهو ما يتبين من سرية المذكرة التى ذكرت أن خطة الناشط كانت فى مراحلها الأولى لا تزال «غير واقعية». ولكن مع تطور التنظيم أصبح أكثر شفافية بخصوص دعمه للثورة.
وأصبح لتحالف الحركات الشبابية موقع على الإنترنت Movements.org فى 2011، وفقا لما أعلنته شركة فاست كومبانى فى 2011 بأن هذه الخطوة «جاءت فى الوقت المناسب للمساعدة فى تدريب النشطاء المصريين العاديين على استعادة الاتصال بالإنترنت».
ودخل موقع تحالف الحركات الشبابية Movements.org فى شراكة مع موقع الجزيرة لعمل خريطة تفاعلية على الإنترنت تظهر مسئولين سوريين انشقوا عن نظام الاسد، وفى بعض الحالات انضموا إلى حركة الثورة فى سوريا.
2
جاريد كوهين، هو نفسه الذى كان بصحبة «وائل غنيم» حين تم إلقاء القبض عليه مساء يوم 27 يناير 2011، وهو يحمل الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية، وكان وقتها (2011) يشغل موقع مدير أفكار شركة جوجل وفى الوقت نفسه يعمل فى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية CFR المعروف بعلاقاته مع المحافظين الجدد المتحكمين فى سياسات الولايات المتحدة.
كوهين كان أصغر المستشارين فى مكتب وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس ثم بعدها هيلارى كلينتون، وأبرز أعضاء برنامج جيل جديد بمنظمة فريدوم هاوس وهو كذلك مؤسس منظمة «تحالف حركات الشباب» AYM تحت رعاية وتمويل وزارة الخارجية الأمريكية.
وطبقاً للمنشور على موقع تلك المنظمة، منظمة تحالف حركات الشباب «AYM»، فهى ترعى نشر الديمقراطية الأمريكية فى العالم واستقبلت أعضاء من جميع أنحاء العالم العربى عام 2008 لتدريبهم ودعمهم لتنفيذ دراسات مراكز السياسات الخارجية الأمريكية باسم الحرية والديمقراطية والسلام.
وكان كوهين موجوداً فى مصر يوم 27 يناير 2011 مع وائل غنيم وكان هذا هو سبب القبض على غنيم وهى المعلومة التى أكدها كوهين بنفسه حين كتب على حسابه الشخصى على تويتر أنه وصل إلى القاهرة!
الشاب الأمريكى-الإسرائيلى الذى درس فى جامعة هارفارد، تفاعل أثناء دراسته مع المجتمعات العربية وقام بعدة رحلات لدول عربية واختلط بالمجتمع العربى دون أن يخبر بيهوديته حيث إنه مجيد للغة العربية، سافر كوهين إلى إيران والتقى بالشباب هناك ووجد أن الشباب لهم شخصية مزدوجة فهم فى الليل يذهبون للحفلات ويرقصون ويشربون الخمر، وذهب من إيران لبيروت والتقى هناك بشباب من حزب الله فى ماكدونالدز، والتقى بقادة من فتح (اللواء منير مقدح) حيث اصطحبه إلى مخيم للاجئين الفلسطينيين بلبنان، والتقى بشباب من حماس وسألهم ماذا ستفعلون لو التقيتم بيهودى؟!.. فقال أحدهم سنقطع رأسه، (كوهين لا يخبرهم أنه يهودى ويتحدث العربية ويعرف نفسه على أنه أمريكى) وبالرغم من ذلك تواصل جاريد مع هؤلاء الشباب وسألهم عن أى وسائل التواصل الاجتماعى يفضلون وعن نوع البنات الذى يرونه جذاباً وعن طموحاتهم لمستقبلهم الشخصى والرياضة التى يحبونها وعدة تفاصيل تهمه فى دراساته وبعد أن يمضى معهم فترة ويختلط بهم يخبرهم بديانته ولكنهم كانوا «عاشروه» فلم يتغير موقفهم منه، ويقول لو بدأت الحديث معهم بقولى «أنا يهودى، وأريد منك أن تشرح لى..» فإن ذلك لن ينجح، وبطريقته البديلة أجبر هؤلاء الشباب على إعادة النظر فى أفكارهم النمطية المسبقة عن اليهود، ثم ذهب جاريد من لبنان إلى سوريا ووجد الشباب هناك يستخدمون البلوتوث والكافيهات للتواصل، ثم ذهب منها للعراق ثم عاد إلى دمشق، وقرر كتابة كتاب عن رحلته بعنوان «أطفال الجهاد».
