ياسر بركات يكتب عن: فوبيا «السيسى» البيت الأبيض يشتعل بعد رسـائل الرئيس
«الواشنطن بوست» تحرض العالم لوقف المساعدات لمصر
جاكسون ديل: الرئيس المصرى اتهم أمريكا بشن حروب الجيل الرابع ضد بلاده ويجب عقابه!
«أدبيات السياسة السابقة منذ 30 عاماً غير ملزمة ولا تصلح حالياً» بهذه الجملة قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بتلخيص العلاقات المصرية الأمريكية فى الحوار الذى أجراه أسامة كمال وعرضته القنوات التليفزيونية المصرية مساء الجمعة.
تأتى هذه العبارة لتؤكد انتهاء الدور الأمريكى الممتلك لكل أوراق اللعبة السياسية فى الشرق الأوسط لعدة أسباب على رأسها التحولات التى أحدثتھا ثورة 30 يونيو.. واتجاه روسيا إلى تقديم نفسھا كبديل، أو منافس مواز للولايات المتحدة فى المنطقة، بل ومختلف عن الأخيرة، سواء من حيث رؤيتھا لمستقبل المنطقة، فلم تعد موسكو ھى مصدر السلاح والطاقة فقط، وإنما أصبحت لاعباً ينافس النفوذ الأمريكى فى المنطقة، وباتت تمثل ظھيراً دولياً للتحالف المصرى-الخليجى الذى تشكل بعد ثورة 30 يونيو، وھو ما لاقى قبولاً من دول الخليج، على نحو قد يؤسس لحقبة روسية جديدة.
كذلك، كان سقوط الإخوان فى مصر ضربة للمشروع التركى القطرى الإخوانى.. إذ كانت تركيا تحاول أن تتوسع فى الشرق الأوسط، فى أعقاب خسارة طلبها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، لكن بعد 30 يونيو 2013 تراجع دورها فى الشرق الأوسط، وفشلت طموحاتها فى إعادة الإمبراطورية العثمانية من جديد تحت شعارات الإسلام والقضية الفلسطينية، التى أصبحت موجة لركوبها من أجل المصالح الحزبية والداخلية، أكثر من مبادئ حقيقية باستعادة القدس، ومعروف وواضح أن حزب العدالة والتنمية التركى، كان يتخذ من «الربيع العربى» واجهة لفرض الإخوان فى المنطقة، فبعد أن نجحت تركيا فى تونس وليبيا كانت لها طموحات كبيرة بصعود جماعة الإخوان فى مصر فى أعقاب ثورة 25 يناير.
ومن محاسن الصدف، أن تأتى هذه العبارة بعد أيام قليلة، بل بعد ساعات، من هجوم شنته «جاكسون ديل» فى مقال نشرته صحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية، على المساعدات الأمريكية التى تقدمها للقاهرة وتأكيدها على أن تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن حروب الجيل الرابع تشير بوضوح إلى واشنطن، الأمر الذى اعتبرته الصحيفة الأمريكية بمثابة «صفعةً قوية» من السيسى إلى نظام أوباما.
وأشارت «ديل» إلى أنه فى إحدى المرات، فسر السيسى حروب الجيل الرابع وهو يتحدث إلى طلاب كلية عسكرية مصرية بأنها تحدث عندما «يتم توظيف قنوات الاتصال الحديثة وعلم النفس والإعلام لخلق انقسامات والإضرار بمصر من الداخل».. وتابع: من هو العدو فى تلك الحرب؟!.. الإجابة بحسب مصر يرجّح أن تكون الولايات المتحدة، رغم أنها نفس الدولة التى تزوده بهذه المدرعات المجانية، ومليارات المساعدات!
وأضافت «ديل»: النظام المصرى يستخدم الدبابات والمدرعات المضادة للألغام ومقاتلات إف 16 التى تقدمها واشنطن لقتال داعش فى شبه جزيرة سيناء، لكنه فى ذات الوقت يوجه أجهزته المخابراتية للهجوم على من يعتبرهم عملاء الولايات المتحدة المخربين فى القاهرة. وانتهى المقال بالإشارة إلى أن هناك معضلة تتمثل فى أن الدعم الأمريكى لمصر يستخدم فى تدمير العلاقات الأمريكية مع مصر، خاصة فى ظل حالة التربص الذى يتعرض لها المناصرون العلمانيون للديمقراطية وحقوق الإنسان، والذين هم الحلفاء الطبيعيون للولايات المتحدة.
وبوضع العبارة التى قالها الرئيس فى سياق ما حدث ويحدث وسيحدث، يمكننا أن نستنتج بسهولة أننا انتقلنا من حالة التابع إلى حالة الند أو الشريك، وهذا فى رأيى هو أهم ما أنجزته الدولة المصرية منذ 30 يونيو 2013 وحتى الآن.
ما يؤكد ذلك، هو تعامل واشنطن الحذر مع نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو ما كشفته الشهور (أو السنوات) السابقة من تغيرات فضحت تناقضات الإدارة الأمريكية فى تعاملها مع الشأن المصرى، وأكدت ما سبق أن ذكره موقع «كندا فرى برس» الكندى عن أن الإدارة الأمريكية مصابة بـ«السيسى فوبيا»، وأن مخاوف إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، من السيسى مستمرة منذ كان وزيراً لدفاع مصر، وقائداً لجيشها، بل وتزايدت بتوليه الرئاسة.
التقرير الذى نشره الموقع الكندى، نقل عن مصادر سياسية رفيعة المستوى أن الإدارة الأمريكية بذلت جهوداً كبيرة لمنع ترشح السيسى، وأن وزير الدفاع الأمريكى تشاك هيجل أجرى اتصالات عديدة بأعضاء القوات المسلحة المصرية عن الحاجة الملحة لإقناع السيسى بعدم خوض الانتخابات الرئاسية، وأن هيجل قال إن واشنطن ليست مرتاحة إزاء ترشح السيسى، وإن الجيش يجب أن يفك ارتباطه بالصراع السياسى المستمر فى مصر!
أما سبب المخاوف الأمريكية من السيسى، التى وصفها التقرير بـ«سيسى فوبيا»، فيرجع إلى أن الإدارة الأمريكية لا يمكن أن تتقبل أو حتى تتسامح مع وجود حاكم قوى مستقل فى الشرق الأوسط، وأن أمريكا دعمت مبارك والإخوان المسلمين ومرسى لا لشىء إلا لتعاونهم الكامل واعتمادهم على أمريكا، التى لا هدف لها غير الحفاظ على إمدادات النفط الخليجية والحفاظ على الامتيازات التى تحصل عليها السفن الأمريكية فى قناة السويس، والهدف الثانى هو أمن إسرائيل.
تقرير الموقع الكندى أوضح أن الولايات المتحدة ترى أن السيسى يمثل نفس الخطر الذى مثله جمال عبدالناصر، فهو بطل شعبى يتمتع بأغلبية كاسحة وشخصية محبوبة، ومدعوم من القوات المسلحة والشرطة وأجهزة المخابرات.
وجاء فى التقرير: «أطاح بحكم الإخوان المسلمين فى مصر، وأطاح بالمشروع الأمريكى الذى يدعم صعود قوى الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط لتنفيذ الخطط الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة التى ستتبعه».
جاء السيسى ليفسد على الأمريكيين كل شىء بعدما أصبح أقوى عدو للجماعات الإرهابية، لاسيما الإخوان المسلمين، المدعومة من باراك أوباما سياسياً ومادياً.
كما أكد تقرير «كندا فرى برس» أن السيسى يمثل تهديداً خطيراً لمخططات أمريكا فى المنطقة، ومن ثم، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تشعر بالارتياح مع وجود مثل هذا الشخص كرئيس لأكبر وأقوى دولة عربية.
ما يؤكد ما ورد بالتقرير الكندى هو غياب أى تغيير إيجابى حقيقى تجاه مصر فى وسائل الإعلام الأمريكية ومراكز الأبحاث وصنع القرار القريبة من البيت الأبيض.
