الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:34 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: أسماء الصحفيين ورجال الأعمال المتورطين فى التطبيع مع إسرائيل


سفراء تل أبيب فى القاهرة يكشفون أسرار اللقاءات السرية ويفضحون جواسيس البيزنس
ديفيد سلطان: عائلة كامل دياب تمتلك مزرعة تكنولوجية إسرائيلية.. وقابلت عادل إمام وأيمن نور فى مقر السفارة
- رجل الأعمال صلاح نبهان يدير خط طيران العال إلى تل أبيب!
شالوم كوهين: استقبلنا 200 طالب مصرى لدراسة الزراعة و150 شخصية مرموقة تزورنى فى بيتى!
- مؤسسات التمويل الأجنبى تدفع أموالها لمنظمات المجتمع المدنى من دماء أطفال فلسطين
هل حقاً التقى حاييم كورين، السفير اﻹسرائيلى بالقاهرة بالعديد من البرلمانيين والصحفيين المصريين؟!
وهل كانت لقاءاته بهم «ناجحة جداً» كما أكد كورين، لبرنامج «بتوقيت مصر»، على قناة «بى.بى.سى.عربى»؟!
بين ما قاله السفير الإسرائيلى «يلتقون بنا ثم يقولون لا تخبروا العالم أننا التقينا» وهو ما وصفه بأنه «أمر مضحك» قبل أن يعلن رفضه الإفصاح عن أسمائهم!
نعرف بالطبع أن هناك بين البرلمانيين والصحفيين والشخصيات العامة من التقوا بالسفير الإسرائيلى، لكن ما نعلمه أيضاً ويمكننا تأكيده أنها حالات يمكن عدّها على أصابع اليد أو اليدين على الأكثر، وأنها لا تعكس توجهات بقدر ما تعكس توجهات فردية لا تعبر عن قناعات بقدر ما تحقق مصالح!
صحيح، لا يوجد أى قانون يعاقب المطبعين مع إسرائيل.. غير أن هذا لا ينفى أن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل التى تنص على وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، ليست أكثر من حبر على ورق، وأن غالبية الشعب إن لم يكن كله وباستثناءات تكاد لا تذكر يحتفظ بكراهيته لذلك الكيان ويرفض وجود أى علاقات وتحت أى مستوى بين البلدين، ولايزال لكلمة «التطبيع» وقع سيئ، بل وشديد السوء فى الشارع المصرى، رغم المحاولات المستميتة ورغم الدور الذى لعبته وتلعبه السفارة الإسرائيلية وسفيرها. ويكفى لتأكيد أن مصر لا تزال عصية على التطبيع وتحديداً على المستوى الشعبى، أن نشير إلى أن كل محاولات التطبيع ظلت مرفوضة بين عموم المصريين، بشكل يجعل الدولة المصرية بين نارين، الأولى هى اتفاقية السلام التى تكبّل يديها وتسبب لها إحراجاً دولياً إذا لم تلتزم بها، والثانية موقف الشعب المصرى الذى يرفض التطبيع جملة وتفصيلاً. وربما يخفف من النار الثانية أن المجتمع المصرى يفرّق ويميز ما بين الأداء الرسمى للدولة الذى فرضته ظروف واتفاقيات مرفوضة شعبياً، وبين أشخاص يسمحون لأنفسهم بالتعامل مع كيان ما زال يعتبره العدو الرئيسى، برغم كل المحاولات التى تجرى فى المنطقة العربية لاستحداث صراع طائفى ومذهبى بديلاً عن الصراع العربى الإسرائيلى.
ومن المفارقات أيضاً، أنّه رغم توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل منذ أربعين عاماً، فإن المسئولين المصريّين تجنّبوا غالباً اللقاءات العلنّية مع المسئولين الإسرائيليين. غير أننا يمكننا ملاحظة أن الكيان الصهيونى بدأ يتبع استراتيجية جديدة فى تعامله مع مصر والدول العربية عموماً، تعتمد على التمهيد لمرحلة جديدة يتمكن خلالها من إخراج العلاقات السرية إلى العلن، حيث صرح وزير الحرب الإسرائيلى موشيه يعالون مؤخراً، بأنه «يوجد لدى إسرائيل قنوات اتصال وحوار مع دول عربية سُنية مجاورة ليس فقط الأردن ومصر، بل أتحدث عن دول الخليج ودول شمال إفريقيا، صحيح أنهم لا يصافحوننا بشكل علنى لكننا نلتقيهم ونجتمع بهم فى الغرف المغلقة».
