ياسر بركات يكتب: نحن نجرؤ على فتح الملف: هل قتلت المخابرات البريطانية ريجينى؟
رائحة جثة ريجينى تفوح من خلف أسوار جامعة كامبريدج البريطانية
المحقق الإيطالى سيرجيو كولاتشى يكشف سر ظهور «مها عزام» فى القضية!
من هى «آنا ألكسندر» التى ساعدت ريجينى فى إجراء بحثه؟
ـ نكشف تفاصيل العلاقة بين الطالب المقتول والمشرفة على رسالته للدكتوراه
المحققون حصلوا على 3 رسائل قصيرة بين القاهرة ولندن وقت اختفاء الطالب الإيطالى وبعد العثور على الجثة!
أزمة بين إيطاليا والمخابرات البريطانية بعد رفض أساتذة ريجينى مقابلة فريق التحقيق
أسرار الزيارات المتبادلة بين «مها عزام» وأستاذة ريجينى فى لندن!
هل كان ريجينى ضحية صراع بين الأمن الوطنى والمخابرات العامة والمخابرات الحربية؟!
لماذا تصمت وزارة الداخلية المصرية على اتهامات «التايمز» البريطانية و«لاريبوبليكا» الإيطالية؟!
إلى السطح، قفزت من جديد قضية مقتل الطالب الإيطالى جوليو ريجينى فى القاهرة.
وكنا قررنا ألا نتناول القضية بعد أن قلنا ما لدينا بشأنها فور الإعلان عنها، لثقتنا فى أن التحقيقات تتم بشفافية وموضوعية وتعاون كامل مع إيطاليا فى ظل تفهمنا لما تمثله قضية مصرع الطالب الإيطالى من أهمية بالنـسبة لجميع الدوائر الإيطالية الرسمية والشعبية.
كذلك، لثقتنا أيضاً فى أن الحكومة المصرية تتعامل بجدية وموضوعية كاملة مع القضية وتُبدى أقصى درجات التعاون مع الحكومة الإيطالية، مع وجود رغبة مشتركة فى الكشف عن الجناة.
أيضاً، كان سبب تعاملنا مع القضية بقدر من الحذر، هو إدراكنا أن الهدف من الجريمة هو الإضرار بالجهود المصرية الساعية لتصدير صورة الاستقرار للعالم، لجذب الاستثمارات الأجنبية والسياحة بعد سنوات من الاضطرابات والأعمال الإرهابية.
غير أن عدداً من الأسباب، دفعت الإعلام البريطانى والإيطالى إلى إعادة إلقاء الضوء على القضية، بشكل تضمن أكاذيب وافتراءات أكثر بكثير مما كان معتاداً طوال الفترة الماضية، وهو ما نراه راجعاً لعدة أسباب، هى على التوالى رفض أساتذة بجامعة كامبريدج البريطانية طلبات المحققين الإيطاليين بالإجابة عن بعض الأسئلة.. وظهور ما يثبت وجود علاقة بين عدد من هؤلاء الأساتذة وتنظيم الإخوان المسلمين.. ومقال إيطالى كشف كثيراً من الحقائق، يمكننا اعتباره قنبلة مدوية..
ـــــــــــــــــــــــــــ
2
ونبدأ من أساتذة جامعة كامبريدج البريطانية الذين رفضوا طلبات المحققين الإيطاليين بالإجابة عن بعض الأسئلة حول بحث ريجينى الذى تعلق بالنقابات العمالية المستقلة فى مصر.
المحققون الإيطاليون كانوا يأملون فى أن تلقى الإجابات الضوء على قائمة اتصالات ريجينى وعمله المتعلق بالحركة النقابية، والذى يربط البعض بينه وبين تعرضه للتعذيب والقتل. الأمر الذى انتقدته أسرة ريجينى ووصفت رفض أساتذة كامبريدج التعاون بأنه «من كان يؤمن بأسس البحث الدقيق، وواجب التضامن، وحماية حقوق الإنسان لا يمكنه الهروب من الواجب الأخلاقى والمدنى للمساعدة فى التحقيقات»، وناشدت الأسرة البرلمان الأوروبى التعاون لإنهاء «أى مؤامرة من الصمت»، سواء كانت من بريطانيا أو أى مكان آخر له علاقة بمقتل ريجينى.
ومن جريدة «التايمز» البريطانية عرفنا أن القضاة الإيطاليين الذين يحققون فى مقتل ريجينى، أعربوا عن دهشتهم حيال رفض أربعة أكاديميين فى جامعة كامبريدج البريطانية كانوا يعملون مع ريجينى مقابلتهم.
وفى التقرير الذى كتبه «توم كينتون» بعنوان «الأكاديميون صامتون بشأن مقتل جوليو ريجينى» ذكر بوضوح أن «القضاة الإيطاليون يشعرون بالدهشة لرفض أربعة أكاديميين من جامعة كامبريدج العريقة عملوا مع الطالب الإيطالى جوليو ريجينى الذى تم قتله بعد تعذيبه فى مصر - رفضوا مقابلة المسئولين الإيطاليين.
وقال سيرجيو كولاتشى - الذى يحقق فى قضية تعذيب وقتل ريجينى فى مصر – إنه سافر إلى مدينة كامبريدج الإنجليزية ومعه رسالة توصى بالتحقيق مع أربعة أكاديميين فى الجامعة من بينهم مها عبدالرحمن المشرفة على رسالة الدكتوراه التى كان يعدها الباحث الإيطالى قبل مقتله.
وكان المحققون الإيطاليون يتوقعون أن يتوصلوا إلى معلومات حول العمل الذى كان يقوم به ريجينى عبر مقابلة الأكاديميين الذين أشرفوا على عمله أو عملوا معه. غير أن «توم كينتون» كشف أن مها عبدالرحمن المشرفة على رسالة الدكتوراه التى كان يعدها ريجينى زعمت أنها فى «إجازة تفرغ علمى»، وأكدت للمحققين الإيطاليين أنها غير متأكدة من أنها تستطع الإجابة على أسئلتهم، مضيفاً أن «عبدالرحمن لم تجب على الرسالة الإلكترونية التى أرسلتها لها جريدة التايمز».
ــــــــــــــــــــــــــ
3
رفض أساتذة من جامعة كامبريدج البريطانية التعاون مع المحققين الإيطاليين فيما يتعلق بالتحقيق فى قضية ريجينى، أكد شكوك صحف إيطالية حول إمكانية وجود دور للمخابرات البريطانية فى القضية، وأن بريطانيا لديها معلومات لم ترد الإفصاح عنها للمحققين الإيطاليين.
فانتقدت جريدة «بانوراما» الإيطالية موقف جامعة كامبريدج البريطانية، التى رفضت استقبال المحققين الإيطاليين والتعاون معهم فى قضية ريجينى، وأشادت فى المقابل بموقف مصر وقالت إن القاهرة تعاونت بشكل كبير مع الجهات الإيطالية بشأن مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى.
وقالت الجريدة: «لم يكن متوقعاً أن جامعة كامبريدج ترفض التعاون فى القضية»، مشيرة إلى أن أسرة ريجينى أعربت عن صدمتها حيال رفض أساتذة جامعة كامبريدج استقبال المحققين الإيطاليين، وقالت الأسرة: «لقد وضعنا ثقتنا فى إرسال نجلنا إلى كامبريدج، وكنا نتوقع أقصى درجة من التعاون خلال رحلة البحث عن ملابسات تعذيب وقتل ريجينى بينما كان يجرى بحثاً على ذمة الجامعة».
وقالت جريدة بانوراما الإيطالية، إن المرارة التى يشعر به كلاوديو وباولا والدا ريجينى زادت بعد أن شعرا بضياع حقيقة مقتل نجلهما بين مصر وبريطانيا، حيث أعربا عن صدمتهما من تخلى أساتذة جامعة كامبريدج عن القيام بواجبهم الأخلاقى والقانونى فى المشاركة بالتحقيقات فى مقتل تلميذهم ريجينى.
وأوردت الجريدة الإيطالية، أن عدم تعاون أساتذة كامبريدج ليس الدافع الوحيد لإثارة الشكوك حول دور بريطانيا فى القضية، فقد احتوت سجلات المكالمات التليفونية التى حصل عليها المحققون الإيطاليون والمتعلقة بواقعة مقتل ريجينى، أن هناك ثلاث رسائل قصيرة، أُرسلت من هواتف بريطانية إلى أخرى مصرية فى الفترة ما بين الساعة السابعة والنصف والثامنة والنصف من مساء 25 يناير، أى بالتزامن مع اختفاء ريجينى، فى نفس المنطقة التى يسكن بها القتيل.
وتابعت «بانوراما الإيطالية»، أنه فى الليلة ما بين يومى 2-3 فبراير، أى فى توقيت العثور على جثة ريجينى تم إرسال رسالة أخرى من رقم هاتف يفترض أنه بريطانى إلى هاتف مصرى فى المنطقة التى تم العثور فيها على جثة ريجينى.
كما رجحت جريدة «الجورنالى» الإيطالية، الشكوك التى تحوم حول بريطانيا فى القضية، إذ أكدت معرفة المخابرات البريطانية بطبيعة الوضع السياسى فى مصر، وأن أستاذة جامعة كامبريدج آنا ألكسندر التى ساعدت ريجينى فى إجراء بحثه كانت على صلة وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين.
وكانت ألكسندر هى نفسها من سارعت إلى انتقاد تأخر الحكومة البريطانية فى اتهام الحكومة المصرية بقتل وتعذيب ريجينى، وصرحت نصًا «بعد قتل وتعذيب باحث دكتوراه يبدو أن الحكومة البريطانية لا تزال مترددة فى توجيه الانتقاد للسلطات المصرية».
وقالت جريدة «الشمس 24 ساعة» الإيطالية، إن مهمة فريق التحقيقات الإيطالى الذى ترأسه المدعى العام الإيطالى، سيرجو كولايكو، وبعض رجال الشرطة المركزية الإيطالية وآخرين من مسئولى العمليات الخاصة، الذين قصدوا جامعة «كامبريدج» البريطانية، أمس، من أجل الاستماع إلى بعض من أساتذة الشاب الإيطالى القتيل، جوليو ريجينى، منيت بالفشل.
وأضافت الجريدة، أن جامعة «كامبريدج» فضلت عدم الكشف عن أسرارها الأكاديمية، فى إشارة إلى رفض أساتذتها الإدلاء بأية تصريحات حول أنشطة باحث الدكتوراه الإيطالى.
وكان الغرض من جولة التحقيقات الدولية، حسب الجريدة، هو الاستماع إلى أساتذة ريجينى ومن ثم التعرف على سبب تبادله مع بعض أساتذته العديد من رسائل البريد الإلكترونى فى الفترة الأخيرة، قبل وفاته.
وأوضحت الجريدة أن أبرز الأساتذة الذين رفضوا الإدلاء بأية تصريحات حول طبيعة الاتصالات بينهم وبين ريجينى، كانت المشرفة على رسالة الدكتوراه الخاصة به، وتدعى مها عبدالرحمن، والتى فضلت «الصمت» وعدم التحدث.
فيما نقلت جريدة «إسبريسو» الإيطالية عن عبدالرحمن قولها: «لن أدلى بأية تصريحات للسلطات الإيطالية».
ورأت جريدة الشمس 24 ساعة أن «الشىء المثير للجدل هو التكتم الشديد لجامعة كامبريدج، ورفض أساتذتها الإدلاء بأية تصريحات لفريق التحقيقات الإيطالى، فى حين أن عدداً من أصدقاء ريجينى قد تحدثوا للمحققين الإيطاليين».
ووصف أصدقاء الباحث الإيطالى أنشطته الأكاديمية بـ«غير المريحة»، الأمر الذى سيساعد النائب العام الإيطالى، هذه الأيام، فى فك شفرة بعض النقاط الغامضة فى قضية ريجينى، بحسب الجريدة الإيطالية.
كذلك، قالت جريدة «ستاديو 24» الإيطالية، إن رفض تعاون جامعة كامبريدج بلندن مع المحققين الإيطاليين فى قضية ريجينى، أثار لديهم العديد من الشكوك، خاصة بعد رفض المشرفة على بحثه الأخير التحدث معهم، وهو ما أثار العديد من الشكوك لدى المحققين الإيطاليين، خاصة بعد وصف الأبحاث بالسرية.
وأضافت الجريدة أن مصر أرسلت بيانات جديدة عن هاتف الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، وأشارت إلى أن التحقيق فى روما لا يزال مستمرًا لمعرفة حقيقة مقتل ريجينى ولا تزال الجهات الإيطالية تطالب مصر بالتعاون، وإرسال بيانات تفيد فى معرفة قاتل ريجينى. وأوضحت الجريدة أن المدعى العام الإيطالى سيرجيو كولاجيو مقتنع بوجود رابط بين اختطاف ريجينى والنقابات العمالية المستقلة فى مصر، التى كان يعمل بها، ويأملون فى أن البيانات التى تم إرسالها من مصر تسفر عن جديد، خاصة الرسائل التى كان يتبادلها مع أساتذته فى العمل خلال تواجده بمصر.
ـــــــــــــــــــ
4
ونشير هنا إلى أن «الخارجية الإيطالية» كانت قد رفضت فى أبريل الماضى التعليق على جزء «غامض ومقلق» من قضية مقتل ريجينى، بشأن معلومات من المفترض أنها لدى المخابرات البريطانية، ويمكن أن يكون لها دور فى التوصل إلى الدافع الحقيقى وراء الجريمة. وهو ما أكده قيام الحكومة البريطانية بالإعلان عن تقديم أى مساعدة ممكنة من شأنها الإجابة على تساؤلات عائلة ريجينى. وأكد المتحدث الرسمى باسم الخارجية البريطانية أن الخطوة التى اتخذتها بلاده تجاه القضية جاءت استجابة لعريضة وقّع عليها أكثر من 10 آلاف أكاديمى.
فى ذلك الوقت، أى فى أبريل الماضى، كشفت جريدة «إل- جورنالى» الإيطالية أن العريضة التى تحركت بموجبها الحكومة البريطانية دعت إليها «هانا واديلوف»، طالبة الدكتوراه بجامعة ورك الإنجليزية، وباحثة متخصصة فى شئون الجماعات الإرهابية بإفريقيا، موضحة أن «واديلوف» عملت بشركة أوكسفورد أناليتيكا التى عمل بها ريجينى لمدة ثلاث سنوات، وهى شركة مختصة فى تقديم استشارات حول البلدان ذات الأوضاع الخطرة، كما عملت لمدة 5 أشهر كمحللة للشئون المخابراتية فى شركة Ake وهى شركة تعمل فى المجال الأمنى وتديرها قوات الخدمات الجوية الخاصة SAS وتهدف إلى جمع العمليات الحربية ومشاركتها لتحقيق الأمن والمصالح البريطانية.
كما كشفت الجريدة الإيطالية أن دور أساتذة ريجينى فى جامعة كامبرديج يثير تساؤلات حولها هالة من الغموض، مؤكدة أن السير الذاتية لهؤلاء الأساتذة محاطة بتكتم إعلامى وحكومى كبير. ومن بين هؤلاء الأساتذة ذكرت بالاسم مها عبدالرحمن، التى عقدت يوم 11 يونيو الماضى مؤتمرًا موضوعه «حقوق الإنسان فى مصر» بمقر منظمة العفو الدولية بمدينة كامبريدج، وهى المنظمة ذاتها التى أطلقت حملة «الحقيقة من أجل جوليو» بعد مقتله. وهو المؤتمر أيضاً الذى أدان ما تم وصفه بـ«أشكال القمع ضد الصحفيين والطلاب والنشطاء والعمال والمواطنين» فى مصر.
وقالت الجريدة الإيطالية إنه على الرغم من معرفة مها عبدالرحمن بمدى المخاطر التى قد يتعرض لها ريجينى بسبب أبحاثه، فإنها اعتمدت البحث الذى قدمه لجامعة كامبريدج وأرسلته بعد ذلك إلى القاهرة لاستكمال دراساته بها.
