الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:53 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: بروكسل.. عاصمة الجحيم


التفجيرات تكشف أسرار أخطر 3 أجهزة مخابرات فى العالم
- واشنطن وتل أبيب والدوحة وأنقرة.. 4عواصم تشرف على تمويل وتدريب المقاتلين
- كتيبة الخنساء النسائية تفضح نساء أوروبا المقاتلات فى صفوف «داعش»
- 516 مقاتلللاً من بلجيكا يقودون جحيم الإرهاب فى سوريا
- شارل ميشيل خصص 400 مليون يورو لمحاربة الإرهاب.. فلماذا فشل؟!
- إدوارد سنودن: أمير تنظيم «داعش» عميل لجهاز «الموساد» وتلقى دروساً فى الخطابة وعلم اللاهوت
صباح الثلاثاء 22 مارس 2016، استيقظ العالم مذهولاً على عدة تفجيرات متتالية فى «بروكسل»، بعد أسبوع كان مليئاً بالأحداث يمكن ربطها بتلك التفجيرات.. وبعد سنوات من الممارسات التى لا نرى تلك التفجيرات إلا نتيجة طبيعية لها.
بلجيكا هى العاصمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبى، ويطلقون عليها اسم «قلب أوروبا» وتعتبر الدولة الأغنى فى أوروبا، والأهم من ذلك وما يعنينا هنا هو أنها أصبحت منذ سنوات طويلة محطَّةً ترانزيت للمتطرفين، أو لنقل أن الاختيار وقع عليها لتكون محطة تصدير المتطرفين إلى منطقة الشرق الأوسط بهدف أن تتخلص منهم دول أوروبا!
دلائل كثيرة تشير بل وتؤكد أن أوروبا حين رأت الإرهابيين يتناسلون ويتكاثرون فيها بكثرة، قررت أن تقوم بتصديرهم إلى الشرق الأوسط وأن الفرصة جاءتهم (أو صنعوها) بصعود تيارات الإسلام السياسى بعد ما يوصف بـ«ثورات الربيع العربى» الأمر الذى انعكس على نشاط الإرهابيين فى المنطقة وعدة دول أوروبية أبرزها ألمانيا وبلجيكيا وهولندا وبريطانيا، ليتحول إلى ظاهرة.
فى ألمانيا، مثلاً، أكد «جيرهارد شيندلر»، رئيس جهاز المخابرات الألمانية الخارجية، فى حوار مع صحيفة «بيلد» الألمانية يوم 31 مارس2013 أن تأثير الإرهابيين المرتبطين بتنظيم القاعدة يزداد بين صفوف المعارضين السوريين، وأضاف: «تنشط فى سوريا هياكل إرهابية ترتبط بتنظيم القاعدة والحديث يدور عن بضعة آلاف من المقاتلين».
وكان «شيندلر» قد أشار فى وقت سابق إلى أن جهاز المخابرات الألمانية يمتلك معلومات كافية عما يجرى فى سوريا.
وفى هذا السياق، كانت وزارة الداخلية الألمانية قد أصدرت قراراً فى يونيو 2012 بحظر جمعية «ملة إبراهيم» السلفية وغيرها من الجماعات السلفية، بعد أن بدأت تتناسل على أراضيها. وقد عثرت الشرطة الألمانية على أدلة تورط تلك الجماعات فى أعمال عنف وإرهاب وتجنيد عدد من الألمان.
كما سبق أن أشارت صحيفة الجارديان البريطانية فى أحد تقاريرها، إلى مخاوف ألمانيا من عودة المتطرفين الأوروبيين الذى خرجوا من دولهم للقتال فى سوريا حيث قالت الصحيفة إن وزير الداخلية الألمانى «هانز بيتر» يريد من الاتحاد الأوروبى العمل على منع هؤلاء من العودة وقالت الصحيفة أن هناك ما يصل لسبعمائة مقاتل أوروبى ذهبوا إلى سوريا قادمين من أوروبا أغلبهم من الإسلاميين وإن ألمانيا تخشى من عودتهم حيث سيشكلون خلايا إرهابية محلية فى الداخل الألمانى.
وهذا ما دفع وزير الداخلية الألمانى، إلى منع إعادة «المتطرفين» بشكل أولى والذين يقدر عددهم بسبعمائة ويشكلون 10٪ من المقاتلين الأجانب فى سوريا البالغ عددهم ستة آلاف مقاتل.
ونضيف إلى ذلك أن السلطات الأمنية فى هولندا وبلجيكا، كانت قد أعلنت منتصف 2012 تنامى أعداد المنتمين للتنظيمات المتطرفة فى كلا البلدين، خاصة فى المناطق الحدودية ومع ألمانيا.. ووفق الصحفى الهولندى «أرنى هانكيل فان» فإن أعداد النشاطات المتطرفة فى كل من ألمانيا خاصة، شمال الراين وستفاليا فى تزايد سريع، وفى نفس الوقت قال الصحفى الهولندى والخبير فى شئون الإرهاب «دى فيلت»: «إن المتطرفين لم يتغيروا وإن المؤسسات الأوروبية تعتبر أهدافاً محتملة لهم».
وخلال شهر فبراير 2012، أعلن الأمن الألمانى أن «نحو مائتى متطرف يقيمون فى ألمانيا سافروا إلى باكستان ليلتحقوا بتنظيم القاعدة حيث يتم تدريبهم هناك، وأن عودتهم إلى ألمانيا تشكل مصدر خطر دائم. كما أن هناك الكثير من المتطرفين يتواجدون فى مساجد ألمانيا ويبلغ عددهم نحو 3800 شخص بحسب المكتب الاتحادى لحماية الدستور، بينهم دعاة، يرفضون الاندماج فى المجتمعات الأوروبية. ووفقاً لتقارير دويتش فيلة الألمانية، فإن هؤلاء يتركزون بشكل خاص فى مدن مثل كولونيا، ودوسلدورف وبوخوم وفوبرتال وزولينجن، كما تعتبر مدينة بون أحد معاقل المتطرفين فى ألمانيا وكذلك مدينة فرانكفورت، حيث تواجد بارز للمتطرفين، ولهم علاقات واسعة مع شبكات مسلحة متطرفة تدار فى مصر وسوريا واليمن والعراق!
يمكننا إذن أن نضيف أوروبا إلى جهات عديدة من مصلحتها بقاء حمام الدم يسيل فى المنطقة بأسرها وخاصة فى مصر، فإسرائيل ترى بقاء الوضع كما هو عليه فرصة لكى تصرف مصر النظر عن إيجاد حلول عملية للأزمات التى يفتعلها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين، وقطع الطريق على أى محاولات لمصر فى البحث عن حل دائم للقضية الفلسطينية لتأمين حدودها وإنهاء الكابوس الأمنى الذى يشكله الإرهابيون، والفلسطينيون من جهتهم يبحثون عن مدة طويلة نوعاً ما من الهدنة للتمكن من تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العميقة.