كلهم مازالوا يتحدّثون عن الانقلاب على الرئيس الإخوانى، وكذلك يصر ما يمكن أن نطلق عليه اللوبى الداعم للإخوان فى الكونجرس على تصعيد نبرة العداء، تجاه كل ما يمتّ بصلة لـ30 يونيو.
وكلنا رأينا وتابعنا كيف حاولت الولايات المتحدة بشتّى الطرق، بعد الإطاحة بالإخوان، وعبر مساعدات إقليمية ضخمة، تحديداً من تركيا وقطر، دعم الضغط الإخوانى فى الشارع المصرى.
وغير رغبتها فى استخدام الإخوان ككارت ضغط على القاهرة، فإنها كانت تفعل ذلك من أجل مجموعة من الملفات ذات البعد الإقليمى، خاصة أن خسارة الإخوان فى مصر بالنسبة لواشنطن تعنى خسارة تأثيرهم فى غزة وسوريا والعراق وأفغانستان وغيرها من دول المنطقة.
أيضاً، كان «خوان ريكاردو كول»، أستاذ التاريخ بجامعة ميتشيجان، قد نشر تحليلاً على مدونته الخاصة تناول فيه علاقة الولايات المتحدة بأهم دول الشرق الأوسط مصر والسعودية وإيران وإسرائيل، والتغيرات التى طرأت على تلك العلاقة فى عام 2013 انتهى فيها إلى أن دور الولايات المتحدة كقوة عظمى انتهى أو أوشك على الانتهاء وأن العلاقات الدبلوماسية والعسكرية للولايات المتحدة فى المنطقة تغيرت بدرجة كبيرة.. وذكر بوضوح أن أزمة واشنطن مع من حكموا مصر بعد 30 يونيو هى أنها لا يمكنها أن تعطيهم أوامر على الرغم من أنها تمنحهم مساعدات.. وقال إنه لا توجد خيارات كثيرة أمام الولايات المتحدة سوى العمل مع أوروبا لمواصلة الضغط على القاهرة!
وغير، أنتونى سكينر مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشركة «مابلكروفت» المتخصصة فى تحليل المخاطر، الذى انتقد بشده تفريط الولايات المتحدة فى حلفائها بالمنطقة، منطقة الشرق الأوسط، أكد «آلان كروبا» فى مقال نشره موقع «كندا فرى برس» تغلغل الإخوان داخل مؤسسة صنع القرار الأمريكية، وكيف استطاعوا استغلال ما يسمى «الربيع العربى» لتنفيذ مخططاتهم.
وأشار «كروبا» إلى أنه فى حين لا يدرك كثر ماهية «الإخوان»، إلا أن الجماعة سعت منذ وقت طويل للسيطرة على الأحداث فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما أنها تلعب دوراً قوياً و«مخيفاً» فى أمريكا.
وأوضح «كروبا» أن التواجد الإخوانى فى أمريكا بلغ ذروته مع استلام الرئيس الأمريكى باراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة عام 2008 مستنداً بذلك إلى أقوال الخبير السياسى بحركات الشرق الأوسط وليد فارس فى كتابه (الربيع الضائع، السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط وكوارث ينبغى تجنبها) بأن «شبكة الجماعة دعمت حملة أوباما بصورة غير رسمية، وذلك وفق تنسيق مسبق يضمن للجماعة التأثير داخل الإدارة الأمريكية عند تولى أوباما لمنصبه».
ولفت إلى أن «التنظيم الدولى للجماعة لديه خطط وفق مصالح مشتركة لإبعاد القوى العلمانية والمعتدلة فى العالم العربى، ومن ثم إقصاء ممثلى تلك القوى وأصدقائها فى الولايات المتحدة وأوروبا».
واعتبر «كروبا» أنه «فى الوقت الراهن، يوجد واحد من أخطر التنظيمات العالمية فى البيت الأبيض، ومن المهم أن نعرف أن الإخوان ناورت حول السياسة الأمريكية منذ عقود، وبالقدر الذى حاولت فيه الجماعة أن لا تظهر بشكل مباشر فى المنظمات الرئيسية مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، ورابطة الطلاب المسلمين وغيرهما، لكنها عملت على إنشاء مراكز للدراسات الإسلامية فى الجامعات، وحافظت على برنامج الاتصالات لعرض تصوراتها وأفكارها من خلال وسائل الإعلام الأمريكية، وبالتالى التأثير على الرأى العام الأمريكى والعالمى».
وتساءل «كروبا»: «كيف نجح الإخوان بالتسلل إلى دوائر السلطة فى الولايات المتحدة؟!»، مجيباً بأسماء من قال إن لهم صلات بالإخوان داخل الإدارة. وحول السياسة الأمريكية، لفت «كروبا» إلى أن أوباما عمل على حذف كلمة «الإرهاب» من الخطاب الحكومى، وعندما قتل الجنود فى قاعدة فورت هود من قبل الجهاديين، صنف الحادثة على أنها «عنف فى مكان العمل»، واستبدل مفهوم «الحرب على الإرهاب» بـ«الخوف من الإسلام». مشيراً إلا أنه كان يفترض من أوباما أن يقول «مسئوليتى كرئيس للولايات المتحدة أن أتصدى للصور النمطية السلبية عن الإسلام أينما ظهرت»، بدل سعيه لعقد صفقة مع إيران، وتأييده للإرهاب فى جميع أنحاء العالم وبنفس الوقت واكب تصنيع الأسلحة النووية بهدف استمرار تخويف الشرق الأوسط والعالم.
وأنهى «آلان كروبا» مقاله بأن «لدينا الرئيس الذى أدار ظهره لكافة الحركات التى تسعى للحصول على الديمقراطية فى الشرق الأوسط، وعلى العالم أن ينتظر حتى يترك أوباما منصبه ليتم إحراز تقدم حقيقى ضد الإخوان».
ونشير هنا إلى أن د.وليد فارس الذى استشهد «كروبا» بكتابه يعمل مستشار الكونجرس الأمريكى لشئون الشرق الأوسط، وفى كتابه المشار إليه (الربيع الضائع، سياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط وكوارث ينبغى تجنبها) يحذر الإدارة الأمريكية من توتر العلاقات بينها وبين دول المنطقة، موضحاً كيف أضاع الغرب فرص الشراكة مع المجتمعات المدنية الناشئة ضد الجهاديين والمتطرفين الآخرين.
وفى الكتاب، يكشف فارس أن الولايات المتحدة تورطت فى أزمات عميقة، وغير مسبوقة فى واحدة من المناطق الحيوية، والأكثر خطورة التى تمتد من شمال إفريقيا إلى حدود الأفغان مع الصين. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لحفظ التوازن فى منطقة الشرق الأوسط، فإن هذه المنطقة شهدت فى الآونة الأخيرة أعمق الأزمات على الإطلاق من جراء الولايات المتحدة، وبات تهديد الجهاد السلفى الأكثر خطورة فى 2014 مقارنة بالسابق.
وأضاف الكتاب: «منذ انفجار ما أُطلق عليه الربيع العربى، نرى أن معالم منطقة الشرق الأوسط تتغير، أصبحت الديكتاتوريات العلمانية أقل عدداً، وبزغت قوى متسلطة جديدة تُعد أكثر شمولية وديكتاتورية من حيث طبيعتها، تعيد إلى أذهاننا التحول من الإمبراطوريات إلى الدول الفاشية الذى شهدته أوروبا فى ثلاثينيات القرن العشرين.
ويتجسد التناقض الذى يمثله الربيع العربى كما ورد فى الكتاب فى الطفرة التى حدثت من حركات شعبية مزدهرة فى الشهور الأولى لـ2011، لتتحول إلى شتاء إسلامى كثيف فى 2013. إذ شهدت تونس وليبيا ومصر صعود أنظمة الحكم والقوى السلفية، إضافةً إلى بعض الانتشار فى المغرب والأردن واليمن.
