الموجز
السبت 9 نوفمبر 2024 12:42 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن:احنا بنتصور عرايا يا سيادة الرئيس!!

من الـ«إيكونوميست ولاتريبون وبلومبيرج» إلى إعلام رجال الأعمال المشبوه فى مصر
مصر المظلومة بين بقايا عصر مبارك وجواسيس قطر وتركيا!
قائمة أباطرة البيزنس الذين يتعاملون مع خونة مصر فى الدوحة وأسطنبول
إلى جواسيس معهد كارنيجى فى مصر
هذه حقيقة السيدة كارول نخلة التى دافعت عن الاقتصاد المصرى
* عملاق النفط البريطانية «بريتيش بتروليوم» تختار غرب الدلتا لاستثمار 12 مليار دولار
* مصر تمتلك ثالث أكبر احتياطى للغاز فى أفريقيا بعد نيجيريا والجزائر
* مؤسسة «موديز» اعترفت بالاستقرار الاقتصادى ومع ذلك وضعت القاهرة فى مستوى B3!
من الـ«إيكونوميست» إلى «بلومبيرج» إلى «لا تريبون» وقبلها ومعها وبعدها صحف ووكالات أنباء عالمية كثيرة، تضع عدستها على «مصر» وتكاد تكون رسالتها الأساسية هى «إشاعة السواد» أو الوصول بقارئها دولياً ومحلياً إلى الاعتقاد بأن مصر تسير إلى الخراب أو الانهيار!
وبينما تقول بعض تلك الأبواق «إلا إذا.....» لتكشف بوضوح عن الهدف، فإن كثيراًً منها يترك الأمر مفتوحاً لخيال القارئ.
ولا نكون موضوعيين لو قلنا إن تلك الأبواق فشلت، لأن ما نراه حولنا يؤكد أنها نجحت إلى حد بعيد فى إشاعة السواد، ونغمة الإحباط وهناك بالفعل مشاعر سلبية بدأت تسود فى قطاعات مختلفة، دون أن نجد فى المقابل أى تحرك فعال لمحاربة الشائعات ومواجهة تلك الحرب النفسية التى تمارسها قوى معادية تحاول أن تعيق مسيرتنا وأن توقف قدرتنا على تجاوز أى مشكلات تواجهنا.
لا يوجد أى تحرك فعال، لكن الصيد فى الماء العكر موجود، وهناك من يستغل قيام القوى المعادية بحربها النفسية، لإحداث وقيعة يتمناها بين نظام الحكم والشعب، لاستغلال حالة السخط حال انتشارها بين صفوف الجماهير للضغط على النظام لتحقيق مكاسب لفئات محدودة ومعروفة، تريد أن تستكمل مخطط إسقاط مصر اقتصاديا من خلال الاستحواذ على الأصول والأسواق، واستمرار التحالف الذى نشأ خلال حقبة استيلاء رجال الأعمال على مقاليد الأمور فى مصر وهو التحالف الذى لم يكن لبناء صناعة وطنية بل لتعظيم استفادة شركات أجنبية يعملون وكلاء لها!
ولو عدنا إلى سنة 2000 لوجدنا أن الهدف المعلن كان زيادة الصادرات لعلاج الميزان التجارى والحفاظ على قيمة الجنيه المصرى، إلا أن ما حدث كان عكس ذلك، وتزامن مع زيادة حدة الفوضى والإضرابات وانفراط منظومة الدولة، والأخطر تمثل فى تدخل سفارات أمريكا وأوروبا وجمعياتها لتأجيج حالة الفوضى وصولا إلى الهدف الأكبر وهو هدم كيان الدولة المصرية والسعى إلى تصفية القوات المسلحة كما حدث فى العراق وغيرها.
تطلب هدم مصر وتقسيمها توريط الدولة فى مواجهة اضطرابات داخلية تتزامن مع كوارث اقتصادية وسياسية وأمنية وصفقات وخيانات كانت ستؤدى إلى ضياعها وانهيارها وتحقيق هدف الغرب بتقسيمها وتقزيمها.
ولعل ما يكشف بقدر من الوضوح طبيعة الدورالذى تلعبه أبواق الخارج هو ما قاله جون بيركنز مؤلف كتاب «اعترافات قناص اقتصادى» الذى اعترف بأنه نجح فى تبديد ثروات العديد من دول العالم الثالث، بإقناع الحكومات بالاستثمار فى مشروعات كبرى فاشلة وخاسرة وبقروض تعجز عن سدادها، وأنه كان يفعل ذلك بإعداد دراسات جدوى تؤدى هذا الغرض لإجبار تلك الدول على قبول تنازلات خطيرة تمس سيادتها عند تفاقم أوضاعها المالية!
سنتجاهل، مؤقتاً، حديث التحالفات، والامتدادات والشراكات القديمة (بعضها لايزال مستمرا) مع تنظيم الإخوان، كما سنتجاوز عن العديد من الممارسات والاتفاقات المقلقة مع بعض سفراء دول لا تريد لنا خيراً.
سنتجاهل هذا ونتجاوز عن ذلك، ونكتفى مؤقتا بلفت النظر لما لا نعتقد أنه غائب عن بصر وبصيرة أصحاب القرار.. عن الشركات متعددة الجنسيات التى تتجاوز حدود الدولة الأم التى تأسست فيها إلى دول أخرى مختلفة والتى توصف أحيانا بأنها شركات «متعدية» الجنسية.. أى متجاوزة لجنسيتها.. وهى من الثراء والقوة بشكل يجعلها أكثر ثراء وقوة من عشرات الدول مجتمعة.. ولها من النفوذ ما يجعلها قادرة أحياناً على تغيير القوانين التى تتعارض مع مصالحها.. وتغيير السياسيين الذين يقفون فى طريقها.. بل وتغيير الحكام الذين يرفضون تحويل بلادهم إلى أسواق لها.. وفى كثير من الأحيان، أصبح وكلاء تلك الشركات فى بعض الدول أقوى من الدولة ذاتها.