كما سلطت الجريدة الضوء على دور أستاذة أخرى بجامعة كامبريدج التى درس بها ريجينى، تدعى «آنا ألكسندر»، نشرت فى أكتوبر الماضى تحليلًا سياسيًا دعت فيه إلى تشكيل تحالف بين جماعة الإخوان المسلمين والنشطاء اليساريين فى مصر، حيث رأت أن هذا التحالف يمكنه القضاء على النظام الحاكم الحالى، كما قامت ألكسندر فى الخامس والعشرين من أكتوبر الماضى بالتوقيع على عريضة للمطالبة الشعبية برفض زيارة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى للعاصمة البريطانية لندن، ثم نشرت هذه العريضة على الموقع الرسمى لتنظيم الإخوان المسلمين.
وأشارت الجريدة الإيطالية إلى أن ألكسندر على اتصال بمها عزام، رئيسة ما يسمّى بـ«المجلس الثورى المصرى، منذ 2009، وهو أحد أكبر التنظيمات المعارضة للنظام المصرى الحالى ومقره مدينة جينيف السويسرية.
واختتمت جريدة «إل- جورنالى» الإيطالية تقريرها المنشور أبريل الماضى بأن الخارجية الإيطالية والمخابرات البريطانية لا يمكن أن يخفى عليها مثل هذه المعلومات السابق ذكرها، وأنها على الرغم من ذلك لم تعلق على مثل هذا الجانب المهم فى القضية والذى قد يساعد فى الوصول إلى خيط جديد حول القضية.
ونشير هنا إلى الخلط الذى حدث فى إحدى الصحف الإيطالية ورددته أجهزة إعلام مصرية عن مها عبدالرحمن المشرفة على رسالة دكتوراه ريجينى فى جامعة كمبردج، لنوضح أنها أستاذة علم اجتماع معروفة كانت تقوم بالتدريس فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة وتم الخلط بينها وبين مها عزام، التى تعيش فى لندن ولم تحصل على الدكتوراه وعملت فى BBC بعض الوقت، وهى التى تنتمى لتنظيم الإخوان بل وتمت بصلة القرابة لأيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة.
غير أن مد الخيوط على استقامتها يكشف أن مها عزام هى الأخرى لها علاقة بالموضوع، والسبب كما أوضحنا هو علاقتها بـ«آنا ألكسندر»، والتى تعود إلى سنة 2009 كما أشرنا من قبل.
ــــــــــــــــــــــــ
5
ونعود إلى الفضيحة الجديدة..
فضيحة رفض أساتذة من جامعة كامبريدج البريطانية التعاون مع المحققين الإيطاليين
ونعود إلى الفضيحة الجديدة..
فضيحة رفض أساتذة من جامعة كامبريدج البريطانية التعاون مع المحققين الإيطاليين، والتى ما كادت تنال قدراً من اهتمام وسائل الإعلام حتى نشرت أكثر من جريدة بالتزامن، تقارير زعمت أنها تتضمن تفاصيل جديدة حول مقتل جوليو ريجينى، فنشرت «التايمز» البريطانية مقالاً لـ«توم كينجتون» من روما بعنوان «الطالب المقتول كان ضحية الصراع بين الأجهزة الأمنية فى مصر»، وهو التقرير الذى يكاد يتطابق مع ما نشرته جريدة «لاريبوبليكا» الإيطالية.. وزعمت الجريدتان أن هذه المعلومات الجديدة مصدرها مجهول، وأنها تم تسريبها إلى الجانب الإيطالى عن طريق مصدر مخابراتى أرسلها إلى السفارة الإيطالية فى سويسرا، وأن هذا المصدر المجهول يصف نفسه بأنه وسيط لنقل المعلومات بشأن قضية ريجينى من إحدى المؤسسات الرئيسية بمصر، وهو ما تأخذه أجهزة التحقيقات الإيطالية على محمل الجدية!
التفاصيل الجديدة الواردة بحسب الصحيفتين الإيطالية والإنجليزية تقول إن اختطاف وتعذيب الطالب الإيطالى جرى على خلفية صراع بين الأمن الوطنى والمخابرات العامة والمخابرات الحربية.
فى مقاله المنشور بـ«التايمز»، يقول كينجتون إن مصادر سربت بعض ملابسات تعذيب ومقتل طالب الدكتوراه الإيطالى جوليو ريجينى فى القاهرة قائلة إن مقتله جاء نتيجة للصراع بين الأجهزة الأمنية والمخابراتية المصرية.
ويضيف أنه وفقاً لرسالة من شخص رفض الإفصاح عن هويته تم إرسالها إلى السلطات الإيطالية فإن وزراء مصريين كانوا على علم باحتجاز وتعذيب ريجينى على يد الأجهزة الأمنية.
ويضيف كينجتون إن المزاعم الجديدة أرسلت إلى السفارة الإيطالية فى سويسرا ويتم التحقيق فيها، حسبما قال مصدر قضائى للتايمز.
ويزعم المسرب الذى يقول إن «لديه معلومات من مكتب مسئول مصرى كبير» إن ريجينى وضع تحت المراقبة من قبل المخابرات العامة فور دخوله مصر.
وتقول الجريدة إنه بعد مراقبة اتصالاته بالنشطاء فى النقابات الذين يعتبرون معادين للحكومة، اعتُبر ريجينى جاسوساً ومثيراً للقلاقل. كما اكتشف المسئول عن عملية مراقبته أنه قابل ناشطا شاباً على قرابة باللواء صلاح حجازى مدير الأمن الوطنى.
ويزعم المسرب أن المسئول عن مراقبة ريجينى أبلغ اللواء عباس كامل مدير مكتب الرئيس عبدالفتاح السيسى. ثم أُقيل حجازى فى ديسمبر ونُقل ملف ريجينى إلى المخابرات العسكرية، الجهاز المخابراتى المنافس للمخابرات العامة.
وأدى ذلك إلى إثارة غضب مجدى عبدالغفار وزير الداخلية المصرى الذى أبدى احتجاجه أمام السيسى بأن نقل ملف ريجينى للمخابرات العسكرية إهانة للمخابرات العامة، حسبما تزعم الرسالة.
ووفقاً للرسالة فإن ريجينى عذب ليكشف صلاته بالنشطاء والنقابات، وقتل، وسلم جثمانه ومتعلقاته للمخابرات العامة بتعليمات لدفن الجثة، ولكن المخابرات العامة لم تستجب لهذه التعليمات وألقت الجثة على جانب الطريق حيث يمكن العثور عليها.
طبيعى أن تسأل عن علاقة اللواء مجدى عبدالغفار وزير الداخلية بالمخابرات العامة، وعن السبب الذى يجعله يبدى احتجاجه لانتقال ملف القضية إلى المخابرات الحربية؟!
ولأنه لا توجد أى علاقة بين عبدالغفار والمخابرات العامة، ولأنها بعيدة تماماً عن مجال اختصاصه وحدود مسئولياته، نكون أمام حقيقة مؤكدة وهى أن جريدة «التايمز» اعتمدت فيما نشرته على مصدر جاهل لا يعرف شيئاً عن أى شيء.. وربما كانت تختبر مستوى ذكاء قرائها.. وللأسف ثبت أن مستوى ذكاء قرائها فى مصر منخفض إلى الدرجة التى جعلتهم يصدقون هذه الأكذوبة وما سبقها من أكاذيب امتلأ بها «توم كينجتون».
فى اليوم نفسه، الذى نشرت فيه التايمز البريطانية، نشرت جريدة «لاريبوبليكا» الإيطالية تقريراً منسوباً إلى مصدر مجهول قالت إنه سربها إلى المحققين الإيطاليين بالإضافة إلى مصدر مخابراتى، أشار إلى أن السبب الرئيسى وراء اختطافه وتعذيبه حتى الوفاة هو الصراع بين جهاز الأمن الوطنى والمخابرات الحربية المصرية، إضافة إلى علاقته بشاب من الاشتراكيين الثوريين يُدعى وليد.
وتقول الجريدة التى زعمت أنها جمعت أدلة جديدة من مصادر بالمخابرات وهيئة التحقيقات فى القضية، إن شهادة وفاة ريجينى كُتبت بعد فترة قصيرة من وصوله إلى القاهرة، فى سبتمبر 2015، حينما فتح جهاز الأمن الوطنى بوزارة الداخلية له ملفاً برقم 333//01/2015، يشرف عليه رئيس الجهاز آنذاك اللواء صلاح حجازى، ويتهمه بالتجسس والتآمر والانتماء لشبكة إرهابية داخل البلاد تخطط للإطاحة بالرئيس السيسى.
بعدها، ولقرابة 3 أشهر، أصبح ريجينى، الذى يخضع للمراقبة دون أن يشعر، فريسة سهلة لصراع بين أجهزة الدولة، وتحديدًا المخابرات الحربية والأمن الوطنى، بهدف الوصول لمكانة أعلى داخل النظام، بحسب الجريدة.
وهو الصراع الذى تجلى فى اعتقاله مساء 25 يناير 2016 من وسط القاهرة، وبالتحديد خارج محطة مترو محمد نجيب، وليس فى منطقة الدقى كما تردد من قبل، ليتم تعذيبه فى المخابرات الحربية، وصولاً إلى إلقاء جثمانه شبه العارى على طريق مصر- الإسكندرية الصحراوى وإلى جواره شىء لم يذكر من قبل، وهو بطانية لا يتم استخدامها إلا فى الجيش المصرى.
وتقول الجريدة إن هذا الأثر تركه شخص، داخل الأجهزة الأمنية، قرر «الانتقام» وتقديم دليل على المسئولين عن القتل.
وزعمت الجريدة أنها حصلت على أوراق باللغة العربية بتاريخ 25 يناير الماضى أُرسلت إلى السفارة الإيطالية فى بيرن بسويسرا، ومنها إلى نيابة روما فى الأسابيع الماضية، والتى يتحدث فيها مصدر مجهول يصف نفسه بأنه وسيط لنقل المعلومات بشأن قضية ريجينى والقادمة من إحدى المؤسسات الرئيسية بمصر. وهى رواية غنية بالتفاصيل التى بدأت نيابة روما التحقق منها.
وفى محاولة منها لسرد سير الأحداث حتى وفاة ريجينى، ذكرت «لاريبوبليكا» أن هناك 3 خيوط مهمة: الأول صورة التُقطت لريجينى فى جمعية عمومية لإحدى النقابات فى 11 ديسمبر 2015، والثانى زيارة خلال الشهر ذاته قام بها ضابط بالأمن الوطنى لمنزل ريجينى فى حى الدقى، والثالث اتصال أجراه نفس الضابط بشريك جوليو فى المسكن بعد أيام من اعتقاله.
وبحسب الأوراق التى قيل إنها بين يدى نيابة روما الآن، قدم رائد بالأمن الوطنى مكلف بالتحقيق حول ريجينى معلومات جديدة للواء حجازى، تتضمن لقاء جوليو بشاب يُدعى وليد، «هو أحد الشباب المعروفين باسم شباب ثورة 25 يناير، وينتمى لمجموعة الاشتراكيين الثوريين، ومقرّها 7 شارع مراد بالجيزة».
ووفق ملاحظات الأمن الوطنى، فقد التقى جوليو ووليد وتناولا الطعام فى كشرى أبوطارق بشارع شامبليون وسط القاهرة، وتلفت الجريدة إلى أن سبب الاهتمام هو أن وليد ليس اسماً عادياً لمراقبى الأمن الوطنى، حيث «تربطه علاقة عائلية من الدرجة الثانية باللواء صلاح حجازى، رئيس الجهاز».
وتقول الجريدة إن اسم وليد لا يظهر فى مفكرات ريجينى ولا يعرفه أصدقاؤه الإيطاليون بالقاهرة.
وقدم المصدر المجهول لسفارة إيطاليا فى بيرن اسم مواطنين مصريين يمكنهما توصيل المحققين الإيطاليين بالشاب (وليد)، لكن الجريدة تحفظت على نشر هويتهما.
وتشير «لاريبوبليكا» أيضاً إلى أن النيابة الإيطالية لديها خيط لهذا الشاب المصرى فى إطار تحقيقات القضية، وهو اتصال هاتفى فى أكتوبر 2015 أجراه جوليو مع وليد. وتقول إن هذه الملابسات مهمة بالتأكيد، وربما هو السر وراء إغفالها إلى الآن.
فى 19 ديسمبر 2015، أُعفى اللواء صلاح حجازى من منصبه كرئيس للأمن الوطنى، وحل محله اللواء محمد شعراوى، ليدفع ثمن خطأين – بحسب الجريدة - الأول هو التباطؤ الذى أدار به ملف ريجينى، والثانى قراره إعفاء الرائد الذى كشف الاتصال بين جوليو ووليد، قريب حجازى.
اشتكى الرائد المُعفى من منصبه للواء عباس كامل، الذى تصفه الجريدة بأحد أقوى رجال النظام واليد اليمنى القوية للرئيس السيسى، وقرر كامل - كما تقول الأوراق التى ساقها المصدر المجهول - «أن يتم نقل ملف ريجينى من الأمن الوطنى إلى إدارة المخابرات الحربية، تحت إشراف اللواء محمد فرج الشحات». وأصبح رقم الملف الجديد هو M.1/25,2009، وبمشرف جديد هو اللواء فرج الشحات، وتحت رئيس تحقيق جديد هو الضابط جلال الدباغ.
وتصف الأوراق الدباغ بأنه «سريع الغضب متكبر وعبقرى فى تطبيق كل ما هو جديد فى عالم التعذيب».
وبينما يقضى جوليو عطلة أعياد الميلاد فى إيطاليا، كان الصراع مستعراً بين الأمن الوطنى والمخابرات الحربية، اللذين يتنافسان على الباحث الشاب كجائزة تؤكد ما يردده النظام عن وجود مؤامرة خارجية والعدو الداخلى.
وأرسل وزير الداخلية اللواء مجدى عبدالغفار خطاباً إلى الرئيس السيسى، يوضح فيه عدم قانونية نقل الملف، وإهانة الأمن الوطنى، وعن عمله الذى «سمح بكشف النقاب عن الشاب الإيطالى وشبكة التجسس التى ينتمى لها»، وطلب إعادة الملف إلى الأمن الوطنى.
النكتة هى أن «لاريبوبليكا» زعمت أنه بعد 5 أيام من الحوار الذى أجرته مع الرئيس السيسى فى 14 مارس، الذى أكد فيه التزام بلاده بالوصول للحقيقة فى مقتل الشاب الإيطالى، «أبلغ عباس كامل وزير الداخلية مجدى عبدالغفار بقرار إقالته ورئيس الأمن الوطنى محمد شعراوى من منصبيهما»، ليدفعا ثمن عدم طاعة الأوامر والعثور على جثمان جوليو، وليكونا كبشى الفداء اللذين تقدمهما مصر للرأى العام الإيطالى والأوروبى.
ويكفى أن نشير إلى أن اللواء مجدى عبدالغفار، لا يزال فى موقعه، وزيراً للداخلية، وهو ما يعنى أن ما نشرته «لاريبوبليكا» عن عزله مجرد كلام فارغ لا أكثر، وهو أيضا ما يشكك فى كل ما نقلته عن مصدرها المجهول!
ــــــــــــــــــــــ
6
غير رفض أساتذة كامبريدج البريطانية، نشر موقع «piero la porta» الإيطالى، مقالاً مطولاً، كان بمثابة القنبلة، وهو التقرير الذى حمل عنوان « Al Sisi assassino di Regeni? Bufala insostenibile أو «هل قتل السيسى ريجينى؟ خدعة لا يمكن تحملها».
وهذا هو العنوان الرئيسى، والذى جاء بعد عنوان تمهيدى يقول «بعد شهور من حملة ادعاءات شرسة، وبعد أن اقتنع الإيطاليون أن السيسى هو قاتل جوليو ريجينى، الصمت يخيم على القضية».
ولأهمية المقال القصوى، من وجهة نظرنا، ننقله لكم بالنص:
نحن لا نعرف من قتل جوليو ريجينى وإذا كنتم تعتقدون أن هذا المقال سيحل اللغز، فدعوكم منه وتوجهوا لقراءة مقالات أخرى. بيد أن هذا المقال سيشرح لكم كيف بنت الحكومة الإيطالية زيفاً بائساً. وحين ستنتهون من قراءته ستعرفون «كيف»، ولكنكم لن تعرفوا «لماذا». ونأمل أن يراود حب الاستطلاع البرلمان، لينتفض لكرامته، ويشجع تشكيل لجنة تحقيق حول سلوك الحكومة الإيطالية والمصالح الخافية التى تحجبها.