ومع فشل الحكم السلفى، كما حدث فى مصر، يسيطر الإسلاميون الآخرون فى المنطقة على المشهد، كما هو الحال فى لبنان مع حزب الله وفى العراق مع ميليشات المهدى.. ومع سيطرة الإسلاميين على دولة تلو الأخرى، تستمر الحرب فى سوريا، والضربات الإرهابية فى العراق ولبنان، وتنتشر الصراعات السياسية المدنية فى أنحاء شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية».
وانتقد الكتاب السياسة الخارجية الحالية لإدارة أوباما التى أضاعت فرصة جيدة لنشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط ووقف زحف الإسلاموية، كما وصفها بأنها سياسة فاشلة بداية من الانسحاب من أفغانستان قبل إلحاق الهزيمة الساحقة بحركة طالبان، وصولاً إلى الدفاع عن البيروقراطية، والتحالف مع الجماعات الإسلامية. مشيرا إلى أن الخطأ الاستراتيجى المدمر فى إدارة أوباما يتمثل فى اعتقادها أن الإسلام السياسى يختلف عن إرهاب القاعدة، إضافة إلى زعمها المستمر بنجاح سياستها تجاه الشرق الأوسط، وهو إدعاء تؤكد الحقيقة على أرض الواقع مدى افترائه.
وكان موقع «جلوبال ريسيرش» الكندى، المعنى بنشر البحوث والدراسات السياسية، قد نشر تقريراً للكاتب والمحلل السياسى الأمريكى «إريك دريستر»، تناول فيه التوسع الأمريكى فى أفريقيا بدعوى دعم الاستقرار، بينما تريد فى الواقع وضع يدها على الموارد الإفريقية وكبح جماح النفوذ الصينى، مشيراً فى هذا الصدد إلى الدور الذى لعبته مؤسسة أفريكوم فى الصراع فى ليبيا والسودان ومالى.
وقال التقرير إن الولايات المتحدة زادت بهدوء من دائرة وجودها العسكرى على مدار السنوات العشر الماضية فى جميع أنحاء أفريقيا فى محاولة لمواجهة النفوذ الصينى وغيرها من الدول الناشئة، فى الوقت الذى تقوم فيه بإحكام سيطرتها على الموارد الاستراتيجية المهمة وطرق التجارة.
وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة، مثل حلفائها بريطانيا وفرنسا، حافظت على نفوذها وسيطرتها غير المباشرة فى أفريقيا لفترات طويلة، من خلال مؤسسات مالية مثل البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى، والبنك الأفريقى للتنمية، ووسعت نفوذها السياسى باستخدام منظمات إغاثة مثل هيئة المعونة الأمريكية، والمنظمات غير الحكومية مثل الصندوق الوطنى للديمقراطية ومؤسسة فريدوم هاوس وغيرها.
كما تمكنت واشنطن من تقديم المساعدة العسكرية والمالية إلى البلدان المتعاونة فى شمال أفريقيا، وهى سياسة تعنى أن الجيش الأمريكى أصبح القوة المهيمنة فى منطقة الساحل، ويقوم بتوفير الموارد البشرية والمادية لحكومات المنطقة، ما يعنى التبعية الضمنية إلى القيادة العسكرية فى الولايات المتحدة.
وبحسب التقرير، فإن هذه المبادرة تخدم هدفين فى إطار مصالح الأمن القومى للولايات المتحدة فى أفريقيا، الأول شن الحرب على الإرهاب، والثانى تعزيز السلم والأمن الإقليميين.
كما أشارت الأكاديمية والباحثة الصينية الشهيرة ديبورا بروتيجام فى تقريرها الاستثمار الصينى فى أفريقيا عام 2013، إلى أن هناك ارتفاعاً كبيراً فى الواردات والصادرات الصينية، والمساعدات الاستثمارية الخارجية وتمويل الصادرات.
وتوضّح أرقام بروتيجام حقيقة مفادها أن الصين تمثل تحدياً متنامياً للهيمنة الاقتصادية الأمريكية فى أفريقيا، برغم أنها لا تزال تمتلك إجمالى استثمارات سنوية أقل من الولايات المتحدة فى القارة السمراء، المقدرة بـ9 مليارات دولار.
وبعد استثمارها فى مجموعة متنوعة من القطاعات، بدءاً من التعدين والنفط إلى الاتصالات السلكية واللاسلكية والخدمات المصرفية، ظهرت الصين بمظهر البديل الملائم للولايات المتحدة والبنك الدولى وصندوق النقد الدولى للاستثمار والمساعدات.
أزعج هذا التوجه الصينى بطبيعة الحال المؤسسة السياسية والشركات الأمريكية التى ترى فى الصين تهديداً لسلطاتها.
ويرى التقرير أنه يتعين فهم سياسة واشنطن تجاه أفريقيا فى السنوات الأخيرة، فى سياق خططها لتحجيم وكبح القوة المتنامية للصين ونفوذها، مستشهداً بانفصال جنوب السودان برعاية أمريكية وتأسيس دولة جنوب السودان.
وقال التقرير إنه نظراً لوجود أغلب حقول النفط فى جنوب السودان، قادت الولايات المتحدة مهمة تفكيك السودان وتأسيس دولة جنوب السودان، التى من شأنها أن تعتمد على التمويل الأمريكى والقوة العسكرية الأمريكية للحفاظ على بقائها.
وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة حاولت فى جميع أنحاء أفريقيا كبح النفوذ المتنامى للصين، ودخلت فى حرب بالوكالة على نطاق واسع بدءاً من نيجيريا إلى جنوب أفريقيا ومن أنجولا إلى السودان، بنية معلنة للحفاظ على مركزها المهيمن فى أفريقيا.
الخلاصة هى أن واشنطن، باستخدام مواردها العسكرية الواسعة، لتعزيز هيمنتها الأفريقية باستخدام نفس التكتيكات الاستعمارية التى وظفتها الإمبراطوريات السابقة.
وتلك وثيقة أمريكية تكشف تورط واشنطن فى مخطط لتغيير الأنظمة العربية من خلال بناء منظمات مجتمع مدنى تحدث تغييراً فى السياسات الداخلية للدول المستهدفة.
وطبقاً للوثيقة، التى تم الإفراج عنها بموجب دعوى قضائية استناداً إلى قانون حق الحصول على المعلومات، فإن إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما ضالعة فى حملة استباقية منذ ما قبل الربيع العربى لتغيير الأنظمة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأشارت الوثيقة الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية فى 22 أكتوبر 2010 بعنوان «مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية: مراجعة»، إلى أولوية خاصة تم منحها منذ العام 2010 لتغيير الأنظمة فى كل من اليمن والسعودية ومصر وتونس والبحرين، وأضيفت سوريا وليبيا إلى قائمة الدول ذات الأولوية على صعيد إنشاء مجتمعات مدنية فيها.
وأظهرت الوثيقة انتهاج إدارة أوباما سياسة الدعم السرى لجماعة الإخوان المسلمين فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ العام 2010.
وانتهجت إدارة الرئيس أوباما منذ العام 2010 سياسة تقوم على تقديم دعم سرى لجماعة الإخوان المسلمين وحركات أخرى للمتمردين فى الشرق الأوسط، كما تؤكد الوثيقة التى تم الإفراج عنها للتو هيكلاً محدداً لبرامج وزارة الخارجية الأمريكية التى تهدف بشكل مباشر إلى بناء منظمات «مجتمع مدنى»، ولاسيما المنظمات غير الحكومية، بغية إحداث تغيير يخدم أهداف السياسة الخارجية والأمن القومى الأمريكيين.