ولا بد من أن نعترف هنا بأن المخططين ليسوا هواة، بل محترفون يملكون معطيات عما يمكن أن تحققه السياحة والمشروعات القومية الكبرى من نتائج تعود على ضخ أموال فى الاقتصاد المصرى يتم ترجمتها إلى مشروعات تفك الحصار غير المعلن وأيضاً ترفع المعاناة عن المصريين، فضربوا ضربتهم لإصابة السياحة وأيضاً الاقتصاد المصرى.
ولا يبتعد كثيراً ارتفاع أسعار الدولار عن هذا الحصار غير المعلن، سواء بجمعه من السوق لتعطيشها ومن ثم ترتفع أسعاره حتى يتم ضخ دولارات جديدة لإحداث توازن فى أسعاره وتتوازن أسواق العملات تمهيدا للاستقرار.
والأكثر خطورة هو ما يتم الآن بالإيعاز للشركات الكبرى فى مصر بالانسحاب لسوء الأوضاع الاقتصادية.
****************
2
حروب رجال الأعمال والدولة
فى هذه الأجواء تجرى حروب اقتصادية عنيفة ما بين رجال أعمال ومؤسسات الدولة، يتم فيها استخدام الآلة الإعلامية التابعة لهم وهو ما لا يمكن إبعاده أو استبعاده من مخطط الحصار الاقتصادى غير المعلن الذى يحاولون فرضه على مصر.
وقد لا نكشف سراً لو قلنا إن أطراف المؤامرة نجحوا فى إنشاء جهاز إعلامى يروج ويشارك فى تنفيذ مشروعهم ومخططهم لضرب الاقتصاد المصرى، مستغلاً فى ذلك 10 أزمات موجودة بالفعل منذ عشرات السنين، أبرزها الفقر وأزمة السكن وتكلفة الزواج والفواتير الشهرية، وارتفاع الأسعار وتكلفة الدروس الخصوصية وتكلفة العلاج وارتفاع تكلفة المواصلات والانتقالات وانتشار البلطجة وعدم الاستقرار وقضية هيكلة الدعم. والقائمة تضم الكثير من الأدوات الإعلامية التى تشارك فى تأجيج الشارع المصرى، وتستغل عدم ثقافة المواطن البسيط وتوجهه إلى الأزمات التى هى بالفعل موجودة ولم تكن وليدة اليوم أو تظهر فجأة، وهو ما يعنى أن تناولها ليلاً ونهاراً فى بعض وسائل الإعلام، يؤكد أن هناك نوايا سيئة من الحديث المستمر عنها، خصوصاً أن من يشاركون فى التآمر على مصر يستغلون عدم ثقافة الشارع المصرى ويقدمون له أكاذيب على أنها حقائق لا تقبل المناقشة.
وسائل الإعلام المشبوهة لا تتحدث فقط عن أزمة عجز الموازنة. لكنها تتطرق دائماً إلى الحديث عن أزمة الدولار وارتفاع الأسعار وتحميل الحكومة مسئولية ذلك بشكل مباشر، دون الحديث عن الأسباب التى أدت إلى ذلك ودون التطرق إلى الإجراءات التى تتخذها الحكومة لضبط الأسعار أو سوق الصرف.
ولا نبالغ لو قلنا إن الإعلام إحدى أهم أدوات ضرب السياحة المصرية، والجهاز الإعلامى الذى يستخدمه المعارضون لمصر قوى فى الخارج، ويحاولون إظهار مصر على أنها دولة غير مستقرة وغير آمنة والاستثمار فيها يعنى مغامرة غير محسوبة. أضف إلى ذلك أن عدم ثقافة المواطنين البسطاء وعدم درايتهم بالأمور دراية كاملة تسبب فى تفاقم الأزمات، حيث إن عدم معرفتهم بمعنى عجز الموازنة والتضخم وغيرها من الأزمات، يجعل المتربصين ينجحون فى إقناعهم وتهويل الأمر أمامهم بأن هناك كوارث وشيكة سوف تحدث، والنغمة الاقتصادية هى المصطلح الأكثر استخداماً فى استغلال الأزمات.
قائمة المنتفعين من الداخل يأتى على رأسها كما قلنا أسماء بعض رجال أعمال النظام الأسبق، الذين فقدوا كثيراًً من الامتيازات التى كانوا يحصلون عليها، ونضيف إليهم جهات وشركات تعمل لحساب دول أخرى فى المنطقة أو خارجها، وتمولها هذه الدول، وتعمل على زيادة الأزمات، فى إطار تنفيذ المخطط الهادف إلى تركيع مصر اقتصادياً.
غير أن ما يستدعى الأسف، هو أن كل هذه الأحداث رغم وضوحها الشديد، لا يواجهها المسئولون إلا بحالة لا مبالاة أو إهمال أو عدم الإحساس بالمسئولية، أو عدم تقدير للعواقب، وكذلك عدم تقدير ما يترتب على كل ذلك من نتائج وحوادث يصل معظمها إلى دائرة الكوارث، بينما التخطيط التآمرى لا يتوقف، ويجدد نفسه باستمرار طبقا للواقع الذى نعيشه.. وكأنه حرباء تتلون بالبيئة التى تتعايش فيها، بينما المسئولون مستمرون فى سياسة إغماض الأعين عما يحاك ضد مصر من حصار غير معلن وعن أنيابه التى تكشف عن مخالبها بلا خجل، وكادت تحتكر أهم أدوات الحرب النفسية وهى وسائل الإعلام!
ولعلها نكتة أن نجد من يحاولون غسيل سمعة مؤسسات تلعب ضد مصر، بعد افتضاح أمرها!
مثلاً، لماذا يقوم البعض باستدعاء فقرات من مقال قديم أو دراسة قديمة لمركز أو معهد كارنيجى، تتناول بشكل ضمنى جوانب إيجابية عن قطاع النفط والغاز الطبيعى فى مصر؟!
ومن الأساس كيف يمكن أن تنتزع فقرات من مقال لتقول إن المركز أو المعهد يقول كذا أو كذا، على الرغم من أن المقال يحمل توقيع باحث غير مقيم بالمركز.
