ياسر بركات يكتب عن: الـ«CIA» ترصد تحولات خريطة المنطقة خلال 2016
«السيسى» يواجه عواصف إرهابية جديدة
والجزائر تدخل نفق الإفلاس
وإيران تراجع خامئنى
حصار عالمى للدواعش.. وغزوات عسكرية لتركيا غرب نهر الفرات
يمكن لأى متابع أو باحث فى الشئون السياسية والاستراتيجية الأمريكية أن يلاحظ تأثير مراكز الأبحاث أو ما يسمى بالبيوت الفكرية الأمريكية (think tanks) ودورها فى صنع الاستراتيجية الأمريكية خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى سنة 1991 وفى المرحلة التى سبقت التفكك، والفرصة التى هيأتها هذه الأحداث لإعادة تنشيط وتطوير الأفكار وإعادة صياغتها وتطبيقها على الساحة الدولية.
ولا جديد إن قلنا إن مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية تشكل المصدر الأساسى للمعلومات التى تهم صنّاع القرار فى العالم، وتساعدهم بالتالى على بلورة خياراتهم السياسية النهائية، والفصل فيها.
وفى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، هناك ما يزيد اليوم على الـ5650 باحثاً ومتخصّصاً عربياً، يتوزعون على مراكز التفكير والدراسات Think Tanks، بما فى ذلك الجامعات طبعاً، والتى تضم مراكز بحثية، تؤدى الأدوار والوظائف نفسها التى تقوم بها نظيراتها خارج الأسوار الأكاديمية.
ويأتى أهمية الدور الذى تلعبه المراكز البحثية فى صياغة ومحاولة توجيه السياسة الخارجية فى الولايات المتحدة والتخطيط الاستراتيجى لهذه السياسات، من خلال التقارير والأبحاث التى تقدمها هذه المراكز إلى القادة السياسيين فى كافة أمور التخطيط الاستراتيجى للسياسة الخارجية. وغالبية تلك التقارير ليست للنشر.. أما ما يتم نشره فهو ما يقررون فقط نشره، وغالباً تكون لهم أهداف من هذا النشر، أو يكون النشر وفقاً لمخطط موضوع مسبقاً، كالترويج لمشروع أو التلويح بتهديد، وعادة ما يكون الترويج بشكل غير مباشر، أما الترويج فيكون من خلال نشر تقارير تزعم أنها تتناول توقعات، بينما هى أقرب إلى تحذيرات أو تهديدات من حدوث كوارث ما لم تتم الاستجابة أو تنفيذ ما تريده الإدارة الأمريكية أو المخابرات الأمريكية أو الجهة التى تتخذ من مراكز الأبحاث ستاراً لها.
وغالبية، إن لم يكن كل، مراكز الأبحاث تابعة لمؤسسات، حتى وإن تظاهرت بالاستقلالية والحيادية فقد أصبح ثابتاً أنها تعيش فى أحضان المخابرات المركزية الأمريكية أو البنتاجون ويعمل بها خبراء كبار مرتبطون بالإدارة الأمريكية وبهذه المؤسسة أو تلك.
دانيال بيمان، مثلاً، خبير بشئون الإرهاب فى الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن، بعد أن عمل لسنوات فى البنتاجون وكينيث إم بولاك، خبير شئون الأمن القومى، كان يعمل فى مجلس الأمن القومى والمخابرات المركزية CIA، وبروس ريدل المتخصص فى مكافحة الإرهاب الذى شغل منصب مستشار كبير لدى أربعة رؤساء أمريكيين حول الشرق الأوسط وجنوب آسيا فى مجلس الأمن القومى، عمل لمدة 29 سنة فى الـCIA والأمثلة كثيرة، بل وكثيرة جداً.
بهذا الشكل علينا أن نتعامل مع التقرير الذى نشره موقع مركز «ستراتفور» حول توقعات السياسات العالمية خلال عام 2016، وهو التقرير الذى طرح عدداً من التحولات المتوقعة فى السياسات العالمية خلال العام المقبل، ونشير مرة أخرى إلى أن التقرير ليس مجرد توقعات، بل هو أقرب إلى التحذيرات أو التهديدات تطلقها مؤسسة مخابراتية أمريكية اسمها ستراتيجيك فوركاستينج (Strategic Forecasting, Inc) المعروفة باسم ستراتفور (STRATFOR)، وهى مركز دراسات استراتيجى وأمنى أمريكى، يعد إحدى أهم المؤسسات الخاصة التى تعنى بقطاع المخابرات، ولا يخفى طبيعة عمله التجسسى!!.. بل إن وسائل الإعلام الأمريكية تطلق عليه صراحة «وكالة ظل المخابرات المركزية»، وما يؤكد ذلك هو أن معظم خبراء المركز ضباط وموظفون سابقون فى المخابرات المركزية الأمريكية، ولم يعد خافياً على كثيرين أن «ستراتفور» له شبكة واسعة من العملاء فى المنطقة العربية، زادت وتوسعت بشكل ملحوظ منذ الغزو الأمريكى للعراق فى 2003.
المهم، هو أن تقرير ستراتفور الجديد تناول 4 تحولات منتظرة، وتوقع أن تكون أهم ما سيميز الخريطة السياسية خلال سنة 2016 أهمها بالنسبة لنا هو أنه لا يتوقع حدوث أى تحد حقيقى لسيطرة الرئيس «عبدالفتاح السيسى» على السلطة خلال هذا العام، وأكد أن مصر ستواصل المضى قدماً بحذر فى خطة الإصلاح فى محاولة لدعم مركزها المالى وضمان مساعدة صندوق النقد الدولى، وأن المعارضة المصرية ستبقى مجزأة، الأمر الذى سيجعل النظام أكثر قدرة على إحكام قبضته على البلاد والتقليل من الاضطرابات الاجتماعية.