ورغم استخدام الوثيقة، الواقعة فى خمس صفحات، لغة دبلوماسية، إلا أنها لا تترك مجالاً للبس بأن الهدف هو تشجيع وتوجيه تغيير سياسى فى البلدان المستهدفة: «إن مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية هى برنامج إقليمى لتمكين المواطنين فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهدف تطوير مجتمعات أكثر تعددية وتشاركية وازدهاراً.. وكما توضح الأرقام فى هذه المراجعة، فقد تطورت «المبادرة» عما كانت عليه عند انطلاقها فى العام 2002، لتصبح أداة مرنة على مستوى إقليمى لتقديم الدعم المباشر للمجتمعات المدنية المحلية الرئيسية وبما يخدم العمل اليومى للدبلوماسية الأمريكية فى المنطقة.. وشمل نطاق عمل «المبادرة» كل بلدان منطقة الشرق الأدنى باستثناء إيران.
فى سبعة من بلدان وأقاليم المنطقة الثماني عشر التى تتواجد فيها بعثات للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، فإن المناقشات والاتصالات على مستوى الدولة المستهدفة بين «المبادرة» ووكالة التنمية الدولية فى واشنطن تضمن أن تكون الجهود المخطط لها متوائمة ومتكاملة».
وفى القسم الذى حمل عنوان «كيف تعمل مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية»، تذكر الوثيقة صراحة ثلاثة عناصر جوهرية للبرنامج: التخطيط على مستوى المنطقة ومجموعة دول؛ والمنح المحلية؛ والمشاريع الخاصة بدولة محددة.. وقد تم وصف أهداف «التخطيط على مستوى المنطقة ومجموعة دول» بأنها: «بناء شبكات علاقات بين الإصلاحيين للتعلم من بعضهم كما دعم كل منهم الآخر، وتحفيز التغيير البناء فى المنطقة». أما المنح المحلية، فإنها «تقدم دعماً مباشراً للمنظمات المدنية المحلية، وهى تمثل الآن أكثر من نصف مشروعات «المبادرة».
وفيما يتعلق بالمشاريع الخاصة بدولة محددة، فيتولى موظفو السفارة الأمريكية المعينون إدارة التمويل، ويعملون كضباط ارتباط مباشرين مع المنظمات المحلية غير الحكومية وسواها من مؤسسات المجتمع المدنى.. إذ تتمثل مهمة المشاريع الخاصة بدولة محددة فى «الاستجابة للتطورات المحلية والاحتياجات المحلية، كما تُحدد من قبل سفاراتنا والإصلاحيين المحليين وتحليلاتنا الخاصة من الميدان.. إن التطورات السياسية فى بلد ما قد تتيح فرصاً أو تحديات جديدة لأهداف سياسة الحكومة الأمريكية، وسوف تقوم «المبادرة» بتوجيه التمويل للاستجابة لهذه الاحتياجات».
وبموجب الوثيقة، يتولى نائب رئيس البعثة فى كل سفارة أمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مهمة إدارة برنامج «المبادرة»، ما يظهر الأولوية الشديدة للبرنامج.. وتذكر الوثيقة بشكل صريح أن «المبادرة» لا تخضع للتنسيق مع حكومات البلدان المضيفة: «تعمل المبادرة أساساً مع المجتمع المدنى من خلال منفذين من المنظمات غير الحكومية المتواجدة فى الولايات المتحدة والمنطقة.. إن «المبادرة» لا تقدم تمويلاً للحكومات الأجنبية، ولا تتفاوض بشأن اتفاقيات مساعدات ثنائية. وكبرنامج إقليمى، تستطيع المبادرة نقل التمويل عبر البلدان، وتوجيهه نحو قضايا ومجالات جديدة، عند الحاجة».
وتتضمن الوثيقة خطط إدارة الرئيس أوباما لدعم جماعة الإخوان المسلمين، وسواها من حركات الإسلام السياسى الحليفة، والتى سادت قناعة بأنها متوافقة مع أهداف السياسة الخارجية الأمريكية فى المنطقة.
إجمالاً، يمكننا أن نقول إن العلاقات المصرية الأمريكية شهدت تغيرات مهمة بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو نقلتها من الشكل التقليدى الذى كانت فيه الولايات المتحدة المتغير المستقل ومصر هى المتغير التابع إلى نمط جديد يقوم على التعامل بندية نتيجة لاستقلالية السياسة الخارجية المصرية وتعدد دوائرها حيث لم تعد مقصورة فقط على الولايات المتحدة وأوروبا بل شملت أيضا الدول الكبرى الأخرى فى النظام الدولى كروسيا والصين وتنويع مصادر تسليحها حيث لم تقتصر على الولايات المتحدة فقط كمصدر للتسلح كما برز فى صفقة الرافال من فرنسا كما أن الإدارة الأمريكية أضحت فى موقع رد الفعل الذى فرض عليها أن تتعامل مع مصر وفقاً للتغيرات الكبرى والمتسارعة التى شهدتها فى السنوات الأخيرة ولم يعد لها تأثير فى توجيه تفاعلاتها الداخلية كما كان فى السابق ولذلك فإن السياسة الأمريكية حاولت جاهدة تحقيق التوازن بين اعتبارات المصالح الاستراتيجية مع مصر وهى الحفاظ على معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية والمرور العسكرى فى قناة السويس وحشد دعم مصر فى الحرب على الإرهاب وبين اعتبارات المثالية المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتى اعتادت على توظيفها كورقة للضغط على النظام المصرى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية كما كان إبان عهد مبارك.
ولعله من الواضح تماماً أن التطور التدريجى فى سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر ليس وليد اليوم، وكانت أهم محطاته، تخلى واشنطن عن سياسة الضغط من خلال المساعدات العسكرية بعد أن اتضح عدم جدواها وأنها أصبحت تفضل أسلوب الحوار لتسوية المشكلات العالقة فى علاقتها مع مصر. ومما زاد من قوة هذا الاتجاه هو زيادة احتياج واشنطن إلى القاهرة بسبب تصاعد النزاعات المسلحة ومصادر التهديد لمصالحها وبسبب استمرار تمسكها بتقليل تواجدها العسكرى فى العالم العربى والشرق الأوسط.
«أدبيات السياسة السابقة منذ 30 عاماً غير ملزمة ولا تصلح حالياً»
عبارة الرئيس السيسى، تأتى لتؤكد بوضوح أن مصر دولة كبرى لا بمساحتها ولا باقتصادها لكن بعمقها التاريخى والجغرافى وريادتها السياسية، وقوتها البشرية. لذلك فهى سقف العالم، ودمارها لا قدر الله يعنى دخول العالم كله فى حالة من الاضطراب والقلق أو انفجاره، وتلك حقيقة واقعية.
وبالمشروعات التى بدأها الرئيس السيسى، وتلك التى يجرى استكمالها، ستتحول مصر إلى مركز للتجارة العالمية، وسرة للعالم العربى وبؤرة للعالم الإسلامى.. وستصبح كذلك رائدة الشمال فى القارة السمراء.. تماماً، كما كانت مصر هى حائط الصد فى مواجهة الصليبيين والتتار وكل أعداء الأمة قديماً وحديثاً.
أعطت مصر درساً كبيراً فى التاريخ الحديث، فهى من تصدت لمشروع الإخوان الدولى الكبير، وأحدثت زلزالاً أعاد رسم خارطة التحالفات فى منطقة الشرق الأوسط. كشفت مصر المشروع الإخوانى الدولى، الذى لم يكن يتحدد فى سيناء وقطاع غزة بقدر ما يمتد على جغرافية الشرق الأوسط الجديد، بعد سايكس بيكو.
ومع الرئيس عبدالفتاح السيسى، عادت مصر إلى دورها الطبيعى بعد أن كانت ساحة لتنظيم الإخوان وساحة لطموحات العثمانيين الجدد وولاية الفقيه فى طهران.. ودولة تابعة للولايات المتحدة، تأتمر بأوامرها.
وأخيراً، فإن مصر السيسى ستبقى عمق الحضارة البشرية كأول دولة مركزية فى تاريخها عبر سبعة آلاف عام بموروثها الحضارى.. وستصبح عمّا قريب هى السياسة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والجغرافيا والمكان والإنسان، وبفضل ذلك كله، تمكنت من إجهاض مشروع الشرق الأوسط الكبير.