بشكل أكثر وضوحاً، فإن كارول نخلة صاحبة المقال الذى انتزع منه البعض فقرات، باحثة غير مقيمة فى مركز كارنيجى. وهى فى الأصل خبيرة فى اقتصاد الطاقة فى لندن، ومتخصّصة فى العقود النفطية الدولية والأنظمة المالية لقطاع النفط والغاز، وأسواق النفط والغاز العالمية، وسياسة الطاقة، وإدارة عائدات النفط والغاز.
وتشغل نخلة منصب مديرة شركة «كريستول للطاقة» Crystol Energy، وتعمل أيضاًً خبيرة خارجية لقسم الشئون المالية فى صندوق النقد الدولى، ومستشارة للبنك الدولى، ومستشارة اقتصادية لأمانة سرّ الكومنولث. كما تعمل محاضرة مساعدة فى اقتصادات الطاقة فى جامعة سورى، وباحثة فى المركز اللبنانى للدراسات السياسية. وهى تساهم بانتظام فى موقع Geopolitical Information Service، وتتولّى إدارة منظمة Access for Women in Energy غير الربحية، وتعمل مستشارة لبرنامج المركز الدولى للضرائب والاستثمار، ومقرّه واشنطن.
وبين العامين 2009 و2011، عملت نخلة محللة فى شئون الصناعة، فى شركة «ستات أويل» Statoil، ولاحقاً مديرة خارجية للمؤسسات، فى شركة «إنى» Eni. بين العامين 2005 و2008، تولّت منصب باحثة زميلة أولى فى اقتصاد الطاقة فى جامعة سورى، وعملت مستشارة برلمانية خاصة فى شئون الطاقة والشرق الأوسط فى مجلس اللوردات فى المملكة المتحدة، وهو منصب عادت وتوّلته لسنة واحدة فى العام 2012.
ولكارول نخلة كتاب Petroleum Taxation: Sharing the Wealth (منشورات Francis & Taylor، 2008)، وكتاب Out of the Energy Labyrinth (منشورات I.B. Tauris، 2007)، الذى شاركها فى تأليفه اللورد دايفد هاول، وزير الدولة السابق فى وزارة الخارجية والكومنولث. ونشرت أيضاًً مقالات فى صحف ومجلات متنوّعة، منها (Oil, Gas and Energy Law (OGEL، وWorld Review. إضافة إلى ذلك، تعمل نخلة مراجِعة خبيرة فى مجلات ودور نشر عالمية رائدة يتولّى تقييمها خبراء فى المجال نفسه.
مقال كارول نخلة الذى زعم البعض أنه شهادة لمصر صادرة من مركز كارنيجى لدراسات الشرق الأوسط، ذكر بوضوح أن الاكتشافات الحديثة فى مصر فى قطاع النفط والغاز الطبيعى تحدث تحولا فى المشهد الخاص بالطاقة فى منطقة شرق البحر المتوسط، مشيرا إلى أن مصر لها وضع مختلف عن جيرانها على البحر المتوسط فيما يتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز وإنتاجه.
وأضافت نخلة فى تقريرها أن نشاط مصر النفطى ممتد منذ أكثر من قرن، وتتمتع البلاد بوفرة، حيث لا تزال الشركات الدولية والمحلية تتعاون من أجل مزيد من الاكتشافات. ومن منظور إقليمى، فإن وجود منافس بجوارهم يمثل تحدياً لدول مثل لبنان وقبرص وإسرائيل. لكن من الممكن أن يؤدى هذا إلى مزيد من الفرص لو تحقق التعاون.
وفى المقال أيضاً إشارة إلى أن مصر تملك احتياطيا كبيرا من الغاز يقدر بأكثر من 65.2 تريليون قدم مكعب، بحسب تقرير شركة «بى بى» عن الطاقة العالمية، وهو ما يمثل ثالث أكبر احتياطى فى أفريقيا بعد نيجيريا والجزائر، ورقم 17 على مستوى العالم.
وعلى العكس من الدول العربية الأخرى يضيف المقال فإن مصر وطدت علاقتها مع شركات النفط الدولية. كما أن مصر لديها تنوع فى الشركات التى تعمل بها. فهناك أكثر من 100 شركة دولية للنفط تعمل فى قطاع النفط والغاز فى مصر.
من ناحية أخرى، لا تقتصر مساهمة مصر للنفط العالمى وإمدادات الغاز على إنتاجها فقط. فهى طريق هام لنقل النفط وإمدادات الغاز عبر قناة السويس وخط أنابيب السويس البحر المتوسط، ليعزز الأهمية الاستراتيجية للبلاد من أجل تحقيق استقرار أسواق الطاقة العالمية.
كما تناولت كارول نخلة فى مقالها حقل ظهر المكتشف حديثا، وقالت إنه لن يغير فقط الحقائق المتعلقة بسوق الغاز الداخلى فى مصر، بل سيجبر جيرانها على إعادة النظر فى خطط استكشاف الغاز الخاصة بهم. وتستطيع مصر الآن أن تصبح مركزا للغاز لدول شرق المتوسط.
التناول كما أوضحنا إيجابى، لكنه يخص كارول نخلة ولا يجوز أن ننسب محتواه لمركز كارنيجى، الذى لا يكاد أسبوع يمر دون أن ينفث سمومه عن مصر سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا وخلافه!
غير أن الأهم والأخطر، هو ليس ما ينشره المركز فى موقعه الرسمى أو ما ينقله من مواقع أخرى بينه وبينها اتفاقات واتفاقيات تبدو مريبة.. الأهم والأخطر هو ما يقوم به المركز من نشاط غير معلن أو لا يتم نشره فى دراسات أو مقالات!
******************
3
تقرير مؤسسة موديز
والمركز ككل الكيانات المتربصة بمصر والتى تدعى الحياد والموضوعية، تعمل بالطريقة نفسها التى تعمل بها مؤسسات التصنيف الائتمانى الدولية والتى لا نعرف أساسها العلمى أو غير العلمى، وآخرها كان تقرير مؤسسة موديز الدولية للتصنيف الائتمانى وخدمات المستثمرين وهو التقرير الذى أبقى على التصنيف الائتمانى طويل الأجل لمصر وإصدار السندات عند مستوى B3، مع نظرة مستقبلية مستقرة. وأرجع التقرير تثبيت التصنيف إلى أن مستوى B3 يلائم إلى حد كبير المخاطر الائتمانية فى مصر، والتى تواجه عدة تحديات هيكلية عميقة.
