ياسر بركات يكتب عن: العدو شرس.. وأسلحتنا فاســدة يا سيادة الرئيس
7 صحف و6 وكالات أنباء عالمية فبركت 300 كذبة ضــــد السيسى!
مراسل «الجارديان» فبرك تقارير إخبارية عن فض رابعة والنهضة وحرص على التحريض ضد مصر
وكالة رويترز ساهمت فى تشويه صورة الشرطة المصرية.. وحرضت إيطاليا للانتقام بعد حادث ريجينى!
حذرنا كثيراً من الدور شديد الخطورة الذى تلعبه صحف ووكالات أنباء أجنبية ضد مصر.
وقلنا أكثر من مرة إنها رغم ما تدعيه من موضوعية أو حياد، فإنها لا تعمل إلا على خدمة مصالح الدولة التى تنتمى إليها، أو مصالح شركات تسيطر عليها أو تربطها بها مصالح اقتصادية، فى تغطيتها الإخبارية لمختلف الأحداث.
ولفتنا النظر إلى قيام تلك الصحف والوكالات بتلوين الأخبار طبقاً لمصالحها وتمارس التعتيم المتعمد والتحريف وإحلال الأخطاء أو الأكاذيب محل الحقائق الثابتة وقيامها بإضافة تفسير غير حقيقى إلى الخبر أو بصنع الأخبار من حقائق عشوائية وتقديمها كحقيقة متكاملة أو بتجميع الحقائق الجزئية لكى تعطى انطباعاً بأنها الحقيقة الكاملة أو عرض الحقائق بطريقة تثير شكوكاً ومخاوف لا أساس لها من الصحة أو مبالغاً فيها.
ويوماً بعد آخر، يثبت ما حذرنا منه وما أكدناه مراراً وتكراراً، ولعل الفضيحة الكبرى التى أعلنت عنها صحيفة الجارديان البريطانية، هى الدليل القاطع على ذلك.
ولعلك تتذكر أننا سبق أن كشفنا السياسة القذرة التى تتبعها تلك الصحيفة فى تعاملها مع الشأن المصرى وأرجعنا ذلك إلى امتلاك مشيخة قطر لغالبية أسهمها وهو ما لا نرى مجالا لتكراره الآن.
«الجارديان» اعتذرت الخميس.
وزعمت أن القصة بدأت بتلقى شكاوى من مصادر تنفى ما نُسب إليها فى تقرير لـ«جوزيف مايتون» تم نشره فى فبراير.
ولما عجز مايتون عن توفير «أدلة مقنعة» على إجرائه تلك المقابلات، لجأت إلى مدقق لتقصى الحقائق، بما فى ذلك ما يتعلق بأعماله السابقة المنشورة منذ سنة 2009. وانتهى المدقق إلى أن عشرات المصادر التى اعتمد عليها «مايتون» لم يكن لها وجود، والموجود منها أنكر ما نسبه المحرر إليهم!
وقالت «الجارديان» إن مايتون نفى اختلاق ما نشر، لكنه امتنع فى الوقت نفسه عن تقديم ما يثبت صحة ما نشره أو ما استند عليه فى الكتابة، وكذلك أرقام تليفونات المصادر وعناوينها. فقررت حذف عدد من تحقيقاته وقصصه الإخبارية ومقالات الرأى التى نشرتها له من موقعها الإلكترونى، واستبقت فقط ما زعمت أنه ثبت صحته!
وقالت الصحيفة إن «مايتون» عندما لم يقدم أدلة موثقة على الموضوعات التى يتم التحقق منها فى فبراير الماضى، قامت بالاستعانة بمحقق خاص للتأكد من صحة المعلومات التى احتوتها موضوعاته، وانتقت أبرز 37 تقريراً نشرتها له خلال عامى 2015 و2016، وحوالى 20 مقال رأى فى الفترة منذ 2009 إلى 2015.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن المحقق وجد أن هناك معلومات مفبركة، منها قصص عن فعاليتين، قال المنظمون لهما إن مايتون لم يحضرهما، كما أن بعض المصادر التى استعان بها فى موضوعاته الصحفية تعذر الوصول إليهم بسبب عدم وجودهم حتى على شبكة الإنترنت، فى حين نفت بعض المصادر الإدلاء بالتصريحات التى نشرها مايتون فى موضوعاته.
وأوضحت جارديان أن محرريها التقوا بـ«مايتون» مرتين بشكل شخصى وتراسلوا معه عبر البريد الإلكترونى عدة مرات، وأعطوه أكثر من شهر منذ بدء التحقق من المزاعم، وطالبوه بتقديم أدلة على صحة موضوعاته ومقابلاته الصحفية، لكنه رفض الاتهامات بفبركة الموضوعات، ورفض تقديم أدلة واضحة على صحة المعلومات والمصادر التى أوردها فى الموضوعات محل التحقيق.
وأوضحت «لى جلندينينج» رئيس قسم الأخبار بالجارديان أنها تتلقى المئات من الأفكار من الصحفيين المستقلين سنوياً، وكلهم مطالبون بالالتزام بالقواعد التحريرية للصحيفة، وأنها تقوم بالتحقق من مراعاة تلك الموضوعات لمعاييرها المهنية والتحريرية التى يستحقها قراء جارديان.
وبناء على ذلك وبعد أن لاحظت الصحيفة أن تقارير مايتون توافق المعايير التى تسير على نهجها وأنه كان من الصعب اكتشاف ما تضمنته من فبركات.. وأشارت إلى أنها خلال عملية التحقق من تلك القصص الزائفة طرحت أسئلة من أجل التصرف بشكل مختلف فى المستقبل لمنع تكرار الواقعة وتم الاستعانة بشركتين للاستشارات.
إلى هنا يبدو الأمر عادياً. لكن غير العادى هو أن تخرج الصحيفة التى لم يسبق لها يوماً الاعتذار لقارئ ولا حتى احترامه، لتفعل ذلك فجأة، فهل فعلت ذلك لأن مايتون كتب ضد مصر؟!
الإجابة، بالطبع.. لا لأنه ظل يفبرك ويدلس طوال سنوات دون أن يلتفت له أحد.. والجارديان تدين نفسها بتلك المبررات الواهية، فمعنى اختيارها هذا الشخص بالذات من بين عشرات الكتاب، أن الصحيفة اقتنعت بما يقدمه من محتوى، وكما استطاع أن ينشر معلومات ضعيفة وخاطئة، فبالتأكيد هناك مئات التقارير الأخرى التى لم تستطع الجارديان اكتشاف أو الإعلان عن زيفها، وربما لن تفعل ذلك أبداً!
ولا يخفى على أحد أن هناك 7 صحف أجنبية تعامل معها تنظيم الإخوان منذ فترة عزل محمد مرسى وحتى الآن، سواء بنشر مقالات لقياداتها أو قيامها بتغطية الفعاليات التى ينظمها التنظيم فى بعض الدول، أو بتسليط الضوء على أحداث بعينها أو بالترويج لشائعات واختلاق أحداث هدفها التخديم على التنظيم وأهدافه.
أبرز تلك الصحف، التى أفردت مساحات كبيرة للتنظيم، كانت الجارديان، تلتها نيويورك تايمز وواشنطن بوست الأمريكية، وديلى ميل البريطانية.
وهى الصحف نفسها التى كانت تشن حملات تهاجم فيها مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى، قبيل أى زيارة يقوم بها لأى دولة أوروبية.
ومعروف أن الصحف البريطانية قامت بدور شديد الخطورة والخبث فى الدفاع عن تنظيم الإخوان عندما بدأت السلطات البريطانية تحقيقاتها حول نشاط التنظيم، وقامت أيضاً بالهجوم على الدول العربية التى وضعت التنظيم فى قائمة التنظيمات الإرهابية!
السؤال مرة أخرى هل فضحت الجارديان «مايتون» لأنه فبركاته كانت ضد مصر؟!
الإجابة، بالطبع لا أما السبب هذه المرة، فهو أنه قام بالفبركة من الولايات المتحدة، تحديداً من كاليفورنيا التى بدأ يراسل الجارديان من هناك بداية من مايو 2015، وكانت قصة خبرية أرسلها عن حريق مزارع للماريجوانا هى السبب الذى جعل الجارديان تفتح تحقيقها فى كل ما نشرته له!
ولا نقول جديداً لو قلنا إن الجارديان من أكثر الصحف التى نشرت تقارير كاذبة عن مصر، وبينها تقارير أساءت إلى المؤسسة العسكرية ووجهت فى بعضها اتهامات باطلة.
وكان للمراسل الذى فضحته الصحيفة دور بارز فى ذلك بالأكاذيب التى كانت تتضمنها تقاريره والتى لا تمت للحقيقة بأى صلة، خاصة فى الفترة الواقعة بين يوليو 2013 ومايو 2015 أى قبل أن يغادر مصر عائدا إلى الولايات المتحدة التى يحمل جنسيتها.
قائمة القصص الإخبارية التى نشرتها الجارديان لـ«جوزيف مايتون» تناولت غالبيتها روائح كريهة. بينها ما يطالب فيه بضرورة «الاستماع إلى الإخوان» مستعرضاً الاتجاهات الفكرية للتنظيم.. وبين أبرز تقاريره ذلك الذى حمل عنوان «الرعب يسيطر على مصر»، واعتمد فيه على شهادات زائفة عن فض بؤرتى رابعة والنهضة، وأشار إلى أن حالة من الرعب تخيم على مصر!
وللمذكور تقرير آخر عنوانه «محاكمات الإخوان فى مصر» تعرض فيه لأوضاع قيادات تنظيم الإخوان فى السجون وتضمن شهادات تسىء للنظام والسلطة القائمة.
أما فى تقريره الذى كان عنوانه «العنف واستقرار البلاد» فقد استعان بروايات مرسلة لشهود زعموا أن الوضع يسير نحو الفوضى، وهناك تقرير «رئيس فى القفص» الذى أبدى فيه تعاطفاً كبيراً مع المعزول محمد مرسى، وانتقد الاتهامات التى تلاحقه وأبرزها التخابر لصالح قطر.
