ياسر بركات يكتب عن:هؤلاء يدقون طبول الخوف فى وجه «السيسى»!
خاص: مجلس الوزراء يستعد لقطع رأس الأفعى فى الإعلام
غابت المهنية وتم اتباع سياسات بعيدة كل البعد عن أساسيات وبديهيات العمل الإعلامى.. وتمت السيطرة بصيغة أقرب للاحتكار على غالبية وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فكانت النتيجة أن أصبحنا أمام إعلام بشقيه العام والخاص، يعانى من التخلف والتبعية بشكل لافت، بالإضافة إلى اتباعه لسياسات خاصة ومريبة لا تمت للعمل الإعلامى بصلة قريبة أو بعيدة، اتفقت كلها على محاولة تجهيل وتغييب المتلقى أو استخدامه، فانصرف عنها البعض والبعض الآخر وقع ضحية لها، كما لم يكن لدخول رجال الأعمال إلى الملعب أية أسباب غير امتلاك سلاح يحمون به مصالحهم ويخوضون به حروبهم أياً كان طرفها الآخر، حتى لو كان ذلك الطرف الآخر هو الدولة نفسها.
فتحوا خزائنهم وفتحوا المزاد وأصبح لكل منهم بشكل معلن أو غير معلن قنوات تليفزيونية وصحف يومية وأسبوعية ومواقع إلكترونية، بما فيها ومن فيها وكلهم تتم إدارتهم بالأمر المباشر، وجاهزة فور صدور الأمر للابتزاز أو لتكون أحد كروت التفاوض فى أى صراع أو معركة مع منافسين أو مع النظام أو مع الشعب نفسه.
وتكونت بالتالى مجموعة من المرتزقة، وضعت نفسها فى خدمة من يدفع، ثم طرحوا أنيابهم ومخالبهم فى المزاد لخدمة من يدفع أكثر.
هكذا أصبحت وسائل الإعلام التى نشأت بأموال فاسدين، درعهم وسيفهم وأصبح المأجورون كلاباً مسعورة جاهزة لنهش من تصدر الأوامر ضدهم وراجع معالجات سقوط رجل أعمال تهرب من الضرائب أو تعثر فى سداد أموال البنوك أو استولى على أراضى الدولة وسرق المليارات لتعرف كيف تنتفض وسائل الإعلام المملوكة له بشكل مباشر أو غير مباشر ولمن توجه سهامها أو من تنهش فى لحمه.
رجال أعمال، الفاسدون منهم على وجه الخصوص، أدركوا قوة الإعلام وتأثيره، فأنفقوا عليها ببذخ يفوق أية تصورات ليحموا بها ما سطوا عليه من أموال الدولة والشعب.
فأنشأ كل واحد فضائية وتركها تنهش فى جسد من يحب وقتما يحب بلا معايير ولا ميثاق شرف إعلامى ولا أى مبادئ مهنية للإعلام.
ومن خلال هؤلاء وجدت أجهزة دول أجنبية ثغرات تستطيع النفاذ منها واستخدمت المرتزقة لتنفيذ مخططاتها وأهدافها، تماماً كما كان الوضع بالنسبة للعناصر التى تم تدريبها فى الخارج ليتم استخدامها بالشكل الذى يحقق من تولوا تدريبهم رافعين شعارات هى أبعد ما تكون عن أهدافهم الحقيقية، ومازالوا يرتعون ويثيرون القلاقل لتنفيذ تلك الأهداف.
ونظراً لكونهم يملكون الإعلام الخاص، ونظراً لأن معظمهم كانوا على صلة وثيقة بنظام مبارك، شكلوا حلفاً من ثلاثة أضلاع: مال، وإعلام، وفساد.. ولعل أخطر ما تتعرض له مصر منذ 25 يناير 2011 هو سيطرة رجال الأعمال على معظم القنوات الفضائية، وتحكمهم فى الصحف الخاصة، بالشكل الذى جعلهم يتحولون إلى عناصر تخريبية لا تؤمن بكلمة الوطن، بل ولا يترددون فى الرقص على جسد هذا الوطن، حتى لو صار جثة هامدة.
ظلت الأوضاع ساكنة، وظلت النار تحت الرمال، حتى صار اللعب مكشوفاً وبدأت تتكشف حقائق شبكة العلاقات التى تتحالف فيها «أحزاب» وبعض رجال الأعمال، يتم فيها توظيف المال والصحف والفضائيات، لتنفيذ ما يمكننا تسميته بـ«إرباك الدولة».
طبيعى جداً وعادى جداً أن كل رجل أعمال يريد عبر امتلاكه أداة إعلامية أن يحمى مصالحه ويصون حدود إمبراطوريته المالية الصغيرة أو الكبيرة، التى كونها -كالعادة- من مصادر غامضة ومجهولة، فإن امتلاك جريدة واحدة يكفى، وامتلاك فضائية يفيض.. ثم إنه لو امتلك وسيلة إعلام لخدمة مصالح دولة أجنبية أو شراكة متعددة الجنسيات وراء البحار يرتبط بهما ويعمل فى خدمتهما، فإن جريدة واحدة تكفى وفضائية تفيض، وقد ثبت ذلك من اشتراك الصحف التى أنشئت وفقاً لبرنامج الشراكة من أجل الديمقراطية الذى أعلنه كولن باول وزير الخارجية الأمريكى الأسبق فى معهد «هيرتدج» اليمينى يوم ١٤ سبتمبر ٢٠٠٢ غير أن هناك من بدأ يمتلك مجموعة ضخمة من وسائل الإعلام فى الداخل والخارج، بشكل يثير الريبة من الأهداف التى يستهدفون أو يسعون لتحقيقها من وراء ذلك!
هل تقطّع الطريق على نظام الرئيس السيسى فى امتلاك وسائل إعلام فى الخارج أو الشراكة فى بعض وسائل الإعلام الأجنبية لضمان تحييد تلك الوسائط، وتحميلها بعض الرسائل التى فشل إعلام الدولة المحلى أو الموجه إلى الخارج فى حملها؟!
لذلك، كانت مخاوفنا من المماطلة فى إصدار التشريعات الخاصة بالإعلام، والتى كانت من وجهة نظرنا تقوم بتعطيل الدولة عن تطوير أدواتها ووسائل إعلامها، إلى حين إتمام مخطط احتكار ساحات الإعلام المحلى والدولى من جانب بعض رجال الأعمال، واحتكار التعبير فى وسائلها بشكل يجعل مصر محاصرة إعلامياً تماماًً، وبعد أن نجحت مخططات إفشال الإعلام الرسمى، أو تليفزيون الدولة وصحافتها لصالح قنوات خاصة وصحف مملوكة لرجال أعمال.
ولو تتبعت من ماطلوا فى إصدار التشريعات، ستجد أن غالبيتهم إن لم يكن كلهم تربطهم صلات وثيقة أو علاقات عمل مع رجال أعمال وبعضهم يعملون بشكل معلن فى وسائل إعلام يمتلكونها!
سعوا ونجحوا إلى حد كبير فى تدمير الصحافة القومية والتليفزيون الرسمى حتى لا تكون للدولة أدوات إعلامية، وفتحوا صحفهم وقنواتهم للدولة كى تقدم فيها بعض رسائلها لتقع فى الفخ وتضع رقبتها تحت سكين رجال الأعمال!!.. ثم قطعوا الطريق على الدولة، كى يمنعوها من تطوير صحافتها القومية أو تليفزيونها الرسمى بتعطيل صدور التشريعات وبالمماطلة فى إنشاء المجلس الوطنى للإعلام رغم مطالبة السيد الرئيس بذلك أكثر من مرة، وكانت أدواتهم فى ذلك أسماء بعينها نعرف جميعاً أنهم يتقاضون رواتب ضخمة من رجال الأعمال هذا أو ذاك أو من تلك السفارة أو تلك.....!
