ياسر بركات يكتب عن:من يردع دولة المجوس؟!
سيناريو اغتيال عادل الجبير يطارد الشعب السعودى بعد تصريحات ولى ولى العهد الصادمة
- طهران تعترف باحتلال أربع عواصم وتتفوق على تل أبيب فى إذلال العرب!
- حكاية «البجعة السوداء» التى تمنع دول العالم من الصراع مع الفرس
- باقر النمر.. هل يكون شرارة الحرب؟!
يخطئ من يتصور أن «عاصفة الحزم» التى أطلقها الملك سلمان فى اليمن، لم تكن أكثر من مرحلة جديدة أو محاولة جديدة لوضع حد لمحاولات تدخل الدولة الفارسية المتمادية، التى جعلتها تعلن طوال الأعوام الماضية أنها هى القوة المحورية الوحيدة التى يُفترض أن تدير شئون المنطقة!!.. بل وواصلت سياستها الاقتحامية بتدخلها فى شئون المنطقة، سواء فى السعودية نفسها وتحديداً فى المنطقة الشرقية أو فى العراق واليمن والبحرين والكويت ولبنان والسودان ومصر!
دائما وأبداً، كانت هناك حسابات ورهانات داخلية فى طهران، شجّعتها على الاستمرار فى هذه الممارسات العدائية، دون أن تضع فى اعتبارها أية ردود أفعال من الدول التى تدس أنفها و«عملاءها» فى شئونها، وبالتالى يمكننا النظر إلى التطورات الأخيرة باعتبارها حلقة من مسلسل بدأت حلقاته الأولى منذ زمن بعيد.. والعرض مستمر.
من هنا، كانت دهشتنا من كشف ولى ولى العهد السعودى لكارت دون أى مبرر، واستبعاده أن تتحول الأزمة الأخيرة بين الدولة الفارسية والسعودية إلى حرب مباشرة، مع أن الدولتين تتحاربان فعلياً عبر وكلاء محليين، سواء كانت هذه الحرب عسكرية كما يحدث فى اليمن التى لا يخفى على أحد دعم طهران للحوثيين، أو سياسية وعسكرية «معاً» كما يحدث فى سوريا وإلى حد بعيد فى العراق، أو سياسية فقط كما يحصل فى لبنان التى أدى الصراع الإيرانى السعودى هناك إلى بقاء البلد دون رئيس جديد للجمهورية، إلى الآن!
وعبثاً، تحاول القوى الدولية والإقليمية الوساطة بين البلدين، لأن الدولة الفارسية لن تتوقف عن أطماعها ومخططاتها فى دول المنطقة، ومن الطبيعى ألا تقابل السعودية هذه الأطماع والمخططات بالصمت والصبر، كما فعلت من قبل عندما حاولت إيران اغتيال عادل الجبير (وزير الخارجية السعودى الحالى) يوم كان سفيراً فى واشنطن!
من الصعب جداً أن تصمت السعودية أو بقية دول المنطقة ومصر على رأسها والدولة الفارسية تقول بمنتهى البجاحة إنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية وإنه يجب فتح الحدود من مشهد إلى الناقورة!
وبعيداً عن التصريحات غير المفهومة لولى ولى العهد السعودى لـ«الإكونوميست»، فإن طريقة تعبير كل طرف عن خصومته للآخر تمهد لما هو أخطر من التصعيد الكلامى. فالسعودية مستمرة فى التصعيد بلا تحفظ أو تردد، فى ظل موقف أمريكى ملتبس لا يمنعها من الوصول إلى مرحلة قلب الطاولة.. ولم يكن قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سوى إجراء تمهيدى للدخول فى جولات جديدة من المواجهات المستترة والمكشوفة، وقطع أى طريق أمام أى محاولات للتهدئة.
وبغض النظر عن خلفيات الصراع السعودى- الفارسى والتداعيات التى وصل إليها التصعيد الأخير، فإن العبور إلى «المنطقة المجهولة» أو «الصراع المفتوح» بين الطرفين أمر صعب جداً ويمثل معضلة حقيقية.
وما من شك فى أن محاولات التقارب السابقة بين السعودية وإيران فشلت كلها فى التوصل إلى تقارب دبلوماسى منطقى بين البلدين، خاصة مع تنامى موجة الإرهاب العالمى، والشعور العالمى بخطر تنامى التنظيمات المتطرفة فى منطقة الشرق الأوسط، الذى بات يهدد الأمن والسلم على المستوى العالمى، وهو الأمر الذى دفع الجميع للتفكير مرتين فى إقامة شراكة إقليمية ودولية لدفع خطر الإرهاب بدلاً من الدخول فى صراعات ثنائية تساعد على تنامى التطرف.
