ياسر بركات يكتب عن: الصراع بين الاتحاد الأوروبى وأمريكا على «فلوس» العرب
لأول مرة فى الصحافة المصرية
349 شركة بريطانية تعمل فى السعودية.. والإمارات تستثمر 5 مليارات جنيه إسترلينى فى لندن
بالأرقام.. ممتلكات قطر فى بريطانيا وألمانيا:
محلات «هارودز» وقرية تشيلسى وبرج «ذا شارد»
نكشف كيف استحوذت الدوحة على «فولكسفاجن» للسيارات و«سيمنز» للتكنولوجيا
ما الذى يفعله الوضع الاقتصادى المتردى فى دول الاتحاد الأوروبى؟!
فى الإجابة عن السؤال إجابات لكل الأسئلة أو الألغاز التى تثيرها مواقف الدول الأوروبية من دول المنطقة العربية وعلى رأسها مصر.
فإذا وضعنا خطوطاً تحت كون تدفقات رؤوس الأموال الخليجية، القطرية بصفة خاصة، هى إحدى الأدوات المهمة التى تراهن عليها القارة العجوز للخروج من كبوتها، تكون بعض الألغاز قد تكشفت. وبإضافة ما راهن كثير من الدول الأوروبية على الفوز بعقود إعمار أو إعادة بناء ثلاث دول، على الأقل، تم تدميرها خلال السنوات الخمس الماضية يظهر ما تبقى من جوانب الصورة، وبوضع مصر كطرف رئيسى وأساسى فى كل تلك المعادلات، يمكننا أن نفهم سر التباين فى المواقف، وكيف أن دولاً تتأرجح فى مواقفها بين حين وآخر!
وما من شك فى أن قوة الدول من الناحية السياسية، سواء كان ذلك على مستوى سياساتها الداخلية أو الخارجية تستند إلى حجم الموارد التى يمكن توفيرها أو الحصول عليها وكيفية استغلالها لتحقيق أهداف الدولة، سواء كانت تلك الموارد طبيعية أو صناعية، مادية أو معنوية، صلبة أو ناعمة، والمتتبع لشكل التغيرات والتحولات فى هياكل البناء السياسى للدول يجد تطوراً وتجديداً فى شكل وطبيعة تلك المصادر والموارد.
كما أن المتتبع لتقدير موارد القوة السياسية لدول الاتحاد الأوروبى يجد وبشكل واضح تفاوتاً ملحوظاً بين تلك التى كانت تعد موارد القوة فى الفترة من القرن الـ16 إلى القرن الـ19، وفى القرنين 20-21 وإن كانت الموارد التقليدية لم تتراجع كثيراً فى أهميتها ومكانتها الجيوسياسية، إلا أنها لم تعد تشكل من وجهة نظر الكثيرين المورد الأكثر أهمية والأكثر قدرة على السيطرة.
فإذا كانت الحروب قديماً هى اللعبة النهائية التى كانت تتم ممارستها على مائدة السياسة الدولية، ومن خلالها يتم إثبات القوة النسبية، فمع التطور التكنولوجى تغيرت كثيراً موارد القوة، كما أن أساسياتها تباعدت بشكل ملحوظ عن القوة العسكرية، ولا نبالغ لو قلنا إن عدداً كبيراً من الدول صار يتحكم فيها ويضبط حركتها قطيع إليكترونى من المستثمرين المسيطرين على وصولها إلى رأس المال من عدمه!
باختصار، يمكننا أن نقول إن القوة السياسية للدول فى القرن الـ21 تكمن فى قدرة الدول على استغلال موارد القوة لديها بطريقة مؤثرة وجاذبة للغير وليست مدمرة لهم، وفى الكيفية التى ستتمكن بها من توزيع تلك القوة بين الداخل والخارج، وفى إدراك وفهم موازين القوة ومعالجتها وترجمتها الترجمة الصحيحة، وليست العبرة فى ذلك بالمساحة الجغرافية الشاسعة، أو فى كثرة عدد السكان، أو وجود موارد اقتصادية أو قوة عسكرية.
من هنا، ظهرت أصوات تطالب بالسعى إلى إيجاد حلول تنقذ دول العالم من الأزمة الطاحنة الراهنة، ومع أن الدول التى تمسك بعصب الاقتصاد العالمى تتحرك بما يخدم مصالحها القومية، إلا أنهم زعموا أو روجوا أن هدفهم اتخاذ قرارات من شأنها أن تسهم فى تعافى الاقتصاد العالمى كله، وأنهم سيراعون الوضع الخطير الذى تمر به الدول الأضعف مالياً واقتصادياً.