والأكثر إثارة للريبة من ذلك، هو عدد من وسائل الإعلام المموّلة من دول عربية تربطنا ببعضها علاقات صداقة، ولا يخفى بعضها الآخر عداءها لنا!
ولعلك تتذكر، أننا سبق أن أشرنا إلى أن كثيراًً من رجال الأعمال يتعامل مع الدولة بنفس طريقة وبمنطق الراقصات الرخيصة فى الكباريهات، فإذا كان أصحاب الكباريهات يطلبون من الراقصات تأدية رقصات بعينها لجذب الزبائن أو يطلبون منهن تقصير بدلة الرقص أو إظهار تفاصيل الجسد واستخدام الصاجات والطبل فى بعض الأحيان فإن الصبيان فى الصحف التابعة لرجال الأعمال يمارسون دور الراقصات بأوامر من أصحاب الكباريهات أو الفضائيات والصحف فكلاهما أصبح واحداً!!
ولذلك نجد بعض الصحف المملوكة لرجال الأعمال لا تتوقف عن الطبل والرقص للرئيس وبعضها يتطوع بتقديم فقرات خاصة لإظهار مفاتن الجسم، ولكن إذا تعارضت مصالح أصحاب الكباريهات (أو رجال الأعمال) مع الدولة فإن الأوامر تصدر فوراً للصبيان بالتوقف عن الرقص وتقديم فقرات الندب والبكاء لتشويه صورة الرئيس.
إن تلك العلاقة الرخيصة التى تتحكم فيها صفقات المال والمصالح هى التى ستؤدى بالوطن إلى النفق المظلم، فسوف يظل الرئيس عظيماً كلما ظلت مصالحهم فى أمان وكلما ظل الرئيس نفسه غير قادر على مواجهتهم، أما إذا طالبهم الرئيس بتسديد بعض الفواتير القديمة من المليارات التى قاموا بجمعها فسوف يتم الانتقام منه وتقوية جبهات أخرى لمعارضته.
التاريخ السرى لأقطاب الإعلام العربى
أمامى، الآن، كتاب صدر قبل أيام عن دار النشر البريطانية I.B.Tauris عنوانه «الأقطاب المسيطرة على الإعلام العربى» (Arab Media Moguls) يضم مجموعة دراسات لباحثين متخصصين فى الإعلام، ويتناول أدوار شخصيات امتلكت (أو مازالت) تمتلك وسائل إعلام رئيسية مرئية أو مقروءة، بينها الأمير السعودى الملياردير الوليد بن طلال ورئيس الوزراء اللبنانى الراحل رفيق الحريرى ونجله رئيس الحكومة السابق سعد الحريرى، ورجل الأعمال نجيب ساويروس ووليد الإبراهيم وصالح كامل وطارق بن عمار وأنطوان شويرى وبيار الضاهر.
أحد المشرفين على الكتاب، وهو البروفيسور ياكوب سكوفجارد باترسون، يعمل أستاذاً للدراسات العربية والإسلامية فى جامعة كوبنهاجن الدنماركية، وأوضح أنه فى السنوات العشرين الأخيرة دخلت مجموعة من أقطاب رجال المال والسياسة فى العالم العربى حقل الإعلام العربى بقوة، وتحدت الإذاعات ومؤسسات البث التليفزيونى التى كانت تسيطر عليها حكومات الدول العربية عبر وزارات الإعلام فيها (فى معظم الأحيان)، وأنشأت شركات خاصة ووجهت إعلامها إلى شتى بلدان العالم العربى والإسلامى وحققت شبه هيمنة على الإعلام العربى.
وأشار باترسون إلى أن الطفرة الاقتصادية فى دول النفط ونشوء الثروات الضخمة لدى بعض المستفيدين منها، أو حاجات الأنظمة الديكتاتورية العربية لمواجهة معارضيها، أو موجة العودة إلى الجذور الإسلامية واعتناق الإسلام السياسى، كانت السبب الرئيسى لهذا التطور المهم فى الدول والمجتمعات العربية. كما طرح أسئلة حول الدور الذى لعبه أقطاب الإعلام ومؤسساتهم فى توجيه المجتمعات العربية نحو الخصخصة والليبرالية الاقتصادية لتحل محل سياسات الأنظمة الاشتراكية، وهل قام هؤلاء بهذه النقلة النوعية فى الإعلام العربى بهدف تحقيق المزيد من الربح المادى، أو لدعم أنظمة سياسية تحمى ثرواتهم الضخمة؟!.. وكيف يتعاملون بالفعل مع رؤساء تحرير ومدراء مؤسساتهم؟!.. وهل يحاولون التأثير على مواقف موظفيهم من أجل تحقيق أهدافهم الخاصة؟
وكلها -كما ترى- أسئلة مهمة والأهم هو الإجابة عنها خصوصاً مع تصاعد دور الإعلام فى الساحة السياسية العربية فى الحقبة الأخيرة وتزايد حدة الصراعات الإعلامية بين قيادات دول المنطقة والمجموعات النافذة فيها.
فى دراسته عن الوليد بن طلال (الفصل الثامن من الكتاب)، ذكر «مروان كريدى»، أستاذ الاتصالات ومدير مركز أبحاث متطور، بجامعة بنسلفانيا الأمريكية، أن الأمير قرر فى إحدى المراحل نقل نشاطاته الإعلامية «قناة العرب التليفزيونية والمكتب الرئيسى لشركة روتانا» إلى البحرين، سنة 2011، لدعم الدور السياسى الذى كانت تقوم به المملكة العربية السعودية فى مملكة البحرين آنذاك وفى الوقت نفسه، لتوسيع وتنشيط أعماله وأرباح مؤسساته، وهنا تلاقت مصالح الأمير التجارية والمالية الخاصة مع مصالح دولته السياسية.
وأضاف «كريدى»: رغم أن الأمير الوليد من مؤيدى سياسة «سعودية» التوظيف فى المملكة، فإن عدداً كبيرا من موظفى مؤسساته هم من المصريين واللبنانيين والكويتيين ومن جنسيات عربية أخرى. ويعتبر كريدى أن تصرف الأمير الوليد واتخاذه قراراته تؤكد أن أقطاب الإعلام العربى عليهم أن يتمسكوا بالولاء لبلدانهم وأنظمتها مهما بلغ حجم ثرواتهم إذا أرادوا الاستمرار فى العمل المربح والمثمر، وبالتالى، إضافة إلى كونهم رجال أعمال ناجحين ومحنكين فهم أيضاً خدام أوفياء لبلدانهم.
وفى دراسة «كاثارينا نوتزولد»، الباحثة فى مركز الإعلام العربى فى جامعة وستمنستر البريطانية، ذكرت أن الرئيس اللبنانى الراحل رفيق الحريرى استثمر أموالاً ضخمة فى تليفزيون «المستقبل» اللبنانى وخصوصاً فى قسم البث الفضائى نحو البلدان الخليجية فى المؤسسة، لأنه أراد إبراز لبنان والترويج للبلد كمركز سياحة وخدمات دولى فى الدرجة الأولى، كما سعى إلى جذب أصحاب رؤوس الأموال الضخمة فى الدول الخليجية للاستثمار فى لبنان وخصوصاً فى مشاريع البناء الضخمة والمشاريع السياحية أملاً فى إنجاح مشروعه لإعادة بناء البلد ومشاريعه الخاصة المرادفة لذلك.
وأعاد الحريرى تطبيق قوانين صدرت فى مطلع ستينيات القرن الماضى تمنع بث روح الكراهية بين أبناء الطوائف اللبنانية المختلفة وتهدد العلاقة بالدول العربية الصديقة، ونشطت الجهات الأمنية اللبنانية فى توقيف محطات تليفزيونية تجاوزت، وفق تقدير حكومة الحريرى، هذه القوانين، وبينها محطة نشرت فيلماً وثائقياً سلبياً عن المملكة العربية السعودية، علماً أن الحريرى حمل الجنسيتين السعودية واللبنانية وجمع معظم ثروته فى السعودية. وبالتالى، تقول الكاتبة، وجّه معارضوه انتقادات للتغطية السياسية لمحطة تليفزيون «المستقبل» بسبب «انحيازها» للسعودية.