المؤسسة الدولية وصفت الاتفاق على مستوى الخبراء الذى تم التوصل إليه مع صندوق النقد الدولى والذى تم الإعلان عنه فى 11 أغسطس، بأنه إيجابى على تصنيف مصر الائتمانى، لأنه من وجهة نظرها سيسهم فى تخفيف ضغوط السيولة الخارجية وسيحفز أجندة الإصلاح، لأنه بموجب خط الائتمان الممتد الذى تم الاتفاق عليه، تستطيع مصر الحصول على 12 مليار دولار، بمجرد موافقة المجلس التنفيذى للصندوق على القرض، وهو ما تتوقعه المؤسسة فى غضون 6-8 أسابيع.
وعلى الرغم من أن مؤسسة «موديز» توقعت أن ينمو الاقتصاد المصرى بمتوسط 4.2 فى الفترة من 2016 إلى 2020، وعلى الرغم من إشادتها بتضاؤل المخاطر فى صنع السياسات، واستقرار الوضع السياسى العام على نطاق واسع، إلا أنها تصر على وضعنا فى مستوى B3 الذى ترى أنه يلائم إلى حد كبير المخاطر الائتمانية فى مصر! مع الوضع فى الاعتبار أنها أشارت إلى انخفاض مستوى الديون الخارجية والمقومة بالعملة الأجنبية وهوما يخفف من المخاطر المالية، وأشارت أيضاًً إلى أن القطاع المصرفى المصرى أظهر القدرة على توفير التمويل اللازم حتى فى الأوقات العصيبة، بما قلل من مخاطر الأزمة المالية.
ومع القليل من العسل، يظهر الكثير من السم فى التقرير الذى ذكرت فيه المؤسسة أن قرارها بتثبيت التصنيف يرجع إلى عدة تحديات فى عديد من المجالات الرئيسية، على رأسها انكشاف مستوى السيولة الخارجية، وتصاعد المخاطر الأمنية، وضعف بيئة الأعمال وتقييد إمكانات النمو فى مصر، فزعمت أن هناك تأثيرا سلبيا للحوادث الأمنية على قطاع السياحة، وأن إيرادات قناة السويس تتراجع، وتوقعت استمرار تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وعدم استعادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنفس القوة التى كانت عليها قبل 25 يناير 2011 ولم يفتها أن تشكك فى سياسة البنك المركزى المصرى بخصوص سعر الصرف زاعمة أنها كانت لها عواقب سلبية على كل من الاستثمار الأجنبى المباشر والاستثمار الأجنبى فى المحافظ المالية. كما لم يفت المؤسسة الدولية أن تتوقف أمام التشنيعات المتعلقة بما يوصف بالمخاطر الأمنية فى سيناء التى افترضت أنها مستمرة، وأن مصر تتعرض لعنف طائفى!
صحيح، أنه لا يخفى على أحد أن عددا من رجال الأعمال تعمدوا الإضرار بالاقتصاد المصرى من خلال قيامهم بسحب استثماراتهم ومشروعاتهم من مصر وتهريب أموالهم إلى الخارج، فى محاولة منهم لعرقلة النظام الحاكم بعد الإطاحة بالرئيس المعزول وجماعته من سدة الحكم، إضافة إلى استغلال بعض ضعاف الأنفس الأزمات الاقتصادية لصالحهم باستحواذهم على الكرة بطرق غير شرعية.
ومما يؤسف هو أن هناك رجال أعمال وشركات تعمل لصالح قطر التى لا تزال تقاتل من أجل تنظيم الإخوان، بل وهناك مستثمرون يعملون فى مصر بمنتهى الوضوح لحساب (وبأموال) قطر وتركيا! ولم يكن هؤلاء سوى واجهة تنفذ المخططات القطرية والتركية فى مصر، وبالتالى كان القرار من هذه الدول بسحب هذه الاستثمارات بهدف ممارسة الضغوط على الاقتصاد المصرى.
كما أن مؤسسات وجهات التصنيف الدولية، ليست بعيدة عن المشاركة فى مخطط ضرب الاقتصاد المصرى، فبمجرد أن يصدر تقرير إيجابى فى الصباح، سرعان ما تصدر نفس الوكالة تقريراً آخر سلبياً فى المساء!
مع الوضع فى الاعتبار أن غالبية وكالات التصنيف الائتمانى لا تستند إلى معايير عادلة فى تقييمها تجاه مصر، وبعض هذه الوكالات على وشك إعلان إفلاس مصر، رغم أن الواقع والنظريات الاقتصادية، تؤكد أن الأوضاع فى مصر تتجه إلى الاستقرار والتحسن بشهادة البنك الدولى وصندوق النقد الدولى!
*****************
4
اجتماع تل أبيب
وعلينا أن نضع عشرات الخطوط الحمراء تحت ذلك الاجتماع الذى انعقد فى العاصمة الإسرائيلية «تل أبيب» وناقش الأوضاع الاقتصادية التى تمر بها مصر وسوريا وليبيا والمنطقة العربية بأكملها وما تشهده من تدهور فى الأوضاع الاقتصادية والأمنية والمستجدات التى طرأت على المنطقة بعد 30 يونيو وإسقاط نظام الإخوان فى مصر، وهو الاجتماع الذى تولى تنظيمه مركز «هيرتزيليا»، وهو مركز إسرائيلى أوروبى للدراسات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية.
وأبرز ما يلفت النظر أن رجال الأعمال الذين حضروا الاجتماع يمتلكون رءوس أموال ضخمة ويسيطرون على الشركات والمشاريع الاقتصادية فى عدد من الدول العربية ودول حوض النيل، وكلهم تقريبا يحملون جنسيات أخرى غير الجنسية الأصلية، أما رجال الأعمال الأوروبيون والإسرائيليون والأمريكيون، فمن كبار القيادات الاقتصادية المعروفة باهتمامها بالاقتصاد العربى وغالبيتهم لهم استثمارات فى المنطقة، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء.