هكذا، حاولوا تمرير أو تبرير خطوات وإجراءات على مستوى العالم، ومنها مبادرات لرؤساء دول كبرى تحاول أن تضع بدائل، أو تقترح خطوات لتحريك الاقتصاد العالمى، وهناك معالجات وإن بدت داخلية، إلا أنها يمكن أن تنعكس على حركة الاقتصاد فى العالم كله.
ولعل المثال الأبرز على ذلك، قيام البنك الدولى، مثلاً، بخفض تقديراته للنمو العالمى لعام 2016 بشكل كبير مفسراً بذلك المخاوف التى يثيرها الأداء «المخيب للآمال» لدول ناشئة كبرى مثل الصين والبرازيل. وقال البنك إن نمو إجمالى الناتج الداخلى العالمى الذى سجل ارتفاعاً نسبته 2,4٪ فى 2015، لن يتقدم هذا العام أكثر من 2,9٪ خلال السنة الجارية، وهو ما يعنى خفض تقديرات نشرها البنك فى يونيو الماضى.
وذكر تقرير للبنك الدولى أن «تزايد الضعف المتزامن للأسواق الناشئة الكبرى يهدد أهداف خفض الفقر (...) لأن هذه الدول كانت المساهم الأكبر فى النمو العالمى فى السنوات العشر الأخيرة».
وحذر كبير اقتصاديى البنك الدولى كاوشيك باسو من «تصدعات تحت السطح» مشيراً إلى التهديد الذى تشكله «تحركات خطيرة لرؤوس الأموال فى العالم»، وخفض البنك الدولى بنسبة 0,3٪ تقديراته لنمو أفريقيا جنوب الصحراء التى تأثرت بخفض أسعار المواد الأولية وتراجع الطلب الصينى، الذى سيبلغ 4,2٪، وتتطابق هذه الصورة المتشائمة التى رسمها البنك الدولى مع توقعات صندوق النقد الدولى الذى كانت مديرته كريستين لاجارد قد صرحت فى نهاية ديسمبر الماضى بأن «النمو فى 2016 سيكون مخيباً للآمال».
على أن المتضرر الأكبر سيكون دول الاتحاد الأوروبى التى تواجه تحديات كبيرة قد تؤثر بالسلب على مستقبل الاتحاد، خصوصاً مع تنوع واختلاف المشاكل والأزمات، التى ساهمت فى تفاقم الخلافات بين الدول الأوروبية بدءاً من أزمة الديون والأزمة الاقتصادية وصولاً إلى موضوع اللاجئين، وتلويح بريطانيا بالانفصال عن الاتحاد وغيرها.
فسرعان ما حدث انخفاض حاد فى قيمة الجنيه الإسترلينى بإعلان الحكومة البريطانية عن استفتاء على عضوية بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى فى 23 من يونيو القادم، ومن المحتمل أن يستمر تقلب سعر صرف الجنيه حتى موعد الاستفتاء، وأن يزداد حدةً فى اللحظات التى تبدو فيها احتمالية التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى أكبر. وربما تكون النتيجة أن يدفع عدم استقرار السوق والسياسة الناخبين البريطانيين إلى رفض الاتحاد الأوروبى، الأمر الذى ستكون عواقبه خطيرة للغاية عليهم وعلى الأوروبيين معاً.
فدائماً، كانت قيمة الجنيه الإسترلينى الخارجية، تمثل هوساً قومياً فى المملكة المتحدة وكانت أزمات العملة تدمر مصداقية الحكومات وتأتى بخراب سياسى بصورة دورية. ففى أغسطس 1931، منتصف فترة الكساد العظيم، أجبرت الأزمةٌ المالية والطلب الزائد على الجنيه الإسترلينى حكومة حزب العمال بقيادة رئيس الوزراء رامزى ماكدونالد على الاستقالة، وحلّت محلها حكومة ائتلافية.
كما انهارت حكومة أخرى لحزب العمال بقيادة هارولد ويلسن سنة 1967 بسبب انخفاض قيمة العملة الذى حدث بفعل هجمة مضاربة، فخسر حزب العمال الانتخابات العامة اللاحقة. ثم استرد الحزب السلطة سنة 1974، ولكن أصابت بريطانيا خلال عامين أزمة عملة أخرى، كانت كبيرة هذه المرة بما يكفى لتطلب بريطانيا دعماً من صندوق النقد الدولى، وخسر حزب العمال الانتخابات التالية.