فى كتابه «أطفال الجهاد» يشير جاريد كوهين إلى أن الاتجاهات الديموجرافية الشرق أوسطية تبشر بتغيرات إيجابية فى العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامى، وأن العامل المهم بالنسبة لـ«كوهين» هو أن الشباب فى المنطقة مرتبطون ببعضهم البعض وبالعالم الخارجى بشكل لم يحدث قبل ذلك مطلقاً بفضل التكنولوجيا؛ وانتشار الاتصالات السهلة والرخيصة الذى قد يترجم إلى انفتاح كبير وتحرر سياسى ورغبة فى السلام والتعايش المشترك؛ كما تطرق فى الكتاب إلى دور التكنولوجيا فى إحداث الاضطرابات الاجتماعية.
هذا المفهوم الجديد للقوة عمل على صياغته علماء مراكز الدراسات الاستراتيجية والدولية تحت اسم «القوة الذكية» وهو مفهوم يدمج بين مفهومى القوة الناعمة والقوة الصلبة حيث يتم استخدام القوة الناعمة فى احتلال الدول بدلاً من القوة الصلبة التى تم استخدامها فى العراق وأفغانستان ما أسفر عن غضب عالمى، واستراتيجية القوة الناعمة عن طريق تجنيد جيل جديد من الطابور الخامس داخل الدول العربية ليقوموا بتفكيك دولهم وزعزعة استقرارها من الداخل وذلك بمساعدة التكنولوجيا بدلاً من تدخل قوات أجنبية لتقوم بهذه المهمة.
وسنة 2005 نشر كوهين مقالاً عن الثورة المخملية The Passive Revolution فى إيران بمجلة Hoover Digest التابعة لمؤسسة Hoover والتى تعتبر قريبة من الجمهوريين وخدمت ضد الاتحاد السوفيتى.
وبعد رحلاته وكتابه «أطفال الجهاد»، عمل كوهين عضواً فى طاقم تخطيط السياسات التابع لوزارة الخارجية الأمريكية من 2006 إلى 2010 وقد التحق بالوزارة فى عمر 24 سنة، الأمر الذى يجعله أصغر شخص يلتحق بمنصب رفيع فى وزارة الخارجية الأمريكية تحت رئاسة كونداليزا رايس التى كان كوهين على تواصل معها وهو مازال طالباً لم يتخرج بعد، وكان دور كوهين فى وزارة الخارجية إيجاد طرق جديدة لصرف الشباب عن العنف، وكوهين كان واحداًً من القلائل الذين احتفظوا بمواقعهم بعد انتقال الوزارة إلى هيلارى كلينتون، وساعد فى تطوير ما صار معروفاً باسم «صناعة الدول فى القرن 21» ركز كوهين على مكافحة الإرهاب والتطرف، ودراسة شئون الشرق الأوسط وجنوب آسيا وتدريب الشباب على وسائل التكنولوجيا الحديثة. ركز على ربط كبار التنفيذيين فى شركات التكنولوجيا مع الزعامات المحلية فى العراق وروسيا والمكسيك والكونغو وسوريا، بهدف تطوير مبادرات حديثة ومبتكرة، وكوهين هو ثالث مسئول فى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية له أكبر عدد من المتابعين لصفحته على تويتر بعد باراك أوباما وجون ماكين.
وفى 30 أبريل 2008 التقى جاريد كوهين بـ«داليا مجاهد» مستشارة أوباما لشئون العالم الإسلامى، فى مؤتمر نظمه معهد ميلكين Milken لبحث دراسة تحت عنوان «تغيير ديموجرافية العالم الإسلامى: الاستعداد للمستقبل».
كما ذكرت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 22 أبريل 2009: خلال شهر أبريل 2009 استقبلت السفارة الأمريكية فى بغداد وفداً يرأسه «جاريد كوهين» مكوناً من متخصصين فى التكنولوجيا الحديثة تنفيذاً للاتفاقية الأمنية بين الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية؛ ومن بين الشخصيات التى حلت ببغداد مؤسس ورئيس شركة «تويتر» جاك دورسى، كما التقى كوهين فى تلك الزيارة أيضاً بالرئيس العراقى الإخوانى الطالبانى.
أيضا، كان لـ«جاريد كوهين» دور بارز فى تأجيج الثورة الخضراء الإيرانية فى 2009 التى عرفت بثورة التويتر، أرسل كوهين إيميلاً إلى جاك دورسى مؤسس التويتر الذى كان يعتزم غلق الموقع للصيانة، متوسلاً إياه تأجيل صيانة الموقع إلى ما بعد انتهاء الثورة الإيرانية، وبالفعل تم تأجيل الصيانة لعدة ساعات واتهمت إيران الحكومة الأمريكية بالتدخل فى شئون الدولة الداخلية ودافعت أمريكا عن نفسها بالزعم أنها تدعم حرية التعبير.
