ياسر بركات يكتب عن: العالم يبكى والخونة يضحكون
القصة الكاملة لشياطين الجو بين القاهرة وباريس
خبراء: لم نسمع عن طائرة تسقط من ارتفاع 37 ألف قدم قبل ظهور تنظيمات الإرهاب
ألكسندر بورتنيكوف مدير جهاز الأمن الروسى: لاشك أنه عمل إجرامى
الخبير الإيطالى أنطونيو بوردونى: حالة الطقس الممتازة وقت الاختفاء تشير إلى تدخل بشرى
ريشار بوارو: إما أن تكون الطائرة قد أصابها صاروخ من الشواطئ الأفريقية، أو تم تسريب قنبلة قبل إقلاعها من «شارل ديجول»
إسقاط الطائرة الروسية فى شرم الشيخ، استهدف العلاقة مع الحليف الروسى، ومعروف أن العلاقات بين مصر وروسيا شهدت تطوراً كبيراً مع وصول السيسى إلى الحكم، وتنوعت بين التعاون العسكرى والاقتصادى، وكذا التنسيق السياسى.
مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، استهدف التأثير على العلاقة المصرية مع الحليف الإيطالى، وإيطاليا -كما نعرف- هى الشريك التجارى الأوروبى الأول لمصر والثانى على مستوى العالم، وخامس دولة فى مجال الاستثمار، كما أن التبادل التجارى بينها وبين مصر يقترب من 6 مليارات دولار.
ومع حادث الطائرة المنكوبة القادمة من مطار شارل ديجول إلى القاهرة، أصبح فى حكم المؤكد أن هناك من يريد العبث بالعلاقات الخارجية لمصر.
الثابت هو أن الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند، لم يستبعد فرضية الإرهاب، وأن البرلمان الفرنسى وافق على تمديد حالة الطوارئ للمرة الثالثة، لضمان تأمين كأس الأمم الأوروبية 2016 وبطولة فرنسا للدراجات الهوائية، كما سبق للمخابرات الداخلية الفرنسية أن حذرت، من أن فرنسا صارت «هدفاً صريحاً» لتنظيم داعش، وأن التحذير تنبّأ بوقوع هجمات من «نوعية جديدة».
ألكسندر بورتنيكوف، مدير جهاز الأمن الفيدرالى الروسى، رجّح أيضا احتمال العمل الإرهابى، وفى هذا الإطار قال أنطونيو بوردونى، الخبير الإيطالى فى مجال الطيران، إن المعطيات المتوافرة عن حالة الطقس الممتازة وقت اختفاء الطائرة، وحالة الطائرة العامة، إلى خبرة الطيار مع غياب أى دليل على طلب استغاثة أو ظهور أى مؤشر غير طبيعى سيدفع فى اتجاه ترجيح كفة «الاعتداء الإرهابى»، وأشار إلى أن غياب هذه العوامل يؤدى إلى طريق واحد وهو التدخّل البشرى.
وفرضية العمل الإرهابى هى الأقرب، سبق لفرنسا أن تلقت ضربات قاسية من تنظيم داعش فى الأشهر الأخيرة.
وما من شك فى أن صفقات السلاح التى وقعتها مصر وفرنسا خلال الفترة الماضية لا تروق لبعض الدول، وبالتالى تحاول تدمير العلاقات بين الجانبين.
ونشير هنا إلى أن الرئيس الفرنسى، كان أحد أبرز الزعماء الذين حرصوا على حضور افتتاح قناة السويس الجديدة، فى رسالة واضحة على دعمه وتأييده للقيادة المصرية. وتجسد هذا الدعم والتأييد فى التناغم المصرى الفرنسى فى كثير من الملفات والمشاهد، منها حرص هولاند على زيارة مصر الشهر الماضى، فى ثانى زيارة له منذ تولى الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى مقاليد السلطة، كما أن هناك تناغماً بين البلدين فى كثير من القضايا، ومنها القضية الفلسطينية، وتجسد ذلك فى المبادرة التى أطلقها الرئيس المصرى قبل أيام للسلام بين فلسطين وإسرائيل، وهى المبادرة التى قال خبراء إنها جاءت بالتنسيق مع فرنسا، صاحبة إحدى المبادرات أيضا لإحياء عملية السلام.
واليوم بالتزامن مع اقتراب دخول حاملة الطائرات «جمال عبدالناصر» -التى كانت تعرف باسم «ميسترال» وانتقلت ملكيتها من فرنسا إلى مصر بموافقة روسية- إلى المياه الإقليمية المصرية، وفى ظل مواصلة تطوير علاقات التعاون العسكرى بين البلدين، جاء حادث سقوط الطائرة المصرية المتّجهة من باريس إلى القاهرة وعلى متنها ركاب مصريون وفرنسيون وأفراد من جنسيات أخرى.
الكارثة وقعت حين اختفت الطائرة التى كانت تقوم برحلة بين مطار باريس شارل ديجول ومطار القاهرة الدولى، عن شاشات الرادار فى الساعة 2:45 بتوقيت القاهرة وبحسب السلطات اليونانية، فإنّ الطائرة المنكوبة اختفت عن شاشات الرادار اليونانية أثناء خروجها من المجال الجوى اليونانى، ودخولها المجال الجوى المصرى.
ووفقاً لقسطنطين لتزيراكوس، مدير الطيران المدنى اليونانى، فإنّ آخر اتصال مع قائد الطائرة كان «بعد الساعة 00:05 بتوقيت جرينيتش»، وبعدها لم يجب على اتصالات المراقبين الجويين اليونانيين التى استمرت «حتى الساعة 00:29 بتوقيت جرينيتش، عندما اختفت الطائرة عن شاشات الرادار».
ولم يشر طاقم الطائرة إلى «أى مشكلة» خلال آخر اتصال أجراه معه المراقبون الجويون اليونانيون، بل كان «مزاجه جيداً وشكر محدثيه باللغة اليونانية». كما أكد المتحدث الرسمى للقوات المسلحة المصرية أن طاقم الطائرة لم يرسل أى إشارة استغاثة.
وبالنظر إلى أن الطائرة المنكوبة حديثة التصنيع نسبياً (2003)، فإن احتمالات الخلل التقنى الضخم، مثل انفجار المحرّك، تصبح ضئيلة، إضافة إلى أن الحادث وقع وسط أجواء مستقرة تماماً، سواء على المستوى الملاحى، حيث لم يبلغ قائد الطائرة عن أى خلل قبل اختفائها عن شاشات الرادار، ولا على مستوى الطقس، بحسب ما أعلنت المنظمة الأوروبية المختصة بشئون الملاحة الجوية «يوروكونترول».
وفى المقابل، فإن الظروف الأمنية السائدة، فى ظل تعاظم تهديدات الجماعات الإرهابية، وأبرزها تنظيم «داعش»، تجعل فرضية العمل الإرهابى الأكثر ترجيحاً، حيث تميل التقديرات، فى هذه الحالة، إلى فرضية التفجير بعبوة، بالنظر إلى صعوبة إسقاط طائرة تحلق على ارتفاع 37 ألف قدم، عبر صاروخ محمول على الكتف، ولكون الجماعات الإرهابية أصبحت قادرة على اختراق الثغرات الأمنية فى المطارات.
الطائرة المنكوبة تنتمى إلى مجموعة طائرات «ايرباص ايه 320»، التى سجلت منذ بدء تشغيلها سنة 1988 أكثر من 12 حادث تحطم، وهناك 6713 طائرة موجودة فى الخدمة حالياً، من طرازات (ايه 318 وايه 319 وايه 320 وايه 321)، بينها 3959 من طراز «إيه-320».
تشغيل طائرة «إيه-320» بدأ سنة 1988، وهى تُستخدم للرحلات القصيرة والمتوسطة المدى، وتنافس بشكل رئيسى طائرة «بوينج 737». وتمّ تحسين تكنولوجيتها باستمرار منذ بدء تشغيلها، حتى ظهر طراز متطور منها هو «إيه-320 نيو»، مع محرك جديد أكثر توفيراً لاستهلاك الوقود.
واعتُبرت طائرة «إيه-320» قفزة فى عالم الطيران عند إطلاقها، إذ تم تزويدها بأجهزة تحكم تتمّ إدارتها عبر جهاز كمبيوتر، ما أثار انقساماً آنذاك بين الطيارين وخصوصاً فى فرنسا، لأنّها خفّضت أعداد الطاقم من ثلاثة إلى اثنين.
وخلال خمسة أعوام من المرحلة الأولى لبدء عمل الطائرة، تم تسجيل أربعة حوادث تحطم. وقع الأول فى يونيو سنة 1988 على مدرج «مالهاوس» شرق فرنسا، حيث كانت الطائرة تحلق على علو منخفض جداً خلال رحلة تجريبية ما أدى إلى سقوط ثلاثة قتلى. وسُجل الثانى خلال محاولة هبوط فى مطار بنجالور فى الهند ما أسفر عن 92 قتيلاً، فى فبراير سنة 1990.