ولم يتفرد حزب العمال بأزمات المصداقية من هذا النوع. إذ كانت بريطانيا فى ظل حكومة رئيس الوزراء جون ميجور المحافظة عندما صدمها (الأربعاء الأسود) سنة 1992، وأُجبر الجنيه على الخروج من آلية سعر الصرف الأوروبية، التى سبقت اليورو، وبرغم تمكن المحافظين من الفوز بانتصار محدود فى الانتخابات التالية، إلا أن الانقسام الداخلى فى الحزب حول الاندماج الأوروبى ازداد، وبحلول نهاية تسعينيات القرن الماضى كان حزب العمال قد عاد إلى السلطة وظل فيها لأكثر من عشر سنوات.
واليوم، يواجه الاقتصاد البريطانى مخاطر جسيمة، وتقلبات سعر الصرف تمثل تحدياً خطيراً قصير المدى للسياسة النقدية، والأخطر هو احتمالية أن يتسبب عدم الاستقرار السياسى فى المرحلة السابقة على الاستفتاء فى تراجع الأجانبَ عن شراء الأصول البريطانية، وهى مشكلة كبرى لدولة ذات عجز كبير فى الموازنة، كما ستمثل احتمالية الخسائر الناتجة عن سعر الصرف المتناقص عائقاً آخر، من المحتمل أن يدفع المملكة المتحدة نحو حلقة مفرغة من انهيار الثقة.
وهذا الانهيار الاقتصادى قد يضرب مصداقية حكومة حزب المحافظين برئاسة ديفيد كاميرون.
وإذا كانت احتمالية الاستفتاء وحدها كافية لدفع المملكة المتحدة نحو مأزق اقتصادى خطير، فإنها أيضاً سوف تنال من قوة الحكومة التى اقترحت الاستفتاء ومن المجموعة التى شنت حملة كى تزيد الوضع سوءاً، وسيواجه حزب المحافظين نوعاً من الصراعات الداخلية كتلك التى دمرت حزب العمال بعد 1931 ودمرته ثانيةً بعد 1976.
هذه الدراما السياسية البريطانية تمثل مصدراً للإحباط والمرارة لدى بقية دول أوروبا، ففى الوقت الذى يواجه فيه الاتحاد الأوروبى الكثير من التحديات العصيبة، كان آخر ما يحتاجه من مفاوضات مطولة وغريبة حول تغييرات شروط عضوية المملكة المتحدة التى طالبت بها حكومة كاميرون، وكما دعا بعض السياسيين الأوروبيين خلال أزمة الديون اليونانية إلى بتر العضو المريض، ربما ينفد صبر عدد متزايد منهم مع تدهور وضع المملكة المتحدة الاقتصادى، وربما يكون خروجها فرصة لأوروبا فى بداية جديدة، فرصة ربما يفكر قادة الاتحاد الأوروبى فى اقتناصها، لكن النتيجة الأكثر احتمالاً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، ستكون انتشار الأزمة المالية، مع كل ما يصاحب ذلك من عواقب سياسية، قد يتكرر معها شبح أزمة 2008، شبح الأزمة المالية العالمية الكبرى والركود الأكبر. غير أن اضطرابات الأسواق المالية العالمية، هذه المرة، تجعل من المحتمل أن تكون الأزمة أكثر خطورة، وقد يكون الاتحاد الأوروبى ومنطقة اليورو نقطة انطلاق الاضطرابات المالية العالمية، فالبنوك الأوروبية تواجه تحديات ضخمة، ومن الممكن أن تؤدى أزمة الهجرة إلى إنهاء العمل باتفاق شينجن، ونهاية حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالإضافة طبعاً إلى اضطرابات محلية أخرى ستزيد حدتها بالتدريج.
ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وبعد أن أصبحت الحكومة اليونانية ودائنوها على مسار تصادمى مرة أخرى، فربما يعود خطر خروج اليونان. وبالتالى، أصبحت أوروبا مهددة على نحو متزايد بالتفكك، وكل ذلك لا يحتمل أن تظل دول الجوار فى وضع غير آمن، كأن تشتعل حروب فى الشرق الأوسط، أو على أية حدود أوروبية، من البلطيق إلى البلقان، خاصة بعد أن بات واضحاً أن أزمة اللاجئين فى أوروبا، تتصدر كافة الملفات فى جميع القمم واللقاءات، جنباً إلى جنب مع ارتفاع الأسوار والأسلاك الشائكة على الحدود، حيث تتم كذلك إعادة إنشاء نقاط المراقبة للسيطرة على تدفق اللاجئين.