يقول جاريد كوهين: «إن اليوتيوب هو أفضل من أى مخابرات يمكن أن نحصل عليها، لأن مواده توضع من قبل المستخدمين أنفسهم»، ويكفى هذا التصريح لتعرف أنه يعمل لصالح أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد وأنهم يستخدمون التكنولوجيا لاختراق الشعوب.
ومع ذلك فشل جاريد كوهين فى تحقيق خططه لتوجيه الشباب نحو الثورة المخملية فى إيران بعد فشل الثورة الخضراء بإيران عام 2009 وأصيب بالإحباط حتى كاد يلغى مشروعه لكنه نجح فى تونس ومصر وثورات الربيع العربى 2011 بعدها بسنتين ما جعله يعود لتكريس العمل لإنجاح مشاريعه.
والأغرب أن كوهين، قام كممثل لوزارة الخارجية الأمريكية، بزيارة سوريا فى خريف 2010، على رأس وفد أمريكى.
كما قام بزيارة للبحرين خلال شهر فبراير 2011 والتقى نائب رئيس مجلس الوزراء هناك الشيخ محمد آل خليفة.
وزار كذلك تونس وبالطبع كان لابد أن يأخذ صورة تذكارية مع والدة بوالعزيزى المنتحر مفجر الثورة التونسية وما تبعها من ثورات أحرقت المنطقة.
السيدة لا تعرف من هو ولا تدرك شيئاً!!
وكذلك ذهب جاريد كوهين إلى ليبيا ووقف سعيداً على أطلال منزل العقيد معمر القذافى بعد قصفه بجيوش الناتو، واستخدم الصفة نفسها (صفة ممثل وزارة الخارجية الأمريكية) حين تم إلقاء القبض عليه مساء 27 يناير 2011 برفقة وائل غنيم!
وعبر تلك البرامج أو المبادرات، أصبح لدينا شباب طامحون، صغار السن، يمثلون قوة دفع أساسية لتنفيذ المخطط الأمريكى فى المنطقة، ولم تكن صدفة بالطبع أن تكون الأحداث التى انطلقت منها شرارة ما يوصف بالربيع العربى بدأت فى تونس، البلد الذى يقع فيه المكتب الإقليمى لـ«مبادرة الشراكة الشرق أوسطية»!
وبهذا الشكل امتلكت الولايات المتحدة القوة التى استطاعت بها أن تغير الأنظمة السياسية فى منطقة الشرق الأوسط وقام الشباب الذى أنفقت عليه مبالغ طائلة فى مبادرات، ما عاد بأرباح كبيرة على استثمارات رعاتهم!
3
نعود إلى الرسائل السرية التى أرسلتها السفارة الأمريكية بالقاهرة والتى جاء فى إحداها أن الحكومة الأمريكية مكنت ناشطاً مصرياً معارضاً لمبارك من حضور القمة وقدمته لمسئولين فى الحكومة الأمريكية وظلت على اتصال به بعد عودته إلى مصر.
وجاء فى الرسالة التى أرسلتها السفارة فى ديسمبر 2008: «فى 23 ديسمبر أعرب الناشط XXXX من حركة 6 أبريل عن سعادته بالمشاركة فى مؤتمر «تحالف الحركات الشبابية» الذى انعقد من 3 إلى 5 ديسمبر ورضاه عن لقاءاته التالية مع مسئولين فى الحكومة الأمريكية فى كابيتول هيل ولقاءاته مع مراكز الأبحاث. ووصف كيف اعتقلته أمن الدولة فى مطار القاهرة بعد عودته وصادرت مذكراته الخاصة بكلمته فى القمة التى تدعو للتغيير الديمقراطى فى مصر وجدول مواعيد اجتماعاته مع أعضاء الكونجرس.
وأكد الناشط XXXX أن الحكومة المصرية لن تجرى أيه إصلاحات ذات أهمية وبالتالى فإن المصريين بحاجة إلى استبدال النظام الحالى بديمقراطية برلمانية. وادعى أن عدة حركات وأحزاب معارضة قبلت بخطة غير مكتوبة للانتقال الديمقراطى فى 2011. ونحن لدينا شكوك حول هذه المزاعم».
