ياسر بركات يكتب :الصقر المصرى يحمى عرين أحفاد عمر المختار
src="//pagead2.googlesyndication.com/pagead/show_ads.js">
الأولة.. مصر والثانية.. ليبيا
ليبيا فى حضنك يا مصر
وثائق:
الخارجية القطرية تولت دعم مشروع «داعش».. وفهد الهاجرى كان يرسل 750 ألف دولار لفرع التنظيم الإخوانى فى ليبيا
* محمود عزت وعبدالمجيد الشاذلى وقيادات من حماس عقدوا جلسات بفندق غزة بيتش لتأسيس الجيش الحر
* قائمة بأسماء أعضاء حزب العدالة والبناء الذين تلقوا تمويلات قطرية
* أبوبكر البغدادى خضع لتدريب عسكرى على أيدى عناصر فى «الموساد»
الآلاف من أبناء الشعب الليبى فى مدن طرابلس وبنى غازى ورشفانة والزنتان وطبرق، الذين احتشدوا بالميادين الرئيسية، للتظاهر ضد التدخلات الأجنبية فى الشأن الداخلى الليبى، رفعوا اللافتات التى تدعم الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر، وتؤيد العمليات التى يقودها الجيش الوطنى لتحرير البلاد من قبضة الميليشيات الإرهابية المسلحة.. ورفعوا أيضاً لافتات تحمل صورة الرئيس عبدالفتاح السيسى ورسالة شكر وجهوها إلى شعب مصر.
وبالتزامن، وصل مارتن كوبلر، المبعوث الأممى لدى ليبيا، إلى القاهرة فى زياًرة تستغرق عدة أيام يجرى خلالها محادثات مع عدد من المسئولين لبحث التطورات فى ليبيا. وهى الزيارة التى جاءت بعد يوم واحد من وصول رئيس المجلس الرئاسى الليبى، فايز السراج إلى القاهرة، إذ دعا السراج إلى الحوار لحل الأزمة الليبية محذرا من أن مستقبل ليبيا كأمة موحدة أصبح فى خطر.
وفى خلفية ذلك، كان إعلان سامح شكرى، وزير الخارجية المصرى، دعم بلاده التام لسيطرة الجيش الليبى الموالى لحفتر على موانئ الهلال النفطى.. ووصف شكرى بيانات دول عدة طالبت الجيش الليبى بالانسحاب من منطقة الهلال النفطى بأنها دعوات متسرعة لا تراعى الاعتبارات الخاصة بالأوضاع الداخلية لليبيا.
وزير الخارجية المصرى أعلن بمنتهى الوضوح أن بلاده تدعم الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر بكل ما يحمله من شرعية فى تحركاته لاستعادة الاستقرار فى البلاد، مشدداً فى تصريحات أدلى بها على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، على «تأييد مصر التام لتحرك الجيش الليبى للحفاظ على الأمن والاستقرار فى ليبيا وتأمين الثروات البترولية الليبية».
ووصف شكرى، فى تصريحاته لوكالة أنباء الشرق الأوسط، دعوة الولايات المتحدة وخمس دول أوروبية الجيش الليبى إلى الانسحاب بأنها كانت متسرعة، مضيفاً أن البيان لم يراع الاعتبارات الخاصة بالأوضاع الداخلية فى ليبيا، مشدداً من جديد على أهمية الجهود التى يقوم بها الجيش الوطنى الليبى لتأمين أمن واستقرار الأراضى الليبية والحفاظ على الثروات البترولية الليبية.
وقال إن الرئيس عبدالفتاح السيسى سيشارك فى قمة مجلس الأمن حول التطورات فى الشرق الأوسط التى ستولى اهتماماً خاصاً بكل من سوريا وليبيا، مضيفاً أن مصر ستولى أهمية قصوى بضرورة عودة الاستقرار إلى ليبيا وتحقيق الوفاق الوطنى من خلال تنفيذ اتفاق الصخيرات.
2
مهما كانت الزاوية التى ترى منها ما حدث، فالثابت هو أن الجيش الليبى الوطنى الذى يقوده المشير خليفة حفتر حقق نجاحات متتالية فى مواجهة الميليشيات الإرهابية المسلحة أياً كان اسمها أو المسميات التى تطلقها على نفسها أو يطلقها عليها آخرون!
والثابت أيضاً، هو أن تنظيم «داعش» وفروعه أو مشتقاته، كميليشيات «فجر ليبيا»، هو الجناح العسكرى لتنظيم الإخوان الإرهابى فى ليبيا.