مهمة كشف العلاقات الإسرائيلية العربية ونقلها من الحيز المغلق إلى المفتوح، ينفذها الكيان الصهيونى عبر استراتيجية جديدة تعمل على نشر أى خبر أو وثيقة أو تحرك عربى أو فلسطينى مع إسرائيل إلى العلن، فالاستراتيجية الجديدة هدفها إيصال رسالة مفادها أن الكيان الصهيونى لم يعد يقبل بعلاقات سرية تربطه مع الدول العربية والإسلامية وأن التطبيع العربى مع العدو الإسرائيلى يجب أن يتم بوتيرة سريعة، ما دفع تل أبيب لمحاولة تقديم حزمة من التطبيع السياسى والإعلامى والثقافى والعسكرى مع الدول العربية؛ خاصة مصر.
*********************
2
هل تتذكر الضجة التى أثارتها زيارة السفير الإسرائيلى فى القاهرة لمؤسسة الأهرام؟!
إنها الأزمة التى نالت اهتماماً كبيراً ليس فى الوسط الإعلامى فقط، وإنما ظلت تشغل فئات كبيرة من الشعب يتقدمهم المثقفون طوال شهور كما أثارت غضب شباب الأهرام واللجنة النقابية بالمؤسسة، واستفزت نقابة الصحفيين التى اتجهت إلى مساءلة الدكتورة هالة مصطفى رئيس تحرير مجلة الديمقراطية التى تصدرها المؤسسة، والتى استقبلت فى مكتبها شالوم كوهين، السفير الإسرائيلى فى ذلك الوقت.
وغير الأزمة التى أثيرت وقتها، خرجنا بأن ذهاب السفير الإسرائيلى بنفسه للقاء رئيسة تحرير مجلة محدودة التوزيع، دلالة أو محاولة كاشفة عن مدى الدأب والإلحاح الذى يبذله الإسرائيليون لاختراق الساحة الإعلامية فى مصر.
ونشير هنا إلى أن آفى ديختر، الذى كان وزيراً للأمن الداخلى الإسرائيلى، قال فى محاضرة شهيرة إن إسرائيل لكى تثبت أقدامها فى مصر، فإنها تعتمد على ركائز أولها «إقامة شراكة مع القوى والفاعليات المؤثرة والمالكة لعناصر القوة فى الدولة وهى الطبقة الحاكمة، طبقة رجال الأعمال.. والنخب الإعلامية والسياسية.
وعلى الرغم من أن الرجل قال ذلك فى معهد أبحاث الأمن القومى فى 4 سبتمبر سنة 2008 فإن الاختراق الإسرائيلى لأوساط النخب المصرية لا يزال غير مرصود بوضوح إلى الآن، ربما لأن ما يتم منه خارج الدوائر الرسمية يحاط بتكتم وحذر شديدين لأسباب معروفة.. وغالباً ما نعرف تفاصيل بعض ذلك الاختراق من الجانب الإسرائيلى!
شالوم كوهين، مثلاً، الذى زار هالة مصطفى فى مكتبها بـ«الأهرام» قال فى حوار نشرته جريدة «الشرق الأوسط» فى 13 سبتمبر 2009 إنه خلال السنوات الأربع التى قضاها سفيراً فى القاهرة حدث تقدم كبير فى مسيرة التطبيع! وأكد أن العلاقات بين مصر وإسرائيل لا تقف ولا تنتهى وأنها تشمل مجالات كثيرة منها الاقتصاد والتجارة والحوار السياسى الشفاف وضرب مثالاً باستقبال إسرائيل تلك السنة (سنة 2009) لـ200 طالب مصرى لدراسة فنون الزراعة كدورات تدريبية تمتد إلى 6 أشهر، وأشار إلى أن التبادلات التجارية تصل لحوالى 400 مليون دولار.
وكشف كوهين فى الحوار أنه يقيم حفل إفطار سنوياً خلال شهر رمضان بحديقة فيلته يحضره ما يزيد على 150 شخصية مرموقة يعزف خلالها النشيدين المصرى والإسرائيلى، إضافة إلى وجود 4 رحلات جوية بين البلدين أسبوعياً ينتقل على متنها مواطنون عرب من إسرائيليين ورجال أعمال، ومعبر طابا الذى كان يمر خلاله 400 ألف إسرائيلى سنوياً.