وجاء فى الرسالة أيضاً: ذكر XXXX أنه تمكن من الاجتماع بنشطاء من دول أخرى وشرح لهم أهداف حركته (حركة 6 أبريل). وأخبرنا أن النشطاء الآخرين كانوا داعمين جدا، لدرجة أن بعضهم عرض تنظيم مظاهرات علنية فى بلادهم دعما للديمقراطية فى مصر على أن يتم توجيه الدعوة للناشط XXXX كضيف. وقال الناشط إنه ناقش مع النشطاء الآخرين كيف تتمكن حركة 6 أبريل من التملص من تحرشات ومراقبة جهاز أمن الدولة بتحديثات تقنية، مثل تغيير كارت النت الخاص بالكمبيوتر باستمرار. لكن الناشط عبر لنا عن الألم الذى يشعر به لأن معظم 6 أبريل لا يملكون أجهزة كمبيوتر وأن هذا التكتيك سيستحيل تطبيقه. وعبّر الناشط عن امتنانه للجهود الناجحة التى تبذلها وزارة الخارجية الأمريكية ومنظمو المؤتمر لحماية هويته أثناء المؤتمر وذكر لنا أن اسمه لم يذكر أبداً فى العلن».
ووصفت الرسالة «اجتماعات واشنطون وأفكار 6 أبريل لتغيير النظام» التى طرحها الناشط على النحو التالى: «وصف الناشط مواعيده فى واشنطن بأنها إيجابية وقال إنه التقى فى «الكابيتول هيل» بمجموعة من موظفى البيت الأبيض، ومن موظفى الكونجرس. وذكر الناشط أيضا أنه التقى بعدد من أعضاء مراكز الأبحاث. وقال إنه تلقّى دعوة للمشاركة فى جلسة متأخرة من جلسات الكونجرس حول قرار مجلس النواب 1303 بشأن الحريات الدينية والسياسية فى مصر.
ووصف الناشط كيف حاول إقناع من التقاهم فى واشنطن بأن على الحكومة الأمريكية أن تقوم بالضغط على الحكومة المصرية لتطبيق إصلاحات ذات أهمية عن طريق التهديد بكشف معلومات عن حسابات بنكية «غير قانونية» فى الخارج لمسئولين فى الحكومة المصرية، وقال إنه يأمل فى أن تقوم الولايات المتحدة والمجتمع الدولى بتجميد هذه الحسابات البنكية، مثلما فعلت مع حسابات مقربين من موجابى رئيس زيمباوى، وقال الناشط إنه يرغب فى إقناع الحكومة الأمريكية بأن مبارك أسوأ من موجابى وأن الحكومة المصرية لن تقبل أبداً بالإصلاحات الديمقراطية. كما أكد أن مبارك يستمد شرعيته من دعم الولايات المتحدة له، وبالتالى اتهم الولايات المتحدة بـ«أنها مسئولة» عن جرائم مبارك. كما اتهم منظمات المجتمع المدنى التى تعمل على الإصلاحات السياسية والاقتصادية بأنها تعيش «فى عالم من الخيال» ولا تدرك أن مبارك هو «رأس الأفعى» ولابد أن يتنحى حتى يمكن ترسيخ الديمقراطية.
وأبلغت الرسالة واشنطن أن تنظيم الإخوان فى مصر مستعد للمشاركة فى أى انتفاضة. وهذا ما جاء فيها بالنص: «ادعى XXXX أن عدة قوى من المعارضة مثل أحزب الوفد والناصرى والتجمع والكرامة، والإخوان المسلمين وحركة كفاية والاشتراكيين الثوريين وافقت على تأييد خطة غير مكتوبة للانتقال إلى ديمقراطية برلمانية، تنطوى على إضعاف الرئاسة وتمكين رئيس الوزراء والبرلمان، قبل الانتخابات الرئاسية المقرر أن تعقد فى 2011 وقال الناشط XXXX إن هذه الخطة حساسة ولا يمكن تدوينها».
4
خلف تلك الرسالة وقبلها هذا المؤتمر، هناك أكثر ما تراه العين فى الأحداث التى اجتاحت دول المنطقة طوال سنوات مضت بدأت، سنة 2001 بأحداث الحادى عشر من سبتمبر والتى لم تتسبب فى تدخل عسكرى فى منطقة «الشرق الأوسط» فحسب، وإنما أدت إلى تطوير أسلحة ناعمة جديدة استطاعت أن تحقق كوارث كبيرة، وأن تدمر دولاً ومجتمعات من الداخل.. أسلحة تختلف كلياً عن الأسلحة التقليدية وتفوقها تأثيراً وخطورة وأهم ما يميزها أنها غير مرئية!
ونشير هنا إلى أن الولايات المتحدة خصصت منذ سنة 2001 موارد ماليةً ضخمة، لإنشاء حوالى 350 برنامجاً مختلفاً فى التعليم والثقافة والمعلومات للترويج للديمقراطية ولخلق جماعة جديدة من المواطنين العرب المستعدين للتركيز إيجابياً على قيم وسياسات الولايات المتحدة، وتم دمج كل تلك البرامج فى مشروع واسع النطاق عنوانه «مبادرة دعم الشراكات فى الشرق الأوسط» أو «مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، وهى المبادرة التى تم تنسيق أنشطتها فى المكتب الرئيسى لوزارة الخارجية الأمريكية، ومن مكتبها الإقليمى فى تونس!