باختصار، مصر «أم الدنيا»، ستصبح قريباً جداً «قد الدنيا».
جاكسون ديل: الرئيس المصرى اتهم أمريكا بشن حروب الجيل الرابع ضد بلاده ويجب عقابه!
«أدبيات السياسة السابقة منذ 30 عاماً غير ملزمة ولا تصلح حالياً» بهذه الجملة قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بتلخيص العلاقات المصرية الأمريكية فى الحوار الذى أجراه أسامة كمال وعرضته القنوات التليفزيونية المصرية مساء الجمعة.
تأتى هذه العبارة لتؤكد انتهاء الدور الأمريكى الممتلك لكل أوراق اللعبة السياسية فى الشرق الأوسط لعدة أسباب على رأسها التحولات التى أحدثتھا ثورة 30 يونيو.. واتجاه روسيا إلى تقديم نفسھا كبديل، أو منافس مواز للولايات المتحدة فى المنطقة، بل ومختلف عن الأخيرة، سواء من حيث رؤيتھا لمستقبل المنطقة، فلم تعد موسكو ھى مصدر السلاح والطاقة فقط، وإنما أصبحت لاعباً ينافس النفوذ الأمريكى فى المنطقة، وباتت تمثل ظھيراً دولياً للتحالف المصرى-الخليجى الذى تشكل بعد ثورة 30 يونيو، وھو ما لاقى قبولاً من دول الخليج، على نحو قد يؤسس لحقبة روسية جديدة.
كذلك، كان سقوط الإخوان فى مصر ضربة للمشروع التركى القطرى الإخوانى.. إذ كانت تركيا تحاول أن تتوسع فى الشرق الأوسط، فى أعقاب خسارة طلبها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، لكن بعد 30 يونيو 2013 تراجع دورها فى الشرق الأوسط، وفشلت طموحاتها فى إعادة الإمبراطورية العثمانية من جديد تحت شعارات الإسلام والقضية الفلسطينية، التى أصبحت موجة لركوبها من أجل المصالح الحزبية والداخلية، أكثر من مبادئ حقيقية باستعادة القدس، ومعروف وواضح أن حزب العدالة والتنمية التركى، كان يتخذ من «الربيع العربى» واجهة لفرض الإخوان فى المنطقة، فبعد أن نجحت تركيا فى تونس وليبيا كانت لها طموحات كبيرة بصعود جماعة الإخوان فى مصر فى أعقاب ثورة 25 يناير.
ومن محاسن الصدف، أن تأتى هذه العبارة بعد أيام قليلة، بل بعد ساعات، من هجوم شنته «جاكسون ديل» فى مقال نشرته صحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية، على المساعدات الأمريكية التى تقدمها للقاهرة وتأكيدها على أن تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن حروب الجيل الرابع تشير بوضوح إلى واشنطن، الأمر الذى اعتبرته الصحيفة الأمريكية بمثابة «صفعةً قوية» من السيسى إلى نظام أوباما.
وأشارت «ديل» إلى أنه فى إحدى المرات، فسر السيسى حروب الجيل الرابع وهو يتحدث إلى طلاب كلية عسكرية مصرية بأنها تحدث عندما «يتم توظيف قنوات الاتصال الحديثة وعلم النفس والإعلام لخلق انقسامات والإضرار بمصر من الداخل».. وتابع: من هو العدو فى تلك الحرب؟!.. الإجابة بحسب مصر يرجّح أن تكون الولايات المتحدة، رغم أنها نفس الدولة التى تزوده بهذه المدرعات المجانية، ومليارات المساعدات!
وأضافت «ديل»: النظام المصرى يستخدم الدبابات والمدرعات المضادة للألغام ومقاتلات إف 16 التى تقدمها واشنطن لقتال داعش فى شبه جزيرة سيناء، لكنه فى ذات الوقت يوجه أجهزته المخابراتية للهجوم على من يعتبرهم عملاء الولايات المتحدة المخربين فى القاهرة. وانتهى المقال بالإشارة إلى أن هناك معضلة تتمثل فى أن الدعم الأمريكى لمصر يستخدم فى تدمير العلاقات الأمريكية مع مصر، خاصة فى ظل حالة التربص الذى يتعرض لها المناصرون العلمانيون للديمقراطية وحقوق الإنسان، والذين هم الحلفاء الطبيعيون للولايات المتحدة.
وبوضع العبارة التى قالها الرئيس فى سياق ما حدث ويحدث وسيحدث، يمكننا أن نستنتج بسهولة أننا انتقلنا من حالة التابع إلى حالة الند أو الشريك، وهذا فى رأيى هو أهم ما أنجزته الدولة المصرية منذ 30 يونيو 2013 وحتى الآن.
ما يؤكد ذلك، هو تعامل واشنطن الحذر مع نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو ما كشفته الشهور (أو السنوات) السابقة من تغيرات فضحت تناقضات الإدارة الأمريكية فى تعاملها مع الشأن المصرى، وأكدت ما سبق أن ذكره موقع «كندا فرى برس» الكندى عن أن الإدارة الأمريكية مصابة بـ«السيسى فوبيا»، وأن مخاوف إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، من السيسى مستمرة منذ كان وزيراً لدفاع مصر، وقائداً لجيشها، بل وتزايدت بتوليه الرئاسة.
التقرير الذى نشره الموقع الكندى، نقل عن مصادر سياسية رفيعة المستوى أن الإدارة الأمريكية بذلت جهوداً كبيرة لمنع ترشح السيسى، وأن وزير الدفاع الأمريكى تشاك هيجل أجرى اتصالات عديدة بأعضاء القوات المسلحة المصرية عن الحاجة الملحة لإقناع السيسى بعدم خوض الانتخابات الرئاسية، وأن هيجل قال إن واشنطن ليست مرتاحة إزاء ترشح السيسى، وإن الجيش يجب أن يفك ارتباطه بالصراع السياسى المستمر فى مصر!
أما سبب المخاوف الأمريكية من السيسى، التى وصفها التقرير بـ«سيسى فوبيا»، فيرجع إلى أن الإدارة الأمريكية لا يمكن أن تتقبل أو حتى تتسامح مع وجود حاكم قوى مستقل فى الشرق الأوسط، وأن أمريكا دعمت مبارك والإخوان المسلمين ومرسى لا لشىء إلا لتعاونهم الكامل واعتمادهم على أمريكا، التى لا هدف لها غير الحفاظ على إمدادات النفط الخليجية والحفاظ على الامتيازات التى تحصل عليها السفن الأمريكية فى قناة السويس، والهدف الثانى هو أمن إسرائيل.
تقرير الموقع الكندى أوضح أن الولايات المتحدة ترى أن السيسى يمثل نفس الخطر الذى مثله جمال عبدالناصر، فهو بطل شعبى يتمتع بأغلبية كاسحة وشخصية محبوبة، ومدعوم من القوات المسلحة والشرطة وأجهزة المخابرات.
وجاء فى التقرير: «أطاح بحكم الإخوان المسلمين فى مصر، وأطاح بالمشروع الأمريكى الذى يدعم صعود قوى الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط لتنفيذ الخطط الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة التى ستتبعه».
جاء السيسى ليفسد على الأمريكيين كل شىء بعدما أصبح أقوى عدو للجماعات الإرهابية، لاسيما الإخوان المسلمين، المدعومة من باراك أوباما سياسياً ومادياً.
كما أكد تقرير «كندا فرى برس» أن السيسى يمثل تهديداً خطيراً لمخططات أمريكا فى المنطقة، ومن ثم، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تشعر بالارتياح مع وجود مثل هذا الشخص كرئيس لأكبر وأقوى دولة عربية.
ما يؤكد ما ورد بالتقرير الكندى هو غياب أى تغيير إيجابى حقيقى تجاه مصر فى وسائل الإعلام الأمريكية ومراكز الأبحاث وصنع القرار القريبة من البيت الأبيض.