وما من شك فى وجود دور إسرائيلى فى الهجمات الإرهابية التى تستهدف مصر، إضافة إلى الأدوار التى تلعبها قوى دولية وإقليمية أخرى تريد إنهاك الجيش المصرى انتقاماً لإسقاط تنظيم الإخوان الذى أوشكت من خلاله تلك القوى على تثبيت وتجميع كل إرهابيى العالم فى منطقة واحدة!
وصار فى حكم المؤكد أن الولايات المتحدة ودولاً أوروبية استعانت بنظام أردوغان ومشيخة قطر من أجل تصدير الإرهاب لدول المنطقة، وإبقائها فى حالة دائمة من الفوضى وعدم الاستقرار، تنفيذاً للمشروع الصهيو أمريكى الذى يستهدف تقسيمها وتفتيتها بما يساهم فى جعل إسرائيل، هى المتحـكم فى مصير شعوب المنطقة.‏
والثابت أنه خلال الفترة التى تلت 25 يناير 2011 شهدت صحراء سيناء تدفقاً غير عادى لإرهابيين من جنسيات مختلفة، بالتزامن مع تجنيد داخلى قامت به جماعة «الاخوان» للحاق بالمجموعات الإرهابية، وترافق ذلك مع تدفق كبير للأسلحة القتالية المتطورة.‏
دول وأجهزة مخابرات فى مقدمتها تركيا ومشيخة قطر، دعمت بشكل غير مسبوق المجموعات الإرهابية فى سيناء، وأشرفت على عملياتها الإرهابية ووفرت لها التمويل والمعلومات المخابراتية وفتحت لها مسارات تهريب المرتزقة والأسلحة،‏ وما يؤكد ذلك أن الهجمات الإرهابية يتم تنفيذها بحرفية عالية كما أن الأعداد الكبيرة لمنفذى العمليات الإرهابية تدل على وجود جهات ودول تقوم بالتمويل، إضافة إلى أن هناك بصمات واضحة واستنساخاً كبيراًً لخبرات كانت واضحة فى الساحة العراقية والسورية، وهذا يؤكد أن عناصر إرهابية انضمت إلى المجموعات الإرهابية فى سيناء قادمة من العراق وسوريا.‏
وبالعودة إلى بعض تفاصيل الهجمات الإرهابية التى قام بها الإرهابيون فى سيناء، نلاحظ أنها بدأت بشكل متقطع فى 2011 وأن عملياتهم تكاد تتطابق مع جرائم باقى التنظيمات الأخرى فى المشرق العربى مثل القاعدة و«داعش» فى سوريا والعراق، وهو ما يدل على وجود تقاطع وتشابه فى أساليب هذه الجماعات، كما نلاحظ أيضاً أنه منذ الثانى من شهر أغسطس سنة 2011، أعلن تنظيم القاعدة فى سيناء أنه ينوى إعلان الخلافة الإسلامية فى تلك المنطقة، لكن الجيش المصرى واجه هذه المحاولات بقوة عبر عمليات متنوعة من بينها «عملية النسر»، لمواجهة خطر الإسلاميين المتشددين المدعومين وقتها من سلطة الإخوان التى وفرت لهم الغطاء السياسى والقانونى!
تصدير الإرهاب من بلجيكا
بلجيكا كانت محطة «العبور» الرئيسية للإرهابيين إلى الشرق ثم تحولت إلى محطة لتصدير الإرهاب إلى أوروبا!
ما كان ليس استنتاجاً، بل من واقع معلومات مؤكدة بينها تقرير للأمم المتحدة، وتحولها يؤكده الواقع وتؤكده العمليات الإرهابية التى استهدفت مدناً أوروبية عديدة طوال الفترة الماضية.
كشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة، أن داعش نجح فى أن يجعل شبكات التواصل الاجتماعى والمواقع الإلكترونية، أرضية خصبة للتجنيد والانتداب، وأنه يُخصص لذلك موارد مالية وبشرية ضخمة لاستقطاب الشباب فى صفوفه، مقابل رواتب ومحفزات مالية مهمة للمجندين، والعاملين على الاستقطاب لصالحه، يمكن أن تصل إلى 10 آلاف دولار للشخص الواحد.
وأوضح التقرير أن داعش يدفع «بين 2 و3 آلاف وحتى 10 آلاف للمكلفين بالتجنيد، ولكن المبالغ المالية تتفاوت حسب الضحية، وإذا كان المُجند الجديد بمواصفات مميزة فإن المقابل يكون مرتفعاً جداً، خاصة إذا كان المجند طبيباً أو متخصصاً فى الكمبيوتر أو ذا تخصص علمى رفيع»!
وأهم ما جاء فى التقرير هو أن بلجيكا تعد أولى الدول المصدرة للمجندين الجدد من أوروبا فى اتجاه داعش، قياساً بعدد سكانها، بما يتراوح بين 375 و500 مقاتل، حسب أرقام شبه رسمية، وأوضح التقرير أن داعش يُفضل التواصل المباشر مع المجندين المحتملين فى بلجيكا، مع تفضيل فئتى الشباب والنساء.
كما جاء فى التقرير أن المقاتلين فى صفوف داعش القادمين من بلجيكا لا يتجاوزون فى العادة 23 سنة، ويلتحقون بالتنظيم بحثاً عن المغامرة والإثارة وهى الثلاثية التى تلخص مبررات اللحاق بالتنظيم فى سوريا والعراق، والتى تجمع بين الذكور والإناث أيضاًً، مع ملاحظة تزايد عدد الإناث فى التنظيم هناك، أو الراغبات فى الالتحاق به فى بلجيكا.
وكشف أيضاً فريق عمل من الخبراء تابع للأمم المتحدة عن أن البلجيكيين يشكلون العدد الأكبر بين الدول الأوروبية من المقاتلين الأجانب لدى تنظيم (داعش) فى العراق وسوريا وقالت اليزابيتا كارسكا رئيسة فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة فى بيان لها أن «عدد المقاتلين الأجانب من الجنسية البلجيكية هم الأعلى بين الدول الأوروبية وفقاً لنسبة عدد المقاتلين الذين يلتحقون بصفوف تنظيم داعش للمشاركة بالمعارك فى العراق وسوريا»، وعلى السلطات البلجيكية أن تظهر رؤية وطنية شاملة وتتخذ إجراء حيال قضية المقاتلين الأجانب على المستوى الفيدرالى والإقليمى والمحلى».
