ياسر بركات يكتب عن:«داعش» يقترب من تونس
قصة 6 آلاف إرهابى انضموا للتنظيم المسلح فى عام واحد!
- جمعيات إسلامية شاركت فى تجنيد الوافدين من مصر والخليج.. والمرزوقى يلعب بورقة «الفوضى»
- 700 ألف عاطل عن العمل يشعلون ثورة الغضب فى القصرين
خمس سنوات مرت على إطاحتها بنظام زين العابدين بن على فى 14 يناير 2011، سمعنا خلالها وقرأنا حكايات وأغنيات عن أن تونس تشكل «استثناءً» بين الدول التى اجتاحها ما يوصف بـ«الربيع العربى».. فهى التى -كما زعموا- لم تنزلق إلى حرب أهلية دموية، كما حدث فى سوريا واليمن وليبيا.. وهى التى تعايشت كما ادّعوا فى وفاق مع تنظيم الإخوان ولم تلفظهم كما فعلت مصر!!.. وهى التى استحقت جائزة نوبل وحاول «الغربان» أن يخرجوا بنتائج وأحكام بعد حصول تونس عليها!
وتجاهل من حكوا الحكايات وغنوا الأغنيات أن هذا البلد، يهدده الإرهاب، وتتزايد فيه أعداد المتطرفين، ويعيش أيضاً أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية حادة، لم تستطع الحكايات والأغنيات إخفاءها.
تجاهل هؤلاء وهؤلاء أن تونس تحوّلت إلى مدينة جاهلة وصحراء قاحلة، فاقدة للتمدين السياسى، لأنها حاولت أن تصنع ثورة فى غياب مشروع فكرى وثقافى وسياسى، ولذلك حين حدثت عملية الانتقال الديمقراطى المتعثرة فيها، لم تتحرك السياسة فيها بشكل يضمن تأسيس دولة ديمقراطية حديثة، وإنما دولة تسيطر عليها تيارات سياسية ليبرالية أو يسارية أو دينية، دون أن تمتلك أى منها أية رؤية للتنمية، بل تركت الأرض ممهدة للفوضى، وغياب قيمة العمل، وتحوّلت تونس إلى غنيمة، تتقاسمها التيارات السياسية الفاسدة، ويتنازع عليها من لا يمكن اعتبارهم رجال دولة حقيقيين!
ولعل أبرز النتائج الكارثية للثورة التونسية، كان تبنى عدد كبير من أبنائها للفكر الجهادى والمتطرف الذى نجح فى تجنيد شريحة واسعة من الشباب التونسى خاصة من الفئات التى تعانى من البطالة ولا تمتلك مستوى تعليمياً متقدماً، وتبحث فى الوقت نفسه عن الظهور فى المشهد الإعلامى، والحصول على المال والثروة بأى شكل، الأمر الذى جعلهم ينخرطون فى الحركات الإرهابية والتكفيرية التى أوهمتهم أن بإمكانها تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه!
كان واضحاً أن وصول الإرهابيين الذين يحملون الجنسية التونسية إلى مناطق متقدمة فى العراق وسوريا وليبيا لم يأت من فراغ، بل من تنامى انضمام آلاف التونسيين إلى التنظيمات الإرهابية، فى ظاهرة يمكن ردّها إلى حالة «الفراغ» التى تلت سقوط نظام زين العابدين بن على، إضافة إلى الفقر وترامى الحدود مع ليبيا، حيث تنتشر شبكات تجنيد وتدريب الإرهابيين.
يستوقفنا هنا تقرير لفريق عمل الأمم المتحدة حول استخدام المرتزقة صدر سنة 2015 وذكر أن أكثر من 5500 تونسى انضموا إلى المتطرفين فى سوريا والعراق وليبيا، وكشف أن عدد المقاتلين التونسيين هو الأعلى بين الأجانب الذين التحقوا بمناطق النزاع!
ومما يضحك أن دراسة لمركز «كارنيجى»، أرجعت انتشار التطرف فى تونس إلى «تضييق الخناق على التيارات الدينيّة» فى عهد بن على، وأن سقوطه أدى إلى خلق فراغ سمح للإرهابيين بنشر أفكارهم وتجنيد أعضاء جدد فى صفوف الفئات الفقيرة!