ووقع الحادث الثالث أيضاً خلال محاولة فاشلة للهبوط وأوقع 87 قتيلاً، سنة 1992، فى سانت أوديل قرب ستراسبورج شرق فرنسا. وفى 14 سبتمبر سنة 1993، اشتعلت النيران فى طائرة تابعة لشركة الطيران الألمانية «لوفتهانزا» أثناء هبوطها فى وارسو، ما أوقع قتيلين و54 جريحاً.
وسنة 2000، تحطمت طائرة «إيه-320» تابعة لـ«طيران الخليج» (جولف أير) قبيل هبوطها فى البحرين ما أسفر عن 143 قتيلاً.
ونتيجةً لانعدام الرؤية، تحطمت طائرة تابعة لشركة «ارمافيا» الأرمنية فى سوتشى، روسيا، فى مايو سنة 2006، بينما كانت تستعد للهبوط وقُتل 113 شخصاً.
وفى ساو باولو فى البرازيل، تحطمت طائرة تابعة لشركة «تام» البرازيلية، فى يوليو سنة 2007، أثناء الهبوط أيضاً، بعدما خرجت عن المدرج لتصطدم بمبنى فى المطار، ما أدى إلى 187 قتيلاً بين الركاب و12 قتيلاً كانوا داخل المبنى.
وسنة 2010 وبسبب سوء الرؤية أيضاً، قتل 152 شخصاً كانوا على متن طائرة تابعة لشركة «ايربلو» الباكستانية، فى الجبال القريبة من إسلام اباد.
وفى 28 ديسمبر سنة 2014، تحطمت طائرة «إيه-320» تابعة لشركة «أير ايجيا»، فى بحر جاوا، ما أدى إلى مقتل 162 شخصاً، وقال المحققون حينها إنّ عطلاً فنياً تسبب بالحادث.
وتحطمت طائرة تابعة لشركة «جيرمان وينجز» الألمانية فى جبال الألب الفرنسية، فى 24 مارس سنة 2015، ما أدى إلى مقتل ركابها الـ150 وبينهم 72 ألمانياً و50 إسبانياً.. وأوضح المحققون حينها أن مساعد الطيار الألمانى، الذى كان يعانى من اضطرابات نفسية، تعمّد إسقاط الطائرة.
فى 31 أكتوبر الماضى، تحطمت طائرة «ايرباص إيه-321»، تابعة لشركة «ميتروجيت» الروسية فى سيناء أثناء رحلتها بين منتجع شرم الشيخ المصرى وسانت بطرسبورج، ما أدّى إلى مقتل 224 شخصاً كانوا على متنها من الركاب وأفراد الطاقم.
وبينما لا تزال التحقيقات بشأن سقوط طائرة «مصر للطيران»، فى البحر المتوسط جارية، اهتمت غالبية الصحف الأجنبية (والفرنسية تحديدا) بالحادث وأفردت له مساحات كبيرة، وركزت على سيناريو الإرهاب واستهداف العلاقات المصرية الفرنسية، كما طرحت العديد من الأسئلة عن مدى قدرة الإرهابيين على اختراق الأنظمة الأمنية الحديثة فى المطارات.
فكان عنوان الصفحة الأولى لصحيفة ليبراسيون: «الرحلة MS804 تحطم وفرضيات عدة: حادث أم اعتداء؟».. وقالت الصحيفة إن «كل الاحتمالات واردة حتى لو كانت فرضية الاعتداء الإرهابى تبدو الأكثر ملاءمة للواقع».
ورأى كاتب التقرير «ريشار بوارو»، إن «التسليم بفرضية الاعتداء الإرهابى يفتح الباب أمام احتمالين: وهو إما أن تكون الطائرة قد أصابها صاروخ أطلق من الشواطئ الأفريقية، أو أن يكون قد تم تسريب قنبلة إلى الطائرة قبل إقلاعها من مطار «شارل ديجول».
كما سلطت الصحيفة الضوء على تعاظم الشعور بالخوف من التهديد الإرهابى لدى طواقم شركة الطيران الفرنسية «إير فرانس» ما دفع البعض لرفض العمل على متن الرحلات التى تشكل خطراً، ومنها تلك المتوجهة لمصر أو تونس أو الجزائر، مشيرة بشكل خاص إلى أن تحطم الطائرة يشكل ضربة قاسية للسياحة فى مصر التى تعانى منذ فترة.
ورجحت صحيفة «لوفيجارو» فرضية الاعتداء الإرهابى، مشيرة إلى ما كشفه المدير العام للأمن الداخلى الفرنسى باتريك كالفار، الذى كان قد حذّر قبل عشرة أيام خلال جلسة مغلقة أمام لجنة الدفاع النيابية الفرنسية من أن تنظيم «داعش» يجهّز لاعتداءات جديدة على فرنسا التى وصفها بأنها أكثر البلدان عرضة لخطر الإرهاب.
وقالت الصحيفة فى افتتاحيتها التى جاءت تحت عنوان «حادث القاهرة باريس.. تفجير للمسار»، إن مصر وفرنسا حلفاء بشكل مباشر فى مواجهة الإرهاب، وإن الدولتين تواجهان العدو نفسه والمتمثل فى تنظيم «داعش» والجماعات الجهادية الإسلامية.. متسائلة ما إذا كان الهدف هو «ضرب التحالف القوى بين فرنسا ومصر فى مجال محاربة الإرهاب؟».
وأضافت الصحيفة، أن انخراط الدولتين المباشر فى مكافحة الإرهاب جعلهما هدفا للجماعات الإرهابية خلال الشهور الأخيرة، ما عزز التقارب العسكرى بين البلدين منذ انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، والذى برز من خلال توقيع عقود شراء تجهيزات فرنسية حربية منها مقاتلات رافال وحاملة الطائرات ميسترال. معتبرة أن «داعش» والجماعات الجهادية هما العدو الأول لكلا البلدين.
وعلى وقع المخاوف من استهداف الإرهاب لفرنسا مجددا ولاسيما مع قرب تنظيمها لحدث رياضى أوروبى بارز وهو كأس الأمم الأوروبية، دعت الصحيفة فى افتتاحيتها إلى مطالبة الدولة، بمنع تجمعات مشجعى كرة القدم خلال كأس الأمم الأوروبية التى تستضيفها فرنسا من العاشر من يونيو المقبل حتى العاشر من يوليو.
فى السياق ذاته، وتحت تساؤل «هل العلاقات القوية بين فرنسا ومصر هى المستهدفة؟»، لم تستبعد صحيفة «لى زيكو» هذا السيناريو، وقالت إنه فى حال صحت فرضية الاعتداء الإرهابى فى حادث الطائرة، فإنه من غير المستبعد أن تكون العلاقات القوية بين فرنسا ومصر هى المستهدفة. ونقلت الصحيفة عن الباحثة فى المعهد الفرنسى للعلاقات الدولية منصورية مخفى، قولها إنه لو صحت هذه الفرضية فإن ضرب طائرة متوجهة من باريس إلى القاهرة يحمل دلالات قوية من الناحية الرمزية»، مشيرة إلى أن القاهرة تعد رابع ركن من أركان سياسة فرنسا العربية بعد الرياض وأبوظبى والرباط.
من جهتها، اعتمدت صحيفة هافنجتون بوست فى نسختها الفرنسية، فرضية تفجير الطائرة من الداخل؟!.. وقالت إن «هذا الاحتمال لايزال المرجح من قبل بعض خبراء الطيران، ونقلت عن جان بول ترودس، رئيس هيئة التحقيق والتحليل لسلامة الطيران المدنى الفرنسى قوله «قد يكون هذا الحادث نتيجة لهجوم».
ولفت ترودس إلى أن فرضية وجود عطل فى المحرك أو مشكلة فنية مستبعدة، لأنها لا تؤدى إلى وقوع حادثة فجائية، فضلا عن أنه يرى أن الطائرة المصرية «A320» حديثة وبالتالى جودة السلامة فيها وخضوعها للصيانة يجعلها لا تتأثر بهذه السرعة، وأضاف «نعتقد بقوة أنه قد وقع هجوم على متن الطائرة باستخدام قنبلة أو هجوم انتحارى».
وعن إمكانية تمرير قنبلة أو مرور انتحارى فى مطار باريس، نقلت «ليبراسيون» عن خبير الطيران جيرار أرنو، قوله «رغم أن هذه الفرضية تبعث على القلق، إلا أن الخبراء يتفقون على أن أنظمة أمن المطارات ليست مضمونة، فأى شخص يمكن أن يجلب قنبلة على متن طائرة».
وأثار أرنو احتمال وجود عمل منظم بتواطؤ من ضباط أمن المطار، وفسر ذلك قائلا «تتم مراقبة الموظفين دائماً، لكن حين لا تكون المطارات محصنة ومراقبة بمعدات مناسبة مثل الكاميرات، يمكن لأى شخص أن يعبر أى سياج أو عائق».
وذهب سيباستيان كارون، الرئيس التنفيذى لشركة استشارات أمن الطيران الدولية ASCT إلى الرأى ذاته، وقال لصحيفة «لوريون لوجور» إنه «فى معظم الحالات سواء كانت هجمات أو مجرد محاولات، نحن نتعامل مع تواطؤ يحدث مع موظفى المطار، فحامل الحقائب يمكنه بسهولة بعد فحص جميع الأمتعة أن يضيف حقيبة مفخخة بين حقائب المسافرين».