وبين ما كشفه شالوم كوهين أنه قابل فاروق حسنى، وزير الثقافة المصرى وقتها، وأكد أنه قابله بحرارة وناقشا العديد من الموضوعات، وأن هدف اللقاء كان بحث كيفية تطوير الحوار الثقافى والاجتماعى بين البلدين، ورغم استقبال حسنى الحار لكوهين وشكره على مبادرته فإنه رفض طلبة للتطبيع، وأكد أنه لا تطبيع حتى حل القضية الفلسطينية.
وكشف كوهين أنه قام بزيارة سفراء عرب فى القاهرة خاصة الفلسطينى والأردنى فى احتفالات ومناسبات تبادلوا خلالها الحديث والمجاملات، وأنه تتم دعوته لحفلات زفاف من قبل بعض الأصدقاء فى القاهرة.
كما زعم أن لديه صداقات تجمعه بمثقفين ورجال أعمال وفنانين وصحفيين وأنه يحتفظ بعلاقات واسعة معهم، غير أن الرجل اعتذر عن عدم ذكر أسماء الذين يحضرون الحفلات التى يقيمها ويتبادل معهم الزيارات أو الذين يرحبون بالمثقفين الإسرائيليين الذين يفدون إلى القاهرة، ولم يذكر من أسماء هؤلاء غير الدكتور عبدالمنعم سعيد والدكتورة هالة مصطفى!
*********************
3
وقبل أن نعرض تفاصيل أكثر كشفها سفير إسرائيلى آخر، نشير أولاً إلى أن عدداً من الكيانات التى تمول منظمات المجتمع المدنى تضع العلاقة مع إسرائيل كشرط أساسى فى تقديم المعونات والمنح! فوكالة التنمية الدولية السويدية (SIDA) التابعة لوزارة الخارجية السويدية، وضعت استراتيجية تركز على دمج «إسرائيل» اقتصادياً فى المنطقة العربية، كمقدّمة أساسية لما تصفه الوكالة بـ«منع النزاعات»!
وكذلك، الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC) تضع ضمن أولوياتها لمنطقة «الشرق الأوسط» تحقيق «سلام دائم» ودعم «الوسائل السلميّة لحل النزاعات».
ولاحظ أن المثالين من دولتين لهما تأثير سياسى ضعيف لنؤكد أنه حتى تلك الدول ذات التأثير الضعيف، تدفع بكامل قوّتها لدمج «إسرائيل» فى المنطقة وتطبيع العلاقات معها من خلال المشاريع المشتركة، والتعاون والتواصل عبر الحدود، ومبادرات السلام، ومبادرات حل النزاعات، والتعامل مع «الإقليم» كوحدة واحدة متكاملة. فإذا كان هذا حال جهات التمويل التابعة للدول ضعيفة التأثير فكيف يكون الحال مع الممولين الكبار مثل الـUSAID التابعة للخارجية الأمريكية، أو الاتحاد الأوروبى ومؤسساتها الكبرى مثل مؤسسة آنا ليندا التى تعلن بكل وضوح دعمها ومساندتها لإسرائيل؟!
ولا نبالغ لو قلنا إن غالبية جهات التمويل والمعاهد الثقافية التى تتبع وزارات الخارجية فى بلادها (SIDA، USAID، SDC، CIDA، British Council، Institute Francis، وغيرها) وبالتالى فهى جزء من ذراع السياسة الخارجية لبلدانها التى تدعم «إسرائيل» بشكل مطلق وفى كل المحافل وتحت كل الظروف.
أما المؤسسات الألمانية مثل فريدرش ناومان، وفريدريش إيبرت، وهاينرش بول، وروزا لوكسمبورج، فهى تتبع الأحزاب الألمانية (الديمقراطى الحر، الاجتماعى الديمقراطى، الخضر، اليسار) وجميعها تدعم «إسرائيل».
ولاحظ أننا لا نسمع شيئاً من هذه الكيانات عن الجرائم الإسرائيلية والقتل والتشريد والمذابح وأن كل ما نسمعه منها مجرد كلام «السلام» و«حل النزاعات» و«التعايش» و«مدّ الجسور» و«مشروعات البنى التحتية المشتركة» والمشاريع الثقافية المشتركة.