وقد تفاقم هذا التوجه بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريرى فى 14 فبراير 2005، وساهمت المحطة فى الترويج لسياسات تيار «المستقبل» بقيادة سعد رفيق الحريرى فى الانتخابات اللبنانية لعامى 2005 و2009 وفى نجاح هذا التيار فيها.
وتشير الكاتبة إلى أن السعودية كانت تدعم تليفزيون «المستقبل» ومؤسسات الحريرى الإعلامية الأخرى كلما تعرضت لأزمات مادية.
ولا تحسم الكاتبة فى تحليلها للأسباب المؤدية إلى الأزمات المادية التى تعرضت لها مؤسسة «المستقبل»، تحت قيادة سعد الحريرى، بل قالت إنها ربما عادت إلى التغييرات الإقليمية السياسية والاقتصادية أو إلى الاختلاف فى أسلوب الإدارة بين رفيق الحريرى ونجله أو إلى خلافات داخلية بين أمراء فاعلين فى السعودية انعكست على أوضاع الحريرى الابن.
الوليد.. وصفقات التليفزيون العربى
وفى الفصل الثالث تتحدث الدكتورة زاهرة حرب، الباحثة والمحاضرة فى الصحافة الدولية بجامعة سيتى البريطانية، عن دور القطب الإعلامى اللبنانى أنطوان شويرى الذى لُقب بـ«رئيس قطاع الإعلانات فى العالم العربى» وكيف أضاف إلى نشاطاته إبرام الصفقات فى قطاع الإعلام التليفزيونى والمكتوب فى لبنان والمنطقة بين المؤسسات المختلفة.
وتشير حرب إلى أن شويرى ساهم أيضاً فى وضع الأسس لحركة رياضية واسعة فى لبنان، خصوصاً فى مجال كرة السلة حيث دعم نادى الحكمة الرياضى ولعب دوراً أساسياً فى نيل النادى بطولة آسيا للنوادى.
وتركزت نشاطاته الإعلامية على الخوض فى عملية تنشيط «المؤسسة اللبنانية للإرسال» (LBC) إعلانياً وإعلامياً، كما دعم صحيفتى «النهار» و«السفير»، وبعد ذلك، فتح نوافذ مع صحيفة «الحياة» الصادرة فى لندن ووفر لهذه الصحف عوائد إعلانية أتاحت له إنشاء صداقات وعلاقات ممتازة مع المشرفين على هذه الصحف.
وبالطبع كان شويرى يحصل على أرباح مادية، نتيجة لنشاطاته الإعلانية والإعلامية.
وتقول حرب إنها فى مقابلة مع ابنة شويرى (الذى توفى فى السنوات الماضية) أكدت أن دوافع والدها لم تكن مادية فقط، بل قومية ووطنية إذ كان يرغب فى تنشيط الإعلام فى لبنان بالإضافة إلى شغفه بتعزيز الرياضة بعد الحرب الأهلية اللبنانية. ولعب شويرى، حسب زاهرة حرب، دوراً فى تقريب وجهات النظر وترطيب الأجواء بين بيار الضاهر، رئيس مجلس إدارة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» وبين مؤسس المحطة الزعيم السياسى اللبنانى سمير جعجع، وتلفت الكاتبة النظر إلى أقوال كل من وليد الإبراهيم (المشرف على محطة MBC التليفزيونية) وبيار الضاهر «LBC» وطلال سلمان صحيفة «السفير» وغسان توينى صحيفة «النهار» تظهر احترامهم جميعاً لآراء شويرى ونصائحه فى مجال البرامج والأفكار.
غير أن شراء الأمير الوليد بن طلال حصة كبيرة فى «LBC Sat» أبعد شويرى عن المحطة لفترة بسبب خلاف الأمير مع الضاهر، وصداقة شويرى للأخير.
الخلاصة، وبعد عرض مواقف ودوافع ثلاثة من أقطاب الإعلام العربى التى وردت فى الكتاب، يمكننا استنتاج أنهم قد يكونون حققوا نجاحاً فى مجال الإعلام إلى جانب نجاحهم فى المجالات التى عملوا واستثمروا أموالهم فيها، لكن هناك تحفظات وشكوك حول أدوارهم وأهدافهم من استثمارهم فى مجال الإعلام وحول الأدوار التى لعبوها لصالح دول، خاصة فى ظل ما تشهده المنطقة من أحداث سياسية ملتهبة، أدوار لا يمكن معرفتها أو تحديدها إلا بمعرفة أجنداتهم الخاصة، والفصل بينها الربح المادى أو الترويج لسياسات دول يعملون لصالحها أو فى خدمتها، ويسعون لإرضاء حكامها، بشكل قد يدفعهم إلى التركيز على الصراعات العربية العربية لإرضاء هذا الحاكم أو ذاك، الذى تقتضى مصالحهم إرضاءه، أو لتبنى وجهات نظر تجاه عدد من القضايا تتطابق مع وجهات نظر دول أجنبية لهم معها علاقات أو تربطهم بها مصالح!
التمويل.. ومليارات الربح السريع
إنها لعبة كبيرة، بل وأكبر مما كنا نتخيل، تشارك فيها إمبراطوريات إعلامية تديرها إحدى شركات الإعلانات ويديرها بالوكالة متهم فى قضايا فساد مالى!!.. استطاع خلال فترة وجيزة أن يحكم قبضته على العديد من القنوات بإنقاذها من أزماتها المالية، مقابل حصوله على حق الإعلانات على الشبكة بعقود تضمن له السيطرة على القنوات بما فيها ومن فيها.
وبالصيغة نفسها، تمت السيطرة على العديد من الصحف، إما باحتكار إعلاناتها أو بمبالغ شهرية وصلت فى حالة إلى 5 ملايين جنيه شهرياً، مقابل الالتزام بسياسة تحريرية يفرضها الممولون!
المشاركون فى «المؤامرة» يشتركون جميعاً فى صفات محددة أبرزها أن رحلتهم مع المليارات والربح السريع كانت عن طريق شراء أراض شاسعة بأسعار مجانية تقريباً قاموا بتقسيمها وإعادة بيعها فيما كان معروفاً بمافيا تسقيع الأراضى، ومعهم أصحاب مصانع السيراميك والأسمنت وحديد التسليح، وكلهم كانوا مدعومين من كهنة المعبد «الحزب الوطنى المنحل».. وهم أيضاً من دقوا المسمار الأخير فى نعش نظام مبارك ولما تهدم المعبد، وقع على رأس الجميع، إلا هم!!.. واستمروا على حالتهم: حيتان وقطط سمان ينشرون سرطان الفساد وثقافة الفساد فى المجتمع.
وهى الحرب التى ينفقون فيها بلا حساب من أموالهم الحرام، يدفعون منها لـ«صبيانهم» الذين يملأون الشاشات عشرات أضعاف الراتب الذى يتقاضاه رئيس الدولة!!.. فكان أن وصل تدهور وسائل الإعلام فى مصر، إلى درجة غير مسبوقة، ووصل تدنى أداء كثير من الفضائيات الخاصة إلى الحضيض، الأمر الذى أحبط آمالاً كانت معلقة عليها فى أن تصبح بديلاً عن القنوات الرسمية التى ظلت منذ نشأتها دعائية، وليست إعلامية.