وقد فرض هؤلاء «حقيقة تليفزيونية» فحواها أن الشرطة المصرية قد قتلت جوليو ريجينى بأمر من السيسى.
هل مثل هذا التفسير السريع يتطابق دائماً مع تفسير موثوق وصادق؟ فى العمليات الإرهابية الكبرى التى ضربت إيطاليا وفى «الأسرار» الإيطالية العديدة، أثناء الستين سنة الماضية، لم تظهر الحقيقة أبداً فى الساعات الأولى أو الأسابيع الأولى ولا حتى فى السنوات الأولى. بل أنها لم تكشف أبداً من قبل المحققين الإيطاليين، الذين عوضاً عن كشف الحقيقة تخصصوا فى التضليل.
دعونا ننشط الذاكرة بعد 40 سنة من عملية «بياتسا فونتانا» الإرهابية فى ميلانو فقط عرفنا بوجود قنبلتين لا قنبلة واحدة، كما اعتقد عدد من أهم المحققين وأشهرهم. والفضل فى هذا الاكتشاف يعود إلى صحفى إيطالى يعانى من مرض حرية الرأى هو «باولو كوكياريللى». كانت هناك قنبلة يمينية المصدر بالتأكيد وقنبلة أخرى يسارية. وقد خلص «ريناتو كورتشيو»، زعيم الألوية الحمراء البائس، إلى أنه من الأفضل الكف عن الخوض فى الموضوع. وربما يكون محقاً، خاصة نظراً للحياة الرغدة التى يعيشها هو ورفاقه.
والصحفيون الإيطاليون ليسوا أفضل من الألوية الحمراء. فهم يعكفون على الحديث عن حرية الصحافة متجاهلين أو عارفين من التجربة المباشرة، كما يعرف «ماريو كالابريزى» رئيس تحرير جريدة «لاريبوبليكا»، أن الصحافة فى روما وفى ميلانو أقل حرية بمراحل مقارنة بصحافة القاهرة.
وبعد إعداد «الحقيقة» المسمومة – «قتله المصريون» – كوفئ البيروقراطيون الذين سهروا على إعدادها بترقيات، مع إبعاد من خالفهم فى الرأى عن الساحة.
أى من لم يتفق معهم حول ماذا؟ كالعادة، وكما حدث بعد كل مجازر الإرهاب فى إيطاليا، يوجه الاتهام إلى مسئول زائف لتغطية القاتل الحقيقى والسماح له بالإفلات. وفى قضية ريجينى من المؤكد أن القاتل الحقيقى هام جدا اعتباراً لأن تغطيته تطلبت اتهام الرئيس السيسى.
والخطوة الثانية فى عملية التضليل تتمثل فى مكافأة أهالى الضحية حتى يقبلوا الحقيقة الرسمية، بالتكريم والتعويضات وربما بمقعد فى البرلمان، إذا كان سنهم مناسباً وكانت لديهم رغبة فى هذا، بل وبمناصب مثل رئاسة تحرير جريدة أو إدارة قناة تليفزيونية.
نحن لا نعرف من قتل جوليو ريجينى. ويخطئ من يتصور أن هذا المقال سيكشف حقيقة اللغز. فهذا المقال يشرح وسائل بناء لغز وهمى لتغطية وحماية على الأقل واحد من أربعة حلفاء لإيطاليا، لديهم مصلحة فى تخريب العلاقات البترولية بين إيطاليا ومصر.
هذا فى حين لا نجد سبباً أو مصلحة لمصر فى معاداة إيطاليا.
إن اتهام الحكومة الإيطالية للسيسى يرمى إلى تضليل المواطنين الإيطاليين. فى باريس ولندن وواشنطن وبرلين وتل أبيب وستوكهولم وفيينا، سنجد كثيرين لديهم أسباب للسعادة بقطع العلاقات بين إيطاليا ومصر. فى كل مكان سنجد من لديه مصلحة فى هذا، إلا فى القاهرة. وإذا سألنا: من القاتل إذن؟ سيجيبك كورس المأجورين: السيسى هو القاتل. هناك أجزاء هامة ومؤثرة من الدولة الإيطالية تعمل فى خدمة مصالح أجنبية. وهذه ليست المرة الأولى التى يتجلى فيها هذا، بيد أن ثمة ضرورة أكثر من أى وقت مضى لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية.
عقب المأساة، قامت السلطات السياسية الإيطالية بتحميل الرئيس المصرى، السيسى، المسئولية كاملة، مع تشويه سمعة الشرطة المصرية.
إن السلطات الإيطالية تكذب: بمساعدة مهينة من الإعلام والصحافة تكيل الاتهامات للمصريين بممارسة التعذيب. والأدلة؟ صفر. ونسأل: هل هناك سوابق لحالات تعذيب فى مصر؟لا شك أن حالات التعذيب فى إيطاليا تفوقها عدداً. وإذا أردتم التأكد من هذا فما عليكم إلا سؤال من تعرض للتوقيف فى أقسام الشرطة الإيطالية ومديريات الأمن فضلاً عن نزلاء السجون فى إيطاليا. فليسألوا من قاموا باختطاف الجنرال الأمريكى «لى دوزر» فى 17 ديسمبر 1981. ولكن يبدو أن الصحفيين والمحققين الإيطاليين قد أصيبوا بفقدان الذاكرة.
إن مصر، رغم الظروف الحرجة التى عاشتها خلال السنوات القليلة الأخيرة، كانت دائماً كريمة جداً مع المواطنين الأجانب، حتى حين يتصرف هؤلاء بغطرسة. فى العام 2011، مثلا، سمح المجلس العسكرى (الذى كان يحكم البلاد آنذاك بفضل زعزعة الاستقرار التى أحدثها «الربيع الإسلامى») لعدد من الناشطين الأمريكيين بمغادرة البلاد رغم صدور أوامر توقيف ضدهم. وقبل هذا ببضع سنوات، عومل بذات الكرم الأمير القطرى الشاب الذى قتل مواطنين مصريين بسيارته الفارهة، أثناء سباق سيارات غير مشروع فى شوارع القاهرة.
لا شك أن التعذيب قد استُخدِم فى مصر، خاصة فى الفترة الناصرية وبعد محاولة الإخوان المسلمين الفاشلة لقلب نظام الحكم عام 1965. وهذا استثناء وحيد. ولكن حتى أثناء الحرب القذرة التى شنتها بريطانيا وفرنسا على مصر سنة 1956، لم يتعرض المواطنون الأوروبيون المقيمون فى مصر للأذى. كذلك لا توجد حالات لتعذيب أجانب فى عهد أنور السادات (1970-1981) ولا فى عهد حسنى مبارك (1981-2011).
بلا شك هناك حالات اتسمت فيها الشرطة المصرية بالغلظة المفرطة مع مواطنين مصريين فقراء، ولكن هذا لم يحدث أبدا مع مواطنين أجانب.
وإذا أردنا أن نقول الحقيقة كاملة فى هذا، فإن تعذيب السجناء السياسيين قد ظهر مجددا أثناء سنة حكم الإخوان المسلمين، الإرهابيين الذين فُرضوا على الشعب المصرى من قبل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية عبر انتخابات رئاسية مزورة. ولكن منظمة العفو الدولية لم تنتبه للأمر.
أما المراكز الإيطالية للدراسات الاستراتيجية التى (طبعا!) كانت بكماء وغير مكترثة بوحشية الإخوان المسلمين، فها هى اليوم تصول وتجول وتزعق بصوت عال: «ريجينى عُذب وقُتل على يد الشرطة المصرية بأمر من الرئيس السيسى».
والأدلة؟ لا أكثر من ثرثرة إعلاميين وصحفيين وتحليلات مركز للدراسات الاستراتيجية وتخمينات سياسيين إيطاليين، معروفين للجميع بانعدام النزاهة والمصداقية.
بعد ستة أسابيع كاملة وليس قبل هذا تنبه الخبراء الاستراتيجيون لوجود «مها عبدالرحمن»، الأستاذة المصرية الأصل التى كانت تدير عمل جوليو ريجينى فى جامعة كامبريدج. فى 11 يونيو الماضى عقدت الأستاذة مؤتمرا حول «حقوق الإنسان فى مصر» فى مقر المنظمة المعتادة أى Amnesty international، منظمة العفو الدولية وهى منظمة بريطانية الولاء التى لا تكف عن المطالب بمعرفة «الحقيقة من أجل جوليو».
وبما إننا فى مجال التخمينات، فدعونا نخمن: بريطانيا هى من دبر قتل جوليو ريجينى على يد قتلة محترفين لإيقاع الفتنة بين إيطاليا ومصر وإتاحة العثور على جثته يوم زيارة الوزيرة «فيديريكا غويدى» لمصر. لماذا تعتبر مثل هذه «الحقيقة» أقل مصداقية من الوحل الذى تلقيه الحكومة الإيطالية على السيسى؟!
إن من يتشدق بالكلام عن «النظام المصرى»، ينسى أن ماتيو رينزى قد انتخب بالإجماع من قبل العم سام «جورجيو نابوليتانو» فقط. أما السيسى فنال ثقة 24 مليون مصرى فى انتخابات حرة ونزيهة.
ولماذا يرمى «نابوليتانو» و«رينزى» و«ماتاريللا» إلى تشويه سمعة السيسى وحكومته؟
مع غياب أى عناصر ملموسة يستند عليها الاتهام، تجعل كلماتهم الجوفاء هذا السؤال أكثر من مشروع.
ولكن يجب تأجيل الجواب إلى حين التعرف على المصالح الإيطالية والأجنبية التى يرمى التضليل إلى إخفائها: هل يوجد وراء هذه المأساة رجال سياسة، قضاة، صحفيون وإعلاميون، رجال استخبارات ورجال أعمال؟ هل باع هؤلاء مواقفهم لمصالح لا يمكن الإفصاح عنها؟ أم أن الأمر خليط من كل هذه الأوحال والمستنقعات؟
وإذا أردنا الاقتراب من جواب قابل للتصديق، فيتعين علينا النظر والبحث فى كل الاتجاهات.
إن التضليل واضح بجلاء فى التضارب فى الأقوال وفى الأسئلة التى تُرِكت بلا إجابة ومنذ الساعات الأولى. هل كان المصريون وراء هذا التضليل؟ لا، الإيطاليون هم من قام بالتضليل.
دعونا نسعى لإيجاد إجابة عن الأسئلة التالية: كيف وأين ومن. أما الإجابة عن لماذا فلن تتضح إلا لاحقاً.
إن الوسيلة والسياق لهما أهمية كبيرة، دعونا نتأمل الحالتين.
فى 2 مارس الماضى قُتل «فاوستو بيانو» و«سالفاتورى فاييللا»، العاملان الإيطاليان المختطفان مع عاملين غيرهما فى 20 يوليو فى ليبيا، بسبب عجز الحكومة الإيطالية وفشلها البين فى إنقاذهما. فشل واضح يثبته التمكن من إنقاذ العاملين الآخرين المختطفين، إذ كان يكفى الاهتمام بأمر المختطفين وسداد الفدية المطلوبة فى الوقت المحدد. وهو ما فعلته إيطاليا فى عشرات الحالات المماثلة.
فى هذه الحالة لم يطالعنا «سيرجيو رومانو» أو شاشة أى قناة تليفزيونية أو أى مركز أبحاث استراتيجية بأسئلة عن سبب موتهما. يبدو أن العاملين الإيطاليين قد اعتبروا غير جديرين بالمعاملة الخاصة التى خُصصت للفتاتين الإيطاليتين المختطفتين فى سوريا – فدية قدرها 11 مليون يورو – حيث ذهبتا فى ما يشبه نصف شهر عسل نضالى. عاملان إيطاليان لا قيمة لهما لم يتح لهما جذب فضول ما بعد الموت ولم يجد الإعلام والصحافة فى رواية حقيقة مأساتهما ما يهم القارئ والمشاهد. صمت كامل بعد كلمة النهاية.
وفى ذات الساعات كان الإعداد يسير على قدم وساق لتفجير قنبلة ريجينى الإعلامية. وإذا أردنا توخى الدقة، فإن ريجينى أيضاً لم يكن شخصية مهمة، تماما مثل العاملين الإيطاليين المذبوحين فى ليبيا. كان من المتعين أن يُعامل مثلما عوملا، ولكن ….
أسرة ريجينى تقول: «جوليو لم يكن جاسوساً». بل جاء بيان من الاستخبارات الإيطالية ليؤكد هذا النفى. ونحن نحاول تصديق أسرة ريجينى ورجال الاستخبارات، ولكن، بالله عليكم، سادتى، قدموا لنا ما يحتمل التصديق. لماذا يقوم جهاز استخبارات– وهو الجهاز الذى يجب أن يصمت بحكم طبيعته – بتكذيب أمر ما حين يكون هذا التكذيب أو النفى من اختصاص رئاسة مجلس الوزراء؟ الحكومة هى الجهة التى يجب عليه إيضاح الأمر.
خاصة لأنه من الواضح جداً أن ريجينى لم يكن جيمس بوند، كما يتجلى من حداثة سنه ومن سلوكه الطائش الذى لفت إليه الأنظار. فالشاب كان يكتب مقالات لجريدة «المانيفستو»، أى جريدة «جوليانا سغرينا»، التى أصيبت بجروح أثناء قتل ضابط الاستخبارات الإيطالى «كاليبارى» فى العراق، فى ملابسات يفوق غموضها كثيراً ملابسات مقتل ريجينى. بيد أن حالة «كاليبارى»، الحائز على وسام الاستحقاق العسكرى الذهبى، قد أسدل عليها فوراً ستار النسيان، لتبقى الأسئلة بلا إجابة.
هل سُددت فدية مقابل إطلاق سراح الصحفية المختطفة «جوليانا سغرينا»؟ لا لا لا. طبعاً لن يقول لكم أحد من المسئولين إننا قد دفعنا فدية قدرها 20 مليون يورو. بل سيقولون لكم إن أمرا كهذا لا يمكن تصديقه.وسيطالبوننا بالاكتفاء بإنقاذ حياة السيدة «سغرينا»، لحسن طالعها.
إن العاملين الإيطاليين الفقيرين المقتولين فى ليبيا لم يكونا ينتميان إلى الوسط المهم.
لصالح من تعمل الحكومة الإيطالية؟
فى شأن العاملين الإيطاليين التعيسين، تطرح Globalist سؤالا: «لماذا مات «فاوستو بيانو» و«سالفاتورى فاييللا»، العاملان الإيطاليان المخطوفان فى ليبيا فى 3 مارس 2016، بعد أشهر من اختطافهما فى 20 يوليو 2015؟ هل السبب فى هذا مجرد قدر مأساوى؟ أم حدث مفاجئ؟ أم عمل انتقامى؟ أم أنه يعود إلى مفاوضات طالت أكثر مما يجب – أكثر مما يحتمل الوضع – بسبب إصرار الخاطفين والوسطاء على تحقيق أكبر ربح ممكن؟ أم أن قناعة ضباط الاستخبارات فى إيطاليا بأنهم يتعاملون مع عصابة من «المتسولين» قد دفعتهم للاستهانة بالمسألة؟
إن الدولة ذاتها التى لا تجد إجابات شافية لعائلتى «فاوستو بيانو» و«سالفاتورى فاييللا»، اللذين كانت أجهزة الاستخبارات الإيطالية تتابعهما خطوة بخطوة، ذات الدولة وذات الحكومة، مع جهلهما التام حتى الآن بحقيقة نشاط ريجينى وبمن كان وراءه، الدولة ذاتها والحكومة ذاتها تبدو كمن يملك فجأة حقائق دامغة تفسر نهاية جوليو ريجينى.
رغم كل هذا فإن ريجينى كان مجرد طالب جامعى، أى شخص بلا أهمية مثل العاملين الإيطاليين المقتولين فى ليبيا. كان من الواجب أن يُسدل الستار على مأساته على غرار الحالات السابقة. لماذا؟
لقد عُذب! يقولون لك مستنكرين. ومع كل احترامى للمأساة، يصعب على تصور أن العصابة التى تحكم إيطاليا اليوم متأثرة إنسانياً لتعذيب الشاب المسكين. ثمة رائحة كريهة لأمور أخرى، لمصالح أكبر بكثير مما يصوره الإعلام.