الغريب هو أن «مايتون» لم يلتزم الصمت، بل رد على ما نشرته الجارديان ببيان نشره على موقع «تويت لونجر»، حاول فيه نفى الاتهامات التى وجهتها له «لى جلندينينج» ونشرتها الجارديان، فزعم أنه «كبش فداء» للصحيفة التى لم تعطه الفرصة كاملة لجمع أدلته الكاملة.
وقال «مايتون»: «صحيفة الجارديان نشرت بياناً يظهر بشكل خاطئ أننى قمت بفبركة تصريحات وقصص إخبارية وأننى لم أحضر فعاليات كتبت عنها. أنا دائماً لدى احترام وإعجاب لمؤسسة الجارديان وفريقها، كما أنى ممتن لكونى الصحفى الوحيد المنتظم للصحيفة فى سان فرانسيسكو لبضعة أشهر من العام الماضى، وقد كان ذلك واحدة من التجارب الخصبة فى حياتى، وأنا أعتز بذلك كثيراً».
وأضاف: «هذه الاتهامات غير صحيحة، فأنا قدمت أدلة تظهر أن العديد من المصادر تحدثت فى الواقع معى، وربما لم تتذكر هذه المصادر أو رفضت أن تكون صادقة (فى شهادتها للصحيفة)، قدمت العديد من المصادر التى تحدثت معى منذ شهور أو سنوات فى الماضى».
وتابع مايتون: «أردت أن أسجل ردى على اتهامات الجارديان بشأن الفعاليات: الجارديان قالت إنها وجدت تقارير تحتوى على فبركة مرجحة أو مؤكدة، من بينها قصتان خبريتان عن فعاليتين قال المنظمون إننى لم أحضرهما، أنا على علم بإحدى الفعاليات الخاصة التى حضرتها، والقول لى بأننى لم أحضرها ليس فقط خطأ ولكن مهين أيضاً، كما قالت الصحيفة إن العديد من الأشخاص الذين نقلت شهادتهم وتصريحاتهم نفوا أنهم تحدثوا لى أو أعطونى أى تصريحات لهم، لقد قدمت الدليل، من بينها تسجيل هاتفى طلب من قبل محررى الجارديان وإيميلات للصحيفة، لمصادر زعمت أنها لم تتحدث لى.
وأشار «مفبركاتى» الجارديان إلى أن عدداً من اللقاءات تمت فى مكان عام خلال الاحتجاجات أو فى الشوارع، مفكراتى قد ضاعت بالفعل لأننى لم أقم بالاحتفاظ بها أو لأننى فقدتها، والتى للأسف، تضم لقاءات ومعلومات اتصالات. بوضوح، هذا خطأى ومسئوليتى، ولو أن الجارديان طلبت ذلك مسبقا أو طلبت المزيد من المعلومات حول التقارير التى أنشرها فى وقتها، لكنت قادراً على تقديمها بسهولة، وذلك لأننى دائماً ما كنت أعمل مع محررين، وأى طلب لمعلومات أو اتصالات أو أسماء كاملة لمصادر، كانوا يعطونها لى.
وبخصوص تقريره فى فبراير المثير للجدل، أوضح مايتون أنه قدم تسجيلا صوتياً وإيميلات، ومصادر تظهر أن نفيهم للقائه غير صحيح، والقول إننى لم أفعل ذلك ولم أقدم تسجيلاً فهذا خاطئ.
وأضاف بأنه قدم الأدلة المتاحة لديه فى الوقت الحالى للجارديان، لكن المصادر يبدو أنه فقدها، موضحاً: «آسف لعدم قيامى بأخذ تسجيلات صوتية لجميع اللقاءات التى كان من الممكن أن تحل هذه الأزمة. إنه درس حياة تعلمته فى الوقت الحالى، أحياناً تتراجع المصادر عن تصريحاتها، والطريق الوحيد لإثبات ما قالوه كان من المفترض عبر تسجيل صوتى، وهو ما فشلت فى تقديمه، لأن المراسل الحر يهتم بالكلمات، وهذا ما يجعله كبش فداء، مثلما أشعر فى هذه الحالة، كان ينبغى على تسجيل اللقاءات لنفى هذه الاتهامات، وأنا مسئول عن ذلك».
وقال: أعترف أننى لم أقم بعمل جاد للحفاظ على التسجيلات القديمة التى ترجع لأكثر من شهور، وأنه خطئى وأنا مسئول عن ذلك، فأنا مثل الجميع فى هذه المهنة الذين يرتكبون أخطاء.
وهنا، يكون مهماً التذكير بما كشفته الصحفية الفرنسية، «فينسيان» مراسلة صحيفة «Le Soir» بالقاهرة، بعد تحطم طائرة «مصر للطيران»، عن تلقيها تعليمات بتقديم تقارير تشكك فى أساليب التأمين المتبعة لدى شركة الطيران المصرية، مع تقارير عن حزن عائلات ضحايا حادث الطائرة، فلما رفضت أخبرتها الجريدة أنها استغنت عن خدماتها!
أيضاً، كانت شبكة CNN قد أشارت فى تقرير لها إلى أن كابتن الطائرة المنكوبة «محمد شقير»، هو من أقدم على الانتحار بالطائرة وقام بإسقاطها بالبحر الأبيض المتوسط، ولما تسبب التقرير فى توجيه انتقادات حادة للقناة تقدمت الشبكة باعتذار ضمنى وتراجعت عن فرضية انتحار كابتن الطائرة.
تزامن ذلك كله، مع فضيحة وكالة رويترز صاحبة التقرير المفبرك عن مكالمة مراسلها فى القاهرة مع رئيس قسم الأزبكية، وهو التقرير الذى زعمت فيه الوكالة أن الشاب الإيطالى جوليو ريجينى تم احتجازه فى القسم قبل اختفائه.
وهناك أيضاً التقرير الذى نشرته وكالة أسوشيتد برس حول المهندس المصرى شريف ميخائيل الذى تعرض للحرق عمداً فى أحد الجراجات العمومية فى لندن، والذى زعمت فيه أن مصر تستهدف لفت الأنظار عن قضية ريجينى بالتركيز على حادث شريف ميخائيل، دون أن تشير ولو مجرد إشارة إلى الشبهات التى تحوم حول الشرطة البريطانية ومسئوليتها عن حرق شريف لعدم تعاونه معها!
ولأن الشئ بالشىء يذكر، نعود إلى أواخر أكتوبر الماضى، حين نقلت صحيفة الـ«ديلى ميل» البريطانية، عدداً من المغالطات والأكاذيب حول حادث سقوط الطائرة الروسية فى سيناء، أبرزها تقرير نشرته عن أن حادث الطائرة الروسية ليس الأول من نوعه، وأن طائرة بريطانية كادت تصاب بصاروخ فوق شرم الشيخ لولا أن الطيار استطاع تفاديه.
ووقتها نفت الخارجية المصرية الأمر، كما نفته أيضاً الخارجية البريطانية، وقال وزير الخارجية البريطانى «فيليب هاموند»، إن تحقيقاً جرى فى ذلك الأمر، وثبت أن الطائرة التابعة لشركة «طومسون» للخطوط الجوية لم تكن تواجه أى خطر!
بعد حادثة الطائرة الروسية كذلك، نشرت صحيفة الـ«إندبندنت» البريطانية، تقريراً مصوراً، ادعت من خلاله أنه لشرطى مصرى بمطار شرم الشيخ، يتقاضى رشوة، نظير تسهيل إجراءات مرور السائحين، وذلك نقلاً عن وائل حسين، مراسل «بى.بى.سى»!
ونشير هنا إلى أنه فى 26 مايو 2016 كشف مسئول بريطانى أن صحيفة «الجارديان» البريطانية، مارست ضغوطاً قوية على الحكومة عن طريق لوبى لها من أجل «تحجيم» شبكة BBC.
وبحسب صحيفة «الاندبندنت» فإن روبرت مردوخ، مالك صحيفة «التايمز»، و«الصن» و«ذا صنداى تايمز»، ليس الوحيد الذى ضغط على الحكومة البريطانية لقص أجنحة شبكة «BBC»، ولكن هناك طرفاً آخر كبيراً يسعى لهذه الغاية، وهى صحيفة «الجارديان».
وأوضحت الصحيفة، أن الجارديان حذرت من أن الـ«بى.بى.سى»، يبدو أنها أصبحت تحت رحمة وزير الثقافة البريطانى الذى لم يخف من قبل عدم إعجابه بالشبكة التى وصفها بأنها «ليست أكثر من سوق قيمته 4 مليارات جنيه إسترلينى».
ولفتت الصحيفة، إلى أن صحيفة الجارديان عبرت عن قلقها أيضاًً حيال النشاطات الإلكترونية للـ«بى.بى.سى»، وكيف أنها تؤثر على مبيعاتها التجارية.
ونقلت الصحيفة عن وزير الثقافة البريطانى، إيد فيزين فى كلمة له أمام مجلس العموم أن الحكومة تريد أن تقص أجنحة شبكة «BBC»، مثلما يرغب أيضاً روبرت موردوخ.
وأكد الوزير: «المؤسسة الوحيدة التى ضغطت على من أجل قص أجنحة البى بى سى، هى الجارديان».
وكانت الشبكة البريطانية قد أعلنت عن إغلاق 4 مواقع تابعة لها كجزء من خطتها لتوفير 15 مليون جنيه إسترلينى من ميزانيتها.
عودة إلى جوزيف مايتون مفبركاتى الجارديان، الذى كشف موقع «أى ميديا إيثكس» (I media ethics)، المعنى بقواعد النشر والمهنية حول العالم، ومتابعة الأخبار والتقارير المنشورة على المواقع العالمية، أنه أجرى اتصالات بمواقع أخرى عمل فيها الصحفى لمراجعة موضوعاته، بعد اعتذار الجارديان، وأوضح الموقع أن مايتون عمل أيضاً مراسلاً من القاهرة لموقعى «الديلى بيست»، و«بالو ألتو ديلى بوست»، وأن الموقعين أكدا فى اتصالات تليفونية أنهما بصدد مراجعة موضوعات مايتون هى الأخرى!