وفى اتجاه آخر، خصصت صحيفة «لو بارزيان» غلافها لضحايا الطائرة والصدمة التى تعرضوا لها، قائلة: «كان يمكن لأى شخص أن يكون فى عداد ضحايا الطائرة».
وكتبت الصحيفة فى افتتاحيتها، «إن تحطم حياة أسر الضحايا يجعل من هؤلاء المجهولين أقرباء لنا، إنهم يمثلون إنسانية بريئة ضحية العطل الفنى أو الإرهاب».. وخلصت «لوباريزيان» إلى ضرورة استحداث حلول ملموسة تتعلق بالأمن الجوى حتى لا ندع الخوف يستوطن العقول».
ونشرت الصحيفة صور عدد من الضحايا وروت سيرتهم مركزة على أحد الضحايا والذى يدعى أحمد هلال «40 عاما»، وهو مدير معمل شركة «بروكتر أند جمبل» العالمية فى مدينة «أميان» الفرنسية، وقالت الصحيفة عنه بعد وصفه بالمدير المحبوب بين العمال، إنه ركب الطائرة لزيارة والده المريض فى مصر، ثم فجأة واجه نهايته فى البحر المتوسط. مشيرة إلى شهادات بعض الموظفين معه عن إنسانيته.
وما بين فرضية العمل الإرهابى والخلل الفنى، تراوحت تفسيرات أغلبية الصحف الأمريكية والبريطانية والإيطالية، فتحت عنوان «سقوط الركاب من ارتفاع 37 ألف قدم ومقتلهم»، أبرزت صحيفة «التايمز» البريطانية على صدر صفحتها الأولى، عقب سقوط الطائرة، التكهنات التى تشغل وكالات المخابرات الغربية حول أسباب حادث سقوط رحلة طائرة مصر للطيران رقم 804، فوق البحر المتوسط أثناء قيامها برحلة من باريس إلى القاهرة.
ونقلت الصحيفة عن ضابط فى المخابرات الأمريكية قوله إن «الولايات المتحدة تعتقد أن انفجارا داخل الطائرة وراء سقوطها، لكن ما يجب معرفته الآن: هل حدث ذلك نتيجة عطل تقنى أم أنه ناتج عن عمل إرهابى؟»، إلا أن مسئولين آخرين من عدة أجهزة أمريكية، أكدوا أن مراجعة أمريكية لصور التقطتها أقمار صناعية لم تُظهر حتى الآن أى مؤشرات عن حدوث أى انفجار على متن طائرة، وفقا لصحيفة «هافينجتون بوست» الأمريكية.
وقال المسئولون الذين تحدثوا عن أمور خاصة بالمخابرات، مشترطين عدم الكشف عن أسمائهم: إن هذه النتيجة جاءت فى أعقاب فحص أولى للصور، وحذروا من تقارير لوسائل إعلام تلمح إلى أن واشنطن تعتقد أن تحطم الطائرة حدث بسبب قنبلة. وأضاف المسئولون أن الولايات المتحدة لم تستبعد أى أسباب محتملة للحادث.
من جهتها، نقلت صحيفة «الجارديان» البريطانية عن كبير المحققين اليونانى فى حادث الطيران، اثاناسيوس بينيس، إن التحقيقات فى أسباب الحادث يمكن أن تبدأ بشكل صحيح فقط عند الوصول إلى الصناديق السوداء للطائرة، مستبعدا أن تكون الظروف الجوية سببا فى الحادث. وقال بينيس «هناك ثلاثة أسباب تجعل الطائرة تسقط، هى الطقس، وأسباب فنية، والعنصر البشرى»، مشيرا إلى أن السبب الأول تم استبعاده لأن الطقس كان جيدا، وسيُعرف ما إذا كان السبب عنصرا فنيا أو بشريا، من خارج أو داخل الطائرة، «كل الاحتمالات مفتوحة»، على حد قوله.
وفى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، قال تقرير لها، إن الحادث أعاد المخاوف والتكنهات حول أمان الطيران المصرى، والذى كان له تاريخ من الهفوات، فضلا عن شبح الخرق الأمنى فى باريس حيث أقلعت الطائرة من هناك، مضيفة أن غموض اختفاء الطائرة رفع التساؤلات الأوسع بشأن حساسية السفر بالطيران المدنى للإرهاب.
وفى سياق متصل، قال رئيس اللجنة البرلمانية لأمن الدولة الإيطالى، جاكومو ستوكى إنه «لا يستبعد فرضية الإرهاب فيما يخص سقوط الطائرة المصرية»، مضيفاً «نتلقى الآن سلسلة من المعلومات تجعلنا نأخذ هذه الفرضية (عامل الإرهاب) فى الاعتبار، بحسب وكالة «آكى» الإيطالية.
وتابع ستوكى: «فى الساعات المقبلة سنكون على تواصل مع أجهزة المخابرات، كما أخطرنا وكالة المعلومات الخارجية والأمن الإيطالية لمتابعة الأمر معنا».
من جانبه، قال الخبير الإيطالى، أنطونيو بوردونى إن المعطيات المتوافرة عن حالة الطقس الممتازة وقت اختفاء الطائرة، وخبرة الطيار مع غياب أى دليل على طلب استغاثة تدفعنا فى اتجاه واحد وهو «ترجيح كفة الاعتداء الإرهابى».
وأضاف بوردونى فى مقابلة مع صحيفة «لا ستامبا» الإيطالية أن «غياب هذه العوامل يؤدى إلى طريق واحد وهو التدخل البشرى»، متسائلاً «أى تدخل بشرى؟!.. هل هو تفجير؟!.. أم عوامل أخرى؟!».
وعن الجوانب الفنية المتعلقة بسقوط الطائرة، قال ريتشارد كويست، محلل السلامة الجوية ومقدم برنامج «كويست مينز بيزنس» على شبكة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية: إن «الطائرات لا تسقط من السماء هكذا دون أى سبب وخصوصاً خلال أكثر أجزاء الرحلة أماناً وهو التحليق على ارتفاع مثل 37 ألف قدم».
أما خبير الطيران جيرار فيلدزير، فرأى أنه «يبدو وارداً أن هناك خطأ تقنياً رئيسياً وقع كانفجار محرك الطائرة، على سبيل المثال»، ما يثير تساؤلات حول طائرة ايرباص 320 التى دخلت الخدمة عام 2003»، مشيرا فى الوقت ذاته إلى أن «الطائرة لديها سجل ممتاز من حيث السلامة، وهى أكثر الطائرات متوسطة المدى مبيعاً فى العالم»، فهذا الطراز يقلع أو يهبط كل 30 ثانية حول العالم»، وفقا لما نقلته صحيفة «تليجراف» البريطانية.
عودة إلى صحيفة التايمز البريطانية التى أفردت صفحتين كاملتين لتغطية آخر التطوراًت فى مأساة الطائرة، خاصة خبر العثور على أشلاء بعض الضحايا وبقايا الطائرة. ونقلت الصحيفة تفاصيل آخر اللحظات لقبطان الطائرة المصرى محمد سعيد شقير البالغ من العمر 36 سنة قبل أن يباشر عمله قائدا لتلك الرحلة.
ذكرت «التايمز» أن محمد كان يتحدث عبر الانترنت مع أصدقائه وبعض زملائه فى القاهرة من فندقه بباريس قبيل بدء الرحلة، حيث طمأنهم أن كل شىء على ما يرام وحالة الطقس جيدة جدا، لكنه لم يكن يعلم أن الرحلة لن تصل إلى الوجهة التى كانت مقررة لها، وينتهى كل شىء بسقوطها فى البحر.
لكن الصحيفة اهتمت أيضا بما يجرى حاليا فى مطار شارل ديجول، ومنه نقل آدام ساج «مراسل الصحيفة» أن الأمن الفرنسى يحلل صور كاميرات المراقبة فى المطار، لتحديد ما إن كان هناك عمال أو موظفون يحتمل تورطهم فى قضية سقوط الطائرة.
ورغم أن «التايمز» نقلت عن مسئولين فرنسيين أن مطار شارل ديجول من أكثر المطارات التى تتخذ إجراءات أمنية صارمة، ولا يعمل فيه إلا الأشخاص الذين يتم التدقيق فى هوياتهم ومراقبتهم مراقبة شديدة من طرف الشرطة الفرنسية قبل حصولهم على الوظائف، إلا أن الصحيفة البريطانية نقلت عن مسئولين فرنسيين آخرين أن الكثير من الأشخاص تم إنهاء عقودهم أو طردهم أو إقالتهم وهم من «المتشددين المسلمين»، لأسباب عديدة كأن يرفض أحدهم حلق أو تشذيب لحيته، أو يرفض مصافحة زميلاته فى العمل، وتقدر الشرطة والمخابرات «درجة التهديد» الذى يمثله كل شخص على الأمن فى المطار.
