الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:34 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن:ماذا يعنى انضمام مصر لـ«منظمة شنغهاى»؟

نجاح خارجى جديد يحققه الرئيس
الرئيس زار كازاخستان، فى بداية جولة آسيوية تشمل اليابان وكوريا الجنوبية.
وكانت تلك هى الزيارة الأولى لإحدى الدول المهمة بوسط آسيا، وتزامنت مع الذكرى الخامسة والعشرين لاستقلالها.
ومن البيان المشترك الذى صدر فى ختام المباحثات بين الرئيسين، عبدالفتاح السيسى ونور سلطان نزارباييف، عرفنا أن الطرفين اتفقا على تعزيز الصداقة والتعاون المشترك من أجل تحقيق التقدم المتواصل لكلا البلدين ودعم الأمن الدولى والإقليمى والتأكيد على مبادئ المساواة والشراكة والحوار فى العلاقات الدولية، وأيضاً تنسيق الجهود التى تهدف إلى معالجة المشاكل الملحة والإقليمية من خلال آليات المشاورات الثنائية، وكذلك فى إطار المنظمات الدولية والإقليمية، بما فى ذلك الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامى، وجامعة الدول العربية ومؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة فى آسيا وغيرها من المنظمات الدولية.
على الصعيد الدولى، ناقش الرئيسان أهم القضايا الدولية، وتطرقا تقريباً إلى جميع القضايا الحيوية على جدول الأعمال الدولى المعاصر، بما فى ذلك الوضع فى الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، ونظراً لتشابه المواقف بين الدولتين، اتفق الجانبان على توطيد التعاون الوثيق بشأن قضايا العمل المشترك فى مكافحة الإرهاب الدولى والتطرف الدينى وغيرها من الجرائم الدولية على اختلاف أنواعها.
كما قام الجانب المصرى بدعم المبادرات التى طرحها الرئيس الكازاخستانى نور سلطان نزارباييف لإنشاء «تحالف الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب» وتنظيم منتدى «الأديان من أجل السلام» بين أروقة الأمم المتحدة فى نيويورك الذى يهدف إلى التعريف بالإسلام وأن يتقبله المجتمع الدولى بوصفه ديناً للسلام والبناء، وأعرب عن استعداده لمساندة تلك القضية باعتبار مصر عضواً غير دائم فى مجلس الأمن الدولى.
خلال المحادثات أولى الجانبان اهتماماً خاصاً بقضايا التعاون التجارى والاقتصادى والاستثمارى، واتفق الجانبان على ضرورة إعطاء دفعة جدية للتعاون فى هذا المجال، وتشجيع أنشطة مجلس الأعمال المشترك الذى يهدف إلى تعزيز إقامة اتصالات فعالة بين رجال الأعمال فى البلدين، وفى هذا الصدد، يرحب الجانبان بعقد الاجتماع الرابع لمجلس الأعمال فى إطار الزيارة.
كما رحبت كازاخستان برغبة مصر فى إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادى الأورآسيوى، استناداً إلى ثقتها فى أن اشتراك البلدين فى هياكل التكامل المختلفة سوف يفتح آفاقاً جديدة لتطوير التعاون التجارى والاقتصادى، وتم تحديد المجالات الاقتصادية الواعدة التى يمكن التوصل إلى شراكة مفيدة للطرفين فيها، لتشمل الزراعة والصناعات الدوائية، والسياحة، والبنية التحتية، وصناعة المنسوجات، والأثاث ومواد البناء.
ومن أجل تشجيع التدفق السياحى المتبادل والعلاقات التجارية اتفق الجانبان على استئناف رحلات الطيران المباشرة المنتظمة بين البلدين، كما اتفق الطرفان على توقيع اتفاقية بين حكومتى البلدين بخصوص تجنب الازدواج الضريبى ومنع التهرب الضريبى فيما يتعلق بالضرائب على الدخل ورأس المال، كما تبادل الجانبان وجهات النظر حول كيفية تطوير التعاون فى مجال الطاقة النووية وفى المجال التقنى العسكرى، وناقشا سبل تعزيز التعاون فى مجال الفضاء الذى وصل لمستوى مناسب بين وكالات الفضاء فى البلدين.
على أن أهم ما لفت نظرنا هو إعلان جمهورية كازاخستان عن استعدادها لدعم طلب مصر للحصول على وضع شريك فى حوار منظمة شنغهاى للتعاون، وهى لمن لا يعرف منظمة تضم عدة دول فى شرق آسيا، تم تأسيسها سنة 2001 وتضم فى عضويتها الصين، روسيا، كازاخستان، كيرجيزيا، أوزباكستان، طاجيكستان، وباستثناء أوزباكستان، كانت الدول الباقية أعضاء فى «خماسى شانغهاى» الذى تأسس سنة 1996، وبعد دخول أوزباكستان تم تسميتها بالاسم الحالى.