عندما جاء من قيل إنهم «إصلاحيون» إلى السلطة فى إيران، كانت هناك وساطات قامت بها سلطنة عمان على المستوى الإقليمى والدولى، وهى الوساطات التى مهدت الطريق، فى تصورى، لحل الخلاف النووى والتوصل إلى اتفاق مع مجموعة (5+1) بعد (22) شهراً من المباحثات التى اتسمت بالسرية والتوتر.
كما سعت إلى تقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية المستمر منذ عام 1979، لكنها لم تنجح فى ذلك رغم المؤشرات الإيجابية والتشجيع الدولى الذى تزامن مع هذه المساعى، بعد أن تقاطعت الوفود المشاركة عند أولى القضايا المطروحة، وزاد من تعقيد التفاهم الدبلوماسى، وفاة الملك السعودى (عبدالله بن عبدالعزيز) وتسلم أخيه للسلطة (سلمان بن عبدالعزيز) فى المملكة، وما رافقها من حرب اليمن والاتفاق النووى وتبادل الاتهامات حول سوريا وحادثة منى وغيرها.
وكالة أنباء الأناضول التركية نقلت عن رئيس الشئون الدينية التركية، محمد جورماز، أنه دعا إيران إلى «التحرك مع تركيا والمملكة العربية السعودية من أجل وضع حد للخلافات وإنهاء حالة الانقسام فى العالم الإسلامى»، وكان ذلك على هامش مشاركته فى مؤتمر الوحدة الإسلامية بطهران.
جورماز قال فى مؤتمر صحفى عقب مباحثاته مع المرشد الإيرانى الأعلى، على خامنئى، بالعاصمة الإيرانية طهران، إنه أبلغ المرشد بـ«ضرورة تحرك تركيا وإيران والسعودية معاً، خاصة فى هذه المرحلة الصعبة، الأمر الذى سينعكس إيجاباً على موضوع إنهاء حالة الانقسام والتفرقة فى العالم الإسلامى».
ومما يُضحك أن جورماز شدد أثناء اللقاء على أولوية حل الأزمة السورية من أجل إنهاء معاناة الشعب السورى، قائلاً: «من الخطأ النظر إلى المسألة من منطلق طائفى».. وزاعماً أن هناك إمكانية للتركيز على «الوحدة والأخوة الإسلامية فى الملف السورى،» وأن السياسيين سيهتمون بالأبعاد السياسية للمسألة، لكن التوجهات الثقافية تشكل أساس السياسة»!
الغريب أن تركيا التى تبنت، طبقاً لتلك التصريحات، مسألة التقارب بين الطرفين، تجمعها علاقات قلقة مع الدولتين، الخلاف مع السعودية بسبب موقف الأخيرة المعارض لتنظيم الإخوان، الذى يتناقض مع توجهات الحكومة التركية ذات التوجهات الإخوانية، خصوصاً حزب العدالة والتنمية، بينما تتقاطع تركيا مع إيران فى أهم الملفات الحرجة فى الشرق الأوسط، خصوصاً فى سوريا والعراق!
والسؤال هنا، هل يمكن اعتبار تركيا دولة مناسبة لرعاية ما قيل إنه تفاهم سعودى فارسى؟
فى قراءة سريعة لمجمل تحركات حكومة أردوغان خلال السنوات التى تزامنت مع الأزمة السورية، وتنامى خطر الإرهاب فى منطقة الشرق الأوسط، فإن التعويل على وساطة تركية يمكن أن تضع حداً للصراع السعودى-الفارسى يبدو ضعيفاً للغاية، خاصة أن أردوغان لم يستخدم الدبلوماسية فى حل المشاكل الداخلية سواء مع الأكراد أو مع المعارضة فى الداخل، وكذلك المشكلات الخارجية مع بغداد وواشنطن وموسكو أو حتى مع إيران والسعودية، ومع مصر قبل كل ذلك!