وعلى الرغم من وجود اتفاقية «شينجن» المعمول بها منذ سنة 1985، والتى تضمّ حالياً 26 دولة، بينها 22 دولة فى الاتحاد الأوروبى، جاء هذا الانقسام نتيجة عجز دول الاتحاد الأوروبى عن احتواء الأزمة مع غياب التضامن بين دوله، حيث تحاول كل دولة إيجاد حلول فردية تتناسب مع مصالحها تجاه الأزمات التى تكاد تعصف بكل دول الاتحاد، وليس أدل على ذلك من قول يان اسلبورن، وزير خارجية لوكسمبورج: إن الاتحاد الأوروبى من الممكن أن يتفكك على نحو سريع للغاية، إذا ما أصبح الانغلاق هو القاعدة، وبديلاً من التضامن الداخلى والخارجى.
والمعنى نفسه أكده روبرت فيكو رئيس وزراء سلوفاكيا، فى مقال، أوضح فيه أن الاتحاد الأوروبى إما سيتمكن من السيطرة على تدفقات اللاجئين هذا العام أو سينهار، ويتبنى فيكو اليسارى منذ فترة طويلة موقفا مناهضاً للمهاجرين وجعل من معالجة تدفق اللاجئين برنامجه الأساسى فى حملته فى الانتخابات البرلمانية فى سلوفاكيا.
وفى المقال الذى نشرته صحيفة «هوسبودارسكى نوفينى» الاقتصادية أضاف فيكو: «قد تكون هناك عواقب كارثية لتجاهل التوتر المتنامى والقلق والخوف السائد بين الناس من فكرة أن الاتحاد الأوروبى ليس لديه حل حقيقى لأزمة المهاجرين مع استمرار تدفقهم».
وقال: «سواء أعجب ذلك البعض أم لم يعجبهم فإن عام 2016 سيكون العام الذى إما أن يسيطر فيه الاتحاد الأوروبى على أزمة الهجرة أو ينهار».
وكان فيكو قد طالب بتعزيز الحماية على حدود الاتحاد الأوروبى ورفعت حكومته دعوى قضائية اعتراضاً على قرار الاتحاد إعادة توزيع 160 ألف طالب لجوء على عدد من الدول الأعضاء، وربط بين تدفق اللاجئين على الاتحاد وبين هجمات نوفمبر فى باريس وأعمال العنف عشية رأس السنة فى كولونيا بألمانيا وقال إن التعددية الثقافية «وهم».
ولقى موقفه من المهاجرين صدى لدى الناخبين فى سلوفاكيا وهى دولة كاثوليكية يقطنها 5.4 مليون نسمة فى مجتمع متجانس بدرجة كبيرة وليس لديها خبرة تذكر فى استقبال اللاجئين. واتخذت جمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر وبولندا معاً موقفاً متشدداً من المهاجرين واختلفت مع الدول الغربية الأعضاء فى الاتحاد فى التعامل مع تدفقات اللاجئين الذين زاد عددهم على مليون العام الماضى.
وفى سياق متصل، أظهر استطلاع الرأى الذى نشره موقع اتلانتيكو الفرنسى أن 25% فقط من سكان بلجيكا وهولندا و26% من الفرنسيين والإيطاليين يعتبرون أن الانتماء إلى الاتحاد الأوروبى «محاسنه أكثر من سيئاته». وعبر 40% من الفرنسيين و37% من البلجيكيين والهولنديين والإيطاليين عن رأى مخالف، ويرى 36% من البريطانيين ان محاسن الانتماء إلى الاتحاد الاوروبى هى أكثر من سيئاته. وعبر 40% منهم عن رأى مخالف.
ولكن هذه النسبة ارتفعت إلى 42% من الألمان (مقابل 24%) و54% من الإسبان (مقابل 18%) الذين عبروا عن تأييدهم لانتماء بلادهم إلى الاتحاد الاوروبى، ورداً على سؤال حول استقبال بلادهم للمهاجرين واللاجئين ولا سيما القادمين من سوريا، عارض ذلك 58% من الفرنسيين و55% من البلجيكيين والهولنديين و51% من البريطانيين، فى المقابل أيد ذلك 69% من الإسبان، و67% من الألمان و57% من الإيطاليين.
