ياسر بركات يكتب عن:شريف إسماعيل أنت بتشتغل إيه؟!
src="//pagead2.googlesyndication.com/pagead/show_ads.js">
الرئيس يختار 4 وزراء
وشريف يغادر خلال 30 يوماً
الرقابة الإدارية تفحص 50 ملفاً.. وترشيح 3 شخصيات لكل وزارة
هذه سطور مؤلمة عن حكومة الأشباح التى آن لها أن ترحل.. وأن تحل محلها حكومة حرب.
الهدف من كتابتها.. كتابة تلك السطور.. ليس ذبح الحكومة أو أن تتم إقالتها وينتهى الأمر، الهدف هو تحقيق المصلحة العامة، لكى نحمى الاستقرار.. وحتى نضمن أن تستشعر الحكومة المقبلة أهمية أنها مقبلة على منعطفات هى الأهم فى تاريخ مصر، منعطفات لا يخوضها الرئيس وحده، بينما الحكومة تتفرج ومجلس النواب يكتفى بالتصفيق!
ربما تكون أزمة الحكومة الحالية أنها تعاملت منذ اللحظة الأولى باعتبارها حكومة مؤقتة للدرجة التى دفعت عدداً من الوزراء إلى عدم تنفيذ تعليمات رئيس الحكومة ولا نكشف سراً لو قلنا إن علاقات عدد منهم برئيس مجلس الوزراء فى منتهى السوء!
ونشير هنا إلى أن مصر عرفت، ولا تزال، نوعاً فريداً من الحرب النفسية المكثفة، التى كان لها تأثير بالغ فى مسارات التغيير وتقاطعات التدمير، التى تحاول أطراف خارجية صناعتها الآن، بمساعدة أطراف داخلية للأسف، وقد لا أبالغ لو قلت إن ما يحدث داخل مصر الآن أخطر بكثير مما قد يقوم به الأعداء ضدنا، بعد أن أصبحت مرتعاً لما توصف تجاوزاً بأنها «وسائل إعلام» تجاهلت دورها أو أدوارها وتفرغت للشائعات.. أو التحريض.. أو التشويه.. أو التخبط، فى ظل عدم وجود منظومة إعلامية لها نسق واضح تعبر عن مؤسسات الدولة، وفئات الشعب.. فكان أن أصبحنا فريسة لسيول من الدعايات والشائعات، تأسست على أنه يمكن هدم الاستقرار فقط فى النفوس قبل أن يتم تدميره على أرض الواقع، فقامت بتصويب مدفعيات الخوف إلى عقول الشعب، كل فى موقعه وكل حسب مصلحته.. لنشر حالة من الهلع والفتن.. ولو لم يتم تدارك ذلك، ستكون النتيجة مأساوية!
غير أن الغريب والمثير للدهشة هو ألا تجد الحكومة منــشــغلة بما يدور حولها ومهتمة فقط بـ«تظبيط» أمورها مع النواب ومع وسائل الإعلام.. وبينما الرئيس مهموم بالإنجاز، تجد الحكومة تشارك فى الاجتماعات مثل الآخرين.. تسمع ولا تضيف.. تنصت ولا تبتدع.. وكأن ما يعنيها فقط هو أن تمر الأيام. وكأنك أمام حكومة موظفين، لا حكومة تقوم بمهمة فى إطار التحول والإصلاح!
صحيح أن الرئيس اختار لرئاسة تلك الحكومة موظفاً فنياً لا يمتلك اسماً يطمئن الشعب فى لحظة قلقة، ولا تاريخاً يعطى دلالة على حكمة ورؤية، ولم يرتبط بعمل سياسى يجعل متابعيه يراهنون عليه سلباً أو إيجاباً! وكذا كان الوضع بالنسبة لأعضاء حكومته.. تاريخهم وخلفياتهم جديدهم وقديمهم، لم يثر تفاؤلاً.