غير أن الثابت هو أنه فى مثل هذه الحروب التى يمكن تسميتها «الحرب بالوكالة» أو بـ«النيابة»، تقوم القوى المتحاربة باستخدام أطراف أخرى للقتال بدلاً عنها بشكل غير مباشر (أو مباشر) لتحقيق أهداف خاصة.. ومن بين أساليب تلك الحروب تجنيد المرتزقة والأطراف الخارجة على القانون. وقد تكون الأطراف الأخرى حكومات أخرى كوكلاء للحرب، بأن تكون لهذه الحكومات أهداف مشتركة مع القوى الدافعة والداعمة لها، وهناك أمثلة عديدة فى التاريخ المعاصر شهدت مثل هذه الحروب، آخرها تلك الحرب التى تقوم فيها أطراف معلومة باستخدام «داعش» بتواطؤ واضح جداً من حكومات عميلة للولايات المتحدة وإسرائيل.
كما أنه أصبح من الواضح تماماً أن ما تشهده المنطقة طوال السنوات الـ15 الماضية، واستهداف الدول والشعوب الاسلامية ومواردها الاستراتيجية وعقائدها، هدفه الأبعد أو الرئيسى الهيمنة على هذه الدول واستبدال الحكام بآخرين عملاء، يضمنون لمستخدميهم الهيمنة والسيطرة على الموارد النفطية أو كل مواردها إجمالاً.
الأمر لم يعد سراً، بل وسبق للبنتاجون أن أعلن رسمياً عن قيامه بتدريب 20 ألف عنصر فى الأردن وتركيا لإرسالهم للحرب فى سوريا مثلاً، وغير المعلن، طبعاً، أكثر وأبشع، والأهداف الواضحة والتى لا تحتاج كثيراً من الجهد لإدراكها هى فرض واقع جغرافى سياسى جديد لتقسيم وتمزيق المنطقة على أسس طائفية وعرقية تنفيذاً لخطة مرسومة جرى إعدادها فى مطابخ أمريكا وإسرائيل ومن يواليهم من الغرب والشرق.
بهذا الشكل أو وفق هذا التصور، تم استغلال الصراع بين إيران والسعودية حول زيادة النفوذ والهيمنة على الشرق الأوسط، والمتغيرات والأزمات الأمنية والسياسية التى حدثت فى بعض دول المنطقة، وكذلك تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم فى المملكة والتغيرات التى أجراها فى مختلف القطاعات والمؤسسات، بشكل جعل مقاليد الأمور فى أيدى بعض الشخصيات الشابة المندفعة، التى تفتقر للخبرة والمهارات القيادية.
تم استغلال ذلك كله لتعظيم التوترات لتشهد أعلى درجاتها منذ الغزو الأمريكى للعراق الذى دعمته السعودية وإيران فى 2003، وما أعقبه من تطورات إقليمية أخرى تحولت فيما بعد إلى حرب بالوكالة من خلال دعم وتمويل وتسليح البلدين لحلفائهما وخصوم الطرف الآخر.
ومن سوريا إلى العراق إلى اليمن، تدعم كل من الرياض وطهران مجموعات أو دولاً توافقها مذهبها، وبالتالى تم استخدام التعصب المذهبى كأداة لتحقيق أهدافها السياسية، بما ترتب على ذلك من تداعيات ألقت بظلالها على المجتمعات والشعوب.
لسنا وحدنا من يرى ذلك، فمنذ تولى الملك سلمان مقاليد الحكم فى السعودية، وهناك دبلوماسيون غربيون يؤكدون أن المملكة تخلت عن سياستها الدبلوماسية الهادئة لصالح صيغة هجومية على مستوى السياستين الإقليمية والدولية.
كثير من هؤلاء يعتقدون أن محمد بن سلمان هو أحد الدافعين باتجاه هذه الصيغة الجديدة للسياسة الخارجية. وبعد تزايد هجمات الجهاديين فى الغرب خلال الفترة الماضية، وجه سياسيون غربيون انتقادات لدول خليجية أبرزها السعودية، ووصل الأمر حد اتهامها بدعم الإرهاب، والنكتة أن من يوجهون تلك الاتهامات يتجاهلون الدول التى ثبت بالفعل دعمها وتمويلها للإرهابيين وعلى رأسها تركيا وقطر!
البعض يراها «معركة دبلوماسية»، مثل «ريك فرانكونا» الذى قال «رأينا كيف قطع السودان العلاقات الدبلوماسية مع إيران والبحرين والسعودية وتقليص التمثيل الدبلوماسى للإمارات العربية المتحدة فى طهران، وهذا يعنى أننا ننظر إلى معركة دبلوماسية كبيرة ونأمل أن تبقى هكذا وألا تتطور».