دراسة مركز «كارنيجى» ذكرت هذا الكلام الفارغ، بينما الثابت هو أن ارتفاع أعداد «الإرهابيين» التونسيين فى سوريا يعود إلى ما شهدته تونس من دعاية سياسية ودينية مركّزة ضد النظام السورى، فى زمن حكومة «الترويكا» التى قادتها حركة «النهضة» الإخوانية منذ نهاية 2011 حتى بداية 2014، فلم يكن خافياً على أحد أن إرهابيين خليجيين ومصريين استقدمتهم جمعيات إسلامية تونسية ونال بعضهم استقبالات «رسمية» فى المطارات، شاركوا فى هذه التعبئة وهذا التجنيد!
وبينما كان جانب من التونسيين الذين صوتوا للرئيس الباجى قائد السبسى، يراهن على هذا الرجل المخضرم لكى ينقل تونس إلى بر الأمان، فإن الرئيس الباجى لم ينجح حتى الآن فى أن يقود البلاد نحو بناء دولة وطنية ديمقراطية حقيقية، ولم يقرأ جيداً دروس مصر واليمن وليبيا!
جانب كبير من المعضلة التونسية يتمثل فى التفاوت الكبير فى التنمية بين المدن الغربية الحدودية التى تجاور الجزائر وتعانى من الفقر وبين المدن الساحلية البحرية التى استفادت منذ العهد الملكى من مخصصات التنمية، وتحولت إلى منتجعات سياحية كبرى، إضافة إلى تركز أغلب الاستثمارات الصناعية والخدمية والعقارية بها، وهو ما جعل البلاد تعيش تفاوتاً حقيقياً بين المناطق وتوزيعا غير عادل للثروة.
وقد فشلت الحكومات المتتالية، التى تداولت السلطة فى تونس بعد الإطاحة بنظام بن على، فى إيجاد حل لهذه المعضلة التى استغلتها قوى خارجية ومتواطئون فى الداخل للإطاحة بالنظام السابق، الذى ساعد القوى الأجنبية على إسقاطه.
ومن المتوقع أن تتواصل هذه الاحتجاجات فى المناطق الداخلية التونسية ما لم تجد الحكومة الحلول الكفيلة بإقناع المحتجين بأن الدولة تبحث بشكل جدى عن الحلول لإخراجه من هذه الوضع الصعب.
غير أن عودة المنصف المرزوقى مثلاً إلى الساحة وهو المعروف بأنه لا يتحرك إلا لتحقيق مصالح لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالمصلحة الوطنية، قد يؤدى إلى تأزيم الأوضاع بدرجة أكبر.. بل لا نبالغ لو ربطنا بين ظهوره مجدداً على الساحة وبين الاضطرابات التى تشهدها تونس!
إلا أن هناك أيضاً أسباباً موضوعية خارجة على إرادة الحكومة التونسية عطلت التنمية فى تونس، كانتشار العنف السياسى والإرهاب، ما يجعل المنطقة طاردة لرؤوس الأموال، وغير قادرة على جذب الاستثمارات الخارجية، بالإضافة إلى إنهاك قطاع السياحة بسبب هجمات العناصر المتطرفة على الأماكن السياحية، كما حدث فى شاطئ سوسة وقبله متحف باردو، بالإضافة إلى أن تونس لم تحصل على مساعدات مالية كافية من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، وطبيعى ألا تحدث نهضة حقيقية فى أى دولة، بشكل سريع، دون دفعة اقتصادية خارجية.
فمحافظة القصرين تعد إحدى أفقر المناطق فى تونس، وقد شهدت مراراً منذ «ثورة 2011» احتجاجات تتحول دائماً إلى مواجهات مع الشرطة.
رئيس الجمهورية الباجى قائد السبسى أرجع هذه الاحتجاجات إلى الأوضاع الصعبة التى ورثها والتى تضمنت 700 ألف عاطل عن العمل، من بينهم 250 ألفاً من أصحاب الشهادات العلمية، معتبراً أن الاحتجاجات فى ولاية القصرين وجهات عدة هى احتجاجات مشروعة ويكفلها الدستور وتحترمها الحكومة.
غير أن الأحداث كانت مادة دسمة للأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى التى تفاعلت معها عبر إصدار البيانات الرسمية، حيث ساند الناشط السياسى المقرب من «حركة النهضة» رضوان المصمودى البرلمان والحكومة ورئيس الجمهورية ضد ما سماها «عمليات التخريب فى القصرين»، معتبراً «أن من يقوم بهذا هم مندسون ينتمون إلى جهات مشبوهة».