وسنة بعد أخرى، تزايدت أعداد العرب الذين تلقوا تثقيفاً سياسياً أمريكياً فى الولايات المتحدة وفى بلادهم، وبينما لم يتجاوز العدد ألفى مواطن عربى شاركوا فى برامج التبادل أو التدريب بنهاية عام 2000، فقد صعد ذلك الرقم بين عامى 2004 و2009 إلى مئات الآلاف.
مثلاً، دعت وزارة الخارجية الأمريكية سنة 1998 حوالى 3300 مصرى لبرنامج تدريبى للترويج للديمقراطية، وفى عام 2007، أصبح ذلك الرقم 47300 شخص، وفى عام 2008 بلغ عدد الذين شاركوا فى نشاطات مختلفة من هذا النوع، فى مصر أو الولايات المتحدة، 148700 مصرى.
مبادرة «الشراكة الشرق أوسطية» أو الـ(MEPI) أعلنت وقت تأسيسها عن خمسة أهداف لها فى المنطقة: تقوية المجتمع المدنى وحكم القانون، تمكين النساء والشباب، تحسين التعليم وتوسيعه، تشجيع الإصلاح الاقتصادى، وزيادة نسبة المشاركة السياسية، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، قدمت «المبادرة» دعماً مباشراً للمنظمات غير الحكومية على مستوى عالمى وفى منطقة «الشرق الأوسط» وشمال أفريقيا، وللمؤسسات التعليمية، ولمؤسسات الحكم المحلى، ومؤسسات القطاع الخاص، لتنفيذ مشاريع تم تصميمها للانخراط مباشرة مع شعوب منطقة «الشرق الأوسط» وشمال أفريقيا والاستثمار فيها. وطبقاً لمعلومات رسمية وزعت المبادرة سنة 2009 وحدها أكثر من خمسين مليون دولار من المنح لتحقيق هذه الأهداف، من خلال برامج ركزت على التعليم، مثل المنح الجامعية، وبرامج تعليم اللغة الإنجليزية، وتكنولوجيا التواصل الاجتماعى، وقد استهدفت تلك البرامج المتعلمين الصغار والناضجين ومعلميهم، وأولت اهتماماً فوق العادة بالفئات الأقل دخلاً!
بالتزامن مع ذلك، كان جيمس هولمز، رئيس مجلس الصداقة التركى-الأمريكى، يطلق سنة 2002 برنامجاً أسماه «قوة الدبلوماسية الإلكترونية»، وسنة 2003، تمت إعادة تنظيم البرنامج فى مكتب رسمى تابع لوزارة الخارجية الأمريكية هو «مكتب الدبلوماسية الإلكترونية»، وكانت مهمة هذا المكتب أن يكون مركز دراسات وأبحاث لتطبيقات تكنولوجيا الاتصالات الإلكترونية، وبالفعل قامت «الخارجية الأمريكية» بتجنيد شركات وادى السيليكون مثل شركة جوجل وفيس بوك وتويتر وغيرها، لتساعدها فى إدخال تلك التكنولوجيا إلى دول المنطقة.
وكان جاك دورسى، أحد مؤسسى تويتر، ضمن أول وفد يشكله المدراء التنفيذيون لوزارة الخارجية الأمريكية من ممثلى شركات التكنولوجيا وشركة الاتصالات الأمريكية AT&T وعدة شركات ناشئة فى وادى السيليكون وهو الوفد الذى زار العراق وقابل مسئولين حكوميين ورؤساء شركات خاصة وطلاباً ليقدم لهم محاضرات حول استخدامات التكنولوجيا هناك، ومع أن فكرة الترويج لشبكات التواصل الاجتماعى فى بلد تمزقه الحرب ولا يمكن الاعتماد على تياره الكهربائى قد تبدو غريبة وعجيبة، فإن مندوبى الوفد وجدوا جمهوراً متجاوباً معهم!
وقتها، كان «جاريد كوهين»، يشغل موقع مدير دائرة التخطيط السياسى فى وزارة الخارجية الأمريكية، وطرح مشروعاً أكد فيه أن الولايات المتحدة تتمتع بفرصة فريدة لفتح أبواب الخارج بقوة قطاعها التكنولوجى، وفى التفاصيل أوضح بالأرقام أن الشباب فى مختلف دول العالم العربى يستخدمون تلك التكنولوجيا بشكل متصاعد ليتعارفوا، ويتناقشوا، وينظموا فعاليات.