فيما رأى آخرون، أن إمكانية تطور الخلاف الحالى من دبلوماسى إلى عسكرى، أمر قائم بالفعل، بل يذهب البعض بالقول إلى وجوده بالفعل فى اليمن وسوريا، حيث تدعم إيران والسعودية جهات متصارعة فيما بينها، وقد تتطور (بحسب وجهة النظر الأخرى) بالانتقال إلى مناطق صراع أخرى فى منطقة الشرق الأوسط، قد يكون العراق من بينها، على سبيل المثال.
وقد أثار الخلاف فيما بين المحللين والمتابعين لآخر تطورات الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، الكثير من الأسئلة، والتى وضعها البعض فى سياقاتها الطبيعية، فيما وضعها القسم الآخر منهم فى سياقات تصعيدية خطيرة، يمكن أن تنذر بحرب شاملة فى منطقة الشرق الأوسط، وتقسمه إلى جبهتين متصارعتين بشكل استثنائى. لكن مجمل هذه الأسئلة يدور حول إمكانية حسم هذا الخلاف التقليدى من خلال «الوساطة الدبلوماسية»!
ونضيف إلى ما سبق أن تصاعد الخلاف بين السعودية والدولة الفارسية يندرج تحت نظرية «البجعة السوداء» بالنسبة لسوق النفط.. فهو حدث يصعب التنبؤ بما سيفضى إليه لكن تداعياته قد تكون هائلة، ووصول الصراع إلى شكل مفتوح بين القوتين سيشكل خطراً على نحو 20٪ من إمدادات النفط العالمية والتى يتم شحنها يومياً عبر مضيق هرمز.
ومما يستلفت النظر، هو أن الولايات المتحدة تشهد نقاشاً حاداً يتعلق باتفاق واشنطن مع طهران حول الملف النووى، وكونها لم تفعل أى شىء حيال نشاطاتها فى المنطقة، وكيف تم عزل «الملف النووى» عن بقية الملفات. وهناك رأى فى واشنطن يقول إنّ الاتفاق أدى إلى تقوية إيران، وإن على واشنطن والغرب أن يدعما حلفاءهما فى المنطقة لكى يتمكنوا من مواجهة الدولة الفارسية.
فريد زكريا، مثلاً، حاول إمساك العصا من المنتصف لكنها أفلتت منه!
طالب الولايات المتحدة بأن تدعم السعودية فى مقاومة تجاوزات إيران فى المنطقة، لكنه فى الوقت نفسه طالبها أيضاً بعدم تأييد أى طرف فى الصراع الطائفى!
زكريا فى مقاله المنشور، الجمعة بجريدة «واشنطن بوست»، دعا الولايات المتحدة إلى ضرورة عدم تأييد طرف ضد آخر فى الصراع السنى الشيعى، موضحاً أنه على مدار السنوات العشرين الماضية تعاملت أمريكا مع الشرق الأوسط من خلال أطر خاصة بها، استندت على مفاهيم مثل «الديمقراطية فى مقابل الديكتاتورية»، والعلمانية فى مقابل الدين، والنظام مقابل الفوضى.. وأن الاتجاه الأكبر الذى يشكل المنطقة اليوم هو شىء مختلف. السنة مقابل الشيعة.
وأكد زكريا أن الصراع الطائفى الآن يصيب كل جوانب السياسة فى المنطقة، وأنه أدى إلى ارتباك السياسة الخارجية الأمريكية، وسوف يستمر فى الحد من قدرة واشنطن أو أى قوة خارجية أخرى على تحقيق الاستقرار فى المنطقة.
ونعيد لفت النظر هنا إلى أن العلاقات بين البلدين كانت قد وصلت بالفعل إلى مرحلة الغليان قبل أن تنفذ السعودية حكم الإعدام ضد نمر النمر.
على أن الموضوعية التى نحاول، قدر الإمكان، أن نتناول بها هذا الملف، لن تمنعنا من الانحياز إلى المملكة والتأكيد على أن الدولة الفارسية وهى تحاول اختبار قدرات السعودية، سقطت بالثُّلث، وهو السقوط الذى يرجع إلى أن الدولة الفارسية اختارت المعركة الخطأ، وتجاهلت أو تناست عن عمد أن «نمر باقر النمر» مواطن سعودى، وليس إيرانياً، وأن إعدامه تم فى ظلّ القوانين المعمول بها فى المملكة، وتم مع ستة وأربعين آخرين، معظمهم من السعوديين المدانين فى قضايا إرهابية مرتبطة بتنظيمى «القاعدة» و«داعش»، وأن هؤلاء باستثناء أربعة فقط كانوا من السنّة.