وبين العناوين المهمة التى تناولها الاجتماع، المخاطر التى تواجه إسرائيل، بعد سقوط عدد من الجماعات والتنظيمات الحليفة، وصعود أنظمة حاكمة لا تروق للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
تناول الاجتماع بشكل تفصيلى الأزمات الاقتصادية التى تمر بها مصر، وكيفية استغلال سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية للضغط على مصر حتى تستجيب للسياسات المتفق عليها بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتركيا وقطر. وشدد المجتمعون على ضرورة شراء احتياطى مصر من البترول والغاز الطبيعى، والتعاقد مع الشركات التى سبق أن وقعت عقوداً مع مصر والدخول معها فى مفاوضات وتحالفات تستهدف دفع تلك الشركات إلى عدم تنفيذ التزاماتها تجاه مصر. وبالفعل، تم الاتفاق على عدد من الصفقات والتحالفات الاقتصادية مع رجال أعمال أفارقة يعملون فى دول شرق إفريقيا ودول حوض النيل كالسودان وإثيوبيا وأوغندا لعرقلة الخطوات الإصلاحية التى تقوم بها مصر. كما اتفق المشاركون فى ذلك الاجتماع على التوسع فى الاستثمار بدول الخليج العربى كالإمارات والكويت والسعودية، حتى تتمكن فيما بعد من السيطرة على دعمها لمصر!
فى ذلك الوقت، كانت الدولة تبحث عن مصدر آخر لدعم اﻻحتياطى من الدولار، بالحصول على قرض من صندوق النقد الدولى الذى تبلغ مساهمة مصر فيه 5.2 مليار دوﻻر، ويحق لها الحصول على قرض فى حدود تلك القيمة، لكن الصندوق كانت له بعض الشروط منها مرونة سعر صرف الجنيه مقابل الدولار والقضاء على السوق السوداء، والإلغاء التدريجى لدعم الطاقة. وهنا، وجد المتآمرون أنه الوقت الأنسب لضرب الاقتصاد المصرى، فكانت بداية المستوى الذى أشرنا إليه وهو المضاربة على الدولار ليرتفع أمام الجنية لأرقام لم يصل إليها من قبل، كان الهدف منها ارتفاع أسعار جميع السلع بما فيها السلع اليومية الضرورية، لتحدث موجة كبيرة من ارتفاع الأسعار وتتأجج الناس وتتهيأ للإثارة أو لثورة جياع. وهو المخطط الذى تم اللجوء إليه بعد أن نجحنا فى إفشال مخططات التخريب. وضع فى اعتبارك أننا نستورد كل شىء تقريبا، بما يعنى أن ارتفاع الدولار أمام الجنيه قد يُحدث كارثة فى الأسعار.
أما المؤسف، فهو أن تجد التشنيعات والشائعات الخارجية تتزامن مع موجات من التشنيعات والشائعات الداخلية، عبر ماكينات الإعلام التابعة لرجال أعمال أو أن يُدار الأمر بجهل وغباء ليصب فى غير صالح الدولة، نفاجأ أيضاً بأداء مريب للجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب!
وإلا بماذا تفسر قيام اللجنة خلال اجتماعها الذى ينعقد الثلاثاء 23 أغسطس، بمناقشة ما وصفته بملف الخسائر الفادحة والمتكررة للشركات التابعة لقطاع الأعمال العام والتى تزعم أنها تجاوزت المليارات؟!
بماذا تفسر تقديم أمين سر اللجنة لطلب إحاطة بشأن ما وصفه بتدنى أرباح شركات القناة للتوكيلات الملاحية؟!
وبين ما تشيعه اللجنة أيضاً، هو أن خسائر 68 شركة تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، تجاوزت الـ6 مليارات جنيه!
يحدث ذلك، بينما أجد أمامى ورقة بحثية تؤكد أن اتفاق الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولى جنّب مصر خفض تصنيفها الائتمانى وأن نجاح الحكومة المصرية بالتعاون مع البنك المركزى فى طرح برنامج مصرى خالص للإصلاح الاقتصادى والحصول على موافقة صندوق النقد الدولى على هذا البرنامج عزز من ثقة المؤسسات الدولية فى الاقتصاد المصرى ودفع مؤسسات التقييم لمراجعة رؤيتها بشأن مستقبل الاقتصاد.
كما يشير الواقع أيضاً إلى أن كبريات شركات الطاقة العالمية تسعى خلال الفترة الأخيرة لوضع «خطط بديلة» لأعمالها المتعلقة باستخراج النفط وتصديره، وذلك بعد أن تكبدت تلك الشركات خسائر ضخمة خلال العام الماضى بسبب تراجع أسعار النفط وفقدانه لأكثر من 70% من قيمته منذ منتصف سنة 2014.
وبحسب تقرير لشبكة «إنفيستينج» الاقتصادية الدولية المعنية بتطورات الاقتصاد العالمى فقد «اختلفت توجهات شركات الطاقة فى محاولة ضمان تحقيق النمو مستقبلا، حتى إن بعض الشركات قلصت من أعمالها، فيما اتجهت شركات أخرى لتكثيف النشاط على نطاق ضيق جغرافياً فى محيط الدولة التى تحتضن مقر الشركة».
وأضاف التقرير أن الاتجاه الأخير لجأت إليه عدة شركات أمريكية، مثل «شيفرون» و«كونوكوفيلبس» و«هيس كورب»، حيث انسحبت الشركات الثلاث من مشروعاتها الأكثر تكلفة فى أعالى البحار والتركيز على حقول النفط الصخرى فى محيط الولايات المتحدة.
وتابع «فى المقابل، تراهن عملاقة النفط البريطانية «بريتيش بتروليوم» على مشروعاتها فى حقول الغاز قبالة الساحل المصرى».