وقيام الجيش الليبى الوطنى بطرد عناصر تلك الميليشيات من المناطق الغنية بالنفط، كشف جوانب كثيرة من المخطط الغربى والأمريكى نحو ليبيا، وبقية دول الإقليم.. الأمر الذى أكده توجيه واشنطن ولندن لذلك الإنذار الغريب والعجيب إلى الجيش الليبى والذى طالبته فيه بوقف عملياته وإلا تعرّض لعقوبات دولية.
والأغرب والأعجب هو تحرّك الدولتين (الولايات المتحدة وبريطانيا) لاستصدار قرار من مجلس الأمن يُدين الجيش الوطنى الليبى ويفرض عليه عقوبات، ما لم ينسحب من المناطق التى سيطر عليها ويوقف عملياته ضد الجماعات الإرهابية، وهو التحرك الذى أفشلته روسيا والصين ومصر.. ومن المعروف أن موسكو وبكين، لهما حق الفيتو على قرارات مجلس الأمن، وهو الحق الذى يمنع صدور القرار.
هنا نشير إلى أن الجيش الوطنى الليبى سبق أن حقق تقدّماً ملحوظاً فى شرق وغرب البلاد، متغلباً على كل الظروف والأوضاع الصعبة التى تواجهه كعدم وجود حكومة مركزية تُسيطر على الأوضاع، وانتشار الميليشيات الإرهابية المسلحة التى تضم وتستقبل الإرهابيين من مختلف الجنسيات.
ولابد أن نتوقف هنا عند علاقة تلك المليشيات بتنظيم الإخوان خلال الفترة السوداء التى حكمت فيها مصر، وهى العلاقة التى لخصها عصام العريان باعترافه أن التنظيم (تنظيم الإخوان) يقوم بتدريب عشرة آلاف مقاتل ليكونوا نواة جيش مصر الحر، فى محاولة لتكرار ما حدث فى سوريا!
وتلك وثيقة تم العثور عليها فى مكتب إرشاد تنظيم الإخوان، فى المقطم، خلال اقتحامه وقت ثورة 30 يونيو، وهى تثبت دعم دولة قطر للتنظيم الدولى للإخوان، وإرسالها تمويلاً شهرياً لفرع التنظيم فى ليبيا، يبلغ 750 ألف دولار.
الوثيقة تحت بند «سرى»، وهى عبارة عن مذكرة معروضة على وزير الخارجية القطرى، وقّعها مساعده للشئون الخارجية، على بن فهد الهاجرى.. ونص الوثيقة:
«مذكرة للعرض على سعادة وزير الدولة للشئون الخارجية، بشأن توجيه معاليكم الكريم الوارد بالكتاب (ت ل م/21245/9/2012)، المعنى بسرعة توجيه منحة شهرية إلى أعضاء المؤتمر الوطنى الليبى المبيّنة أسماؤهم فى الكشف المرفق، بقيمة 250 ألف دولار تحت بند منحة مساعدة أعباء إضافية تساعد على استقرار أوضاع الأعضاء المنتمين إلى حزب العدالة والبناء، وإدارتهم مهامهم أطول فترة ممكنة».
تضيف الوثيقة: «وعليه نود إبلاغ معاليكم بأن المنحة المصدق بها استُخرجت من صندوق الطوارئ، والمنح العاجلة بوزارة المالية بالصك رقم 9250444 والمؤرخ بتاريخ 29 سبتمبر 2012، المسحوب على مصرف قطر المركزى باسم السيد محمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء».
الوثيقة، تضمنت قائمة بأعضاء الحزب الإخوانى الذين تلقوا الأموال القطرية، وهم نزار أحمد يوسف كعوان، ومحمود عبدالعزيز ميلاد حسين، ومنصور أبريك عبدالكريم الحصادى، وعبدالرحمن عبدالمجيد الدبيانى، وماجدة محمد الصغير الفلاح، وصلاح محمد حسين الشعيب، وآمنة فرج خليفة مطير، وصالح محمد المخزوم الصالح، وهدى عبداللطيف عوض، ومحمد أحمد عريش، ومنى أبوالقاسم عمر، وخالد عمار المشرى، ومحمد عمران ميلاد مرغم، وفتحى العربى عبدالقادر صالح، وأمينة عمر المحجوب إبراهيم، وزينب أبوالقاسم إبراهيم بعيو، ومحمد معمر عبدالله دياب، وفوزية عبدالسلام أحمد كردان، وعبدالسلام إبراهيم إسماعيل الصفرانى.