وكان موقع «I media ethics» قد نشر تقريراً للباحثة الأمريكية روندا شيرر عن نتائج عمل بحثى تحليلى قامت به على مدار أسابيع حول التغطية للأحداث المصرية فى صحيفة نيويورك تايمز عبر مراسلها الشهير ديفيد كيركباتريك، والذى يقدم دائماً تقارير صحفية تهاجم النظام المصرى، كما تواصلت شيرر خلال تواجدها بمصر مع عشرات المسئولين المصريين فى مؤسسات مثل وزارة الخارجية ودار الإفتاء والكنيسة الأرثوذكسية ومشيخة الأزهر والهيئة العامة للاستعلامات وجامعة القاهرة، وكان رد المسئولين أنه لم يتصل بهم أحد من نيويورك تايمز للحصول على رد أو تعليق على ما ورد بالصحيفة من هجوم.
كما تواصلت الباحثة الأمريكية مع مستشارة الرئيس فايزة أبوالنجا حول تقرير نشرته نيويورك تايمز حولها يتهمها بانها كانت وراء إساءة العلاقات بين مصر وأمريكا، وردت أبوالنجا بأنه لم يتصل بها أحد.
وأشار تقرير شيرر إلى مراسلات قام بها عاملون فى الهيئة العامة للاستعلامات مع مراسل نيويورك تايمز بالقاهرة وإدارة الصحيفة حول المغالطات التى شملتها تقاريرها حول مصر، وبعد مجهود كبير استطاعت الهيئة أن تجعل الجريدة تنشر توضيحاً عن تقرير نشرته يقول إن الدولة تتحكم فى عمل المفتى محمد شوقى علام، كما بعث عاملون بتوضيحات عن موضوعات أخرى نشرتها الصحيفة توضح حقائق الأحداث التى لم يشر لها المراسل كيركباتريك.
التقرير الذى نشره موقع «أى ميديا إيثيكس»، حول التزام «نيويورك تايمز» بالمعايير المهنية، كان مفاجئاً بكل المقاييس. فالموقع كشف عن أخطاء جسيمة فى تناول جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية لأخبار الوضع فى مصر من بينها نشر معلومات كاذبة عن الأوضاع الداخلية للبلاد فى تقاريرها على مدار الأشهر الماضية. وأوضح أن مراسل الجريدة فى القاهرة «ديفيد كيركباتريك» يتبع نهجاً غير مهنى فى تغطيته وفى اختياره للمصادر والأشخاص الذين يعتمد عليهم لتوثيق الأحداث فى مصر، فضلا عن تجاهله لعدد من أهم عناصر الأحداث التى يغطيها وعدم تواصله مع المسئولين المعنيين قبل نشر مقالات حول مواضيع تخصهم وأحياناً تتضمن تصريحات لهم. وبحسب المنظمة أن 25% من التقارير التى قام «كيركباتريك» بإعدادها تميزت بالحاجة لإعادة تصحيح مضمونها، كما أن التغطية اعتمدت على 38 مصدراً مجهولاً.
ولم يكن تقرير «اى ميديا اثيكس» هو الوحيد الذى سلط الأضواء على الأداء المشين فى بعض الأحيان لبعض أشهر الصحف ووسائل الاعلام فى أمريكا، فقد كشفت مؤخراً مؤسسة «ميديا ماترز فور أمريكا» والمعنيه أيضاً بمراقبة الصحف، عن تورط صحيفة نيويورك تايمز أيضاً فى اتهام وزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلارى كلينتون أنها كانت تحتفظ بحساب بريد إلكترونى غير حكومى أثناء توليها المنصب وهو الأمر الذى اتضح عدم صحته، بعد أن كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن كلينتون قدمت 55 ألف صفحة من رسائل البريد الإلكترونى الخاص بها إلى وزارة الخارجية، امتثالاً للتغييرات التنظيمية فى عام 2009 والقانون الذى يجرم ما فعلته صدر عام 2014، أى بعد ترك كلينتون لمنصبها. الغريب أنه، وبالمخالفة لقواعد المهنية، رفضت «نيويورك تايمز» الاعتراف بعدم صحة ما نشرته واكتفت أن المعلومات الأولية التى وصلتهم لم يتم تدقيقها بالشكل الكافى. أما بالنسبة لقناة فوكس نيوز الإخبارية فمهنيتها ومصداقيتها دائماً مثار جدل، خاصة بعد فضيحة مذيعها أوريللى بيل وتداوله لأخبار كاذبة علاوة على عدم التدقيق فى الأخبار التى ينشرها وكم الافتراءات والتناقضات فيما يقدمه. هذا بالإضافة للانتقائية التى تنتهجها فوكس نيوز فى اختيارها للأخبار، فعلى سبيل المثال تجاهلت القناة حادثة قتل أنطونيوزامبرانو-مونتيس، الذى توفى بعد إطلاق النار عليه 17 مرة من قبل ضباط الشرطة فى واشنطن على الرغم من تداول العديد من وسائل الإعلام هذا الخبر. والحقيقة التى تكشفها هذه المنظمات وغيرها تؤكد أن الإعلام الأمريكى ليس بالنزاهة والشفافية والمهنية التى نتصورها عنه، بدليل أن المؤسسات التى تقوم على مراقبة الأداء الصحفى والإعلامى ونزاهته غير راضية عن أدائه.
كنا قد سألنا فى أعداد سابقة عن الدافع الذى يجعل وكالات أنباء عالمية تدعى الموضوعية، وصحف أجنبية ذات ثقل على المستوى الدولى إلى التخلى عن موضوعيتها وعن ألف باء تدقيق معلوماتها؟!
وطرحنا تصورات عديدة عن الأسباب التى قد تجعلها تنسب معلومات مشكوكاً فى صحتها لمصادر مجهولة.. أو تنقل آراء وتحليلات عن مصادر معلومة منتقاة بعناية لتقول شيئاً محدداً!
وخلال ذلك، توقفنا عند الأداة، أداة وكالات الأنباء والصحف الأجنبية، والأداة هنا هو المراسل.. مراسل وسيلة الإعلام الأجنبية أو الشخص المسئول عن نقل وقائع وأحداث المنطقة التى يعمل بها إلى نطاق عمل أو اتساع وسيلة الإعلام التى يعمل بها، وبالتالى يكون مسئولاً بدرجة أو بأخرى عن أى فجوة أو هوة أو سوء فهم بين الطرفين.
مراسلو وسائل الإعلام الغربية فى منطقة الشرق الأوسط لهم نصيب كبير من المسئولية عن الهوة المستمرة بين المنطقة والغرب سواء كان أمريكياً أم أوروبياً، والمفترض أن يكون وجود هؤلاء المراسلين فى الشرق الأوسط ومعيشتهم فيه ومعرفتهم بجميع همومه ومشكلاته والأسباب والدوافع وراء أية ظواهر يشهدها.. ودورهم هو المساهمة فى التعريف والتوضيح والشرح والتحليل بعد أداء الدور الأهم وهو الرصد والمتابعة.
لكن ذلك فى الغالب لا يحدث!!.. والأمثلة كثيرة ومتنوعة ومتعددة على الكسل والجهل من السمات الأساسية فى التغطيات الغربيّة للشرق الأوسط، ولا تملك غير الامتعاض من اعتماد تلك التغطيات على وجهة نظر واحدة! وهى على اختلافها تفرض رؤية لا تتطابق أو حتى تقترب من الواقع، بل مجرد بيانات دعائيّة وتحريض رخيص ومساحة للدعايات والاختلاقات وضخ الكذب والفتنة. وبات فى حكم المؤكد أن هذا النوع من الصحافة عادة لا يعرض إلا مجرد الخطوط الأساسية وغالباً ما يشوه الحقائق، بشكل لا يخفى الجهل بالمسائل أو التفاصيل التى ترد فى السياق.
كما اتضح أن المراسلين كثيراًً ما يكونون مشوشين، وغالباً ما تكون المعلومات المتاحة هى تلك التى توفرها المؤسسات أو الجهات التى تستخدمهم!
الصحفى الهولندى جوريس لوينديك الذى عمل مراسلاً فى الشرق الأوسط لسنوات، تناول تلك الأزمة منذ عشر سنوات تقريباً وانتهى إلى أن هؤلاء المراسلين يقدمون وصفاً مشوهاً وبعيداً عن التعمق لما يحدث فى الشرق الأوسط!!
فى مقال نشرته «لوموند الفرنسية»، طرح «لوينديك» أسئلة على قدر كبير من الأهمية: لماذا على سبيل المثال يطلق على المسئول الإسرائيلى الذى لا يؤمن سوى بالعنف بأنه من الصقور بينما يطلق على الطرف الآخر الذى يؤمن بالمبدأ نفسه فى الجانب الفلسطينى بأنه متطرف أو إرهابى؟!.. ولماذا لا يطلق عليه لقب صقر مثلاً. ويضيف أن المسئولين الإسرائيلين المؤمنين بالحوار يطلق عليهم حمائم أما الفلسطينى الذى يختار الطريق نفسه فيطلق عليه معتدل. ويشير إلى أن ذلك يعنى أنه بالرغم من العنف المعشش فى قلبه فقد تمكن هذا الفلسطينى من تعديل طبيعته الأصلية.
«لوينديك» أشار فى المقال المشار إليه إلى أن المراسلين يفهمون ما يحدث بطريقة مختلفة أو يقومون بتحريفه فى بعض الأحيان!!
وأكثر من مرة، هاجم روبرت فيسك مراسل صحيفة الإندبندنت البريطانية الصحافة الغربية بشدة ووصفها بأنها لا تسعى إلى معرفة الحقيقة ولا إلى طرح الأسئلة المهمة حول القضايا التى تربط بين الحضارات.