ولعلنا لا نكشف سراً لو قلنا إن هؤلاء المموِّلين (والجهات التى تأخذ الأموال منهم وتنفذ مشروعات بالتعاون معهم) لا يوزّعون الأموال لوجه الله، وأنهم جميعاً يعملون وفق استراتيجيّات مكتوبة وواضحة فى ما يتعلّق بالمنطقة، وبالتالى فهم يشاركون بشكل كبير فى إعادة إنتاج المنطقة ودمج «إسرائيل» فيها على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتشكيل فئات مرتبطة مالياً بالمموّلين، وهى بالضبط تلك الفئات التى يظهر واحد منها كل فترة، ليثير الجدل بشأن أنشطة تطبيعية يقوم بها.
**********************
4
ونأتى للتفاصيل الأكثر التى كشفها أو فضحها ديفيد سلطان الذى كان سفيراً لتل أبيب لدى القاهرة فى كتاب فاضح، وملىء بالمفاجآت.
مفاجآت تجعلك تعيد النظر وتعيد تفسير مواقف كثير من السياسيين والمثقفين والصحفيين ورجال الأعمال.. فى مصر.
أسماء كثيرة فضحها سلطان فى كتابه «بين القاهرة والقدس» من عمرو موسى وأسامة الباز ومصطفى خليل وكمال الجنزورى وصفوت الشريف إلى مكرم محمد أحمد وإبراهيم وأحمد نافع وعبدالمنعم سعيد وعلى السمان وعادل إمام وأيمن نور.. إلى رجال أعمال كثيرين أبرزهم حسين سالم وكامل دياب وحسين صبور وشفيق جبر وطارق حجى.. إلى صحفيين يعدون برامج مشتركة بين الدولتين تبث فى آن واحد فى مصر وإسرائيل وصحفيين إسرائيليين يجتمعون مع هيئة تحرير جريدة الأهرام.. إلى رجال أعمال دفعوا لصحفيين لإجراء حوارات مع أعضاء بالسفارة الإسرائيلية.. إلى نقابة الصحفيين التى لم تتخذ إجراءات ضد صحفيين على اتصال دائم بالسفارة وآخرين زاروا إسرائيل!
هذا بالطبع غير أصحاب المواقف المعلنة من التطبيع مثل يوسف والى وأنيس منصور وعلى سالم وغيرهم.
وبافتراض صحة الوقائع التى جاءت فى الكتاب، يكون ديفيد سلطان محقاً حين قال بوضوح إن «النتيجة الرئيسية من دراسة موضوع تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل هى أنه لا يوجد فى مصر سواء فى النظام أو لدى معظم الشعب موقف مبدئى ضد التطبيع. كما أنها تضع فى الحسبان إمكانية إقامة علاقات مع إسرائيل»!
النتيجة صادمة، لكنها كما قلنا ستكون طبيعية لو صحّت الوقائع التى قرأناها فى الكتاب، الذى يكشف خبرات مؤلفه الشخصية التى اكتسبها فى السنوات من 1992 إلى 1996 وهى سنوات خدمته سفيراً لإسرائيل فى القاهرة، وهى فترة حكم إسحق رابين وشمعون بيريز!
فى تلك الفترة، يشير سلطان إلى أن عدد الأشخاص المشاركين بشكل فعال، فى وضع السياسة المصرية تجاه إسرائيل، باستثناء مبارك، قليل جداً من بينهم وزير الخارجية عمرو موسى والدكتور أسامة الباز الذى شغل منصب مستشار الرئيس لشئون السياسة الخارجية ورئيس المخابرات العامة المصرية عمر سليمان والدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء الأسبق الذى عمل نائباً للرئيس مبارك فى رئاسة الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم ووزير الإعلام صفوت الشريف.
أما دور رؤساء الحكومات الذين تولوا فى تلك الفترة، فيؤكد سلطان أنه كان هامشياً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية بشكل عام والسياسة تجاه إسرائيل بشكل خاص.
لظروف المساحة سنقفز على علاقاته ببعض الوزراء والمعارضين فى عهد مبارك، وسنتوقف سريعاً لظروف المساحة أيضاً عند ما جاء فى الكتاب عن رجال أعمال مارسوا عملاً سياسياً، وهؤلاء يصفهم ديفيد سلطان بأنهم «بشكل عام القطاع صاحب الرؤية الإيجابية جداً من السلام مع إسرائيل وإقامة علاقات معها من بين الشعب المصرى»، ويوضح السفير الإسرائيلى الأسبق أن هذا القطاع تطور «واتسع سريعاً بعد الإصلاح الاقتصادى الذى اتبعه الرئيس السادات».