ولم يعد السؤال الأكثر أهمية اليوم عن مدى التزام الإعلام بالقواعد المهنية، والمواثيق الأخلاقية، بل عن وجود إعلام من الأساس، وعلاقة معظم الفضائيات والقنوات الموجودة الآن بالعمل الإعلامى من حيث المبدأ!!.. فى ظل غياب واضح لسياسة إعلامية «رسمية» متحررة من القيود السياسية، والبيروقراطية، تراعى التحولات التى نشهدها محلياً وإقليمياً ودولياً، وتؤمن بحرية التعبير، وتدفق المعلومات.
أظهر بعض رجال الأعمال، وكلهم يملكون وسائل إعلام، خلال الشهور الماضية عداء واضحاً للمشروع الوطنى الذى يقوده السيسى على أساس من العدالة الاجتماعية، وهو التعبير الكلمة التى تحظى بكراهية مجتمع رجال الأعمال، لا ينافسه إلا مصطلح «الاستقلال الوطنى» لمن ارتبطت مصالحهم بدول أخرى!
توجهات بعض الفضائيات التى يملكها رجال أعمال، وتلويحها بسطوتهم ونفوذهم والإيحاء بقدرتهم على تحريك الأحداث، كان متوقعاً، رغم ما بدا من تأييدهم للسيسى ووقوفهم خلفه، إذا كان بقاء التأييد على ما هو عليه مرهوناً أو مشروطاً بتأمين مصالحهم.
أخيراً..
هذه هى الكارثة.. وتلك الحلول المطروحة
من أجل ذلك، كنا فى أمس الحاجة إلى جهاز وطنى مستقل للإعلام بمعنى الكلمة يتكون من خبراء فى الإعلام لديهم القدرة على اتخاذ القرار الفنى وأن يتم تعيينهم عن طريق البرلمان حتى يتمتعوا بالاستقلالية التامة والحيادية والخروج تماماً من عباءة الحكومة ورئيس الدولة ولا يكون بديلاً لوزارة الإعلام بشكلها القديم، والمجلس يحتاج إلى قانون يشمل جميع مواثيق الشرف وأخلاق مهنة الإعلام حتى تكون العقوبات محددة بنصوص قانونية يلتزم بها الجميع، كذلك فإن تحرير الإعلام يتطلب أن يكون بداخل المجلس أو الجهاز الوطنى، لجان فنية تحدد المخالفات وتراقب العمل فى كل وسيلة إعلامية وأن تخصص جهة واحدة لمنح تراخيص العمل لجميع القنوات الفضائية بمصر بدلاً من الجهات الأربع الموجودة حالياً.
المعادلة الصعبة هنا هى كيفية حماية مصالح العاملين فى الإعلام والحفاظ على حقوق الجمهور وتحقيق المصلحة العامة فى آن واحد.
ونادينا بإنشاء هذا المجلس المستقل لأنه ضرورة حيوية وهو موجود فى معظم دول العالم التى تشهد ممارسة إعلامية رشيدة ومتقدمة وتحترم حرية الرأى والتعبير فى الوقت ذاته.
وذلك كله يتطلب تركيز الصلاحيات الخاصة بالإعلام فى يد جهاز واحد وإزالة أى عقبات سالبة للحرية وإتاحة الفرصة للمواطنين للشكوى من الأداء الإعلامى وفحص هذه الشكاوى وإنزال عقوبات متدرجة بحق المخالفين.
لابد من فصل المجلس الجديد عن السلطتين التنفيذية والتشريعية بالدولة وأن تكون له سلطة وضع القوانين والمواثيق اللازمة وآليات العقاب فى حالة الخروج على هذه المواثيق حتى نضمن قيامه بالدور المنوط به فى توفير حرية الإعلام والإبداع والحفاظ على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين والشخصيات العامة وحمايتها من التطاول وممارسات الإعلام الخاطئة.
استقلال الإعلام ضرورة لضمان حرية التعبير والرأى وهو ما يستدعى إنشاء كيان أو مجلس أو جهاز أو هيئة مستقلة للإعلام المصرى ولكن ما حدود هذا الاستقلال من حيث علاقة الحكومة به؟ وهل سيكون هناك إشراف حكومى؟ وما هى نسبة هذا الإشراف؟ وكم عدد الأعضاء الذين سيمثلون الحكومة؟ لأن هذه النسبة إذا زادت فسوف تكرس لهيمنة وسيطرة وتبعية الإعلام للحكومة وأن استقلال هذا الكيان يستدعى عدم تمثيل الحكومة فيه لعدم تقييد الحريات.
إن الإعلام القومى بكل أنواعه ملك للشعب وحتى يصبح كذلك فعلاً لابد من تحويله إلى شركات مساهمة يشترك فى ملكيتها العاملون فى هذا المجال وأفراد الشعب المصرى على نحو لا يترتب عليه سيطرة فرد أو أسرة معينة أو شركة على الملكية ولذلك لا يجوز أن تزيد ملكية الأسرة كاملة على 5٪ حتى تكون الملكية موزعة بين الإعلاميين وأفراد الشعب.
ولأن الحيادية والاستقلالية والحرفية واحترام الرأى العام للصحافة جزء أساسى من قيم المجتمع العليا، ويجعل منها صحافة حرة ومسئولة فإن هذا لن يتحقق بالكلام ولكن بالواقع.. والواقع وبدراسة مقارنة فى العالم كله نجد أن حرية الصحافة تدار بمجلس مستقل استقلالاً كاملاً يجمع فى تشكيله جميع الأطراف المعنية بشئون الصحافة مثل صحفيين من رجال الفكر وإداريين فى شئون المؤسسات الصحفية وممثلين للرأى العام وصحفيين من خلال النقابة والمؤسسات الصحفية وليس من خلال مجلس الشورى وهو المجلس النيابى الذى كان محللاً فقط، وقد أثبتت تلك التجربة فشلها لأن الصحافة القومية اصبحت لسان حال الحزب ومعبرة عن تياره.
ويجب أن يكون المجلس المسئول عن الإعلام مجلساً مستقلاً يحقق استقلال المؤسسات الإعلامية ويراعى شئون العاملين فيها، وفى نفس الوقت يضع نصب عينيه الرأى العام فى حيادية وحرفية ومهنية حتى يحقق الإعلام فكرة التعبير عن الرأى العام ويوجهه مع المحافظة على القيم العليا فى المجتمع والبعد عن الإثارة والعمل من أجل المصالح الخاصة واللعب بمصالح الوطن.
فإذا تحققت الاستقلالية لوسائل الإعلام فإنها سوف تستطيع أن تجمع كل هذه العناصر، ويكون لديها الإمكانيات للنهوض بالمهنة ومسايرة التكنولوجيا سواء فى القوى البشرية أو المادية وهنا فقط يمكن أن نحقق استقلالية الإعلام والإعلاميين والارتفاع بمستواهم المادى والمهنى، وطبيعى أن أداء وسائل الإعلام لدورها الواجب أو المفترض يمكن أن يجعلها تنتقل بالمجتمع نقلة كبرى لأنها يمكنها أن تدفعه للتقدم من خلال إيقاظ المواطنة والقيم العليا، ويمكن أيضاً أن نصل به إلى الهاوية.
وعلينا إعادة تشكيل التليفزيون المصرى وإعادة النظر فى عدد القنوات الكبير ونرى أنه من الأفضل أن نكتفى بقناتين أو ثلاث يتم بناؤها على أساس علمى ومهنى ويكون لها تأثير حقيقى على المشاهد ولديها مصداقية وأن تكون قائمة على سياسة وفلسفة الكيف وليس الكم.
والصحف أيضاً يمكنها أن تتبع نفس المنهج ويكون اختيار رئيس التحرير من خلال انتخاب الجمعية العمومية للمؤسسة وبذلك نضمن أن الاختيار يكون على أساس المهنية والقدرة على الإدارة وليس الولاء لمن يعين.