- طهران تعترف باحتلال أربع عواصم وتتفوق على تل أبيب فى إذلال العرب!
- حكاية «البجعة السوداء» التى تمنع دول العالم من الصراع مع الفرس
- باقر النمر.. هل يكون شرارة الحرب؟!
يخطئ من يتصور أن «عاصفة الحزم» التى أطلقها الملك سلمان فى اليمن، لم تكن أكثر من مرحلة جديدة أو محاولة جديدة لوضع حد لمحاولات تدخل الدولة الفارسية المتمادية، التى جعلتها تعلن طوال الأعوام الماضية أنها هى القوة المحورية الوحيدة التى يُفترض أن تدير شئون المنطقة!!.. بل وواصلت سياستها الاقتحامية بتدخلها فى شئون المنطقة، سواء فى السعودية نفسها وتحديداً فى المنطقة الشرقية أو فى العراق واليمن والبحرين والكويت ولبنان والسودان ومصر!
دائما وأبداً، كانت هناك حسابات ورهانات داخلية فى طهران، شجّعتها على الاستمرار فى هذه الممارسات العدائية، دون أن تضع فى اعتبارها أية ردود أفعال من الدول التى تدس أنفها و«عملاءها» فى شئونها، وبالتالى يمكننا النظر إلى التطورات الأخيرة باعتبارها حلقة من مسلسل بدأت حلقاته الأولى منذ زمن بعيد.. والعرض مستمر.
من هنا، كانت دهشتنا من كشف ولى ولى العهد السعودى لكارت دون أى مبرر، واستبعاده أن تتحول الأزمة الأخيرة بين الدولة الفارسية والسعودية إلى حرب مباشرة، مع أن الدولتين تتحاربان فعلياً عبر وكلاء محليين، سواء كانت هذه الحرب عسكرية كما يحدث فى اليمن التى لا يخفى على أحد دعم طهران للحوثيين، أو سياسية وعسكرية «معاً» كما يحدث فى سوريا وإلى حد بعيد فى العراق، أو سياسية فقط كما يحصل فى لبنان التى أدى الصراع الإيرانى السعودى هناك إلى بقاء البلد دون رئيس جديد للجمهورية، إلى الآن!
وعبثاً، تحاول القوى الدولية والإقليمية الوساطة بين البلدين، لأن الدولة الفارسية لن تتوقف عن أطماعها ومخططاتها فى دول المنطقة، ومن الطبيعى ألا تقابل السعودية هذه الأطماع والمخططات بالصمت والصبر، كما فعلت من قبل عندما حاولت إيران اغتيال عادل الجبير (وزير الخارجية السعودى الحالى) يوم كان سفيراً فى واشنطن!
من الصعب جداً أن تصمت السعودية أو بقية دول المنطقة ومصر على رأسها والدولة الفارسية تقول بمنتهى البجاحة إنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية وإنه يجب فتح الحدود من مشهد إلى الناقورة!
وبعيداً عن التصريحات غير المفهومة لولى ولى العهد السعودى لـ«الإكونوميست»، فإن طريقة تعبير كل طرف عن خصومته للآخر تمهد لما هو أخطر من التصعيد الكلامى. فالسعودية مستمرة فى التصعيد بلا تحفظ أو تردد، فى ظل موقف أمريكى ملتبس لا يمنعها من الوصول إلى مرحلة قلب الطاولة.. ولم يكن قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سوى إجراء تمهيدى للدخول فى جولات جديدة من المواجهات المستترة والمكشوفة، وقطع أى طريق أمام أى محاولات للتهدئة.
وبغض النظر عن خلفيات الصراع السعودى- الفارسى والتداعيات التى وصل إليها التصعيد الأخير، فإن العبور إلى «المنطقة المجهولة» أو «الصراع المفتوح» بين الطرفين أمر صعب جداً ويمثل معضلة حقيقية.
وما من شك فى أن محاولات التقارب السابقة بين السعودية وإيران فشلت كلها فى التوصل إلى تقارب دبلوماسى منطقى بين البلدين، خاصة مع تنامى موجة الإرهاب العالمى، والشعور العالمى بخطر تنامى التنظيمات المتطرفة فى منطقة الشرق الأوسط، الذى بات يهدد الأمن والسلم على المستوى العالمى، وهو الأمر الذى دفع الجميع للتفكير مرتين فى إقامة شراكة إقليمية ودولية لدفع خطر الإرهاب بدلاً من الدخول فى صراعات ثنائية تساعد على تنامى التطرف.