وعن التهديدات الإرهابية التى تتركز فى شبه جزيرة سيناء والتى وصفها تقرير ستراتفور بـ«القادرة على تنفيذ هجمات فى المناطق الحضرية الرئيسية فى البلاد»، ذكر التقرير أن تلك التهديدات سوف تدفع إلى تكثيف نفقات الدفاع، كما أنها قد تتسبب فى تقويض قطاع السياحة، وأن روسيا ستكون أكثر المستفيدين من التهديدات الإرهابية لتعزيز علاقاتها الأمنية مع القاهرة، على الرغم من أن الحكومة المصرية سوف تستمر فى الحفاظ على توازن دقيق بين الرعاة فى الخليج والولايات المتحدة وروسيا، كما زعم التقرير أو توقع أن تدفع اكتشافات مصر للغاز الطبيعى فى البحر المتوسط إلى تعاون فى مجال الطاقة بينها وبين قبرص وإسرائيل!
ومن التغيرات المنتظرة المتعلقة بتنظيم «داعش»، توقع تقرير «ستراتفور» أن الضربات الجوية ضد تنظيم «داعش» سوف تكون أكثر كثافة خلال عام 2016، مشيراً إلى أنه خلال عام 2015 نفذت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا ضربات ضد التنظيم، وقد تنضم تركيا قريباً إلى القائمة وفق التوقعات، ويتوقع «ستراتفور» أن هذه العمليات سوف تفكك كثيراً من القدرات التقليدية لتنظيم «داعش» وتقلل من سيطرته الإقليمية، لكنها لن تكون كفيلة بإنهائها أو منع امتداد تأثيراتها على الغرب، وأنه فى الوقت الذى يتقلص فيه نفوذ تنظيم «داعش» فى منطقة الشرق الأوسط، فإنها سوف تشجع المزيد من الهجمات ضد الأهداف السهلة خارج المنطقة.
ويتوقع تقرير «ستراتفور» أيضاً أن عام 2016 سوف يشهد المزيد من الانقسام والتفتت الأوروبى، سوف تسهم أسعار النفط المنخفضة والسياسات الاقتصادية المحسوبة فى منح أوروبا عاماً آخر من الاستقرار النسبى، ولكن تحت السطح سوف تقع المشاكل الأكبر، حفزت أزمة الهجرة المشاعر القومية فى البلدان فى جميع أنحاء القارة، وخاصة فى ألمانيا وفرنسا، وهما ركائز الاتحاد الأوروبى الكبرى، بدأت هذه الدول بالفعل فى الالتفات إلى مصالحها الشخصية بشكل أكبر، وسوف تواصل القيام بذلك فى عام 2016.
وأكد «ستراتفور» أن النفط الخام الإيرانى سوف يعاود الدخول إلى السوق خلال النصف الأول من العام، وتوقعت أنه سوف يقابله انخفاض من مستوى إنتاج النفط الصخرى من الولايات المتحدة، كما يتوقع «ستراتفور» أن السعودية لن تلجأ إلى خفض إنتاجها على الأقل خلال النصف الأول من العام. وبدلاً من ذلك فإنها سوف تلجأ إلى الـتأقلم مع أسعار النفط المنخفضة عبر اتخاذ تدابير إضافية للدين.
«ستراتفور» توقع أيضاً أن عام 2016 سوف يشهد تنامى نفوذ تركيا كقوة إقليمية، من المرجح أن تشن تركيا غزوات عسكرية فى شمال سوريا، وتوسع من تواجدها فى العراق وتشارك بشكل أوضح فى مواجهة «داعش»، جنباً إلى جنب مع الحفاظ على سياستها فى الحد من التوسع الكردى. الاندفاع المكتشف مؤخراً فى سلوك تركيا قد يسبب المتاعب لروسيا، التى تخوض بطبيعة الحال مواجهة مع الولايات المتحدة، والتى تنبغى عليها أن تقلق حول دفع تركيا لتكون أقرب إلى الغرب.
سوف تكون تركيا أبرز اللاعبين المحوريين الذين ينبغى مراقبتهم، وقد ناقش «ستراتفور» منذ فترة طويلة العقبات التى تعترض العودة الإقليمية لتركيا، على الرغم من أن أنقرة واجهت عدداً من العقبات، فإن الحكومة الآمنة سياسياً تحت قيادة الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» سوف تكون أكثر حزماً بكثير خارج حدود البلاد هذا العام.
تستعد تركيا بالفعل لعملية عسكرية غرب نهر الفرات فى شمال سوريا لطرد متشددى «داعش» من على طول حدودها، بالإضافة إلى مواجهة «داعش»، فإن تركيا تريد تحجيم التوسع الكردى فى شمال سوريا وفى نهاية المطاف فإنها تريد خلق منطقة آمنة للاجئين السوريين داخل سوريا، تركيا ليست مهتمة باستيعاب المزيد من عبء اللاجئين من أجل تخفيف المخاوف الأوروبية، ولكن أنقرة تنوى استخدام القلق الأوروبى حول تدفقات المهاجرين لتعزيز موطئ قدم لها فى أوروبا وتأمين الدعم لعملياتها العسكرية فى سوريا.