ورجح المصمودى أن تكون هذه الاحتجاجات «محاولة للانقلاب على الديمقراطية لخدمة مشروع «داعش» ومشروع أعداء تونس وأعداء الديمقراطيّة فى الداخل والخارج».
إلا أن موقف النائب عن حركة النهضة وليد البنانى الذى يمثل هذه المحافظة يختلف تماماً عن موقف زميله فى الحزب، إذ هدد بالاعتصام مع أبناء القصرين داخل مقر المحافظة لتحقيق المطالب، وذلك فى حالة عدم تحرك السلطة التونسية بجدية. واعتبر البنانى أن الوضع فى القصرين ينذر بعواقب وخيمة إذا لم يتحمل البرلمان والحكومة مسئوليتهما.
وحمّل حزب «تونس الإرادة» الذى يتزعمه رئيس الجمهورية السابق، منصف المرزوقى، الائتلاف الحاكم «مسئوليته أمام الوعود التى قدمها إبان الانتخابات»، ويعتبر أن سياساته «اتجهت لحد الآن وجهة خاطئة ومعاكسة لتطلعات الفئات الضعيفة والجهات المهمشة».
واعتبر فى بيان أصدره حول أحداث القصرين «أن الائتلاف الحاكم الحالى وحكومته المشلولة مسئولان عن استشراء الأزمة وتعميقها، فى ظل الأولويات المعكوسة لديه والتعيينات الفاسدة».
ولم تكتفِ الأحزاب بالتفاعل مع مطالب المحتجين، بل سجل «اتحاد الشغل» (المنظمة النقابية الأكبر فى تونس) موقفه من الأحداث، حيث اعتبر الأمين العام للاتحاد حسين العباسى أن ما يحدث فى المناطق الداخلية هذه الأيام هو نتيجة منتظرة بعد خمس سنوات من الثورة من دون التقدم فى ملفات التشغيل والتنمية، مشدداً على ضرورة مراجعة الملفات الكبرى.
وسبق للعباسى أن حذر من أزمة سياسية محتملة قد تندلع خلال الفترة المقبلة، داعياً إلى الترفّع عن المصالح الحزبية الضيقة من أجل استكمال المسار الديمقراطى الانتقالى. وشدد على أهمية دور الاتحاد «فى إنجاح هذا المسار» باعتباره القوة المدنية والاجتماعية الأولى فى تونس.
كان بين الشعارات التى ترددت حسب تقارير إعلامية إسقاط النظام والحكومة، ما يضع الدولة فى تونس على حافة الانهيار، خاصة مع تهديد الجماعات المتطرفة المنتشرة فى تونس، والتى تزدهر أنشطتها بالطبع فى حالات الفوضى وفقدان السيطرة، مع الوضع فى الاعتبار أن تونس تعيش تجربة ديمقراطية ناشئة، لا تخلو من الهشاشة، وتواجه تحديات داخلية وإقليمية كبيرة، وتتعرض لضغوط دولية!
هكذا، كان طبيعياً أن ترتفع الأصوات المحذرة من خطورة خطف الإرهابيين للاحتجاجات السلمية، فى محافظة القصرين، وتمددت لتشمل مناطق جديدة.. وهكذا كان طبيعياً أن يقتحم تنظيم «داعش» المشهد ويدخل على خط المواجهة، ويرفع حملته التحريضية عبر مواقع التواصل الاجتماعى.
وهكذا، لم يكن غريباً أن يتداول مناصرو «داعش»، فيديو نشره التنظيم الإرهابى، يظهر فيه مقاتلون فى صفوفه فى سوريا والعراق وهم يحرضون الشعب التونسى على تغيير منحنى الاحتجاجات نحو العنف والفوضى، والالتحاق بمن وصفهم بـ«مجاهدى» التنظيم وتنفيذ عمليات تستهدف تونس.
وبهذا الشكل يكون تحذير الجهات الأمنية والعسكرية التونسية فى محله تماماً وهو التحذير من استغلال الاحتجاجات على أيدى عناصر إرهابيين متحصنين فى الجبال القريبة من القصرين.
وليس بإمكاننا غير أن نصدق وليد الوقينى، المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية، وهو يكشف عن «رصد تحركات تخريبية موازية لعناصر معروفين بتشددهم الدينى، فى محاولة لتأجيج الأوضاع وإخراج الاحتجاجات المدنية عن سياقها السلمى»!