هذه الإصلاحات خلقت حرية أكثر من الماضى عن طريق توسيع القطاع الخاص على حساب القطاع العام، وكثيرون فى هذا القطاع كما يؤكد سلطان أصحاب رؤية براجماتية بعيدة عن الأيديولوجية وبالنسبة لإسرائيل فإنهم متحررون بشكل كبير من رواسب عداء الماضى.
وعلى الرغم من كونهم رجال أعمال أفراداً يضيف سلطان وأنه من المهم لمعظمهم الرسالة التى يرسلها النظام حول إقامة علاقات تجارية واقتصادية مع إسرائيل فإنه بمجرد ما أزيلت القيود التجارية مع إسرائيل وألغى حظر السفر إليها لم يتردد كثير من رجال الأعمال فى المبادرة بإقامة مثل هذه العلاقات بأنفسهم.
وعلى عهدة السفير الإسرائيلى الأسبق، فقد زار رجال الأعمال إسرائيل بأعداد متزايدة، وكان من بين رجال الأعمال من استغل قربه من القيادة ليطلب انفتاحاً أكبر وتحسيناً للعلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل، وأحدهم بذل جهوداً كبيرة لتذليل الصعوبات التى واجهت رجال الأعمال الإسرائيليين الذين أرادوا الحصول على تأشيرة دخول لمصر لأكثر من مرة والتقى لهذا الغرض شخصيات كبيرة فى النظام كما التقى بوزير الداخلية المسئول عن الموضوع ونجح فى التوصل إلى تسوية حلت على الأقل جزءاً من هذه المشكلات.
ومن رجال الأعمال الذين يتوقف عندهم السفير الإسرائيلى الأسبق كامل دياب، الذى يصفه بأنه «من كبار رجال الأعمال، والذى تمتلك أسرته مزارع بتكنولوجيا إسرائيلية».
سلطان يشير إلى أن دياب رد على معارضى التعاون مع إسرائيل الذين يزعمون «أنه ليس مقصوداً علاقات ترتكز على أساس المساواة» قائلاً إن مصر وإسرائيل متنافستان متساويتان فى القوة. فعظمة مصر تنبع من تفوقها العددى ومساحتها ومواردها الطبيعية وتاريخها حيث إن تاريخ مصر يعود إلى بدء الحضارة البشرية، وذكر دياب فى كل ما يخص التعاون مع إسرائيل العلاقات الطيبة التى كانت فى الماضى بين المصريين والطائفة اليهودية فى مصر كما أكد أنه يأسف على أن عدداً قليلاً جداً فى مصر يعرف أشياء حقيقية عن إسرائيل، فالعلاقات العادية فى رأيه يجب أن تقوم على المعرفة.
وبهذا يضيف سلطان ينضم كامل دياب إلى دعوة أنيس منصور التى ناشد فيها المصريين زيارة إسرائيل والتعرف على الإسرائيليين وعلى ثقافتهم وإنجازاتهم الزراعية والصناعية والعلمية.
ويشير سلطان إلى أن كامل دياب يقدم نقداً رمزياً للسياسة الإعلامية المصرية التى تمنع المواطن المصرى من الحصول على معلومات وصورة حقيقية لما يجرى فى إسرائيل.
يتوقف ديفيد سلطان أيضاً عند محمد شفيق جبر ووقتها كان نائب رئيس المكتب التجارى المصرى الأمريكى. جبر كما أشار السفير الإسرائيلى الأسبق يعتقد أنه واحد من الشهود على بداية عصر جديد فى الشرق الأوسط، عصر لن يكون فيه الاستقرار والسلام الشامل حلماً بعيد المنال فالسلام فى نظره ليس فقط عدم وجود حروب أو نزاعات بل له وجه من التعاون الاقتصادى والتجارى بين دول المنطقة من أجل تنميتها والتعاون اللازم هو ثنائى بين مصر وإسرائيل وتتعدى فى إطار أشمل للمنطقة كلها. فمصر التى كانت رائدة فى كل ما يتعلق بالسلام مع إسرائيل يجب أن تكون كذلك أيضاً فى كل ما يرتبط بتنمية المنطقة، ولا يرى جبر مشكلة فى التعاون بين مصر وإسرائيل على أساس دمج الأيدى العاملة المصرية مع التكنولوجيا الإسرائيلية وهو ما يخشاه الكثيرون لعدم التكافؤ. واقترح جبر، يضيف سلطان، تشكيل عدة أطر تساعد على تحقيق التنمية الإقليمية بما فيها هيئة مالية للشرق الأوسط على غرار البنك الآسيوى للتنمية تقوم بتمويل المشاريع التنموية الإقليمية ولجنة اقتصادية إقليمية تهتم بتسوية النزاعات الاقتصادية بين الدول وتطوير البنى التحتية الإقليمية وكذلك مركز للمعلومات يخدم رجال الأعمال فى المنطقة.
