الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:52 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: دراسة خطيرة تكشف: الدوحة تحت الاحتلال التركى!

هذا ما خلصت إليه دراسة عنوانها «قاعدة تركيا الجديدة فى قطر» نشرها موقع معهد واشنطن أكدت أن أنقرة أعلنت فى ديسمبر الماضى، عن عزمها إنشاء قاعدة عسكرية جديدة لها فى قطر، وهو ما وضع تركيا ضمن مجموعة الدول القادرة على بسط نفوذها فى الخليج العربى!
الدراسة أعدها أوليفييه ديكوتينيى، وهو دبلوماسى فرنسى يعمل فى معهد واشنطن. وسونر چاجاپتاى، زميل «باير فاميلى» ومدير برنامج الأبحاث التركية فى معهد واشنطن. وأوضحت أن هذا الجهد التركى يشير إلى استعداد حلفاء واشنطن فى منظمة حلف شمال الأطلسى (الناتو) للتعامل مع الخليج من تلقاء أنفسهم. كما يسلط الضوء على اقتران دول خليج صغيرة ولكن غنية بدول تابعة لحلف شمال الأطلسى قوية عسكرياً ضمن سلسلة شراكات غير حصرية، استعداداً بشكل أساسى لمواجهة تصاعد النفوذ الإيرانى، من بين تهديدات إقليمية أخرى.
وذكرت الدراسة أن قطر تدين بوجودها، إلى درجة معينة، للعلاقة الخاصة التى أسستها مع الإمبراطورية العثمانية فى أواخر القرن التاسع عشر، عندما كانت الخصومة الإنجليزية-العثمانية تهيمن على سياسات الخليج. فى ذلك الوقت، كانت قطر قضاءً تابعاً لمحافظة نجد العثمانية، التى كانت بذاتها تابعة لولاية البصرة العثمانية. أما فى أماكن أخرى من الخليج، أسست بريطانيا علاقات خاصة مع حكام الكويت وإمارات أخرى، من خلال اجتذاب هذه الأخيرة إلى دائرة نفوذها وفى النهاية تمهيد الطريق للسيطرة البريطانية. إلا أن سلسلة أحداث عام 1893 قد وضعت قطر على مسار مختلف.
فى ذلك العام، تضيف الدراسة، أرسل العثمانيون جنوداً إلى قطر لقمع معارضة الحاكم المحلى قاسم بن محمد آل ثانى للإصلاحات الإدارية المقترحة من قبل إسطنبول. وبعد أن هُزمت القوات العثمانية، أصبحت قطر قضاءً مستقلاً فى الإمبراطورية، ولكنها وافقت أيضاً على استقبال جنود عثمانيين على أرضها، وهكذا بقى الجيش العثمانى فى قطر حتى سقوط الإمبراطورية العثمانية فى الحرب العالمية الأولى، وهى مدة أطول من بقائه فى أى إمارة أخرى من الخليج. وقد حال كيان قطر المستقل فى ظل الحقبة العثمانية دون امتصاصها من قبل الدولة السعودية المتوسعة بين العامين 1899 و1926، بالرغم من تشارك الدولتين للعقيدة الوهابية.
وأشارت الدراسة إلى أن الرؤية السياسية المشتركة، المتعلقة بالشرق الأوسط، ساهمت فى تقريب الأتراك والقطريين من بعضهم البعض. فمنذ بروز حكومة «حزب العدالة والتنمية» فى تركيا عام 2002، دعمت الدوحة وأنقرة عدة أحزاب إسلامية فى المنطقة، غالباً من خلال تشكيل تحالفات بفعل الأمر الواقع فى دول مثل مصر وسوريا (أحياناً ضد رغبات الرياض، وهى حليف إقليمى أساسى آخر لتركيا)، فى سوريا، حققت ألوية الثوار المدعومة من قبل تركيا وقطر مكاسب ملحوظة منذ ربيع العام 2015، ولكن هذه المكاسب توقفت بفعل الضربات الجوية الروسية فى وقت لاحق من ذلك العام. وعلى الساحة الفلسطينية، دعمت الدولتان حركة «حماس»، ما أدى إلى تقويض السلطة الفلسطينية.
