الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:43 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن:وائل غنيم.. وجاريد كوهين الثنائى المحذوف من خطاب «السيسى» فى البرلمان




- كلمات الرئيس حملت ثلاث إشارات إلى مؤسس «تويتر».. وضابط مخابرات أمريكى.. والمصرية داليا مجاهد
«علينا ألا ننسى أننا نجحنا فى تعطيل مخطط وإبطال مؤامرة، وعلينا أن ندرك أن هناك من هو متربص ولا يريد لهذا البلد أن يكون استثناءً بين مصائر دول هذه المنطقة المضطربة، وأن يعرقل مشروعنا الوطنى للتنمية والاستقرار».
كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطابه أمام البرلمان لإعلان انتقال السلطة التشريعية إلى مجلس النواب، كانت منتقاة بعناية، وأبرز ما استوقفنا فيها هى تلك الفقرة. واستوقفنا أيضاً أن الرئيس قال نجحنا فى تعطيل ولم يقل نجحنا فى صد أو مواجهة أو إفشال، وهو ما يعنى بوضوح أن المخطط لايزال قائماً وأن ما نجحنا فيه فقط هو تعطيله أو إيقافه إلى حين!
خلف تلك الكلمات هناك أكثر ما تراه العين فى الأحداث التى اجتاحت دول المنطقة طوال سنوات مضت بدأت، سنة 2001 بأحداث الحادى عشر من سبتمبر والتى لم تتسبب فى تدخل عسكرى فى منطقة «الشرق الأوسط» فحسب، وإنما أدت إلى تطوير أسلحة ناعمة جديدة استطاعت أن تحقق كوارث كبيرة، وأن تدمر دولاً ومجتمعات من الداخل.. أسلحة تختلف كلياً عن الأسلحة التقليدية وتفوقها تأثيراً وخطورة وأهم ما يميزها أنها غير مرئية!
سنة 2001 خصصت الولايات المتحدة موارد ماليةً ضخمة، لإنشاء حوالى 350 برنامجاً مختلفاً فى التعليم والثقافة والمعلومات للترويج للديمقراطية ولخلق جماعة جديدة من المواطنين العرب المستعدين للتركيز إيجابياً على قيم وسياسات الولايات المتحدة، وتم دمج كل تلك البرامج فى مشروع واسع النطاق عنوانه «مبادرة دعم الشراكات فى الشرق الأوسط» أو «مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، وهى المبادرة التى تم تنسيق أنشطتها فى المكتب الرئيسى لوزارة الخارجية الأمريكية، ومن مكتبها الإقليمى فى تونس!
وسنة بعد أخرى، تزايدت أعداد العرب الذين تلقوا تثقيفاً سياسياً أمريكياً فى الولايات المتحدة وفى بلادهم، وبينما لم يتجاوز العدد ألفى مواطن عربى شاركوا فى برامج التبادل أو التدريب بنهاية عام 2000، فقد صعد ذلك الرقم بين عامى 2004 و2009 إلى مئات الآلاف.
مثلاً، دعت وزارة الخارجية الأمريكية سنة 1998 حوالى 3300 مصرى لبرنامج تدريبى للترويج للديمقراطية، وفى عام 2007، أصبح ذلك الرقم 47300 شخص، وفى عام 2008 بلغ عدد الذين شاركوا فى نشاطات مختلفة من هذا النوع، فى مصر أو الولايات المتحدة، 148700 مصرى.
مبادرة «الشراكة الشرق أوسطية» أو الـ(MEPI) أعلنت وقت تأسيسها عن خمسة أهداف لها فى المنطقة: تقوية المجتمع المدنى وحكم القانون، تمكين النساء والشباب، تحسين التعليم وتوسيعه، تشجيع الإصلاح الاقتصادى، وزيادة نسبة المشاركة السياسية، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، قدمت «المبادرة» دعماً مباشراً للمنظمات غير الحكومية على مستوى عالمى وفى منطقة «الشرق الأوسط» وشمال أفريقيا، وللمؤسسات التعليمية، ولمؤسسات الحكم المحلى، ومؤسسات القطاع الخاص، لتنفيذ مشاريع تم تصميمها للانخراط مباشرة مع شعوب منطقة «الشرق الأوسط» وشمال أفريقيا والاستثمار فيها. وطبقاً لمعلومات رسمية وزعت المبادرة سنة 2009 وحدها أكثر من خمسين مليون دولار من المنح لتحقيق هذه الأهداف، من خلال برامج ركزت على التعليم، مثل المنح الجامعية، وبرامج تعليم اللغة الإنجليزية، وتكنولوجيا التواصل الاجتماعى، وقد استهدفت تلك البرامج المتعلمين الصغار والناضجين ومعلميهم، وأولت اهتماماً فوق العادة بالفئات الأقل دخلاً!