كذلك هناك ضرورة لتغيير مفهوم إعلام الدولة ليصبح معبراً حقاً عن العنوان وألا يكون هناك خلط بين الدولة والحكومة وأن يتاح لها مساحة الحرية نفسها فى الإعلام الخاص إضافة إلى أن إعلام الدولة يجب أن يعبر عن المواطن الذى يدفع رواتب العاملين فيه وليس من حقه أن يتبنى أى وجهة نظر لأنه يعبر عن الشعب.
وهناك ثلاثة أشكال خاصة بنمط الملكية، الأول ملكية الدولة مثل الموجود فى بريطانيا ويعطى استقلالية وتقر ميزانيته من خلال مجلس العموم «البرلمان» والنمط الثانى هو ملكية الأفراد، والثالث الشراكة بين القطاع الخاص والدولة ويمكننا اعتماد الثلاثة أشكال على أن تحكمها مواثيق شرف وضوابط اجتماعية تتيح حرية النقد والعمل وتلتزم بضوابط المجتمع.
والصحافة القومية أيضاً تحتاج إلى خريطة طريق لإعادة صياغة وضعها الحالى حتى لا تصبح تابعة للحكومة أو لأى نظام وأن يتم فصل الإدارة عن التحرير تماماً وتقليص سلطة الإدارة على التحرير ومنحه مساحة الحرية ليصبح معبراً عن المجتمع والمواطنين وأن يتوقف العمل بنظام الولاء ويتم وضع معايير للكفاءة والمهنية.
أمامنا مثلاً تجربة صحيفة «اللوموند» الفرنسية التى يمتلك أسهمها صحفيوها وعندما عانت من أزمة مالية وأعلنت عن بيع أسهمها لرجال أعمال اشترطت الالتزام بسياستها التحريرية وعدم تدخل المالك فيها أو تغييرها.
هناك أيضاً ضرورة إلى التخلص من الخلط الشديد بين الإعلان والإعلام حيث إن الإعلان أثر كثيراً بالسلب على المضامين الإعلامية الفترة الماضية وأصبحت معظم القنوات خاضعة لوكالات الإعلان وينادى بأن يترك للبرامجيين والكتّاب إقرار الأعمال التى يتم بثها ونشرها حتى نضمن سلامة المضامين المقدمة كما يجب الابتعاد عن البرامج التى تهدف فقط للإثارة بحجة أنها الوسيلة التى تجذب المشاهدين والمستمعين ما نتج عنه حدوث تجاوزات كثيرة خارج ميثاق الشرف الصحفى.
والضرورة تقتضى أيضاً إطلاق ميثاق شرف جديد للإعلام، على تتم إعادة النظر فى الإعلام الخاص والعام وفى طريقة عمله لأن تجربة الإعلام الخاص فى مصر تجربة فاشلة وعملت على تحقيق مصالح رجال الأعمال ولا نريد أن نقع تحت سيطرة إما الحكومة أو رجال الأعمال.
مهم جداً أن يكون لدينا مجلس يتولى مهمة الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام فى مصر ويفصل فى القضايا والإشكاليات المختلفة المتعلقة والمعلّقة بعد ما شهدناه طوال سنوات من تجاوزات وصلت حد الانفلات.
وفى ظل الاقتصاد الحر لابد أن تكون الحزمة مرتبطة، فلا يصح انتقاء جزء وترك جزء آخر، ولابد من التعويض العادل للصحفيين فى ظل تغيير هيئة التحرير، وأن يكون الحكم فى هذه الأزمة هيئة قضائية وليست إدارية.
أملنا فى تشكيل المجلس الوطنى أن يضم ضمير المهنة سواء المشتغلين بالصحافة أو الإعلام على غرار المجلس البريطانى، بحيث يعبر عن المجتمع بكافة أطيافه يتولى مهمة الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام خاصة وحرية الرأى والتعبير عامة، خاصة أن المرحلة السابقة والحالية شهدت صعود كثير من الصحف والقنوات الفضائية الخاضعة لسيطرة رأس المال.
وهناك قطعاً كما أوضحنا خطورة من استثمار رجال الأعمال لذلك، ومن أن تصبح حرية الرأى والتعبير مرهونة بسيطرة رأس المال.
ونشير هنا إلى أن عملية بيع الصحف فى كل دول العالم هى عملية معقدة، فلا أحد يستطيع أن يذهب إلى البورصة ويشترى أسهم جريدة «لوس أنجلوس تايمز» أو «واشنطن بوست» مثلاً، فهناك مجلس أعلى هو الذى يقرر عملية البيع، ومجلس مستقل يوافق على عملية البيع أولاً، وهناك مجلس يرفض إذا كان هناك إخلال بالتوازن، وقواعد يجب الالتزام بها، ولكن هذا لا يحدث هنا.
وهذا، أيضاً ما نراه فى تجربة هيئة الإذاعة البريطانية BBC واتحاد الإذاعة والتليفزيون الفرنسى، وفى كل اتحادات الراديو والتليفزيون فى دول غرب أوروبا وفى الهند وشرق أوروبا -فى أعداد تتزايد يوماًً بعد يوم فى المجتمعات النامية فى آسيا وأمريكا الجنوبية- بل فى أفريقيا- كما هو الشأن فى دولة جنوب أفريقيا مع السماح فى ذات الوقت للقطاع الخاص بحق البث الإذاعى والتليفزيونى وتقوم فلسفة الدول الديمقراطية فى هذا الشأن على أن الدولة تمثل المجتمع كله بجميع أحزابه وقواه السياسية والاجتماعية فى حين أن الحكومة لا تمثل سوى حزب واحد من المواطنين ولأن الحكومة متغيرة والدولة دائمة، وجب أن تعود ملكية وسائل الإعلام الإذاعى والتليفزيونى إلى الدولة، أى إلى جميع المواطنين بحيث لا تستغل لمصلحة حزب واحد، لذلك تمتعت جميع الخدمات الإذاعية والتليفزيونية فى هذه الدول الديمقراطية باستقلال كامل عن الحكومة.
وكثيراًً ما تختلف بعض الخدمات الإذاعية تلك مع الحكومة مثلما حدث من خلافات بين هيئة الإذاعة البريطانية والحكومة أثناء حرب فوكلاند، وحربى الخليج الأولى والثانية.
لكن كيف يمكن الحفاظ على حرية الصحافة واستقلالية الإعلام المصرى، مع الضوابط الواجبة للالتزام بالأخلاق المهنية؟!
فى وضع الصحافة القديم، مثلاً، كان مجلس الشورى القديم هو المالك الصورى وكان يوكل للجهاز المركزى للمحاسبات الاطلاع على كل ورقة وكل قرار فى المؤسسات الصحفية وكان من الشائع أن مجلس الشورى هو الذى يقوم بتعيين رؤساء تحرير الصحف القومية فى حين أن حقيقة الأمر كانت تؤكد أن مثل هذه القرارات كانت تعد فى كواليس رئاسة الجمهورية، وعندما تكتمل الأسماء تصل إلى مجلس الشورى صباح الموعد المحدد لتجتمع اللجنة العامة وتصدر الأسماء كما جاءت من الرئاسة دون تعديل أو تبديل، وكان المقصود هو ألا تكون هناك سيطرة مباشرة على الصحافة ولو على الأقل شكلاً.
الوضع استمر كذلك لسنوات طويلة دون أن يعترض الصحفيون وكانوا يعتبرون أن مجلس الشورى هو ممثل الدولة ورغم ذلك لم يتدخل مجلس الشورى فى إدارة أية مؤسسة صحفية.
هكذا، يكون علينا أن نبدأ من تحرير هذه المنظومة التى عانت لعقود طويلة من هيمنة النظام السابق ممثلاً فى الحكومة التى سيطرت على الوسائل المسموعة والمرئية من خلال وزير الإعلام، كما سيطر النظام على المؤسسات الصحفية القومية من خلال مجلس الشورى الذى لم يكن سوى إحدى أذرع النظام.