يتظاهرون بإلقاء أسئلة على السيسى، وهم فى الواقع يريدون من هذا تجنب أن تُلقى عليهم أسئلة. سؤال أول: لمصلحة من تعمل الحكومة الإيطالية الحالية؟ لمصلحة دولة أخرى؟ لمصلحة شركة متعددة الجنسيات؟ أم لحساب شركة بترول عالمية؟
لندع هذا السؤال جانباً فى الوقت الحالي؛ إذ لا جدوى من انتظار إجابات. خاصة أنه لا مناص للبعض من تجنب فخ السؤال الذى يفرض على المسئول شرح ما لا يعرف.
لذا فإنه عوضا عن هذا ينبغى لنا أن نطالب المعنيين بهذا الأمر بإجابات واضحة وشافية للأسئلة التى «يجب عليهم» معرفة تفسيراتها، حول عناصر ملموسة معروفة للجميع. لنبدأ.
ما سر كل هذا الاهتمام بريجينى من قبل أستاذ جامعى وسفير؟
لنبدأ بالتركيز على الساعات الأولى التى تلت اختفاء جوليو ريجينى، أى بين الساعة 19,40 والساعة 20,18 من مساء 25 يناير.
من السليم ومن الواجب أن نهتم بموت جوليو ريجينى وتعذيبه. ولكن إذا أردنا معرفة الحقيقة، فلا مناص من تحقيق إيضاح كامل لشهادة الشاهدين الوحيدين على حدث الاختفاء. وكونهما إيطاليين يجعل هذا الإيضاح متاحاً بسهولة وواجباً.
علاوة على ذلك لا توجد أسباب تدفع للشك فى أن الدكتور «جينّارو جيرفازيو»، الأستاذ الجامعى المتابع لريجينى، والسفير الإيطالى فى القاهرة، وكلاهما موجود فى إيطاليا الآن، حريصان على شرح بعض التفاصيل المعروفة لهما تماماً، حول الساعات الأخيرة فى حياة الطالب المسكين.
كذلك علينا أن نلاحظ أنه اعتباراً لأن ريجينى ليس العميل 007، لا توجد أسباب تبرر السرية المفروضة على بعض جوانب القضية، فى حين تواصل منظمة العفو الدولية «أمنستى انترناشيونال» زعيقها الذى يطالب بمعرفة «الحقيقة حول جوليو ريجينى». فلنلبى طلبهم ولنعد هدية لأمنستى، أو منظمة العفو الدولية.
الدكتور «جيرفازيو» كان الأستاذ المتابع لريجينى فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وقبل عمله فى القاهرة عمل فى أماكن أخرى.
كما نلاحظ، سيرته الذاتية فقيرة بعض الشىء وتجاربه كأستاذ جامعى محدودة، ولكن لا شك أن هذا راجع إلى إهمال القائمين على إعداد الموقع.
إن البروفيسور «جيرفازى» قد تحدث مع جوليو ريجينى فى الساعة 19,40. لنستمع إلى شهادته التى يقول فيها: «قال لى إنه سيتحرك من بيته نحو الساعة 20 للتوجه إلى محطة مترو الدقى، التى تقع على بعد 6 أو 7 دقائق من المنزل. ومنها يستقل المترو للهبوط فى محطة محمد نجيب، ومنها سيراً على الأقدام إلى المطعم».
ويقر البروفيسور جيرفازيو لاحقا إنه قد أجرى الاتصال الأول بريجينى فى الساعة 20,18 ثم حاول الاتصال مجدداً بعد 5 دقائق، أى فى الساعة 20,23. ثم مكالمة أخرى فى الساعة 20,25. كم مكالمة أجرى البروفيسور جيرفازيو؟ وبمن اتصل؟ بريجينى فقط الذى لم يكن يجيب على التليفون؟ حتى الأكثر قلقاً وغيرة بين الآباء المصريين سيتصل بابنته بهذا الإلحاح فى أقل من 20 دقيقة بعد مغادرتها لمكان عائدة إلى بيتها.
يقع حى الدقى على الضفة الغربية للنيل وهو يتاخم منطقة القاهرة الكبرى. والمسافة بين الدقى ومحطة محمد نجيب تبعد نحو 15 كيلومتراً.
وقطع مثل هذه المسافة يستغرق ما لا يقل عن 20 دقيقة بالسيارة فى مرور القاهرة، أما بالمترو، اعتباراً لكون المسافة مماثلة لتلك بين محطة «أنانيينا» و«ترمينى» فى روما، فيستغرق الأمر نحو 15 دقيقة. لماذا أجريت المكالمات؟
إن القاهرة مدينة ضخمة، مترامية الأطراف، تفوق فى امتدادها عشرة أضعاف روما. ورغم الانفلات فى الأمن، وهو ليس أسوأ فى القاهرة مما تعيشه بعض أحياء روما، ليس من المثير للقلق أن يتأخر شخص ما 5 دقائق عن الموعد. بل إذا دققنا فى التوقيتات لوجدنا أنه لا يوجد تأخير. ولكن البروفيسور «جيرفازيو» يشعر على الفور بالقلق ويدق ناقوس الخطر.وبعد نحو 20 دقيقة من مغادرة «الباحث» لمنزله كان البروفيسور قد أجرى 3 مكالمات هاتفية. ترى هل يجرى ذات العدد من المكالمات حين تتأخر عليه صديقته فى الموعد المتفق عليه؟.
إن مثل هذا السلوك لا يفسره إلا كون «جيرفازيو» و«ريجينى» قد اتفقا على الاتصال بصفة مستمرة أثناء تحرك الشاب من منزله إلى المطعم للتأكد أن الأمور تسير على ما يرام. فهل دفع عدم اتصال الطالب البروفيسور للشعور بالانزعاج؟
من المعروف أن مكالمات الاطمئنان عند التوجه إلى موعد حرج سلوك متبع من قبل رجال الاستخبارات، ولكن ريجينى لم يكن منهم، كما تؤكد عائلته وأجهزتنا المخابراتية. ونحن نصدق الأسرة والأجهزة.
ما سر هذه الاتصالات الملحة والمتواصلة إذن؟!
ومكالمات الاطمئنان والتأكد يقوم بها أيضاً من يشعر أنه فى خطر أو مهدد، ولكن لا توجد إشارة لشعور ريجينى بالخطر فى الأيام السابقة للاختفاء.
وإذا كان قد تعرض للتهديد فعلاً، فعلينا إيضاح سبب عدم قيام البروفيسور «جيرفازيو» بإبلاغ الجهات المختصة. وإذا كان قد أبلغ شخصاً ما بالأمر، فمن هو هذا الشخص؟ جهة مؤسساتية أم جهة ما لا تتبع السفارة الإيطالية؟ سياق معقد وغريب.
من كل الزوايا يبدو من المستغرب أن يشعر أستاذ متابع بكل هذا الانزعاج لتأخر «باحث» لمدة وجيزة عن موعد غير مهم.. وعليه التوضيح.
ولكن إذا كان الأستاذ «جيرفازيو» على قناعة بأن التأخر ليس غير ذى قيمة، فمعنى هذا أن الموعد لم يكن غير هام، وهو هنا يصبح مديناً لنا بالإيضاح.
وعليه فى المقام الأول توضيح الأمر لأسرة «جوليو ريجينى»، التى دُفِعت إلى توجيه الاتهام للشرطة المصرية، إذ من حق والديه أن توضح لهما هذه الأمور الأولية، لثقتهما فى أن جوليو لم يكن يمارس أنشطة مريبة. إن من حق والدى الضحية معرفة هذا من البروفيسور «جيرفازيو»، قبل وأحرى من مطالبة السيسى بكشف الحقيقة.
ونظراً لأن ريجينى لم يكن العميل 007، فيمكن للبروفيسور «جيرفازيو» تقديم إيضاح بلا أسرار يريح أسرة الشاب المسكين.
بمن اتصل السفير الإيطالي؟ ولماذا؟
من الجوانب الأخرى المطلوب إيضاحها بلا لبس دور السفير ماوريتسيو ماسّارى، لأنه من رجال المؤسسات وخادم للدولة الإيطالية، لذا يجب ألا تكون هناك شكوك فى شأنه.
«لقد اختفى بعد 25 دقيقة من مغادرته لسكنه» – قال البروفيسرو «جيرفازيو». ولكننا لا نعرف إذا كان البروفيسور «جيرفازيو» قد أجرى مكالمات أخرى بعد مكالمة الساعة 20,25، وكيف عرف فى الساعة 20,25 أن ريجينى قد اختفى. حسب جريدة «المصرى اليوم» المصرية، أثبت تحليل المكالمات أن الشاب لم يتحرك من منطقة سكنه: تم تحديد موقع وجود التليفون المحمول لآخر مرة فى «منطقة الدقى حيث يوجد سكنه».
إذن صدق حدس «جيرفازيو». ولكن كيف أدرك هذا؟ يبدو أنه يتمتع بالحاسة السادسة، أو أن شخصاً ما قد أبلغه. من؟ عبر التليفون؟
وحين شعر البروفيسور «جيرفازيو» بالانزعاج بادر بالاتصال بالسفير الإيطالى فى القاهرة، ماوريتسيو ماسّارى.
اتصل به على التليفون المحمول. ولكن ليس فور شعوره بالانزعاج، أى فى الساعة 20,30، بل فى الساعة 22,30.
إذن شعر «جيرفازيو» بالانزعاج، وكان انزعاجه مبرراً كما خمن وكما أثبتت الأحداث اللاحقة؛ ولكن «جيرفازيو» انتظر ساعتين كاملتين قبل الاتصال بالسفير.
فى البداية بدا «جيرفازيو» صاحب حدس صادق وسريعاً فى التصرف، إلا أنه انتظر ساعتين كاملتين قبل الاتصال بالسفير، على التليفون المحمول الخاص.
ولكن من المستغرب أن يكون شخص عادى مثله على معرفة بالرقم الخاص للسفير!.
علينا أيضاً أن نشيد بهذا السفير النشيط «ماسّارى» للطفه البالغ واهتمامه الكبير: إذ يتحرك فوراً بكل اهتمام من أجل مواطن إيطالى، فى نهاية المطاف، ليس أكثر من مجرد طالب «باحث»، فنراه يشعر بانزعاج كبير فور تلقيه مكالمة من الأستاذ المتابع له «جيرفازيو»، كما أسلفنا، فى الساعة 22,30.
قد يقول البعض إن ليس فى الأمر ما يدعو للاستغراب. ربما يكون رقم السفير معروفاً للبروفيسور «جيرفازيو» لأنه يعرفه بل وربما يكونان أصدقاء. إذن أحسن «جيرفازيو» صنعاً بالاتصال بالسفير الساعة 22,30.
أحسن صنعاً بلا شك. ولكن هناك جوانباً تستحق الاستغراب: لماذا انتظر ساعتين كاملتين قبل الاتصال بالسفير، نظراً لشعوره بالقلق على ريجينى ومعرفته برقم التليفون الخاص بالسفير؟
ونحن هنا لا نشك فى أن قلقه كان مبرراً، كما أثبتت الأحداث اللاحقة، التى لم يكن «جيرفازيو» يعرفها ولكنه كان يخمنها فقط.أو ربما كان يعرفها؟ كيف؟
هل لم يكن «جيرفازيو» يعرف رقم السفير ولكنه حصل عليه من شخص ما؟
من أعلمه برقم السفير؟ ومتى؟
إذا كان تأخر الاتصال بالسفير راجعاً إلى عدم معرفته بالرقم وضرورة الحصول عليه من شخص ما، فمن الضرورى إيضاح هوية «الشخص»، ودوره وجنسيته، وعلاقاته المهنية وعلاقاته فى إيطاليا وبريطانيا ومصر، إن لم تكن له روابط أيضاً بفرنسا أو ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو روسيا والعراق وسوريا وغيرها.. وربما أيضاً فى الفاتيكان نظراً للوضع الحالى.
كما ترون، قبل أن نطالب السيسى بتفسير ما حدث، علينا أن نطرح أسئلة كثيرة فى بيتنا، لأن «جيرفازيو» والسفير فى إيطاليا ويكفى استدعاؤهما.
علاوة على ذلك، ليس من الممكن إجرائياً أن يقوم سفير إيطالى بدق ناقوس الخطر وتفعيل سلسلة الإنذار، أى بتنشيط الهياكل الأمنية داخل السفارة والاستخبارات، دون إخطار وزارة الخارجية على الفور، مع إعلامها فوراً بما يجرى وبتقييماته ونواياه.
هل وجه للوزارة رسالة عادية أم مشفرة؟ وإذا كانت الرسالة مشفرة، فلماذا، اعتباراً لكون ريجينى ليس جاسوساً؟ وهل «جيرفازيو» أيضاً ليس جاسوساً؟
كما يبدو بجلاء، لا جدوى البتة من الإلحاح على مسئوليات افتراضية، بل افتراضية جداً، تُطرح بلا أساس إلى أن يثبت العكس، لتوجيه الاتهام للرئيس السيسى والشرطة المصرية.
علينا أن نفهم الدور الذى لعبه كل الإيطاليين المعنيين بالقضية، إضافة إلى ريجينى المسكين، الذى، كما يبدو، قد وجد فى المكان غير المناسب فى الوقت غير المناسب..
هناك العديد من الأسئلة الملموسة التى يتعين الرد عليه، قبل طرح أسئلة لا معنى لها مع العلم أن السيسى ليس لديه إجابات عنها. وسائل التضليل لم تتغير منذ مجزرة «بياتسا فونتانا» وحتى اليوم. بل قد غدا ممارسو التضليل أكثر براعة اليوم.
القاضى المعروف «أرماندو سباتارو» يؤكد أن القضاء قد بذل كل الممكن وليس بإمكانه القيام بأكثر من هذا. ومحقق كفء مثل «سباتارو»، مشهود له بالكفاءة حتى من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، يعرف بلا شك أن الحقيقة حول موت ريجينى يجب أن يُبحَث عنها بدايةً فى إيطاليا، وإذا سُمح بهذا، فى بريطانيا، حيث توجد الجامعة التى عُين فيها، لنقل، «باحثاً».
ونظراً لأن بريطانيا دولة أوروبية يسهل للإجراءات القضائية الإيطالية التعاون معها، فلن يكون من الصعب التحقيق حول طبيعة عمل ريجينى كـ«باحث» وكيف طُور ونُظِم وأُدير هذا العمل من قبل الجامعة المعنية.
حتى الآن لم تقدم السلطات التحقيقية الإيطالية أجوبة قابلة للتصديق كما لا تبدو عازمة على تقديمها. بالتالى يبدو مناسباً على الأقل أن تُشكل لجنة برلمانية قادرة على أن تقدم للبرلمان الإيضاح الذى لم يقدم حتى الآن من الحكومة أو من أجهزة الدولة المسئولة عن الأمن.
من يعمل لصالح من فى إيطاليا؟ هذا هو السؤال الذى تجب الإجابة عنه. دعونا لا نصاب بالصمم من الزعيق الموجه ضد السيسى. فهذه الاتهامات ليست إلا حيلة تذكرنا بالاتهامات الموجهة إلى أجزاء مارقة فى الاستخبارات إبان الضربات الإرهابية الكبرى التى ضربت البلاد. اتهامات وصريخ وعويل بلا جدوى، لم تأت منه نتائج إلا المقاعد البرلمانية التى كوفئ بها أهالى ضحايا الإرهاب الذين قبلوا تمثيل الدور المرسوم.
أما اتهام الحكومة المصرية، كما يفعل السفير السابق والمحلل السياسى «سيرجيو رومانو»، دون دليل، فيدفع المتمتعين بملكة التفكير إلى إدراك وجود إيطاليا مظلمة تحتاج إلى تنظيف، أكثر بمراحل مصر، التى لن تصل منها حقائق لا يمكن الحصول عليها مسبقاً من روما ولندن وربما باريس أو برلين أو واشنطن، أو نابولى أو بيروجيا، أو كايفانو أو بينيرولو.
هل أدركت إلى أى مدى لم تعد وسائل الإعلام الغربية مهتمة إلا بالحسابات سواء كانت سياسية أو اقتصادية؟!
