الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:58 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: من يدفع لخبثاء الإعلام فى مصر؟!

تسطيح.. ابتزاز.. تضليل.. وفتنة
تشتيت وتغييب وعى وتجاهل القضايا الحقيقية والتركيز على تفاهات أو صراعات لا تخص إلا أصحابها مع تجاوزات أخلاقية وقانونية بلا ضابط أو رابط.
هذا باختصار هو حال الإعلام المصرى القائم على حسابات لا علاقة لها بالإعلام ولا علاقة لها بالوطن أو المواطن.. إعلام تشغله قضايا من يستخدمونه ولا تعنيه قضايا الدولة التى تخوض حروبا لتوفير لقمة العيش للمواطن وللحفاظ على أمنه وسلامته.
وسائل الإعلام المختلفة (مقروءة ومسموعة ومرئية) ويضاف إليها شبكات التواصل الاجتماعى، صارت من الأسباب الأساسية فى سرعة انتشار الشائعات، مع أن أولى واجبات الإعلام أن يكون له دور فى محاربة الشائعات والقضاء عليها أو إظهار حقيقتها والعامل الهام فى تحقيق ذلك هو «الوقت».
تناست وسائل الإعلام، ربما عن عمد، دورها فى محاربة الشائعات والكشف عن مصدرها فى أقل وقت حتى تبطلها ولا تحقق الغرض منها فى بلبلة الرأى العام. والأبشع أن أصبحت هى المصدر الرئيسى لغالبية الشائعات التى لا نبالغ لو قلنا إنها العدو الأشرس الآن، بعد أن انهارت القيم المهنية والأخلاقية وضاعت المسافات بين السياسة والإعلام.
وما من شك فى أن القانون قد صمت.. أو لنقل أنه تأخر فى تطبيق قواعده، وأن الحرية أتيحت لها فرصة خلال فترة صمت طويلة لكى تتمدد دون أن تخضع للضوابط.. وبدلا من أن ينتبه الإعلاميون والصحفيون إلى السعى لأن يكونوا هم الأكثر حرصاً على تطبيق القانون، قاموا بتجاوزه وتخطيه.. وانفلت العيار.. وانتشرت العشوائية.. وظهرت عوارض خطيرة لا تتعلق بأشخاص وتوازنات.. وإنما تضرب فى صميم استقرار المجتمع. فهل يتدخل المجتمع لكى يحمى نفسه؟! أم تتحرك مؤسسات الدولة؟!
إن الموضوع أعمق بكثير من ادعاءات تقول إن هناك حملة لتكميم الأفواه من أجل التستر على فساد أو غيره.. الموضوع يتسع ويتشعب ليصل إلى ظواهر تخطت الطعن فى سمعة الناس.. أو التداخل لفرض عناصر تهدر فرص العدالة فى التنافس.. بل وصل الأمر إلى درجة الإخلال بمناخ العدالة.. والتعدى على القضاء.. وإهانة استقلاليته.. وصولا إلى تعزيز النعرات العرقية.. والإشادة بالتطاول على الدولة وتفجير الفتنة الطائفية.. وتحويل الصفحات والشاشات إلى منابر لأصوات الفتنة.
كيف وصلنا إلى هذا «القاع»؟!
هل هى سيطرة العشوائية والغوغائية والمصالح الخاصة؟!
أم عدم وجود «قانون» يحكم وسائل الإعلام ويضع لها الضوابط والمعايير؟!
أم عدم وجود جهة محددة، حتى الآن، تحاسب على التجاوزات أو الكوارث التى نراها ونقرأها ونسمعها كل يوم؟!
إن المادة ٢١١ من الدستور تنص على إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وجعله هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفنى والمالى والإدارى ومن بين اختصاصاته التى نص عليها الدستور وضع الضوابط والمعايير اللازمة لالتزام وسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها.
فهل ستظل الساحة الإعلامية حقلا يعيث فيه كل من هب ودب حتى يتم إنشاء المجلس الوطنى للإعلام؟!