وأضافت أن «التهديد الذى يشكله هذا التوجه على أمن البلاد يعد تهديداً كبيراً»، مشددة على ضرورة «معالجة هذه المشكلة عبر جهد جماعى يشمل كل قطاعات المجتمع البلجيكى للتوصل إلى حلول لهذه الظاهرة وأن هناك 207 بلجيكيين فى سوريا قتل منهم 77 وعاد منهم 128 وأن 62 مقاتلاً آخر فشل فى الوصول إلى العراق أو أنهم رجعوا من هناك، حيث تمت مقاضاة 46 مقاتلاً أجنبياً بعد عودتهم».
وحذّر جاك ريس المدير العام لإدارة أمن الدولة البلجيكية من ذلك قائلاً: «70% من الشبان البلجيكيين الذين سافروا إلى سوريا يقاتلون إلى جانب داعش وبعض العائدين نجحوا بتشكيل شبكات وخلايا نائمة مؤهلة للقيام بأعمال إرهابية فى أوروبا على مدى السنوات القادمة وأن هناك صعوبة فى التعامل مع هذه الظاهرة التى تعرف إعلامياً بـ«المقاتلين الأجانب».
هكذا، أصبحت بلجيكا هى الملاذ الآمن «نسبياً» للإرهابيين، وفى الوقت نفسه أصبحت أكثر الدول الأوروبية تصديراً للإرهابيين إلى سوريا والعراق الذين فضلوا إحياءها كمركز للتخطيط والإعداد وخاصة ضاحية «سان جون مولنبيك» التى تعتبر قاعدة خلفية للمتطرفين فى أوروبا والتى كان من بين المقيمين فيها عبدالحميد أباعود العقل المدبر لاعتداءات باريس، بالإضافة إلى الأخوان إبراهيم وصلاح عبدالسلام المتورطين أيضاً فى هذه الاعتداءات الدامية.
أضف إلى ذلك أن تاريخ المتطرفين هناك يكشف عن سجل حافل بالإرهاب، فمنهم المتورطون والمنفذون لهجمات مدريد الدامية عام 2004، والتى أودت بحياة 191 شخصاً وإصابة 1800 آخرين وكان حسن الحسكى الذى أدين بالمشاركة فى تدبير الاعتداءات. وكان من بينهم أيضاً منفذو عملية اغتيال القائد الأفغانى أحمد شاه مسعود فى بلدة خوجة بهاء الدين بولاية تخار الأفغانية عام 2001، وكان منهم مهدى نموش المشتبه به الرئيسى فى الاعتداء على المتحف اليهودى فى بروكسل فى مايو 2014، وخرج منهم أيوب الخزانى منفذ الهجوم على قطار تاليس بين أمستردام وباريس والذى نزل عند شقيقته المقيمة هناك قبل أن يستقل القطار، كما تبين أن خلية إرهابية تم تفكيكها فى فيرفييه شرق بلجيكا كانت على ارتباط بهم.
بهذا الشكل انتشرت بؤر التطرف فى بروكسل وضاحيتها وحتى فى انفير وفرفييه.
والغريب والملفت للنظر أنه بعد يومين من هجمات الحادى عشر من سبتمبر، اعتقلت الشرطة البلجيكية التونسى نزار طرابلسى لاعب كرة القدم المحترف السابق والناشط فى تنظيم القاعدة، الذى كان يخطط لهجوم انتحارى بشاحنة مفخخة ضد قاعدة عسكرية بلجيكية يتولى فيها، وفق خبراء، جنود أمريكيون حراسة صواريخ نووية.
ومنذ ذلك التاريخ، شددت بلجيكا قوانين مكافحة الإرهاب وأمنت عمليات إصدار جوازات السفر وكشفت عدداً من الشبكات.
وفى نهاية 2008، نفذت عملية تمشيط عشية قمة أوروبية كانت على وشك الإلغاء.
حدث ذلك كله قبل أن يصبح التهديد الذى يتربص ببلجيكا أكثر وضوحاً مع ظهور مجموعة «شريعة 4 بلجيكا» فى أنفير شمال البلاد بزعامة فؤاد بلقاسم الذى تمكن بفضل قدرته على الإقناع من استقطاب عدد كبير من الإرهابيين حوله.
وتخصصت هذه المجموعة التى ضمت العشرات فى إرسال متطوعين إلى سوريا، لكنها هددت كذلك بمهاجمة مواقع رمزية مثل القصر الرئاسى ودعت إلى إقامة ما يسمى «دولة إسلامية» فى بلجيكا.
وأحيل 46 من أعضائها إلى المحاكمة وصدر الحكم ضدهم فى منتصف فبراير عن محكمة انفير التى تحاكمهم منذ الخريف بتهمة الإرهاب.
ويأتى معظم الشبان الذين غادروا إلى سوريا والعراق من أحياء فقيرة سكانها من أصول مهاجرة، فى انفير وبروكسل، أو فى فيلفوردى التى لم تتعاف قط بعد إغلاق مصنع رينو فيها فى 1997 ومن فيلفوردى غادر 28 شاباً للقتال.
وفرفييه حيث نفذت عملية الخميس معقلاً آخر للتطرف، فهذه العاصمة العالمية السابقة للصوف التى يعيش فيها 55 ألف نسمة باتت من أكثر مدن البلاد فقراً.. ولكونها معبراً بسبب قربها من ألمانيا، يشكل ذوو الأصول الأجنبية 15% من سكانها.
وتعيش فيها جماعات شيشانية وصومالية بينهم مقربون من حركة الشباب، وفق الصحافة البلجيكية.
غير أن ظاهرة هروب شباب من هناك والانضمام إلى الجماعات الإرهابية المسلحة فى سوريا أو العراق أو ليبيا أو مصر، وتبين أن هناك قواسم مشتركة تكاد لا تختلف فى مجمل عمليات تجنيد الشباب فى أوروبا.
وعبثاً، حاولت السلطات البلجيكية أن تقوم بعدة إجراءات لحماية أمنها الداخلى ومنع تحولها إلى معقل للإرهابيين الدواعش.
إذ قامت بتعزيز قوانينها لمكافحة الإرهاب من خلال عدة إجراءات وقتية وطويلة المدى منها إغلاق المحال التجارية فى وسط العاصمة البلجيكية بروكسل أبوابها بعد أن كشف رئيس الوزراء شارل ميشيل عن معلومات حول تهديدات إرهابية يشنها أشخاص بأسلحة ومتفجرات وأعلنت شرطة النقل البلجيكية العامة إغلاق كل محطات قطار الأنفاق فى بروكسل، يوم السبت 21 نوفمبر 2015، بعدما رفعت السلطات حالة الإنذار إلى الدرجة القصوى، بسبب تهديد إرهابى «وشيك» وقالت فى بيان لها «بتوصية من مركز الأزمة فى الإدارة العامة الفيدرالية الداخلية ستبقى كل محطاتنا للمترو مغلقة اليوم وهذا «إجراء احتياطى».