ومن الشخصيات البارزة والفريدة بين رجال الأعمال فى مصر يقول السفير الإسرائيلى الأسبق طارق حجى وهو رجل أعمال ومثقف مبدع آمن بأن السلام مع إسرائيل والعلاقات معها حاجة ضرورية وملحة للعرب أنفسهم فيرى أن نهاية الصراع مع إسرائيل هى السبيل الوحيد أمام كل جاراتها العرب لتستطيع أن تتفرغ للإصلاحات الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وهى أيضاً السبيل لحمايتهم من الخطر الكامن فى القوى المعارضة لقيم التقدم ويقصد بذلك الأصوليين الإسلاميين.
وفى رأيه (طارق حجى) أن هناك حاجة إلى تغيير جوهرى فى طريقة التفكير العربية من الاندفاع نحو الغوغائية والشعارات الفارغة من أى مضمون إلى سلوك يوجهه المنطق. ويرى أن هذه مسألة حياة أو موت بالنسبة للعالم العربى. ويستمر طارق حجى، يضيف ديفيد سلطان، فى نشر آرائه على موقعه الخاص على شبكة الانترنت بشجاعة ومنطقية فى مقالات ولقاءات رغم مهاجمة معارضيه له.
ويؤكد السفير الإسرائيلى الأسبق أنه كان من بين رجال الأعمال فى مصر من قاموا بعلاقات اقتصادية تجارية مع إسرائيل حتى قبل أن تبارك السلطات ذلك. وأبرز مثال على ذلك صلاح نبهان المعروف بين رجال الأعمال فى مصر برجل المبادئ المستقيم.
سلطان يوضح أن نبهان يقوم بتشغيل خط طيران العال من القاهرة إلى مطار بن جوريون، وأنه منذ أن بدأ فى تشغيل الخط وهو فى علاقات دائمة مع إسرائيل والإسرائيليين حتى فى الفترات التى قامت السلطات فيها بإلقاء الصعوبات أمام كل من أراد إقامة علاقات معها. لكنه قام بذلك لأنه، بالإضافة إلى العامل الاقتصادى، لديه اعتقاد راسخ بضرورة السلام بين مصر وإسرائيل وتطبيع العلاقات بين الدولتين وبين الشعبين.
ويرى ديفيد سلطان أن حركة رجال الأعمال زادت بالتدريج وأن عام 1994 كان أفضل عام من هذه الناحية حيث زار خلاله مصر وفد اتحاد الصناعات ويضم العشرات من رجال الصناعة الإسرائيليين برئاسة دوف لاوتمان وفى المقابل زار إسرائيل وفد من إتحاد رجال الصناعة المصريين، كما زار إسرائيل فى نفس العام وفد من اتحاد رجال الأعمال المصريين.
ويضيف السفير الإسرائيلى الأسبق: «كان لزيارة رجال الأعمال صدى كبير فى مصر رغم أن وسائل الإعلام لم تبرز ذلك أو تجاهلته تماماً فقد أوجدوا فرصاً للتعاون وعقد الصفقات بين المصريين والإسرائيليين.
ويشير سلطان إلى أن سعيد الطويل الذى عاد من زيارته لإسرائيل بانطباعات إيجابية قال له إن العلاقات الاقتصادية المفيدة للجانبين بين الدولتين تسير فى الطريق الصحيح وهى حتى الآن أقل ارتباطاً بالتحولات السياسية.
وفى رأيه (رأى سعيد الطويل) أن التطبيع فى المجال الاقتصادى أصبح حقيقة تامة سواء أعجب ذلك المعارضة وغيرهم من المعارضين للتطبيع بين الدولتين أم لم يعجبهم.