وأوضح «تعد «بريتيش بتروليوم» واحدة من بين عدد قليل من شركات الطاقة التى اتفقت على تنفيذ مشروعات ضخمة خلال عام 2015، بعد أن اتخذت قراراً باستثمار 12 مليار دولار فى مشروع غاز غرب الدلتا فى مصر، ما يعنى أن استراتيجية الشركة اعتمدت على حقول الغاز الطبيعى فى مصر لضمان تحقيق جزء كبير من النمو المستهدف مستقبلاً».
ويرى محللون أن «بريتيش بتروليوم» ليس لديها الخطة التى تعتمد على مشروعات طويلة المدى مثل «شيفرون» على سبيل المثال، التى لجأت للاستثمارات المتتالية قصيرة المدى فى حقول النفط الصخرى فى الولايات المتحدة، لكنها اعتمدت على خطة ابتعدت بها عن هوة التراجع التى تضرب شركات الطاقة، خاصة بعد أن باعت الشركة ما تزيد قيمته على 50 مليار دولار من أصولها خلال السنوات الخمس الماضية عقب أزمة تسرب النفط فى خليج المكسيك عام 2010.
هناك أيضاً موقع ««أويل برايس»» الذى يؤكد أن النيل ظل مصدر الحياة لشعب مصر على مدى التاريخ المعروف، لكن قبل وقت طويل من ظهور أول فرعون كان النيل يرسى الأساس لمورد سيمثل رافداً لشعبه اليوم وهى طبقة من المادة العضوية يراكمها مرة بعد الأخرى.
وأضاف الموقع الذى يعتبر أبرز المواقع الإلكترونية المعنية بأخبار النفط والغاز أن كشف الغاز الذى أعلنت عنه شركة إينى الإيطالية فى حقل ظهر ضمن امتياز شروق فى المياه الإقليمية المصرية يدفع بمصر من كونها دولة تواجه تحديات كبيرة فى تلبية احتياجات الطاقة المتزايدة دوما لتكون ﻻعباً إقليمياً فى سوق الطاقة. مشيراً إلى أن الدراسات التى ستجرى بشأن الكشف الذى يعتبر الأكبر من نوعه فى البحر المتوسط ربما تثبت أنه من أكبر الحقول على مستوى العالم أيضاً. كما أشار إلى أن ذلك الكشف يمثل خبرا سيئا لقطاع الغاز فى كل من إسرائيل وقبرص حيث يؤثر على فرص التصدير لهما.
وقال موقع «أويل برايس» إن الإمكانيات النفطية فى قاع البحر فى شرق المتوسط لم تشهد استغلالاً جادا إﻻ منذ عام ١٩٦٧. ومن المؤكد أن الاحتياطيات المعروفة حالياً تمثل مجرد قمة جبل الجليد. وذكر الموقع أن كشف الغاز المصرى يغير ميزان موارد الغاز الطبيعية فى المنطقة. وقال إن النيل يمنح مجددا إمدادات لشعبه.
*******************
5
الشركات متعددة الجنسيات
تقرير «أويل برايس»، يكفى جداً لجذب الاستثمارات، غير أنه لن يصمد أمام ذلك الإنفاق ببذخ على وسائل إعلام عالمية لإبعاد المستثمرين عن مصر بدعوى سوء الأحوال الأمنية، وضرب السياحة الوافدة إلى مصر باعتبارها أحد الموارد الاقتصادية المهمة فى البلاد.
والمخطط لا يحكمه فقط عملية سياسية، بل هناك جهات وأشخاص انتهزوا الفرصة ووجدوها فرصه للإثراء السريع باستغلال الأزمات الاقتصادية وعلى رأسهم كل المتربحين من الأنظمة السابقة.
المتآمرون على مصر وجدوا فى الجانب الاقتصادى بيئة خصبة لممارسة الضغوط وانضم إليهم رجال أعمال مصريون وعرب وأجانب، اعتقدوا أن الفرصة جاءتهم على طبق من ذهب ليقوموا بالضغط على الرئيس كى يخضع لمطالبهم ويحصلوا على المزايا والامتيازات التى كانوا يحصلون عليها قبل ذلك. ونشير هنا إلى أن حجم أعمال بعضهم كان قد تجاوز 70% من إجمالى مشروعات التنمية فى الدولة.. وأن تلك النسبة انخفضت إلى أقل من 30% فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى!
والإشارة هنا واجبة إلى أن الاستعانة بالمؤسسة العسكرية فى مواجهة الأزمة الاقتصادية، كانت ضرورية أو حتمية، نظراً لطبيعة السوق المصرية واختفاء دور القطاعين العام والتعاونى لحساب القطاع الخاص، الأمر الذى فرض قيام المؤسسة العسكرية بدور «الموازن» فى السوق.
هذا الدور الذى كان له، دون شك، عائد إيجابى على الدولة وعلى المواطنين.. وأغضب عدداً من رجال الأعمال ورأوا فيه تهديداً لممارساتهم الاقتصادية القائمة فى غالبيتها على الاحتكارية!
وما من شك فى أن الدول والجهات ورجال الأعمال الذين يتآمرون على مصر، وأعلنوا الحرب عليها طيلة الفترة الماضية، نجحوا فى دراسة الوضع الاقتصادى بدقة، وتبين لهم أن البيئة اﻻقتصادية خصبة وتتميز بالضعف العام واستغلوا توقف المساعدات والدعم العربى لمصر، بسبب الحروب الإقليمية وانخفاض أسعار النفط عالمياً. كما استغلوا تراجع الاحتياطى النقدى من الدوﻻر الأمريكى، بسبب نقص الإيرادات العامة وتراجع عائدات السياحة وانخفاض تحويلات المصريين فى الخارج، مقابل ارتفاع فاتورة استيراد السلع الضرورية، وكذلك استحقاق أقساط ديون سندات دولية بقيمة 1.52ملياردوﻻر أمريكى، وبدأوا المضاربة عليه فى السوق السوداء والمتاجرة فى سوق الصرف والضغط على الدولة بعد تراجع احتياطى النقد الأجنبى إلى مستوى 16مليار دوﻻر.