- جمعيات إسلامية شاركت فى تجنيد الوافدين من مصر والخليج.. والمرزوقى يلعب بورقة «الفوضى»
- 700 ألف عاطل عن العمل يشعلون ثورة الغضب فى القصرين
خمس سنوات مرت على إطاحتها بنظام زين العابدين بن على فى 14 يناير 2011، سمعنا خلالها وقرأنا حكايات وأغنيات عن أن تونس تشكل «استثناءً» بين الدول التى اجتاحها ما يوصف بـ«الربيع العربى».. فهى التى -كما زعموا- لم تنزلق إلى حرب أهلية دموية، كما حدث فى سوريا واليمن وليبيا.. وهى التى تعايشت كما ادّعوا فى وفاق مع تنظيم الإخوان ولم تلفظهم كما فعلت مصر!!.. وهى التى استحقت جائزة نوبل وحاول «الغربان» أن يخرجوا بنتائج وأحكام بعد حصول تونس عليها!
وتجاهل من حكوا الحكايات وغنوا الأغنيات أن هذا البلد، يهدده الإرهاب، وتتزايد فيه أعداد المتطرفين، ويعيش أيضاً أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية حادة، لم تستطع الحكايات والأغنيات إخفاءها.
تجاهل هؤلاء وهؤلاء أن تونس تحوّلت إلى مدينة جاهلة وصحراء قاحلة، فاقدة للتمدين السياسى، لأنها حاولت أن تصنع ثورة فى غياب مشروع فكرى وثقافى وسياسى، ولذلك حين حدثت عملية الانتقال الديمقراطى المتعثرة فيها، لم تتحرك السياسة فيها بشكل يضمن تأسيس دولة ديمقراطية حديثة، وإنما دولة تسيطر عليها تيارات سياسية ليبرالية أو يسارية أو دينية، دون أن تمتلك أى منها أية رؤية للتنمية، بل تركت الأرض ممهدة للفوضى، وغياب قيمة العمل، وتحوّلت تونس إلى غنيمة، تتقاسمها التيارات السياسية الفاسدة، ويتنازع عليها من لا يمكن اعتبارهم رجال دولة حقيقيين!
ولعل أبرز النتائج الكارثية للثورة التونسية، كان تبنى عدد كبير من أبنائها للفكر الجهادى والمتطرف الذى نجح فى تجنيد شريحة واسعة من الشباب التونسى خاصة من الفئات التى تعانى من البطالة ولا تمتلك مستوى تعليمياً متقدماً، وتبحث فى الوقت نفسه عن الظهور فى المشهد الإعلامى، والحصول على المال والثروة بأى شكل، الأمر الذى جعلهم ينخرطون فى الحركات الإرهابية والتكفيرية التى أوهمتهم أن بإمكانها تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه!
كان واضحاً أن وصول الإرهابيين الذين يحملون الجنسية التونسية إلى مناطق متقدمة فى العراق وسوريا وليبيا لم يأت من فراغ، بل من تنامى انضمام آلاف التونسيين إلى التنظيمات الإرهابية، فى ظاهرة يمكن ردّها إلى حالة «الفراغ» التى تلت سقوط نظام زين العابدين بن على، إضافة إلى الفقر وترامى الحدود مع ليبيا، حيث تنتشر شبكات تجنيد وتدريب الإرهابيين.
يستوقفنا هنا تقرير لفريق عمل الأمم المتحدة حول استخدام المرتزقة صدر سنة 2015 وذكر أن أكثر من 5500 تونسى انضموا إلى المتطرفين فى سوريا والعراق وليبيا، وكشف أن عدد المقاتلين التونسيين هو الأعلى بين الأجانب الذين التحقوا بمناطق النزاع!
ومما يضحك أن دراسة لمركز «كارنيجى»، أرجعت انتشار التطرف فى تونس إلى «تضييق الخناق على التيارات الدينيّة» فى عهد بن على، وأن سقوطه أدى إلى خلق فراغ سمح للإرهابيين بنشر أفكارهم وتجنيد أعضاء جدد فى صفوف الفئات الفقيرة!