هذه المشكلة أدت فى هذه المنظومة إلى تردى الأداء وتفاقم الديون والعجز وفقدان الاتجاه وتراجع القدرة التنافسية.
عناصر المشكلة اليوم تتجسد فى ثمانى مؤسسات صحفية قومية تصدر عنها حوالى 50 صحيفة ويعمل بها حوالى 13 ألف صحفى وعامل وإدارى بالإضافة إلى حوالى 33 قناة تليفزيونية و9 شبكات إذاعية يعمل بها 45 ألف إعلامى وعامل وإدارى.. ومجموع الديون المترتبة على تلك المؤسسات تزيد على 30 مليار جنيه وتنطوى تلك المؤسسات على كفاءات مهنية كبيرة وتمتلك أسماء تجارية براقة ولها تاريخ عريق أسهم فى تشكيل وجدان الشعبين المصرى والعربى كما أنها تمتلك أصولاً مادية لا يستهان بها.. بكل ذلك لا يمكن أبداً تفكيك تلك المؤسسات أو خصخصتها، كما لا يمكن الإبقاء على الحالة الراهنة.
الحل هو تحرير تلك المؤسسات من قبضة النظام أياً كان شكله عبر تشكيل هيئة مستقلة ذات تمثيل عريض ومتوازن تحت اسم الهيئة العامة للصحافة والإعلام وهى تنوب عن المواطنين المصريين فى إدارة ممتلكاتهم فى هذه المؤسسات وتسعى إلى استرداد الأموال المنهوبة منها، وإيقاف الهدر والفساد فيها وإعادة تأهيل الكفاءات وإعادة توظيف الأصول توظيفاً متكاملاً وفق دراسات جدوى عملية، ووضع سياسات توظيف وإجراءات تشغيل وأدلة تحرير لانتظام عملها وإخضاع أدائها المهنى والإدارى للتقييم والمحاسبة والوصول بها إلى نقطة التعادل فى فترة 5 سنوات وفيها يتم ترقية أدائها لتحسين تمركزها بين الوسائل المنافسة بما يضمن لها القيام بمهمتها على صعيدين، الأول صناعة الإعلام فى مصر وتخريج الكوادر الإعلامية وتقديم المحتوى الإعلامى المتوازن والموضوعى من جهة.
والثانى أن المطلوب من هذه الهيئة أن تحول المؤسسات إلى الأداء الناجح مهنياً وإدارياً ومالياً ويجب أن تكون تلك الهيئة مستقلة تماماً عن أى من سلطات الدولة، لكنها تخضع لمراقبة مالية من الجهاز المركزى للمحاسبات وأيضاً للمساءلة الفنية والسياسية من البرلمان.
ويجب أن يراعى عند تشكيل هذه الهيئة أن يكون التمثيل فيها متوازياً ويمثل فيه سلطات الدولة الدستورية والجماعة الإعلامية والصحفية والمجتمع المدنى والفنيون والتكنوقراط بشكل عادل ويجب ان تكون مدة مجلس الإدارة محددة ولا يجوز التجديد لأعضائها، وأن يكون ضمن مهام مجلس إدارة تلك الهيئة تعيين القيادات، وضمان التحويل، والقيام بإخضاع الأداء للتقييم والمساءلة وبهذا نكون قد خرجنا من «حسبة برما» ومن محاولة أى سلطة من السلطات خطف تلك المؤسسات أو الهيمنة عليها أو إخضاعها للابتزاز.
المجلس الوطنى للإعلام ومواجهة الفساد
الحل، كما قلنا، ونكرر فى المجلس الوطنى للإعلام.
فالمجلس سيصدر مدونات سلوك للإعلاميين فى مختلف التخصصات، وميثاق شرف يتم الالتزام به، إضافة إلى قانون حرية وصول الإعلاميين وبالتالى الرأى العام إلى المعلومات، على أن يتولى المجلس تنظيم شئون البث وإصدار الصحف وتحديد الأسس والقواعد والاشتراطات اللازمة لإصدار ومنح وتجديد التراخيص، ووضع المعايير والضوابط الخاصة بمواصفات الجودة الفنية المتعلقة بالمحتوى البرامجى والإعلانى والنهوض بأوضاع الصحافة والعاملين بها وتدعيم الإعلام الرقمى والإلكترونى.
والوضع كذلك، يكون المجلس هو الجهة الوحيدة التى تختص بإدارة العمل الإعلامى، بدلاً من الوضع الحالى الذى تشتبك فيه 5 جهات متنازعة التخصصات من أجل تسيير عمل الفضائيات، أولها الهيئة العامة للاستثمار، وهى جهة ليس لها علاقة بالإعلام، إلا أنها منوطة بمنح تراخيص عمل الفضائيات، والجهة الثانية هى المنطقة الإعلامية الحرة التابعة لهيئة الاستثمار ومعنية بمنح تراخيص الاستوديوهات والعمل داخل مدينة الإنتاج الإعلامى، والجهة الثالثة هى الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامى التى تمنح إيجار الاستوديوهات، والجهة الرابعة هى الشركة المصرية للأقمار الصناعية نايل سات وتمنح إيجار التردد، والهيئة العامة للاستعلامات تمنح تراخيص عمل القنوات الأجنبية واتحاد الإذاعة والتليفزيون يمنح ترخيص إشارة البث المباشر بالتعاون مع جهاز تنظيم الاتصالات.
وعلى ذلك، فلابد أن يراعى القانون الجديد استقلالية المجلس وعدم تبعيته لأى من مؤسسات الدولة، وألا يكون أداة رقابة، لأن الرقابة مرفوضة وغير دستورية، وأن تقتصر وظيفته على متابعة عمل الفضائيات وتحديد الأخطاء وتصنيفها وإحالتها للقضاء ومن الممكن أن تحدد العقوبات مثل الغرامة والحجب لفترة زمنية معينة، مع تدرج العقوبات لتصل حد إلغاء الترخيص.
المجلس الوطنى للإعلام موجود فى دول ديمقراطية عديدة لتنظيم البث ولا يكبل الحريات ومن المنتظر أن تتكون هذه الهيئة من الشخصيات المشهود لها بالكفاءة، كهيئة عامة غير تابعة للدولة تنظم عملية منح التراخيص، وتتضمن جهازاً يكون منوطاً بمتابعة الفضائيات وإمكانية محاسبتها ومن الممكن أن نستعين بنماذج للدول الديمقراطية الأقرب للواقع المصرى مثل النموذج الفرنسى أو النموذج الإنجليزى، ففى فرنسا هناك هيئة لتنظيم العمل الإعلامى يشارك فيها الإعلاميون أنفسهم، لضرورة مراجعة القنوات الفضائية لمعرفة تمويلها، ومعرفة أصل أصحاب القنوات مشبوهة المصدر والتمويل، وتقديم شهادة ميلاد للأموال التى تؤسس بها تلك الفضائيات، وضبط عملية غسيل الأموال التى تحدث من خلف بعض الفضائيات، ووضع قوانين للالتزام برخصة نشاط القناة، إلا بالرجوع إلى الهيئة.
والمجلس الوطنى للإعلام يجب أن يتمتع بالاستقلالية فى ممارسة مهامه، ولا يكون تابعاً لرئاسة الجمهورية،، ويهدف المشروع إلى تحقيق ضمان حرية البث المسموع والمرئى، والعمل على ازدهار صناعة الإعلام، وتسهيل سبل الاستثمار فيه، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع الاحتكار والممارسات غير المشروعة فى مجال خدمات البث، وتمثيل الدولة فى المحافل الدولية والإقليمية.