وأضافت الصحيفة أن هجمات تشارلى إيبدو وهجمات باريس فى يناير ونوفمبر من العام الماضى، أدت إلى قيام الداخلية الفرنسية بالتحرى عن كل المسلمين العاملين فى إدارة أو أمن المطار، وإقالة كل من يمكن أن يشكل تهديداً لأمن المطار، ومع ذلك نقلت الصحيفة عن أحد رجال الأمن الفرنسى أن المشكلة لم تُحل، وأن «الإسلاميين المتشددين» لايزالون يعملون فى المطار وعلى كل المستويات.
ما جاء فى تقرير «التايمز»، يجعلنا نتوقف طويلاً أمام تقرير نشرته «فورين بوليسى» الأمريكية، التى كشفت أن مسئولين فرنسيين كشفوا أن 57 شخصا، ممن يعملون فى مطار شارل ديجول تم سحب بطاقاتهم الأمنية، بعد أن حذرت مراجعات وتحريات أمنية من تطرفهم ووجود علاقات بينهم وبين جماعات متشددة.
وأشارت فورين بوليسى إلى أنه فى حال ثبوت أن الطائرة سقطت من خلال عمل إرهابى، فإنه سيكون على السلطات حول العالم مواجهة حقيقة «خط الدفاع الأخير» لتجنب تكرار مثل تلك الأعمال الإرهابية خاصة أن مطار شارل ديجول فى باريس، كان أحد أكثر المطارات الآمنة فى أوروبا، وسيكون عليهم مواجهة الواقع القاتم بأن أمن أحد أكثر المطارات حركة وأفضلها حماية قد سقط.
وذكر التقرير أن ثبوت سقوط الطائرة بفعل عمل إرهابى، سيمثل تصعيدا جديدا وخطيرا لإمكانية الإرهابيين على استهداف الغرب، وسيؤكد أنهم وجدوا طريقة لاختراق الطبقات المتعددة من الضوابط الأمنية وإجراءات التدقيق الأمنى المشددة فى المطارات، ونجاح مثل هذا الأمر من شأنه أن يشكك فى أمن المطارات فى أوروبا والغرب بل وفى العالم كله.
هنا، تكون العودة إلى حادث مطار بروكسل واجبة، فقد ثبت أن نجيم العشراوى، الذى فجر نفسه هناك، عمل فى المطار بوظيفة مؤقتة لمدة خمس سنوات، دون أن يكتشفه أحد، بل ولم يعرف أن له أى علاقة بأى نشاط غير مشروع إلا بعد أن قام بتفجير نفسه! وهو ما يعنى أن التهديد لم يعد مقصوراً على أفراد معروفين لدى الأجهزة الأمنية أو مُدرجين فى قوائم المطلوبين، وإنما من أشخاص موجودين فى الظل، وهو ما أكدته أيضا شهادات أدلى بها منشقون عن «داعش» جاء فيها أن التنظيم الإرهابى بدأ بتأسيس خلايا نائمة فى دول أوروبية عديدة وأن هذه الخلايا تتكون من رجال ونساء ليسوا مدرجين فى أى قوائم وغير مشتبه بهم، وتدربت هذه الخلايا سراً داخل معسكرات بمدينة الرقة السورية، والعراق وبعض الجمهوريات الإسلامية فى الكتلة السوفيتية السابقة، ثم تسللت إلى أوروبا.
ونتوقف عند دراسة نشرها «توماس فولك» فى أكتوبر 2015 تحت عنوان «كيف تمكن داعش من تجنيد مقاتلين فى أوربا؟» أشار فيها إلى أن تنظيم داعش استطاع أن يحقق نجاحات هائلة من خلال إجادة استخدام الوسائل الإعلامية، التى يعتمد عليها بشكل أساسى فى استقطاب المقاتلين على الوسائل الإلكترونية وظهر ذلك فى إصدار التنظيم لكتاب إلكترونى كدليل للسفر لمناطق تمركز داعش متاح على الإنترنت باللغة الإنجليزية ليقدم نصائح للسفر إليها وهو ما يعكس ما يمتلكه التنظيم من مهارات، إضافة إلى استخدام الحسابات على تويتر من أجل جذب المقاتلين.
إضافة إلى إنشاء التنظيمات الإرهابية لعدد من المواقع التى توفر معلومات عن رؤيتها المتطرفة للإسلام والعديد من الصفحات للتنظيمات الإرهابية على تويتر وفيسبوك وقنوات اليوتيوب خاصة قناة جهاد أونلاين من أجل جذب المقاتلين لها من كافة أرجاء العالم، إلى جانب ذلك تم إطلاق عدد من القنوات المتخصصة من أجل استقطاب المرأة وحثها على الجهاد، ومن المثير أن كافة المؤشرات تعكس مدى فاعلية الحملة الإعلامية التى تدشنها داعش، خاصة فى ظل تصاعد عدد زوار منصاتهم الإعلامية بالإضافة إلى تزايد أعداد المنضمين للتنظيم.
وتأكيداً على ما سبق يرى آنيتا بريسين وألبرتو سيرفونى فى دراستهما المنشورة فى أبريل 2015 تحت عنوان «المهاجرات الغربيات لداعش» أن هناك تزايداً فى اعتماد الجماعات الإرهابية على وسائل التواصل الاجتماعى والاستخدام المكثف للانترنت من أجل بث الأفكار المتطرفة وتجنيد المقاتلين الجدد وتشكيل هوية الشباب وحثهم على «استعادة الخلافة» وفق رؤية التنظيم.
كما أشار جيمس جاى كارافانو فى دراسة عنوانها «تويتر يقتل: كيف أصبحت شبكات الإنترنت تهديداً للأمن القومى» تم نشرها فى يونيو 2015 فى مجلة ناشونال انترست، إلى أن الجماعات الإرهابية استطاعت أن تحقق ما يسمى بالاستخدام النشط لمواقع التواصل الاجتماعى فهى تعتمد كليةً عليها فى نشر ما تقوم به من أعمال عنف وبث جرائم القتل والإعدام والإبادة الجماعية التى ترتكبها بهدف الانتشار العالمى وتصدر وسائل الإعلام بالإضافة إلى استخدامها لجذب المقاتلين من جميع أنحاء العالم من خلال الدخول فى دوائر للحوار العلنى.
على مستوى آخر، تناول هاردن لانج وبيتر جول وتريفور سوتون فى دراسة تم نشرها فى نوفمبر 2015 عنوانها «مواجهة تحدى تمويل الإرهاب فى الشرق الأوسط»، طرق التمويل المتصاعد للجماعات الإرهابية، وقاموا بتحديد المصادر المالية للجماعات الإرهابية والتحولات التى طرأت عليها من الاقتصار على تلقى التبرعات والمساهمات المالية إلى الاعتماد على التمويل الذاتى، الذى يتجسًد فى استخراج الموارد والثروات من الأراضى التى يسيطرون عليها وتلقى الضرائب ممن يقع تحت سيطرتهم.. وكيف أن القوة المالية للجماعات الإرهابية لم تقتصر فقط على عمليات تكرير وتهريب النفط ولكن تحقق داعش أرباحاً متفاقمة من عمليات بيع القطع الأثرية المنهوبة حيث أشارت كافة التقديرات إلى أن ما تحصل عليه داعش من عمليات بيع الآثار يأتى فى المرتبة الثانية بعد الإيرادات النفطية مباشرة. إضافة إلى اعتماد بعض الجماعات الإرهابية فى استمرارها وقدراتها العسكرية على التمويل الذى تتلقاه من دول لها مصالح محددة وهو ما يتضح فى تمويل إيران لعدد من الميليشيات العسكرية والجماعات المسلحة فى سوريا. كما رصدت دراسات غربية عديدة تصاعد أعداد المقاتلين المنضمين للجماعات الإرهابية وتنوع الخلفيات الاجتماعية والثقافية والدينية بالإضافة إلى اختلاف جنسياتهم.
وأخيراً، نرى أنه من حقنا أن نعرف من يريد إشعال النار فى المنطقة ولماذا؟
هل محاولاتنا لاستعادة دورنا كمنطقة مركزية فى العالم جريمة نعاقب عليها؟
أم أن سقوط نظام «الإخوان» كان بالنسبة لدوائر أمريكية وبريطانية «طعنة» أصابت مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، فأرادوا أن يردوا عليها بطعنة أقسى منها؟
إننـــــــا نعرف جميعاً أن واشنطن ولندن كانتا تطمحان، إلى أن يكون نظام الإخوان فى مصر هو «الخيمة الإسلامية» التى تحتضن التيار الإسلامى فى المنطقة على أن يتكامل مع التيار الإسلامى ممثلاً فى حزب «العدالة والتنمية» فى تركيا، فيحدث التغيير الذى ينتج انضباط التطرف الإسلامى بكل مظاهره.
وضع فى اعتبارك أن واشنطن كانت تزعم دائماً أن «داعش» تنظيم إرهابى إقليمى لا يشكل خطراً على الخارج وتحديداً على الغرب!
ولا يتبقى فى النهاية غير الإشارة إلى أن مصر التى ظلت عصية على الفوضى المدمرة والصراعات والحروب الطائفية، ستظل عصية على أى محاولات تريد أن تمنعها من إعادة الاستقرار ومن السير بخطوات ثابتة نحو التقدم.