وقامت بتفكيك شبكات تجنيد الخلايا الإرهابية، بـ6 مداهمات فى منطقة بروكسل «ضمن الأوساط المقربة» من بلال حدفى، أحد الإرهابيين الذين قتلوا فى اعتداءات باريس ومن هذه المناطق حى مولنبيك «وسان جان وجيت واوكلى كما جرت مداهمة أخرى فى حى لاكن فى العاصمة تم خلالها توقيف شخص واحد» و9 أشخاص فى بروكسل.
كما رفعت مستوى الإنذار الإرهابى فى منطقة بروكسل إلى الدرجة الرابعة، ما يعنى أن هناك تهديداً جدياً جداً، فى حين يبقى مستوى الإنذار فى سائر أنحاء البلاد عند الدرجة الثالثة وأن التحليلات تظهر وجود خطر جدى ووشيك يتطلب إجراءات أمنية محددة، إضافة إلى إرشادات تفصيلية للسكان مع ضرورة أن يتجنب سكان العاصمة الأماكن المكتظة بالناس، والحفلات الموسيقية والمناسبات الكبرى ومحطات الحافلات والمطارات ووسائل النقل المشترك والمتاجر الكبرى التى يرتادها المتسوقون بأعداد كبيرة وعلى سكان بروكسل التعاون لتسهيل إجراءات المراقبة والتفتيش.
إضافة إلى تفعيل الإجراءات القضائية حيث وجهت النيابة العامة الفيدرالية فى بروكسل تهمة الإرهاب إلى شخص تم إلقاء القبض عليه يوم الخميس 19 نوفمبر 2015، لارتباطه بالاعتداءات فى باريس وقالت النيابة العامة فى بيان إن المتهم «اقتيد لاستجوابه فى إطار ملف الاعتداءات التى شهدتها باريس، وقد صدرت ضده مذكرة اعتقال عن قاضى التحقيق بعد اتهامه بالمشاركة فى اعتداءات إرهابية والمشاركة فى أنشطة جماعة إرهابية».. وأعطت النيابة العامة الفيدرالية لقوات الأمن تصاريح لبدء حملة مداهمات فى منطقة بروكسل وقامت فى وقت سابق باعتقال شخصين خلال مداهمة جرت يوم الجمعة 13 نوفمبر 2015 فى حى ليكن فى بروكسل، وأن أحدهما تم إطلاق سراحه والثانى تم تمديد فترة احتجازه من أصل سبعة أشخاص تم اعتقالهم الخميس 12 نوفمبر 2015 بتهمة ارتباطهم ببلال حدفى، أحد المتطرفين الذين قتلوا فى اعتداءات باريس.
هناك أيضاً تعديلات جذرية على القوانين قررتها الحكومة البلجيكية، بينها اعتقال كل عائد من سوريا بشكل فورى، وإلزام المتشددين بحمل سوار إلكترونى وإغلاق كافة المساجد التى تنشر التشدد، وترحيل الأئمة المتطرفين وتعهد شارل ميشيل رئيس وزراء بلجيكا بتخصيص مبلغ 400 مليون يورو إضافى لمحاربة العنف ورفض الانتقادات الموجهة لأجهزة الأمن البلجيكية بعد هجمات باريس، وقال فى كلمة أمام البرلمان «تم تخصيص ميزانية إضافية قيمتها 400 مليون يورو فى ميزانية 2016 لتعزيز قدرة أجهزة الأمن لمحاربة الإرهاب».
وعلى أى حال لا يمكن نفى صلة العاصمة البلجيكية بمنطقة الشرق الأوسط، فحسب الخبير البلجيكى «بيتر فان أوستاين»، وصل عدد البلجيكيين المنضمين إلى صفوف داعش إلى 516 مقاتلاً إضافة إلى أن واحداً من كل 1260 مسلماً بلجيكيا، شارك فى القتال فى سوريا والعراق»، وبذلك تتصدر بلجيكيا قائمة الدول الأوروبية المصدرة للإرهابيين.
وبحسب مصادر بلجيكية مختصة فى مجال مكافحة الإرهاب، فإن 90٪ من هؤلاء قد عادوا أو يخططون للعودة إلى البلاد، وتشير بعض التقديرات إلى أن واحداً من كل تسعة مقاتلين، لديهم النية فى القيام بعمليات إرهابية داخل أوروبا.
وهناك عدة أسباب تفسر انتشار المتطرفين فى بلجيكيا، ذكرها وزير الداخلية «جان جامبون» فى مقابلة أجريت معه مؤخراً، أول هذه الأسباب هو نظام الحكم البلجيكى المعقد، ففى بروكسل، هناك ستة أقسام شرطة فقط، تتكفل بتغطية 19 مقاطعة مع 19 من رؤساء بلديات مختلفين.
وبالنظر إلى تعقيدات الهجمات الأخيرة فى بروكسل، فإنه من الصعب أن تكون هذه الهجمات بمثابة الانتقام لاعتقال صلاح عبدالسلام، فإجراء هجمات متزامنة فى عدة مواقع، بمشاركة العديد من الأفراد، يتطلب وقتاً طويلاً للتخطيط، وكذلك للحصول على الأسلحة والمتفجرات اللازمة، وهو ما يعنى أن وجود علاقة بين عبدالسلام ومنفذى هجمات الثلاثاء؛ جانب لا يزال مجهولاً.
الإرهاب وشبكات التواصل
هنا نتوقف عند دراسة نشرها «توماس فولك» فى أكتوبر 2015 تحت عنوان «كيف جندت الدولة الإسلامية مقاتلين فى ألمانيا؟!» أشار فيها إلى أن تنظيم داعش استطاع أن يحقق نجاحات هائلة من خلال إجادة استخدام الوسائل الإعلامية، التى يعتمد عليها بشكل أساسى فى استقطاب المقاتلين على الوسائل الإلكترونية وظهر ذلك فى إصدار التنظيم لكتاب إلكترونى كدليل للسفر لمناطق تمركز داعش متاح على الانترنت باللغة الإنجليزية ليقدم نصائح للسفر إليها وهو ما يعكس ما يمتلكه التنظيم من مهارات، إضافة إلى استخدام الحسابات على تويتر من أجل جذب المقاتلين.