«فيسك» أكد أن الإعلام الغربى ينزع المعنى من حقيقته ووصفه بأنه صحافة «أوتيلات» موضحاًً أن الصحفيين أو المراسلين لا يغادرون الأوتيلات للقيام بواجبهم المهنى. إن هذا النوع من الإعلام جعل المجتمعات الغربية عمياء لا ترى الحقيقة.
كثير من المراسلين فى المنطقة يتعمدون نقل الأخبار والتفاصيل بالطريقة التى يريد أن يسمعها الجمهور الغربى وهذا هو السبب وراء الأسلوب المتبع فى نقل أحداث الشرق الأوسط إلى الخارج وهو أيضاًً ما أدى إلى المساهمة فى زيادة جهل المجتمعات الغربية بالوضع فى الشرق الأوسط.
والحقيقة هى أنه لا يوجد فى الأوساط الغربية مراقبون حقيقيون أو محايدون لما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط وهذا ما يسهم بشكل كبير فى التغطية على كثير من الأحداث التى تشهدها المنطقة.
المراسلون يعملون وفى أذهانهم أن القراء لهم مواقف محددة سلفاً ويتوقع هؤلاء القراء أن يكون المراسل منحازاً لطرف من الأطراف.
حكاية المراسلين الغربيّين فى بلادنا حكاية طويلة تتداخل فيها الصحافة مع السياسة مع المخابرات مع الجهل مع الدعاية المدفوعة ويمكن وضع كثير منها فى خانة «الحرب النفسيّة»، القائمة على المبالغات والتعميمات والتسطيحات، والتى يمكن أن نرجع كثيراًً منها إلى انخفاض المردود المالى لوسائل الإعلام بما يضطرها إلى الخضوع لشركات عملاقة تسعى وراء الربح! الأمر الذى أدّى إلى تدنّى المستوى الصحفى وازدياد العامل التجارى والضغط المستمرّ لربط كل شىء بحسابات المكسب والخسارة.
لم تعد وسائل الإعلام الغربية مهتمة إلا بالحسابات سواء كانت سياسية أو اقتصادية، حتى ما كان منها يفتعل الحياد أو الموضوعية صار يلعب بشكل واضح ومكشوف.
المؤسف، هو أنه فى الوقت الذى تتعرض فيه الدولة المصرية إلى حرب إعلامية غير مسبوقة، بالشكل الذى عرضنا بعض تفاصيله، نجد الإعلام المصرى غارقاً فى التشتيت وتغييب الوعى، ويصر على تجاهل القضايا الحقيقية ولا يركز إلا على التفاهات أو صراعات لا تخص إلا أصحابها مع تجاوزات أخلاقية وقانونية بلا ضابط أو رابط.
فى الوقت الذى تتعرض فيه الدولة المصرية إلى حرب إعلامية غير مسبوقة، بالشكل الذى عرضنا بعض تفاصيله، نجد الإعلام المصرى يركز فقط على حسابات لا علاقة لها بالإعلام ولا علاقة لها بالوطن أو المواطن.. نجده مشغولاً بقضايا من يستخدمونه ولا تعنيه قضايا الدولة التى تخوض حروباً لتوفير لقمة العيش للمواطن وللحفاظ على أمنه وسلامته.
وسائل الإعلام المختلفة (مقروءة ومسموعة ومرئية) ويضاف إليها شبكات التواصل الاجتماعى، صارت من الأسباب الأساسية فى سرعة انتشار الشائعات، مع أن أول واجبات الإعلام أن يكون له دور فى محاربة الشائعات والقضاء عليها أو إظهار حقيقتها والعامل الهام فى تحقيق ذلك هو «الوقت».
تناست وسائل الإعلام، ربما عن عمد، دورها فى محاربة الشائعات والكشف عن مصدرها فى أقل وقت حتى تبطلها ولا تحقق الغرض منها فى بلبلة الرأى العام. والأبشع أن أصبحت هى المصدر الرئيسى لغالبية الشائعات التى لا نبالغ لو قلنا إنها العدو الأشرس الآن. بعد أن انهارت القيم المهنية والأخلاقية وضاعت المسافات بين السياسة والإعلام.
وما من شك فى أن القانون قد صمت.. أو لنقل إنه تأخر فى تطبيق قواعده. وإن الحرية أتيحت لها فرصة خلال فترة صمت طويلة لكى تتمدد بدون أن تخضع للضوابط.. وبدلاً من أن ينتبه الإعلاميون والصحفيون إلى السعى لأن يكونوا هم الأكثر حرصاً على تطبيق القانون، قاموا بتجاوزه وتخطيه.. وانفلت العيار.. وانتشرت العشوائية.. وظهرت عوارض خطيرة لا تتعلق بأشخاص وتوازنات.. وإنما تضرب فى صميم استقرار المجتمع.. فهل يتدخل المجتمع لكى يحمى نفسه؟!.. أم تتحرك مؤسسات الدولة؟!
إن الموضوع أعمق بكثير من ادعاءات تقول إن هناك حملة لتكميم الأفواه من أجل التستر على فساد أو غيره.. الموضوع يتسع ويتشعب ليصل إلى ظواهر تخطت الطعن فى سمعة الناس.. أو التداخل لفرض عناصر تهدر فرص العدالة فى التنافس.. بل وصل الأمر إلى درجة الإخلال بمناخ العدالة.. والتعدى على القضاء.. وإهانة استقلاليته.. وصولاً إلى تعزيز النعرات العرقية.. والإشادة بالتطاول على الدولة وتفجير الفتنة الطائفية.. وتحويل الصفحات والشاشات إلى منابر لأصوات الفتنة.
كيف وصلنا إلى هذا «القاع»؟!
هل هى سيطرة العشوائية والغوغائية والمصالح الخاصة؟!
أم عدم وجود «قانون» يحكم وسائل الإعلام ويضع لها الضوابط والمعايير؟!
أم عدم وجود جهة محددة، حتى الآن، تحاسب على التجاوزات أو الكوارث التى نراها ونقرأها ونسمعها كل يوم؟!
إن المادة ٢١١ من الدستور تنص على إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وجعله هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفنى والمالى والإدارى ومن بين اختصاصاته التى نص عليها الدستور وضع الضوابط والمعايير اللازمة لالتزام وسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها.
فهل ستظل الساحة الإعلامية حقلاً يعيث فيه كل من هب ودب حتى يتم إنشاء المجلس الوطنى للإعلام؟!
وحتى يحدث ذلك، لمن يلجأ المواطن المتضرر من التجاوزات الإعلامية فى حقه، إذا كان هناك من يعتبرون مجرد اللجوء إلى القضاء جريمة ضد حرية الرأى والتعبير؟!
هل تنتهى تلك الأزمة بصدور التشريعات المنظمة للعمل الإعلامى؟!
أم ستأخذ شكلاً جديداً يتم فيه التحايل على القوانين كما سبق ويجرى التحايل؟!
لا تخطئ عين الهبوط الواضح فى أداء بعض وسائل الإعلام. تحديداً الإعلام الخاص أو المملوك لرجال أعمال. وهو الهبوط الذى يجعلها تتناول قضايا لا تفيد المجتمع على الإطلاق، بل تكشف عن نوايا خبيثة وغير مهنية تزعزع استقرار الدولة بينما نحن فى أمس الحاجة لإعلام مستنير يحافظ عليها ويساهم فى مرحلة البناء التى تمر بها والتى لا نبالغ لو قلنا إنها من أصعب المراحل على الإطلاق.
كيف تهتم بعض وسائل الإعلام بأمور تافهة مثل الجنس والشعوذة والدجل؟
وكيف تحولت بعض القنوات التليفزيونية إلى «قنوات شوارع» لا تناقش قضايا المجتمع من اقتصاد وثقافة ومعرفة ومحاربة الأمية وصحة وتعليم بشكل مهنى، بينما تعرض صراعات ومشاجرات لا تخص إلا المتصارعين والمتشاجرين؟!
وسائل الإعلام تخلت عن ضروراتها المجتمعية فخسرت مساندة المجتمع. وعدة وسائل انقلبت على شرعية وجودها فانهارت وأهدرت نفسها. وتحول صحفيون ومذيعون ومذيعات إلى سياسيين فدخلوا معترك السياسة ووجدوا أنفسهم وجه لوجه مع معادلات غير مهنية.. وعلى كل هؤلاء أن يحتملوا ويتحملوا نتائج ذلك. خاصة إذا كانت أهدافهم شخصية وأغراضهم ذاتية، ولا توصيف لما يقدمونه غير أنه استغلال للحرية من أجل تحقيق مصالح مالية لهم ولمن يستخدمونهم ممن يوصفون بـ«رجال أعمال» بينما هم فى الواقع عبارة عن عصابات تحاول فرض إراداتها ومنطقها وقوانينها بقوة المال أحياناً وبأى قوة يمكنهم استخدامها أو تطالها أيديهم!
موقفنا ثابت وواضح، مع حرية الإعلام إلى أقصى درجة.. لكن الحرية مسئولية، ولها ضوابط تبدأ وتنتهى بالحفاظ على كرامة المواطن والوطن.. الحرية هى أن تصحح وتوضح وتعرض الصورة كاملة دون تقييد لحرية تداول المعلومة، وفى الوقت نفسه دون تفريط فى الأمن القومى.. وتأثير الانفلات الإعلامى تعدى حقوق وواجبات وكرامة المواطن إلى كيان الدولة وحدث ذلك كثيراً حتى فى العلاقات مع بعض الدول. وعدم وجود عقاب أغرى الكثير من الفضائيات بتقديم أى مادة وفى أى اتجاه دون النظر إلى الأضرار التى قد تنتج عن ذلك.
غير أن موقفنا الثابت، لن يمنعنا من الاعتراف بأن لدينا مشكلات حقيقية، تحتاج إلى جهود كثيرة للتغلب عليها وتخطيها. ومن واجب الإعلام أن يقترح الحلول ويساعد على توفير العلاج. لكن الذى حدث هو أن الإعلام الخاص تحول إلى مشكلة إضافية وصار عبئاً فوق الأعباء. وعليه، فمن الطبيعى حين تتدخل الدولة لفرض القواعد والقوانين ألا يبكى أحد.. وألا يلوم غير الباحثين عن مكاسبهم الشخصية.