ونعود هنا إلى تقرير سبق أن نشرته جريدة «وورلد تريبيون» الأمريكية، نقلت فيه عن مصادر جهادية فى ليبيا أن تدريب عناصر مسلحة ضمن ما يعرف بالجيش المصرى الحر، كان يجرى على قدم وساق على الأراضى الليبية برعاية أمريكية تركية إيرانية وبتمويل قطرى، وذكرت أن عدة أهداف حيوية توجد على أجندة تلك العناصر المسلحة، أبرزها مطار القاهرة واقتحام عدد من السجون لتهريب قيادات جماعة الإخوان الإرهابية، وإشاعة أكبر قدر ممكن من الفوضى.
وأكدت «وورلد تريبيون» أن مصنعاً ليبياً للملابس يقوم بتفصيل وتوريد زى عسكرى مجهز خصيصاً للعناصر الإرهابية التى تسمى نفسها الجيش المصرى الحر، وترتكز معسكرات تدريبهم فى منطقة درنة بالشرق الليبيى وهى المدينة التى استولى عليها إسلاميون متشددون وأعلنوها إمارة إسلامية مستقلة عن السلطة المركزية فى طرابلس، كما أعلنوا ولاءهم لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى. وأوضحت الصحيفة الأمريكية أنهم تسلموا كذلك كمية كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة وسيارات خاصة سيتم استخدامها فى عملياتهم الإرهابية داخل مصر، وأنهم ينتظرون ساعة الصفر وإشارة التحرك من أجهزة المخابرات التى تحركهم، بعيداً عن أى مشاركة من المخابرات الليبية التى تفتقر للإمكانيات والخبرات اللازمة.
وكشفت «وورلد تريبيون» أن قائد ما يسمى بالجيش المصرى الحر هو شخص يدعى شريف الرضوانى، ويقوم بتدريب العناصر الإرهابية بمعسكرات درنة، وقد سبق له المشاركة فى القتال فى سوريا وفى لبنان، فيما يتولى التنسيق والحصول على التمويل من أجهزة مخابرات غربية شخص ليبى يدعى إسماعيل الصلابى وهو مسئول رفيع المستوى فى تنظيم القاعدة وصديق حميم لشريف القبيصى مدير المخابرات القطرية.
وأوضحت أن كامى الصافى وإسماعيل الصلابى القياديين البارزين فى القاعدة على علاقة قوية بخيرت الشاطر والتقيا هذا الأخير أكثر من مرة فى تركيا تحديداً، وسيكون لهما دور كبير فى نشر الفوضى بمصر قبيل الانتخابات الرئاسية.
تتكون عناصر الجيش المصرى المزعوم من ليبيين وسودانيين ومصريين يمتلكون خبرات قتالية متفاوتة، فمنهم من شارك فى القتال فى سوريا وليبيا ومنهم من هو عديم الخبرة، ولكنهم على اتصال قوى بخلايا إرهابية نائمة داخل مصر وينسقون معها ويزودونها بالسلاح والمعدات.
وبشكل نوعى، فإن جماعة أنصار بيت المقدس بسيناء، والتى لها خلايا منتشرة فى عدد من المحافظات وتلقى دعماً من حركة حماس بغزة، تعد جزءاً مما يعرف بالجيش المصرى الحر، وهى المستقبل الأول للعناصر التى تتدرب فى ليبيا، وهنا يكمن تناقض وشيزوفرينيا الإدارة الأمريكية التى وضعت تنظيم بيت المقدس على لائحة المنظمات الإرهابية بينما هى تدعمها بالمال والخبرات والسلاح، وتستخدمها كمخلب قط لزعزعة استقرار مصر لمجرد أن المسار السياسى فيها لا يتوافق مع شىء ما فى نفس السيد أوباما.
إنشاء الجيش المصرى الحر بدأ عقب أيام قليلة من الإطاحة بمرسى إثر ثورة 30 يونيو، حيث اجتمعت قيادات من التنظيم الدولى للإخوان بقيادات حركة حماس بفندق غزة بيتش هوتيل بقطاع غزة، وكان محمود عزت القيادى الإخوانى المعروف عنه أنه الرجل الثانى فى تنظيم الجماعة الإرهابية بعد خيرت الشاطر، أحد أبرز الحضور فى ذلك الاجتماع، وتذكر الصحيفة نقلاً عن مصادر من داخل غزة أن أهم وأخطر رجل فى التنظيم الدولى للإخوان المسئول الأول عن بيع وشراء السلاح للتنظيم كان حاضراً فى اجتماع غزة وأشارت الصحيفة له باسم مستر إكس لأنه من المستحيل معرفة اسمه الحقيقى أو الحركى، وكان إكس مصطحباً معه أحد شيوخ الفكر التكفيرى ويدعى عبدالمجيد الشاذلى ويقال عنه إنه أستاذ محمد بديع وخيرت الشاطر، وكان برفقتهما 20 مصرياً آخرين إضافة لعشرات من الحمساويين وعرب من جنسيات مختلفة، وتعد تلك الاجتماعات امتداداً لاجتماعات أخرى كان يحضرها خيرت الشاطر ومحمد الظواهرى شقيق أيمن الظواهرى، وكان هدف المجتمعين فى غزة دوماً هو استمرار تدفق السلاح من ليبيا إلى القطاع ومنه إلى سيناء عبر الأنفاق داخل مصر.