خبراء: لم نسمع عن طائرة تسقط من ارتفاع 37 ألف قدم قبل ظهور تنظيمات الإرهاب
ألكسندر بورتنيكوف مدير جهاز الأمن الروسى: لاشك أنه عمل إجرامى
الخبير الإيطالى أنطونيو بوردونى: حالة الطقس الممتازة وقت الاختفاء تشير إلى تدخل بشرى
ريشار بوارو: إما أن تكون الطائرة قد أصابها صاروخ من الشواطئ الأفريقية، أو تم تسريب قنبلة قبل إقلاعها من «شارل ديجول»
إسقاط الطائرة الروسية فى شرم الشيخ، استهدف العلاقة مع الحليف الروسى، ومعروف أن العلاقات بين مصر وروسيا شهدت تطوراً كبيراً مع وصول السيسى إلى الحكم، وتنوعت بين التعاون العسكرى والاقتصادى، وكذا التنسيق السياسى.
مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، استهدف التأثير على العلاقة المصرية مع الحليف الإيطالى، وإيطاليا -كما نعرف- هى الشريك التجارى الأوروبى الأول لمصر والثانى على مستوى العالم، وخامس دولة فى مجال الاستثمار، كما أن التبادل التجارى بينها وبين مصر يقترب من 6 مليارات دولار.
ومع حادث الطائرة المنكوبة القادمة من مطار شارل ديجول إلى القاهرة، أصبح فى حكم المؤكد أن هناك من يريد العبث بالعلاقات الخارجية لمصر.
الثابت هو أن الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند، لم يستبعد فرضية الإرهاب، وأن البرلمان الفرنسى وافق على تمديد حالة الطوارئ للمرة الثالثة، لضمان تأمين كأس الأمم الأوروبية 2016 وبطولة فرنسا للدراجات الهوائية، كما سبق للمخابرات الداخلية الفرنسية أن حذرت، من أن فرنسا صارت «هدفاً صريحاً» لتنظيم داعش، وأن التحذير تنبّأ بوقوع هجمات من «نوعية جديدة».
ألكسندر بورتنيكوف، مدير جهاز الأمن الفيدرالى الروسى، رجّح أيضا احتمال العمل الإرهابى، وفى هذا الإطار قال أنطونيو بوردونى، الخبير الإيطالى فى مجال الطيران، إن المعطيات المتوافرة عن حالة الطقس الممتازة وقت اختفاء الطائرة، وحالة الطائرة العامة، إلى خبرة الطيار مع غياب أى دليل على طلب استغاثة أو ظهور أى مؤشر غير طبيعى سيدفع فى اتجاه ترجيح كفة «الاعتداء الإرهابى»، وأشار إلى أن غياب هذه العوامل يؤدى إلى طريق واحد وهو التدخّل البشرى.
وفرضية العمل الإرهابى هى الأقرب، سبق لفرنسا أن تلقت ضربات قاسية من تنظيم داعش فى الأشهر الأخيرة.
وما من شك فى أن صفقات السلاح التى وقعتها مصر وفرنسا خلال الفترة الماضية لا تروق لبعض الدول، وبالتالى تحاول تدمير العلاقات بين الجانبين.
ونشير هنا إلى أن الرئيس الفرنسى، كان أحد أبرز الزعماء الذين حرصوا على حضور افتتاح قناة السويس الجديدة، فى رسالة واضحة على دعمه وتأييده للقيادة المصرية. وتجسد هذا الدعم والتأييد فى التناغم المصرى الفرنسى فى كثير من الملفات والمشاهد، منها حرص هولاند على زيارة مصر الشهر الماضى، فى ثانى زيارة له منذ تولى الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى مقاليد السلطة، كما أن هناك تناغماً بين البلدين فى كثير من القضايا، ومنها القضية الفلسطينية، وتجسد ذلك فى المبادرة التى أطلقها الرئيس المصرى قبل أيام للسلام بين فلسطين وإسرائيل، وهى المبادرة التى قال خبراء إنها جاءت بالتنسيق مع فرنسا، صاحبة إحدى المبادرات أيضا لإحياء عملية السلام.
واليوم بالتزامن مع اقتراب دخول حاملة الطائرات «جمال عبدالناصر» -التى كانت تعرف باسم «ميسترال» وانتقلت ملكيتها من فرنسا إلى مصر بموافقة روسية- إلى المياه الإقليمية المصرية، وفى ظل مواصلة تطوير علاقات التعاون العسكرى بين البلدين، جاء حادث سقوط الطائرة المصرية المتّجهة من باريس إلى القاهرة وعلى متنها ركاب مصريون وفرنسيون وأفراد من جنسيات أخرى.
الكارثة وقعت حين اختفت الطائرة التى كانت تقوم برحلة بين مطار باريس شارل ديجول ومطار القاهرة الدولى، عن شاشات الرادار فى الساعة 2:45 بتوقيت القاهرة وبحسب السلطات اليونانية، فإنّ الطائرة المنكوبة اختفت عن شاشات الرادار اليونانية أثناء خروجها من المجال الجوى اليونانى، ودخولها المجال الجوى المصرى.
ووفقاً لقسطنطين لتزيراكوس، مدير الطيران المدنى اليونانى، فإنّ آخر اتصال مع قائد الطائرة كان «بعد الساعة 00:05 بتوقيت جرينيتش»، وبعدها لم يجب على اتصالات المراقبين الجويين اليونانيين التى استمرت «حتى الساعة 00:29 بتوقيت جرينيتش، عندما اختفت الطائرة عن شاشات الرادار».
ولم يشر طاقم الطائرة إلى «أى مشكلة» خلال آخر اتصال أجراه معه المراقبون الجويون اليونانيون، بل كان «مزاجه جيداً وشكر محدثيه باللغة اليونانية». كما أكد المتحدث الرسمى للقوات المسلحة المصرية أن طاقم الطائرة لم يرسل أى إشارة استغاثة.
وبالنظر إلى أن الطائرة المنكوبة حديثة التصنيع نسبياً (2003)، فإن احتمالات الخلل التقنى الضخم، مثل انفجار المحرّك، تصبح ضئيلة، إضافة إلى أن الحادث وقع وسط أجواء مستقرة تماماً، سواء على المستوى الملاحى، حيث لم يبلغ قائد الطائرة عن أى خلل قبل اختفائها عن شاشات الرادار، ولا على مستوى الطقس، بحسب ما أعلنت المنظمة الأوروبية المختصة بشئون الملاحة الجوية «يوروكونترول».
وفى المقابل، فإن الظروف الأمنية السائدة، فى ظل تعاظم تهديدات الجماعات الإرهابية، وأبرزها تنظيم «داعش»، تجعل فرضية العمل الإرهابى الأكثر ترجيحاً، حيث تميل التقديرات، فى هذه الحالة، إلى فرضية التفجير بعبوة، بالنظر إلى صعوبة إسقاط طائرة تحلق على ارتفاع 37 ألف قدم، عبر صاروخ محمول على الكتف، ولكون الجماعات الإرهابية أصبحت قادرة على اختراق الثغرات الأمنية فى المطارات.
الطائرة المنكوبة تنتمى إلى مجموعة طائرات «ايرباص ايه 320»، التى سجلت منذ بدء تشغيلها سنة 1988 أكثر من 12 حادث تحطم، وهناك 6713 طائرة موجودة فى الخدمة حالياً، من طرازات (ايه 318 وايه 319 وايه 320 وايه 321)، بينها 3959 من طراز «إيه-320».
تشغيل طائرة «إيه-320» بدأ سنة 1988، وهى تُستخدم للرحلات القصيرة والمتوسطة المدى، وتنافس بشكل رئيسى طائرة «بوينج 737». وتمّ تحسين تكنولوجيتها باستمرار منذ بدء تشغيلها، حتى ظهر طراز متطور منها هو «إيه-320 نيو»، مع محرك جديد أكثر توفيراً لاستهلاك الوقود.
واعتُبرت طائرة «إيه-320» قفزة فى عالم الطيران عند إطلاقها، إذ تم تزويدها بأجهزة تحكم تتمّ إدارتها عبر جهاز كمبيوتر، ما أثار انقساماً آنذاك بين الطيارين وخصوصاً فى فرنسا، لأنّها خفّضت أعداد الطاقم من ثلاثة إلى اثنين.
وخلال خمسة أعوام من المرحلة الأولى لبدء عمل الطائرة، تم تسجيل أربعة حوادث تحطم. وقع الأول فى يونيو سنة 1988 على مدرج «مالهاوس» شرق فرنسا، حيث كانت الطائرة تحلق على علو منخفض جداً خلال رحلة تجريبية ما أدى إلى سقوط ثلاثة قتلى. وسُجل الثانى خلال محاولة هبوط فى مطار بنجالور فى الهند ما أسفر عن 92 قتيلاً، فى فبراير سنة 1990.