وحتى يحدث ذلك، لمن يلجأ المواطن المتضرر من التجاوزات الإعلامية فى حقه، إذا كان هناك من يعتبرون مجرد اللجوء إلى القضاء جريمة ضد حرية الرأى والتعبير؟!
هل تنتهى تلك الأزمة بصدور التشريعات المنظمة للعمل الإعلامى؟!
أم ستأخذ شكلا جديدا يتم فيه التحايل على القوانين كما سبق ويجرى التحايل؟!
‎لا تخطئ عين الهبوط الواضح فى أداء بعض وسائل الإعلام. تحديدا الإعلام الخاص أو المملوك لرجال أعمال. وهو الهبوط الذى يجعلها تتناول قضايا لا تفيد المجتمع على الإطلاق، بل تكشف عن نوايا خبيثة وغير مهنية تزعزع استقرار الدولة بينما نحن فى أمس الحاجة لإعلام مستنير يحافظ عليها ويساهم فى مرحلة البناء التى تمر بها والتى لا نبالغ لو قلنا إنها من أصعب المراحل على الإطلاق.
كيف تهتم بعض وسائل الإعلام بأمور تافهة مثل الجنس والشعوذة والدجل؟
وكيف تحولت بعض القنوات التليفزيونية إلى «قنوات شوارع» لا تناقش قضايا المجتمع من اقتصاد وثقافة ومعرفة ومحاربة الأمية وصحة وتعليم بشكل مهنى، بينما تعرض صراعات ومشاجرات لا تخص إلا المتصارعين والمتشاجرين؟!
عدة وسائل إعلام تخلت عن ضروراتها المجتمعية فخسرت مساندة المجتمع. وعدة وسائل انقلبت على شرعية وجودها فانهارت وأهدرت نفسها. وتحول صحفيون ومذيعون ومذيعات إلى سياسيين فدخلوا معترك السياسة ووجدوا أنفسهم وجها لوجه مع معادلات غير مهنية.. وعلى كل هؤلاء أن يحتملوا ويتحملوا نتائج ذلك، خاصة إذا كانت أهدافهم شخصية وأغراض ذاتية، ولا توصيف لما يقدمونه غير أنه استغلال للحرية من أجل تحقيق مصالح مالية لهم ولمن يستخدمونهم ممن يوصفون بـ«رجال أعمال» بينما هم فى الواقع عبارة عن عصابات تحاول فرض إراداتها ومنطقها وقوانينها بقوة المال أحيانا وبأى قوة يمكنهم استخدامها أو تطالها أيديهم!
لدينا مشكلات حقيقية، تحتاج إلى جهود كثيرة للتغلب عليها وتخطيها. ومن واجب الإعلام أن يقترح الحلول ويساعد على توفير العلاج، لكن الذى حدث هو أن الإعلام الخاص تحول إلى مشكلة إضافية وصار عبئا فوق الأعباء. وعليه، فمن الطبيعى حين تتدخل الدولة لفرض القواعد والقوانين ألا يبكى أحد.. وألا يلوم غير الباحثين عن مكاسبهم الشخصية.
موقفنا ثابت وواضح، مع حرية الإعلام إلى أقصى درجة.. لكن الحرية مسئولية، ولها ضوابط تبدأ وتنتهى بالحفاظ على كرامة المواطن والوطن.. الحرية هى أن تصحح وتوضح وتعرض الصورة كاملة دون تقييد لحرية تداول المعلومة، وفى الوقت نفسه دون تفريط فى الأمن القومى.. وتأثير الانفلات الإعلامى تعدى حقوق وواجبات وكرامة المواطن إلى كيان الدولة وحدث ذلك كثيرا حتى فى العلاقات مع بعض الدول. وعدم وجود عقاب أغرى الكثير من الفضائيات بتقديم أى مادة وفى أى اتجاه دون النظر إلى الأضرار التى قد تنتج عن ذلك.