ووفق ما عرفنا فإن المجلس سيكون هو السلطة المهيمنة على شئون البث وتحديد الأسس والقواعد والاشتراطات اللازمة لإصدار ومنح وتجديد التراخيص والتصاريح، ووضع المعايير والضوابط والأكواد الخاصة بمواصفات الجودة الفنية المتعلقة بالمحتوى البرامجى والإعلانى، ووضع لائحة تتضمن عقوبات مالية متدرجة عن المخالفات التى يرتكبها المرخص لهم، ويحق للمجلس وقف أى برنامج أو قناة، وعدم تجديد الرخصة أو التصريح إذا تكررت المخالفات.
وسيكون للمجلس حق طرح التراخيص والتصاريح المتاحة عن طريق الممارسة، أو فى مزايدة علنية، على أن يلتزم المجلس بالبت فى طلب الترخيص أو التصريح خلال 60 يوماً، ولطالب الترخيص الذى يقابل طلبه بالرفض أن يتظلم للمجلس لإعادة فحص طلبه ومناقشة أسباب الرفض، كما يحق له أن يرفع دعوى أمام القضاء.
وللمجلس حق تجميد الترخيص فى حالتين، أولاهما فى حالة عدم دفع الغرامات أو فى حالة امتناع المرخص له عن تمكين المجلس من البت فى إحدى الشكاوى التى تم تقديمها ضده.
كذلك فللمجلس الحق فى إصدار أكواد ومعايير للخدمات التى يقدمها اتحاد الإذاعة والتليفزيون من غير القنوات والفضائيات الأخرى، وللمجلس أن يضع برامج عمل وسياسات تستهدف ترقية أداء الاتحاد، والتحقيق فى أى شكوى خاصة باتحاد الإذاعة والتليفزيون متعلقة بخدمات البث المسموع والمرئى، وإبلاغ الرأى العام والوزراء ومجلس الشعب، ويصدر المجلس التراخيص والتصاريح اللازمة لاستمرار اتحاد الإذاعة والتليفزيون بجميع قنواته دون مقابل.
وللمجلس، أيضاً، حق تحديد أوجه الإنفاق على الأغراض والأهداف والاختصاصات المتعلقة بعمل المجلس، ويكون للمجلس موازنة خاصة مستقلة يتم إعدادها طبقاً للقواعد التى تحددها اللوائح الداخلية للمجلس وباتباع النظام المحاسبى الموحد، وذلك دون التقيد بالقوانين أو اللوائح أو القواعد أو النظم الحكومية، ويقدم المجلس تقريراً سنوياً عن أنشطته وموازنته لمجلس الشعب، ويمتثل رئيس المجلس وأعضاؤه إلى مجلس الشعب حال استدعاء أى منهم لمناقشة التقرير أو الموازنة.
وتتكون موارد المجلس من المبالغ التى تخصصها له الدولة فى الموازنة العامة، ومقابل التراخيص والتصاريح التى يصدرها المجلس، وحصيلة الغرامات، وعائد استثمار أموال المجلس، والهبات والتبرعات والإعلانات والمنح، وتخضع أموال المجلس لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات.
الحل، كما قلنا، ونكرر فى المجلس الوطنى للإعلام.
فإحدى مسودات مشروع قانون «الهيئة الوطنية للإعلام» احتوت على كثير من البنود تكفى لإزالة كثير مما يعيق العمل فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وتتوافق مع مبادئ مشروع الهيكلة الذى طال انتظاره.
وحسب المادة العاشرة سيتم تقليص عدد قطاعات الاتحاد، لتصبح 4 قطاعات فقط: «مسموع، ومرئى، وهندسى، وإنتاج درامى»، إضافة إلى إدارات مركزية للخدمات، وإدارات لنواب رئيس الهيئة، ومجلة الهيئة، والشركات التابعة لها، وبهذا تُلغى باقى قطاعات الاتحاد.
وفى المادة «14» من مسودة مشروع القانون إشارة واضحة إلى أن الحقوق والالتزامات الخاصة بتعاقدات اتحاد الإذاعة والتليفزيون تؤول بنفس شروطها إلى الهيئة الوطنية للإعلام المرئى والمسموع، فى حين أوضحت المادة «11» أن جميع مديونيات الاتحاد الخارجية وقروض بنك الاستثمار التى حصل عليها ماسبيرو لا تلتزم الهيئة بتسديدها، وتسقط عنها تماماًً، الأمر نفسه ينطبق على رهن أسهم اتحاد الإذاعة والتليفزيون فى الشركة المصرية للأقمار الصناعية «نايل سات»، والشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامى، المرهونة لبنك الاستثمار مقابل مديونياته لدى ماسبيرو، وهذا الرهن يتم إسقاطه بمجرد إقرار قانون الهيئة، لتعود جميع أسهم ماسبيرو فى الشركتين إلى الهيئة بلا مقابل.
واشترطت المادة «16» حظر قيام أى جهة أو شخص باستخدام أى وسيلة أو جهاز أو تقنية للبث المباشر، أو إعادة البث عبر الأقمار الصناعية، أو الإنترنت، لأى حدث داخل مصر، كذلك يحظر إعادة بث الوسائل المملوكة للهيئة فى الأماكن العامة، أو التجمعات السكنية، أو وسائل الانتقال، إلا بتصريح من الهيئة مقابل رسوم تحددها ويعاقب من يخالف ذلك بغرامة تحددها الهيئة.
أما المادة «31» فتختص بشروط اختيار عضو المجلس التنفيذى للهيئة، ورئيس القطاع، واشترطت أن يكون مصرياً لأبوين وجدين مصريين، وحاصلاً على مؤهل عال، ولا يقل عمره عن 40 سنة، وألا تقل سنوات خبرته الإعلامية عن 15 سنة، ويكون لديه خبرة فى الإدارة الإعلامية، ومشهوداً له بالنزاهة والكفاءة، ويقدم خطة عمل للقطاع المرشح لرئاسته يوافق عليها المجلس التنفيذى.
وحددت المادة «32» صلاحياته التى تتمثل فى تنفيذ مهام المجلس التنفيذى، فيما يتعلق بقطاعه، ورئاسة لجنة مديرى الإدارات، ولجنة الإنتاج والأجور وتنفيذ قراراتها، ورفع تقرير بسير العمل لرئيس الهيئة، ومجلس الأمناء، وتمثيل قطاعه فى مجلس الأمناء والمجلس التنفيذى.
وحددت المادة «24» شروط تشكيل مجلس الأمناء، وهم مجموعة من الخبراء والرموز المعبرين عن تطلعات واحتياجات المجتمع المصرى، على أن يتضمن التشكيل 2 من الأعضاء يرشحهما رئيس الجمهورية، و2 يرشحهما المجلس التشريعى، و3 أعضاء ترشحهم نقابة الإعلاميين، و2 يرشحهما مجلس القضاء الأعلى، بينهما عضو من مجلس الدولة، إضافة لترشيح عضو واحد من كل من: المجلس الأعلى للجامعات، والمجلس الأعلى للثقافة، والمجلس القومى للطفولة والأمومة، والمجلس القومى لحقوق الإنسان، والمجلس القومى لمتحدى الإعاقة، والاتحاد العام للنقابات الفنية، والنقابة العامة للعاملين بالصحافة والنشر، والأزهر الشريف، والكنيسة المصرية، ويرشح الاتحاد العام للنقابات المهنية عضوين، وعضو ترشحه هيئة الأمن القومى، وآخر يرشحه الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات.