الأهم من ذلك، أنه تم رصد مواقع تدريب لعناصر ما يسمى «الجيش المصرى الحر» داخل معسكرات تابعة لجماعات متطرفة داخل الأراضى الليبية، بدعم الثلاثى القطرى الإيرانى والسودانى، بحسب المصدر.
المعسكر الرئيسى يقع فى منطقة النوفلية الليبية، بين سرت وهراوة، وهو تابع لـ«تنظيم القاعدة» وحركة «أنصار الشريعة»، ويشرف عليه ضباط مخابرات قطريون.
وكان هناك معسكر آخر للتدريب يقع قرب قاعدة الجفرة الجوية بليبيا، ومركز تدريب آخر بين منطقتى درنة والبيضا، موضحاً أن من ضمن المتطوعين جنسيات، مغربية وتونسية وباكستانية وأفغانية، لكن الوجود الأكبر هناك لمصريين. وكانت أعداد المتطوعين به تتعدّى ألف مقاتل منهم 400 مصرى، يرتدون زياً عسكرياً موحداً مكتوباً عليه «الجيش المصرى الحر»، كاشفاً أن هناك معلومات عن إصدار الجيش المزعوم لبيانات قريباً يعلن فيها عن نفسه وأهدافه.
شعبان هدية الشهير بـ«أبوعبيدة»، رئيس «غرفة عمليات ليبيا»، والذى سبق اعتقاله بالإسكندرية، وتم الإفراج عنه مقابل إطلاق سراح عدد من الدبلوماسيين المصريين اختطفوا فى ليبيا، كان مسئولا عن تجنيد الشباب المصرى فى الجيش المزعوم الموجود بليبيا، مقابل راتب شهرى يحصل عليه المتطوعون ويتراوح بين 500 دينار و1000 دينار ليبى، حسب قدرات المتطوع العسكرية.
المسئول عن «الجيش المصرى الحر» شخص يدعى إسماعيل الصلابى، وهو مسئول مخابرات «الإخوان» بليبيا، وحلقة الوصل بين الجماعة بالقاهرة وطرابلس، وكان يزور القاهرة خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى ويقيم بأحد أشهر الفنادق على حساب القيادى الإخوانى المسجون خيرت الشاطر.
معلومات أخرى أكدت أن التنظيم حاول الاستعانة بـ«حركة شباب المجاهدين» وهى إحدى الجماعات الإسلامية المسلحة المتواجده فى الصومال، وتتواصل مع بعض التنظيمات الجهادية داخل مصر وليبيا كـ«أنصار الشريعة وأنصار بيت المقدس» وبعض المنتمين لفكر القاعدة فى مصر، ليكون لهم كتائب مسلحة داخل مصر لمحاربة من أسموهم جيش الطاغوت والسياسيين العلمانيين، إيماناً منهم بأن تلك الأعمال لإعلاء كلمة الدين والشرع فى بلاد الإسلام.
وحركة شباب المجاهدين فرع أساسى من أفرع القاعدة فى أفريقيا، وتربطها علاقات ببعض التنظيمات الجهادية المتواجدة فى سيناء منذ أن كانوا شركاء فى جيش القاعدة فى أفغانستان خلال حربهم مع الشيوعيين، وكونوا علاقات مشتركة فى الجهاد واستزادوا من الأفكار التكفيرية المتشددة، والآن تستهدف مصر التى أصبحت مرتعاً لأى فصيل من هؤلاء بسبب ما فعلته جماعة الإخوان المسلمين وأتباعها من الجماعات الإسلامية والجهادية من أحداث عنف ممنهجة لتدمير الدولة.
3
والوضع كذلك، يمكننا أن نقول إن الجيش الوطنى الليبى بتمكنه من انتزاع السيطرة على أربعة موانئ نفطية ليبية، يوم الأحد الماضى، كان خطوة استراتيجية لاكتساب مزيد من النفوذ فى مواجهة تنظيم الإخوان والميليشيات التابعة له وتأكيد على سيطرة الجيش الليبى الوطنى على الأوضاع هناك، خاصة أن ما توصف بـ«حكومة الوفاق» كانت تستعد لتصدير أول شحنة بترول بصفة رسمية هذا العام قبل أن يبدأ حفتر هجومه للسيطرة على موانئ: السدر وراس لانوف والزويتينة والبريقة، الواقعة فى منطقة الهلال النفطى بشمال شرق ليبيا بين مدينتى بنغازى وسرت.