وبالتزامن، أعطى الناخبون الهولنديون وهم يدلون بأصواتهم بشأن اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبى وأوكرانيا، فى استفتاء استشارى مؤشراً على تحول إلى تصويت رمزى على شرعية بروكسل. وهولندا هى آخر دولة فى الاتحاد الأوروبى لم تبرم بعد الاتفاق رغم مصادقة البرلمان عليه.
ويدعم ذلك تأكيد الجمعيات المشككة فى أوروبا بأن «أوكرانيا لا تحدث أى فرق بالنسبة لنا»، وقد جمعت أكثر من 300 ألف توقيع للدعوة إلى تنظيم هذا الاستفتاء استناداً إلى قانون جديد يجيز للهولنديين إبداء رأيهم فى قرارات تشريعية.
ونشير هنا إلى أن دراسة أجراها مركز للأبحاث تابع للحكومة الفرنسية، أكدت أن العودة الدائمة للقيود على الحدود فى أوروبا سيكلف الدول الأعضاء فى اتفاقية الحدود المفتوحة شينجن، الذى يضمن التنقل الحر بين دول الاتحاد الأوروبى، نحو 110 مليارات يورو (120 مليار دولار) على مدى السنوات العشر القادمة، واتفاقية شينجن هى حجر زاوية للتكامل الأوروبى، لكن ضغوطاً من الناخبين المنزعجين جراء تدفق لم يسبق له مثيل للاجئين من أفريقيا والشرق الأوسط دفع حكومات أوروبية عديدة إلى إعادة فرض قيود مؤقتة على حدودها مع جيرانها الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى.
وذكرت الدراسة التى أجراها «فرانس ستراتيجى»، وهو مركز بحوث مرتبط مباشرة بمكتب رئيس الوزراء الفرنسى، أن تراجع السياحة والتجارة عبر الحدود بفعل الإنهاء الدائم لحرية السفر سيكلف أوروبا 0.8٪ من ناتجها الاقتصادى على مدى عشر سنوات، وقد يكلف فرنسا وحدها أكثر من عشرة مليارات يورو سنوياً، وأدى التدفق الكبير للاجئين والمهاجرين إلى تزايد الدعوات المطالبة بضبط حدود منطقة شينجن الأوروبية وتشديد القيود على الهجرة.
لكن الدراسة أشارت إلى أن تأثير إعادة فرض الحدود على التجارة والسياحة والنقل سيؤدى إلى خسائر تصل إلى مليارى يورو سنوياً على المدى القصير، وذلك لا يشمل كلفة فرض الضوابط الجديدة، ولفتت الدراسة إلى أن نصف هذه الخسائر ستكون جراء تراجع عدد السياح، فيما قد يفقد نحو عشرة آلاف شخص يعبرون الحدود يومياً وظائفهم، وأوضحت الدراسة أنه «على المدى الطويل، فإن الرقابة الدائمة الشاملة على الحدود ستؤدى إلى انخفاض التجارة بين بلدان شينجن بمعدل 10٪ إلى 20٪».
وإذا ما استمرت القيود الحدودية الصارمة لعشر سنوات، فإن الكلفة السنوية سترتفع بشكل ملحوظ، إذ ستخسر فرنسا 0,5٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى العام 2025، أى أكثر من عشرة مليارات يورو. وقدرت الدراسة أنه فى الفترة نفسها، ستخسر منطقة شينجن ككل 0,79٪ من الناتج المحلى الإجمالى، أى ما يعادل خسارة 110 مليارات يورو، وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الخطوة قد تثبط عزم المستثمرين الأجانب وتقلص السيولة المالية، لكن الدراسة لفتت إلى صعوبة تقييم هذه العوامل، بحسب فرانس برس.
وتأسست منطقة شينجن فى العام 1995، وهى تضم 26 بلداً معظمها فى الاتحاد الأوروبى، يسمح لمواطنيها بالتنقل فى هذه المنطقة من دون جواز سفر، وتعتبر واحداً من أهم الإنجازات الأوروبية الكبرى، ولكن فى الأشهر الأخيرة، واجهت هذه المنطقة تدفقاً غير مسبوق فى أعداد المهاجرين واللاجئين من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ما دفع بدول عدة بينها فرنسا إلى إعادة فرض ضوابط مؤقتة.