من المتوقع أن تشن الولايات المتحدة حملة جوية مكثفة فى شمال سوريا، فى الوقت الذى تدعم فيه وكلاءها المتمردين، وأغلبهم من الأكراد، شرق الفرات، تؤكد تركيا نيتها على الاعتماد بشكل رئيسى على السنة التركمان والمتمردين العرب من أجل تطهير الأراضى التى يسيطر عليها تنظيم «داعش»، لكن أنقرة أيضاً سوف تعد خطة طوارئ جاهزة فى حال احتاجت إلى نشر قواتها البرية، وعلاوة على ذلك، فإن تركيا والولايات المتحدة سوف تواصلان العمل مع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ودول عربية أخرى بما فى ذلك مصر والأردن من أجل تجميع ائتلاف مضاد للدولة الإسلامية فى سوريا، وهذا سوف يؤدى إلى إضافة المزيد من القوى العاملة على الأرض، كما سيساعد أنقرة أيضاً فى تجنب الاستياء التاريخى المتأصل تجاه نشر القوات التركية على الأراضى العربية.
ستكون روسيا العامل الأكبر فى تعقيد خطط تركيا. الهدف الروسى فى سوريا متعدد الطبقات، ولايبدو أن موسكو سوف تتخلى عن شراكتها مع حكومة الرئيس السورى «بشار الأسد» فى محاولة لإضعاف «داعش»، تعنى هذه الشراكة أن روسيا سوف تحتاج إلى مواجهة القوات التى تحاول إضعاف الحكومة السورية، بما فى ذلك مجموعة من قوات المتمردين المدعومين من قبل كل من الولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية والأردن وقطر، وأنها سوف تخوض معركتها الخاصة ضد «داعش»، سياسة الاستهداف المزدوج لروسيا والتى تجمع بين «داعش» والمتمردين السوريين تمنع تشكل تحالف أكثر تماسكاً ضد «داعش» وتوسع من الفجوة بين تركيا وروسيا.
تحاول روسيا إفشال الخطط العسكرية التركية من خلال زيادة وجودها فى سوريا، وهذا يعنى بالأساس تكثيف استخدام العتاد الجوى فوق الشمال السورى، تركيا لن ترضخ بالضرورة لهذه الضغوط، ومن المرجح أن تجرى مفاوضات للفصل فى ساحة المعركة، إلا أنها لن تقضى تماماً على احتمالات المناوشات، ومع تدهور العلاقات بين روسيا وتركيا بشكل واضح، فإن موسكو لا تريد دفع أنقرة بعيداً جداً. كلما زادت المساحات المشتركة بين تركيا وحلف شمال الأطلسى، صار موقف روسيا أكثر ضعفاً.
تدهور العلاقات بين تركيا وروسيا يمكن أن يعطى الولايات المتحدة وشركاءها فى أوروبا الوسطى والشرقية فرصة لجذب أنقرة نحو تحالف وثيق، لا يمكن لتركيا ولا لروسيا تحمل ضريبة القطيعة الكاملة فى العلاقات، ولكن العلاقات التجارية تعانى بشكل حقيقى، فى حين تم تعطيل مشاريع الطاقة الاستراتيجية، وهذا يعطى المزيد من الدوافع لتركيا لمتابعة مشاريع الطاقة فى أذربيجان والمناطق الكردية فى العراق، سوف تكون تركيا مجبرة أيضاً على إحراز تقدم فى المفاوضات بشأن إعادة توحيد قبرص من أجل شق طريقها فى مشاريع الطاقة شرق البحر المتوسط.
يتم تقسيم ساحة المعركة السورية بين مجموعة مذهلة من المتنافسين وأصحاب المصالح، كل ذلك يجعل أى محاولة لتنفيذ وقف إطلاق النار أو التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة أمراً صعباً للغاية، يواصل أصحاب المصالح تقديم الدعم العسكرى لعملائهم، وعلى الرغم من أن ذلك سوف يخلق التوازن فى ساحة المعركة، فإنه سوف يقلص حوافز كلا الجانبين نحو تحقيق تقدم فى المفاوضات.
كلما صارت تركيا أكثر حزماً فى الشرق الأوسط، فإن المنافسة مع إيران وسوريا فى العراق سوف تتكثف، تقوم إيران بدعم حكومة «الأسد» جنباً إلى جنب مع روسيا، وفى ذات الوقت فإنها تستغل الانقسامات فى المناطق الكردية فى العراق لمواجهة جهود تركيا لتشديد الروابط الاقتصادية فى شمال العراق على حساب بغداد، يمكن لروسيا أيضاً إحياء علاقاتها مع الفصائل الكردية كورقة ضغط ضد أنقرة، سوف تحافظ تركيا على عدد محدود من القوات من أجل أعمال تدريب المقاتلين السنة فى شمال العراق، وفى الوقت الذى تسعى فيه تركيا لتعميق علاقاتها مع زعيم الحزب الديمقراطى الكردستانى «مسعود بارزانى» من أجل تثبيت موطئ قدم لها فى المناطق الكردية فى العراق، فإن العلاقات التركية مع حكومة إقليم كردستان سوف تواجه العديد من التعقيدات طالما أن تركيا تواصل استهداف المتمردين الأكراد الذين يستخدمون العراق كملجأ لهم.
وأشار تقرير «ستراتفور» إلى أنه سوف يتكبد تنظيم «داعش» (الرئيسى) فى العراق والشام خسائر ملحوظة هذا العام، على الرغم من أن خلافة التنظيم من غير المرجح أن تعانى هزيمة كاملة. ومن المرجح أن إضعاف «داعش» فى عقر دارها سوف يشجع قيادتها للدعوة إلى تكثيف الهجمات الإرهابية فى الغرب والشرق الأوسط، كما رأينا فى هجمات باريس، فإن تلك الخلايا القاعدة صعبة الكشف تمثل تهديداً خطيراً، المنافسة داخل المشهد الجهادى العالمى سوف تحفز أيضاً مثل هذه الهجمات خاصة فى المغرب العربى وشبه الجزيرة العربية وغرب أفريقيا، حيث يتواجد تنظيم القاعدة بقوة أكبر.