مراسل «الجارديان» فبرك تقارير إخبارية عن فض رابعة والنهضة وحرص على التحريض ضد مصر
وكالة رويترز ساهمت فى تشويه صورة الشرطة المصرية.. وحرضت إيطاليا للانتقام بعد حادث ريجينى!
حذرنا كثيراً من الدور شديد الخطورة الذى تلعبه صحف ووكالات أنباء أجنبية ضد مصر.
وقلنا أكثر من مرة إنها رغم ما تدعيه من موضوعية أو حياد، فإنها لا تعمل إلا على خدمة مصالح الدولة التى تنتمى إليها، أو مصالح شركات تسيطر عليها أو تربطها بها مصالح اقتصادية، فى تغطيتها الإخبارية لمختلف الأحداث.
ولفتنا النظر إلى قيام تلك الصحف والوكالات بتلوين الأخبار طبقاً لمصالحها وتمارس التعتيم المتعمد والتحريف وإحلال الأخطاء أو الأكاذيب محل الحقائق الثابتة وقيامها بإضافة تفسير غير حقيقى إلى الخبر أو بصنع الأخبار من حقائق عشوائية وتقديمها كحقيقة متكاملة أو بتجميع الحقائق الجزئية لكى تعطى انطباعاً بأنها الحقيقة الكاملة أو عرض الحقائق بطريقة تثير شكوكاً ومخاوف لا أساس لها من الصحة أو مبالغاً فيها.
ويوماً بعد آخر، يثبت ما حذرنا منه وما أكدناه مراراً وتكراراً، ولعل الفضيحة الكبرى التى أعلنت عنها صحيفة الجارديان البريطانية، هى الدليل القاطع على ذلك.
ولعلك تتذكر أننا سبق أن كشفنا السياسة القذرة التى تتبعها تلك الصحيفة فى تعاملها مع الشأن المصرى وأرجعنا ذلك إلى امتلاك مشيخة قطر لغالبية أسهمها وهو ما لا نرى مجالا لتكراره الآن.
«الجارديان» اعتذرت الخميس.
وزعمت أن القصة بدأت بتلقى شكاوى من مصادر تنفى ما نُسب إليها فى تقرير لـ«جوزيف مايتون» تم نشره فى فبراير.
ولما عجز مايتون عن توفير «أدلة مقنعة» على إجرائه تلك المقابلات، لجأت إلى مدقق لتقصى الحقائق، بما فى ذلك ما يتعلق بأعماله السابقة المنشورة منذ سنة 2009. وانتهى المدقق إلى أن عشرات المصادر التى اعتمد عليها «مايتون» لم يكن لها وجود، والموجود منها أنكر ما نسبه المحرر إليهم!
وقالت «الجارديان» إن مايتون نفى اختلاق ما نشر، لكنه امتنع فى الوقت نفسه عن تقديم ما يثبت صحة ما نشره أو ما استند عليه فى الكتابة، وكذلك أرقام تليفونات المصادر وعناوينها. فقررت حذف عدد من تحقيقاته وقصصه الإخبارية ومقالات الرأى التى نشرتها له من موقعها الإلكترونى، واستبقت فقط ما زعمت أنه ثبت صحته!
وقالت الصحيفة إن «مايتون» عندما لم يقدم أدلة موثقة على الموضوعات التى يتم التحقق منها فى فبراير الماضى، قامت بالاستعانة بمحقق خاص للتأكد من صحة المعلومات التى احتوتها موضوعاته، وانتقت أبرز 37 تقريراً نشرتها له خلال عامى 2015 و2016، وحوالى 20 مقال رأى فى الفترة منذ 2009 إلى 2015.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن المحقق وجد أن هناك معلومات مفبركة، منها قصص عن فعاليتين، قال المنظمون لهما إن مايتون لم يحضرهما، كما أن بعض المصادر التى استعان بها فى موضوعاته الصحفية تعذر الوصول إليهم بسبب عدم وجودهم حتى على شبكة الإنترنت، فى حين نفت بعض المصادر الإدلاء بالتصريحات التى نشرها مايتون فى موضوعاته.
وأوضحت جارديان أن محرريها التقوا بـ«مايتون» مرتين بشكل شخصى وتراسلوا معه عبر البريد الإلكترونى عدة مرات، وأعطوه أكثر من شهر منذ بدء التحقق من المزاعم، وطالبوه بتقديم أدلة على صحة موضوعاته ومقابلاته الصحفية، لكنه رفض الاتهامات بفبركة الموضوعات، ورفض تقديم أدلة واضحة على صحة المعلومات والمصادر التى أوردها فى الموضوعات محل التحقيق.
وأوضحت «لى جلندينينج» رئيس قسم الأخبار بالجارديان أنها تتلقى المئات من الأفكار من الصحفيين المستقلين سنوياً، وكلهم مطالبون بالالتزام بالقواعد التحريرية للصحيفة، وأنها تقوم بالتحقق من مراعاة تلك الموضوعات لمعاييرها المهنية والتحريرية التى يستحقها قراء جارديان.
وبناء على ذلك وبعد أن لاحظت الصحيفة أن تقارير مايتون توافق المعايير التى تسير على نهجها وأنه كان من الصعب اكتشاف ما تضمنته من فبركات.. وأشارت إلى أنها خلال عملية التحقق من تلك القصص الزائفة طرحت أسئلة من أجل التصرف بشكل مختلف فى المستقبل لمنع تكرار الواقعة وتم الاستعانة بشركتين للاستشارات.
إلى هنا يبدو الأمر عادياً. لكن غير العادى هو أن تخرج الصحيفة التى لم يسبق لها يوماً الاعتذار لقارئ ولا حتى احترامه، لتفعل ذلك فجأة، فهل فعلت ذلك لأن مايتون كتب ضد مصر؟!
الإجابة، بالطبع.. لا لأنه ظل يفبرك ويدلس طوال سنوات دون أن يلتفت له أحد.. والجارديان تدين نفسها بتلك المبررات الواهية، فمعنى اختيارها هذا الشخص بالذات من بين عشرات الكتاب، أن الصحيفة اقتنعت بما يقدمه من محتوى، وكما استطاع أن ينشر معلومات ضعيفة وخاطئة، فبالتأكيد هناك مئات التقارير الأخرى التى لم تستطع الجارديان اكتشاف أو الإعلان عن زيفها، وربما لن تفعل ذلك أبداً!
ولا يخفى على أحد أن هناك 7 صحف أجنبية تعامل معها تنظيم الإخوان منذ فترة عزل محمد مرسى وحتى الآن، سواء بنشر مقالات لقياداتها أو قيامها بتغطية الفعاليات التى ينظمها التنظيم فى بعض الدول، أو بتسليط الضوء على أحداث بعينها أو بالترويج لشائعات واختلاق أحداث هدفها التخديم على التنظيم وأهدافه.
أبرز تلك الصحف، التى أفردت مساحات كبيرة للتنظيم، كانت الجارديان، تلتها نيويورك تايمز وواشنطن بوست الأمريكية، وديلى ميل البريطانية.
وهى الصحف نفسها التى كانت تشن حملات تهاجم فيها مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى، قبيل أى زيارة يقوم بها لأى دولة أوروبية.
ومعروف أن الصحف البريطانية قامت بدور شديد الخطورة والخبث فى الدفاع عن تنظيم الإخوان عندما بدأت السلطات البريطانية تحقيقاتها حول نشاط التنظيم، وقامت أيضاً بالهجوم على الدول العربية التى وضعت التنظيم فى قائمة التنظيمات الإرهابية!
السؤال مرة أخرى هل فضحت الجارديان «مايتون» لأنه فبركاته كانت ضد مصر؟!
الإجابة، بالطبع لا أما السبب هذه المرة، فهو أنه قام بالفبركة من الولايات المتحدة، تحديداً من كاليفورنيا التى بدأ يراسل الجارديان من هناك بداية من مايو 2015، وكانت قصة خبرية أرسلها عن حريق مزارع للماريجوانا هى السبب الذى جعل الجارديان تفتح تحقيقها فى كل ما نشرته له!
ولا نقول جديداً لو قلنا إن الجارديان من أكثر الصحف التى نشرت تقارير كاذبة عن مصر، وبينها تقارير أساءت إلى المؤسسة العسكرية ووجهت فى بعضها اتهامات باطلة.
وكان للمراسل الذى فضحته الصحيفة دور بارز فى ذلك بالأكاذيب التى كانت تتضمنها تقاريره والتى لا تمت للحقيقة بأى صلة، خاصة فى الفترة الواقعة بين يوليو 2013 ومايو 2015 أى قبل أن يغادر مصر عائدا إلى الولايات المتحدة التى يحمل جنسيتها.
قائمة القصص الإخبارية التى نشرتها الجارديان لـ«جوزيف مايتون» تناولت غالبيتها روائح كريهة. بينها ما يطالب فيه بضرورة «الاستماع إلى الإخوان» مستعرضاً الاتجاهات الفكرية للتنظيم.. وبين أبرز تقاريره ذلك الذى حمل عنوان «الرعب يسيطر على مصر»، واعتمد فيه على شهادات زائفة عن فض بؤرتى رابعة والنهضة، وأشار إلى أن حالة من الرعب تخيم على مصر!
وللمذكور تقرير آخر عنوانه «محاكمات الإخوان فى مصر» تعرض فيه لأوضاع قيادات تنظيم الإخوان فى السجون وتضمن شهادات تسىء للنظام والسلطة القائمة.
أما فى تقريره الذى كان عنوانه «العنف واستقرار البلاد» فقد استعان بروايات مرسلة لشهود زعموا أن الوضع يسير نحو الفوضى، وهناك تقرير «رئيس فى القفص» الذى أبدى فيه تعاطفاً كبيراً مع المعزول محمد مرسى، وانتقد الاتهامات التى تلاحقه وأبرزها التخابر لصالح قطر.