وكان غريباًً وفاضحاً أن تصدر الأمم المتحدة بياناً يوم الاثنين الماضى، وجهته لما وصفتها بـ«الفصائل المتحاربة» للسيطرة على موانئ النفط، ودعتها إلى حل سلمى للنزاع.
وكان غريباًً وفاضحاً أيضا أن يصرح مارتن كوبلر، المبعوث الأممى لدى ليبيا، بأن «الهجمات على الموانئ البترولية تهدد الاستقرار، وتؤدى إلى انشقاقات أعمق فى البلاد» وأنها «تحد من القدرة على تصدير البترول وتزيد من معاناة الناس»!
الموقف الأمريكى لم يكن غريباً ولا مفاجئاً، فقد بات فى حكم المؤكد أن الولايات المتحدة تستخدم التنظيمات الإرهابية لاستنزاف ثروات الدول التى يوقعها حظها العثر تحت سيطرتها، وأمامى الآن، مثلاً، وثيقة مخابراتية، تم تسريبها، تؤكد أن المخابرات المركزية الأمريكية لديها قوائم وهويات وأعداد أعضاء التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم وأنها تحتفظ بروابط معهم فى مختلف أنحاء العالم. وأنّ الحكومة الأمريكية أحصت ما لا يقل عن 680 ألف شخص حول العالم لهم علاقات مباشرة بأنشطة مرتبطة بالإرهاب، بينهم 280 ألف شخص ليس لديهم ارتباط معروف بجماعة إرهابية.
أما العدد المتبقى، والبالغ 400 ألف شخص، فإما أنهم مشبوهون بالانتماء إلى تنظيمات إرهابية أو بدعمها لمجموعات تعتبرها واشنطن إرهابية على غرار «تنظيم القاعدة» وكذلك «حزب الله» و«حماس» اللتان تعتبرهما كلٌّ من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل منظمتين إرهابيتين.
وأكدت الوثيقة أن الأسماء تضمنتها دراسة تم الانتهاء منها فى شهر أغسطس 2013، تحت عنوان: «الإنجازات الاستراتيجية لعام 2013 حول هُويّات الإرهابيين»، وفيها أيضا إشارة إلى أن بنك المعلومات «تايد» يضمّ نحو مليون اسم لأشخاص يشتبه بصلتهم بالمنظمات الإرهابية.
وأشارت الوثيقة إلى أنّ عدد الأشخاص الذين أدرجتهم وكالة الاستخبارات الأمريكية على القائمة الأمريكية للممنوعين من السفر على متن رحلات جوية من وإلى أو عبر الولايات المتحدة الأمريكية يبلغ 47 ألف شخص وقد تضاعف فى عهد الرئيس باراك أوباما عشر مرات.
وذكرت الوثيقة أن النسبة الكبرى من المشتبه فى انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية أو دعم الإرهاب، تتركز فى مدينة ديربورن، فى ميشيقان، وهى مدينة تضم 96 ألف ساكن، وفيها النسبة الكبرى من الأمريكيين العرب فى الولايات المتحدة الأمريكية. وأن الحكومة الأمريكية تضيف أسماء أشخاص فى قاعدة البيانات أو تضيف معلومات حول الأسماء المسجلة بحساب 900 ملف يومياً.
أيضاً، كانت وكالة أنباء»أسوشيتد برس» قد ذكرت فى وقت سابق نقلاً عن المحكمة الاتحادية الأمريكية أنّ نحو 1.5 مليون من الأسماء أضيفت إلى قائمة المراقبة من طرف محامى الحكومة على مدى السنوات الخمس الماضية.. وعلقت الحكومة الاتحادية بقولها إنّ العدد الذى ذكرته وسائل الإعلام غير دقيق، وإنّ الإحصائيات التى ذكرتها وكالة «أسوشيتد برس» لا تتضمن أسماء الأشخاص فقط، بل معلومات مخابراتية أو معلومات حول السيرة الذاتية تم الحصول عليها.
ونعود للوثيقة الأحدث التى كشفت عن 16 ألف شخص من بينهم 1200 أمريكى مستهدفين لغربلة فى المطارات والمعابر الحدودية، كما أنّ هناك 611 ألف شخص على قائمة رصد الإرهاب الرئيسة من بينهم 39 ألف امرأة.