وللمنظمة أهداف معلنة هى مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف، والحركات الانفصالية، والتصدى لتجارة الأسلحة والمخدرات. إلا أن الكثير من المحللين يرونها حلفاً عسكرياً جديداً يستهدف مواجهة حلف «الناتو»، رغم أن إعلان تأسيس اتفاقية شنغهاى احتوى على بيان يشدد على أنها «ليست تحالفاً موجهاً ضد دول أو مناطق أخرى، وأنه يلتزم بمبادئ الانفتاح»، إلا أن معظم المحللين يعتقدون أن أحد أهم أهداف هذا التجمع هو العمل كموازن للقوة الأمريكية، وتجنب النزاعات التى تسمح لواشنطن بالتدخل فى مناطق قريبة من حدود الصين وروسيا، كما يعتقد آخرون أن المنظمة خرجت إلى النور كرد مباشر على التهديد الذى بات يفرضه تمدد القواعد العسكرية الأمريكية فى المنطقة، إضافة إلى إحياء مشروع أنظمة الدفاع الصاروخى الأمريكى، بعد أن غيّرت الولايات المتحدة سياساتها النووية وبدأت تعزيز ما بات يعرف بـ«الدفاع الصاروخى القومى»، أو حرب النجوم، فى أوروبا.
الأهم من ذلك كله، هو أن المنظمة تشكل أحد البدائل الدولية بعد سلسلة الإخفاقات، التى كانت وراءها واشنطن، من العراق وأفغانستان إلى ليبيا وانتشار التطرف والإرهاب، وكذلك مع عدمِ تحقيق أى تقدم ملموس فى التحالف الدولى الذى تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش، كما أن للمنظمة دوراً فى إعادة التوازن فى العلاقات الدولية. وتشكيل تحالف يقول البعض إنه مواز لتحالفات سياسية وعسكرية تحاول تحقيق مصالح دول محددة، ولو كان ذلك على حساب أخرى وبما يتعارض مع القوانين والأعراف الدولية.
وفى يوليو الماضى انضمت الهند وباكستان للمنظمة، الأمر الذى تم اعتباره علامة فارقة فى التحول من عالم أحادى القطب إلى عالم متعدد الأقطاب ويغير موازين القوى الجيوسياسية. وأعطى لمنظمة شنغهاى وزناً سياسياً كبيراً، بانضمام قوتين نوويتين آسيويتين كبيرتين، لتضم أربع قوى نووية متحدة فى منظمة واحدة.
وقبل شهور، قامت الدول الأعضاء بالمنظمة بالتوقيع على استراتيجية للتنمية، تلخصت فى التعاون من أجل مكافحة «قوى الشر الثلاث»: الإرهاب والانفصال والتطرف، وتم اعتماد برامج محددة للتعاون ومجموعة من التدابير لمنعها وكشفها واعتقال وتسليم المشتبه بهم بارتكاب الجرائم المتعلقة بـ«قوى الشر الثلاث».
كما سبق أن دعت منظمة شنغهاى إلى تسوية الأزمات السياسية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دون تدخلات خارجية، فى وثيقة تحت عنوان «إعلان أوفا»، تم إصدارها فى ختام قمة المنظمة المنعقدة فى مدينة أوفا الروسية، وأيد زعماء دول المنظمة فى إعلانهم الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز النظام الدولى لحظر انتشار السلاح النووى فى العالم.
نحن إذن أمام مقدمات توحى بأن «لعبة الشطرنج الكبرى» (حسب مصطلح البريطانى أرثر كونولى) التى بدأت مع مطلع القرن التاسع عشر بصراع بين الإمبراطوريتين البريطانية والروسية حول السيطرة على آسيا الوسطى، يتم استئنافها اليوم على نطاق واسع بين الغرب، بقيادة أمريكا، وبين الشرق بقيادة روسيا والصين.
ولاحظ أن مصطلح «لعبة الشطرنج» استخدمه أيضاً زيجنيو بريجنسكى وجعله عنواناً لكتاب أصدره سنة 1997 عنوانه «رقعة الشطرنج الكبرى: التفوق الأمريكى ومتطلباته الجيو-استراتيجية»، وهو الكتاب الذى قامت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بترجمته إلى سياسة عامة هدفها إحكام السيطرة على موارد النفط فى آسيا الوسطى ومنطقة الخليج العربى، وبقية مصادر النفط العالمى بما فى ذلك حتى النفط الروسى!
وبتوسع منظمة شنغهاى، يمكننا استنتاج أن موازين القوى قد تميل لصالح موسكو وبكين ولغير صالح واشنطن. ويكفى أن نتذكر قرار قمة شنغهاى الشهير سنة 2005، الذى طالب واشنطن بتحديد موعد لإغلاق قواعدها العسكرية فى آسيا الوسطى، والذى كان دافعاً لقيام جمهورية أوزباكستان بطرد القوات الأمريكية من قاعدة «كارشى خان أباد» الجوية المهمة!