الغريب هو أن «مايتون» لم يلتزم الصمت، بل رد على ما نشرته الجارديان ببيان نشره على موقع «تويت لونجر»، حاول فيه نفى الاتهامات التى وجهتها له «لى جلندينينج» ونشرتها الجارديان، فزعم أنه «كبش فداء» للصحيفة التى لم تعطه الفرصة كاملة لجمع أدلته الكاملة.
وقال «مايتون»: «صحيفة الجارديان نشرت بياناً يظهر بشكل خاطئ أننى قمت بفبركة تصريحات وقصص إخبارية وأننى لم أحضر فعاليات كتبت عنها. أنا دائماً لدى احترام وإعجاب لمؤسسة الجارديان وفريقها، كما أنى ممتن لكونى الصحفى الوحيد المنتظم للصحيفة فى سان فرانسيسكو لبضعة أشهر من العام الماضى، وقد كان ذلك واحدة من التجارب الخصبة فى حياتى، وأنا أعتز بذلك كثيراً».
وأضاف: «هذه الاتهامات غير صحيحة، فأنا قدمت أدلة تظهر أن العديد من المصادر تحدثت فى الواقع معى، وربما لم تتذكر هذه المصادر أو رفضت أن تكون صادقة (فى شهادتها للصحيفة)، قدمت العديد من المصادر التى تحدثت معى منذ شهور أو سنوات فى الماضى».
وتابع مايتون: «أردت أن أسجل ردى على اتهامات الجارديان بشأن الفعاليات: الجارديان قالت إنها وجدت تقارير تحتوى على فبركة مرجحة أو مؤكدة، من بينها قصتان خبريتان عن فعاليتين قال المنظمون إننى لم أحضرهما، أنا على علم بإحدى الفعاليات الخاصة التى حضرتها، والقول لى بأننى لم أحضرها ليس فقط خطأ ولكن مهين أيضاً، كما قالت الصحيفة إن العديد من الأشخاص الذين نقلت شهادتهم وتصريحاتهم نفوا أنهم تحدثوا لى أو أعطونى أى تصريحات لهم، لقد قدمت الدليل، من بينها تسجيل هاتفى طلب من قبل محررى الجارديان وإيميلات للصحيفة، لمصادر زعمت أنها لم تتحدث لى.
وأشار «مفبركاتى» الجارديان إلى أن عدداً من اللقاءات تمت فى مكان عام خلال الاحتجاجات أو فى الشوارع، مفكراتى قد ضاعت بالفعل لأننى لم أقم بالاحتفاظ بها أو لأننى فقدتها، والتى للأسف، تضم لقاءات ومعلومات اتصالات. بوضوح، هذا خطأى ومسئوليتى، ولو أن الجارديان طلبت ذلك مسبقا أو طلبت المزيد من المعلومات حول التقارير التى أنشرها فى وقتها، لكنت قادراً على تقديمها بسهولة، وذلك لأننى دائماً ما كنت أعمل مع محررين، وأى طلب لمعلومات أو اتصالات أو أسماء كاملة لمصادر، كانوا يعطونها لى.
وبخصوص تقريره فى فبراير المثير للجدل، أوضح مايتون أنه قدم تسجيلا صوتياً وإيميلات، ومصادر تظهر أن نفيهم للقائه غير صحيح، والقول إننى لم أفعل ذلك ولم أقدم تسجيلاً فهذا خاطئ.
وأضاف بأنه قدم الأدلة المتاحة لديه فى الوقت الحالى للجارديان، لكن المصادر يبدو أنه فقدها، موضحاً: «آسف لعدم قيامى بأخذ تسجيلات صوتية لجميع اللقاءات التى كان من الممكن أن تحل هذه الأزمة. إنه درس حياة تعلمته فى الوقت الحالى، أحياناً تتراجع المصادر عن تصريحاتها، والطريق الوحيد لإثبات ما قالوه كان من المفترض عبر تسجيل صوتى، وهو ما فشلت فى تقديمه، لأن المراسل الحر يهتم بالكلمات، وهذا ما يجعله كبش فداء، مثلما أشعر فى هذه الحالة، كان ينبغى على تسجيل اللقاءات لنفى هذه الاتهامات، وأنا مسئول عن ذلك».
وقال: أعترف أننى لم أقم بعمل جاد للحفاظ على التسجيلات القديمة التى ترجع لأكثر من شهور، وأنه خطئى وأنا مسئول عن ذلك، فأنا مثل الجميع فى هذه المهنة الذين يرتكبون أخطاء.
وهنا، يكون مهماً التذكير بما كشفته الصحفية الفرنسية، «فينسيان» مراسلة صحيفة «Le Soir» بالقاهرة، بعد تحطم طائرة «مصر للطيران»، عن تلقيها تعليمات بتقديم تقارير تشكك فى أساليب التأمين المتبعة لدى شركة الطيران المصرية، مع تقارير عن حزن عائلات ضحايا حادث الطائرة، فلما رفضت أخبرتها الجريدة أنها استغنت عن خدماتها!
أيضاً، كانت شبكة CNN قد أشارت فى تقرير لها إلى أن كابتن الطائرة المنكوبة «محمد شقير»، هو من أقدم على الانتحار بالطائرة وقام بإسقاطها بالبحر الأبيض المتوسط، ولما تسبب التقرير فى توجيه انتقادات حادة للقناة تقدمت الشبكة باعتذار ضمنى وتراجعت عن فرضية انتحار كابتن الطائرة.
تزامن ذلك كله، مع فضيحة وكالة رويترز صاحبة التقرير المفبرك عن مكالمة مراسلها فى القاهرة مع رئيس قسم الأزبكية، وهو التقرير الذى زعمت فيه الوكالة أن الشاب الإيطالى جوليو ريجينى تم احتجازه فى القسم قبل اختفائه.
وهناك أيضاً التقرير الذى نشرته وكالة أسوشيتد برس حول المهندس المصرى شريف ميخائيل الذى تعرض للحرق عمداً فى أحد الجراجات العمومية فى لندن، والذى زعمت فيه أن مصر تستهدف لفت الأنظار عن قضية ريجينى بالتركيز على حادث شريف ميخائيل، دون أن تشير ولو مجرد إشارة إلى الشبهات التى تحوم حول الشرطة البريطانية ومسئوليتها عن حرق شريف لعدم تعاونه معها!
ولأن الشئ بالشىء يذكر، نعود إلى أواخر أكتوبر الماضى، حين نقلت صحيفة الـ«ديلى ميل» البريطانية، عدداً من المغالطات والأكاذيب حول حادث سقوط الطائرة الروسية فى سيناء، أبرزها تقرير نشرته عن أن حادث الطائرة الروسية ليس الأول من نوعه، وأن طائرة بريطانية كادت تصاب بصاروخ فوق شرم الشيخ لولا أن الطيار استطاع تفاديه.
ووقتها نفت الخارجية المصرية الأمر، كما نفته أيضاً الخارجية البريطانية، وقال وزير الخارجية البريطانى «فيليب هاموند»، إن تحقيقاً جرى فى ذلك الأمر، وثبت أن الطائرة التابعة لشركة «طومسون» للخطوط الجوية لم تكن تواجه أى خطر!
بعد حادثة الطائرة الروسية كذلك، نشرت صحيفة الـ«إندبندنت» البريطانية، تقريراً مصوراً، ادعت من خلاله أنه لشرطى مصرى بمطار شرم الشيخ، يتقاضى رشوة، نظير تسهيل إجراءات مرور السائحين، وذلك نقلاً عن وائل حسين، مراسل «بى.بى.سى»!
ونشير هنا إلى أنه فى 26 مايو 2016 كشف مسئول بريطانى أن صحيفة «الجارديان» البريطانية، مارست ضغوطاً قوية على الحكومة عن طريق لوبى لها من أجل «تحجيم» شبكة BBC.
وبحسب صحيفة «الاندبندنت» فإن روبرت مردوخ، مالك صحيفة «التايمز»، و«الصن» و«ذا صنداى تايمز»، ليس الوحيد الذى ضغط على الحكومة البريطانية لقص أجنحة شبكة «BBC»، ولكن هناك طرفاً آخر كبيراً يسعى لهذه الغاية، وهى صحيفة «الجارديان».
وأوضحت الصحيفة، أن الجارديان حذرت من أن الـ«بى.بى.سى»، يبدو أنها أصبحت تحت رحمة وزير الثقافة البريطانى الذى لم يخف من قبل عدم إعجابه بالشبكة التى وصفها بأنها «ليست أكثر من سوق قيمته 4 مليارات جنيه إسترلينى».
ولفتت الصحيفة، إلى أن صحيفة الجارديان عبرت عن قلقها أيضاًً حيال النشاطات الإلكترونية للـ«بى.بى.سى»، وكيف أنها تؤثر على مبيعاتها التجارية.
ونقلت الصحيفة عن وزير الثقافة البريطانى، إيد فيزين فى كلمة له أمام مجلس العموم أن الحكومة تريد أن تقص أجنحة شبكة «BBC»، مثلما يرغب أيضاً روبرت موردوخ.
وأكد الوزير: «المؤسسة الوحيدة التى ضغطت على من أجل قص أجنحة البى بى سى، هى الجارديان».
وكانت الشبكة البريطانية قد أعلنت عن إغلاق 4 مواقع تابعة لها كجزء من خطتها لتوفير 15 مليون جنيه إسترلينى من ميزانيتها.
عودة إلى جوزيف مايتون مفبركاتى الجارديان، الذى كشف موقع «أى ميديا إيثكس» (I media ethics)، المعنى بقواعد النشر والمهنية حول العالم، ومتابعة الأخبار والتقارير المنشورة على المواقع العالمية، أنه أجرى اتصالات بمواقع أخرى عمل فيها الصحفى لمراجعة موضوعاته، بعد اعتذار الجارديان، وأوضح الموقع أن مايتون عمل أيضاً مراسلاً من القاهرة لموقعى «الديلى بيست»، و«بالو ألتو ديلى بوست»، وأن الموقعين أكدا فى اتصالات تليفونية أنهما بصدد مراجعة موضوعات مايتون هى الأخرى!