وتضم الوثيقة المنظمات التى تستهدفها الحكومة الاتحادية فى مهمتها لمكافحة الإرهاب، ومن أكبر هذه المجموعات نجد تنظيم القاعدة فى العراق ويضم (73189 فرداً) وحركة طالبان وتضمّ (62794 فرداً) ثم تنظيم القاعدة (50446 فرداً) وحماس (21913 فرداً) وحزب الله (21199 فرداً).
ورغم أنّ الرئيس الأمريكى أوباما قد صرح بأنّ تنظيم القاعدة فى الجزيرة العربية يعدّ الأخطر على الولايات المتحدة الأمريكية فى الخارج؛ فإن عدد الإرهابيين حسب الوثيقة لا يتجاوز (8211 فرداً) على علاقة بالمنظمة الإرهابية وفى المرتبة الأخيرة ضمن الجمعيات العشر الأولى المتربطة بالإرهاب، ثم نجد شبكة حقانى فى باكستان (12491 فرداً) والقوات الثورية المسلحة فى كولومبيا (11275 فرداً) وجماعة الشباب الصومالى (11547 فرداً).
وتشير الوثيقة إلى أنّه اعتباراً من سنة 2012، سجلت الولايات المتحدة الأمريكية 3200 شخص «إرهابيين معروفين أو مشتبه فيهم»، مرتبطين بالحرب فى سوريا من بينهم 715 فرداً من الأوروبيين والكنديين فضلاً عن 41 أمريكياً.
تأتى هذه الوثيقة، لتؤكد ما كشفته تسريبات جديدة للموظف السابق فى وكالة الأمن القومى الأمريكية إدوارد سنودن عن أن أبوبكر البغدادى، أمير تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» عميل لجهاز الاستخبارات الإسرائيلى «الموساد»، وأن تنظيم «داعش» صنيعة مخابرات أمريكا وبريطانيا وإسرائيل.
وأوضحت الوثائق المسربة أن أجهزة مخابرات الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل خططت لخلق تنظيم إرهابى قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم فى مكان واحد فى عملية يرمز لها بـ«عش الدبابير».
وكشفت الوثائق أن وكالة الأمن القومى نفذت خطة بريطانية قديمة تعرف بـ«عش الدبابير» لحماية إسرائيل تقضى بإنشاء دين شعاراته إسلامية يتكون من مجموعة من الأحكام المتطرفة التى ترفض أى فكر آخر أو منافس له.
وأكدت أن أبوبكر البغدادى خضع لدورة مكثفة استمرت لمدة عام كامل خضع فيها لتدريب عسكرى على أيدى عناصر فى الموساد بالإضافة إلى تلقيه دورات فى فن الخطابة ودروساً فى علم اللاهوت.
هناك أيضا تقرير لمجلس العلاقات الدولية صدر مؤخراً أكد أن بدايات الانتعاش الاقتصادى لتنظيم داعش كانت متأخرة فى حدود 2013 قبل تحول الاستيلاء على الموصل الذى يعده الخبراء نقطة تحول اقتصادية كبرى ليست فى مسيرة «داعش» فحسب، بل كل العمل المسلح فى المنطقة.
4
هكذا، نجد أن كل الخطوط والخيوط لا تقود فى النهاية إلا إلى الولايات المتحدة. تحديداً، إلى الوحدة المختصة بالشأن المصرى فى المخابرات المركزية الأمريكية، التى لا تعدم الخطط البديلة، والتى بدت كأنها كانت مستعدة للتعامل مع فشل خطة السيطرة عبر الإخوان، بسيناريو بديل، يعتمد على إنتاج حالة من الارتباك السياسى تمكنها من إعادة طرح صيغة جديدة لفكرة الدولة الدينية.
ولو لم تكن تأكدت، ما حدث ويحدث طوال السنوات الخمس أو العشر الماضية، ولو لم تكن الخطط والسيناريوهات البديلة التى وضعتها المخابرات الأمريكية قد اتضحت أمامك، فنعتقد أن ذلك سيحدث، لو قرأت ذلك التقرير الذى كشف بالخرائط تشكيلات داعش فى منطقة الشرق الأوسط، والتنظيمات الأخرى التى أعلنت ولاءها للتنظيم فى بلدان نائية، مثل نيجيريا وروسيا وأفغانستان.