وذكرت دراسة معهد واشنطن أن أنقرة والدوحة، الموحدتان تخوضان بفعل التاريخ والتطورات السياسية الأخيرة، حالياً محادثات لتوقيع «اتفاقية وضع القوات»، ما يمهد الطريق لوجود عسكرى تركى طويل الأمد فى قطر. ستتضمن الاتفاقية على الأرجح بنداً حول الظروف التى تطبَق بموجبها الاتفاقية، وبحسب هذا البند، إذا ما تعرضت دولة لهجوم، يتعين على الدولة الأخرى مساعدتها، يضع ذلك قطر فى مكانة خاصة بنظر أنقرة، فإلى جانب البند الذى ينص على ظروف تطبيق الاتفاقية فى إطار حلف الناتو، اتخذت تركيا مثل هذه التدابير مع شريكين آخرين فقط: قبرص الشمالية (التى تعترف بها أنقرة كدولة) وأذربيجان.
وذكرت الدراسة أن الولايات المتحدة ستظل إلى حد كبير أهم مصدر لتوفير الأمن فى الخليج، وأن حلفاء بارزين لها فى «الناتو» يستهدفون تكثيف وجودهم فى المنطقة، كما أن دولاً غير غربية أساسية تسعى أيضاً إلى إثبات وجودها فى المنطقة. نشرت روسيا قوات فى سوريا وفرضت وجودها من خلال قاعدتين فى اللاذقية وطرطوس، فيما تتحكم الصين بالعمليات التجارية فى ميناء جوادر الباكستانى، القريب من مدخل الخليج العربى.
وأوضحت الدراسة أن إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما تعهدت بإعادة تركيز الجهود الأمريكية باتجاه الشرق الأقصى وحافة المحيط الهادئ. وقد ولّد هذا التحول والاتفاق النووى مع طهران قلقاً لدى دول الخليج العربى التى تخشى احتمال تصاعد النفوذ الإيرانى وما زالت قلقة من طموحات طهران النووية. وبالتالى، سترفع خطوة تركيا فى قطر من قيمة أنقرة لدى شركائها العرب وحليفتها الولايات المتحدة التى تميل على ما يبدو إلى تشارك العبء الذى يطرحه أمن الخليج. فضلاً عن ذلك، ستعزز القاعدة الجديدة استقلالية قطر تجاه المملكة العربية السعودية. كما أنها قد تساهم فى توفير الأمن لكأس العالم لكرة القدم عام 2022 الذى يقام بإشراف «الاتحاد الدولى لكرة القدم» («فيفا»)، وهى جهود بارزة ومثيرة للجدل على نحو دائم بالنسبة إلى قطر، الدولة المستضيفة.
وأكدت دراسة معهد واشنطن أنه من منظور عسكرى، ستتيح القاعدة لأنقرة مجموعة متنوعة من الخيارات فى المنطقة. ومع أنه لم يتم الإفصاح بعد عن توزيع المنشآت التركية المستقبلية والإطار الزمنى المحدد لاكتمالها، تُظهر التجربة الفرنسية فى أبوظبى بعض المنافع التى قد تحصل عليها تركيا. فالقاعدة الفرنسية تُستخدم حالياً كمنصة لتوجيه ضربات ضد مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» (داعش) فى العراق وسوريا. كما باتت اليوم تستضيف قيادة البحرية الفرنسية للمحيط الهندى ومركز دعم أساسى للعمليات البحرية فى الخليج العربى والمحيط الهندى، بما فيها جهود مكافحة القرصنة على طول القرن الأفريقى وفى أماكن أخرى، التى تساهم تركيا فيها أيضاً، بالإضافة إلى ذلك، شكلت القاعدة حجر أساس لتوسيع التعاون العسكرى مع الإمارات العربية المتحدة، ومنصة لوجستية لانسحاب فرنسا من أفغانستان، وقاعدة تدريب لحرب الصحراء وحرب المدن وواجهة عرض للمعدات والتكنولوجيا العسكرية الفرنسية.