إضافة إلى إنشاء التنظيمات الإرهابية لعدد من المواقع التى توفر معلومات عن رؤيتها المتطرفة للإسلام والعديد من الصفحات للتنظيمات الإرهابية على تويتر وفيسبوك وقنوات اليوتيوب خاصة قناة جهاد أونلاين من أجل جذب المقاتلين لها من كافة أرجاء العالم، إلى جانب ذلك تم إطلاق عدد من القنوات المتخصصة من أجل استقطاب المرأة وحثها على الجهاد، ومن المثير أن كافة المؤشرات تعكس مدى فاعلية الحملة الإعلامية التى تدشنها داعش، خاصة فى ظل تصاعد عدد زوار منصاتهم الإعلامية بالإضافة إلى تزايد أعداد المنضمين للتنظيم.
وتأكيداً على ما سبق يرى آنيتا بريسين وألبرتو سيرفونى فى دراستهما المنشورة فى أبريل 2015 تحت عنوان «المهاجرات الغربيات لداعش» أن هناك تزايداً فى اعتماد الجماعات الإرهابية على وسائل التواصل الاجتماعى والاستخدام المكثف للانترنت من أجل بث الأفكار المتطرفة وتجنيد المقاتلين الجدد وتشكيل هوية الشباب وحثهم على «استعادة الخلافة» وفق رؤية التنظيم.
كما أشار جيمس جاى كارافانو فى دراسة عنوانها «تويتر يقتل: كيف أصبحت شبكات الانترنت تهديداً للأمن القومى» تم نشرها فى يونيو 2015 فى مجلة «ناشونال انترست»، إلى أن الجماعات الإرهابية استطاعت أن تحقق ما يسمى بالاستخدام النشط لمواقع التواصل الاجتماعى فهى تعتمد كليةً عليها فى نشر ما تقوم به من أعمال عنف وبث جرائم القتل والإعدام والإبادة الجماعية التى ترتكبها بهدف الانتشار العالمى وتصدر وسائل الإعلام بالإضافة إلى استخدامها لجذب المقاتلين من جميع أنحاء العالم من خلال الدخول فى دوائر للحوار العلنى.
على مستوى آخر، تناول هاردن لانج وبيتر جول وتريفور سوتون فى دراسة تم نشرها فى نوفمبر 2015 عنوانها «مواجهة تحدى تمويل الإرهاب فى الشرق الأوسط»، طرق التمويل المتصاعد للجماعات الإرهابية، وقاموا بتحديد المصادر المالية للجماعات الإرهابية والتحولات التى طرأت عليها من الاقتصار على تلقى التبرعات والمساهمات المالية إلى الاعتماد على التمويل الذاتى، والذى يتجسًد فى استخراج الموارد والثروات من الأراضى التى يسيطرون عليها وتلقى الضرائب ممن يقع تحت سيطرتهم.. وكيف أن القوة المالية للجماعات الإرهابية لم تقتصر فقط على عمليات تكرير وتهريب النفط ولكن تحقق داعش أرباحاً متفاقمة من عمليات بيع القطع الأثرية المنهوبة حيث أشارت كافة التقديرات إلى أن ما تحصل عليه داعش من عمليات بيع الآثار يأتى فى المرتبة الثانية بعد الإيرادات النفطية مباشرة. إضافة إلى اعتماد بعض الجماعات الإرهابية فى استمرارها وقدراتها العسكرية على التمويل الذى تتلقاه من دول لها مصالح محددة وهو ما يتضح فى تمويل إيران لعدد من الميليشيات العسكرية والجماعات المسلحة فى سوريا، كما رصدت دراسات غربية عديدة تصاعد أعداد المقاتلين المنضمين للجماعات الإرهابية وتنوع الخلفيات الاجتماعية والثقافية والدينية بالإضافة إلى اختلاف جنسياتهم.
ربما اختلف الشركاء، فسربوا لجريدة «الجارديان» البريطانية معلومات فى غاية الخطورة، تؤكد ما نطرحه.
الجارديان أكدت أن مسئولين أتراكاً أطلعوها على العديد من الأمثلة الموثقة لمقاتلين أجانب يغادرون أوروبا بجوازات سفر مسجلة فى قوائم مراقبة الإنتربول، ويصلون إلى تركيا من مطارات أوروبية وبصحبتهم أمتعة محملة بالأسلحة والذخيرة، ويتم إطلاق سراحهم بعد ترحيلهم من تركيا على الرغم من تحذيرات أنقرة بأن هؤلاء الأشخاص تربطهم صلات بشبكات تجتذب المقاتلين الأجانب.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مسئول أمنى تركى رفيع المستوى قوله: ساورتنا الشكوك فى أن يكون السبب وراء ذلك أنهم يريدون أن يأتى هؤلاء الأشخاص إلى (تركيا) لأنهم لا يريدونهم فى بلدانهم، أعتقد أنهم كانوا كسولين للغاية بل وغير مهيئين لذلك وظلوا يؤجلون النظر فى هذا الأمر حتى أصبح مزمناً.
وأوضحت الصحيفة أنها أجرت تلك الحوارات مع المسئولين الأتراك قبل وقوع الهجمات الإرهابية الأخيرة فى بروكسل والتى أعلن تنظيم داعش مسئوليته عنها، غير أن التفجيرات والهجمات التى شهدتها باريس فى نوفمبر الماضى أبرزت فشل أوروبا على نحو صارخ فى مواجهة التهديد من الأوروبيين الذين يعتزمون السفر إلى سوريا أو العراق للقتال إلى جانب داعش ثم يعودون ليرتكبوا فظائع فى بلدانهم.
واستشهدت الصحيفة البريطانية بما أعلنه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء الماضى عن أن إبراهيم البكراوى، أحد منفذى الهجوم الذى استهدف مطار زافينتيم فى بروكسل، كان قد تم اعتقاله فى «جازيانتيب» فى يونيو من العام الماضى بسبب شكوك بأنه ينوى السفر إلى سوريا كمقاتل أجنبى، لافتاً إلى أنه على الرغم من إبلاغ السلطات البلجيكية باعتقاله، إلا أنهم ردوا على تركيا بأنهم لا يملكون دليلاً على أن له صلة بالإرهاب، ولم يطلبوا تسليمه إليهم، وتم ترحيله إلى هولندا قبل أن يعود إلى بلجيكا.
ونقلت «الجارديان» عن أحد المسئولين البارزين فى تركيا قوله إن أنقرة حذرت أيضاً السلطات الفرنسية من «عمر إسماعيل مصطفى»، الذى ظهر اسمه فى تحقيق حول خلية من الرعايا الفرنسيين المشتبه فى صلتهم بالإرهاب استمر من أواخر عام 2014 إلى صيف 2015.. مشيراً إلى أن مصطفى كان أحد مسلحى داعش الذين اقتحموا مسرح باتاكلان فى نوفمبر من العام الماضى.