ووقع الحادث الثالث أيضاً خلال محاولة فاشلة للهبوط وأوقع 87 قتيلاً، سنة 1992، فى سانت أوديل قرب ستراسبورج شرق فرنسا. وفى 14 سبتمبر سنة 1993، اشتعلت النيران فى طائرة تابعة لشركة الطيران الألمانية «لوفتهانزا» أثناء هبوطها فى وارسو، ما أوقع قتيلين و54 جريحاً.
وسنة 2000، تحطمت طائرة «إيه-320» تابعة لـ«طيران الخليج» (جولف أير) قبيل هبوطها فى البحرين ما أسفر عن 143 قتيلاً.
ونتيجةً لانعدام الرؤية، تحطمت طائرة تابعة لشركة «ارمافيا» الأرمنية فى سوتشى، روسيا، فى مايو سنة 2006، بينما كانت تستعد للهبوط وقُتل 113 شخصاً.
وفى ساو باولو فى البرازيل، تحطمت طائرة تابعة لشركة «تام» البرازيلية، فى يوليو سنة 2007، أثناء الهبوط أيضاً، بعدما خرجت عن المدرج لتصطدم بمبنى فى المطار، ما أدى إلى 187 قتيلاً بين الركاب و12 قتيلاً كانوا داخل المبنى.
وسنة 2010 وبسبب سوء الرؤية أيضاً، قتل 152 شخصاً كانوا على متن طائرة تابعة لشركة «ايربلو» الباكستانية، فى الجبال القريبة من إسلام اباد.
وفى 28 ديسمبر سنة 2014، تحطمت طائرة «إيه-320» تابعة لشركة «أير ايجيا»، فى بحر جاوا، ما أدى إلى مقتل 162 شخصاً، وقال المحققون حينها إنّ عطلاً فنياً تسبب بالحادث.
وتحطمت طائرة تابعة لشركة «جيرمان وينجز» الألمانية فى جبال الألب الفرنسية، فى 24 مارس سنة 2015، ما أدى إلى مقتل ركابها الـ150 وبينهم 72 ألمانياً و50 إسبانياً.. وأوضح المحققون حينها أن مساعد الطيار الألمانى، الذى كان يعانى من اضطرابات نفسية، تعمّد إسقاط الطائرة.
فى 31 أكتوبر الماضى، تحطمت طائرة «ايرباص إيه-321»، تابعة لشركة «ميتروجيت» الروسية فى سيناء أثناء رحلتها بين منتجع شرم الشيخ المصرى وسانت بطرسبورج، ما أدّى إلى مقتل 224 شخصاً كانوا على متنها من الركاب وأفراد الطاقم.
وبينما لا تزال التحقيقات بشأن سقوط طائرة «مصر للطيران»، فى البحر المتوسط جارية، اهتمت غالبية الصحف الأجنبية (والفرنسية تحديدا) بالحادث وأفردت له مساحات كبيرة، وركزت على سيناريو الإرهاب واستهداف العلاقات المصرية الفرنسية، كما طرحت العديد من الأسئلة عن مدى قدرة الإرهابيين على اختراق الأنظمة الأمنية الحديثة فى المطارات.
فكان عنوان الصفحة الأولى لصحيفة ليبراسيون: «الرحلة MS804 تحطم وفرضيات عدة: حادث أم اعتداء؟».. وقالت الصحيفة إن «كل الاحتمالات واردة حتى لو كانت فرضية الاعتداء الإرهابى تبدو الأكثر ملاءمة للواقع».
ورأى كاتب التقرير «ريشار بوارو»، إن «التسليم بفرضية الاعتداء الإرهابى يفتح الباب أمام احتمالين: وهو إما أن تكون الطائرة قد أصابها صاروخ أطلق من الشواطئ الأفريقية، أو أن يكون قد تم تسريب قنبلة إلى الطائرة قبل إقلاعها من مطار «شارل ديجول».
كما سلطت الصحيفة الضوء على تعاظم الشعور بالخوف من التهديد الإرهابى لدى طواقم شركة الطيران الفرنسية «إير فرانس» ما دفع البعض لرفض العمل على متن الرحلات التى تشكل خطراً، ومنها تلك المتوجهة لمصر أو تونس أو الجزائر، مشيرة بشكل خاص إلى أن تحطم الطائرة يشكل ضربة قاسية للسياحة فى مصر التى تعانى منذ فترة.
ورجحت صحيفة «لوفيجارو» فرضية الاعتداء الإرهابى، مشيرة إلى ما كشفه المدير العام للأمن الداخلى الفرنسى باتريك كالفار، الذى كان قد حذّر قبل عشرة أيام خلال جلسة مغلقة أمام لجنة الدفاع النيابية الفرنسية من أن تنظيم «داعش» يجهّز لاعتداءات جديدة على فرنسا التى وصفها بأنها أكثر البلدان عرضة لخطر الإرهاب.
وقالت الصحيفة فى افتتاحيتها التى جاءت تحت عنوان «حادث القاهرة باريس.. تفجير للمسار»، إن مصر وفرنسا حلفاء بشكل مباشر فى مواجهة الإرهاب، وإن الدولتين تواجهان العدو نفسه والمتمثل فى تنظيم «داعش» والجماعات الجهادية الإسلامية.. متسائلة ما إذا كان الهدف هو «ضرب التحالف القوى بين فرنسا ومصر فى مجال محاربة الإرهاب؟».
وأضافت الصحيفة، أن انخراط الدولتين المباشر فى مكافحة الإرهاب جعلهما هدفا للجماعات الإرهابية خلال الشهور الأخيرة، ما عزز التقارب العسكرى بين البلدين منذ انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، والذى برز من خلال توقيع عقود شراء تجهيزات فرنسية حربية منها مقاتلات رافال وحاملة الطائرات ميسترال. معتبرة أن «داعش» والجماعات الجهادية هما العدو الأول لكلا البلدين.
وعلى وقع المخاوف من استهداف الإرهاب لفرنسا مجددا ولاسيما مع قرب تنظيمها لحدث رياضى أوروبى بارز وهو كأس الأمم الأوروبية، دعت الصحيفة فى افتتاحيتها إلى مطالبة الدولة، بمنع تجمعات مشجعى كرة القدم خلال كأس الأمم الأوروبية التى تستضيفها فرنسا من العاشر من يونيو المقبل حتى العاشر من يوليو.
فى السياق ذاته، وتحت تساؤل «هل العلاقات القوية بين فرنسا ومصر هى المستهدفة؟»، لم تستبعد صحيفة «لى زيكو» هذا السيناريو، وقالت إنه فى حال صحت فرضية الاعتداء الإرهابى فى حادث الطائرة، فإنه من غير المستبعد أن تكون العلاقات القوية بين فرنسا ومصر هى المستهدفة. ونقلت الصحيفة عن الباحثة فى المعهد الفرنسى للعلاقات الدولية منصورية مخفى، قولها إنه لو صحت هذه الفرضية فإن ضرب طائرة متوجهة من باريس إلى القاهرة يحمل دلالات قوية من الناحية الرمزية»، مشيرة إلى أن القاهرة تعد رابع ركن من أركان سياسة فرنسا العربية بعد الرياض وأبوظبى والرباط.
من جهتها، اعتمدت صحيفة هافنجتون بوست فى نسختها الفرنسية، فرضية تفجير الطائرة من الداخل؟!.. وقالت إن «هذا الاحتمال لايزال المرجح من قبل بعض خبراء الطيران، ونقلت عن جان بول ترودس، رئيس هيئة التحقيق والتحليل لسلامة الطيران المدنى الفرنسى قوله «قد يكون هذا الحادث نتيجة لهجوم».
ولفت ترودس إلى أن فرضية وجود عطل فى المحرك أو مشكلة فنية مستبعدة، لأنها لا تؤدى إلى وقوع حادثة فجائية، فضلا عن أنه يرى أن الطائرة المصرية «A320» حديثة وبالتالى جودة السلامة فيها وخضوعها للصيانة يجعلها لا تتأثر بهذه السرعة، وأضاف «نعتقد بقوة أنه قد وقع هجوم على متن الطائرة باستخدام قنبلة أو هجوم انتحارى».
وعن إمكانية تمرير قنبلة أو مرور انتحارى فى مطار باريس، نقلت «ليبراسيون» عن خبير الطيران جيرار أرنو، قوله «رغم أن هذه الفرضية تبعث على القلق، إلا أن الخبراء يتفقون على أن أنظمة أمن المطارات ليست مضمونة، فأى شخص يمكن أن يجلب قنبلة على متن طائرة».
وأثار أرنو احتمال وجود عمل منظم بتواطؤ من ضباط أمن المطار، وفسر ذلك قائلا «تتم مراقبة الموظفين دائماً، لكن حين لا تكون المطارات محصنة ومراقبة بمعدات مناسبة مثل الكاميرات، يمكن لأى شخص أن يعبر أى سياج أو عائق».
وذهب سيباستيان كارون، الرئيس التنفيذى لشركة استشارات أمن الطيران الدولية ASCT إلى الرأى ذاته، وقال لصحيفة «لوريون لوجور» إنه «فى معظم الحالات سواء كانت هجمات أو مجرد محاولات، نحن نتعامل مع تواطؤ يحدث مع موظفى المطار، فحامل الحقائب يمكنه بسهولة بعد فحص جميع الأمتعة أن يضيف حقيبة مفخخة بين حقائب المسافرين».