كل ذلك صحيح، لكن الصحيح والمؤكد هو أن رئيس الحكومة أتيح له أن يتحرك بحرية، لكن بمضى الوقت فإن الحكومة تبدو كما لو أنها مجموعة من الجزر الوزارية المنعزلة.. كل فى اتجاه.. وفى بعض الأحيان أدى هذا المناخ لنشوء التنافس الصامت بين الجزر الوزارية التى انتقلت من الانعزال إلى التضارب.. ومن التضارب إلى التخبط.. وتتمتع وسائل الإعلام وسط كل هذا بأجواء مثيرة.. قد لا تتكرر مع حكومة غير الحالية.. فالمسافات شاسعة.. والفجوات كبيرة.. والجسور غالباً غير موجودة.
اتجاهات عديدة فى الرأى العام ونخبته لم تطرح على الحكومة منذ تشكيلها أى أسئلة تركز فى الموضوع.. وتتناول تفكيرها ورؤيتها، أو البرنامج الذى تنوى القيام به.. ليس من أجل تنمية مصر.. فحديث التنمية مؤجل.. وإنما لكى تشرح للناس كيف ستعبر بهم المرحلة الحالية الحرجة.
ووقعنا فى الفخ نفسه الذى وقعنا فيه عشرات المرات وهو الأخذ بالسيرة والسمعة أكثر من التعامل الموضوعى، وأكثر من طرح تساؤلات حول التوجه الذى تنوى أن تتخذه فى اتجاه عبور الأزمة الاقتصادية الطاحنة الآخذة فى التصاعد.. والتى رجعت بمصر ما لا يقل عن عشر سنوات إلى الوراء.. بحيث صارت الاحتياجات يتم تمويلها من اللحم الحى!!.. واللحم الحى هو الدين الداخلى.. والاحتياطى النقدى. بينما وجدنا الحكومة تتعامل مع الأمور على أنها (تحصيل حاصل) ولا يوجد جديد.. وسوف تسير الأمور!!.. مع محاولة إعطائنا انطباعاً بأنها على ما يرام وهى ليست كذلك.. بل هى عملياً تكاد تكون منتهية الصلاحية.
وأصبح الإيقاع رتيباً.. والعمل روتينياً.. والتعامل مع الأمور بالقطعة.. كل فى اتجاه.. لا يجمعه رابط.. ولا يحكمه انضباط.. ولا يلتئم فى سياق!
لا يكفى إذن أن تكون لدى الرئيس الرغبة فى العمل. لا بد أن يكون لدى كل من حوله نفس الرغبة، هؤلاء الذين لا نعرفهم بشكل جيد، ولا نعرف أدوارهم بدقة، لكن ما يصلنا عن أدائهم ومما نراه من ذلك الأداء يشير إلى أن هناك خللاً كبيراً، يزيد من بشاعته أننا أمام مجموعات من السياسيين ورجال الأعمال والصحفيين والإعلاميين يتخيلون أن الوقت قد حان.. وأن ساعة النظام قد اقتربت، ويعتقدون أنهم بما يفعلون يساعدون على ذلك ويحجزون مقعداً فيما يتصورون أنه «القطار الجديد»!
يظهر ذلك بوضوح فى مجموعة من التصرفات التحريضية بانتظام شديد، تعبر عن منهج مؤسف وعن اتساقها مع مناهج شديدة الخطورة تستهدف التأثير على استقرار البلاد، متجاهلين أو متناسين أن الأنظمة التى تم تأسيسها على شرعية اجتماعية واسعة، يمكنها أن تتصدى بسهولة لكل التحديات الخطرة فى الأوقات القاسية، دون أن تتأثر بالفوضى.. والتهييج.. والخطط والمؤامرات التى لا تأتى فقط من الخارج.. وإنما أيضاً من مجموعات فى الداخل أتاح لها الحراك السياسى وتعامل النظام معها بحكمة وحذر أن تمارس العبث دون خوف من حساب!
ولعل نظرة سريعة إلى تركيبة تلك المجموعات تكفى لإدراك أن أعدادهم قليلة وأن الدعاية الإلكترونية هى التى أعطتهم زخماً وجعلتهم ينجحون فى اجتذاب بعض مستخدمى شبكات التواصل الاجتماعى (فيس بوك وتويتر) التى أصبحت مصدراً رئيسياً للمعلومات لدى فئة من الشعب، الأمر جعل تلك المجموعات تعتقد أن بإمكانها بمزيد من التسخين دفع الشارع إلى الاندماج معها!