ويعلق سلطان على رأى الطويل بقوله: «كان ذلك تفاؤلاً ربما سابق لأوانه لكنه شاهد على الجو الإيجابى الذى ساد فى ذلك الوقت بين رجال الأعمال».
ولم تكن التجارة العنصر الوحيد فى تطور العلاقات الاقتصادية الذى حدث بين الدولتين فى تلك الفترة.
هذا ما يؤكده السفير الإسرائيلى الأسبق، موضحاً أنه كانت هناك مشروعات مشتركة بل حالات من الاستثمارات الإسرائيلية فى مصر.
ومن المبادرات التى يرى سلطان وجوب ذكرها لأبعادها الكبيرة معمل تكرير البترول بالقرب من الإسكندرية. وبالتفصيل يقول: «فى فبراير 1993 قال رجل الأعمال المصرى حسين سالم للسفير الإسرائيلى الذى اتصل به إنه مهتم بانشاء مشروع مشترك مع رجل أعمال إسرائيلى. وكان طلبه أن يتم توصيله بأحد كبار رجال الأعمال بحيث يكون مهتماً بانشاء مشروع كبير وليس صغيراً.
ذكر حسين سالم يعقوب نمرودى وشاؤل أيزنبرج كمرشحين محتملين. لكن بعض رجال الأعمال الإسرائيليين لم يبدوا اهتماماً بالموضوع ومن بينهم شاؤل أيزنبرج. ومن أبدى اهتماماً بالموضوع هو يوسى ميمان رئيس شركة «مرحاف» الذى وافق على المجىء إلى القاهرة لمقابلة حسين سالم ووصل على متن طائرة خاصة مع نائبه نمرود نوبيق.
تم اللقاء، يضيف سلطان، على عشاء عمل فى منزل السفير الإسرائيلى فى التاسع من يونيو 1993. وفى اليوم التالى جلس حسين سالم ويوسى ميمان ونمرود نوبيق وناقشوا طوال اليوم أفكار مشاريع واتفقوا فى النهاية على دراسة إمكانية إنشاء معمل تكرير بترول.
أخذ حسين سالم على عاتقه، والكلام ما زال لديفيد سلطان، مسألة الحصول على الموافقات الخاصة بالمشروع وأخذ يوسى ميمان على عاتقه مسألة جمع رأس المال اللازم وهو أكثر من مليار دولار.
ويشير سلطان إلى أنه تم منح الموافقات اللازمة نظرا لاهتمام مصر بالمشروع كما كان هناك تفاهم من الجانب المصرى حول أنه سيكون من السهل أن يحصل مشروع مشترك بين مصرى وإسرائيلى على تمويل دولى له الأمر الذى ثبت صحته. فقد خصص البنك الأوربى للاستثمار فى صيف 1995، على سبيل المثال، مبلغ ثلاثمائة مليون دولار للمشروع لأنه رأى فيه دفعاً لعلاقات السلام بين مصر وإسرائيل علاوة على تشجيع القطاع الخاص فى مصر.
ويوضح ديفيد سلطان أن الشركة التى أسسها كل من حسين سالم ويوسى ميمان للتكرير «ميدورا» انضم إليها مؤخراً شركة البترول القومية المصرية واحتفظت بـ20% من أسهم الشركة، مشيرا إلى أنه تم الانتهاء من الاستعدادات وجمع رأس المال فقط فى صيف 1996 حينها تم التوقيع نهائياً على عقد إنشاء معمل التكرير بطاقة سنوية خمسة ملايين طن وبدأ العمل الميدانى.
ومن قصص النجاح الأخرى للنشاط الاقتصادى الإسرائيلى فى مصر يتوقف ديفيد سلطان عند مصنع «دلتا». وهو كما قال مصنع إسرائيلى أنشئ فى عام 1995 فى شمال شرق القاهرة الغرض منه إنتاج الملابس الداخلية وملابس الأطفال للتصدير.
ومن بداية غير كبيرة، يضيف سلطان، اتسع المصنع بشكل مستمر ووفر فرص عمل لآلاف العمال المصريين. ويشير سلطان إلى أن عمل المصنع لم يتوقف ولم يتأثر حتى فى الفترات الصعبة التى شهدتها العلاقات المصرية الإسرائيلية، موضحا أنه نموذج للأولوية التى تمنحها مصر للمصالح المهمة بالنسبة لها فقد شهدت الفترة التى نناقشها مشروعات مشتركة واستثمارات إسرائيلية أخرى لكنها لم تصل إلى حجم معمل تكرير البترول فى الإسكندرية أو مصنع دلتا فى القاهرة.