بالتزامن مع ذلك، كان جيمس هولمز، رئيس مجلس الصداقة التركى ـ الأمريكى، يطلق سنة 2002 برنامجاً أسماه «قوة الدبلوماسية الإلكترونية»، وسنة 2003، تمت إعادة تنظيم البرنامج فى مكتب رسمى تابع لوزارة الخارجية الأمريكية هو «مكتب الدبلوماسية الإلكترونية»، وكانت مهمة هذا المكتب أن يكون مركز دراسات وأبحاث لتطبيقات تكنولوجيا الاتصالات الإلكترونية، وبالفعل قامت «الخارجية الأمريكية» بتجنيد شركات وادى السيليكون مثل شركة جوجل وفيس بوك وتويتر وغيرها، لتساعدها فى إدخال تلك التكنولوجيا إلى دول المنطقة.
وكان جاك دورسى، أحد مؤسسى تويتر، ضمن أول وفد يشكله المدراء التنفيذيون لوزارة الخارجية الأمريكية من ممثلى شركات التكنولوجيا وشركة الاتصالات الأمريكية AT&T وعدة شركات ناشئة فى وادى السيليكون وهو الوفد الذى زار العراق وقابل مسئولين حكوميين ورؤساء شركات خاصة وطلاباً ليقدم لهم محاضرات حول استخدامات التكنولوجيا هناك، ومع أن فكرة الترويج لشبكات التواصل الاجتماعى فى بلد تمزقه الحرب ولا يمكن الاعتماد على تياره الكهربائى قد تبدو غريبة وعجيبة، فإن مندوبى الوفد وجدوا جمهوراً متجاوباً معهم!
وقتها، كان «جاريد كوهين»، يشغل موقع مدير دائرة التخطيط السياسى فى وزارة الخارجية الأمريكية، وطرح مشروعاً أكد فيه أن الولايات المتحدة تتمتع بفرصة فريدة لفتح أبواب الخارج بقوة قطاعها التكنولوجى، وفى التفاصيل أوضح بالأرقام أن الشباب فى مختلف دول العالم العربى يستخدمون تلك التكنولوجيا بشكل متصاعد ليتعارفوا، ويتناقشوا، وينظموا فعاليات.
جاريد كوهين، هو نفسه الذى كان بصحبة «وائل غنيم» حين تم إلقاء القبض عليه مساء يوم 27 يناير 2011، وهو يحمل الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية، وكان وقتها (2011) يشغل موقع مدير أفكار شركة جوجل وفى الوقت نفسه يعمل فى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية CFR المعروف بعلاقاته مع المحافظين الجدد المتحكمين فى سياسات الولايات المتحدة.
كوهين كان أصغر المستشارين فى مكتب وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس ثم بعدها هيلارى كلينتون، وأبرز أعضاء برنامج جيل جديد بمنظمة فريدوم هاوس وهو كذلك مؤسس منظمة «تحالف حركات الشباب» AYM تحت رعاية وتمويل وزارة الخارجية الأمريكية.
وطبقاً للمنشور على موقع تلك المنظمة، منظمة تحالف حركات الشباب «AYM»، فهى ترعى نشر الديمقراطية الأمريكية فى العالم واستقبلت أعضاء من جميع أنحاء العالم العربى عام 2008 لتدريبهم ودعمهم لتنفيذ دراسات مراكز السياسات الخارجية الأمريكية باسم الحرية والديمقراطية والسلام.