وكان موقع «I media ethics» قد نشر تقريراً للباحثة الأمريكية روندا شيرر عن نتائج عمل بحثى تحليلى قامت به على مدار أسابيع حول التغطية للأحداث المصرية فى صحيفة نيويورك تايمز عبر مراسلها الشهير ديفيد كيركباتريك، والذى يقدم دائماً تقارير صحفية تهاجم النظام المصرى، كما تواصلت شيرر خلال تواجدها بمصر مع عشرات المسئولين المصريين فى مؤسسات مثل وزارة الخارجية ودار الإفتاء والكنيسة الأرثوذكسية ومشيخة الأزهر والهيئة العامة للاستعلامات وجامعة القاهرة، وكان رد المسئولين أنه لم يتصل بهم أحد من نيويورك تايمز للحصول على رد أو تعليق على ما ورد بالصحيفة من هجوم.
كما تواصلت الباحثة الأمريكية مع مستشارة الرئيس فايزة أبوالنجا حول تقرير نشرته نيويورك تايمز حولها يتهمها بانها كانت وراء إساءة العلاقات بين مصر وأمريكا، وردت أبوالنجا بأنه لم يتصل بها أحد.
وأشار تقرير شيرر إلى مراسلات قام بها عاملون فى الهيئة العامة للاستعلامات مع مراسل نيويورك تايمز بالقاهرة وإدارة الصحيفة حول المغالطات التى شملتها تقاريرها حول مصر، وبعد مجهود كبير استطاعت الهيئة أن تجعل الجريدة تنشر توضيحاً عن تقرير نشرته يقول إن الدولة تتحكم فى عمل المفتى محمد شوقى علام، كما بعث عاملون بتوضيحات عن موضوعات أخرى نشرتها الصحيفة توضح حقائق الأحداث التى لم يشر لها المراسل كيركباتريك.
التقرير الذى نشره موقع «أى ميديا إيثيكس»، حول التزام «نيويورك تايمز» بالمعايير المهنية، كان مفاجئاً بكل المقاييس. فالموقع كشف عن أخطاء جسيمة فى تناول جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية لأخبار الوضع فى مصر من بينها نشر معلومات كاذبة عن الأوضاع الداخلية للبلاد فى تقاريرها على مدار الأشهر الماضية. وأوضح أن مراسل الجريدة فى القاهرة «ديفيد كيركباتريك» يتبع نهجاً غير مهنى فى تغطيته وفى اختياره للمصادر والأشخاص الذين يعتمد عليهم لتوثيق الأحداث فى مصر، فضلا عن تجاهله لعدد من أهم عناصر الأحداث التى يغطيها وعدم تواصله مع المسئولين المعنيين قبل نشر مقالات حول مواضيع تخصهم وأحياناً تتضمن تصريحات لهم. وبحسب المنظمة أن 25% من التقارير التى قام «كيركباتريك» بإعدادها تميزت بالحاجة لإعادة تصحيح مضمونها، كما أن التغطية اعتمدت على 38 مصدراً مجهولاً.
ولم يكن تقرير «اى ميديا اثيكس» هو الوحيد الذى سلط الأضواء على الأداء المشين فى بعض الأحيان لبعض أشهر الصحف ووسائل الاعلام فى أمريكا، فقد كشفت مؤخراً مؤسسة «ميديا ماترز فور أمريكا» والمعنيه أيضاً بمراقبة الصحف، عن تورط صحيفة نيويورك تايمز أيضاً فى اتهام وزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلارى كلينتون أنها كانت تحتفظ بحساب بريد إلكترونى غير حكومى أثناء توليها المنصب وهو الأمر الذى اتضح عدم صحته، بعد أن كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن كلينتون قدمت 55 ألف صفحة من رسائل البريد الإلكترونى الخاص بها إلى وزارة الخارجية، امتثالاً للتغييرات التنظيمية فى عام 2009 والقانون الذى يجرم ما فعلته صدر عام 2014، أى بعد ترك كلينتون لمنصبها. الغريب أنه، وبالمخالفة لقواعد المهنية، رفضت «نيويورك تايمز» الاعتراف بعدم صحة ما نشرته واكتفت أن المعلومات الأولية التى وصلتهم لم يتم تدقيقها بالشكل الكافى. أما بالنسبة لقناة فوكس نيوز الإخبارية فمهنيتها ومصداقيتها دائماً مثار جدل، خاصة بعد فضيحة مذيعها أوريللى بيل وتداوله لأخبار كاذبة علاوة على عدم التدقيق فى الأخبار التى ينشرها وكم الافتراءات والتناقضات فيما يقدمه. هذا بالإضافة للانتقائية التى تنتهجها فوكس نيوز فى اختيارها للأخبار، فعلى سبيل المثال تجاهلت القناة حادثة قتل أنطونيوزامبرانو-مونتيس، الذى توفى بعد إطلاق النار عليه 17 مرة من قبل ضباط الشرطة فى واشنطن على الرغم من تداول العديد من وسائل الإعلام هذا الخبر. والحقيقة التى تكشفها هذه المنظمات وغيرها تؤكد أن الإعلام الأمريكى ليس بالنزاهة والشفافية والمهنية التى نتصورها عنه، بدليل أن المؤسسات التى تقوم على مراقبة الأداء الصحفى والإعلامى ونزاهته غير راضية عن أدائه.
كنا قد سألنا فى أعداد سابقة عن الدافع الذى يجعل وكالات أنباء عالمية تدعى الموضوعية، وصحف أجنبية ذات ثقل على المستوى الدولى إلى التخلى عن موضوعيتها وعن ألف باء تدقيق معلوماتها؟!
وطرحنا تصورات عديدة عن الأسباب التى قد تجعلها تنسب معلومات مشكوكاً فى صحتها لمصادر مجهولة.. أو تنقل آراء وتحليلات عن مصادر معلومة منتقاة بعناية لتقول شيئاً محدداً!
وخلال ذلك، توقفنا عند الأداة، أداة وكالات الأنباء والصحف الأجنبية، والأداة هنا هو المراسل.. مراسل وسيلة الإعلام الأجنبية أو الشخص المسئول عن نقل وقائع وأحداث المنطقة التى يعمل بها إلى نطاق عمل أو اتساع وسيلة الإعلام التى يعمل بها، وبالتالى يكون مسئولاً بدرجة أو بأخرى عن أى فجوة أو هوة أو سوء فهم بين الطرفين.
مراسلو وسائل الإعلام الغربية فى منطقة الشرق الأوسط لهم نصيب كبير من المسئولية عن الهوة المستمرة بين المنطقة والغرب سواء كان أمريكياً أم أوروبياً، والمفترض أن يكون وجود هؤلاء المراسلين فى الشرق الأوسط ومعيشتهم فيه ومعرفتهم بجميع همومه ومشكلاته والأسباب والدوافع وراء أية ظواهر يشهدها.. ودورهم هو المساهمة فى التعريف والتوضيح والشرح والتحليل بعد أداء الدور الأهم وهو الرصد والمتابعة.
لكن ذلك فى الغالب لا يحدث!!.. والأمثلة كثيرة ومتنوعة ومتعددة على الكسل والجهل من السمات الأساسية فى التغطيات الغربيّة للشرق الأوسط، ولا تملك غير الامتعاض من اعتماد تلك التغطيات على وجهة نظر واحدة! وهى على اختلافها تفرض رؤية لا تتطابق أو حتى تقترب من الواقع، بل مجرد بيانات دعائيّة وتحريض رخيص ومساحة للدعايات والاختلاقات وضخ الكذب والفتنة. وبات فى حكم المؤكد أن هذا النوع من الصحافة عادة لا يعرض إلا مجرد الخطوط الأساسية وغالباً ما يشوه الحقائق، بشكل لا يخفى الجهل بالمسائل أو التفاصيل التى ترد فى السياق.
كما اتضح أن المراسلين كثيراًً ما يكونون مشوشين، وغالباً ما تكون المعلومات المتاحة هى تلك التى توفرها المؤسسات أو الجهات التى تستخدمهم!
الصحفى الهولندى جوريس لوينديك الذى عمل مراسلاً فى الشرق الأوسط لسنوات، تناول تلك الأزمة منذ عشر سنوات تقريباً وانتهى إلى أن هؤلاء المراسلين يقدمون وصفاً مشوهاً وبعيداً عن التعمق لما يحدث فى الشرق الأوسط!!
فى مقال نشرته «لوموند الفرنسية»، طرح «لوينديك» أسئلة على قدر كبير من الأهمية: لماذا على سبيل المثال يطلق على المسئول الإسرائيلى الذى لا يؤمن سوى بالعنف بأنه من الصقور بينما يطلق على الطرف الآخر الذى يؤمن بالمبدأ نفسه فى الجانب الفلسطينى بأنه متطرف أو إرهابى؟!.. ولماذا لا يطلق عليه لقب صقر مثلاً. ويضيف أن المسئولين الإسرائيلين المؤمنين بالحوار يطلق عليهم حمائم أما الفلسطينى الذى يختار الطريق نفسه فيطلق عليه معتدل. ويشير إلى أن ذلك يعنى أنه بالرغم من العنف المعشش فى قلبه فقد تمكن هذا الفلسطينى من تعديل طبيعته الأصلية.
«لوينديك» أشار فى المقال المشار إليه إلى أن المراسلين يفهمون ما يحدث بطريقة مختلفة أو يقومون بتحريفه فى بعض الأحيان!!
وأكثر من مرة، هاجم روبرت فيسك مراسل صحيفة الإندبندنت البريطانية الصحافة الغربية بشدة ووصفها بأنها لا تسعى إلى معرفة الحقيقة ولا إلى طرح الأسئلة المهمة حول القضايا التى تربط بين الحضارات.
«فيسك» أكد أن الإعلام الغربى ينزع المعنى من حقيقته ووصفه بأنه صحافة «أوتيلات» موضحاًً أن الصحفيين أو المراسلين لا يغادرون الأوتيلات للقيام بواجبهم المهنى. إن هذا النوع من الإعلام جعل المجتمعات الغربية عمياء لا ترى الحقيقة.