ورغم ذلك، فإن الحكومة لا يمكن أن تغسل يديها من استمرار البطالة.. وارتفاع معدلات التضخم.. وعدم الشعور بتوافر العدالة الاجتماعية.. ولا يمكن أن تنكر أنها غير قادرة على مواجهة الأزمات المستمرة أو المفاجئة.. والأهم من كل هذا أن تترك وزراءها يواجهون التحديات التى يتعرضون لها كما لو أنهم ينتمون لحكومة دولة أخرى.. يتحول كل منهم إلى ضحية فى وسائل الإعلام كما لو أنه يعمل بمفرده!
حكومة أمسكت بـ«مزمار» الأزمة، وظلت تتغنى بمبرراتها، وتتأسى على أيام النمو الخوالى، وتحلم بالعصر القادم الذى سوف تلحق فيه من جديد بأرقام النمو التى كانت.. كما لو أن علينا أن ننتظر معها إلى أن تعود لسقف معدل الـ7%.
صحيح طبعاً أننا من بين دول قليلة تحقق معدلات نمو.. بينما غالبية دول العالم تنمو بأرقام سالبة وتواجه مشكلات صعبة، لكن الدول التى تنمو بالفعل لديها اقتصاديات أضخم.. وتتحرك بسرعة أكبر.. وإذا كانت الهند أو الصين بعيدتين عن أحلامنا.. فهناك أمثلة أخرى قريبة جداً، بل وأقرب مما نتخيل!
حكومة لم تمتلك أى قدرة على الابتكار أو توفير الحلول المبدعة واستسلمت للأمر الواقع، أقرب إلى «إدارة تسيير أعمال».. اجتماعات روتينية.. وإجراءات دورية.. وتصريحات متكررة.. بل إن الحكومة لم تتمكن من أن تدافع عن بعض إنجازاتها.. ولم تتمكن من تنفيذها بالطريقة التى تحدث تأثيرها المطلوب!
هناك متغيرات سياسية والمجتمع اختلف والأعباء ملقاة على كاهل الرئيس وحده دون أى أثر يُذكر لأطراف أخرى يمكن أن يتم إلقاء العبء أو جزء منه على كاهلها!!.. فى وجود حكومة انتباهها السياسى ضائع أو منقوص وحيويتها لا وجود لها وجهاز استشعارها يعانى من عطل فنى!!.. وطريقة تعاملها مع الأزمات والمواقف الطارئة ليست كما ينبغى، هذا إن افترضنا وجود طريقة من الأساس!
هذه الحالة أثرت سياسياً بالطبع وجعلت هناك مقاومة لكل فعل حكومى وأصبح القرار الحكومى مداناً إلى أن يثبت العكس وغالباً لا يثبت!!.. فتكونت الفجوة بين القرار وبين المستفيدين منه، وكانت تلك فرصة الصائدين فى الماء العكر لإقناع الناس بأن القرار، أى قرار، لا يهدف إلا خدمة مصالح فئة ما، مهما كان واضحاً أنه لصالح عملية تنموية واسعة.
لا أدافع طبعاً عن قرارات الحكومة التى أراها فاشلة، لكن أتحدث عن قناعة تم بيعها للناس أو تسويقها وإقناعهم بها، جعلتهم مقتنعين بأن كل شىء خطأ.. وقبل أن نطالب الشعب بأن يدقق النظر وأن يستخدم عقله وألا يعطل ماكينة المنطق لديه.. علينا أن نطالب الدولة أولاً بأن تساعده على ذلك.. وألا تتركه وحيداً.. يتلقى النوع «المضروب» فقط من البضاعة.. وهو للأسف السائد والمنتشر.
وعبر هذا النوع المضروب، انتقل إلى الشعب الشعور بالإحباط والإحساس بالسوداوية والقلق على الغد والخوف من الفوضى والتشكك فى ضمان الاستقرار وانشغلت العقول بأولويات أخرى غير تلك التى يجب أن توجه لها طاقة المجتمع.