وكان كوهين موجوداً فى مصر يوم 27 يناير 2011 مع وائل غنيم وكان هذا هو سبب القبض على غنيم وهى المعلومة التى أكدها كوهين بنفسه حين كتب على حسابه الشخصى على تويتر أنه وصل إلى القاهرة!
الشاب الأمريكى-الإسرائيلى الذى درس فى جامعة هارفارد، تفاعل أثناء دراسته مع المجتمعات العربية وقام بعدة رحلات لدول عربية واختلط بالمجتمع العربى دون أن يخبر بيهوديته حيث إنه مجيد للغة العربية، سافر كوهين إلى إيران والتقى بالشباب هناك ووجد أن الشباب لهم شخصية مزدوجة فهم فى الليل يذهبون للحفلات ويرقصون ويشربون الخمر، وذهب من إيران لبيروت والتقى هناك بشباب من حزب الله فى ماكدونالدز، والتقى بقادة من فتح (اللواء منير مقدح) حيث اصطحبه إلى مخيم للاجئين الفلسطينيين بلبنان، والتقى بشباب من حماس وسألهم ماذا ستفعلون لو التقيتم بيهودى؟!.. فقال أحدهم سنقطع رأسه، (كوهين لا يخبرهم أنه يهودى ويتحدث العربية ويعرف نفسه على أنه أمريكى) وبالرغم من ذلك تواصل جاريد مع هؤلاء الشباب وسألهم عن أى وسائل التواصل الاجتماعى يفضلون وعن نوع البنات الذى يرونه جذاباً وعن طموحاتهم لمستقبلهم الشخصى والرياضة التى يحبونها وعدة تفاصيل تهمه فى دراساته وبعد أن يمضى معهم فترة ويختلط بهم يخبرهم بديانته ولكنهم كانوا «عاشروه» فلم يتغير موقفهم منه، ويقول لو بدأت الحديث معهم بقولى «أنا يهودى، وأريد منك أن تشرح لى.. « فإن ذلك لن ينجح، وبطريقته البديلة أجبر هؤلاء الشباب على إعادة النظر فى أفكارهم النمطية المسبقة عن اليهود، ثم ذهب جاريد من لبنان إلى سوريا ووجد الشباب هناك يستخدمون البلوتوث والكافيهات للتواصل، ثم ذهب منها للعراق ثم عاد إلى دمشق، وقرر كتابة كتاب عن رحلته بعنوان «أطفال الجهاد».
فى كتابه «أطفال الجهاد» يشير جاريد كوهين إلى أن الاتجاهات الديموجرافية الشرق أوسطية تبشر بتغيرات إيجابية فى العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامى، وأن العامل المهم بالنسبة لـ«كوهين» هو أن الشباب فى المنطقة مرتبطون ببعضهم البعض وبالعالم الخارجى بشكل لم يحدث قبل ذلك مطلقاً بفضل التكنولوجيا؛ وانتشار الاتصالات السهلة والرخيصة الذى قد يترجم إلى انفتاح كبير وتحرر سياسى ورغبة فى السلام والتعايش المشترك؛ كما تطرق فى الكتاب إلى دور التكنولوجيا فى إحداث الاضطرابات الاجتماعية.
هذا المفهوم الجديد للقوة عمل على صياغته علماء مراكز الدراسات الاستراتيجية والدولية تحت اسم «القوة الذكية» وهو مفهوم يدمج بين مفهومى القوة الناعمة والقوة الصلبة حيث يتم استخدام القوة الناعمة فى احتلال الدول بدلاً من القوة الصلبة التى تم استخدامها فى العراق وأفغانستان ما أسفر عن غضب عالمى، واستراتيجية القوة الناعمة عن طريق تجنيد جيل جديد من الطابور الخامس داخل الدول العربية ليقوموا بتفكيك دولهم وزعزعة استقرارها من الداخل وذلك بمساعدة التكنولوجيا بدلاً من تدخل قوات أجنبية لتقوم بهذه المهمة.
وسنة 2005 نشر كوهين مقالاً عن الثورة المخملية The Passive Revolution فى إيران بمجلة Hoover Digest التابعة لمؤسسة Hoover والتى تعتبر قريبة من الجمهوريين وخدمت ضد الاتحاد السوفيتى.