وهل تحتاج إثباتات جديدة على ما كان منها يفتعل الحياد أو الموضوعية صار يلعب بشكل واضح ومكشوف؟!
المحقق الإيطالى سيرجيو كولاتشى يكشف سر ظهور «مها عزام» فى القضية!
من هى «آنا ألكسندر» التى ساعدت ريجينى فى إجراء بحثه؟
ـ نكشف تفاصيل العلاقة بين الطالب المقتول والمشرفة على رسالته للدكتوراه
المحققون حصلوا على 3 رسائل قصيرة بين القاهرة ولندن وقت اختفاء الطالب الإيطالى وبعد العثور على الجثة!
أزمة بين إيطاليا والمخابرات البريطانية بعد رفض أساتذة ريجينى مقابلة فريق التحقيق
أسرار الزيارات المتبادلة بين «مها عزام» وأستاذة ريجينى فى لندن!
هل كان ريجينى ضحية صراع بين الأمن الوطنى والمخابرات العامة والمخابرات الحربية؟!
لماذا تصمت وزارة الداخلية المصرية على اتهامات «التايمز» البريطانية و«لاريبوبليكا» الإيطالية؟!
إلى السطح، قفزت من جديد قضية مقتل الطالب الإيطالى جوليو ريجينى فى القاهرة.
وكنا قررنا ألا نتناول القضية بعد أن قلنا ما لدينا بشأنها فور الإعلان عنها، لثقتنا فى أن التحقيقات تتم بشفافية وموضوعية وتعاون كامل مع إيطاليا فى ظل تفهمنا لما تمثله قضية مصرع الطالب الإيطالى من أهمية بالنـسبة لجميع الدوائر الإيطالية الرسمية والشعبية.
كذلك، لثقتنا أيضاً فى أن الحكومة المصرية تتعامل بجدية وموضوعية كاملة مع القضية وتُبدى أقصى درجات التعاون مع الحكومة الإيطالية، مع وجود رغبة مشتركة فى الكشف عن الجناة.
أيضاً، كان سبب تعاملنا مع القضية بقدر من الحذر، هو إدراكنا أن الهدف من الجريمة هو الإضرار بالجهود المصرية الساعية لتصدير صورة الاستقرار للعالم، لجذب الاستثمارات الأجنبية والسياحة بعد سنوات من الاضطرابات والأعمال الإرهابية.
غير أن عدداً من الأسباب، دفعت الإعلام البريطانى والإيطالى إلى إعادة إلقاء الضوء على القضية، بشكل تضمن أكاذيب وافتراءات أكثر بكثير مما كان معتاداً طوال الفترة الماضية، وهو ما نراه راجعاً لعدة أسباب، هى على التوالى رفض أساتذة بجامعة كامبريدج البريطانية طلبات المحققين الإيطاليين بالإجابة عن بعض الأسئلة.. وظهور ما يثبت وجود علاقة بين عدد من هؤلاء الأساتذة وتنظيم الإخوان المسلمين.. ومقال إيطالى كشف كثيراً من الحقائق، يمكننا اعتباره قنبلة مدوية..
ـــــــــــــــــــــــــــ
2
ونبدأ من أساتذة جامعة كامبريدج البريطانية الذين رفضوا طلبات المحققين الإيطاليين بالإجابة عن بعض الأسئلة حول بحث ريجينى الذى تعلق بالنقابات العمالية المستقلة فى مصر.
المحققون الإيطاليون كانوا يأملون فى أن تلقى الإجابات الضوء على قائمة اتصالات ريجينى وعمله المتعلق بالحركة النقابية، والذى يربط البعض بينه وبين تعرضه للتعذيب والقتل. الأمر الذى انتقدته أسرة ريجينى ووصفت رفض أساتذة كامبريدج التعاون بأنه «من كان يؤمن بأسس البحث الدقيق، وواجب التضامن، وحماية حقوق الإنسان لا يمكنه الهروب من الواجب الأخلاقى والمدنى للمساعدة فى التحقيقات»، وناشدت الأسرة البرلمان الأوروبى التعاون لإنهاء «أى مؤامرة من الصمت»، سواء كانت من بريطانيا أو أى مكان آخر له علاقة بمقتل ريجينى.
ومن جريدة «التايمز» البريطانية عرفنا أن القضاة الإيطاليين الذين يحققون فى مقتل ريجينى، أعربوا عن دهشتهم حيال رفض أربعة أكاديميين فى جامعة كامبريدج البريطانية كانوا يعملون مع ريجينى مقابلتهم.
وفى التقرير الذى كتبه «توم كينتون» بعنوان «الأكاديميون صامتون بشأن مقتل جوليو ريجينى» ذكر بوضوح أن «القضاة الإيطاليون يشعرون بالدهشة لرفض أربعة أكاديميين من جامعة كامبريدج العريقة عملوا مع الطالب الإيطالى جوليو ريجينى الذى تم قتله بعد تعذيبه فى مصر - رفضوا مقابلة المسئولين الإيطاليين.
وقال سيرجيو كولاتشى - الذى يحقق فى قضية تعذيب وقتل ريجينى فى مصر – إنه سافر إلى مدينة كامبريدج الإنجليزية ومعه رسالة توصى بالتحقيق مع أربعة أكاديميين فى الجامعة من بينهم مها عبدالرحمن المشرفة على رسالة الدكتوراه التى كان يعدها الباحث الإيطالى قبل مقتله.
وكان المحققون الإيطاليون يتوقعون أن يتوصلوا إلى معلومات حول العمل الذى كان يقوم به ريجينى عبر مقابلة الأكاديميين الذين أشرفوا على عمله أو عملوا معه. غير أن «توم كينتون» كشف أن مها عبدالرحمن المشرفة على رسالة الدكتوراه التى كان يعدها ريجينى زعمت أنها فى «إجازة تفرغ علمى»، وأكدت للمحققين الإيطاليين أنها غير متأكدة من أنها تستطع الإجابة على أسئلتهم، مضيفاً أن «عبدالرحمن لم تجب على الرسالة الإلكترونية التى أرسلتها لها جريدة التايمز».
ــــــــــــــــــــــــــ
3
رفض أساتذة من جامعة كامبريدج البريطانية التعاون مع المحققين الإيطاليين فيما يتعلق بالتحقيق فى قضية ريجينى، أكد شكوك صحف إيطالية حول إمكانية وجود دور للمخابرات البريطانية فى القضية، وأن بريطانيا لديها معلومات لم ترد الإفصاح عنها للمحققين الإيطاليين.
فانتقدت جريدة «بانوراما» الإيطالية موقف جامعة كامبريدج البريطانية، التى رفضت استقبال المحققين الإيطاليين والتعاون معهم فى قضية ريجينى، وأشادت فى المقابل بموقف مصر وقالت إن القاهرة تعاونت بشكل كبير مع الجهات الإيطالية بشأن مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى.
وقالت الجريدة: «لم يكن متوقعاً أن جامعة كامبريدج ترفض التعاون فى القضية»، مشيرة إلى أن أسرة ريجينى أعربت عن صدمتها حيال رفض أساتذة جامعة كامبريدج استقبال المحققين الإيطاليين، وقالت الأسرة: «لقد وضعنا ثقتنا فى إرسال نجلنا إلى كامبريدج، وكنا نتوقع أقصى درجة من التعاون خلال رحلة البحث عن ملابسات تعذيب وقتل ريجينى بينما كان يجرى بحثاً على ذمة الجامعة».
وقالت جريدة بانوراما الإيطالية، إن المرارة التى يشعر به كلاوديو وباولا والدا ريجينى زادت بعد أن شعرا بضياع حقيقة مقتل نجلهما بين مصر وبريطانيا، حيث أعربا عن صدمتهما من تخلى أساتذة جامعة كامبريدج عن القيام بواجبهم الأخلاقى والقانونى فى المشاركة بالتحقيقات فى مقتل تلميذهم ريجينى.
وأوردت الجريدة الإيطالية، أن عدم تعاون أساتذة كامبريدج ليس الدافع الوحيد لإثارة الشكوك حول دور بريطانيا فى القضية، فقد احتوت سجلات المكالمات التليفونية التى حصل عليها المحققون الإيطاليون والمتعلقة بواقعة مقتل ريجينى، أن هناك ثلاث رسائل قصيرة، أُرسلت من هواتف بريطانية إلى أخرى مصرية فى الفترة ما بين الساعة السابعة والنصف والثامنة والنصف من مساء 25 يناير، أى بالتزامن مع اختفاء ريجينى، فى نفس المنطقة التى يسكن بها القتيل.
وتابعت «بانوراما الإيطالية»، أنه فى الليلة ما بين يومى 2-3 فبراير، أى فى توقيت العثور على جثة ريجينى تم إرسال رسالة أخرى من رقم هاتف يفترض أنه بريطانى إلى هاتف مصرى فى المنطقة التى تم العثور فيها على جثة ريجينى.
كما رجحت جريدة «الجورنالى» الإيطالية، الشكوك التى تحوم حول بريطانيا فى القضية، إذ أكدت معرفة المخابرات البريطانية بطبيعة الوضع السياسى فى مصر، وأن أستاذة جامعة كامبريدج آنا ألكسندر التى ساعدت ريجينى فى إجراء بحثه كانت على صلة وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين.
وكانت ألكسندر هى نفسها من سارعت إلى انتقاد تأخر الحكومة البريطانية فى اتهام الحكومة المصرية بقتل وتعذيب ريجينى، وصرحت نصًا «بعد قتل وتعذيب باحث دكتوراه يبدو أن الحكومة البريطانية لا تزال مترددة فى توجيه الانتقاد للسلطات المصرية».
وقالت جريدة «الشمس 24 ساعة» الإيطالية، إن مهمة فريق التحقيقات الإيطالى الذى ترأسه المدعى العام الإيطالى، سيرجو كولايكو، وبعض رجال الشرطة المركزية الإيطالية وآخرين من مسئولى العمليات الخاصة، الذين قصدوا جامعة «كامبريدج» البريطانية، أمس، من أجل الاستماع إلى بعض من أساتذة الشاب الإيطالى القتيل، جوليو ريجينى، منيت بالفشل.
وأضافت الجريدة، أن جامعة «كامبريدج» فضلت عدم الكشف عن أسرارها الأكاديمية، فى إشارة إلى رفض أساتذتها الإدلاء بأية تصريحات حول أنشطة باحث الدكتوراه الإيطالى.
وكان الغرض من جولة التحقيقات الدولية، حسب الجريدة، هو الاستماع إلى أساتذة ريجينى ومن ثم التعرف على سبب تبادله مع بعض أساتذته العديد من رسائل البريد الإلكترونى فى الفترة الأخيرة، قبل وفاته.
وأوضحت الجريدة أن أبرز الأساتذة الذين رفضوا الإدلاء بأية تصريحات حول طبيعة الاتصالات بينهم وبين ريجينى، كانت المشرفة على رسالة الدكتوراه الخاصة به، وتدعى مها عبدالرحمن، والتى فضلت «الصمت» وعدم التحدث.
فيما نقلت جريدة «إسبريسو» الإيطالية عن عبدالرحمن قولها: «لن أدلى بأية تصريحات للسلطات الإيطالية».
ورأت جريدة الشمس 24 ساعة أن «الشىء المثير للجدل هو التكتم الشديد لجامعة كامبريدج، ورفض أساتذتها الإدلاء بأية تصريحات لفريق التحقيقات الإيطالى، فى حين أن عدداً من أصدقاء ريجينى قد تحدثوا للمحققين الإيطاليين».
ووصف أصدقاء الباحث الإيطالى أنشطته الأكاديمية بـ«غير المريحة»، الأمر الذى سيساعد النائب العام الإيطالى، هذه الأيام، فى فك شفرة بعض النقاط الغامضة فى قضية ريجينى، بحسب الجريدة الإيطالية.
كذلك، قالت جريدة «ستاديو 24» الإيطالية، إن رفض تعاون جامعة كامبريدج بلندن مع المحققين الإيطاليين فى قضية ريجينى، أثار لديهم العديد من الشكوك، خاصة بعد رفض المشرفة على بحثه الأخير التحدث معهم، وهو ما أثار العديد من الشكوك لدى المحققين الإيطاليين، خاصة بعد وصف الأبحاث بالسرية.
وأضافت الجريدة أن مصر أرسلت بيانات جديدة عن هاتف الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، وأشارت إلى أن التحقيق فى روما لا يزال مستمرًا لمعرفة حقيقة مقتل ريجينى ولا تزال الجهات الإيطالية تطالب مصر بالتعاون، وإرسال بيانات تفيد فى معرفة قاتل ريجينى. وأوضحت الجريدة أن المدعى العام الإيطالى سيرجيو كولاجيو مقتنع بوجود رابط بين اختطاف ريجينى والنقابات العمالية المستقلة فى مصر، التى كان يعمل بها، ويأملون فى أن البيانات التى تم إرسالها من مصر تسفر عن جديد، خاصة الرسائل التى كان يتبادلها مع أساتذته فى العمل خلال تواجده بمصر.
ـــــــــــــــــــ
4
ونشير هنا إلى أن «الخارجية الإيطالية» كانت قد رفضت فى أبريل الماضى التعليق على جزء «غامض ومقلق» من قضية مقتل ريجينى، بشأن معلومات من المفترض أنها لدى المخابرات البريطانية، ويمكن أن يكون لها دور فى التوصل إلى الدافع الحقيقى وراء الجريمة. وهو ما أكده قيام الحكومة البريطانية بالإعلان عن تقديم أى مساعدة ممكنة من شأنها الإجابة على تساؤلات عائلة ريجينى. وأكد المتحدث الرسمى باسم الخارجية البريطانية أن الخطوة التى اتخذتها بلاده تجاه القضية جاءت استجابة لعريضة وقّع عليها أكثر من 10 آلاف أكاديمى.
فى ذلك الوقت، أى فى أبريل الماضى، كشفت جريدة «إل- جورنالى» الإيطالية أن العريضة التى تحركت بموجبها الحكومة البريطانية دعت إليها «هانا واديلوف»، طالبة الدكتوراه بجامعة ورك الإنجليزية، وباحثة متخصصة فى شئون الجماعات الإرهابية بإفريقيا، موضحة أن «واديلوف» عملت بشركة أوكسفورد أناليتيكا التى عمل بها ريجينى لمدة ثلاث سنوات، وهى شركة مختصة فى تقديم استشارات حول البلدان ذات الأوضاع الخطرة، كما عملت لمدة 5 أشهر كمحللة للشئون المخابراتية فى شركة Ake وهى شركة تعمل فى المجال الأمنى وتديرها قوات الخدمات الجوية الخاصة SAS وتهدف إلى جمع العمليات الحربية ومشاركتها لتحقيق الأمن والمصالح البريطانية.
كما كشفت الجريدة الإيطالية أن دور أساتذة ريجينى فى جامعة كامبرديج يثير تساؤلات حولها هالة من الغموض، مؤكدة أن السير الذاتية لهؤلاء الأساتذة محاطة بتكتم إعلامى وحكومى كبير. ومن بين هؤلاء الأساتذة ذكرت بالاسم مها عبدالرحمن، التى عقدت يوم 11 يونيو الماضى مؤتمرًا موضوعه «حقوق الإنسان فى مصر» بمقر منظمة العفو الدولية بمدينة كامبريدج، وهى المنظمة ذاتها التى أطلقت حملة «الحقيقة من أجل جوليو» بعد مقتله. وهو المؤتمر أيضاً الذى أدان ما تم وصفه بـ«أشكال القمع ضد الصحفيين والطلاب والنشطاء والعمال والمواطنين» فى مصر.
وقالت الجريدة الإيطالية إنه على الرغم من معرفة مها عبدالرحمن بمدى المخاطر التى قد يتعرض لها ريجينى بسبب أبحاثه، فإنها اعتمدت البحث الذى قدمه لجامعة كامبريدج وأرسلته بعد ذلك إلى القاهرة لاستكمال دراساته بها.