5
يؤكد ما سبق، إحدى رسائل وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون عبر البريد الإلكترونى التى تم نزع سريتها بأمر قضائى بسبب قضية مقتل السفير الأمريكى فى ليبيا، ومنها نكتشف أن إسرائيل كانت دائما هى حجر الزاوية الذى تبدأ منه وتنتهى إليه كل الأحداث، وتلك الترجمة الكاملة للرسالة:
«إن أفضل السبل لمساعدة إسرائيل على التعامل مع تنامى القدرات النووية لإيران هو مساعدة الشعب السورى على إسقاط نظام بشار الأسد. لأن مفاوضات الحد من البرنامج النووى الإيرانى لن تحل معضلة أمن إسرائيل، ولن توقف إيران من تحسين أى جزء حرج لأى برنامج للأسلحة النووية –قدرات تخصيب اليورانيوم– وفى أفضل الأحوال فإن المحادثات بين القوى الكبرى فى العالم وإيران ستمكن إسرائيل من تأجيل قرارها بتوجيه ضربة إلى إيران قد تؤدى إلى إشعال حرب كبرى فى الشرق الأوسط لبضع سنوات.
وقد يبدو البرنامج النووى الإيرانى والحرب الأهلية فى سوريا غير مرتبطين، لكنهما مرتبطان. فقادة إسرائيل يرون أن التهديد الحقيقى من إيران المسلحة نووياً ليس من احتمال إطلاق قائد إيرانى مجنون هجوما نووياً إيرانيا غير مبرر على إسرائيل يؤدى لفناء كلا البلدين. بل ما يخشاه القادة العسكريون فى إسرائيل ولا يتحدثون عنه هو فقدان هيمنتهم النووية وقدرات الأسلحة النووية لن تنهى فقط هذا الاحتكار النووى، بل ستدفع أيضا خصوماً آخرين، مثل السعودية ومصر، لتصبح بالمثل دولاً نووية. وستكون النتيجة حدوث توازن نووى خطير لا تتمكن فيه إسرائيل من الرد على الاستفزازات بالضربات العسكرية التقليدية على سوريا ولبنان، كما هو الحال اليوم. وإذا وصلت إيران لعتبة الدول التى تمتلك الأسلحة النووية سيكون من السهل على إيران أن تطالب حلفاءها فى سوريا وحزب الله بضرب إسرائيل، وهى تعلم أن أسلحتها النووية ستصلح كرادع لرد إسرائيل على إيران نفسها.
نعاود الحديث عن سوريا وإسقاط الأسد لن يكون فقط مجرد نجاح لأمن إسرائيل، بل ستخفف أيضا من مخاوف إسرائيل التى نتفهمها من فقد هيمنتها النووية. وبعدها قد تتمكن الولايات المتحدة وإسرائيل من صياغة رؤية مشتركة حول التوقيت الذى سيصبح فيه البرنامج النووى الإيرانى يشكل خطورة للقيام بعمل عسكرى. وما أدى بقادة إسرائيل فى الوقت الحالى فى دراسة القيام بهجوم مباغت – حتى فى حالة رفض الإدارة الأمريكية عند الضرورة هو التحالف الاستراتيجى بين إيران وسوريا والتقدم المطرد فى برنامج إيران التخصيب النووى. ومع رحيل الأسد وعدم قدرة إيران على تهديد إسرائيل من خلال وكلائها من الممكن أن تتفق إسرائيل والولايات المتحدة على خطوط حمراء خاصة بالوقت الذى يكون البرنامج النووى الإيرانى قد تخطى الحاجز غير المقبول. وباختصار، فإن البيت الأبيض يمكنه تخفيف التوترات التى نشأت مع إسرائيل حول إيران بالقيام باللازم فى سوريا».
تلك كانت الرسالة الأولى والتى يتضح محتواها بدرجة أكبر من رسالة ثانية هذا نصها:
«تشعر إدارة أوباما بالقلق لأسباب مفهومة من القيام بعملية جوية فى سوريا مثل التى تمت فى ليبيا لثلاثة أسباب رئيسية: على عكس قوات المعارضة الليبية، الثوار السوريون غير موحدين ولا يسيطرون على أرض. الجامعة العربية لم تطالب بتدخل عسكرى خارجى فى سوريا كما فعلت مع ليبيا.. والروس يعارضونها.. ليبيا كانت حالة أسهل. ولكن عدا عن الهدف الجدير بالثناء فى إنقاذ المدنيين الليبيين من الهجمات المحتملة من نظام القذافى، لم يكن للعملية العسكرية فى ليبيا أى عواقب طويلة الأمد على المنطقة. أما وضع سوريا فهو أصعب. لكن تحقيق النجاح فى سوريا سيكون حدثاً تحولياً بالنسبة للشرق الأوسط. فلن يخضع ديكتاتور آخر لمعارضة الجماهير فى الشوارع فحسب، بل ستتغير المنطقة للأفضل عندما لا يكون لإيران موضع قدم فى الشرق الأوسط تهدد منه إسرائيل وتقوض الاستقرار فى المنطقة. وبالتالى، فإن نجاح التدخل العسكرى فى سوريا، على عكس ليبيا، سيتطلب قيادة عسكرية ودبلوماسية قوية من الولايات المتحدة. ويتوجب على واشنطون البدء فى التعبير عن رغبتها فى العمل مع حلفائها فى المنطقة مثل تركيا والسعودية وقطر لتنظيم وتدريب وتسليح قوات المعارضة السورية. وسيتسبب الإعلان عن قرار من هذا النوع، فى حد ذاته، انشقاقات كبيرة من الجيش السورى. وبعدها يستطيع مسئولون من الدبلوماسيين الأمريكيين ومن وزارة الدفاع البدء فى تقوية المعارضة، باستخدام مناطق فى تركيا وربما الأردن. سيستغرق الأمر وقتا. لكن الثورة ستستمر لفترة طويلة، سواء تدخلت الولايات المتحدة أو لم تتدخل.