كما ذكر التقرير أن المنتجين الرئيسيين للنفط فى الشرق الأوسط على وشك الدخول إلى عام مجهد آخر من انخفاض أسعار النفط والالتزامات السياسية الخارجية المكلفة، بعد أن يدخل الاتفاق النووى حيز التنفيذ مع بداية العام، فإن 500 ألف برميل يومياً سوف تدخل مباشرة إلى سوق النفط، يعقبها ارتفاع تدريجى فى معدلات الإنتاج على مدار عدة أشهر.
وأوضح التقرير أن الرئيس الإيرانى «حسن روحانى» يعتمد بشكل كبير على نجاح الصفقة النووية من أجل تأمين حظوظ المعتدلين فى انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء، الهيئة المسئولة عن تعيين ومراجعة أداء المرشد الأعلى «آية الله على خامنئى»، فى فبراير المقبل. ومع ذلك فإن الأمر سوف يستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يلمس الإيرانيون الفوائد الاقتصادية الإيجابية للصفقة، ومن المرجح أن «خامنئى» سوف يستخدم سلطته غير الرسمية على البرلمان، ومجلس صيانة الدستور، المجلس الذى يفحص المرشحين للانتخابات، لتحقيق التوازن ضد المعتدلين، هذا يفرض تحديات أكبر على حكومة روحانى فيما يتعلق بالحد من النفوذ السياسى والاقتصادى للحرس الثورى الإسلامى وجذب المستثمرين إلى إيران.
إعادة إدخال النفط الإيرانى إلى السوق يقودنا إلى القول إنه من غير المرجح أن المملكة العربية السعودية سوف تتجه إلى خفض إنتاجها من النفط خلال النصف الأول من العام، بمجرد أن تكون المملكة العربية السعودية قادرة على تقييم تأثير عودة إيران على اتجاهات الأسعار، وكذا مدى تأثر صناعة النفط الصخرى الأمريكى، فإن الرياض يمكن أن تنظر فى إمكانية تعديل إنتاجها خلال النصف الثانى من العام، ومع ذلك، فإن السعودية لن تكون قادرة على تنسيق خفض مستدام لإنتاج النفط مع غيرها من منتجى أوبك الرئيسيين والمنتجين خارج أوبك، ويرجع ذلك إلى الدول الخليجية الأصغر حجماً مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت لديها المزيد من الهامش الزمنى للتعامل مع أسعار نفط منخفضة، المملكة العربية السعودية، على الجانب الآخر، عليها أن تمول عجز الموازنة من خلال الدين مع خفض تدريجى للإنفاق.
سوف تستمر قوات التحالف التى تقودها السعودية فى الدفع قدماً على الأرض مع اقتراب نهاية المرحلة الحالية من الصراع، حقيقة ما إذا كانت الخطوة القادمة سوف تتخذ شكل اندفاع عسكرى نحو صنعاء أو تسوية تفاوضية هو أمر يعتمد على مدى عزم كلا الطرفين على مواصلة القتال. بالنسبة للتحالف السعودى، والعناصر المناوئة للحوثى فى اليمن، فإن المزيد من التوغل فى صلب الطبيعة الجبلية لليمن يعنى عمليات أكثر بطئاً وأكثر عرضة للخسائر وفقدان المعدات، ارتفاع الخسائر يمكن أن يزيد من الاحتكاك بين أعضاء التحالف وبالأخص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، حول الأطراف اليمنية التى ينبغى دعمها، وفى الوقت الذى يمكن أن يتجه فيه اليمن نحو حل للصراع، فإن الجهات الفاعلة غير الحكومية تشكل أكبر التهديدات الأمنية خاصة فى ظل الضعف الشديد للجهاز الأمنى اليمنى، سوف يغذى زيادة نشاط حركة المقاومة الجنوبية الدعوات المتزايدة لاستقلال الجنوب، ويمكن أن تتحرك البلاد على طول الطريق نحو انقسام فى نهاية المطاف بين الشمال والجنوب.
بينما تصبح المعركة فى سوريا أكثر تعقيداً، فإن الحكومة الإسرائيلية تعمل على الحفاظ على علاقة مع العديد من اللاعبين فى ساحة المعركة استعداداً لأسوأ السيناريوهات، تحاول إسرائيل البقاء على مقربة من كل من الولايات المتحدة وروسيا من أجل مراقبتهما على أرض المعركة، كما تحتفظ أيضاً بصلاحية تنفيذ غارات جوية ضد أهداف حزب الله و«داعش» بالقرب من حدودها. وسوف تجبر إسرائيل على تحسين علاقاتها مع أنقرة بسبب تنامى الدور التركى فى المنطقة.
وسوف يستمر الصراع الإسرائيلى الفلسطينى فى دائرته المفرغة، هجمات فلسطينية منخفضة الشدة فى الضفة الغربية وإسرائيل والتى سوف تثير استمرار الانتقام المحلى والردود الأمنية الإسرائيلية، سوف تحاول حماس تجنب فرص المواجهة المباشرة مع إسرائيل ولكن سياسة إسرائيل فى تحميل حماس المسئولية عن أية هجمات، جنباً إلى جنب مع محاولات من قبل «داعش» الوليدة فى غزة لاستدراج حماس إلى الصراع، يمكن أن يقودا إلى زيادة توغل إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية، وسوف يرحب حزب الله بهذا الإلهاء لإسرائيل فى الوقت الذى يسعى لتحقيق التوازن بين التزاماته فى سوريا مع قدرته فى الدفاع عن أرضه ضد جيوب المتمردين السنة الذين يحاولون تقويض دور حزب الله فى الحرب السورية، سوف يساعد الإجماع السعودى الإيرانى الناشئ على اختيار رئيس للبنان فى تهدئة امتداد الصراع السورى إلى لبنان.