وبعد رحلاته وكتابه «أطفال الجهاد»، عمل كوهين عضواً فى طاقم تخطيط السياسات التابع لوزارة الخارجية الأمريكية من 2006 إلى 2010 وقد التحق بالوزارة فى عمر 24 سنة، الأمر الذى يجعله أصغر شخص يلتحق بمنصب رفيع فى وزارة الخارجية الأمريكية تحت رئاسة كونداليزا رايس التى كان كوهين على تواصل معها وهو مازال طالباً لم يتخرج بعد، وكان دور كوهين فى وزارة الخارجية إيجاد طرق جديدة لصرف الشباب عن العنف، وكوهين كان واحداً من القلائل الذين احتفظوا بمواقعهم بعد انتقال الوزارة إلى هيلارى كلينتون، وساعد فى تطوير ما صار معروفاً باسم «صناعة الدول فى القرن 21» ركز كوهين على مكافحة الإرهاب والتطرف، ودراسة شئون الشرق الأوسط وجنوب آسيا وتدريب الشباب على وسائل التكنولوجيا الحديثة. ركز على ربط كبار التنفيذيين فى شركات التكنولوجيا مع الزعامات المحلية فى العراق وروسيا والمكسيك والكونغو وسوريا، بهدف تطوير مبادرات حديثة ومبتكرة، وكوهين هو ثالث مسئول فى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية له أكبر عدد من المتابعين لصفحته على تويتر بعد باراك أوباما وجون ماكين.
وفى 30 أبريل 2008 التقى جاريد كوهين بـ«داليا مجاهد» مستشارة أوباما لشئون العالم الإسلامى، فى مؤتمر نظمه معهد ميلكين Milken لبحث دراسة تحت عنوان «تغيير ديموجرافية العالم الإسلامى: الاستعداد للمستقبل».
كما ذكرت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 22 أبريل 2009: خلال شهر أبريل 2009 استقبلت السفارة الأمريكية فى بغداد وفداً يرأسه «جاريد كوهين» مكوناً من متخصصين فى التكنولوجيا الحديثة تنفيذاً للاتفاقية الأمنية بين الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية؛ ومن بين الشخصيات التى حلت ببغداد مؤسس ورئيس شركة «تويتر» جاك دورسى، كما التقى كوهين فى تلك الزيارة أيضاً بالرئيس العراقى الإخوانى الطالبانى.
أيضا، كان لـ«جاريد كوهين» دور بارز فى تأجيج الثورة الخضراء الإيرانية فى 2009 التى عرفت بثورة التويتر، أرسل كوهين إيميل إلى جاك دورسى مؤسس التويتر الذى كان يعتزم غلق الموقع للصيانة، متوسلاً إياه تأجيل صيانة الموقع إلى ما بعد انتهاء الثورة الإيرانية، وبالفعل تم تأجيل الصيانة لعدة ساعات واتهمت إيران الحكومة الأمريكية بالتدخل فى شئون الدولة الداخلية ودافعت أمريكا عن نفسها بالزعم أنها تدعم حرية التعبير.
يقول جاريد كوهين: «إن اليوتيوب هو أفضل من أى مخابرات يمكن أن نحصل عليها، لأن مواده توضع من قبل المستخدمين أنفسهم»، ويكفى هذا التصريح لتعرف أنه يعمل لصالح أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد وأنهم يستخدمون التكنولوجيا لاختراق الشعوب.
ومع ذلك فشل جاريد كوهين فى تحقيق خططه لتوجيه الشباب نحو الثورة المخملية فى إيران بعد فشل الثورة الخضراء بإيران عام 2009 وأصيب بالإحباط حتى كاد يلغى مشروعه لكنه نجح فى تونس ومصر وثورات الربيع العربى 2011 بعدها بسنتين ما جعله يعود لتكريس العمل لإنجاح مشاريعه.
والأغرب أن كوهين، قام كممثل لوزارة الخارجية الأمريكية، بزيارة سوريا فى خريف 2010، على رأس وفد أمريكى.