فى سياق كهذا، هل يمكن أن نتناول الجدل الدائر بشأن أمناء الشرطة وأداء جهاز الشرطة ككل؟!
أمناء الشرطة جزء من وزارة الداخلية، ووزارة الداخلية جزء من السلطة التنفيذية، والسلطة التنفيذية يرأسها رئيس الحكومة ورئيس الدولة.. وحيث إن الديمقراطية تموت حين يرى الناس الفوضى حرية، فإنها تموت أيضاً حين ترى السلطة الحرية فوضى، والأخطاء الفردية بدون حلول جذرية تؤدى إلى أن تكون ظاهرة عامة. وعليه، فإن الحسم لا يكون إلا فى تطبيق العدل وأن يكون القانون سيفاً على رقبة الجميع.
وعند أداء الشرطة، وحالة الاستهداف التى أشعلتها انفلاتات بعض المنتمين إليها، لا بد أن تكون لنا وقفة، لا حرية بدون أمن.. ولا أمن بدون شرطة.. ولا توجد دولة يمكن أن تمضى فى طريق التنظيم والديمقراطية بدون جهاز أمن داخلى فعال، يطبق القانون.. ويتمتع بمواصفات العدالة والشفافية.. لا يكون عبئاً على الناس.. ولا يخذل صاحب الحق.. ويكون أداة الدولة.. وقانونها.. وليس أداة مجموعة من الحريصين على مواقعهم، كما لا يمكن لذلك كله أن يحدث فى ظل مناخ الشك والتربص الذى نعيش فيه ومع تهديدات الإرهاب وضغوط صناع الفوضى الذين عجزوا عن التمييز بين التفاعل السياسى والاستنزاف السياسى الذين يعيشون خارج المنطق وخارج القانون وخارج المصالح العامة والذين لم يعد يعنيهم إلا استغلال السيولة السياسية كى يفلتوا بالمكاسب الحرام!
الاحتياج إلى الشرطة ضرورة قومية.. والإجراءات العاجلة أو المطالب الانفعالية لن تكون هى السبيل إلى تجاوز تلك اللحظة.. المصارحة العامة هى أفضل حل.. فى ضوء أن الدستور فيه نصوص متقدمة جداً لتنظيم عمل الشرطة وتأكيد قيم حقوق الإنسان.
وضع أمام عينيك هنا الحملة التى تعرضت لها الشرطة دون أن تهتم بالتعامل معها أو إصلاح أحوالها فى السنوات الأخيرة.. مع الأخذ فى الاعتبار أن لدى كثير من أعضاء جهاز الشرطة مشكلات عديدة.. على المستوى الوظيفى والتدريبى والمالى.. فضلاً عن العلاقة مع المجتمع.
الوضع بالغ التعقيد، لكن نعود ونكرر ألا دولة دون شرطة.. وأن الأمن مرتبط بكل شىء: السياسة والاستثمار والإرهاب وكل شىء فى مختلف نواحى الحياة ومناحيها.. ولا بد من إجراء ما يؤدى إلى صياغة معادلة جديدة تقوم الشرطة على أساسها بمهامها الوطنية.. وبشكل يحقق العدالة، عدالة فى علاقة الشرطة بالشعب.. وعدالة فى علاقة الشرطة بمن يعملون فيها.. وعدالة فى تعامل الشعب مع الشرطة. والمشكلة لا تكمن فى معاملة مواطن من ضابط فى أى قسم.. وهى ليست كذلك أن يمشى ضابط بين الناس فيسمع من يشتمه.. لكنها تتعلق بتنفيذ الأحكام.. وسرعة الاستجابة للشكاوى.. والتحقيق العلمى فى مخالفة القانون.. وتحديد أهداف الأمن السياسى.. وطريقة مواجهة أخطار الإرهاب والتطرف.. والتعامل مع المشكلات الطائفية.. وتطبيق القانون دون وساطة.. ودراسة مدى الاحتياج إلى أعداد إضافية من الشرطة أو تقليص الحالى.. وأساليب التعامل المتعارف عليها دولياً فى مكافحة الشغب.. وميزانية جهاز الشرطة ورواتب من يعملون فيه.