سوف تكون الجزائر واقعة تحت ضغط مالى كبير فى الوقت الذى تكافح فيه للتعامل مع تداعيات انخفاض أسعار النفط، خفض الإنفاق وزيادة الضرائب الانتقائية هى أمور لا يمكن تجنبها، على الرغم من أن الحكومة سوف تتفادى إصلاح الدعم الرئيسى لتجنب تأجيج الاضطرابات الاجتماعية، سوف تشرع الحكومة نحو الإصلاحات الأخرى التى تهدف إلى تحسين مناخ الاستثمار فى الطاقة فى البلاد، وفى نهاية المطاف زيادة إنتاج الطاقة لتعزيز إيرادات الحكومة، وعلى الرغم من الوضع الاقتصادى الهش فى الجزائر، فإن الحكومة لن تهمل الدفاع والإنفاق على الأمن.
وتجرى الاستعدادات لعملية الانتقال السياسى فى الجزائر على قدم وساق. قد تشمل هذه التحضيرات التقدم نحو إصلاحات دستورية تهدف إلى إعادة التوازن فى السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء، سوف تشجع الجزائر وتستضيف الفصائل المتنافسة الليبية فى محاولة للتخفيف من حدة عدم الاستقرار على الحدود الشرقية الجزائرية مع تجنب الاشتباكات العسكرية المباشرة خارج حدودها.
المفاوضات التى تقودها الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة بين المعسكرين المتنافسين فى طرابلس وطبرق ستواصل الزحف تحت وطأة الخلافات المستعصية بين الأطراف المتحاربة، إنتاج النفط الليبى والصادرات سوف تكون متقلبة، ولكن معدلاتها ستبقى منخفضة بشكل عام على مدار العام، شركات النفط الدولية سوف تواصل تفضيل العمل مع المؤسسات فى طرابلس أكثر من نظيرتها فى طبرق، وسوف يدفع هذا حكومة طبرق المعترف بها دولياً نحو السعى إلى حل وسط مع منافستها. ورغم ذلك، فإن الحفاظ على اتفاق تقاسم السلطة سيكون أمراً صعباً للغاية. التهميش الذى لا مفر منه للفصائل المتشددة سوف يواصل تغذية التحديات الأمنية.
تنامى وجود «داعش» فى ليبيا، ولاسيما فى ضوء زيادة ميل الجماعة المسلحة لشن هجمات خارجية، سوف يؤدى إلى المزيد من التدخل الأجنبى فى البلاد. ومع ذلك، فإن هذا النشاط الخارجى المحتمل سوف يقتصر على الضربات الجوية والعمليات الخاصة والعمل مع الجهات المحلية لتقويض المجموعة، تركز «داعش» فى ليبيا على معقل قوتها فى مدينة سرت، ومن المرجح أن تسعى للتوسع غرباً باتجاه مصراتة وشرقاً باتجاه أجدابيا. ومع بروز «داعش» كلاعب نافذ فى ليبيا، فإن ميليشيات مصراتة من المرجح أن توجه المزيد من الجهود ضد الجماعة المتشددة.
والجزائر تدخل نفق الإفلاس
وإيران تراجع خامئنى
حصار عالمى للدواعش.. وغزوات عسكرية لتركيا غرب نهر الفرات
يمكن لأى متابع أو باحث فى الشئون السياسية والاستراتيجية الأمريكية أن يلاحظ تأثير مراكز الأبحاث أو ما يسمى بالبيوت الفكرية الأمريكية (think tanks) ودورها فى صنع الاستراتيجية الأمريكية خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى سنة 1991 وفى المرحلة التى سبقت التفكك، والفرصة التى هيأتها هذه الأحداث لإعادة تنشيط وتطوير الأفكار وإعادة صياغتها وتطبيقها على الساحة الدولية.
ولا جديد إن قلنا إن مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية تشكل المصدر الأساسى للمعلومات التى تهم صنّاع القرار فى العالم، وتساعدهم بالتالى على بلورة خياراتهم السياسية النهائية، والفصل فيها.
وفى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، هناك ما يزيد اليوم على الـ5650 باحثاً ومتخصّصاً عربياً، يتوزعون على مراكز التفكير والدراسات Think Tanks، بما فى ذلك الجامعات طبعاً، والتى تضم مراكز بحثية، تؤدى الأدوار والوظائف نفسها التى تقوم بها نظيراتها خارج الأسوار الأكاديمية.
ويأتى أهمية الدور الذى تلعبه المراكز البحثية فى صياغة ومحاولة توجيه السياسة الخارجية فى الولايات المتحدة والتخطيط الاستراتيجى لهذه السياسات، من خلال التقارير والأبحاث التى تقدمها هذه المراكز إلى القادة السياسيين فى كافة أمور التخطيط الاستراتيجى للسياسة الخارجية. وغالبية تلك التقارير ليست للنشر.. أما ما يتم نشره فهو ما يقررون فقط نشره، وغالباً تكون لهم أهداف من هذا النشر، أو يكون النشر وفقاً لمخطط موضوع مسبقاً، كالترويج لمشروع أو التلويح بتهديد، وعادة ما يكون الترويج بشكل غير مباشر، أما الترويج فيكون من خلال نشر تقارير تزعم أنها تتناول توقعات، بينما هى أقرب إلى تحذيرات أو تهديدات من حدوث كوارث ما لم تتم الاستجابة أو تنفيذ ما تريده الإدارة الأمريكية أو المخابرات الأمريكية أو الجهة التى تتخذ من مراكز الأبحاث ستاراً لها.
