الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:35 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: رسائل الحرب إلى المجوس

أسرار المناورة التى شارك فيها 350 ألف جندى و20 ألف دبابة، و460 مروحية
ماذا تعنى مشاركة مصر «رعد الشمال» التى انطلقت فعالياتها فى فبراير الماضى، بمدينة الملك خالد العسكرية بمحافظة حفر الباطن شمال المملكة العربية السعودية؟!
وماذا يعنى حضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، البيان الختامى للمناورات؟
بداية علينا أن نوضح أن عدد القوات المشاركة فى مناورات «رعد الشمال» بلغ 350 ألف جندى، من 20 دولة، أبرزها مصر والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، والبحرين، وأنه جرى خلال تلك المناورات استخدام 2540 مقاتلة، و20 ألف دبابة، و460 مروحية، ومئات السفن.
المناورات شهدت تدريبات مكثفة على مواجهة التهديدات المحتملة سواء فى إطار الحرب النظامية أو غير النظامية، كما تم خلالها التعاون الوثيق بين مختلف عناصر القوات المسلحة من الدول العربية المشاركة لتحقيق الأهداف المرجوة من المناورات.
وجاء حرص الرئيس على مشاركة مصر فى مناورات رعد الشمال فى إطار دورها القومى لتعزيز أمن واستقرار المنطقة العربية إقليمياً ودولياً، والتزاماً بتعزيز روح التعاون الإيجابية البناءة بين الدول العربية، وهو الأمر الذى يؤكد حرص مصر على توطيد العلاقات العربية ودفعها قدماً فى شتى المجالات، خاصة فى تلك المرحلة الدقيقة التى يمر بها عدد من دول المنطقة العربية والتى تستلزم تحقيق وحدة الصف والتضامن العربى.
اهتمام الرئيس بحضور البيان الختامى يأتى فى إطار حرص مصر على دعم وتعزيز الأمن القومى العربى وأمن دول منطقة الخليج العربى الذى تعتبره مصر جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومى.
وربما أراد الرئيس السيسى أن يؤكد لدول الخليج وللعالم أن مصر تمتلك أذرعا طويلة وأنها لا تزال تحافظ على الوعد الذى قطعه الرئيس عندما قال «مسافة السكة» مع توضيح أن الوعد كان يتعلق بتعرض الأشقاء لعدوان خارجى، ولا علاقة له بممارسة العدوان على دول أخرى!
ونشير هنا إلى أن ترتيب الزعماء على المنصة الرئيسية التى توسطها العاهل السعودى الحضور كان عاكساً لأهمية دولهم ودرجة قوة علاقاتها مع المملكة، فقد كان إلى يساره الرئيس عبدالفتاح السيسى ونواز شريف رئيس وزراء باكستان وإلى يمينه الشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت يليه الشيخ تميم بن حمد آل ثانى أمير قطر، ثم الرئيس عمر البشير والرئيس الموريتانى محمد بن عبدالعزيز، الأمر الذى يؤكد عمق العلاقة المصرية السعودية، بعيداً عن أى محاولات لدق «الأسافين» بين البلدين الشقيقين. وبالوضع فى الاعتبار أن مشاركة مصر بتشكيل قتالى جوى وبرى وبحرى فى المناورة، يمكننا القول إنه قد يكون من بين نتائجها بدء الخطوات العملية فى اتجاه بناء القوة العربية المشتركة.
وهناك رسالة بالغة الأهمية تؤكد موقف مصر الثابت بجانب دول الخليج فى مواجهة أى عدوان عليها قد تفكر فيه إيران، خاصة أن مكان المناورة «حفر الباطن» أقصى شمال شرق السعودية وعلى الحدود الكويتية والعراقية وساحلها مطل على الساحل الإيرانى.
الإشارة هنا واجبة، إلى أن تلك هى المرة الأولى التى يشهد فيها هذا العدد من رؤساء الدول والملوك، ختام مناورات عسكرية، إذ شارك الرئيس المصرى والباكستانى والعاهل الأردنى والبحرينى وأمير الكويت وقطر وولى عهد الإمارات، ما يكشف عن معانٍ أخرى بخلاف رسالة الوحدة العربية الإسلامية. غير أن الحضور القطرى وإن كان بعدد ضئيل يتناسب مع حجم تلك الدويلة، التى لم تتوقف عن دعم وتمويل واحتضان رموز الإخوان الإرهابيين، وإيواء الهاربين واستمرار دعمها وتوجيهها للحملات الإعلامية العدائية من وسائل الإعلام القطرية والتركية وغيرها.
كذلك، كان لافتاً عدم مشاركة تركيا، التى كانت قد أيّدت بشكل قوى التحالف الإسلامى ضد «الإرهاب»، وتقف إلى حد كبير مع الموقف السعودى نفسه لجهة نظام بشار الأسد والأزمة السورية، فى مناورات (رعد الشمال) يثير عدداً من الأسئلة، خاصة بعد ما تردد عن انضمام القوات المسلحة التركية إلى مناورات (رعد الشمال)، وإعلان مصادر أن تركيا أرسلت 400 جندى إلى الأراضى السعودية للمشاركة فى المناورات، لكن مثل هذه المعلومات سرعان ما تراجعت ولم تثبت صحتها.