كلهم مازالوا يتحدّثون عن الانقلاب على الرئيس الإخوانى، وكذلك يصر ما يمكن أن نطلق عليه اللوبى الداعم للإخوان فى الكونجرس على تصعيد نبرة العداء، تجاه كل ما يمتّ بصلة لـ30 يونيو.
وكلنا رأينا وتابعنا كيف حاولت الولايات المتحدة بشتّى الطرق، بعد الإطاحة بالإخوان، وعبر مساعدات إقليمية ضخمة، تحديداً من تركيا وقطر، دعم الضغط الإخوانى فى الشارع المصرى.
وغير رغبتها فى استخدام الإخوان ككارت ضغط على القاهرة، فإنها كانت تفعل ذلك من أجل مجموعة من الملفات ذات البعد الإقليمى، خاصة أن خسارة الإخوان فى مصر بالنسبة لواشنطن تعنى خسارة تأثيرهم فى غزة وسوريا والعراق وأفغانستان وغيرها من دول المنطقة.
أيضاً، كان «خوان ريكاردو كول»، أستاذ التاريخ بجامعة ميتشيجان، قد نشر تحليلاً على مدونته الخاصة تناول فيه علاقة الولايات المتحدة بأهم دول الشرق الأوسط مصر والسعودية وإيران وإسرائيل، والتغيرات التى طرأت على تلك العلاقة فى عام 2013 انتهى فيها إلى أن دور الولايات المتحدة كقوة عظمى انتهى أو أوشك على الانتهاء وأن العلاقات الدبلوماسية والعسكرية للولايات المتحدة فى المنطقة تغيرت بدرجة كبيرة.. وذكر بوضوح أن أزمة واشنطن مع من حكموا مصر بعد 30 يونيو هى أنها لا يمكنها أن تعطيهم أوامر على الرغم من أنها تمنحهم مساعدات.. وقال إنه لا توجد خيارات كثيرة أمام الولايات المتحدة سوى العمل مع أوروبا لمواصلة الضغط على القاهرة!
وغير، أنتونى سكينر مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشركة «مابلكروفت» المتخصصة فى تحليل المخاطر، الذى انتقد بشده تفريط الولايات المتحدة فى حلفائها بالمنطقة، منطقة الشرق الأوسط، أكد «آلان كروبا» فى مقال نشره موقع «كندا فرى برس» تغلغل الإخوان داخل مؤسسة صنع القرار الأمريكية، وكيف استطاعوا استغلال ما يسمى «الربيع العربى» لتنفيذ مخططاتهم.
وأشار «كروبا» إلى أنه فى حين لا يدرك كثر ماهية «الإخوان»، إلا أن الجماعة سعت منذ وقت طويل للسيطرة على الأحداث فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما أنها تلعب دوراً قوياً و«مخيفاً» فى أمريكا.
وأوضح «كروبا» أن التواجد الإخوانى فى أمريكا بلغ ذروته مع استلام الرئيس الأمريكى باراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة عام 2008 مستنداً بذلك إلى أقوال الخبير السياسى بحركات الشرق الأوسط وليد فارس فى كتابه (الربيع الضائع، السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط وكوارث ينبغى تجنبها) بأن «شبكة الجماعة دعمت حملة أوباما بصورة غير رسمية، وذلك وفق تنسيق مسبق يضمن للجماعة التأثير داخل الإدارة الأمريكية عند تولى أوباما لمنصبه».
ولفت إلى أن «التنظيم الدولى للجماعة لديه خطط وفق مصالح مشتركة لإبعاد القوى العلمانية والمعتدلة فى العالم العربى، ومن ثم إقصاء ممثلى تلك القوى وأصدقائها فى الولايات المتحدة وأوروبا».
واعتبر «كروبا» أنه «فى الوقت الراهن، يوجد واحد من أخطر التنظيمات العالمية فى البيت الأبيض، ومن المهم أن نعرف أن الإخوان ناورت حول السياسة الأمريكية منذ عقود، وبالقدر الذى حاولت فيه الجماعة أن لا تظهر بشكل مباشر فى المنظمات الرئيسية مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، ورابطة الطلاب المسلمين وغيرهما، لكنها عملت على إنشاء مراكز للدراسات الإسلامية فى الجامعات، وحافظت على برنامج الاتصالات لعرض تصوراتها وأفكارها من خلال وسائل الإعلام الأمريكية، وبالتالى التأثير على الرأى العام الأمريكى والعالمى».
وتساءل «كروبا»: «كيف نجح الإخوان بالتسلل إلى دوائر السلطة فى الولايات المتحدة؟!»، مجيباً بأسماء من قال إن لهم صلات بالإخوان داخل الإدارة. وحول السياسة الأمريكية، لفت «كروبا» إلى أن أوباما عمل على حذف كلمة «الإرهاب» من الخطاب الحكومى، وعندما قتل الجنود فى قاعدة فورت هود من قبل الجهاديين، صنف الحادثة على أنها «عنف فى مكان العمل»، واستبدل مفهوم «الحرب على الإرهاب» بـ«الخوف من الإسلام». مشيراً إلا أنه كان يفترض من أوباما أن يقول «مسئوليتى كرئيس للولايات المتحدة أن أتصدى للصور النمطية السلبية عن الإسلام أينما ظهرت»، بدل سعيه لعقد صفقة مع إيران، وتأييده للإرهاب فى جميع أنحاء العالم وبنفس الوقت واكب تصنيع الأسلحة النووية بهدف استمرار تخويف الشرق الأوسط والعالم.
وأنهى «آلان كروبا» مقاله بأن «لدينا الرئيس الذى أدار ظهره لكافة الحركات التى تسعى للحصول على الديمقراطية فى الشرق الأوسط، وعلى العالم أن ينتظر حتى يترك أوباما منصبه ليتم إحراز تقدم حقيقى ضد الإخوان».
ونشير هنا إلى أن د.وليد فارس الذى استشهد «كروبا» بكتابه يعمل مستشار الكونجرس الأمريكى لشئون الشرق الأوسط، وفى كتابه المشار إليه (الربيع الضائع، سياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط وكوارث ينبغى تجنبها) يحذر الإدارة الأمريكية من توتر العلاقات بينها وبين دول المنطقة، موضحاً كيف أضاع الغرب فرص الشراكة مع المجتمعات المدنية الناشئة ضد الجهاديين والمتطرفين الآخرين.
وفى الكتاب، يكشف فارس أن الولايات المتحدة تورطت فى أزمات عميقة، وغير مسبوقة فى واحدة من المناطق الحيوية، والأكثر خطورة التى تمتد من شمال إفريقيا إلى حدود الأفغان مع الصين. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لحفظ التوازن فى منطقة الشرق الأوسط، فإن هذه المنطقة شهدت فى الآونة الأخيرة أعمق الأزمات على الإطلاق من جراء الولايات المتحدة، وبات تهديد الجهاد السلفى الأكثر خطورة فى 2014 مقارنة بالسابق.
وأضاف الكتاب: «منذ انفجار ما أُطلق عليه الربيع العربى، نرى أن معالم منطقة الشرق الأوسط تتغير، أصبحت الديكتاتوريات العلمانية أقل عدداً، وبزغت قوى متسلطة جديدة تُعد أكثر شمولية وديكتاتورية من حيث طبيعتها، تعيد إلى أذهاننا التحول من الإمبراطوريات إلى الدول الفاشية الذى شهدته أوروبا فى ثلاثينيات القرن العشرين.
ويتجسد التناقض الذى يمثله الربيع العربى كما ورد فى الكتاب فى الطفرة التى حدثت من حركات شعبية مزدهرة فى الشهور الأولى لـ2011، لتتحول إلى شتاء إسلامى كثيف فى 2013. إذ شهدت تونس وليبيا ومصر صعود أنظمة الحكم والقوى السلفية، إضافةً إلى بعض الانتشار فى المغرب والأردن واليمن.