كما نفى المسئولون الأتراك فى مقابلات مع الجارديان، اتهامهم بالتقصير فى مكافحة خطر الإرهاب، وقدموا تفاصيل عن عدة حوادث تثبت أن الحكومات الأوروبية سمحت لهؤلاء الأشخاص بالسفر إلى تركيا، وأوردت الصحيفة البريطانية بعضاً من هذه الحوادث حيث أعادت إلى الأذهان أنه فى يونيو 2014، استجوب ضباط الأمن التركى فى مطار إسطنبول مواطناً نرويجياً قال لهم علناً إنه جاء إلى تركيا بهدف السفر إلى سوريا للـجهاد، وعندما فتشوا حقائبه، وجدوا أنه تمكن من الخروج من أوسلو بحقيبة كانت تحوى زياً مموهاً وإسعافات أولية وسكاكين، ومخزن بندقية وأجزاء من مدفع كلاشينوف «إيه كيه-47»، وهى المحتويات التى تمكن من تهريبها من سلطات الجمارك فى أوروبا.
وعلى الجانب الآخر، أكد مسئولون أوروبيون ومسئولون من قوات التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة مراراً ضرورة أن تبذل تركيا المزيد من الجهد لتأمين حدودها، فيما اتهم منتقدو أردوغان أنقرة بأنها تغض الطرف عن تدفق المقاتلين الأجانب، قائلين إن تركيا تأمل فى تقويض الرئيس السورى المحاصر بشار الأسد، وشددوا على غياب ما يعرقل المتطرفين فى منطقة الشرق الأوسط من السفر عبر تركيا إلى سوريا.
واختتمت الجارديان تقريرها بقولها إنه ليس من الواضح سبب قلة تبادل المعلومات المخابراتية بين دول الاتحاد الأوروبى وتركيا، وأوضحت أن المسئولين الأتراك أرجعوا ذلك إلى عدة عوامل؛ لخصوها فى محاولة أوروبا لتصدير مشكلة الإرهاب لساحات القتال فى سوريا بدلاً من معالجة تصاعد مشاعر الكراهية والخوف من الإسلام/الإسلاموفوبيا ومشاكل الاندماج؛ والقوانين التى تحد من سلطات المراقبة الأوروبية، إضافة إلى انعدام الثقة الشخصية فى أردوغان بين الزعماء الأوروبيين.
السؤال الآن:
هل هناك تقصير أو شبهة تقصير فى تعامل أجهزة المخابرات وأجهزة الأمن البلجيكية مع ما يهدد أمنها الداخلى فى ظل تنامى تيارات وأفكار وجماعات مؤيدة للظاهرة الداعشية؟
وهل الإجراءات الأمنية التى ستكلف أوروبا مليارات الدولارات كان يمكن توفيرها بإجراءات أخرى غير أمنية أو بوليسية؟
إجابة كل تلك الأسئلة، لدى من صنع الإرهابيين ومن يستخدمهم.
الإجابة لدى الولايات المتحدة وحلفاؤها، بريطانيا وإسرائيل ودول أخرى تابعة بينها تركيا وقطر، وهذا ما أصبح ثابتاً من واقع وثيقة مخابراتية تم تسريبها، أكدت أن المخابرات المركزية الأمريكية لديها قوائم وهويات وأعداد أعضاء التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم وأنها تحتفظ بروابط معهم فى مختلف أنحاء العالم.
الوثيقة أكدت أنّ الحكومة الأمريكية أحصت ما لا يقل عن 680 ألف شخص حول العالم لهم علاقات مباشرة بأنشطة مرتبطة بالإرهاب، بينهم 280 ألف شخص ليس لديهم ارتباط معروف بجماعة إرهابية، أما العدد المتبقى، والبالغ 400 ألف شخص، فهم إما مشبوهون بالانتماء إلى تنظيمات إرهابية أو بدعمها لمجموعات تعتبرها واشنطن إرهابية على غرار «تنظيم القاعدة» وكذلك «حزب الله» و«حماس» اللتيان تعتبرهما كلٌّ من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل منظمتين إرهابيتين.
وأكدت الوثيقة أن الأسماء تضمنتها دراسة تم الانتهاء منها فى شهر أغسطس 2013، تحت عنوان: «الإنجازات الاستراتيجية لعام 2013 حول هُويّات الإرهابيين»، وفيها أيضاً إشارة إلى أن بنك المعلومات «تايد» يضمّ نحو مليون اسم لأشخاص يشتبه بصلتهم بالمنظمات الإرهابية.
وأشارت الوثيقة إلى أنّ عدد الأشخاص الذين أدرجتهم وكالة المخابرات الأمريكية على القائمة الأمريكية للممنوعين من السفر على متن رحلات جوية من وإلى أو عبر الولايات المتحدة الأمريكية يبلغ 47 ألف شخص وقد تضاعف فى عهد الرئيس باراك أوباما عشر مرات.
وتتركز النسبة الكبرى من المشتبه بهم فى الانتماء إلى تنظيمات إرهابية أو دعم الإرهاب فى مدينة ديربورن، فى ميشيقان، وهى مدينة تضم 96 ألف ساكن، وفيها النسبة الكبرى من الأمريكيين العرب فى الولايات المتحدة الأمريكية.
تضيف الحكومة الأمريكية أسماء أشخاص فى قاعدة البيانات أو تضيف معلومات حول الأسماء المسجلة بحساب 900 ملف يومياً.
ومن وثيقة أخرى تسربت من المحكمة الاتحادية الأمريكية اتضح أنّ نحو 1.5 مليون من الأسماء أضيفت إلى قائمة المراقبة من طرف محاميى الإدارة على مدى السنوات الخمس الماضية، فكان تعليق الإدارة الاتحادية بأنّ العدد غير دقيق، وإنّ الإحصائيات، وبغض النظر عن العدد فإن الوثيقة لم تكن تتضمن أسماء الأشخاص فقط، بل معلومات مخابراتية حول سيرهم الذاتية أيضاً!
وضمن وثيقة المحكمة الاتحادية، كانت أسماء الـ16 ألفاً الذين كشفتهم الوثيقة الأحدث وبينهم 1200 أمريكى استهدفوا مطارات ومعابر حدودية، غير 611 ألف شخص على قائمة الإرهاب الرئيسية بينهم 39 ألف امرأة.