كما سلطت الجريدة الضوء على دور أستاذة أخرى بجامعة كامبريدج التى درس بها ريجينى، تدعى «آنا ألكسندر»، نشرت فى أكتوبر الماضى تحليلًا سياسيًا دعت فيه إلى تشكيل تحالف بين جماعة الإخوان المسلمين والنشطاء اليساريين فى مصر، حيث رأت أن هذا التحالف يمكنه القضاء على النظام الحاكم الحالى، كما قامت ألكسندر فى الخامس والعشرين من أكتوبر الماضى بالتوقيع على عريضة للمطالبة الشعبية برفض زيارة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى للعاصمة البريطانية لندن، ثم نشرت هذه العريضة على الموقع الرسمى لتنظيم الإخوان المسلمين.
وأشارت الجريدة الإيطالية إلى أن ألكسندر على اتصال بمها عزام، رئيسة ما يسمّى بـ«المجلس الثورى المصرى، منذ 2009، وهو أحد أكبر التنظيمات المعارضة للنظام المصرى الحالى ومقره مدينة جينيف السويسرية.
واختتمت جريدة «إل- جورنالى» الإيطالية تقريرها المنشور أبريل الماضى بأن الخارجية الإيطالية والمخابرات البريطانية لا يمكن أن يخفى عليها مثل هذه المعلومات السابق ذكرها، وأنها على الرغم من ذلك لم تعلق على مثل هذا الجانب المهم فى القضية والذى قد يساعد فى الوصول إلى خيط جديد حول القضية.
ونشير هنا إلى الخلط الذى حدث فى إحدى الصحف الإيطالية ورددته أجهزة إعلام مصرية عن مها عبدالرحمن المشرفة على رسالة دكتوراه ريجينى فى جامعة كمبردج، لنوضح أنها أستاذة علم اجتماع معروفة كانت تقوم بالتدريس فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة وتم الخلط بينها وبين مها عزام، التى تعيش فى لندن ولم تحصل على الدكتوراه وعملت فى BBC بعض الوقت، وهى التى تنتمى لتنظيم الإخوان بل وتمت بصلة القرابة لأيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة.
غير أن مد الخيوط على استقامتها يكشف أن مها عزام هى الأخرى لها علاقة بالموضوع، والسبب كما أوضحنا هو علاقتها بـ«آنا ألكسندر»، والتى تعود إلى سنة 2009 كما أشرنا من قبل.
ــــــــــــــــــــــــ
5
ونعود إلى الفضيحة الجديدة..
فضيحة رفض أساتذة من جامعة كامبريدج البريطانية التعاون مع المحققين الإيطاليين
ونعود إلى الفضيحة الجديدة..
فضيحة رفض أساتذة من جامعة كامبريدج البريطانية التعاون مع المحققين الإيطاليين، والتى ما كادت تنال قدراً من اهتمام وسائل الإعلام حتى نشرت أكثر من جريدة بالتزامن، تقارير زعمت أنها تتضمن تفاصيل جديدة حول مقتل جوليو ريجينى، فنشرت «التايمز» البريطانية مقالاً لـ«توم كينجتون» من روما بعنوان «الطالب المقتول كان ضحية الصراع بين الأجهزة الأمنية فى مصر»، وهو التقرير الذى يكاد يتطابق مع ما نشرته جريدة «لاريبوبليكا» الإيطالية.. وزعمت الجريدتان أن هذه المعلومات الجديدة مصدرها مجهول، وأنها تم تسريبها إلى الجانب الإيطالى عن طريق مصدر مخابراتى أرسلها إلى السفارة الإيطالية فى سويسرا، وأن هذا المصدر المجهول يصف نفسه بأنه وسيط لنقل المعلومات بشأن قضية ريجينى من إحدى المؤسسات الرئيسية بمصر، وهو ما تأخذه أجهزة التحقيقات الإيطالية على محمل الجدية!
التفاصيل الجديدة الواردة بحسب الصحيفتين الإيطالية والإنجليزية تقول إن اختطاف وتعذيب الطالب الإيطالى جرى على خلفية صراع بين الأمن الوطنى والمخابرات العامة والمخابرات الحربية.
فى مقاله المنشور بـ«التايمز»، يقول كينجتون إن مصادر سربت بعض ملابسات تعذيب ومقتل طالب الدكتوراه الإيطالى جوليو ريجينى فى القاهرة قائلة إن مقتله جاء نتيجة للصراع بين الأجهزة الأمنية والمخابراتية المصرية.
ويضيف أنه وفقاً لرسالة من شخص رفض الإفصاح عن هويته تم إرسالها إلى السلطات الإيطالية فإن وزراء مصريين كانوا على علم باحتجاز وتعذيب ريجينى على يد الأجهزة الأمنية.
ويضيف كينجتون إن المزاعم الجديدة أرسلت إلى السفارة الإيطالية فى سويسرا ويتم التحقيق فيها، حسبما قال مصدر قضائى للتايمز.
ويزعم المسرب الذى يقول إن «لديه معلومات من مكتب مسئول مصرى كبير» إن ريجينى وضع تحت المراقبة من قبل المخابرات العامة فور دخوله مصر.
وتقول الجريدة إنه بعد مراقبة اتصالاته بالنشطاء فى النقابات الذين يعتبرون معادين للحكومة، اعتُبر ريجينى جاسوساً ومثيراً للقلاقل. كما اكتشف المسئول عن عملية مراقبته أنه قابل ناشطا شاباً على قرابة باللواء صلاح حجازى مدير الأمن الوطنى.
ويزعم المسرب أن المسئول عن مراقبة ريجينى أبلغ اللواء عباس كامل مدير مكتب الرئيس عبدالفتاح السيسى. ثم أُقيل حجازى فى ديسمبر ونُقل ملف ريجينى إلى المخابرات العسكرية، الجهاز المخابراتى المنافس للمخابرات العامة.
وأدى ذلك إلى إثارة غضب مجدى عبدالغفار وزير الداخلية المصرى الذى أبدى احتجاجه أمام السيسى بأن نقل ملف ريجينى للمخابرات العسكرية إهانة للمخابرات العامة، حسبما تزعم الرسالة.
ووفقاً للرسالة فإن ريجينى عذب ليكشف صلاته بالنشطاء والنقابات، وقتل، وسلم جثمانه ومتعلقاته للمخابرات العامة بتعليمات لدفن الجثة، ولكن المخابرات العامة لم تستجب لهذه التعليمات وألقت الجثة على جانب الطريق حيث يمكن العثور عليها.
طبيعى أن تسأل عن علاقة اللواء مجدى عبدالغفار وزير الداخلية بالمخابرات العامة، وعن السبب الذى يجعله يبدى احتجاجه لانتقال ملف القضية إلى المخابرات الحربية؟!
ولأنه لا توجد أى علاقة بين عبدالغفار والمخابرات العامة، ولأنها بعيدة تماماً عن مجال اختصاصه وحدود مسئولياته، نكون أمام حقيقة مؤكدة وهى أن جريدة «التايمز» اعتمدت فيما نشرته على مصدر جاهل لا يعرف شيئاً عن أى شيء.. وربما كانت تختبر مستوى ذكاء قرائها.. وللأسف ثبت أن مستوى ذكاء قرائها فى مصر منخفض إلى الدرجة التى جعلتهم يصدقون هذه الأكذوبة وما سبقها من أكاذيب امتلأ بها «توم كينجتون».
فى اليوم نفسه، الذى نشرت فيه التايمز البريطانية، نشرت جريدة «لاريبوبليكا» الإيطالية تقريراً منسوباً إلى مصدر مجهول قالت إنه سربها إلى المحققين الإيطاليين بالإضافة إلى مصدر مخابراتى، أشار إلى أن السبب الرئيسى وراء اختطافه وتعذيبه حتى الوفاة هو الصراع بين جهاز الأمن الوطنى والمخابرات الحربية المصرية، إضافة إلى علاقته بشاب من الاشتراكيين الثوريين يُدعى وليد.
وتقول الجريدة التى زعمت أنها جمعت أدلة جديدة من مصادر بالمخابرات وهيئة التحقيقات فى القضية، إن شهادة وفاة ريجينى كُتبت بعد فترة قصيرة من وصوله إلى القاهرة، فى سبتمبر 2015، حينما فتح جهاز الأمن الوطنى بوزارة الداخلية له ملفاً برقم 333//01/2015، يشرف عليه رئيس الجهاز آنذاك اللواء صلاح حجازى، ويتهمه بالتجسس والتآمر والانتماء لشبكة إرهابية داخل البلاد تخطط للإطاحة بالرئيس السيسى.
بعدها، ولقرابة 3 أشهر، أصبح ريجينى، الذى يخضع للمراقبة دون أن يشعر، فريسة سهلة لصراع بين أجهزة الدولة، وتحديدًا المخابرات الحربية والأمن الوطنى، بهدف الوصول لمكانة أعلى داخل النظام، بحسب الجريدة.
وهو الصراع الذى تجلى فى اعتقاله مساء 25 يناير 2016 من وسط القاهرة، وبالتحديد خارج محطة مترو محمد نجيب، وليس فى منطقة الدقى كما تردد من قبل، ليتم تعذيبه فى المخابرات الحربية، وصولاً إلى إلقاء جثمانه شبه العارى على طريق مصر- الإسكندرية الصحراوى وإلى جواره شىء لم يذكر من قبل، وهو بطانية لا يتم استخدامها إلا فى الجيش المصرى.
وتقول الجريدة إن هذا الأثر تركه شخص، داخل الأجهزة الأمنية، قرر «الانتقام» وتقديم دليل على المسئولين عن القتل.
وزعمت الجريدة أنها حصلت على أوراق باللغة العربية بتاريخ 25 يناير الماضى أُرسلت إلى السفارة الإيطالية فى بيرن بسويسرا، ومنها إلى نيابة روما فى الأسابيع الماضية، والتى يتحدث فيها مصدر مجهول يصف نفسه بأنه وسيط لنقل المعلومات بشأن قضية ريجينى والقادمة من إحدى المؤسسات الرئيسية بمصر. وهى رواية غنية بالتفاصيل التى بدأت نيابة روما التحقق منها.
وفى محاولة منها لسرد سير الأحداث حتى وفاة ريجينى، ذكرت «لاريبوبليكا» أن هناك 3 خيوط مهمة: الأول صورة التُقطت لريجينى فى جمعية عمومية لإحدى النقابات فى 11 ديسمبر 2015، والثانى زيارة خلال الشهر ذاته قام بها ضابط بالأمن الوطنى لمنزل ريجينى فى حى الدقى، والثالث اتصال أجراه نفس الضابط بشريك جوليو فى المسكن بعد أيام من اعتقاله.
وبحسب الأوراق التى قيل إنها بين يدى نيابة روما الآن، قدم رائد بالأمن الوطنى مكلف بالتحقيق حول ريجينى معلومات جديدة للواء حجازى، تتضمن لقاء جوليو بشاب يُدعى وليد، «هو أحد الشباب المعروفين باسم شباب ثورة 25 يناير، وينتمى لمجموعة الاشتراكيين الثوريين، ومقرّها 7 شارع مراد بالجيزة».
ووفق ملاحظات الأمن الوطنى، فقد التقى جوليو ووليد وتناولا الطعام فى كشرى أبوطارق بشارع شامبليون وسط القاهرة، وتلفت الجريدة إلى أن سبب الاهتمام هو أن وليد ليس اسماً عادياً لمراقبى الأمن الوطنى، حيث «تربطه علاقة عائلية من الدرجة الثانية باللواء صلاح حجازى، رئيس الجهاز».
وتقول الجريدة إن اسم وليد لا يظهر فى مفكرات ريجينى ولا يعرفه أصدقاؤه الإيطاليون بالقاهرة.
وقدم المصدر المجهول لسفارة إيطاليا فى بيرن اسم مواطنين مصريين يمكنهما توصيل المحققين الإيطاليين بالشاب (وليد)، لكن الجريدة تحفظت على نشر هويتهما.
وتشير «لاريبوبليكا» أيضاً إلى أن النيابة الإيطالية لديها خيط لهذا الشاب المصرى فى إطار تحقيقات القضية، وهو اتصال هاتفى فى أكتوبر 2015 أجراه جوليو مع وليد. وتقول إن هذه الملابسات مهمة بالتأكيد، وربما هو السر وراء إغفالها إلى الآن.
فى 19 ديسمبر 2015، أُعفى اللواء صلاح حجازى من منصبه كرئيس للأمن الوطنى، وحل محله اللواء محمد شعراوى، ليدفع ثمن خطأين – بحسب الجريدة - الأول هو التباطؤ الذى أدار به ملف ريجينى، والثانى قراره إعفاء الرائد الذى كشف الاتصال بين جوليو ووليد، قريب حجازى.
اشتكى الرائد المُعفى من منصبه للواء عباس كامل، الذى تصفه الجريدة بأحد أقوى رجال النظام واليد اليمنى القوية للرئيس السيسى، وقرر كامل - كما تقول الأوراق التى ساقها المصدر المجهول - «أن يتم نقل ملف ريجينى من الأمن الوطنى إلى إدارة المخابرات الحربية، تحت إشراف اللواء محمد فرج الشحات». وأصبح رقم الملف الجديد هو M.1/25,2009، وبمشرف جديد هو اللواء فرج الشحات، وتحت رئيس تحقيق جديد هو الضابط جلال الدباغ.
وتصف الأوراق الدباغ بأنه «سريع الغضب متكبر وعبقرى فى تطبيق كل ما هو جديد فى عالم التعذيب».
وبينما يقضى جوليو عطلة أعياد الميلاد فى إيطاليا، كان الصراع مستعراً بين الأمن الوطنى والمخابرات الحربية، اللذين يتنافسان على الباحث الشاب كجائزة تؤكد ما يردده النظام عن وجود مؤامرة خارجية والعدو الداخلى.
وأرسل وزير الداخلية اللواء مجدى عبدالغفار خطاباً إلى الرئيس السيسى، يوضح فيه عدم قانونية نقل الملف، وإهانة الأمن الوطنى، وعن عمله الذى «سمح بكشف النقاب عن الشاب الإيطالى وشبكة التجسس التى ينتمى لها»، وطلب إعادة الملف إلى الأمن الوطنى.
النكتة هى أن «لاريبوبليكا» زعمت أنه بعد 5 أيام من الحوار الذى أجرته مع الرئيس السيسى فى 14 مارس، الذى أكد فيه التزام بلاده بالوصول للحقيقة فى مقتل الشاب الإيطالى، «أبلغ عباس كامل وزير الداخلية مجدى عبدالغفار بقرار إقالته ورئيس الأمن الوطنى محمد شعراوى من منصبيهما»، ليدفعا ثمن عدم طاعة الأوامر والعثور على جثمان جوليو، وليكونا كبشى الفداء اللذين تقدمهما مصر للرأى العام الإيطالى والأوروبى.
ويكفى أن نشير إلى أن اللواء مجدى عبدالغفار، لا يزال فى موقعه، وزيراً للداخلية، وهو ما يعنى أن ما نشرته «لاريبوبليكا» عن عزله مجرد كلام فارغ لا أكثر، وهو أيضا ما يشكك فى كل ما نقلته عن مصدرها المجهول!
ــــــــــــــــــــــ
6
غير رفض أساتذة كامبريدج البريطانية، نشر موقع «piero la porta» الإيطالى، مقالاً مطولاً، كان بمثابة القنبلة، وهو التقرير الذى حمل عنوان « Al Sisi assassino di Regeni? Bufala insostenibile أو «هل قتل السيسى ريجينى؟ خدعة لا يمكن تحملها».
وهذا هو العنوان الرئيسى، والذى جاء بعد عنوان تمهيدى يقول «بعد شهور من حملة ادعاءات شرسة، وبعد أن اقتنع الإيطاليون أن السيسى هو قاتل جوليو ريجينى، الصمت يخيم على القضية».
ولأهمية المقال القصوى، من وجهة نظرنا، ننقله لكم بالنص:
نحن لا نعرف من قتل جوليو ريجينى وإذا كنتم تعتقدون أن هذا المقال سيحل اللغز، فدعوكم منه وتوجهوا لقراءة مقالات أخرى. بيد أن هذا المقال سيشرح لكم كيف بنت الحكومة الإيطالية زيفاً بائساً. وحين ستنتهون من قراءته ستعرفون «كيف»، ولكنكم لن تعرفوا «لماذا». ونأمل أن يراود حب الاستطلاع البرلمان، لينتفض لكرامته، ويشجع تشكيل لجنة تحقيق حول سلوك الحكومة الإيطالية والمصالح الخافية التى تحجبها.