وغالبية، إن لم يكن كل، مراكز الأبحاث تابعة لمؤسسات، حتى وإن تظاهرت بالاستقلالية والحيادية فقد أصبح ثابتاً أنها تعيش فى أحضان المخابرات المركزية الأمريكية أو البنتاجون ويعمل بها خبراء كبار مرتبطون بالإدارة الأمريكية وبهذه المؤسسة أو تلك.
دانيال بيمان، مثلاً، خبير بشئون الإرهاب فى الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن، بعد أن عمل لسنوات فى البنتاجون وكينيث إم بولاك، خبير شئون الأمن القومى، كان يعمل فى مجلس الأمن القومى والمخابرات المركزية CIA، وبروس ريدل المتخصص فى مكافحة الإرهاب الذى شغل منصب مستشار كبير لدى أربعة رؤساء أمريكيين حول الشرق الأوسط وجنوب آسيا فى مجلس الأمن القومى، عمل لمدة 29 سنة فى الـCIA والأمثلة كثيرة، بل وكثيرة جداً.
بهذا الشكل علينا أن نتعامل مع التقرير الذى نشره موقع مركز «ستراتفور» حول توقعات السياسات العالمية خلال عام 2016، وهو التقرير الذى طرح عدداً من التحولات المتوقعة فى السياسات العالمية خلال العام المقبل، ونشير مرة أخرى إلى أن التقرير ليس مجرد توقعات، بل هو أقرب إلى التحذيرات أو التهديدات تطلقها مؤسسة مخابراتية أمريكية اسمها ستراتيجيك فوركاستينج (Strategic Forecasting, Inc) المعروفة باسم ستراتفور (STRATFOR)، وهى مركز دراسات استراتيجى وأمنى أمريكى، يعد إحدى أهم المؤسسات الخاصة التى تعنى بقطاع المخابرات، ولا يخفى طبيعة عمله التجسسى!!.. بل إن وسائل الإعلام الأمريكية تطلق عليه صراحة «وكالة ظل المخابرات المركزية»، وما يؤكد ذلك هو أن معظم خبراء المركز ضباط وموظفون سابقون فى المخابرات المركزية الأمريكية، ولم يعد خافياً على كثيرين أن «ستراتفور» له شبكة واسعة من العملاء فى المنطقة العربية، زادت وتوسعت بشكل ملحوظ منذ الغزو الأمريكى للعراق فى 2003.
المهم، هو أن تقرير ستراتفور الجديد تناول 4 تحولات منتظرة، وتوقع أن تكون أهم ما سيميز الخريطة السياسية خلال سنة 2016 أهمها بالنسبة لنا هو أنه لا يتوقع حدوث أى تحد حقيقى لسيطرة الرئيس «عبدالفتاح السيسى» على السلطة خلال هذا العام، وأكد أن مصر ستواصل المضى قدماً بحذر فى خطة الإصلاح فى محاولة لدعم مركزها المالى وضمان مساعدة صندوق النقد الدولى، وأن المعارضة المصرية ستبقى مجزأة، الأمر الذى سيجعل النظام أكثر قدرة على إحكام قبضته على البلاد والتقليل من الاضطرابات الاجتماعية.
وعن التهديدات الإرهابية التى تتركز فى شبه جزيرة سيناء والتى وصفها تقرير ستراتفور بـ«القادرة على تنفيذ هجمات فى المناطق الحضرية الرئيسية فى البلاد»، ذكر التقرير أن تلك التهديدات سوف تدفع إلى تكثيف نفقات الدفاع، كما أنها قد تتسبب فى تقويض قطاع السياحة، وأن روسيا ستكون أكثر المستفيدين من التهديدات الإرهابية لتعزيز علاقاتها الأمنية مع القاهرة، على الرغم من أن الحكومة المصرية سوف تستمر فى الحفاظ على توازن دقيق بين الرعاة فى الخليج والولايات المتحدة وروسيا، كما زعم التقرير أو توقع أن تدفع اكتشافات مصر للغاز الطبيعى فى البحر المتوسط إلى تعاون فى مجال الطاقة بينها وبين قبرص وإسرائيل!
ومن التغيرات المنتظرة المتعلقة بتنظيم «داعش»، توقع تقرير «ستراتفور» أن الضربات الجوية ضد تنظيم «داعش» سوف تكون أكثر كثافة خلال عام 2016، مشيراً إلى أنه خلال عام 2015 نفذت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا ضربات ضد التنظيم، وقد تنضم تركيا قريباً إلى القائمة وفق التوقعات، ويتوقع «ستراتفور» أن هذه العمليات سوف تفكك كثيراً من القدرات التقليدية لتنظيم «داعش» وتقلل من سيطرته الإقليمية، لكنها لن تكون كفيلة بإنهائها أو منع امتداد تأثيراتها على الغرب، وأنه فى الوقت الذى يتقلص فيه نفوذ تنظيم «داعش» فى منطقة الشرق الأوسط، فإنها سوف تشجع المزيد من الهجمات ضد الأهداف السهلة خارج المنطقة.