وفى اتجاه آخر، خصصت صحيفة «لو بارزيان» غلافها لضحايا الطائرة والصدمة التى تعرضوا لها، قائلة: «كان يمكن لأى شخص أن يكون فى عداد ضحايا الطائرة».
وكتبت الصحيفة فى افتتاحيتها، «إن تحطم حياة أسر الضحايا يجعل من هؤلاء المجهولين أقرباء لنا، إنهم يمثلون إنسانية بريئة ضحية العطل الفنى أو الإرهاب».. وخلصت «لوباريزيان» إلى ضرورة استحداث حلول ملموسة تتعلق بالأمن الجوى حتى لا ندع الخوف يستوطن العقول».
ونشرت الصحيفة صور عدد من الضحايا وروت سيرتهم مركزة على أحد الضحايا والذى يدعى أحمد هلال «40 عاما»، وهو مدير معمل شركة «بروكتر أند جمبل» العالمية فى مدينة «أميان» الفرنسية، وقالت الصحيفة عنه بعد وصفه بالمدير المحبوب بين العمال، إنه ركب الطائرة لزيارة والده المريض فى مصر، ثم فجأة واجه نهايته فى البحر المتوسط. مشيرة إلى شهادات بعض الموظفين معه عن إنسانيته.
وما بين فرضية العمل الإرهابى والخلل الفنى، تراوحت تفسيرات أغلبية الصحف الأمريكية والبريطانية والإيطالية، فتحت عنوان «سقوط الركاب من ارتفاع 37 ألف قدم ومقتلهم»، أبرزت صحيفة «التايمز» البريطانية على صدر صفحتها الأولى، عقب سقوط الطائرة، التكهنات التى تشغل وكالات المخابرات الغربية حول أسباب حادث سقوط رحلة طائرة مصر للطيران رقم 804، فوق البحر المتوسط أثناء قيامها برحلة من باريس إلى القاهرة.
ونقلت الصحيفة عن ضابط فى المخابرات الأمريكية قوله إن «الولايات المتحدة تعتقد أن انفجارا داخل الطائرة وراء سقوطها، لكن ما يجب معرفته الآن: هل حدث ذلك نتيجة عطل تقنى أم أنه ناتج عن عمل إرهابى؟»، إلا أن مسئولين آخرين من عدة أجهزة أمريكية، أكدوا أن مراجعة أمريكية لصور التقطتها أقمار صناعية لم تُظهر حتى الآن أى مؤشرات عن حدوث أى انفجار على متن طائرة، وفقا لصحيفة «هافينجتون بوست» الأمريكية.
وقال المسئولون الذين تحدثوا عن أمور خاصة بالمخابرات، مشترطين عدم الكشف عن أسمائهم: إن هذه النتيجة جاءت فى أعقاب فحص أولى للصور، وحذروا من تقارير لوسائل إعلام تلمح إلى أن واشنطن تعتقد أن تحطم الطائرة حدث بسبب قنبلة. وأضاف المسئولون أن الولايات المتحدة لم تستبعد أى أسباب محتملة للحادث.
من جهتها، نقلت صحيفة «الجارديان» البريطانية عن كبير المحققين اليونانى فى حادث الطيران، اثاناسيوس بينيس، إن التحقيقات فى أسباب الحادث يمكن أن تبدأ بشكل صحيح فقط عند الوصول إلى الصناديق السوداء للطائرة، مستبعدا أن تكون الظروف الجوية سببا فى الحادث. وقال بينيس «هناك ثلاثة أسباب تجعل الطائرة تسقط، هى الطقس، وأسباب فنية، والعنصر البشرى»، مشيرا إلى أن السبب الأول تم استبعاده لأن الطقس كان جيدا، وسيُعرف ما إذا كان السبب عنصرا فنيا أو بشريا، من خارج أو داخل الطائرة، «كل الاحتمالات مفتوحة»، على حد قوله.
وفى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، قال تقرير لها، إن الحادث أعاد المخاوف والتكنهات حول أمان الطيران المصرى، والذى كان له تاريخ من الهفوات، فضلا عن شبح الخرق الأمنى فى باريس حيث أقلعت الطائرة من هناك، مضيفة أن غموض اختفاء الطائرة رفع التساؤلات الأوسع بشأن حساسية السفر بالطيران المدنى للإرهاب.
وفى سياق متصل، قال رئيس اللجنة البرلمانية لأمن الدولة الإيطالى، جاكومو ستوكى إنه «لا يستبعد فرضية الإرهاب فيما يخص سقوط الطائرة المصرية»، مضيفاً «نتلقى الآن سلسلة من المعلومات تجعلنا نأخذ هذه الفرضية (عامل الإرهاب) فى الاعتبار، بحسب وكالة «آكى» الإيطالية.
وتابع ستوكى: «فى الساعات المقبلة سنكون على تواصل مع أجهزة المخابرات، كما أخطرنا وكالة المعلومات الخارجية والأمن الإيطالية لمتابعة الأمر معنا».
من جانبه، قال الخبير الإيطالى، أنطونيو بوردونى إن المعطيات المتوافرة عن حالة الطقس الممتازة وقت اختفاء الطائرة، وخبرة الطيار مع غياب أى دليل على طلب استغاثة تدفعنا فى اتجاه واحد وهو «ترجيح كفة الاعتداء الإرهابى».
وأضاف بوردونى فى مقابلة مع صحيفة «لا ستامبا» الإيطالية أن «غياب هذه العوامل يؤدى إلى طريق واحد وهو التدخل البشرى»، متسائلاً «أى تدخل بشرى؟!.. هل هو تفجير؟!.. أم عوامل أخرى؟!».
وعن الجوانب الفنية المتعلقة بسقوط الطائرة، قال ريتشارد كويست، محلل السلامة الجوية ومقدم برنامج «كويست مينز بيزنس» على شبكة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية: إن «الطائرات لا تسقط من السماء هكذا دون أى سبب وخصوصاً خلال أكثر أجزاء الرحلة أماناً وهو التحليق على ارتفاع مثل 37 ألف قدم».
أما خبير الطيران جيرار فيلدزير، فرأى أنه «يبدو وارداً أن هناك خطأ تقنياً رئيسياً وقع كانفجار محرك الطائرة، على سبيل المثال»، ما يثير تساؤلات حول طائرة ايرباص 320 التى دخلت الخدمة عام 2003»، مشيرا فى الوقت ذاته إلى أن «الطائرة لديها سجل ممتاز من حيث السلامة، وهى أكثر الطائرات متوسطة المدى مبيعاً فى العالم»، فهذا الطراز يقلع أو يهبط كل 30 ثانية حول العالم»، وفقا لما نقلته صحيفة «تليجراف» البريطانية.
عودة إلى صحيفة التايمز البريطانية التى أفردت صفحتين كاملتين لتغطية آخر التطوراًت فى مأساة الطائرة، خاصة خبر العثور على أشلاء بعض الضحايا وبقايا الطائرة. ونقلت الصحيفة تفاصيل آخر اللحظات لقبطان الطائرة المصرى محمد سعيد شقير البالغ من العمر 36 سنة قبل أن يباشر عمله قائدا لتلك الرحلة.
ذكرت «التايمز» أن محمد كان يتحدث عبر الانترنت مع أصدقائه وبعض زملائه فى القاهرة من فندقه بباريس قبيل بدء الرحلة، حيث طمأنهم أن كل شىء على ما يرام وحالة الطقس جيدة جدا، لكنه لم يكن يعلم أن الرحلة لن تصل إلى الوجهة التى كانت مقررة لها، وينتهى كل شىء بسقوطها فى البحر.
لكن الصحيفة اهتمت أيضا بما يجرى حاليا فى مطار شارل ديجول، ومنه نقل آدام ساج «مراسل الصحيفة» أن الأمن الفرنسى يحلل صور كاميرات المراقبة فى المطار، لتحديد ما إن كان هناك عمال أو موظفون يحتمل تورطهم فى قضية سقوط الطائرة.
ورغم أن «التايمز» نقلت عن مسئولين فرنسيين أن مطار شارل ديجول من أكثر المطارات التى تتخذ إجراءات أمنية صارمة، ولا يعمل فيه إلا الأشخاص الذين يتم التدقيق فى هوياتهم ومراقبتهم مراقبة شديدة من طرف الشرطة الفرنسية قبل حصولهم على الوظائف، إلا أن الصحيفة البريطانية نقلت عن مسئولين فرنسيين آخرين أن الكثير من الأشخاص تم إنهاء عقودهم أو طردهم أو إقالتهم وهم من «المتشددين المسلمين»، لأسباب عديدة كأن يرفض أحدهم حلق أو تشذيب لحيته، أو يرفض مصافحة زميلاته فى العمل، وتقدر الشرطة والمخابرات «درجة التهديد» الذى يمثله كل شخص على الأمن فى المطار.