وفى الوثيقة أيضاً منظمات تستخدمها الإدارة الاتحادية فى مهام، أكبرها وأكثرها عدداً تنظيم فى العراق ويضم (73189 شخصاً) وحركة طالبان وتضمّ (62794 شخصاً) ثم فى سوريا (50446 شخصاً) وحماس (21913 فرداً) وحزب الله (21199 فرداً).
وفى الترتيب الأخير ضمن العشر جماعات الأولى نجد شبكة حقانى فى باكستان (12491 فرداً) والقوات الثورية المسلحة فى كولومبيا (11275 فرداً) وجماعة الشباب الصومالى (11547 فرداً).
وتوضح الوثيقة أنّه اعتباراً من سنة 2012، سجلت الولايات المتحدة الأمريكية 3200 شخص تحت اسم «إرهابيين معروفين» مرتبطين بالحرب فى سوريا بينهم 715 فرداً من الأوروبيين والكنديين إضافة إلى 410 أمريكيين.
وما يؤكد صحة ما جاء بتلك الوثائق، تلك التسريبات التى كشفها الموظف السابق بوكالة الأمن القومى الأمريكية إدوارد سنودن عن أن أبوبكر البغدادى، أمير تنظيم «داعش» والتى أكد فيها أنه كان عميلاً لجهاز المخابرات الإسرائيلى «الموساد»، وهى الوثيقة التى يمكن أن نستنتج منها بسهولة أن تنظيم «داعش» صنيعة المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية.
الأجهزة الثلاثة خططت لصناعة تنظيم قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم فى مكان واحد فى عملية أطلقوا عليها اسم «عش الدبابير» وهى خطة بريطانية قديمة هدفها حماية إسرائيل وتقضى بإنشاء «دين» شعاراته إسلامية قائم على مجموعة من الأحكام المتطرفة، ترفض أى فكر آخر، ومن أجل ذلك تم إخضاع أبوبكر البغدادى لدورة مكثفة استمرت لمدة سنة كاملة تلقى خلالها دورات فى فن الخطابة ودروساً فى علم اللاهوت، إضافة إلى طريقة اجتذاب النساء أو «عرائس الجهاد»، وهو ما يتم وفقاً لخطة معينة كشفها منشور «كتيبة الخنساء النسائية» التابعة للتنظيم، والتى أصدرت دار النشر الألمانية «هيردر» كتاباً يسلط الضوء عليها بالتفاصيل!
الخطة تركز على جذب نساء لم يحصلن على تعليم جيد للتنظيم وتعدهن بدور محدد فى المجتمع يتمثل فى «الأطفال والمطبخ والدين».
وإذا كان يتم اجتذاب الرجال بالسيارات الفارهة والزواج من أربع نساء، كما قال العائد من سوريا إبراهيم.ب، فإن «عرائس الجهاد» لا يذهبن إلى داعش بسبب رجال عجزوا عن شراء سيارة فى بلادهم أو يرغبون فى زوجة رابعة.
وإذا وضعنا فى الاعتبار الوثيقة الصادرة من داعش نفسها مطلع هذا العام لجذب شابات، فسنجد أنه لا مكان للإغراء بسلع استهلاكية أو بمنتجات ترفيهية، لكن العكس تماماً هو الصحيح إذ يحاول التنظيم جذب النساء من خلال فكرة العودة للدور التقليدى للمرأة وشرف فكرة كون المرأة ربة بيت وأماً!
كتاب «المرأة فى الدولة الإسلامية» يقدم دليلاً شارحاً وكاشفاً لكتيبة الخنساء داخل «داعش»، فى خمسين صفحة عبارة عن «منشور للتجنيد والبروباجندا» يقوم بتجميل شكل الحياة فى المناطق التى يسيطر عليها «داعش، فلا حديث عن وحشية التنظيم ضد الخارجين عنه أو ضد غير المسلمين ولا ضد الرافضين الانصياع لأوامره، كما أن خطاب الكراهية غير موجه ضد «الغرب الكافر» أو «الشيعة الخائنين» فحسب، لكنه موجه أيضاً ضد السعودية، بما يعنى أن السعوديات فى مقدمة الفئات المستهدفة من قبل «داعش»، فكثيراً ما يتطرق المنشور لوضعهن الشائك بشكل مباشر كالتالى «اذهبن إلى الأحياء الفقيرة جنوب الرياض أو بيوت المحتاجين فى محيط جدة،(...) عندها ستجدن نتيجة بحثكن عن الحقيقة».
الملفت للنظر هو الاطلاع الجيد الذى يتضح فى المنشور، على النقاشات الدائرة حول الإعانات المقدمة فى الغرب للنساء بعد الإنجاب، إذ إن هناك إشارة مباشرة للمناقشات الدائرة حول هذا النوع من الإعانات إذ تطرق المنشور لهذه النقطة تحديداً كما يلى: «نرى أن حكومات بعض الدول تقدم رواتب وإعانات حتى تتمكن النساء من العودة للبيت وتربية الأبناء».
وبالنظر إلى الدورات التعليمية والدينية والخاصة بإدارة البيت والكتابة والحساب، نكتشف أن نوعية النساء المستهدفات من مثل هذا المنشور، هن النساء المحرومات من أى نوع من التعليم العالى واللاتى لم يتمكنّ من الحصول على وظائف مهمة. بما يعنى أن الأمر يتعلق ببرنامج للمسلمات الشابات المنحدرات من الطبقة الدنيا سواء فى العالم العربى أو بين صفوف الفئات المهاجرة المهمشة فى الغرب.
واشنطن إذن صنعت تنظيم «داعش» وفق مواصفات تخدم أهدافها فى منطقة الشرق الأوسط، كما سبق أن صنعت القاعدة التى كانت فى الأصل أحد فروع الكيان الذى أنشأته المخابرات الأمريكية بدعم من المخابرات البريطانية MI6، والموساد الإسرائيلى، وجهاز المخابرات الباكستانية ISI.
أما قوات «داعش»، فهم جنود مشاة تابعون للتحالف العسكرى الغربى؛ ومهمتهم غير المعلنة هى تخريب وتدمير الدول العربية وأخرى أجنبية بالنيابة عن راعيهم الأمريكى. والثابت هو أن إسرائيل قدمت دعماً لـ«داعش» و«النصرة» من مرتفعات الجولان. كما أن مقاتلين داعشيين اجتمعوا مع ضباط الجيش الإسرائيلى ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو!