ومع فشل الحكم السلفى، كما حدث فى مصر، يسيطر الإسلاميون الآخرون فى المنطقة على المشهد، كما هو الحال فى لبنان مع حزب الله وفى العراق مع ميليشات المهدى.. ومع سيطرة الإسلاميين على دولة تلو الأخرى، تستمر الحرب فى سوريا، والضربات الإرهابية فى العراق ولبنان، وتنتشر الصراعات السياسية المدنية فى أنحاء شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية».
وانتقد الكتاب السياسة الخارجية الحالية لإدارة أوباما التى أضاعت فرصة جيدة لنشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط ووقف زحف الإسلاموية، كما وصفها بأنها سياسة فاشلة بداية من الانسحاب من أفغانستان قبل إلحاق الهزيمة الساحقة بحركة طالبان، وصولاً إلى الدفاع عن البيروقراطية، والتحالف مع الجماعات الإسلامية. مشيرا إلى أن الخطأ الاستراتيجى المدمر فى إدارة أوباما يتمثل فى اعتقادها أن الإسلام السياسى يختلف عن إرهاب القاعدة، إضافة إلى زعمها المستمر بنجاح سياستها تجاه الشرق الأوسط، وهو إدعاء تؤكد الحقيقة على أرض الواقع مدى افترائه.
وكان موقع «جلوبال ريسيرش» الكندى، المعنى بنشر البحوث والدراسات السياسية، قد نشر تقريراً للكاتب والمحلل السياسى الأمريكى «إريك دريستر»، تناول فيه التوسع الأمريكى فى أفريقيا بدعوى دعم الاستقرار، بينما تريد فى الواقع وضع يدها على الموارد الإفريقية وكبح جماح النفوذ الصينى، مشيراً فى هذا الصدد إلى الدور الذى لعبته مؤسسة أفريكوم فى الصراع فى ليبيا والسودان ومالى.
وقال التقرير إن الولايات المتحدة زادت بهدوء من دائرة وجودها العسكرى على مدار السنوات العشر الماضية فى جميع أنحاء أفريقيا فى محاولة لمواجهة النفوذ الصينى وغيرها من الدول الناشئة، فى الوقت الذى تقوم فيه بإحكام سيطرتها على الموارد الاستراتيجية المهمة وطرق التجارة.
وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة، مثل حلفائها بريطانيا وفرنسا، حافظت على نفوذها وسيطرتها غير المباشرة فى أفريقيا لفترات طويلة، من خلال مؤسسات مالية مثل البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى، والبنك الأفريقى للتنمية، ووسعت نفوذها السياسى باستخدام منظمات إغاثة مثل هيئة المعونة الأمريكية، والمنظمات غير الحكومية مثل الصندوق الوطنى للديمقراطية ومؤسسة فريدوم هاوس وغيرها.
كما تمكنت واشنطن من تقديم المساعدة العسكرية والمالية إلى البلدان المتعاونة فى شمال أفريقيا، وهى سياسة تعنى أن الجيش الأمريكى أصبح القوة المهيمنة فى منطقة الساحل، ويقوم بتوفير الموارد البشرية والمادية لحكومات المنطقة، ما يعنى التبعية الضمنية إلى القيادة العسكرية فى الولايات المتحدة.
وبحسب التقرير، فإن هذه المبادرة تخدم هدفين فى إطار مصالح الأمن القومى للولايات المتحدة فى أفريقيا، الأول شن الحرب على الإرهاب، والثانى تعزيز السلم والأمن الإقليميين.
كما أشارت الأكاديمية والباحثة الصينية الشهيرة ديبورا بروتيجام فى تقريرها الاستثمار الصينى فى أفريقيا عام 2013، إلى أن هناك ارتفاعاً كبيراً فى الواردات والصادرات الصينية، والمساعدات الاستثمارية الخارجية وتمويل الصادرات.
وتوضّح أرقام بروتيجام حقيقة مفادها أن الصين تمثل تحدياً متنامياً للهيمنة الاقتصادية الأمريكية فى أفريقيا، برغم أنها لا تزال تمتلك إجمالى استثمارات سنوية أقل من الولايات المتحدة فى القارة السمراء، المقدرة بـ9 مليارات دولار.
وبعد استثمارها فى مجموعة متنوعة من القطاعات، بدءاً من التعدين والنفط إلى الاتصالات السلكية واللاسلكية والخدمات المصرفية، ظهرت الصين بمظهر البديل الملائم للولايات المتحدة والبنك الدولى وصندوق النقد الدولى للاستثمار والمساعدات.
أزعج هذا التوجه الصينى بطبيعة الحال المؤسسة السياسية والشركات الأمريكية التى ترى فى الصين تهديداً لسلطاتها.
ويرى التقرير أنه يتعين فهم سياسة واشنطن تجاه أفريقيا فى السنوات الأخيرة، فى سياق خططها لتحجيم وكبح القوة المتنامية للصين ونفوذها، مستشهداً بانفصال جنوب السودان برعاية أمريكية وتأسيس دولة جنوب السودان.
وقال التقرير إنه نظراً لوجود أغلب حقول النفط فى جنوب السودان، قادت الولايات المتحدة مهمة تفكيك السودان وتأسيس دولة جنوب السودان، التى من شأنها أن تعتمد على التمويل الأمريكى والقوة العسكرية الأمريكية للحفاظ على بقائها.
وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة حاولت فى جميع أنحاء أفريقيا كبح النفوذ المتنامى للصين، ودخلت فى حرب بالوكالة على نطاق واسع بدءاً من نيجيريا إلى جنوب أفريقيا ومن أنجولا إلى السودان، بنية معلنة للحفاظ على مركزها المهيمن فى أفريقيا.
الخلاصة هى أن واشنطن، باستخدام مواردها العسكرية الواسعة، لتعزيز هيمنتها الأفريقية باستخدام نفس التكتيكات الاستعمارية التى وظفتها الإمبراطوريات السابقة.
وتلك وثيقة أمريكية تكشف تورط واشنطن فى مخطط لتغيير الأنظمة العربية من خلال بناء منظمات مجتمع مدنى تحدث تغييراً فى السياسات الداخلية للدول المستهدفة.
وطبقاً للوثيقة، التى تم الإفراج عنها بموجب دعوى قضائية استناداً إلى قانون حق الحصول على المعلومات، فإن إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما ضالعة فى حملة استباقية منذ ما قبل الربيع العربى لتغيير الأنظمة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأشارت الوثيقة الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية فى 22 أكتوبر 2010 بعنوان «مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية: مراجعة»، إلى أولوية خاصة تم منحها منذ العام 2010 لتغيير الأنظمة فى كل من اليمن والسعودية ومصر وتونس والبحرين، وأضيفت سوريا وليبيا إلى قائمة الدول ذات الأولوية على صعيد إنشاء مجتمعات مدنية فيها.
وأظهرت الوثيقة انتهاج إدارة أوباما سياسة الدعم السرى لجماعة الإخوان المسلمين فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ العام 2010.
وانتهجت إدارة الرئيس أوباما منذ العام 2010 سياسة تقوم على تقديم دعم سرى لجماعة الإخوان المسلمين وحركات أخرى للمتمردين فى الشرق الأوسط، كما تؤكد الوثيقة التى تم الإفراج عنها للتو هيكلاً محدداً لبرامج وزارة الخارجية الأمريكية التى تهدف بشكل مباشر إلى بناء منظمات «مجتمع مدنى»، ولاسيما المنظمات غير الحكومية، بغية إحداث تغيير يخدم أهداف السياسة الخارجية والأمن القومى الأمريكيين.
ورغم استخدام الوثيقة، الواقعة فى خمس صفحات، لغة دبلوماسية، إلا أنها لا تترك مجالاً للبس بأن الهدف هو تشجيع وتوجيه تغيير سياسى فى البلدان المستهدفة: «إن مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية هى برنامج إقليمى لتمكين المواطنين فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهدف تطوير مجتمعات أكثر تعددية وتشاركية وازدهاراً.. وكما توضح الأرقام فى هذه المراجعة، فقد تطورت «المبادرة» عما كانت عليه عند انطلاقها فى العام 2002، لتصبح أداة مرنة على مستوى إقليمى لتقديم الدعم المباشر للمجتمعات المدنية المحلية الرئيسية وبما يخدم العمل اليومى للدبلوماسية الأمريكية فى المنطقة.. وشمل نطاق عمل «المبادرة» كل بلدان منطقة الشرق الأدنى باستثناء إيران.