الخطوة الثانية هى حشد الدعم الدولى لتشكيل ائتلاف دولى للقيام بعملية عسكرية جوية. روسيا لن تؤيد مهمة من هذا النوع، لذا فلا فائدة من العمل من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. البعض يرى أن تدخل أمريكا سيشعل حرباً أوسع مع روسيا. لكن مثال كوسوفو يبين العكس. ففى تلك الحالة كان للروس روابط عرقية وسياسية أصيلة مع الصرب، وهذه الروابط غير موجودة بين روسيا وسوريا، وحتى فى تلك الحالة لم تفعل روسيا أكثر من الشكوى من أن المسئولين الروس اعترفوا بالفعل أنهم لن يقفوا فى طريقنا لو تدخلنا عسكرياً تسليح الثوار السوريين واستخدام القوة الجوية الغربية لإسقاط الطائرات العمودية السورية والطائرات الحربية هى عملية قليلة التكاليف وعائدها جيد. وطالما ظل القادة السياسيون فى واشنطون متمسكين بعدم إرسال قوات برية إلى سوريا، كما فعلوا فى كوسوفو وليبيا، ستكون التكلفة قليلة على الولايات المتحدة. وربما لا يأتى النصر بسرعة وسهولة، لكنه سيأتى. والعائد سيكون كبيراً. إيران ستعزل استراتيجياً ولن تتمكن من ممارسة نفوذها فى الشرق الأوسط. وسينظر النظام الذى سيأتى إلى واشنطون باعتبارها صديقاً وليس عدواً. وستكسب واشنطن اعترافا ملموسا بأنها تقاتل من أجل الشعوب فى العالم العربى، وليس الأنظمة الفاسدة. وبالنسبة لإسرائيل، ستخف دوافع قيامها بهجوم مباغت على المرفقات النووية الإيرانية. وقد يصبح النظام السورى الجديد منفتحا على الإجراء السابق الخاص بتجميد محادثات السلام مع إسرائيل. وسينفصل حزب الله عن داعميه الإيرانيين طالما لم تعد سوريا نقطة انتقال للتدريبات الإيرانية، والمساعدات والصواريخ. كل هذه الفوائد الاستراتيجية واحتمال إنقاذ آلاف المدنيين من القتل على يد نظام الأسد وبعد أن رفع حجاب الخوف عن الشعب السورى، يبدو أنهم مصممون على القتال لنيل حريتهم. وأمريكا تستطيع ويجب أن تساعدهم – وعندما تفعل ذلك هى تساعد إسرائيل وتقلل مخاطر توسيع نطاق الحرب».
إسرائيل إذن هى حجر الزاوية.. ومن أمنها انطلق رالف بيترز، ضابط مخابرات أمريكى متقاعد، ليضع مخططاً لإعادة تقسيم الشرق الأوسط (فى مقال نشرته مجلة القوات المسلحة الأمريكية فى عدد يونيو 2006) شرح فيه بوضوح ما يدور فى عقل دعاة الشرق الأوسط الجديد.
«بيترز» انطلق مما يسميه الظلم الفادح الذى لحق بالأقليات حين تم تقسيم الشرق الأوسط فى أوائل القرن العشرين (يقصد اتفاقية سايكس بيكو)، مشيرا إلى هذه الأقليات بأنها «الجماعات أو الشعوب التى تم خداعها حين تم التقسيم الأول»، ويذكر أهمها: الأكراد، والشيعة العرب. كما يشير إلى مسيحيى الشرق الأوسط، والبهائيين، والإسماعيليين، والنقشبنديين.