كما قام بزيارة للبحرين خلال شهر فبراير 2011 والتقى نائب رئيس مجلس الوزراء هناك الشيخ محمد آل خليفة.
وزار كذلك تونس وبالطبع كان لابد أن يأخذ صورة تذكارية مع والدة بوالعزيزى المنتحر مفجر الثورة التونسية وما تبعها من ثورات أحرقت المنطقة.
السيدة لا تعرف من هو ولا تدرك شيئاً!!
وكذلك ذهب جاريد كوهين إلى ليبيا ووقف سعيداً على أطلال منزل العقيد معمر القذافى بعد قصفه بجيوش الناتو، واستخدم الصفة نفسها (صفة ممثل وزارة الخارجية الأمريكية) حين تم إلقاء القبض عليه مساء 27 يناير 2011 برفقة وائل غنيم!
وعبر تلك البرامج أو المبادرات، أصبح لدينا شباب طامحون، صغار السن، يمثلون قوة دفع أساسية لتنفيذ المخطط الأمريكى فى المنطقة، ولم تكن صدفة بالطبع أن تكون الأحداث التى انطلقت منها شرارة ما يوصف بالربيع العربى بدأت فى تونس، البلد الذى يقع فيه المكتب الإقليمى لـ«مبادرة الشراكة الشرق أوسطية»!
وبهذا الشكل امتلكت الولايات المتحدة القوة التى استطاعت بها أن تغير الأنظمة السياسية فى منطقة الشرق الأوسط وقام الشباب الذى أنفقت عليه مبالغ طائلة فى مبادرات، ما عاد بأرباح كبيرة على استثمارات رعاتهم!
وتلك كان الخطوة الأهم لخلق عالم عربى مقسم إلى دويلات عرقية ودينية تقف على قمتها دولة عبرية متماسكة مدعومة عسكرياً من الولايات المتحدة، لتصبح الدولة الصهيونية الاستيطانية، المغروسة فى الجسد العربى، دولة طبيعية بل وقائدة. وتلك هى الرؤية التى طرحها برنارد لويس منذ السبعينيات والتى تبناها المحافظون الجدد، وتدور السياسة الأمريكية فى إطارها.
هذا التصور للشرق الأوسط، انطلق من تصور أن التاريخ متوقف تماماً فى هذه المنطقة، وأن الشعب العربى يمكن أن يصبح مجرد أداة فى مساحة أو منطقة بلا تاريخ ولا تراث مشترك، يمكن توزيعه على جماعات دينية وعرقية لا يربطها رابط وليس لها ذاكرة تاريخية، مادى اقتصادى لا تحركه غير الدوافع المادية الاقتصادية فقط.
هذا هو الإطار الذى انطلق منه رالف بيترز، ضابط مخابرات أمريكى متقاعد، ليضع مخططاً لإعادة تقسيم الشرق الأوسط (فى مقال نشرته مجلة القوات المسلحة الأمريكية فى عدد يونيو 2006) شرح فيه بوضوح ما يدور فى عقل دعاة الشرق الأوسط الجديد.
«بيترز» انطلق مما يسميه الظلم الفادح الذى لحق بالأقليات حين تم تقسيم الشرق الأوسط فى أوائل القرن العشرين (يقصد اتفاقية سايكس بيكو)، مشيرا إلى هذه الأقليات بأنها «الجماعات أو الشعوب التى تم خداعها حين تم التقسيم الأول»، ويذكر أهمها: الأكراد، والشيعة العرب. كما يشير إلى مسيحيى الشرق الأوسط، والبهائيين، والإسماعيليين، والنقشبنديين.
ويرى بيترز أن هناك كراهية شديدة بين الجماعات الدينية والعرقية فى المنطقة تجاه بعضها البعض، وأنه لذلك يجب أن يعاد تقسيم الشرق الأوسط انطلاقاً من تركيبته السكانية غير المتجانسة القائمة على الأديان والمذاهب والقوميات والأقليات، حتى يعود السلام إليه. والنموذج الكامن هناك هو الدولة الصهيونية القائمة على الدين والقومية وامتزاجهما.