من جانبه رفض مانويل فالس، رئيس الوزراء الفرنسى، فكرة وضع نظام لحصص دائمة لتوزيع اللاجئين عبر أوروبا ما يضع باريس على خلاف مع ألمانيا قبل اجتماع قمة لمناقشة أزمة الاتحاد الأوروبى بشأن الهجرة. وقال فالس للصحفيين فى مؤتمر للأمن فى ميونيخ بألمانيا إن فرنسا ستلتزم بتعهدها بقبول 30 ألف لاجىء من بين 160 ألف لاجىء وافقت الدول الأوروبية على تقسيمهم فيما بينها ولكنها لن تقبل أعداداً إضافية. وقال فالس «لن نأخذ أكثر من ذلك».
وأبدى إعجابه باستعداد ألمانيا لقبول مزيد من اللاجئين ولكنه أضاف «فرنسا لم تقل مطلقاً تعالوا إلى فرنسا».. وقال فالس عن آلية الحصص الدائمة إن «فرنسا ترفض هذا».. وقال إن فرنسا تسلمت 80 ألف طلب لجوء العام الماضى وهى تواجه صعوبات بشأن تطرف الشبان وارتفاع معدل البطالة، وفى علامة أخرى على الانقسامات الأوروبية العميقة بشأن تدفق المهاجرين واللاجئين قال روبرت فيكو رئيس وزراء سلوفاكيا إن ألمانيا احتجت على خطط زعماء دول شرق أوروبا لمساعدة مقدونيا وبلغاريا على إغلاق حدودهما مع اليونان التى تعد نقطة دخول مهاجرين كثيرين إلى الاتحاد الأوروبى. وقال دبلوماسيون إن زعماء المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك سيجتمعون فى براج مع زعيمى مقدونيا وبلغاريا وقد يعرضوا عليهما تزويدهما بالقوة البشرية ومساعدات أخرى.
ونشير هنا، إلى أنه فى أوائل مارس قام ديميتريس أفراموبولوس، مسئول الهجرة فى أوروبا، بالتجول فى مخيم موحل للاجئين على حدود اليونان مع مقدونيا وأطل عبر سياج تعلوه الأسلاك الشائكة التى تفصل بين عشرات الألوف من المهاجرين فى اليونان وبين الدول الأغنى التى تقع إلى الشمال منها، وقال «ببناء الأسوار ونشر الأسلاك الشائكة.. لا نقدم حلاً».. ولم تكن تلك هى وجهة نظر أفراموبولوس السابقة والتى يعكس تغيرها تعقيدات المشكلة التى وجدت أوروبا نفسها فيها مع تدفق أكثر من مليون مهاجر عبر المياه اليونانية منذ بداية 2015.
ففى سنة 2012 عندما كان أفراموبولوس يتولى منصب وزير الدفاع اليونانى، قامت اليونان ببناء سياج ووضعت نظام مراقبة إلكترونياً على امتداد الحدود مع تركيا. وصمم السياج والأسلاك الشائكة ونشر نحو 2000 من حرس الحدود الإضافيين لوقف الارتفاع الكبير فى الهجرة غير الشرعية. ولم يكن أفراموبولوس الدبلوماسى البالغ من العمر 62 عاماً ضالعاً بشكل مباشر فى المشروع. لكنه فى سنة 2013 دافع عنه قائلاً فى مؤتمر صحفى إن الجدار أثمر. وأضاف «دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى اليونان من هذا الجانب توقف تقريباً».
ومع الأسوار، يأتى حراس الأمن والكاميرات وأجهزة المراقبة التى تجعل من الصعب على الناس عرض حالاتهم للجوء، كما قامت جمعيات حقوق الإنسان بإصدار تقارير كثيرة عن مسئولين حدوديين ضربوا أو أساءوا معاملة أو سرقوا مهاجرين ولاجئين قبل أن يعيدوهم من حيث جاءوا، ويُعرف هذا الأسلوب باسم الصد وقالت منظمة العفو الدولية إنه أصبح سمة جوهرية للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبى، ولحل هذه المشكلة يشترى بعض المهاجرين واللاجئين وثائق مزورة ويختبئ آخرون فى سيارات أو يلجأون إلى مهربى البشر.