وقد فرض هؤلاء «حقيقة تليفزيونية» فحواها أن الشرطة المصرية قد قتلت جوليو ريجينى بأمر من السيسى.
هل مثل هذا التفسير السريع يتطابق دائماً مع تفسير موثوق وصادق؟ فى العمليات الإرهابية الكبرى التى ضربت إيطاليا وفى «الأسرار» الإيطالية العديدة، أثناء الستين سنة الماضية، لم تظهر الحقيقة أبداً فى الساعات الأولى أو الأسابيع الأولى ولا حتى فى السنوات الأولى. بل أنها لم تكشف أبداً من قبل المحققين الإيطاليين، الذين عوضاً عن كشف الحقيقة تخصصوا فى التضليل.
دعونا ننشط الذاكرة بعد 40 سنة من عملية «بياتسا فونتانا» الإرهابية فى ميلانو فقط عرفنا بوجود قنبلتين لا قنبلة واحدة، كما اعتقد عدد من أهم المحققين وأشهرهم. والفضل فى هذا الاكتشاف يعود إلى صحفى إيطالى يعانى من مرض حرية الرأى هو «باولو كوكياريللى». كانت هناك قنبلة يمينية المصدر بالتأكيد وقنبلة أخرى يسارية. وقد خلص «ريناتو كورتشيو»، زعيم الألوية الحمراء البائس، إلى أنه من الأفضل الكف عن الخوض فى الموضوع. وربما يكون محقاً، خاصة نظراً للحياة الرغدة التى يعيشها هو ورفاقه.
والصحفيون الإيطاليون ليسوا أفضل من الألوية الحمراء. فهم يعكفون على الحديث عن حرية الصحافة متجاهلين أو عارفين من التجربة المباشرة، كما يعرف «ماريو كالابريزى» رئيس تحرير جريدة «لاريبوبليكا»، أن الصحافة فى روما وفى ميلانو أقل حرية بمراحل مقارنة بصحافة القاهرة.
وبعد إعداد «الحقيقة» المسمومة – «قتله المصريون» – كوفئ البيروقراطيون الذين سهروا على إعدادها بترقيات، مع إبعاد من خالفهم فى الرأى عن الساحة.
أى من لم يتفق معهم حول ماذا؟ كالعادة، وكما حدث بعد كل مجازر الإرهاب فى إيطاليا، يوجه الاتهام إلى مسئول زائف لتغطية القاتل الحقيقى والسماح له بالإفلات. وفى قضية ريجينى من المؤكد أن القاتل الحقيقى هام جدا اعتباراً لأن تغطيته تطلبت اتهام الرئيس السيسى.
والخطوة الثانية فى عملية التضليل تتمثل فى مكافأة أهالى الضحية حتى يقبلوا الحقيقة الرسمية، بالتكريم والتعويضات وربما بمقعد فى البرلمان، إذا كان سنهم مناسباً وكانت لديهم رغبة فى هذا، بل وبمناصب مثل رئاسة تحرير جريدة أو إدارة قناة تليفزيونية.
نحن لا نعرف من قتل جوليو ريجينى. ويخطئ من يتصور أن هذا المقال سيكشف حقيقة اللغز. فهذا المقال يشرح وسائل بناء لغز وهمى لتغطية وحماية على الأقل واحد من أربعة حلفاء لإيطاليا، لديهم مصلحة فى تخريب العلاقات البترولية بين إيطاليا ومصر.
هذا فى حين لا نجد سبباً أو مصلحة لمصر فى معاداة إيطاليا.
إن اتهام الحكومة الإيطالية للسيسى يرمى إلى تضليل المواطنين الإيطاليين. فى باريس ولندن وواشنطن وبرلين وتل أبيب وستوكهولم وفيينا، سنجد كثيرين لديهم أسباب للسعادة بقطع العلاقات بين إيطاليا ومصر. فى كل مكان سنجد من لديه مصلحة فى هذا، إلا فى القاهرة. وإذا سألنا: من القاتل إذن؟ سيجيبك كورس المأجورين: السيسى هو القاتل. هناك أجزاء هامة ومؤثرة من الدولة الإيطالية تعمل فى خدمة مصالح أجنبية. وهذه ليست المرة الأولى التى يتجلى فيها هذا، بيد أن ثمة ضرورة أكثر من أى وقت مضى لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية.
عقب المأساة، قامت السلطات السياسية الإيطالية بتحميل الرئيس المصرى، السيسى، المسئولية كاملة، مع تشويه سمعة الشرطة المصرية.
إن السلطات الإيطالية تكذب: بمساعدة مهينة من الإعلام والصحافة تكيل الاتهامات للمصريين بممارسة التعذيب. والأدلة؟ صفر. ونسأل: هل هناك سوابق لحالات تعذيب فى مصر؟لا شك أن حالات التعذيب فى إيطاليا تفوقها عدداً. وإذا أردتم التأكد من هذا فما عليكم إلا سؤال من تعرض للتوقيف فى أقسام الشرطة الإيطالية ومديريات الأمن فضلاً عن نزلاء السجون فى إيطاليا. فليسألوا من قاموا باختطاف الجنرال الأمريكى «لى دوزر» فى 17 ديسمبر 1981. ولكن يبدو أن الصحفيين والمحققين الإيطاليين قد أصيبوا بفقدان الذاكرة.
إن مصر، رغم الظروف الحرجة التى عاشتها خلال السنوات القليلة الأخيرة، كانت دائماً كريمة جداً مع المواطنين الأجانب، حتى حين يتصرف هؤلاء بغطرسة. فى العام 2011، مثلا، سمح المجلس العسكرى (الذى كان يحكم البلاد آنذاك بفضل زعزعة الاستقرار التى أحدثها «الربيع الإسلامى») لعدد من الناشطين الأمريكيين بمغادرة البلاد رغم صدور أوامر توقيف ضدهم. وقبل هذا ببضع سنوات، عومل بذات الكرم الأمير القطرى الشاب الذى قتل مواطنين مصريين بسيارته الفارهة، أثناء سباق سيارات غير مشروع فى شوارع القاهرة.
لا شك أن التعذيب قد استُخدِم فى مصر، خاصة فى الفترة الناصرية وبعد محاولة الإخوان المسلمين الفاشلة لقلب نظام الحكم عام 1965. وهذا استثناء وحيد. ولكن حتى أثناء الحرب القذرة التى شنتها بريطانيا وفرنسا على مصر سنة 1956، لم يتعرض المواطنون الأوروبيون المقيمون فى مصر للأذى. كذلك لا توجد حالات لتعذيب أجانب فى عهد أنور السادات (1970-1981) ولا فى عهد حسنى مبارك (1981-2011).
بلا شك هناك حالات اتسمت فيها الشرطة المصرية بالغلظة المفرطة مع مواطنين مصريين فقراء، ولكن هذا لم يحدث أبدا مع مواطنين أجانب.
وإذا أردنا أن نقول الحقيقة كاملة فى هذا، فإن تعذيب السجناء السياسيين قد ظهر مجددا أثناء سنة حكم الإخوان المسلمين، الإرهابيين الذين فُرضوا على الشعب المصرى من قبل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية عبر انتخابات رئاسية مزورة. ولكن منظمة العفو الدولية لم تنتبه للأمر.
أما المراكز الإيطالية للدراسات الاستراتيجية التى (طبعا!) كانت بكماء وغير مكترثة بوحشية الإخوان المسلمين، فها هى اليوم تصول وتجول وتزعق بصوت عال: «ريجينى عُذب وقُتل على يد الشرطة المصرية بأمر من الرئيس السيسى».
والأدلة؟ لا أكثر من ثرثرة إعلاميين وصحفيين وتحليلات مركز للدراسات الاستراتيجية وتخمينات سياسيين إيطاليين، معروفين للجميع بانعدام النزاهة والمصداقية.
بعد ستة أسابيع كاملة وليس قبل هذا تنبه الخبراء الاستراتيجيون لوجود «مها عبدالرحمن»، الأستاذة المصرية الأصل التى كانت تدير عمل جوليو ريجينى فى جامعة كامبريدج. فى 11 يونيو الماضى عقدت الأستاذة مؤتمرا حول «حقوق الإنسان فى مصر» فى مقر المنظمة المعتادة أى Amnesty international، منظمة العفو الدولية وهى منظمة بريطانية الولاء التى لا تكف عن المطالب بمعرفة «الحقيقة من أجل جوليو».
وبما إننا فى مجال التخمينات، فدعونا نخمن: بريطانيا هى من دبر قتل جوليو ريجينى على يد قتلة محترفين لإيقاع الفتنة بين إيطاليا ومصر وإتاحة العثور على جثته يوم زيارة الوزيرة «فيديريكا غويدى» لمصر. لماذا تعتبر مثل هذه «الحقيقة» أقل مصداقية من الوحل الذى تلقيه الحكومة الإيطالية على السيسى؟!
إن من يتشدق بالكلام عن «النظام المصرى»، ينسى أن ماتيو رينزى قد انتخب بالإجماع من قبل العم سام «جورجيو نابوليتانو» فقط. أما السيسى فنال ثقة 24 مليون مصرى فى انتخابات حرة ونزيهة.
ولماذا يرمى «نابوليتانو» و«رينزى» و«ماتاريللا» إلى تشويه سمعة السيسى وحكومته؟
مع غياب أى عناصر ملموسة يستند عليها الاتهام، تجعل كلماتهم الجوفاء هذا السؤال أكثر من مشروع.
ولكن يجب تأجيل الجواب إلى حين التعرف على المصالح الإيطالية والأجنبية التى يرمى التضليل إلى إخفائها: هل يوجد وراء هذه المأساة رجال سياسة، قضاة، صحفيون وإعلاميون، رجال استخبارات ورجال أعمال؟ هل باع هؤلاء مواقفهم لمصالح لا يمكن الإفصاح عنها؟ أم أن الأمر خليط من كل هذه الأوحال والمستنقعات؟
وإذا أردنا الاقتراب من جواب قابل للتصديق، فيتعين علينا النظر والبحث فى كل الاتجاهات.
إن التضليل واضح بجلاء فى التضارب فى الأقوال وفى الأسئلة التى تُرِكت بلا إجابة ومنذ الساعات الأولى. هل كان المصريون وراء هذا التضليل؟ لا، الإيطاليون هم من قام بالتضليل.
دعونا نسعى لإيجاد إجابة عن الأسئلة التالية: كيف وأين ومن. أما الإجابة عن لماذا فلن تتضح إلا لاحقاً.
إن الوسيلة والسياق لهما أهمية كبيرة، دعونا نتأمل الحالتين.
فى 2 مارس الماضى قُتل «فاوستو بيانو» و«سالفاتورى فاييللا»، العاملان الإيطاليان المختطفان مع عاملين غيرهما فى 20 يوليو فى ليبيا، بسبب عجز الحكومة الإيطالية وفشلها البين فى إنقاذهما. فشل واضح يثبته التمكن من إنقاذ العاملين الآخرين المختطفين، إذ كان يكفى الاهتمام بأمر المختطفين وسداد الفدية المطلوبة فى الوقت المحدد. وهو ما فعلته إيطاليا فى عشرات الحالات المماثلة.
فى هذه الحالة لم يطالعنا «سيرجيو رومانو» أو شاشة أى قناة تليفزيونية أو أى مركز أبحاث استراتيجية بأسئلة عن سبب موتهما. يبدو أن العاملين الإيطاليين قد اعتبروا غير جديرين بالمعاملة الخاصة التى خُصصت للفتاتين الإيطاليتين المختطفتين فى سوريا – فدية قدرها 11 مليون يورو – حيث ذهبتا فى ما يشبه نصف شهر عسل نضالى. عاملان إيطاليان لا قيمة لهما لم يتح لهما جذب فضول ما بعد الموت ولم يجد الإعلام والصحافة فى رواية حقيقة مأساتهما ما يهم القارئ والمشاهد. صمت كامل بعد كلمة النهاية.
وفى ذات الساعات كان الإعداد يسير على قدم وساق لتفجير قنبلة ريجينى الإعلامية. وإذا أردنا توخى الدقة، فإن ريجينى أيضاً لم يكن شخصية مهمة، تماما مثل العاملين الإيطاليين المذبوحين فى ليبيا. كان من المتعين أن يُعامل مثلما عوملا، ولكن ….
أسرة ريجينى تقول: «جوليو لم يكن جاسوساً». بل جاء بيان من الاستخبارات الإيطالية ليؤكد هذا النفى. ونحن نحاول تصديق أسرة ريجينى ورجال الاستخبارات، ولكن، بالله عليكم، سادتى، قدموا لنا ما يحتمل التصديق. لماذا يقوم جهاز استخبارات– وهو الجهاز الذى يجب أن يصمت بحكم طبيعته – بتكذيب أمر ما حين يكون هذا التكذيب أو النفى من اختصاص رئاسة مجلس الوزراء؟ الحكومة هى الجهة التى يجب عليه إيضاح الأمر.
خاصة لأنه من الواضح جداً أن ريجينى لم يكن جيمس بوند، كما يتجلى من حداثة سنه ومن سلوكه الطائش الذى لفت إليه الأنظار. فالشاب كان يكتب مقالات لجريدة «المانيفستو»، أى جريدة «جوليانا سغرينا»، التى أصيبت بجروح أثناء قتل ضابط الاستخبارات الإيطالى «كاليبارى» فى العراق، فى ملابسات يفوق غموضها كثيراً ملابسات مقتل ريجينى. بيد أن حالة «كاليبارى»، الحائز على وسام الاستحقاق العسكرى الذهبى، قد أسدل عليها فوراً ستار النسيان، لتبقى الأسئلة بلا إجابة.
هل سُددت فدية مقابل إطلاق سراح الصحفية المختطفة «جوليانا سغرينا»؟ لا لا لا. طبعاً لن يقول لكم أحد من المسئولين إننا قد دفعنا فدية قدرها 20 مليون يورو. بل سيقولون لكم إن أمرا كهذا لا يمكن تصديقه.وسيطالبوننا بالاكتفاء بإنقاذ حياة السيدة «سغرينا»، لحسن طالعها.
إن العاملين الإيطاليين الفقيرين المقتولين فى ليبيا لم يكونا ينتميان إلى الوسط المهم.
لصالح من تعمل الحكومة الإيطالية؟
فى شأن العاملين الإيطاليين التعيسين، تطرح Globalist سؤالا: «لماذا مات «فاوستو بيانو» و«سالفاتورى فاييللا»، العاملان الإيطاليان المخطوفان فى ليبيا فى 3 مارس 2016، بعد أشهر من اختطافهما فى 20 يوليو 2015؟ هل السبب فى هذا مجرد قدر مأساوى؟ أم حدث مفاجئ؟ أم عمل انتقامى؟ أم أنه يعود إلى مفاوضات طالت أكثر مما يجب – أكثر مما يحتمل الوضع – بسبب إصرار الخاطفين والوسطاء على تحقيق أكبر ربح ممكن؟ أم أن قناعة ضباط الاستخبارات فى إيطاليا بأنهم يتعاملون مع عصابة من «المتسولين» قد دفعتهم للاستهانة بالمسألة؟
إن الدولة ذاتها التى لا تجد إجابات شافية لعائلتى «فاوستو بيانو» و«سالفاتورى فاييللا»، اللذين كانت أجهزة الاستخبارات الإيطالية تتابعهما خطوة بخطوة، ذات الدولة وذات الحكومة، مع جهلهما التام حتى الآن بحقيقة نشاط ريجينى وبمن كان وراءه، الدولة ذاتها والحكومة ذاتها تبدو كمن يملك فجأة حقائق دامغة تفسر نهاية جوليو ريجينى.
رغم كل هذا فإن ريجينى كان مجرد طالب جامعى، أى شخص بلا أهمية مثل العاملين الإيطاليين المقتولين فى ليبيا. كان من الواجب أن يُسدل الستار على مأساته على غرار الحالات السابقة. لماذا؟
لقد عُذب! يقولون لك مستنكرين. ومع كل احترامى للمأساة، يصعب على تصور أن العصابة التى تحكم إيطاليا اليوم متأثرة إنسانياً لتعذيب الشاب المسكين. ثمة رائحة كريهة لأمور أخرى، لمصالح أكبر بكثير مما يصوره الإعلام.