وبتتبع طبيعة العمليات التى يقومون بها، يسهل استنتاج وجود قوات خاصة وعملاء مخابرات غربيين فى صفوف «داعش»، وأن القوات الخاصة البريطانية ومخابرات MI6 شاركت فى تدريب المتمردين فى سوريا، وهناك أيضاً عشرات الوثائق تثبت أن التنظيم ليس أكثر من وحش تحركه وكالة المخابرت المركزية الأمريكية من أجل رسم خرائط جديدة لدول المنطقة وتغيير حدودها بشكل يفيد الولايات المتحدة، دون أن تضطر إلى التدخل بجيوشها وقوتها العسكرية.
ومهم هنا أن نوضح الدور المحورى لحكومة حزب «العدالة والتنمية» فى تركيا فى مساعدة إرهابيى تنظيم «داعش» حيث توجد على الأراضى التركية معسكرات لتدريبهم بمشاركة مسئولين عسكريين أتراك إضافة إلى أن هناك ضباطاً أتراكاً انضموا للتنظيم، إلى جانب أن تركيا تعمل على تغذية الإرهاب بطريقتين أولاهما تدريب وإرسال الإرهابيين إلى الدول المجاورة لها كسوريا والعراق وثانيهما عن طريق طلب المساعدة من حلف الناتو لحماية حدودها الأمر الذى دفع دول الحلف لإرسال بطاريات صواريخ باتريوت وجنود لتحقيق ذلك.
ولعلنا نتذكر أن جريدة «نيويورك تايمز» سبق أن نشرت تقريراً تساءل عن طبيعة العلاقة بين السيناتور الأمريكى جون ماكين، وأبوبكر البغدادى بالتزامن مع ظهور صورة تجمعهما!
والتنظيم كما أصبح معروفاً وواضحاً يتمركز فى الشمال السورى ليتم استخدامه كقاعدة لنشر الرعب وإخلال التوازن فى العالم العربى، وبالتدريج يجرى استخدام تلك العناصر ضد روسيا والصين، معتمدين فى ذلك على عناصر التنظيم القادمة من الشيشان وجورجيا، بما يعنى أن المرحلة القادمة ستكون محاربة روسيا. كما بدأت تركيا وأمريكا بتدريب مسلمين صينيين يتحدثون اللغة التركية لاستخدامهم فيما بعد ضد الصين، لتكون داعش هى الورقة التى تحركها الولايات المتحدة ضد دول البريكس لإضعافهم لأنها لا تريد إلا مجتمعاً أحادى القطبية.
وربما يفسر ذلك الكتيب الذى نشرته «واشنطن بلوج»، وربط بين ظهور التنظيم وسياسات الولايات المتحدة، وهو الكتاب الذى كان عنوانه «فضح هوية داعش unmasking ISIS»، وكشف أن «داعش» يديره مجلس الجنرالات العراقى السابق، ومعظمهم من حزب الرئيس العراقى السابق صدام حسين «حزب البعث». وبين الغرائب التى كشفها الكتيب عن تاريخ قادة «داعش»، أن فيهم واحداً لم يمكن موجوداً من الأساس وآخر، تم قتله ثم ألقى القبض عليه ثم تم قتله مرة أخرى!
وطرح الكتيب سؤالاً عن إرهابى اسمه «عبدالله راشد البغدادى» ذكرت صحيفة «نيو يورك تايمز» الأمريكية، عام 2007، أنه زعيم أعتى الجماعات المتمردة فى العراق.
كما أشار الكتيب إلى تاريخ الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط بدأ بين عامى 1932 و1948 عندما زرعت جذور الحرب الراهنة فى العراق، لوجود خط نفط ذى أهمية استراتيجية لبريطانيا وأمريكا أثناء الحرب العالمية الثانية، وهو الخط الذى تم مده إلى فلسطين ليساعد إسرائيل على بناء دولتها!
أما ما يخص داعش، فنكتشف أن التنظيم تدرج فى عدة مراحل قبل أن يصل إلى ما هو عليه، فبعد تشكيل جماعة التوحيد والجهاد بزعامة أبى مصعب الزرقاوى فى عام 2004، تلا ذلك مبايعته لزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن ليصبح تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين. وكثف التنظيم من عملياته إلى ان أصبح واحداً من أقوى التنظيمات فى الساحة العراقية وبدأ يبسط نفوذه على مناطق واسعة من العراق إلى أن جاء فى عام 2006 ليخرج الزرقاوى على الملأ فى شريط مصور معلناً عن تشكيل مجلس شورى المجاهدين بزعامة عبدالله رشيد البغدادى.
وبعد مقتل الزرقاوى فى الشهر نفسه، جرى انتخاب أبى حمزة المهاجر زعيماً للتنظيم. وفى نهاية السنة، تم تشكيل دولة العراق الإسلامية بزعامة أبى عمر البغدادى. وفى 19 أبريل 2010 قتلت القوات الأمريكية والعراقية أبوعمر البغدادى وأبوحمزة المهاجر، وبعد حوالى عشرة أيام، انعقد مجلس شورى الدولة ليختار أبوبكر البغدادى خليفة له والناصر لدين الله سليمان وزيراً للحرب.
وفى التاسع من أبريل سنة 2011، ظهر تسجيل صوتى منسوب لأبى بكر البغدادى يعلن فيها أن جبهة «النصرة» فى سوريا هى امتداد لدولة العراق الإسلامية، وأعلن فيها إلغاء اسمى «جبهة النصرة» و«دولة العراق الإسلامية» تحت مسمى واحد وهو «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، لكن «جبهة النصرة» رفضت الالتحاق بهذا الكيان الجديد، وينشط كل من التنظيمين بشكل منفصل فى سوريا.
ونشير إلى أن هناك اتجاهاً أمريكياً للتركيز على منطقة المحيط الهادئ وعلى علاقات من نوع جديد مع أوروبا التى أصبحت واشنطن تتعامل معها من منطلق أنها القارّة العجوز التى عليها أن تتدبّر أمورها بنفسها، بما فى ذلك المشكلة الناجمة عن تدفّق اللاجئين السوريين بالآلاف على دولها. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، يُعتبر بلد مثل اليمن فى غاية الأهمّية بالنسبة إلى الأمن الخليجى، ورغم ذلك فاليمن ليس على قائمة الأولويات الأمريكية بأى شكل، رغم أن هناك سعياً عربياً لمنع سقوط اليمن وتحوّله إلى مستعمرة إيرانية.
الخلاصة، هى أننا أمام حرب جديدة، اندلعت على مساحة العالم، أسوأ ما فيها أنها جزء من حرب الظلال وأن معظم ضحاياها يسقطون دون أن يعرفوا سبباً لذلك وأخطر ما فيها أن الرد لا يضع أى اعتبار للقواعد، لأنها فى الأساس أو فى الأصل حرب بلا إنسانية وبلا أخلاق.