واللافت للنظر، هو أن محاولات الحكومة للشرح والإقناع، عادة ما تبوء بالفشل.. ربما لأن عدداً من الوزراء فقدوا حيويتهم المطلوبة، وبالتالى لم تعد وجهة نظر الدولة مطروحة بشكل أو بآخر فى ظل مزاج عام اعتاد على منهج (تقاطع النيران).. أى يريد أن يتمتع بتنوع الرؤى.. ويريد أن يسمع الرأى والرأى الآخر.. لكنه الآن لا يسمع سوى رأى واحد.. وصوت واحد هو صوت الفساد الذى أفلت من المحاسبة أو بمعنى أدق صوت مجموعات من العصابات التى يتم التستر عليها لأسباب لا نعرفها ولا نستطيع فهمها!
وهناك بالطبع سؤال الغلاء أو ارتفاع الأسعار وسؤال الأجور.. وكيف تعجز الوفرة المتحققة (أو التى تحقق جزء كبير منها) فى المجتمع عن إبعاد إحساس شعور الشعب بالاحتياج! وكيف أن المواطن المصرى لا يزال على قناعة بأنه لا بد أن يتقاضى أجراً يكفى احتياجاته وليس ثمن وقيمة العمل الذى يؤديه، الأمر الذى يتطلب تسويق مفاهيم بين الناس تشرح لهم أن العمل فى حد ذاته سلعة تخضع للعرض والطلب ولابد من تجويدها لكى يحصل من يقدمه على أجر أعلى.
بالتزامن، وطوال تلك الفترة، لم تظهر حكومة شريف إسماعيل أى بوادر جدية للحكومة للسعى إلى خفض جحيم الأسعار التى تلتهم دخول المواطنين وتشعرهم أكثر بالفقر وتدفعهم إلى إبداء التذمر من الوضع السياسى القائم وربما النظام السياسى بأكمله.
ولا نظلم المواطن لو قلنا إنه لا يهمه فى النهاية سوى دخله وماذا يمكن أن يشترى به.. وعليه يمكن أن نقول إن شريف إسماعيل وحكومته سقطوا من حسابات المواطنين.
صحيح أن أداء ميزان المدفوعات عن العام المالى 2014/2015 مقارنة بالعام المالى 2013/2014 كشف عن تحقيق المعاملات الاقتصادية مع العالم الخارجى خلال العام المالى 2014/2015 فائضاً بميزان المدفوعات بلغ 3.7 مليار دولار، مقابل فائض اقتصر على نحو 1.5 مليار دولار خلال العام المالى السابق وانعكس هذا الفائض على آليات البنك المركزى فى سداد التزامات ومدفوعات سلع استراتيجية ولم يظهر كثيراً فى حجم الاحتياطى.
غير أن أداء الميزان التجارى يكشف عن كارثة فى الصادرات تعكس وضع الصناعة الوطنية خلال تلك الفترة وتراجع الأسواق الخارجية للمنتجات المصرية وبالتالى ضعف إيرادات الصادرات رغم الإعلان عن رفع قيمة الدعم الموجه للصادرات فى الموازنة الجديدة إلى خمسة مليارات دولار وكان 2.5 مليار دولار وكان تراجع الصادرات أهم أسباب ارتفاع العجز فى الميزان التجارى بنحو 4.7 مليار دولار خلال عام واحد بنسبة 13.9% ليصل عجز الميزان إلى نحو 38.8 مليار دولار مقابل نحو 34.1 مليار دولار، نتيجة لتراجع حصيلة الصادرات السلعية بنحو 15.5% لتقتصر على نحو 22.1 مليار دولار مقابل 26.1 مليار دولار، وكان من المفترض أن ترتفع الصادرات مع بدء دوران عجلة الاقتصاد وحزم التنشيط التى ضختها الحكومة لكن هذا لم يحدث ربما لأسباب أخرى وقد ارتفعت مدفوعات الدولة عن الواردات السلعية بنحو 0.7 مليار دولار وبلغت قيمة فاتورة الواردات 60.8 مليار دولار نتيجة لزيادة المدفوعات على الواردات غير البترولية بنحو 1.6 مليار دولار، بينما تراجعت مدفوعات الواردات البترولية بنحو 0.9 مليار دولار.