وأصبح للسياج اليونانى تأثير متواصل فى أوروبا إذ دفع دولاً أخرى لبناء حواجز. وبدأ المزيد من المهاجرين الذين ينتقلون عبر تركيا فى دخول أوروبا عبر الحدود البلغارية أو عن طريق الإبحار إلى اليونان فى زوارق قابلة للنفخ، وفى شرق البحر المتوسط سجلت المنظمة الدولية للهجرة أكثر من 1100 حالة وفاة لمهاجرين منذ مطلع العام الماضى، ويرفض الاتحاد الأوروبى تمويل الحواجز قائلاً: إنها لا تجدى نفعاً، وحاول أفراموبولوس بصفته مفوضاً أوروبياً إقناع الدول الأوروبية بإظهار التضامن من خلال توفير المأوى لنحو 160 ألف لاجئ ومهاجر أغلبهم قادمون من اليونان وإيطاليا. لكن تمت إعادة توطين 937 طالب لجوء فقط حتى 15 مارس.
وعندما بدأت النمسا فى بناء سياج على حدودها مع سلوفينيا فى نوفمبر 2015 قالت إنه ضرورى لإدارة الحشود، ثم وضعت فيينا سقفاً لعدد الأشخاص الذين سوف تستقبلهم وعدد من ستسمح لهم بالعبور إلى ألمانيا، وبحلول مارس بدا أن كل هذه الإجراءات تحقق التأثير المنشود إذ انخفض عدد المهاجرين الذين يدخلون ألمانيا من النمسا بدرجة كبيرة، وعلى الرغم من ذلك بدت إشارات على أن الأسوار تعيد رسم مسارات الهجرة دون أن تغلقها. وزاد عدد من يقومون برحلة العبور المحفوفة بالمخاطر من أفريقيا إلى إيطاليا، وقالت النمسا إنها سترسل جنوداً للدفاع عن حدودها مع إيطاليا.
والوضع كذلك، لم تجد دول الاتحاد الأوروبى أية حلول سريعة لأزماتها المتفاقمة غير اللجوء إلى منطقة الشرق الأوسط التى ستشهد عمليات إنشاء وتعمير بتريليونات الدولارات بمجرد استقرار الأوضاع فى سوريا وليبيا واليمن.
ومعروف أن إعادة إنشاء ثلاث دول بالكامل بعد تدميرها، هو بمثابة كنز لعمليات المقاولات من كل نوع. ولأن مصر استطاعت أن تحافظ على علاقات متزنة مع جميع الأطراف، فإنها مرشحة لأن تكون مركز إدارة تلك العمليات، وهو ما يفسر سر توافد وفود اقتصادية من دول غربية وعربية عديدة بهدف الاستثمار والدخول فى شراكات مع كيانات اقتصادية محلية،
بينما لجأت الدول ذات العلاقات المتوترة مع مصر إلى البحث عن طرق بديلة، أو التستر خلف غطاء لشركات أوروبية لتتمكن من الاستثمار عبرها.
وتكفى الإشارة هنا إلى أن دويلة مثل قطر، قامت خلال العام الماضى بضخ ما يزيد على خمسين مليار يورو فى شراء أسهم وحصص فى بنوك وشركات مقاولات إيطالية تمهيداً لتتمكن من الدخول إلى مصر وسوريا وليبيا واليمن تحت غطاء تلك البنوك والشركات!
كما أن قطر تملك فى بريطانيا 7% من أسهم شركة «باركلى»، و24% من بورصة لندن، و20% من «شيلسيفيلد»، و24% من أكبر مصانع الكراسى فى بريطانيا، و27% من محلات «فنسبورى»، و11,4% من شركة «إيماجينشن». كما تملك محلات «هارودز» الشهيرة، وثكنات تشيلسى التى تبلغ قيمتها 1,14 مليار دولار، والقرية الأولمبية التى تضم 2818 عقاراً، وبرج «ذا شارد» وهو أطول برج بالقارة الأوروبية، ومبلغ 3,5 مليار دولار لشراء منطقة «كنارى وورف» الاقتصادية المهمة.
وفى ألمانيا تملك قطر 6% من دويتشه بنك، و17% من شركة فولكسفاجن للسيارات، و9% من شركة هوكتيف للبناء، و3% من شركة سيمنز للتكنولوجيا. وفى هولندا تملك نسبة 3% من شركة شل للبترول. وفى السويد تملك 9,9% من شركة أو إم إكس المالية.