كذلك، ستتضمن القاعدة التركية فى قطر، تقول الدراسة، على ما يبدو قوة برية وبحرية وجوية وقوات خاصة بالإضافة إلى مدربين للجيش القطرى، ما سيسمح لأنقرة بعرض معداتها العسكرية وربما تعزيز مبيعات دبابات «ألتاى» ومدافع الهاوتزر ذاتية الدفع من طراز «فيرتينا» وأسلحة أخرى تركية الصنع، علاوة على ذلك، ستقدم القاعدة للجيش التركى وسيلة للتدريب فى الصحراء يفتقر إليها حالياً، ما يسمح للقوات البحرية التركية بإنجاز عمليات مكافحة القرصنة وعمليات أخرى فى الخليج العربى والمحيط الهندى وبحر العرب، وقد تشكل القاعدة مركزاً للعمليات التركية المستقبلية ما وراء البحار. وبصورة رمزية أكثر، ستنبئ القاعدة بعودة البحرية التركية إلى المحيط الهندى للمرة الأولى منذ خمسينيات القرن السادس عشر، حين حارب العثمانيون الإمبراطورية البرتغالية من أجل فرض السيطرة على تلك المنطقة إلا أنهم تعرضوا للهزيمة.
فى المقابل تضيف الدراسة يفترض تكثيف الوجود التركى فى الخليج تعرض أكبر للمخاطر، خصوصاً فى ظل التوتر السعودى-الإيرانى المتصاعد والذى تنحاز فيه تركيا إلى الرياض، على سبيل المثال، ستكون القوات المتمركزة فى القاعدة الجديدة فى قطر سهلة المنال لناحية قدرات الصواريخ الكبيرة التى تتمتع بها إيران، حتى الآن، حافظت أنقرة وطهران على روابطهما العسكرية وتمكنتا من إدارة خلافاتهما السياسية بالرغم من كونهما خصمين فى العراق وشنهما حرباً بالإنابة فى سوريا، إلا أن الخليج هو بيئة أكثر تقلباً من حدود تركيا البرية مع إيران.
وتوضح الدراسة أن الأتراك والفرس لم يدخلا فى أى نزاع عسكرى منذ بداية القرن السابع عشر، ورغم ذلك تنظر طهران إلى هذه القاعدة الجديدة كخطوة عدائية وكإشارة إلى الانحياز التركى لدول الخليج السنية ذات الأنظمة الملكية، ومن غير المرجح أن تؤدى الإشارات الموازية إلى أن أنقرة تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى تحسين المناخ بين تركيا وإيران.
وأخيراً، تؤكد دراسة معهد واشنطن أنه فى حين تكون اتفاقية الدفاع المشترك مثل تلك التى تعتزم أنقرة والدوحة عقدها متبادلة عادةً، إلا أن تقديم تركيا العون لقطر هو أكثر ترجيحاً من السيناريو المعاكس، فبمجرد المحافظة على وجود عسكرى دائم على تلك الأراضى الصغيرة التى تمثل دولة قطر، سيتوجب على أنقرة ضمان أمن الإمارة على نحو دائم. على الرغم من ذلك، قد يحتاج الأتراك بدورهم إلى ضامن، ففى دراسة أجريت عام 2013 حول القوات العسكرية البريطانية فى الخليج، أشار جاريث ستانسفيلد وسول كيلى إلى ما يلى: «هناك خطر بأن يكون الانتشار كبيراً بما يكفى «لإقحامنا فى مأزق» ولكن صغيراً جداً لإخراجنا من المأزق عندما يبدأ». والأمر ذاته ينسحب على الانتشار التركى المرتقب فى قطر والذى سيضم 3000 جندى، ومع أن منظمة حلف شمال الأطلسى لا تقدم دفاعاً جماعياً للقوات الحليفة المنتشرة فى الخليج، تملك الولايات المتحدة مقرها العسكرى الخاص فى قطر، وأكبر قاعدة جوية لها فى الشرق الأوسط وهى قاعدة «العديد»، بالتالى تركب واشنطن القارب ذاته مع أنقرة وقد تصبح الضامن بفعل الأمر الواقع للقاعدة التركية.