دراسة مركز «كارنيجى» ذكرت هذا الكلام الفارغ، بينما الثابت هو أن ارتفاع أعداد «الإرهابيين» التونسيين فى سوريا يعود إلى ما شهدته تونس من دعاية سياسية ودينية مركّزة ضد النظام السورى، فى زمن حكومة «الترويكا» التى قادتها حركة «النهضة» الإخوانية منذ نهاية 2011 حتى بداية 2014، فلم يكن خافياً على أحد أن إرهابيين خليجيين ومصريين استقدمتهم جمعيات إسلامية تونسية ونال بعضهم استقبالات «رسمية» فى المطارات، شاركوا فى هذه التعبئة وهذا التجنيد!
وبينما كان جانب من التونسيين الذين صوتوا للرئيس الباجى قائد السبسى، يراهن على هذا الرجل المخضرم لكى ينقل تونس إلى بر الأمان، فإن الرئيس الباجى لم ينجح حتى الآن فى أن يقود البلاد نحو بناء دولة وطنية ديمقراطية حقيقية، ولم يقرأ جيداً دروس مصر واليمن وليبيا!
جانب كبير من المعضلة التونسية يتمثل فى التفاوت الكبير فى التنمية بين المدن الغربية الحدودية التى تجاور الجزائر وتعانى من الفقر وبين المدن الساحلية البحرية التى استفادت منذ العهد الملكى من مخصصات التنمية، وتحولت إلى منتجعات سياحية كبرى، إضافة إلى تركز أغلب الاستثمارات الصناعية والخدمية والعقارية بها، وهو ما جعل البلاد تعيش تفاوتاً حقيقياً بين المناطق وتوزيعا غير عادل للثروة.
وقد فشلت الحكومات المتتالية، التى تداولت السلطة فى تونس بعد الإطاحة بنظام بن على، فى إيجاد حل لهذه المعضلة التى استغلتها قوى خارجية ومتواطئون فى الداخل للإطاحة بالنظام السابق، الذى ساعد القوى الأجنبية على إسقاطه.
ومن المتوقع أن تتواصل هذه الاحتجاجات فى المناطق الداخلية التونسية ما لم تجد الحكومة الحلول الكفيلة بإقناع المحتجين بأن الدولة تبحث بشكل جدى عن الحلول لإخراجه من هذه الوضع الصعب.
غير أن عودة المنصف المرزوقى مثلاً إلى الساحة وهو المعروف بأنه لا يتحرك إلا لتحقيق مصالح لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالمصلحة الوطنية، قد يؤدى إلى تأزيم الأوضاع بدرجة أكبر.. بل لا نبالغ لو ربطنا بين ظهوره مجدداً على الساحة وبين الاضطرابات التى تشهدها تونس!
إلا أن هناك أيضاً أسباباً موضوعية خارجة على إرادة الحكومة التونسية عطلت التنمية فى تونس، كانتشار العنف السياسى والإرهاب، ما يجعل المنطقة طاردة لرؤوس الأموال، وغير قادرة على جذب الاستثمارات الخارجية، بالإضافة إلى إنهاك قطاع السياحة بسبب هجمات العناصر المتطرفة على الأماكن السياحية، كما حدث فى شاطئ سوسة وقبله متحف باردو، بالإضافة إلى أن تونس لم تحصل على مساعدات مالية كافية من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، وطبيعى ألا تحدث نهضة حقيقية فى أى دولة، بشكل سريع، دون دفعة اقتصادية خارجية.
فمحافظة القصرين تعد إحدى أفقر المناطق فى تونس، وقد شهدت مراراً منذ «ثورة 2011» احتجاجات تتحول دائماً إلى مواجهات مع الشرطة.
رئيس الجمهورية الباجى قائد السبسى أرجع هذه الاحتجاجات إلى الأوضاع الصعبة التى ورثها والتى تضمنت 700 ألف عاطل عن العمل، من بينهم 250 ألفاً من أصحاب الشهادات العلمية، معتبراً أن الاحتجاجات فى ولاية القصرين وجهات عدة هى احتجاجات مشروعة ويكفلها الدستور وتحترمها الحكومة.
غير أن الأحداث كانت مادة دسمة للأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى التى تفاعلت معها عبر إصدار البيانات الرسمية، حيث ساند الناشط السياسى المقرب من «حركة النهضة» رضوان المصمودى البرلمان والحكومة ورئيس الجمهورية ضد ما سماها «عمليات التخريب فى القصرين»، معتبراً «أن من يقوم بهذا هم مندسون ينتمون إلى جهات مشبوهة».