ثم يقدم بيترز خريطته للشرق الأوسط الجديد فيتحدث عن تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، دولة كردية فى الشمال، ودولة شيعية فى الجنوب، ودولة سنية فى الوسط ستختار الانضمام إلى سوريا مع مرور الزمن.
ويصف رالف بيترز السعودية بأنها دولة غير طبيعية، ويقترح أن يقتطع منها كلا من مكة والمدينة المنورة حتى تنشأ فيها «دولة إسلامية مقدسة»، على رأسها مجلس يترأسه بالتناوب أحد ممثلى الحركات والمدارس الإسلامية الرئيسية، أى أن يكون المجلس نوعاً من «فاتيكان إسلامى أعلى»، ويقترح إضافة الأرض المقتطعة من شمالى السعودية إلى الأردن، وأن تقتطع أرض من جنوبى البلاد كى تضاف إلى اليمن، وأما شرقى البلاد فلن تسلم أيضاً من المقص، إذ تقتطع منها حقول النفط لمصلحة دولة شيعية عربية. أما المملكة الأردنية الهاشمية فستحتفظ بأراضيها وتضاف إليها أرض من شمالى السعودية، كما سيرتبط «مستقبل الضفة الغربية بها».
أما الإمارات فيطلق «بيترز» عليها اسم «الدولة المدينية» (نسبة إلى المدن اليونانية القديمة)، وقد يتم دمج بعضها مع الدولة العربية الشيعية التى تلتف حول الخليج العربى، والتى ستصبح قوة توازُن مقابل الدولة الفارسية، لا حليفاً لها.
أما دبى، فيتوقع بيترز أن تبقى مسرحاً للأغنياء الفاسقين، فيما تحتفظ عمان والكويت، بأراضيها. ويفترض أن إيران، وفقاً لهذا المشروع، ستفقد الكثير من أراضيها لصالح أذربيجان الموحدة، وكردستان الحرة، والدولة الشيعية العربية، وبلوخستان الحرة، لكنها تكسب أراضى من أفغانستان.
وينتهى بيترز إلى أنه بعد تعديل، من الممكن أن تنشأ حدود جديدة مع الزمن. وأن تعديل حدود الشرق الأوسط الأكبر، بناء على روابط الدم الطبيعية والعقيدة الدينية، ضرورة ملحة لحقن الدماء!
وليس غريباً، أن يتزامن نشر مقال رالف بيترز مع مقال آخر كتيه الصهيونى جاى بخور (نشرته يديعوت أحرونوت فى 27 يوليو 2006) طرح فيه أيضاً خطة لإعادة صياغة الشرق الأوسط، يتم فيه تقسيم العراق إلى ثلاث دول، بحسب مقياس طائفى: سنية فى الوسط والغرب، وشيعية فى الجنوب، وكردية فى الشمال، كما يجب إنهاء نظام سوريا وإعادة الأكثرية السنية إلى الحكم. وعلى الأردن أن يتحمل المسئولية عن الضفة الغربية، وبهذا ينشأ كيان فلسطينى واحد فينتشر الفلسطينيون إلى الشرق.
أما مصر طبقاً لمقال بخور فستصبح مسئولة عن قطاع غزة، وهو شىء حسب تصوره أصبح يحدث فى الواقع أكثر فأكثر. ويجب أن يقوم فى لبنان نظام دولى فى جنوب الدولة وشرقها، لمنع عودة الأصولية الشيعية أو غيرها».
تلك كانت ملامح سريعة لمشروعات تم التخطيط لها، وجرى تنفيذ جوانب منها ولاتزال الولايات المتحدة الأمريكية والدولة الصهيونية، يبذلون جهوداً مضنية بمساعدة وكلائهم وعملائهم فى المنطقة لإكماله.
«وعلينا ألا ننسى أننا نجحنا فى تعطيل مخطط وإبطال مؤامرة، وعلينا أن ندرك أن هناك من هو متربص ولا يريد لهذا البلد أن يكون استثناءً بين مصائر دول هذه المنطقة المضطربة، وأن يعرقل مشروعنا الوطنى للتنمية والاستقرار».
علينا ألا ننسى أننا نجحنا فى تعطيل المخطط.. وعلينا أيضا ألا ننسى أننا لم ننجح بعد فى القضاء عليه.