وأضافت الصحيفة أن هجمات تشارلى إيبدو وهجمات باريس فى يناير ونوفمبر من العام الماضى، أدت إلى قيام الداخلية الفرنسية بالتحرى عن كل المسلمين العاملين فى إدارة أو أمن المطار، وإقالة كل من يمكن أن يشكل تهديداً لأمن المطار، ومع ذلك نقلت الصحيفة عن أحد رجال الأمن الفرنسى أن المشكلة لم تُحل، وأن «الإسلاميين المتشددين» لايزالون يعملون فى المطار وعلى كل المستويات.
ما جاء فى تقرير «التايمز»، يجعلنا نتوقف طويلاً أمام تقرير نشرته «فورين بوليسى» الأمريكية، التى كشفت أن مسئولين فرنسيين كشفوا أن 57 شخصا، ممن يعملون فى مطار شارل ديجول تم سحب بطاقاتهم الأمنية، بعد أن حذرت مراجعات وتحريات أمنية من تطرفهم ووجود علاقات بينهم وبين جماعات متشددة.
وأشارت فورين بوليسى إلى أنه فى حال ثبوت أن الطائرة سقطت من خلال عمل إرهابى، فإنه سيكون على السلطات حول العالم مواجهة حقيقة «خط الدفاع الأخير» لتجنب تكرار مثل تلك الأعمال الإرهابية خاصة أن مطار شارل ديجول فى باريس، كان أحد أكثر المطارات الآمنة فى أوروبا، وسيكون عليهم مواجهة الواقع القاتم بأن أمن أحد أكثر المطارات حركة وأفضلها حماية قد سقط.
وذكر التقرير أن ثبوت سقوط الطائرة بفعل عمل إرهابى، سيمثل تصعيدا جديدا وخطيرا لإمكانية الإرهابيين على استهداف الغرب، وسيؤكد أنهم وجدوا طريقة لاختراق الطبقات المتعددة من الضوابط الأمنية وإجراءات التدقيق الأمنى المشددة فى المطارات، ونجاح مثل هذا الأمر من شأنه أن يشكك فى أمن المطارات فى أوروبا والغرب بل وفى العالم كله.
هنا، تكون العودة إلى حادث مطار بروكسل واجبة، فقد ثبت أن نجيم العشراوى، الذى فجر نفسه هناك، عمل فى المطار بوظيفة مؤقتة لمدة خمس سنوات، دون أن يكتشفه أحد، بل ولم يعرف أن له أى علاقة بأى نشاط غير مشروع إلا بعد أن قام بتفجير نفسه! وهو ما يعنى أن التهديد لم يعد مقصوراً على أفراد معروفين لدى الأجهزة الأمنية أو مُدرجين فى قوائم المطلوبين، وإنما من أشخاص موجودين فى الظل، وهو ما أكدته أيضا شهادات أدلى بها منشقون عن «داعش» جاء فيها أن التنظيم الإرهابى بدأ بتأسيس خلايا نائمة فى دول أوروبية عديدة وأن هذه الخلايا تتكون من رجال ونساء ليسوا مدرجين فى أى قوائم وغير مشتبه بهم، وتدربت هذه الخلايا سراً داخل معسكرات بمدينة الرقة السورية، والعراق وبعض الجمهوريات الإسلامية فى الكتلة السوفيتية السابقة، ثم تسللت إلى أوروبا.
ونتوقف عند دراسة نشرها «توماس فولك» فى أكتوبر 2015 تحت عنوان «كيف تمكن داعش من تجنيد مقاتلين فى أوربا؟» أشار فيها إلى أن تنظيم داعش استطاع أن يحقق نجاحات هائلة من خلال إجادة استخدام الوسائل الإعلامية، التى يعتمد عليها بشكل أساسى فى استقطاب المقاتلين على الوسائل الإلكترونية وظهر ذلك فى إصدار التنظيم لكتاب إلكترونى كدليل للسفر لمناطق تمركز داعش متاح على الإنترنت باللغة الإنجليزية ليقدم نصائح للسفر إليها وهو ما يعكس ما يمتلكه التنظيم من مهارات، إضافة إلى استخدام الحسابات على تويتر من أجل جذب المقاتلين.
إضافة إلى إنشاء التنظيمات الإرهابية لعدد من المواقع التى توفر معلومات عن رؤيتها المتطرفة للإسلام والعديد من الصفحات للتنظيمات الإرهابية على تويتر وفيسبوك وقنوات اليوتيوب خاصة قناة جهاد أونلاين من أجل جذب المقاتلين لها من كافة أرجاء العالم، إلى جانب ذلك تم إطلاق عدد من القنوات المتخصصة من أجل استقطاب المرأة وحثها على الجهاد، ومن المثير أن كافة المؤشرات تعكس مدى فاعلية الحملة الإعلامية التى تدشنها داعش، خاصة فى ظل تصاعد عدد زوار منصاتهم الإعلامية بالإضافة إلى تزايد أعداد المنضمين للتنظيم.
وتأكيداً على ما سبق يرى آنيتا بريسين وألبرتو سيرفونى فى دراستهما المنشورة فى أبريل 2015 تحت عنوان «المهاجرات الغربيات لداعش» أن هناك تزايداً فى اعتماد الجماعات الإرهابية على وسائل التواصل الاجتماعى والاستخدام المكثف للانترنت من أجل بث الأفكار المتطرفة وتجنيد المقاتلين الجدد وتشكيل هوية الشباب وحثهم على «استعادة الخلافة» وفق رؤية التنظيم.
كما أشار جيمس جاى كارافانو فى دراسة عنوانها «تويتر يقتل: كيف أصبحت شبكات الإنترنت تهديداً للأمن القومى» تم نشرها فى يونيو 2015 فى مجلة ناشونال انترست، إلى أن الجماعات الإرهابية استطاعت أن تحقق ما يسمى بالاستخدام النشط لمواقع التواصل الاجتماعى فهى تعتمد كليةً عليها فى نشر ما تقوم به من أعمال عنف وبث جرائم القتل والإعدام والإبادة الجماعية التى ترتكبها بهدف الانتشار العالمى وتصدر وسائل الإعلام بالإضافة إلى استخدامها لجذب المقاتلين من جميع أنحاء العالم من خلال الدخول فى دوائر للحوار العلنى.
على مستوى آخر، تناول هاردن لانج وبيتر جول وتريفور سوتون فى دراسة تم نشرها فى نوفمبر 2015 عنوانها «مواجهة تحدى تمويل الإرهاب فى الشرق الأوسط»، طرق التمويل المتصاعد للجماعات الإرهابية، وقاموا بتحديد المصادر المالية للجماعات الإرهابية والتحولات التى طرأت عليها من الاقتصار على تلقى التبرعات والمساهمات المالية إلى الاعتماد على التمويل الذاتى، الذى يتجسًد فى استخراج الموارد والثروات من الأراضى التى يسيطرون عليها وتلقى الضرائب ممن يقع تحت سيطرتهم.. وكيف أن القوة المالية للجماعات الإرهابية لم تقتصر فقط على عمليات تكرير وتهريب النفط ولكن تحقق داعش أرباحاً متفاقمة من عمليات بيع القطع الأثرية المنهوبة حيث أشارت كافة التقديرات إلى أن ما تحصل عليه داعش من عمليات بيع الآثار يأتى فى المرتبة الثانية بعد الإيرادات النفطية مباشرة. إضافة إلى اعتماد بعض الجماعات الإرهابية فى استمرارها وقدراتها العسكرية على التمويل الذى تتلقاه من دول لها مصالح محددة وهو ما يتضح فى تمويل إيران لعدد من الميليشيات العسكرية والجماعات المسلحة فى سوريا. كما رصدت دراسات غربية عديدة تصاعد أعداد المقاتلين المنضمين للجماعات الإرهابية وتنوع الخلفيات الاجتماعية والثقافية والدينية بالإضافة إلى اختلاف جنسياتهم.
وأخيراً، نرى أنه من حقنا أن نعرف من يريد إشعال النار فى المنطقة ولماذا؟
هل محاولاتنا لاستعادة دورنا كمنطقة مركزية فى العالم جريمة نعاقب عليها؟
أم أن سقوط نظام «الإخوان» كان بالنسبة لدوائر أمريكية وبريطانية «طعنة» أصابت مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، فأرادوا أن يردوا عليها بطعنة أقسى منها؟
إننـــــــا نعرف جميعاً أن واشنطن ولندن كانتا تطمحان، إلى أن يكون نظام الإخوان فى مصر هو «الخيمة الإسلامية» التى تحتضن التيار الإسلامى فى المنطقة على أن يتكامل مع التيار الإسلامى ممثلاً فى حزب «العدالة والتنمية» فى تركيا، فيحدث التغيير الذى ينتج انضباط التطرف الإسلامى بكل مظاهره.
وضع فى اعتبارك أن واشنطن كانت تزعم دائماً أن «داعش» تنظيم إرهابى إقليمى لا يشكل خطراً على الخارج وتحديداً على الغرب!
ولا يتبقى فى النهاية غير الإشارة إلى أن مصر التى ظلت عصية على الفوضى المدمرة والصراعات والحروب الطائفية، ستظل عصية على أى محاولات تريد أن تمنعها من إعادة الاستقرار ومن السير بخطوات ثابتة نحو التقدم.