عندما جاء من قيل إنهم «إصلاحيون» إلى السلطة فى إيران، كانت هناك وساطات قامت بها سلطنة عمان على المستوى الإقليمى والدولى، وهى الوساطات التى مهدت الطريق، فى تصورى، لحل الخلاف النووى والتوصل إلى اتفاق مع مجموعة (5+1) بعد (22) شهراً من المباحثات التى اتسمت بالسرية والتوتر.
كما سعت إلى تقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية المستمر منذ عام 1979، لكنها لم تنجح فى ذلك رغم المؤشرات الإيجابية والتشجيع الدولى الذى تزامن مع هذه المساعى، بعد أن تقاطعت الوفود المشاركة عند أولى القضايا المطروحة، وزاد من تعقيد التفاهم الدبلوماسى، وفاة الملك السعودى (عبدالله بن عبدالعزيز) وتسلم أخيه للسلطة (سلمان بن عبدالعزيز) فى المملكة، وما رافقها من حرب اليمن والاتفاق النووى وتبادل الاتهامات حول سوريا وحادثة منى وغيرها.
وكالة أنباء الأناضول التركية نقلت عن رئيس الشئون الدينية التركية، محمد جورماز، أنه دعا إيران إلى «التحرك مع تركيا والمملكة العربية السعودية من أجل وضع حد للخلافات وإنهاء حالة الانقسام فى العالم الإسلامى»، وكان ذلك على هامش مشاركته فى مؤتمر الوحدة الإسلامية بطهران.
جورماز قال فى مؤتمر صحفى عقب مباحثاته مع المرشد الإيرانى الأعلى، على خامنئى، بالعاصمة الإيرانية طهران، إنه أبلغ المرشد بـ«ضرورة تحرك تركيا وإيران والسعودية معاً، خاصة فى هذه المرحلة الصعبة، الأمر الذى سينعكس إيجاباً على موضوع إنهاء حالة الانقسام والتفرقة فى العالم الإسلامى».
ومما يُضحك أن جورماز شدد أثناء اللقاء على أولوية حل الأزمة السورية من أجل إنهاء معاناة الشعب السورى، قائلاً: «من الخطأ النظر إلى المسألة من منطلق طائفى».. وزاعماً أن هناك إمكانية للتركيز على «الوحدة والأخوة الإسلامية فى الملف السورى،» وأن السياسيين سيهتمون بالأبعاد السياسية للمسألة، لكن التوجهات الثقافية تشكل أساس السياسة»!
الغريب أن تركيا التى تبنت، طبقاً لتلك التصريحات، مسألة التقارب بين الطرفين، تجمعها علاقات قلقة مع الدولتين، الخلاف مع السعودية بسبب موقف الأخيرة المعارض لتنظيم الإخوان، الذى يتناقض مع توجهات الحكومة التركية ذات التوجهات الإخوانية، خصوصاً حزب العدالة والتنمية، بينما تتقاطع تركيا مع إيران فى أهم الملفات الحرجة فى الشرق الأوسط، خصوصاً فى سوريا والعراق!
والسؤال هنا، هل يمكن اعتبار تركيا دولة مناسبة لرعاية ما قيل إنه تفاهم سعودى فارسى؟
فى قراءة سريعة لمجمل تحركات حكومة أردوغان خلال السنوات التى تزامنت مع الأزمة السورية، وتنامى خطر الإرهاب فى منطقة الشرق الأوسط، فإن التعويل على وساطة تركية يمكن أن تضع حداً للصراع السعودى-الفارسى يبدو ضعيفاً للغاية، خاصة أن أردوغان لم يستخدم الدبلوماسية فى حل المشاكل الداخلية سواء مع الأكراد أو مع المعارضة فى الداخل، وكذلك المشكلات الخارجية مع بغداد وواشنطن وموسكو أو حتى مع إيران والسعودية، ومع مصر قبل كل ذلك!