رجال الأعمال الذين نهبوا أموال وثروات الشعب يعتقدون أنهم قادرون على إحراج النظام الحالى باستخدام تلك الأموال وبما لديهم من وسائل يمكنها إحداث بلبلة فى الشارع، كالصحف والقنوات التليفزيونية المملوكة لهم وكذا شبكات المصالح السياسية والمالية، المرتبطة بهم!
ولعلنا نلاحظ أن نظام الرئيس السيسى يتعامل مع رجال الأعمال باعتبارهم أمراً واقعاً يجب الاستفادة منه بأى شكل أو على الأقل تقليل الأضرار التى قد تنتج عنهم إلى أقل درجة ممكنة، خاصة أن أمام الرئيس تلالاً من الأولويات، تجعل ملف رجال الأعمال يتراجع أو يتم تأجيل البت فيه!
أما الاختبار الحقيقى للنظام، فهو قدرته على تنفيذ القانون.
صحيح أنه لا توجد عصا سحرية يمكنها أن تقوم بتفعيل القانون بسبب التجريف الذى حدث طوال 40 سنة على الأقل لكن تنفيذ القانون، سيتحقق عندما تكون هناك شفافية وتصبح لدينا معايير للأداء فى كل مؤسسات الدولة.
والحذر أيضاً واجب من تزاوج السياسة بالاقتصاد وعودة نفوذ رجال الأعمال وتزايد تأثيرهم على القرار السياسى، خاصة مع الانتخابات البرلمانية التى أعلن عدد من رجال الأعمال مشاركتهم فيها سواء بشكل مباشر أو بدفع ممثلين عنهم بصيغ مختلفة.
وعلينا الحذر أيضاً من أن تفادى تزاوج السلطة بالمال لن يتحقق إلا بالوعى والإعلام.. وبالتالى لك أن تتخيل حجم الكارثة لو ظلت وسائل الإعلام تحت سيطرة رجال أعمال بعينهم!
المعارك بين مؤسسة الرئاسة وكتلة رجال الأعمال، كانت متوقّعة منذ البداية. وظهرت لعبة عض الأصابع أو حالة الشد والجذب بين الجانبين فى مناسبات عديدة. ويستطيع المتابع بسهولة أن يرصد دخول عدد من وسائل الإعلام على خط المواجهة بين الجانبين، وليس صعباً الوصول أو معرفة قدر تشابكات مصالح عدد من تلك الوسائل مع كلا الجانبين. وغير الحفاظ على المشروعات والاستثمارات، يحاول رجال الأعمال أيضاً مساومة النظام السياسى على تحقيق مطالبهم وغالباً ما تصطدم هذه المطالب بتردى الأوضاع الاقتصادية.
إن عدداً كبيراً لم تكن مشروعاته ستحقق أى نجاح إلا بالمشاركة مع نظام فساد ضرب الفساد كل مؤسساته، فحصلوا على تسهيلات من كل مؤسسات الدولة، وتهربوا من الضرائب وحققوا أرباحاً خرافية نقلتهم سريعا من نادى المليونيرات إلى نادى المليارديرات!
وهاهم يحاولون الآن أن يلعبوا دوراً داخل النظام السياسى الحالى. أو يحاولون التعايش مستخدمين وسائل إعلام ومنابر السياسة، يستخدمونها أحياناً للضغط على النظام مرة بغمزة خفيفة ومرة بتلميحات برفع السقف وأحياناً بما يشبه التهديد!
ولم يعد خافياً على أحد أن رجال أعمال «بعينهم» قلقون، من خطوات السيسى أو مشروعه الإصلاحى، وبعضهم يشكون بوضوح من أنهم لم يعد بإمكانهم التأثير على السياسات الحكومية على خلاف ما كان عليه الحال فى الماضى.
وكلنا نتذكر بالطبع أن صفقات كثيرة، تمت فى عهد مبارك من تخصيص أراض وخصخصة شركات وكلها تمت بشكل مريب وبعيد كل البعد عن الشفافية ويخالف القانون أو بقوانين تم تفصيلها.
غير أن تحريك الدعاوى القضائية ضد بعض هذه الصفقات بعد 25 يناير، أثّر سلباً على الاستثمار لفترة، بشكل جعل من أداروا البلاد يعيدون النظر، وبدأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقتها فى وضع إطار للتصالح مع رجال الأعمال وأصدر قرار رقم 4 فى يناير 2012، الذى ركز على فكرة رد الأموال، وانقضاء الدعوى الجنائية بعد إتمام التصالح!!.. وهو الوضع الذى أبقاه مجلس شعب الإخوان كما هو عليه.. بل سعى للتصالح مع رجال أعمال عهد مبارك!
ونخطئ، لو اعتقدنا أن كل تلك الخطوط والخيوط لا تقود فى النهاية إلى الولايات المتحدة. تحديداً، إلى الوحدة المختصة بالشأن المصرى فى المخابرات المركزية الأمريكية، التى لا تعدم الخطط البديلة، والتى بدت كأنها كانت مستعدة للتعامل مع فشل خطة السيطرة عبر الإخوان، بسيناريو بديل، يعتمد على إنتاج حالة من الارتباك السياسى تمكنها من إعادة طرح صيغة جديدة.