التقرير استعرض عدداً من التنظيمات فى مصر وليبيا ونيجيريا والسعودية، وغيرها من البلدان، التى أعلنت ولاءها لداعش، رغم أن تنظيم داعش فى ليبيا ولد وسط الاضطرابات السياسية فى ليبيا، منذ الإطاحة بمعمر القذافى سنة 2011. وأنه منذ أواخر عام 2014، أعلنت ثلاثة تنظيمات إسلامية مسلحة ولاءها لزعيم التنظيم (أبى بكر البغدادى): ولاية طرابلس فى الغرب، ولاية برقة فى شرق البلاد، وولاية فزان فى الجنوب. ويعتقد أن التنظيمات الثلاثة ترتبط بقيادة مركزية».
وبحسب التقرير، فإن لدى هذه الفصائل مقاتلين فى المدن الليبية الكبرى، فى العاصمة «طرابلس ومصراتة ودرنة وبنغازى»، وكثيراً ما خاضت معارك مع قوات الأمن فى مناطق متفرقة من البلاد. مع مرور الوقت، أصبحت ولاية طرابلس السائدة بين التنظيمات الثلاثة، التى تعمل فى أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان فى ليبيا.
كما تتحكم أيضاً فى المدينة الساحلية المطلة على البحر المتوسط، «سرت»، مسقط رأس القذافى، والمدينة الوحيدة خارج سوريا والعراق التى يسيطر عليها تنظيم له صلة بداعش. وكانت الولايات المتحدة استهدفت مرتين وقتلت شخصيات تابعة لداعش فى الأراضى التى تسيطر عليها «ولاية طرابلس».
هكذا، تتكشف الخطوط والخيوط التى تقود فى النهاية إلى الولايات المتحدة، ومخابراتها المركزية الجاهزة دائماً بسيناريو بديل، يعتمد على إنتاج حالة من الارتباك السياسى تمكنها من إعادة طرح صيغة جديدة لفكرة الدولة الدينية بالصيغة. وبهذا البديل، أى بتنظيم داعش وتنظيماته الفرعية التى خرجت كلها من عباءة تنظيم الإخوان، تراهن الولايات المتحدة على تنفيذ مخطط تقسيم المنطقة، بالشكل الذى أرادوا تنفيذه وجاءت ثورة 30 يونيه لتبدد أحلامهم فيه، وهو المخطط الذى أدى إلى اهتزاز الأنظمة العربية كلها تقريباًً، وتقريباً لم يفلت من ذلك الاهتزاز غير مصر، التى أصبحت محاطة بمشهد شديد التعقيد، لا نبالغ لو قلنا إننا لم نر فى مثل تعقيده وتناقضاته طوال نصف قرن على الأقل.. مشهد نرى فيه خريطة الدول العربية، مضطربة بشكل مربك، ولا تتوقف محاولات تحويل الشعب العربى إلى أداة فى مساحة أو منطقة بلا تاريخ ولا تراث مشترك، يمكن توزيعه على جماعات دينية وعرقية لا يربطها رابط وليست لها ذاكرة تاريخية.
إنهم باختصار يريدون أن يتحول الشعب العربى إلى مجرد كيان مادى اقتصادى لا تحركه غير الدوافع المادية الاقتصادية فقط.. وهو ما لن يحدث، طالما بقيت مصر قوية ومتيقظة لكل المخططات التى تحاك ضدها وضد دول المنطقة.
الآن، ومع مصر القوية المتيقظة لكل المخططات التى تحاك ضدها وضد دول المنطقة، سيتمكن الشعب العربى من الاستفادة من ثرواته، وإحداث نوع من التكامل، كذلك الذى قد يحدث قريباً لو تحقق ما أعلنه جيش ليبيا الوطنى عن بيع البترول الليبى إلى مصر بالجنيه المصرى بدلا من الدولار الأمريكى.
الخبر عرفناه من صلاح عبدالكريم، مستشار الجيش الليبى الوطنى، الذى كان يجرى مداخلة تليفونية مع برنامج «غرفة الأخبار»، بقناة «سى بى سى إكسترا»، يوم الجمعة، وقال إنه من الضرورى إقامة مشروعات تربط بين الشعبين الليبى والمصرى، وإن الجيش الليبى يعمل بالاتفاق مع مصر على تخفيف معاناة المدنيين فى البلدين، وإن هناك بالفعل مساعى ليبية لبيع البترول الليبى إلى مصر بالجنيه المصرى بدلاً من الدولار الأمريكى.
وما من شك فى أن قراراً كهذا حال تطبيقه سيرفع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، لعدة أسباب أبرزها أو أهمها أننا نستورد 29 مليون طن طاقة بمختلف أنواعها وندفع مقابل ذلك ما يزيد على الـ16 مليار دولار سنوياً.. وحين يقوم الأشقاء الليبيون بتوفير تلك الكمية أو بعضها بالجنيه المصرى، ستقل احتياجاتنا من الدولار وبالتالى تزيد قيمة الجنيه فى مقابله.