ويتوقع تقرير «ستراتفور» أيضاً أن عام 2016 سوف يشهد المزيد من الانقسام والتفتت الأوروبى، سوف تسهم أسعار النفط المنخفضة والسياسات الاقتصادية المحسوبة فى منح أوروبا عاماً آخر من الاستقرار النسبى، ولكن تحت السطح سوف تقع المشاكل الأكبر، حفزت أزمة الهجرة المشاعر القومية فى البلدان فى جميع أنحاء القارة، وخاصة فى ألمانيا وفرنسا، وهما ركائز الاتحاد الأوروبى الكبرى، بدأت هذه الدول بالفعل فى الالتفات إلى مصالحها الشخصية بشكل أكبر، وسوف تواصل القيام بذلك فى عام 2016.
وأكد «ستراتفور» أن النفط الخام الإيرانى سوف يعاود الدخول إلى السوق خلال النصف الأول من العام، وتوقعت أنه سوف يقابله انخفاض من مستوى إنتاج النفط الصخرى من الولايات المتحدة، كما يتوقع «ستراتفور» أن السعودية لن تلجأ إلى خفض إنتاجها على الأقل خلال النصف الأول من العام. وبدلاً من ذلك فإنها سوف تلجأ إلى الـتأقلم مع أسعار النفط المنخفضة عبر اتخاذ تدابير إضافية للدين.
«ستراتفور» توقع أيضاً أن عام 2016 سوف يشهد تنامى نفوذ تركيا كقوة إقليمية، من المرجح أن تشن تركيا غزوات عسكرية فى شمال سوريا، وتوسع من تواجدها فى العراق وتشارك بشكل أوضح فى مواجهة «داعش»، جنباً إلى جنب مع الحفاظ على سياستها فى الحد من التوسع الكردى. الاندفاع المكتشف مؤخراً فى سلوك تركيا قد يسبب المتاعب لروسيا، التى تخوض بطبيعة الحال مواجهة مع الولايات المتحدة، والتى تنبغى عليها أن تقلق حول دفع تركيا لتكون أقرب إلى الغرب.
سوف تكون تركيا أبرز اللاعبين المحوريين الذين ينبغى مراقبتهم، وقد ناقش «ستراتفور» منذ فترة طويلة العقبات التى تعترض العودة الإقليمية لتركيا، على الرغم من أن أنقرة واجهت عدداً من العقبات، فإن الحكومة الآمنة سياسياً تحت قيادة الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» سوف تكون أكثر حزماً بكثير خارج حدود البلاد هذا العام.
تستعد تركيا بالفعل لعملية عسكرية غرب نهر الفرات فى شمال سوريا لطرد متشددى «داعش» من على طول حدودها، بالإضافة إلى مواجهة «داعش»، فإن تركيا تريد تحجيم التوسع الكردى فى شمال سوريا وفى نهاية المطاف فإنها تريد خلق منطقة آمنة للاجئين السوريين داخل سوريا، تركيا ليست مهتمة باستيعاب المزيد من عبء اللاجئين من أجل تخفيف المخاوف الأوروبية، ولكن أنقرة تنوى استخدام القلق الأوروبى حول تدفقات المهاجرين لتعزيز موطئ قدم لها فى أوروبا وتأمين الدعم لعملياتها العسكرية فى سوريا.
من المتوقع أن تشن الولايات المتحدة حملة جوية مكثفة فى شمال سوريا، فى الوقت الذى تدعم فيه وكلاءها المتمردين، وأغلبهم من الأكراد، شرق الفرات، تؤكد تركيا نيتها على الاعتماد بشكل رئيسى على السنة التركمان والمتمردين العرب من أجل تطهير الأراضى التى يسيطر عليها تنظيم «داعش»، لكن أنقرة أيضاً سوف تعد خطة طوارئ جاهزة فى حال احتاجت إلى نشر قواتها البرية، وعلاوة على ذلك، فإن تركيا والولايات المتحدة سوف تواصلان العمل مع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ودول عربية أخرى بما فى ذلك مصر والأردن من أجل تجميع ائتلاف مضاد للدولة الإسلامية فى سوريا، وهذا سوف يؤدى إلى إضافة المزيد من القوى العاملة على الأرض، كما سيساعد أنقرة أيضاً فى تجنب الاستياء التاريخى المتأصل تجاه نشر القوات التركية على الأراضى العربية.
ستكون روسيا العامل الأكبر فى تعقيد خطط تركيا. الهدف الروسى فى سوريا متعدد الطبقات، ولايبدو أن موسكو سوف تتخلى عن شراكتها مع حكومة الرئيس السورى «بشار الأسد» فى محاولة لإضعاف «داعش»، تعنى هذه الشراكة أن روسيا سوف تحتاج إلى مواجهة القوات التى تحاول إضعاف الحكومة السورية، بما فى ذلك مجموعة من قوات المتمردين المدعومين من قبل كل من الولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية والأردن وقطر، وأنها سوف تخوض معركتها الخاصة ضد «داعش»، سياسة الاستهداف المزدوج لروسيا والتى تجمع بين «داعش» والمتمردين السوريين تمنع تشكل تحالف أكثر تماسكاً ضد «داعش» وتوسع من الفجوة بين تركيا وروسيا.
تحاول روسيا إفشال الخطط العسكرية التركية من خلال زيادة وجودها فى سوريا، وهذا يعنى بالأساس تكثيف استخدام العتاد الجوى فوق الشمال السورى، تركيا لن ترضخ بالضرورة لهذه الضغوط، ومن المرجح أن تجرى مفاوضات للفصل فى ساحة المعركة، إلا أنها لن تقضى تماماً على احتمالات المناوشات، ومع تدهور العلاقات بين روسيا وتركيا بشكل واضح، فإن موسكو لا تريد دفع أنقرة بعيداً جداً. كلما زادت المساحات المشتركة بين تركيا وحلف شمال الأطلسى، صار موقف روسيا أكثر ضعفاً.