كثير من المراسلين فى المنطقة يتعمدون نقل الأخبار والتفاصيل بالطريقة التى يريد أن يسمعها الجمهور الغربى وهذا هو السبب وراء الأسلوب المتبع فى نقل أحداث الشرق الأوسط إلى الخارج وهو أيضاًً ما أدى إلى المساهمة فى زيادة جهل المجتمعات الغربية بالوضع فى الشرق الأوسط.
والحقيقة هى أنه لا يوجد فى الأوساط الغربية مراقبون حقيقيون أو محايدون لما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط وهذا ما يسهم بشكل كبير فى التغطية على كثير من الأحداث التى تشهدها المنطقة.
المراسلون يعملون وفى أذهانهم أن القراء لهم مواقف محددة سلفاً ويتوقع هؤلاء القراء أن يكون المراسل منحازاً لطرف من الأطراف.
حكاية المراسلين الغربيّين فى بلادنا حكاية طويلة تتداخل فيها الصحافة مع السياسة مع المخابرات مع الجهل مع الدعاية المدفوعة ويمكن وضع كثير منها فى خانة «الحرب النفسيّة»، القائمة على المبالغات والتعميمات والتسطيحات، والتى يمكن أن نرجع كثيراًً منها إلى انخفاض المردود المالى لوسائل الإعلام بما يضطرها إلى الخضوع لشركات عملاقة تسعى وراء الربح! الأمر الذى أدّى إلى تدنّى المستوى الصحفى وازدياد العامل التجارى والضغط المستمرّ لربط كل شىء بحسابات المكسب والخسارة.
لم تعد وسائل الإعلام الغربية مهتمة إلا بالحسابات سواء كانت سياسية أو اقتصادية، حتى ما كان منها يفتعل الحياد أو الموضوعية صار يلعب بشكل واضح ومكشوف.
المؤسف، هو أنه فى الوقت الذى تتعرض فيه الدولة المصرية إلى حرب إعلامية غير مسبوقة، بالشكل الذى عرضنا بعض تفاصيله، نجد الإعلام المصرى غارقاً فى التشتيت وتغييب الوعى، ويصر على تجاهل القضايا الحقيقية ولا يركز إلا على التفاهات أو صراعات لا تخص إلا أصحابها مع تجاوزات أخلاقية وقانونية بلا ضابط أو رابط.
فى الوقت الذى تتعرض فيه الدولة المصرية إلى حرب إعلامية غير مسبوقة، بالشكل الذى عرضنا بعض تفاصيله، نجد الإعلام المصرى يركز فقط على حسابات لا علاقة لها بالإعلام ولا علاقة لها بالوطن أو المواطن.. نجده مشغولاً بقضايا من يستخدمونه ولا تعنيه قضايا الدولة التى تخوض حروباً لتوفير لقمة العيش للمواطن وللحفاظ على أمنه وسلامته.
وسائل الإعلام المختلفة (مقروءة ومسموعة ومرئية) ويضاف إليها شبكات التواصل الاجتماعى، صارت من الأسباب الأساسية فى سرعة انتشار الشائعات، مع أن أول واجبات الإعلام أن يكون له دور فى محاربة الشائعات والقضاء عليها أو إظهار حقيقتها والعامل الهام فى تحقيق ذلك هو «الوقت».
تناست وسائل الإعلام، ربما عن عمد، دورها فى محاربة الشائعات والكشف عن مصدرها فى أقل وقت حتى تبطلها ولا تحقق الغرض منها فى بلبلة الرأى العام. والأبشع أن أصبحت هى المصدر الرئيسى لغالبية الشائعات التى لا نبالغ لو قلنا إنها العدو الأشرس الآن. بعد أن انهارت القيم المهنية والأخلاقية وضاعت المسافات بين السياسة والإعلام.
وما من شك فى أن القانون قد صمت.. أو لنقل إنه تأخر فى تطبيق قواعده. وإن الحرية أتيحت لها فرصة خلال فترة صمت طويلة لكى تتمدد بدون أن تخضع للضوابط.. وبدلاً من أن ينتبه الإعلاميون والصحفيون إلى السعى لأن يكونوا هم الأكثر حرصاً على تطبيق القانون، قاموا بتجاوزه وتخطيه.. وانفلت العيار.. وانتشرت العشوائية.. وظهرت عوارض خطيرة لا تتعلق بأشخاص وتوازنات.. وإنما تضرب فى صميم استقرار المجتمع.. فهل يتدخل المجتمع لكى يحمى نفسه؟!.. أم تتحرك مؤسسات الدولة؟!
إن الموضوع أعمق بكثير من ادعاءات تقول إن هناك حملة لتكميم الأفواه من أجل التستر على فساد أو غيره.. الموضوع يتسع ويتشعب ليصل إلى ظواهر تخطت الطعن فى سمعة الناس.. أو التداخل لفرض عناصر تهدر فرص العدالة فى التنافس.. بل وصل الأمر إلى درجة الإخلال بمناخ العدالة.. والتعدى على القضاء.. وإهانة استقلاليته.. وصولاً إلى تعزيز النعرات العرقية.. والإشادة بالتطاول على الدولة وتفجير الفتنة الطائفية.. وتحويل الصفحات والشاشات إلى منابر لأصوات الفتنة.
كيف وصلنا إلى هذا «القاع»؟!
هل هى سيطرة العشوائية والغوغائية والمصالح الخاصة؟!
أم عدم وجود «قانون» يحكم وسائل الإعلام ويضع لها الضوابط والمعايير؟!
أم عدم وجود جهة محددة، حتى الآن، تحاسب على التجاوزات أو الكوارث التى نراها ونقرأها ونسمعها كل يوم؟!
إن المادة ٢١١ من الدستور تنص على إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وجعله هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفنى والمالى والإدارى ومن بين اختصاصاته التى نص عليها الدستور وضع الضوابط والمعايير اللازمة لالتزام وسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها.
فهل ستظل الساحة الإعلامية حقلاً يعيث فيه كل من هب ودب حتى يتم إنشاء المجلس الوطنى للإعلام؟!
وحتى يحدث ذلك، لمن يلجأ المواطن المتضرر من التجاوزات الإعلامية فى حقه، إذا كان هناك من يعتبرون مجرد اللجوء إلى القضاء جريمة ضد حرية الرأى والتعبير؟!
هل تنتهى تلك الأزمة بصدور التشريعات المنظمة للعمل الإعلامى؟!
أم ستأخذ شكلاً جديداً يتم فيه التحايل على القوانين كما سبق ويجرى التحايل؟!
لا تخطئ عين الهبوط الواضح فى أداء بعض وسائل الإعلام. تحديداً الإعلام الخاص أو المملوك لرجال أعمال. وهو الهبوط الذى يجعلها تتناول قضايا لا تفيد المجتمع على الإطلاق، بل تكشف عن نوايا خبيثة وغير مهنية تزعزع استقرار الدولة بينما نحن فى أمس الحاجة لإعلام مستنير يحافظ عليها ويساهم فى مرحلة البناء التى تمر بها والتى لا نبالغ لو قلنا إنها من أصعب المراحل على الإطلاق.
كيف تهتم بعض وسائل الإعلام بأمور تافهة مثل الجنس والشعوذة والدجل؟
وكيف تحولت بعض القنوات التليفزيونية إلى «قنوات شوارع» لا تناقش قضايا المجتمع من اقتصاد وثقافة ومعرفة ومحاربة الأمية وصحة وتعليم بشكل مهنى، بينما تعرض صراعات ومشاجرات لا تخص إلا المتصارعين والمتشاجرين؟!
وسائل الإعلام تخلت عن ضروراتها المجتمعية فخسرت مساندة المجتمع. وعدة وسائل انقلبت على شرعية وجودها فانهارت وأهدرت نفسها. وتحول صحفيون ومذيعون ومذيعات إلى سياسيين فدخلوا معترك السياسة ووجدوا أنفسهم وجه لوجه مع معادلات غير مهنية.. وعلى كل هؤلاء أن يحتملوا ويتحملوا نتائج ذلك. خاصة إذا كانت أهدافهم شخصية وأغراضهم ذاتية، ولا توصيف لما يقدمونه غير أنه استغلال للحرية من أجل تحقيق مصالح مالية لهم ولمن يستخدمونهم ممن يوصفون بـ«رجال أعمال» بينما هم فى الواقع عبارة عن عصابات تحاول فرض إراداتها ومنطقها وقوانينها بقوة المال أحياناً وبأى قوة يمكنهم استخدامها أو تطالها أيديهم!
موقفنا ثابت وواضح، مع حرية الإعلام إلى أقصى درجة.. لكن الحرية مسئولية، ولها ضوابط تبدأ وتنتهى بالحفاظ على كرامة المواطن والوطن.. الحرية هى أن تصحح وتوضح وتعرض الصورة كاملة دون تقييد لحرية تداول المعلومة، وفى الوقت نفسه دون تفريط فى الأمن القومى.. وتأثير الانفلات الإعلامى تعدى حقوق وواجبات وكرامة المواطن إلى كيان الدولة وحدث ذلك كثيراً حتى فى العلاقات مع بعض الدول. وعدم وجود عقاب أغرى الكثير من الفضائيات بتقديم أى مادة وفى أى اتجاه دون النظر إلى الأضرار التى قد تنتج عن ذلك.
غير أن موقفنا الثابت، لن يمنعنا من الاعتراف بأن لدينا مشكلات حقيقية، تحتاج إلى جهود كثيرة للتغلب عليها وتخطيها. ومن واجب الإعلام أن يقترح الحلول ويساعد على توفير العلاج. لكن الذى حدث هو أن الإعلام الخاص تحول إلى مشكلة إضافية وصار عبئاً فوق الأعباء. وعليه، فمن الطبيعى حين تتدخل الدولة لفرض القواعد والقوانين ألا يبكى أحد.. وألا يلوم غير الباحثين عن مكاسبهم الشخصية.