ورجح المصمودى أن تكون هذه الاحتجاجات «محاولة للانقلاب على الديمقراطية لخدمة مشروع «داعش» ومشروع أعداء تونس وأعداء الديمقراطيّة فى الداخل والخارج».
إلا أن موقف النائب عن حركة النهضة وليد البنانى الذى يمثل هذه المحافظة يختلف تماماً عن موقف زميله فى الحزب، إذ هدد بالاعتصام مع أبناء القصرين داخل مقر المحافظة لتحقيق المطالب، وذلك فى حالة عدم تحرك السلطة التونسية بجدية. واعتبر البنانى أن الوضع فى القصرين ينذر بعواقب وخيمة إذا لم يتحمل البرلمان والحكومة مسئوليتهما.
وحمّل حزب «تونس الإرادة» الذى يتزعمه رئيس الجمهورية السابق، منصف المرزوقى، الائتلاف الحاكم «مسئوليته أمام الوعود التى قدمها إبان الانتخابات»، ويعتبر أن سياساته «اتجهت لحد الآن وجهة خاطئة ومعاكسة لتطلعات الفئات الضعيفة والجهات المهمشة».
واعتبر فى بيان أصدره حول أحداث القصرين «أن الائتلاف الحاكم الحالى وحكومته المشلولة مسئولان عن استشراء الأزمة وتعميقها، فى ظل الأولويات المعكوسة لديه والتعيينات الفاسدة».
ولم تكتفِ الأحزاب بالتفاعل مع مطالب المحتجين، بل سجل «اتحاد الشغل» (المنظمة النقابية الأكبر فى تونس) موقفه من الأحداث، حيث اعتبر الأمين العام للاتحاد حسين العباسى أن ما يحدث فى المناطق الداخلية هذه الأيام هو نتيجة منتظرة بعد خمس سنوات من الثورة من دون التقدم فى ملفات التشغيل والتنمية، مشدداً على ضرورة مراجعة الملفات الكبرى.
وسبق للعباسى أن حذر من أزمة سياسية محتملة قد تندلع خلال الفترة المقبلة، داعياً إلى الترفّع عن المصالح الحزبية الضيقة من أجل استكمال المسار الديمقراطى الانتقالى. وشدد على أهمية دور الاتحاد «فى إنجاح هذا المسار» باعتباره القوة المدنية والاجتماعية الأولى فى تونس.
كان بين الشعارات التى ترددت حسب تقارير إعلامية إسقاط النظام والحكومة، ما يضع الدولة فى تونس على حافة الانهيار، خاصة مع تهديد الجماعات المتطرفة المنتشرة فى تونس، والتى تزدهر أنشطتها بالطبع فى حالات الفوضى وفقدان السيطرة، مع الوضع فى الاعتبار أن تونس تعيش تجربة ديمقراطية ناشئة، لا تخلو من الهشاشة، وتواجه تحديات داخلية وإقليمية كبيرة، وتتعرض لضغوط دولية!
هكذا، كان طبيعياً أن ترتفع الأصوات المحذرة من خطورة خطف الإرهابيين للاحتجاجات السلمية، فى محافظة القصرين، وتمددت لتشمل مناطق جديدة.. وهكذا كان طبيعياً أن يقتحم تنظيم «داعش» المشهد ويدخل على خط المواجهة، ويرفع حملته التحريضية عبر مواقع التواصل الاجتماعى.
وهكذا، لم يكن غريباً أن يتداول مناصرو «داعش»، فيديو نشره التنظيم الإرهابى، يظهر فيه مقاتلون فى صفوفه فى سوريا والعراق وهم يحرضون الشعب التونسى على تغيير منحنى الاحتجاجات نحو العنف والفوضى، والالتحاق بمن وصفهم بـ«مجاهدى» التنظيم وتنفيذ عمليات تستهدف تونس.
وبهذا الشكل يكون تحذير الجهات الأمنية والعسكرية التونسية فى محله تماماً وهو التحذير من استغلال الاحتجاجات على أيدى عناصر إرهابيين متحصنين فى الجبال القريبة من القصرين.
وليس بإمكاننا غير أن نصدق وليد الوقينى، المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية، وهو يكشف عن «رصد تحركات تخريبية موازية لعناصر معروفين بتشددهم الدينى، فى محاولة لتأجيج الأوضاع وإخراج الاحتجاجات المدنية عن سياقها السلمى»!