وما دام الشىء بالشىء يذكر، فلا بد من المرور سريعاً على تلك المعركة «الدولية» الدائرة الآن والتى جعلت السعر الرسمى للدولار فى حدود 773 قرشاً، بينما السعر فى السوق السوداء -التى نطلق عليها مجازاً السوق الموازية- يصل إلى 925 قرشاً، أى أصبح الفارق بين السعرين يصل إلى 152 قرشاً.
وبين فصول تلك المأساة، أن الطرف المقابل فى المعركة لديه المقدرة على تعطيش السوق أكثر وأكثر، فإذا قامت الدولة بتوفير الدولار للمستوردين، فإن عمليات السحب أو الشراء تنجح فى امتصاص كل ذلك، بما يعنى أن الحكومة تدير تلك المعركة، التى نكرر أنها دولية، بالسيف بينما يستخدم الطرف الآخر صواريخ بعيدة المدى!
بما يعنى أن الحكومة مهما أغلقت من شركات صرافة تخالف القوانين فى التعامل بالدولار، فإن غيرها مستمر فى أداء الدور المرسوم لها بكل دقة وإحكام. وبما يعنى أن معركة تكسير العظام.. أو محاولة تكسير مفاصل الدولة، ستظل مستمرة.. وهى تلك المعركة «الدولية» التى بين أهدافها دفع الدولة المصرية إلى اتخاذ إجراءات للحد من الاستيراد من جهة واتخاذ إجراءات شديدة المرارة، بزيادة أسعار السلع والخدمات من جهة أخرى وهنا تكمن الخطورة، إذ قد يؤدى ذلك إلى حالة من السخط العام، خاصة أن بين المقترحات زيادة أسعار المياه والكهرباء والنقل وكلها لا تضرب فقط الفقراء، بل تنال أيضاً من الطبقة المتوسطة، صاحبة الصوت العالى!
تقارير عديدة حذرت من استمرار حكومة شريف إسماعيل، وطالبت باختيار رئيس جديد للحكومة القادمة فى ظل عدم نجاح رئيس الوزراء الحالى فى نيل ثقة المواطن، وغالبية أعضاء مجلس النواب، ولدينا معلومات عن قيام أجهزة رقابية وأمنية بفحص ملفات عدد من الأسماء لتولى الحقائب الوزارية، بواقع ثلاثة أسماء على الأقل لكل وزارة سيجرى الاختيار من بينها، لا تشمل أسماء وزراء حاليين أصبح فشلهم مكشوفاً ومعلوماً. وبين معايير الترشيحات نظافة اليد ومحاربة الفساد ووجود إنجاز فى مجال التخصص.
ومن هؤلاء ستتشكل الحكومة التى سيقدمها الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى مجلس النواب. والتى نريد أن نرى فيها تطويراً جوهرياً يشمل الهيكل ويهز البنيان ويعيد ترتيب الأوراق ولو بقى البعض وذهب البعض لا تعنينا الأسماء ولا ينبغى أن يعنينا غير أدائها لمهامها عملاً بقاعدة «الأسلوب قبل من يؤديه».
نتمنى أن نرى حكومة من فريق عمل واحد أو تبدو كأنها كذلك.. حكومة من كتلة واحدة، تذوب فيها المكونات أو التكتلات التى تتفاعل داخلها فى سياق واحد هو سياق هذا الفريق، دون إغفال الاختلافات المقبولة فى الرؤى.