ولعل لفت النظر هنا واجب إلى أن رؤوس أموال سعودية وقطرية وتركية تتدفق إلى مصر، عبر مندوبين، لتأسيس «شركات ظل» يختفى فيها الشريك السعودى أو القطرى أو التركى من قوائم المؤسسين أو المساهمين أو أصحاب رأس المال، تمهيداً للدخول فى عمليات إعادة إعمار ليبيا المتوقع، والتى من المتوقع أن تبدأ مع مطلع العام القادم والتى ستكون الأولوية فيها للشركات المصرية.
وبعيداً عن تلك الاستفادة المباشرة أو بالقرب منها، أصبح فى حكم المؤكد أن العام الجارى سيشهد نهاية مشروع الشرق الأوسط الكبير، مع تشكيل إقليم جديد مرن تقوده مصر مع رباعى خليجى هو الإمارات والسعودية والكويت والبحرين. وهذا الرباعى الخليجى يمثل مركز ثقل، ويمتلك مشروعاً محدداً للمنطقة يقوم على منھج الاعتدال ودعم الاستقرار فى المنطقة، خاصة بعد الدعم الداخلى والدولى الذى قدمه لمصر بعد ثورة 30 يونيه، وما تبعھتا من مواجھات عنيفة فى الداخل مع تنظيم الإخوان.
ومع تراجع الدور القطرى فى الشرق الأوسط، ستمر الإمارة الصغيرة بعملية إعادة ضبط أوضاعها، بعد خسارتھا الرھان على الإخوان، وهى العملية التى ستحاول بها قطر تجنب الدخول فى مواجھات «مكشوفة» مع دول الخليج، وتحاشى الخسارة الكاملة لنفوذھا فى الإقليم.
وبما يمتلكه الرباعى الخليجى من فوائض مالية كبيرة فى الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد العالمى من أزمات، وكذلك القوة العسكرية المصرية والتفكير الاستراتيجى، وشبكة العلاقات والتحالفات، سيكون من الممكن جدا أن يتخطى تأثير الإقليم الجديد المرن، حدود إقليم الشرق الأوسط، لتؤثر على دوائر صنع القرار فى العواصم العالمية مثل واشنطن وموسكو، إضافة إلى الدول الأوروبية.
وبهذا الشكل، يمكن توقع نهاية الدور الأمريكى الممتلك لكل أوراق اللعبة السياسية فى الشرق الأوسط بعد التحولات العميقة والجذرية التى أحدثتھا ثورة 30 يونيه، وشجعت قوى أخرى على التدخل فى شئون المنطقة. إضافة إلى اتجاه روسيا مؤخراً إلى تقديم نفسھا كبديل، أو منافس موازٍ للولايات المتحدة فى المنطقة، بل ومختلف عن الأخيرة، سواء من حيث رؤيتھا لمستقبل المنطقة، أو فيما يتعلق بالدور السياسى للتيارات الإسلامية التى سارعت واشنطن بدعمھا، حيث سعت لتقديم نفسھا على أنھا «الشريك التقليدى» الذى يريد أن يحافظ على الاستقرار فى المنطقة، دون أن يمنع تقدم دورھا السياسى، فلم تعد موسكو ھى مصدر السلاح والطاقة فقط، وإنما أصبحت لاعباً ينافس النفوذ الأمريكى فى المنطقة، وباتت تمثل ظھيراً دولياً للتحالف المصرى-الخليجى الذى تشكل بعد ثورة 30 يونيه، وھو ما لاقى قبولاً من مصر ثم من دول الخليج، على نحو قد يؤسس لحقبة جديدة لن تجد فيها الولايات المتحدة كروتاً تلعب بها.
لقد كان الهدف هو إنتاج «شرق أوسط جديد» يتم فيه وضع تنظيم الإخوان فى سدة الحكم فى عدد من الدول ويتم ربط إخوان مصر بإخوان ليبيا وتونس والمغرب وسوريا واليمن، وكان العمود الفقرى لهذا «الشرق الأوسط الجديد» هو إخوان مصر الذين أجهزت عليهم ثورة 30 يونيه وبالتالى فشل المشروع.
ومن ليبيا، أصبح الدور المصرى رقماً صعباً فى معادلة القوى الدولية والإقليمية، وتأكد ما قامت به ثورة 30 يونيه من إفشال مخطط تفتيت دول المنطقة.. وليس صعباً أن نتوقع القادم، الذى سيكون حتماً فى صالح دول المنطقة، وعلى غير رغبة أعدائها.