فى مصر، مثلاً، دخلت الشركات متعددة الجنسيات فى صناعات الحديد والأسمنت والدواء والغذاء والإلكترونيات والسيارات والنسيج والأثاث والمنظفات الصناعية والبنوك والعقارات وقبلها البترول والغاز الطبيعى. ويكفى أن تعرف أن لدينا على الأقل 200 شركة متعددة الجنسيات شديدة النشاط فى مصر، لها أكثر من 80 ألف وكيل محلى، وهو ما يعنى أننا دخلنا فى حزام تلك الشركات أو وقعنا تحت سيطرتها، وقد حدث ذلك الوقوع أو الاختراق من بوابة الاستثمار الأجنبى بعد أن تغيرت قوانين الضرائب والجمارك والتحكيم فى المنازعات لتشجيعه وتم توقيع العديد من اتفاقيات حمايته.. وبعد أن أنشئت وزارة خاصة للاستثمار.. وبعد أن تفرغت الدولة للترويج له فى الخارج من خلال سفاراتها ومكاتبها المختلفة. وذلك كله حدث فى عهد الرئيس الأسبق، وهو العهد الذى رغم ذلك كله لم يتدفق فيه الاستثمار الأجنبى إلا بالتنقيط.. نقطة.. نقطة.. ومراجعة الأرقام، تجعلنا لا نصف ما تم ضخه إلا بأنه «تافهة»، ويكفى أن تعرف أن مصر، فى عهد الرئيس الأسبق، وبفضل رجال أعماله، كانت فى مرتبة أقل من دول مثل نيجيريا وأنجولا وغينيا والسودان وكلها دول بها صراعات وحروب أهلية، كما تعرف!
ولعلنا لا نكشف سرا، حين نقول إن معظم أنشطة وأعمال منظمة التجارة العالمية تحدث فى السر‏، وإن أهم‏ لجان المنظمة وهى اللجان القضائية تجتمع داخل غرف مغلقة‏،‏ والمحكمون أو القضاة الثلاثة داخل اللجنة تظل هويتهم الحقيقية مخفية ولا يتم الإعلان عن أسمائهم أو جنسياتهم‏،.. كما أن المداولات تتم فى سرية‏. ولدينا تفاصيل مرعبة تسربت من اجتماعات سرية عقدتها منظمة التعاون الاقتصادى ومقرها باريس‏،‏ وهى المنظمة التى تجمع فى عضويتها الدول الأكثر تقدماً،‏ وكان موضوع الاجتماعات التخطيط لاتفاقية دولية للاستثمار المتبادل‏،‏ هدفها تجاهل القوانين الوطنية التى تعرقل أنشطة الشركات العالمية الكبرى والقوانين التى تميز بين شركات وأخرى‏ بحيث يصبح من حق أى شركة عالمية أن تقاضى أى دولة تستثنى شركة بعينها لتحصل على امتيازات لا تحصل عليها بقية الشركات‏.
‏وكان أهم ما فى هذه الاتفاقية هو أنها تسمح للشركة بأن تجر الدولة إلى محاكم خاصة، وليست إلى محاكم تخضع للقانون الدولى أو القوانين الوطنية‏،‏ بمعنى آخر‏..‏ تنقل الاتفاقية السيادة فى قطاع الاستثمار من الدولة إلى الشركات المتعددة الجنسية‏.‏
وغير غياب الشفافية التى تحاول الدول الكبرى إجبار بقية الدول على ممارستها وهى نفسها لا تمارسها‏،‏ فإن الاتفاقية التى أشرنا إليها وتمت مناقشتها فى غرفة مغلقة لم يصدر بشأنها تصريح واحد‏.. وهى الصيغة التى صدرت بها قوانين واتفاقيات متعددة من قاعات الجات إلى منظمة التجارة العالمية ولم يطلع عليها معظم دول العالم النامى‏،‏ التى يتم إجبارها بعد ذلك بشكل أو بآخر على الانضمام إليها والالتزام بها.
لا هى ناقشتها ولا ناقشها الرأى العام العالمى‏ فى الشرق أو الغرب‏،‏ ولا مورست الشفافية خلال أى مرحلة من مراحل التفاوض‏.‏
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن هذه الاتفاقيات مثل كثير من القواعد الجديدة لمنظمة التجارة العالمية تمنح الشركات الكبرى سلطات تتجاوز سلطة الدولة، ومن هنا تأتى قوة بعض رجال الأعمال. وعلى هذه الخلفية، نستطيع أن نفهم بالضبط طبيعة الدور الذى يلعبونه، فى تخريب الصناعة الوطنية لصالح كيانات أكبر معروفة بالاسم!
هل قلنا إن وكلاء الشركات الكبرى، وأصحاب الامتدادات الخارجية، فى بعض الدول أقوى من الدولة ذاتها؟!
يخيفنى أن تكون مصر واحدة من تلك الدول، وأن يكون بعض الوكلاء أو المعدومين من دول أخرى، داخلها أقوى من الدولة، كما يشيع بعضهم فى جلسات خاصة.
وأشير هنا إلى أن أحدهم، حين وصله خبر إطلاق سراح صلاح دياب ونجله، على ذمة قضايا لا تزال قيد التحقيق، نظر إلى الواقف إلى جواره وعلى وجهه ابتسامة صفراء، وقال عبارة من كلمات قليلة، تحمل دلالات مرعبة: إحنا جامدين قوى!
وأحدهم هذا، ليس أكثر من سمسار أو وسيط أو واجهة لأجانب، وضع نفسه رهن إشارتهم، ويستخدمونه كيفما شاءوا.
عانينا كثيراً من سيطرة رجال الأعمال على مجريات الحياة السياسية خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك ونخشى أن يكون هناك من يحاولون الآن تكرار السيناريو نفسه، أو على الأقل الإيحاء بوجوده عبر ما يشيعونه عن أنفسهم وما يحاولون إثباته، سواء بالترويج لشائعات يزعمون بها تقديمهم خدمات للنظام الحاكم، بل أحياناً يلامسون سقف البجاحة، ويستخدمون اسم الرئيس نفسه!
وضع فى اعتبارك أننا فى حالة انفلات إعلامى تسببت فيها رؤوس أموال مشبوهة وهى الحالة التى تحتاج الآن إلى درجة كبيرة من الحذر لأن الإعلام صناعة أخطر من صناعة السلاح، كما إن صناعة الرأى العام، أصبحت مهددة بفعل تسلل بعض المموَّلين «أجنبياً» ورجال أعمال (منهم الممولون أجنبياً أيضاً) إلى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.. وكل ما يعرفه هؤلاء عن تلك الصناعة (صناعة الرأى العام) وأدواتها، هو فقط استخدامها فى التخديم على مصالحهم أو النيل من خصومهم، مع سهولة شراء صحفيين «لقطاء» تخصصوا فى لعق أحذية من يدفع!