نتمنى أن نرى حكومة قادرة على أن تعبر عن نفسها سياسياً وإعلامياً، بصورة فعالة ومستمرة وليست وقتية، ترتفع فيها كفاءة الأداء فى التعامل اليومى مع المشكلات المستجدة والمفاجئة، وقادرة على أن تجتاز الأزمات الدولية، والأزمات الطارئة، مع تركيز متواصل، على الجناح المكلف بالأداء الاجتماعى للسياسات العامة، وإعطاء جهد أكبر وخلاق لتنفيذ تكليفات الرئيس فى هذا الإطار.
حكومة تسير على ساقين، ساق اقتصادية، وأخرى اجتماعية، ومعروف أن إحدى الساقين إن تعثرت ستتسبب فى تعثر الأخرى!
حكومة لا تعانى من تلك التباينات التى رأيناها فى حكومات سابقة فى الرؤى الاقتصادية، حتى وإن ظهرت تلك التباينات فلا تأخذ وقتاً لكى تتبلور مواقفها بسرعة، بحيث تظل الاختلافات بعيدة عن المؤثرات التى يمكن أن تتفاعل من خارج الحكومة وما يتعلق بها.
ولابد من أن تدرك الحكومة كلها، وليس فريق المجموعة الاقتصادية وحدها، أن هناك أزمة دولية مؤثرة ولها نتائجها، وبالتالى وحين ينتقل هذا الإحساس إلى جميع أعضاء الفريق الوزارى فإن المجموعة الاقتصادية لن تكون هى القاطرة الوحيدة التى تدفع بالعمل إلى الأمام.
ولاحظ أن الدستور الحالى قام بتقليص صلاحيات الرئيس لصالح حكومة برلمانية، بما يؤدى إلى نظام مختلط، لا هو خاضع لهيمنة رئيس، ولا هو يضمن أن تكون الحكومة قادرة على ملء الفراغ الذى خصمته من صلاحيات رأس السلطة التنفيذية. وهو ما لا نعتقد أنه يرضى القطاعات الواسعة من المواطنين!
ولاحظ أيضاً وانظر بعين الاعتبار إلى أن الأحزاب الموجودة على الساحة ضعيفة ولا تعبر عن واقع النخبة السياسية ولا تضم ما يمثل فئات المجتمع المختلفة، كما أنها لا تتمتع بالوضوح الأيديولوجى أو البرامجى القادر على طرح حلول وخيارات أو بدائل.
وهنا يقفر السؤال البديهى عمن يمكنه أن يملأ الفراغ، لنجد أنفسنا أمام خيارين إما الفوضى التى تصل بمصر إلى ما يشبه الأوضاع السياسية الإيطالية قبل عصر بيرلسكونى، حيث يتوالى سقوط الحكومات كل بضعة أشهر، أو أن تملأ مؤسسات الدولة هذا الفراغ، لكى تحافظ على ما تبقى من مكونات الكيان المصرى بعيداً عن ضعف الأحزاب وصراع الحكومة والرئيس. وبالتالى لا تكون هناك سياسة ولا تنمو الأحزاب. والجميع يعرف أن المساحات التى ستحصل عليها المؤسسات بصفة عامة لن يكون من السهل أن تتخلى عنها.
إن المادة 146 من الدستور الخاصة بتشكيل الحكومة تنص على أن «يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً، عُد المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار الحل، وفى حالة حل مجلس النواب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته، وبرنامجها على مجلس النواب الجديد فى أول اجتماع له، وفى حال اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، يكون لرئيس الجمهورية، بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء، اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل».
والوضع كذلك، نكون أمام طريقتين لتغيير الحكومة، إما أن يرفض مجلس النواب بيان الحكومة، ويعيد تكليف رئيس الحكومة الحالى بتشكيلها، وإما يرفض رئيس الحكومة كذلك ويسعى إلى تشكيل حكومة جديدة، أما إذا كان اعتراض نواب الشعب على وزير بالذات أو مجموعة من الوزراء، فإن طريقة إقالته أو إقالتهم (برلمانياً) هى توجيه استجوابات ضدهم وسحب الثقة منهم على نحو يؤدى إلى خروجهم من التشكيل الوزارى، وتلك حقوق برلمانية ينبغى على الجميع احترامها والتوقف عن توجيه الضربات الاستباقية لها، أو المصادرة عليها.