ويؤكد ديفيد سلطان أن مجال الطاقة امتاز منذ بداية عصر السلام بتعاون ناجح تمتع بالاستقرار كما لم يكن مرتبطاً بالتقلبات التى شهدتها العلاقات بين مصر وإسرائيل، فقد باعت مصر سنوياً 2 مليون طن من البترول كما التزمت فى إطار اتفاقية السلام وذلك بأسعار السوق العالمى، ولم يحدث طوال هذه السنوات أن قامت مصر بإعاقة نقل البترول لإسرائيل لأسباب سياسية، وكانت هناك سنوات تجاوزت مشتروات إسرائيل من البترول المصرى الاثنين مليون طن.
استمر هذا الوضع، يضيف سلطان، حتى فى السنوات التى شهدت تراجعاً فى العلاقات بين الدولتين.
ويؤكد سلطان أن وزير البترول المصرى وقتها (الدكتور حمدى البنبى) قال له وقتها «إن سر نجاح العلاقات بين الدولتين فى مجال البترول أننا لم نخلط أبداً هذه العلاقة بالسياسة لكن فقط بالاعتبارات الاقتصادية والعملية البحتة».
ويعلق سلطان: «لقد صدق الوزير بالفعل فمصر لم تخلط ذلك أبداً بالاعتبارات السياسية لأن بيع البترول لإسرائيل كان مصلحة مصرية لذلك فإنه يسبق أى اعتبارات أخرى لكن نضيف أن الجانب الإسرائيلى ظهر للجانب المصرى كشريك مريح وأهل للثقة حرص على الوفاء بكامل التزاماته المالية من شراء البترول دون شائبة. مع هذا فمن المنتظر أن ينخفض البترول الذى تحصل عليه إسرائيل من مصر بشكل كبير بمبادرة إسرائيلية فبعد تطبيق المعايير المشددة جداً لحماية البيئة من التلوث فإن إسرائيل تفضل البترول الذى يحتوى على كميات أقل من الكبريت وهى مرتفعة جداً فى البترول المصرى»!
ومن الموضوعات الأخرى للتعاون بين الدولتين فى مجال الطاقة يتوقف ديفيد سلطان عند «الغاز الطبيعى»، فيوضح أنه فى نهاية عام 1993 بدأت الاتصالات الأولى مع مصر حول إمكانية شراء كميات كبيرة من الغاز الطبيعى.
ويضيف: «مصر لديها احتياطى كبير من الغاز أكثر بكثير من احتياطى البترول ونظراً للقرب الجغرافى فإن إسرائيل تعتبر بالنسبة للغاز المصرى سوقاً طبيعياً ومريحاً.
وطبقاً لم ذكره ديفيد سلطان أظهر وزير الطاقة الإسرائيلى موشيه شاحل الرغبة فى شراء الغاز من مصر أثناء لقائه مع الرئيس مبارك فى شهر نوفمبر 1993 وكان الرد الأولى أنه لا مانع وأعطى الرئيس توجيهاته للوزير الدكتور حمدى البنبى للبدء فى دفع الموضوع مع نظيره الإسرائيلى.
وبعد إعطائه الضوء الأخضر، يضيف سلطان، بدأت المباحثات حول الموضوع فى بداية 1994 بمشاركة ممثلى شركة الكهرباء التى من المقرر أن تكون محطات القوة الخاصة بها المستهلك الأول للغاز المصرى.
ويوضح سلطان أن هدف إسرائيل كان التوصل إلى اتفاقية إمداد للغاز طويلة الأمد بحجم 2 مليار متر مكعب سنوياً، كان من المتوقع أن تستمر المباحثات لفترة طويلة حتى بلورته النهائية رغم أنه طوال الفترة لم تتراجع مصر عن استعدادها بيع الغاز لإسرائيل!.
ما سبق هو الأقل إدهاشاً فى كتاب السفير الإسرائيلى الأسبق ديفيد سلطان.. أو ما يمكن اعتباره عينة من وقائع أو فضائح كثيرة تفتح مائة باب للدهشة، وتطرح آلاف علامات الاستفهام!