الإجابة قد نجدها فى الزيارة التى قام بها رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو إلى طهران ومحادثاته مع القيادة الإيرانية، والتى تركزت على عدد من الملفات، بينها الصراع فى سوريا، رغم اختلاف موقف طهران وأنقرة من ذلك الصراع، خصوصاً مصير الرئيس بشار الأسد، كما تركزت على المصالح المشتركة وتطوير العلاقات مع إيران، ورفع التبادل التجارى بين البلدين إلى 50 مليار دولار.
وخلال المحادثات، أكد داود أوغلو على جدية بلاده فى فتح فصل جديد من التعاون مع إيران، وقال إن على البلدين تطوير منظور مشترك لإنهاء الصراع الطائفى فى المنطقة. وقال روحانى إن لدى إيران وتركيا مصالح مشتركة، ويجب أن يتركز تنسيقهما وتعاونهما على محاربة «الإرهاب» باعتباره عدواً مشتركاً.
ونضيف إلى ذلك انخراط تركيا فى علاقات استراتيجية واقتصادية ضخمة مع إيران، وأن المشاركة المصرية القوية فى المناورات كان لها التأثير الأكبر على عدم مشاركة تركيا، وهى التى تناصب القاهرة العداء. كما لا يجب أن ننسى أن قاعدة أنجرليك الأمريكية التركية كانت قد استقبلت فى نهاية فبراير الماضى مقاتلات وأطقماً عسكرية سعودية فى إطار الاستعدادات لأى تدخل عسكرى فى سوريا!
رسمياً، صرح ناطق باسم الجيش السعودى بأن المناورات تهدف إلى رفع نسبة جهوز القتال لدى الجيوش العربية لحماية الشعب العربى والإسلامى من أخطار الإرهاب، وأن يكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة التحديات من التنظيمات الإرهابية، أهمها «داعش». لكن عملياً ووفق تقدير مراقبين وخبراء، فإن الهدف من المناورات كان أبعد من ذلك بكثير، خاصة أنها تأتى وسط تطورات ميدانية سريعة فى سوريا، وفى ظل توتر سعودى ـ ايرانى لا سابق له منذ الثورة الإسلامية فى إيران. وهى الأجواء التى أثارت تكهنات بتدخل عسكرى برى فى سوريا لوقف التقدم الذى يحققه الجيش السورى بمساعدة الغارات الروسية فى شمال البلاد، ومنع انهيار المعارضة السورية المدعومة من السعودية، ورداً على القصف الروسى الذى يطال كل الفصائل.
والثابت هو أن تلك المناورات هى الأضخم فى تاريخ السعودية والمنطقة وربما المنطقة الإسلامية كلها، ولا يمكن قراءتها على أنها تدريبات عسكرية فحسب، نظراً للدلالات والرسائل الضمنية التى تنطوى عليها.
ويكفى أن نرصد ردود الأفعال على تصريح مستشار وزير الدفاع السعودى العميد أحمد العسيرى الذى أبدى استعداد المملكة للتدخل براً ضد «داعش» إذا قرر الائتلاف الدولى القيام بعمليات من هذا النوع، وهو التصريح الذى قوبل بترحيب من واشنطن، بينما ردت عليه طهران ودمشق بتشنّج، فيما استخفت به موسكو.
ولا يمكن لأى مراقب إلا أن يربط بين التصريحات السعودية و«رعد الشمال». أما تحول الساحة السورية إلى مسرح للحرب الشاملة، خاصة فى ظل التوتر السعودى ـ الإيرانى، فهى أمر حادث فعلا. والساحة السورية تشهد بالفعل قتالاً بين أطراف متعددة على الأرض وفى السماء والبحر، وكل هؤلاء يتقاتلون بجنود دول مختلفة وأسلحة مختلفة وأجندات خارجية مختلفة.
بهذا الشكل، يمكن النظر إلى حضور الرئيس السيسى على أنه رسالة تشجيع وإبداء حسن النوايا، وهو الأمر الذى يفتح باب الاحتمالات أمام رؤية ومصالح جميع الأطراف، بشكل لا يؤثر سلباً على الرسائل الإيجابية التى أكدها حضور الرئيس السيسى وهو الذى لم يتدخل من قبل فى شأن أى دولة، والحريص على رأب الصدع وإزالة أية خلافات ويؤكد دائماً فى أحاديثه «ما عندناش وقت»، وأن «المنطقة على صفيح ساخن»، كما أن الثابت هو أن الرئيس السيسى لم يتنازل عن حلم القوة العربية المشتركة، وأنه يسعى إلى أمن قومى مصرى مرتبط بالأمن القومى العربى، وعلاقة دول الخليج تستدعى التقدم للأمام فى اتجاه الأمن القومى العربى.
وأخيراً، تأتى مشاركة القوات المسلحة المصرية بهذا الشكل اللافت فى المناورات لتثبت من جديد كفاءة مقاتليها غير العادية التى استحقت إعجاب كل الدول المشاركة.. إلى جانب قدرتها العالية على الإمداد والتموين بنقل كل هذه القوات للخليج فى زمن قياسى. وإذا أضفنا نتائج المناورات العسكرية مع فرنسا فى عرض البحر المتوسط، يكون علينا أن نحمد لله وأن ندعوه دائماً بأن يحفظ مصر وجيشها.