غير أن الثابت هو أنه فى مثل هذه الحروب التى يمكن تسميتها «الحرب بالوكالة» أو بـ«النيابة»، تقوم القوى المتحاربة باستخدام أطراف أخرى للقتال بدلاً عنها بشكل غير مباشر (أو مباشر) لتحقيق أهداف خاصة.. ومن بين أساليب تلك الحروب تجنيد المرتزقة والأطراف الخارجة على القانون. وقد تكون الأطراف الأخرى حكومات أخرى كوكلاء للحرب، بأن تكون لهذه الحكومات أهداف مشتركة مع القوى الدافعة والداعمة لها، وهناك أمثلة عديدة فى التاريخ المعاصر شهدت مثل هذه الحروب، آخرها تلك الحرب التى تقوم فيها أطراف معلومة باستخدام «داعش» بتواطؤ واضح جداً من حكومات عميلة للولايات المتحدة وإسرائيل.
كما أنه أصبح من الواضح تماماً أن ما تشهده المنطقة طوال السنوات الـ15 الماضية، واستهداف الدول والشعوب الاسلامية ومواردها الاستراتيجية وعقائدها، هدفه الأبعد أو الرئيسى الهيمنة على هذه الدول واستبدال الحكام بآخرين عملاء، يضمنون لمستخدميهم الهيمنة والسيطرة على الموارد النفطية أو كل مواردها إجمالاً.
الأمر لم يعد سراً، بل وسبق للبنتاجون أن أعلن رسمياً عن قيامه بتدريب 20 ألف عنصر فى الأردن وتركيا لإرسالهم للحرب فى سوريا مثلاً، وغير المعلن، طبعاً، أكثر وأبشع، والأهداف الواضحة والتى لا تحتاج كثيراً من الجهد لإدراكها هى فرض واقع جغرافى سياسى جديد لتقسيم وتمزيق المنطقة على أسس طائفية وعرقية تنفيذاً لخطة مرسومة جرى إعدادها فى مطابخ أمريكا وإسرائيل ومن يواليهم من الغرب والشرق.
بهذا الشكل أو وفق هذا التصور، تم استغلال الصراع بين إيران والسعودية حول زيادة النفوذ والهيمنة على الشرق الأوسط، والمتغيرات والأزمات الأمنية والسياسية التى حدثت فى بعض دول المنطقة، وكذلك تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم فى المملكة والتغيرات التى أجراها فى مختلف القطاعات والمؤسسات، بشكل جعل مقاليد الأمور فى أيدى بعض الشخصيات الشابة المندفعة، التى تفتقر للخبرة والمهارات القيادية.
تم استغلال ذلك كله لتعظيم التوترات لتشهد أعلى درجاتها منذ الغزو الأمريكى للعراق الذى دعمته السعودية وإيران فى 2003، وما أعقبه من تطورات إقليمية أخرى تحولت فيما بعد إلى حرب بالوكالة من خلال دعم وتمويل وتسليح البلدين لحلفائهما وخصوم الطرف الآخر.
ومن سوريا إلى العراق إلى اليمن، تدعم كل من الرياض وطهران مجموعات أو دولاً توافقها مذهبها، وبالتالى تم استخدام التعصب المذهبى كأداة لتحقيق أهدافها السياسية، بما ترتب على ذلك من تداعيات ألقت بظلالها على المجتمعات والشعوب.
لسنا وحدنا من يرى ذلك، فمنذ تولى الملك سلمان مقاليد الحكم فى السعودية، وهناك دبلوماسيون غربيون يؤكدون أن المملكة تخلت عن سياستها الدبلوماسية الهادئة لصالح صيغة هجومية على مستوى السياستين الإقليمية والدولية.
كثير من هؤلاء يعتقدون أن محمد بن سلمان هو أحد الدافعين باتجاه هذه الصيغة الجديدة للسياسة الخارجية. وبعد تزايد هجمات الجهاديين فى الغرب خلال الفترة الماضية، وجه سياسيون غربيون انتقادات لدول خليجية أبرزها السعودية، ووصل الأمر حد اتهامها بدعم الإرهاب، والنكتة أن من يوجهون تلك الاتهامات يتجاهلون الدول التى ثبت بالفعل دعمها وتمويلها للإرهابيين وعلى رأسها تركيا وقطر!
البعض يراها «معركة دبلوماسية»، مثل «ريك فرانكونا» الذى قال «رأينا كيف قطع السودان العلاقات الدبلوماسية مع إيران والبحرين والسعودية وتقليص التمثيل الدبلوماسى للإمارات العربية المتحدة فى طهران، وهذا يعنى أننا ننظر إلى معركة دبلوماسية كبيرة ونأمل أن تبقى هكذا وألا تتطور».