ويرى بيترز أن هناك كراهية شديدة بين الجماعات الدينية والعرقية فى المنطقة تجاه بعضها البعض، وأنه لذلك يجب أن يعاد تقسيم الشرق الأوسط انطلاقاً من تركيبته السكانية غير المتجانسة القائمة على الأديان والمذاهب والقوميات والأقليات، حتى يعود السلام إليه. والنموذج الكامن هناك هو الدولة الصهيونية القائمة على الدين والقومية وامتزاجهما.
ثم يقدم بيترز خريطته للشرق الأوسط الجديد فيتحدث عن تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، دولة كردية فى الشمال، ودولة شيعية فى الجنوب، ودولة سنية فى الوسط ستختار الانضمام إلى سوريا مع مرور الزمن.
ويصف رالف بيترز السعودية بأنها دولة غير طبيعية، ويقترح أن يقتطع منها كلا من مكة والمدينة المنورة حتى تنشأ فيها «دولة إسلامية مقدسة»، على رأسها مجلس يترأسه بالتناوب أحد ممثلى الحركات والمدارس الإسلامية الرئيسية، أى أن يكون المجلس نوعاً من «فاتيكان إسلامى أعلى»، ويقترح إضافة الأرض المقتطعة من شمالى السعودية إلى الأردن، وأن تقتطع أرض من جنوبى البلاد لكى تضاف إلى اليمن، وأما شرقى البلاد فلن تسلم أيضاً من المقص، إذ تقتطع منها حقول النفط لمصلحة دولة شيعية عربية. أما المملكة الأردنية الهاشمية فستحتفظ بأراضيها وتضاف إليها أرض من شمالى السعودية، كما سيرتبط «مستقبل الضفة الغربية بها».
أما الإمارات فيطلق «بيترز» عليها اسم «الدولة المدينية» (نسبة إلى المدن اليونانية القديمة)، وقد يتم دمج بعضها مع الدولة العربية الشيعية التى تلتف حول الخليج العربى، والتى ستصبح قوة توازُن مقابل الدولة الفارسية، لا حليفاً لها.
أما دبى، فيتوقع بيترز أن تبقى مسرحاً للأغنياء الفاسقين، فيما تحتفظ عمان والكويت، بأراضيها. ويفترض أن إيران، وفقاً لهذا المشروع، ستفقد الكثير من أراضيهما لصالح أذربيجان الموحدة، وكردستان الحرة، والدولة الشيعية العربية، وبلوخستان الحرة، لكنها تكسب أراضى من أفغانستان.
وينتهى بيترز إلى أنه بعد تعديل، من الممكن أن تنشأ حدود جديدة مع الزمن. وأن تعديل حدود الشرق الأوسط الأكبر، بناء على روابط الدم الطبيعية والعقيدة الدينية، ضرورة ملحة لحقن الدماء!
وليس غريباً، أن يتزامن نشر مقال رالف بيترز مع مقال آخر كتبه الصهيونى جاى بخور (نشرته يديعوت أحرونوت فى 27 يوليو 2006) طرح فيه أيضاً خطة لإعادة صياغة الشرق الأوسط، يتم فيه تقسيم العراق إلى ثلاث دول، بحسب مقياس طائفى: سنية فى الوسط والغرب، وشيعية فى الجنوب، وكردية فى الشمال، كما يجب إنهاء نظام سوريا وإعادة الأكثرية السنية إلى الحكم. وعلى الأردن أن يتحمل المسئولية عن الضفة الغربية، وبهذا ينشأ كيان فلسطينى واحد فينتشر الفلسطينيون إلى الشرق.
أما مصر طبقاً لمقال بخور فستصبح مسئولة عن قطاع غزة، وهو شىء حسب تصوره أصبح يحدث فى الواقع أكثر فأكثر. ويجب أن يقوم فى لبنان نظام دولى فى جنوب الدولة وشرقها، لمنع عودة الأصولية الشيعية أو غيرها».
ما سبق، على كثرة عدد كلماته، ليس أكثر من ملامح سريعة لمشروعات تم التخطيط لها، وجرى تنفيذ جوانب منها ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية وعملاؤها فى المنطقة، دولاً أو أفراداً، يبذلون جهوداً مضنية لإكمالها، بمساعدة متاجرين وعملاء وعناصر تم تجنيدها للعمل لصالح أجهزة مخابرات، ويلعبون اليوم لصالح جماعات العنف والإرهاب ويضعون أيديهم فى أيدى القتلة والإرهابيين لتظل مصر أرضاً خصبة للفوضى، ولا نبالغ لو قلنا إنه لا يمر يوم دون أن نكتشف ما يثبت أو يؤكد خطورة وكارثية تلك المشروعات على دول المنطقة ومصر فى القلب منها بكل تأكيد.