يتظاهرون بإلقاء أسئلة على السيسى، وهم فى الواقع يريدون من هذا تجنب أن تُلقى عليهم أسئلة. سؤال أول: لمصلحة من تعمل الحكومة الإيطالية الحالية؟ لمصلحة دولة أخرى؟ لمصلحة شركة متعددة الجنسيات؟ أم لحساب شركة بترول عالمية؟
لندع هذا السؤال جانباً فى الوقت الحالي؛ إذ لا جدوى من انتظار إجابات. خاصة أنه لا مناص للبعض من تجنب فخ السؤال الذى يفرض على المسئول شرح ما لا يعرف.
لذا فإنه عوضا عن هذا ينبغى لنا أن نطالب المعنيين بهذا الأمر بإجابات واضحة وشافية للأسئلة التى «يجب عليهم» معرفة تفسيراتها، حول عناصر ملموسة معروفة للجميع. لنبدأ.
ما سر كل هذا الاهتمام بريجينى من قبل أستاذ جامعى وسفير؟
لنبدأ بالتركيز على الساعات الأولى التى تلت اختفاء جوليو ريجينى، أى بين الساعة 19,40 والساعة 20,18 من مساء 25 يناير.
من السليم ومن الواجب أن نهتم بموت جوليو ريجينى وتعذيبه. ولكن إذا أردنا معرفة الحقيقة، فلا مناص من تحقيق إيضاح كامل لشهادة الشاهدين الوحيدين على حدث الاختفاء. وكونهما إيطاليين يجعل هذا الإيضاح متاحاً بسهولة وواجباً.
علاوة على ذلك لا توجد أسباب تدفع للشك فى أن الدكتور «جينّارو جيرفازيو»، الأستاذ الجامعى المتابع لريجينى، والسفير الإيطالى فى القاهرة، وكلاهما موجود فى إيطاليا الآن، حريصان على شرح بعض التفاصيل المعروفة لهما تماماً، حول الساعات الأخيرة فى حياة الطالب المسكين.
كذلك علينا أن نلاحظ أنه اعتباراً لأن ريجينى ليس العميل 007، لا توجد أسباب تبرر السرية المفروضة على بعض جوانب القضية، فى حين تواصل منظمة العفو الدولية «أمنستى انترناشيونال» زعيقها الذى يطالب بمعرفة «الحقيقة حول جوليو ريجينى». فلنلبى طلبهم ولنعد هدية لأمنستى، أو منظمة العفو الدولية.
الدكتور «جيرفازيو» كان الأستاذ المتابع لريجينى فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وقبل عمله فى القاهرة عمل فى أماكن أخرى.
كما نلاحظ، سيرته الذاتية فقيرة بعض الشىء وتجاربه كأستاذ جامعى محدودة، ولكن لا شك أن هذا راجع إلى إهمال القائمين على إعداد الموقع.
إن البروفيسور «جيرفازى» قد تحدث مع جوليو ريجينى فى الساعة 19,40. لنستمع إلى شهادته التى يقول فيها: «قال لى إنه سيتحرك من بيته نحو الساعة 20 للتوجه إلى محطة مترو الدقى، التى تقع على بعد 6 أو 7 دقائق من المنزل. ومنها يستقل المترو للهبوط فى محطة محمد نجيب، ومنها سيراً على الأقدام إلى المطعم».
ويقر البروفيسور جيرفازيو لاحقا إنه قد أجرى الاتصال الأول بريجينى فى الساعة 20,18 ثم حاول الاتصال مجدداً بعد 5 دقائق، أى فى الساعة 20,23. ثم مكالمة أخرى فى الساعة 20,25. كم مكالمة أجرى البروفيسور جيرفازيو؟ وبمن اتصل؟ بريجينى فقط الذى لم يكن يجيب على التليفون؟ حتى الأكثر قلقاً وغيرة بين الآباء المصريين سيتصل بابنته بهذا الإلحاح فى أقل من 20 دقيقة بعد مغادرتها لمكان عائدة إلى بيتها.
يقع حى الدقى على الضفة الغربية للنيل وهو يتاخم منطقة القاهرة الكبرى. والمسافة بين الدقى ومحطة محمد نجيب تبعد نحو 15 كيلومتراً.
وقطع مثل هذه المسافة يستغرق ما لا يقل عن 20 دقيقة بالسيارة فى مرور القاهرة، أما بالمترو، اعتباراً لكون المسافة مماثلة لتلك بين محطة «أنانيينا» و«ترمينى» فى روما، فيستغرق الأمر نحو 15 دقيقة. لماذا أجريت المكالمات؟
إن القاهرة مدينة ضخمة، مترامية الأطراف، تفوق فى امتدادها عشرة أضعاف روما. ورغم الانفلات فى الأمن، وهو ليس أسوأ فى القاهرة مما تعيشه بعض أحياء روما، ليس من المثير للقلق أن يتأخر شخص ما 5 دقائق عن الموعد. بل إذا دققنا فى التوقيتات لوجدنا أنه لا يوجد تأخير. ولكن البروفيسور «جيرفازيو» يشعر على الفور بالقلق ويدق ناقوس الخطر.وبعد نحو 20 دقيقة من مغادرة «الباحث» لمنزله كان البروفيسور قد أجرى 3 مكالمات هاتفية. ترى هل يجرى ذات العدد من المكالمات حين تتأخر عليه صديقته فى الموعد المتفق عليه؟.
إن مثل هذا السلوك لا يفسره إلا كون «جيرفازيو» و«ريجينى» قد اتفقا على الاتصال بصفة مستمرة أثناء تحرك الشاب من منزله إلى المطعم للتأكد أن الأمور تسير على ما يرام. فهل دفع عدم اتصال الطالب البروفيسور للشعور بالانزعاج؟
من المعروف أن مكالمات الاطمئنان عند التوجه إلى موعد حرج سلوك متبع من قبل رجال الاستخبارات، ولكن ريجينى لم يكن منهم، كما تؤكد عائلته وأجهزتنا المخابراتية. ونحن نصدق الأسرة والأجهزة.
ما سر هذه الاتصالات الملحة والمتواصلة إذن؟!
ومكالمات الاطمئنان والتأكد يقوم بها أيضاً من يشعر أنه فى خطر أو مهدد، ولكن لا توجد إشارة لشعور ريجينى بالخطر فى الأيام السابقة للاختفاء.
وإذا كان قد تعرض للتهديد فعلاً، فعلينا إيضاح سبب عدم قيام البروفيسور «جيرفازيو» بإبلاغ الجهات المختصة. وإذا كان قد أبلغ شخصاً ما بالأمر، فمن هو هذا الشخص؟ جهة مؤسساتية أم جهة ما لا تتبع السفارة الإيطالية؟ سياق معقد وغريب.
من كل الزوايا يبدو من المستغرب أن يشعر أستاذ متابع بكل هذا الانزعاج لتأخر «باحث» لمدة وجيزة عن موعد غير مهم.. وعليه التوضيح.
ولكن إذا كان الأستاذ «جيرفازيو» على قناعة بأن التأخر ليس غير ذى قيمة، فمعنى هذا أن الموعد لم يكن غير هام، وهو هنا يصبح مديناً لنا بالإيضاح.
وعليه فى المقام الأول توضيح الأمر لأسرة «جوليو ريجينى»، التى دُفِعت إلى توجيه الاتهام للشرطة المصرية، إذ من حق والديه أن توضح لهما هذه الأمور الأولية، لثقتهما فى أن جوليو لم يكن يمارس أنشطة مريبة. إن من حق والدى الضحية معرفة هذا من البروفيسور «جيرفازيو»، قبل وأحرى من مطالبة السيسى بكشف الحقيقة.
ونظراً لأن ريجينى لم يكن العميل 007، فيمكن للبروفيسور «جيرفازيو» تقديم إيضاح بلا أسرار يريح أسرة الشاب المسكين.
بمن اتصل السفير الإيطالي؟ ولماذا؟
من الجوانب الأخرى المطلوب إيضاحها بلا لبس دور السفير ماوريتسيو ماسّارى، لأنه من رجال المؤسسات وخادم للدولة الإيطالية، لذا يجب ألا تكون هناك شكوك فى شأنه.
«لقد اختفى بعد 25 دقيقة من مغادرته لسكنه» – قال البروفيسرو «جيرفازيو». ولكننا لا نعرف إذا كان البروفيسور «جيرفازيو» قد أجرى مكالمات أخرى بعد مكالمة الساعة 20,25، وكيف عرف فى الساعة 20,25 أن ريجينى قد اختفى. حسب جريدة «المصرى اليوم» المصرية، أثبت تحليل المكالمات أن الشاب لم يتحرك من منطقة سكنه: تم تحديد موقع وجود التليفون المحمول لآخر مرة فى «منطقة الدقى حيث يوجد سكنه».
إذن صدق حدس «جيرفازيو». ولكن كيف أدرك هذا؟ يبدو أنه يتمتع بالحاسة السادسة، أو أن شخصاً ما قد أبلغه. من؟ عبر التليفون؟
وحين شعر البروفيسور «جيرفازيو» بالانزعاج بادر بالاتصال بالسفير الإيطالى فى القاهرة، ماوريتسيو ماسّارى.
اتصل به على التليفون المحمول. ولكن ليس فور شعوره بالانزعاج، أى فى الساعة 20,30، بل فى الساعة 22,30.
إذن شعر «جيرفازيو» بالانزعاج، وكان انزعاجه مبرراً كما خمن وكما أثبتت الأحداث اللاحقة؛ ولكن «جيرفازيو» انتظر ساعتين كاملتين قبل الاتصال بالسفير.
فى البداية بدا «جيرفازيو» صاحب حدس صادق وسريعاً فى التصرف، إلا أنه انتظر ساعتين كاملتين قبل الاتصال بالسفير، على التليفون المحمول الخاص.
ولكن من المستغرب أن يكون شخص عادى مثله على معرفة بالرقم الخاص للسفير!.
علينا أيضاً أن نشيد بهذا السفير النشيط «ماسّارى» للطفه البالغ واهتمامه الكبير: إذ يتحرك فوراً بكل اهتمام من أجل مواطن إيطالى، فى نهاية المطاف، ليس أكثر من مجرد طالب «باحث»، فنراه يشعر بانزعاج كبير فور تلقيه مكالمة من الأستاذ المتابع له «جيرفازيو»، كما أسلفنا، فى الساعة 22,30.
قد يقول البعض إن ليس فى الأمر ما يدعو للاستغراب. ربما يكون رقم السفير معروفاً للبروفيسور «جيرفازيو» لأنه يعرفه بل وربما يكونان أصدقاء. إذن أحسن «جيرفازيو» صنعاً بالاتصال بالسفير الساعة 22,30.
أحسن صنعاً بلا شك. ولكن هناك جوانباً تستحق الاستغراب: لماذا انتظر ساعتين كاملتين قبل الاتصال بالسفير، نظراً لشعوره بالقلق على ريجينى ومعرفته برقم التليفون الخاص بالسفير؟
ونحن هنا لا نشك فى أن قلقه كان مبرراً، كما أثبتت الأحداث اللاحقة، التى لم يكن «جيرفازيو» يعرفها ولكنه كان يخمنها فقط.أو ربما كان يعرفها؟ كيف؟
هل لم يكن «جيرفازيو» يعرف رقم السفير ولكنه حصل عليه من شخص ما؟
من أعلمه برقم السفير؟ ومتى؟
إذا كان تأخر الاتصال بالسفير راجعاً إلى عدم معرفته بالرقم وضرورة الحصول عليه من شخص ما، فمن الضرورى إيضاح هوية «الشخص»، ودوره وجنسيته، وعلاقاته المهنية وعلاقاته فى إيطاليا وبريطانيا ومصر، إن لم تكن له روابط أيضاً بفرنسا أو ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو روسيا والعراق وسوريا وغيرها.. وربما أيضاً فى الفاتيكان نظراً للوضع الحالى.
كما ترون، قبل أن نطالب السيسى بتفسير ما حدث، علينا أن نطرح أسئلة كثيرة فى بيتنا، لأن «جيرفازيو» والسفير فى إيطاليا ويكفى استدعاؤهما.
علاوة على ذلك، ليس من الممكن إجرائياً أن يقوم سفير إيطالى بدق ناقوس الخطر وتفعيل سلسلة الإنذار، أى بتنشيط الهياكل الأمنية داخل السفارة والاستخبارات، دون إخطار وزارة الخارجية على الفور، مع إعلامها فوراً بما يجرى وبتقييماته ونواياه.
هل وجه للوزارة رسالة عادية أم مشفرة؟ وإذا كانت الرسالة مشفرة، فلماذا، اعتباراً لكون ريجينى ليس جاسوساً؟ وهل «جيرفازيو» أيضاً ليس جاسوساً؟
كما يبدو بجلاء، لا جدوى البتة من الإلحاح على مسئوليات افتراضية، بل افتراضية جداً، تُطرح بلا أساس إلى أن يثبت العكس، لتوجيه الاتهام للرئيس السيسى والشرطة المصرية.
علينا أن نفهم الدور الذى لعبه كل الإيطاليين المعنيين بالقضية، إضافة إلى ريجينى المسكين، الذى، كما يبدو، قد وجد فى المكان غير المناسب فى الوقت غير المناسب..
هناك العديد من الأسئلة الملموسة التى يتعين الرد عليه، قبل طرح أسئلة لا معنى لها مع العلم أن السيسى ليس لديه إجابات عنها. وسائل التضليل لم تتغير منذ مجزرة «بياتسا فونتانا» وحتى اليوم. بل قد غدا ممارسو التضليل أكثر براعة اليوم.
القاضى المعروف «أرماندو سباتارو» يؤكد أن القضاء قد بذل كل الممكن وليس بإمكانه القيام بأكثر من هذا. ومحقق كفء مثل «سباتارو»، مشهود له بالكفاءة حتى من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، يعرف بلا شك أن الحقيقة حول موت ريجينى يجب أن يُبحَث عنها بدايةً فى إيطاليا، وإذا سُمح بهذا، فى بريطانيا، حيث توجد الجامعة التى عُين فيها، لنقل، «باحثاً».
ونظراً لأن بريطانيا دولة أوروبية يسهل للإجراءات القضائية الإيطالية التعاون معها، فلن يكون من الصعب التحقيق حول طبيعة عمل ريجينى كـ«باحث» وكيف طُور ونُظِم وأُدير هذا العمل من قبل الجامعة المعنية.
حتى الآن لم تقدم السلطات التحقيقية الإيطالية أجوبة قابلة للتصديق كما لا تبدو عازمة على تقديمها. بالتالى يبدو مناسباً على الأقل أن تُشكل لجنة برلمانية قادرة على أن تقدم للبرلمان الإيضاح الذى لم يقدم حتى الآن من الحكومة أو من أجهزة الدولة المسئولة عن الأمن.
من يعمل لصالح من فى إيطاليا؟ هذا هو السؤال الذى تجب الإجابة عنه. دعونا لا نصاب بالصمم من الزعيق الموجه ضد السيسى. فهذه الاتهامات ليست إلا حيلة تذكرنا بالاتهامات الموجهة إلى أجزاء مارقة فى الاستخبارات إبان الضربات الإرهابية الكبرى التى ضربت البلاد. اتهامات وصريخ وعويل بلا جدوى، لم تأت منه نتائج إلا المقاعد البرلمانية التى كوفئ بها أهالى ضحايا الإرهاب الذين قبلوا تمثيل الدور المرسوم.
أما اتهام الحكومة المصرية، كما يفعل السفير السابق والمحلل السياسى «سيرجيو رومانو»، دون دليل، فيدفع المتمتعين بملكة التفكير إلى إدراك وجود إيطاليا مظلمة تحتاج إلى تنظيف، أكثر بمراحل مصر، التى لن تصل منها حقائق لا يمكن الحصول عليها مسبقاً من روما ولندن وربما باريس أو برلين أو واشنطن، أو نابولى أو بيروجيا، أو كايفانو أو بينيرولو.
هل أدركت إلى أى مدى لم تعد وسائل الإعلام الغربية مهتمة إلا بالحسابات سواء كانت سياسية أو اقتصادية؟!
وهل تحتاج إثباتات جديدة على ما كان منها يفتعل الحياد أو الموضوعية صار يلعب بشكل واضح ومكشوف؟!