فى سبعة من بلدان وأقاليم المنطقة الثماني عشر التى تتواجد فيها بعثات للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، فإن المناقشات والاتصالات على مستوى الدولة المستهدفة بين «المبادرة» ووكالة التنمية الدولية فى واشنطن تضمن أن تكون الجهود المخطط لها متوائمة ومتكاملة».
وفى القسم الذى حمل عنوان «كيف تعمل مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية»، تذكر الوثيقة صراحة ثلاثة عناصر جوهرية للبرنامج: التخطيط على مستوى المنطقة ومجموعة دول؛ والمنح المحلية؛ والمشاريع الخاصة بدولة محددة.. وقد تم وصف أهداف «التخطيط على مستوى المنطقة ومجموعة دول» بأنها: «بناء شبكات علاقات بين الإصلاحيين للتعلم من بعضهم كما دعم كل منهم الآخر، وتحفيز التغيير البناء فى المنطقة». أما المنح المحلية، فإنها «تقدم دعماً مباشراً للمنظمات المدنية المحلية، وهى تمثل الآن أكثر من نصف مشروعات «المبادرة».
وفيما يتعلق بالمشاريع الخاصة بدولة محددة، فيتولى موظفو السفارة الأمريكية المعينون إدارة التمويل، ويعملون كضباط ارتباط مباشرين مع المنظمات المحلية غير الحكومية وسواها من مؤسسات المجتمع المدنى.. إذ تتمثل مهمة المشاريع الخاصة بدولة محددة فى «الاستجابة للتطورات المحلية والاحتياجات المحلية، كما تُحدد من قبل سفاراتنا والإصلاحيين المحليين وتحليلاتنا الخاصة من الميدان.. إن التطورات السياسية فى بلد ما قد تتيح فرصاً أو تحديات جديدة لأهداف سياسة الحكومة الأمريكية، وسوف تقوم «المبادرة» بتوجيه التمويل للاستجابة لهذه الاحتياجات».
وبموجب الوثيقة، يتولى نائب رئيس البعثة فى كل سفارة أمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مهمة إدارة برنامج «المبادرة»، ما يظهر الأولوية الشديدة للبرنامج.. وتذكر الوثيقة بشكل صريح أن «المبادرة» لا تخضع للتنسيق مع حكومات البلدان المضيفة: «تعمل المبادرة أساساً مع المجتمع المدنى من خلال منفذين من المنظمات غير الحكومية المتواجدة فى الولايات المتحدة والمنطقة.. إن «المبادرة» لا تقدم تمويلاً للحكومات الأجنبية، ولا تتفاوض بشأن اتفاقيات مساعدات ثنائية. وكبرنامج إقليمى، تستطيع المبادرة نقل التمويل عبر البلدان، وتوجيهه نحو قضايا ومجالات جديدة، عند الحاجة».
وتتضمن الوثيقة خطط إدارة الرئيس أوباما لدعم جماعة الإخوان المسلمين، وسواها من حركات الإسلام السياسى الحليفة، والتى سادت قناعة بأنها متوافقة مع أهداف السياسة الخارجية الأمريكية فى المنطقة.
إجمالاً، يمكننا أن نقول إن العلاقات المصرية الأمريكية شهدت تغيرات مهمة بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو نقلتها من الشكل التقليدى الذى كانت فيه الولايات المتحدة المتغير المستقل ومصر هى المتغير التابع إلى نمط جديد يقوم على التعامل بندية نتيجة لاستقلالية السياسة الخارجية المصرية وتعدد دوائرها حيث لم تعد مقصورة فقط على الولايات المتحدة وأوروبا بل شملت أيضا الدول الكبرى الأخرى فى النظام الدولى كروسيا والصين وتنويع مصادر تسليحها حيث لم تقتصر على الولايات المتحدة فقط كمصدر للتسلح كما برز فى صفقة الرافال من فرنسا كما أن الإدارة الأمريكية أضحت فى موقع رد الفعل الذى فرض عليها أن تتعامل مع مصر وفقاً للتغيرات الكبرى والمتسارعة التى شهدتها فى السنوات الأخيرة ولم يعد لها تأثير فى توجيه تفاعلاتها الداخلية كما كان فى السابق ولذلك فإن السياسة الأمريكية حاولت جاهدة تحقيق التوازن بين اعتبارات المصالح الاستراتيجية مع مصر وهى الحفاظ على معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية والمرور العسكرى فى قناة السويس وحشد دعم مصر فى الحرب على الإرهاب وبين اعتبارات المثالية المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتى اعتادت على توظيفها كورقة للضغط على النظام المصرى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية كما كان إبان عهد مبارك.
ولعله من الواضح تماماً أن التطور التدريجى فى سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر ليس وليد اليوم، وكانت أهم محطاته، تخلى واشنطن عن سياسة الضغط من خلال المساعدات العسكرية بعد أن اتضح عدم جدواها وأنها أصبحت تفضل أسلوب الحوار لتسوية المشكلات العالقة فى علاقتها مع مصر. ومما زاد من قوة هذا الاتجاه هو زيادة احتياج واشنطن إلى القاهرة بسبب تصاعد النزاعات المسلحة ومصادر التهديد لمصالحها وبسبب استمرار تمسكها بتقليل تواجدها العسكرى فى العالم العربى والشرق الأوسط.
«أدبيات السياسة السابقة منذ 30 عاماً غير ملزمة ولا تصلح حالياً»
عبارة الرئيس السيسى، تأتى لتؤكد بوضوح أن مصر دولة كبرى لا بمساحتها ولا باقتصادها لكن بعمقها التاريخى والجغرافى وريادتها السياسية، وقوتها البشرية. لذلك فهى سقف العالم، ودمارها لا قدر الله يعنى دخول العالم كله فى حالة من الاضطراب والقلق أو انفجاره، وتلك حقيقة واقعية.
وبالمشروعات التى بدأها الرئيس السيسى، وتلك التى يجرى استكمالها، ستتحول مصر إلى مركز للتجارة العالمية، وسرة للعالم العربى وبؤرة للعالم الإسلامى.. وستصبح كذلك رائدة الشمال فى القارة السمراء.. تماماً، كما كانت مصر هى حائط الصد فى مواجهة الصليبيين والتتار وكل أعداء الأمة قديماً وحديثاً.
أعطت مصر درساً كبيراً فى التاريخ الحديث، فهى من تصدت لمشروع الإخوان الدولى الكبير، وأحدثت زلزالاً أعاد رسم خارطة التحالفات فى منطقة الشرق الأوسط. كشفت مصر المشروع الإخوانى الدولى، الذى لم يكن يتحدد فى سيناء وقطاع غزة بقدر ما يمتد على جغرافية الشرق الأوسط الجديد، بعد سايكس بيكو.
ومع الرئيس عبدالفتاح السيسى، عادت مصر إلى دورها الطبيعى بعد أن كانت ساحة لتنظيم الإخوان وساحة لطموحات العثمانيين الجدد وولاية الفقيه فى طهران.. ودولة تابعة للولايات المتحدة، تأتمر بأوامرها.
وأخيراً، فإن مصر السيسى ستبقى عمق الحضارة البشرية كأول دولة مركزية فى تاريخها عبر سبعة آلاف عام بموروثها الحضارى.. وستصبح عمّا قريب هى السياسة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والجغرافيا والمكان والإنسان، وبفضل ذلك كله، تمكنت من إجهاض مشروع الشرق الأوسط الكبير.
باختصار، مصر «أم الدنيا»، ستصبح قريباً جداً «قد الدنيا».