ومعروف أن قطر تتبنى استراتيجية استثمارية تعتمد على ضخ استثماراتها فى الأسواق المتقدمة، خاصةً الأمريكية والأوروبية، وتشير التقديرات إلى أن استثماراتها فى بريطانيا وحدها تجاوزت 30 مليار دولار، وفقاً لتصريحات عمدة لندن بوريس جونسون فى عام 2013، هذا مع الوضع فى الاعتبار أنه لا تتوافر معلومات دقيقة ومؤكدة عن حجم الاستثمارات القطرية فى أوروبا أو على مستوى العالم، نظراً للسرية الشديدة التى يفرضها الجانب القطرى على هذه المعلومات، وأغلب المعلومات المتاحة بهذا الشأن تقديرات تصدر عن المؤسسات المختلفة المهتمة بهذا المجال، بما يعنى أن هذه التقديرات الأولية قابلة للارتفاع.
الحل فى الشرق الأوسط.. فبالإضافة إلى الاستثمارات الخليجية فى بريطانيا مثلاً، وفوق المعاملات التجارية المشتركة، فإن أكثر ما يهم الحكومة البريطانية ومجتمع الأعمال فى بريطانيا الآن هو الحصول على نصيب الأسد فى تنفيذ المشروعات العملاقة ومشروعات البنية الأساسية والمشروعات التنموية فى المنطقة العربية، والمقدر لها خلال العشر سنوات القادمة نحو 200 مليار دولار، وتسعى بريطانيا للخروج من أزمتها الاقتصادية الحالية، وخاصة بعد أن تراجع حجم الصادرات البريطانية إلى السوق الأوروبية، ومعروف أن 52٪ من الصادرات البريطانية تذهب إلى منطقة اليورو.
وتخيل مثلاً أن هناك 349 شركة بريطانية تعمل فى السعودية وحدها، 20٪ منها تعمل فى قطاع التصنيع و80٪ فى قطاع الخدمات، كما أنشيء فى لندن صندوق بين شركة مالية سعودية (سيدرا) وبنك بريطانى (جيت هاوس)، يهدف إلى تقديم وعاء استثمارى آمن للمستثمرين السعوديين بشكل خاص، والمستثمرين الخليجيين بشكل عام. ويتكون الصندوق من ثلاثة أصول كبيرة لشركات عالمية منها أمريكية، ومنها أوروبية. ويُسوّق منتج هذا الصندوق فى السعودية لشراء عقارات وسلاسل محلات فى دول أوروبية وغيرها.
أما عن الاستثمارات الإماراتية فى بريطانيا، فتبلغ قيمتها أكثر من 5 مليارات جنيه إسترلينى، وتتضمن هذه الاستثمارات مشروعات شركة «أبوظبى الوطنية للطاقة» فى بحر الشمال، ومشروعات موانئ دبى العالمية، مثل مشروع ميناء لندن لاستقبال الحاويات العملاقة باستثمارات تقدر بنحو 1.5 مليار إسترلينى، والذى يعد أكبر مشروع فى بريطانيا لتوفير فرص عمل لنحو 35 ألف عامل، ومحطة حاويات موانئ دبى العالمية «ساوثهامبتون»، ثانى أكبر محطة من نوعها فى بريطانيا، هذا فضلاً عن استثمارات شركة «مصدر» فى مجال الطاقة المتجددة لإنشاء أكبر مزرعة رياح بحرية فى العالم. وهناك الاستثمارات الرياضية فى المجمع الأولمبى ومنطقة إكسل لندن. وتستثمر دبى نحو 36 مليون إسترلينى فى إنشاء مشروع التلفريك عبر نهر التيمز، وعلى الجانب الآخر هناك نحو 5 آلاف شركة بريطانية تعمل فى الإمارات و100 ألف بريطانى يقيمون بها، ومليون سائح بريطانى يزورون الإمارات كل عام.
فهل تقف الولايات المتحدة موقف المتفرج وهى ترى ذلك كله؟!
هذا ما نشك فيه، تماماً كما نشك فى عدم وجود منافسة شرسة بين الدول الأوروبية وبين روسيا والصين وبقية النمور الأسيوية على ثروات المنطقة. وهى ما قد يفسر بعض الخطوات التى اتخذتها مصر بالاتجاه شرقاً، وهى الخطوات التى قوبلت بضربات عنيفة، بعضها كان واضحاً ومعلناً وبعضها كان ولايزال خافياً عن الأعين!