أما فيما يتعلق بصلاحيات المجلس التنفيذى فتشير إليها المادة «28»، وتتضمن متابعة تنفيذ السياسة الإعلامية العامة التى يقرها مجلس أمناء الهيئة، والتنسيق بين خطط وبرامج وأنشطة الهيئة، وضمان العمل كفريق متكامل لتحقيق الأهداف، وتقصِّى الرأى العام بالنسبة للمواد الإعلامية المذاعة، وإعداد مشروع الخطة السنوية لإنتاج المواد الإعلامية التى تبثها الهيئة، واقتراح السياسة العامة لإنتاج هذه المواد، وقواعد الاستعانة بالبرامج والمواد الأجنبية وإنتاج الغير، والنظر فى المواد المهداة للهيئة، ودراسة التقرير السنوى للموقف المالى للهيئة، ووضع القواعد المتبعة لإعداد الموازنة التخطيطية، والموازنة السنوية للهيئة، واستثمارات الخطة على نسق وموازنات المشروعات الاقتصادية، ودراسة المشروعات الاستثمارية الجديدة، وفتح الحسابات المصرفية فى البنوك المصرية والتجارية، وإعداد القرارات الخاصة بتنظيم التقسيمات التنظيمية فى القطاعات، وتحديد اختصاصاتها، ووضع خطط تنمية الموارد البشرية، ومعايير وترتيب وتوصيف الوظائف، ووضع خطط التدريب وبعثات للعاملين، والمتابعة الدورية لأداء القطاعات، وعقد القروض وقبول الهبات والمنح والإعانات لصالح الهيئة، ووضع القواعد المنظمة للعلاقة بين الهيئة وشركاتها المملوكة لها أو التى تساهم فيها، وحفظ المواد الإعلامية التى تبثها الهيئة، ووضع اللوائح المتعلقة بالشئون المالية والإدارية بجميع القطاعات، واعتماد قواعد وشروط الاستعانة بالخبرات الأجنبية فى مجالات عمل الهيئة إذا اقتضت الضرورة.
وتنظم المادة «11» أيضاًً رأس مال الهيئة الذى يحدد من قبَل رئيس الجمهورية، ويُصدر وزير المالية قراراً بتشكيل لجنة تتولى تقييم أصول وخصوم رأس مال الهيئة، والنظر فى تملكها بدلاً من حق الانتفاع بها، وعدم التصرف فيها إلا بعد موافقة المجلس التشريعى، وتحديد مديونيات الهيئة من قبل وزارة المالية، واعتبار كل أو بعض المديونيات إسهاماً من الدولة فى رأس مال الهيئة دعماً لرسالتها.
وأكدت المادة «13» الاعتمادات المالية التى تخصصها الدولة، ورسوم الترخيص للخدمات الإعلامية الجديدة، ورسوم الترددات الإذاعية والتليفزيونية، والرسوم المقررة على فاتورة الكهرباء الشهرية، والرسوم الخاصة باستخدام أجهزة الاستقبال المسموعة والمرئية والرقمية، والموارد المالية المحققة من أنشطة الهيئة والشركات التابعة لها، والإعانات والهبات المالية التى لا تؤثر على استقلالية ومهنية الهيئة، وحصيلة الهيئة من الأرباح المحققة، والحصول على تسهيلات مصرفية وائتمانية لتمويل مشروعات الهيئة.
وفى المادة «41» إشارة للجمعية العمومية التى تعتمد التقرير السنوى لأنشطة الهيئة والشركات التابعة لها، وتقوم باعتماد تقرير مراقب الحسابات، وإقرار الموازنة التخطيطية لها، وإقرار الموازنة السنوية والحسابات الختامية والأرباح والخسائر، وإقرار زيادة رأس المال، والتصويت على استخدام المخصصات المالية فى غير الأغراض المخصصة لها فى الموازنة، وإقرار مشروعات إنشاء الشركات أو المشاركة فيها. كما نص مشروع القانون الجديد على إلغاء القانون 13 لسنة 1979 المعمول به فى التليفزيون، وإلغاء كل تعديلاته، مع احتفاظ الهيئة بشعار «اتحاد الإذاعة والتليفزيون سابقاً»، كعلامة ثابتة وتجارية، وللهيئة إقرار شعار جديد لها أو تعديله أو تغييره، واستغلاله فى كافة التعاملات الداخلية والخارجية.
وأخيراً، فإن حق الإعلام من أولويات حقوق المواطن وهو ما يجب التركيز عليه سواء فى الصحافة أو الإذاعة والتليفزيون.
فى مصر، الآن، ليس لدينا إعلام.
بل لدينا غسيل مخ بالإعلام، لدينا اختراق الرأى بالإعلام، لدينا كل وأبشع صور الممارسات الخاطئة.
وربما تختلف الصحافة لأن بها بعض الضوابط، فكل صحفى مسئول عما يكتب. لكن ما يحدث فى الفضائيات المفتوحة، هو بكل المقاييس كارثة.
لكل ذلك، ومن أجل كل ذلك، فإننا نحتاج سريعاً أن يصدر القانون ونشكل الهيئة بأسرع ما يمكن حتى تكون هناك ضوابط لكل تلك القنوات، وتكون لدينا معايير يمكن من خلالها أن نحاسب المخطئ كما هو موجود بالخارج، والحساب ليس بالحبس، بل بدفع غرامة كبيرة تجعله لا يكرر الخطأ مرة أخرى.
كذلك، لابد أن يكون لدينا ميثاق شرف إعلامى يعمل على إعلاء فكرة المواطنة ويحد من فكرة الاضطهاد لغير المسلمين وأن الميديا لابد أن يتم استخدامها بقواعد وأخلاق حتى لا تتعرض للحريات الشخصية، بعيداً عن الإرهاب الدينى أو الإرهاب الأخلاقى أو إرهاب رأس المال.
فاتنى أن أشير، فى البداية، إلى أن ما دفعنى إلى تناول هذا الموضوع بهذا الشكل الموسع، هو أن مجلس الوزراء وبينما أكتب هذه السطور الآن يناقش مشروع قانون إنشاء «المجلس الوطنى للإعلام»، ولا أعتقد أن الأسبوع سينتهى إلا ويكون قد أقر المشروع وأرسله إلى مجلس الدولة لمراجعته، لتبقى الخطوة الأخيرة، وهى عرض مشروع القانون على مجلس النواب لإقراره.
ويظل الأمل معقوداً على تفعيل مواد الدستور التى تنص على تشكيل ثلاث هيئات تشرف على الإعلام وتنظيمه، وتتولى إجراء تأسيس الصحف والقنوات والذى لا نعرف سبباً لتعطيله خاصة مع علمنا بأن مشروع القانون الخاص بالمجلس الأعلى للإعلام تم الانتهاء منه وجارى النقاش بشأنه مع المعنيين بالأمر.
وغير المستوى التشريعى هناك أيضاًً المستوى المهنى، ومجالات تطوير تقنياته وآلياته وطرق تصميم رسائله ومضمونه، خاصة بعد أن بتنا جميعاً نعرف أخطاء الإعلام المصرى وتجاوزاته للقواعد المهنية ومواثيق الشرف، خاصة أن الدستور الحالى تضمن ثلاث مواد خاصة بتنظيم أوضاع الإعلام، هى المواد (211، 212، 213) والتى تنص على تشكيل المجلس الأعلى للإعلام وهيئتى الصحافة والإعلام المرئى والمسموع، وهذه الهيئات فى حاجة إلى قانون يحدد تشكيل وصلاحيات كل هيئة ومصادر تمويلها وطرق عملها والأهم طريقة اختيار أعضائها، وقد أخطأ الرئيس المؤقت عدلى منصور، الأمر الذى يشى بضرورة إسراع الرئيس بإصدار هذا القانون لضبط ما أصبحنا جميعاً نصفه بـ«الفوضى الإعلامية»، ووقفاً لـ«ابتزاز» الإعلام الخاص الذى يتحرك بأوامر رأس المال. خاصة أنه لم يعد سراً أن بداخل مجتمع المليارات من يراهن على فشل السيسى.. أو يراهن على عدم صموده أمام التحديات.. بل وفيهم من يتعمد إفشاله.. وفيهم أيضاًً «ثعابين» يظهرون الولاء.. حتى يجدوا الفرصة لتوجيه لدغتهم!