فيما رأى آخرون، أن إمكانية تطور الخلاف الحالى من دبلوماسى إلى عسكرى، أمر قائم بالفعل، بل يذهب البعض بالقول إلى وجوده بالفعل فى اليمن وسوريا، حيث تدعم إيران والسعودية جهات متصارعة فيما بينها، وقد تتطور (بحسب وجهة النظر الأخرى) بالانتقال إلى مناطق صراع أخرى فى منطقة الشرق الأوسط، قد يكون العراق من بينها، على سبيل المثال.
وقد أثار الخلاف فيما بين المحللين والمتابعين لآخر تطورات الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، الكثير من الأسئلة، والتى وضعها البعض فى سياقاتها الطبيعية، فيما وضعها القسم الآخر منهم فى سياقات تصعيدية خطيرة، يمكن أن تنذر بحرب شاملة فى منطقة الشرق الأوسط، وتقسمه إلى جبهتين متصارعتين بشكل استثنائى. لكن مجمل هذه الأسئلة يدور حول إمكانية حسم هذا الخلاف التقليدى من خلال «الوساطة الدبلوماسية»!
ونضيف إلى ما سبق أن تصاعد الخلاف بين السعودية والدولة الفارسية يندرج تحت نظرية «البجعة السوداء» بالنسبة لسوق النفط.. فهو حدث يصعب التنبؤ بما سيفضى إليه لكن تداعياته قد تكون هائلة، ووصول الصراع إلى شكل مفتوح بين القوتين سيشكل خطراً على نحو 20٪ من إمدادات النفط العالمية والتى يتم شحنها يومياً عبر مضيق هرمز.
ومما يستلفت النظر، هو أن الولايات المتحدة تشهد نقاشاً حاداً يتعلق باتفاق واشنطن مع طهران حول الملف النووى، وكونها لم تفعل أى شىء حيال نشاطاتها فى المنطقة، وكيف تم عزل «الملف النووى» عن بقية الملفات. وهناك رأى فى واشنطن يقول إنّ الاتفاق أدى إلى تقوية إيران، وإن على واشنطن والغرب أن يدعما حلفاءهما فى المنطقة لكى يتمكنوا من مواجهة الدولة الفارسية.
فريد زكريا، مثلاً، حاول إمساك العصا من المنتصف لكنها أفلتت منه!
طالب الولايات المتحدة بأن تدعم السعودية فى مقاومة تجاوزات إيران فى المنطقة، لكنه فى الوقت نفسه طالبها أيضاً بعدم تأييد أى طرف فى الصراع الطائفى!
زكريا فى مقاله المنشور، الجمعة بجريدة «واشنطن بوست»، دعا الولايات المتحدة إلى ضرورة عدم تأييد طرف ضد آخر فى الصراع السنى الشيعى، موضحاً أنه على مدار السنوات العشرين الماضية تعاملت أمريكا مع الشرق الأوسط من خلال أطر خاصة بها، استندت على مفاهيم مثل «الديمقراطية فى مقابل الديكتاتورية»، والعلمانية فى مقابل الدين، والنظام مقابل الفوضى.. وأن الاتجاه الأكبر الذى يشكل المنطقة اليوم هو شىء مختلف. السنة مقابل الشيعة.
وأكد زكريا أن الصراع الطائفى الآن يصيب كل جوانب السياسة فى المنطقة، وأنه أدى إلى ارتباك السياسة الخارجية الأمريكية، وسوف يستمر فى الحد من قدرة واشنطن أو أى قوة خارجية أخرى على تحقيق الاستقرار فى المنطقة.
ونعيد لفت النظر هنا إلى أن العلاقات بين البلدين كانت قد وصلت بالفعل إلى مرحلة الغليان قبل أن تنفذ السعودية حكم الإعدام ضد نمر النمر.
على أن الموضوعية التى نحاول، قدر الإمكان، أن نتناول بها هذا الملف، لن تمنعنا من الانحياز إلى المملكة والتأكيد على أن الدولة الفارسية وهى تحاول اختبار قدرات السعودية، سقطت بالثُّلث، وهو السقوط الذى يرجع إلى أن الدولة الفارسية اختارت المعركة الخطأ، وتجاهلت أو تناست عن عمد أن «نمر باقر النمر» مواطن سعودى، وليس إيرانياً، وأن إعدامه تم فى ظلّ القوانين المعمول بها فى المملكة، وتم مع ستة وأربعين آخرين، معظمهم من السعوديين المدانين فى قضايا إرهابية مرتبطة بتنظيمى «القاعدة» و«داعش»، وأن هؤلاء باستثناء أربعة فقط كانوا من السنّة.