تدهور العلاقات بين تركيا وروسيا يمكن أن يعطى الولايات المتحدة وشركاءها فى أوروبا الوسطى والشرقية فرصة لجذب أنقرة نحو تحالف وثيق، لا يمكن لتركيا ولا لروسيا تحمل ضريبة القطيعة الكاملة فى العلاقات، ولكن العلاقات التجارية تعانى بشكل حقيقى، فى حين تم تعطيل مشاريع الطاقة الاستراتيجية، وهذا يعطى المزيد من الدوافع لتركيا لمتابعة مشاريع الطاقة فى أذربيجان والمناطق الكردية فى العراق، سوف تكون تركيا مجبرة أيضاً على إحراز تقدم فى المفاوضات بشأن إعادة توحيد قبرص من أجل شق طريقها فى مشاريع الطاقة شرق البحر المتوسط.
يتم تقسيم ساحة المعركة السورية بين مجموعة مذهلة من المتنافسين وأصحاب المصالح، كل ذلك يجعل أى محاولة لتنفيذ وقف إطلاق النار أو التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة أمراً صعباً للغاية، يواصل أصحاب المصالح تقديم الدعم العسكرى لعملائهم، وعلى الرغم من أن ذلك سوف يخلق التوازن فى ساحة المعركة، فإنه سوف يقلص حوافز كلا الجانبين نحو تحقيق تقدم فى المفاوضات.
كلما صارت تركيا أكثر حزماً فى الشرق الأوسط، فإن المنافسة مع إيران وسوريا فى العراق سوف تتكثف، تقوم إيران بدعم حكومة «الأسد» جنباً إلى جنب مع روسيا، وفى ذات الوقت فإنها تستغل الانقسامات فى المناطق الكردية فى العراق لمواجهة جهود تركيا لتشديد الروابط الاقتصادية فى شمال العراق على حساب بغداد، يمكن لروسيا أيضاً إحياء علاقاتها مع الفصائل الكردية كورقة ضغط ضد أنقرة، سوف تحافظ تركيا على عدد محدود من القوات من أجل أعمال تدريب المقاتلين السنة فى شمال العراق، وفى الوقت الذى تسعى فيه تركيا لتعميق علاقاتها مع زعيم الحزب الديمقراطى الكردستانى «مسعود بارزانى» من أجل تثبيت موطئ قدم لها فى المناطق الكردية فى العراق، فإن العلاقات التركية مع حكومة إقليم كردستان سوف تواجه العديد من التعقيدات طالما أن تركيا تواصل استهداف المتمردين الأكراد الذين يستخدمون العراق كملجأ لهم.
وأشار تقرير «ستراتفور» إلى أنه سوف يتكبد تنظيم «داعش» (الرئيسى) فى العراق والشام خسائر ملحوظة هذا العام، على الرغم من أن خلافة التنظيم من غير المرجح أن تعانى هزيمة كاملة. ومن المرجح أن إضعاف «داعش» فى عقر دارها سوف يشجع قيادتها للدعوة إلى تكثيف الهجمات الإرهابية فى الغرب والشرق الأوسط، كما رأينا فى هجمات باريس، فإن تلك الخلايا القاعدة صعبة الكشف تمثل تهديداً خطيراً، المنافسة داخل المشهد الجهادى العالمى سوف تحفز أيضاً مثل هذه الهجمات خاصة فى المغرب العربى وشبه الجزيرة العربية وغرب أفريقيا، حيث يتواجد تنظيم القاعدة بقوة أكبر.
كما ذكر التقرير أن المنتجين الرئيسيين للنفط فى الشرق الأوسط على وشك الدخول إلى عام مجهد آخر من انخفاض أسعار النفط والالتزامات السياسية الخارجية المكلفة، بعد أن يدخل الاتفاق النووى حيز التنفيذ مع بداية العام، فإن 500 ألف برميل يومياً سوف تدخل مباشرة إلى سوق النفط، يعقبها ارتفاع تدريجى فى معدلات الإنتاج على مدار عدة أشهر.
وأوضح التقرير أن الرئيس الإيرانى «حسن روحانى» يعتمد بشكل كبير على نجاح الصفقة النووية من أجل تأمين حظوظ المعتدلين فى انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء، الهيئة المسئولة عن تعيين ومراجعة أداء المرشد الأعلى «آية الله على خامنئى»، فى فبراير المقبل. ومع ذلك فإن الأمر سوف يستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يلمس الإيرانيون الفوائد الاقتصادية الإيجابية للصفقة، ومن المرجح أن «خامنئى» سوف يستخدم سلطته غير الرسمية على البرلمان، ومجلس صيانة الدستور، المجلس الذى يفحص المرشحين للانتخابات، لتحقيق التوازن ضد المعتدلين، هذا يفرض تحديات أكبر على حكومة روحانى فيما يتعلق بالحد من النفوذ السياسى والاقتصادى للحرس الثورى الإسلامى وجذب المستثمرين إلى إيران.
إعادة إدخال النفط الإيرانى إلى السوق يقودنا إلى القول إنه من غير المرجح أن المملكة العربية السعودية سوف تتجه إلى خفض إنتاجها من النفط خلال النصف الأول من العام، بمجرد أن تكون المملكة العربية السعودية قادرة على تقييم تأثير عودة إيران على اتجاهات الأسعار، وكذا مدى تأثر صناعة النفط الصخرى الأمريكى، فإن الرياض يمكن أن تنظر فى إمكانية تعديل إنتاجها خلال النصف الثانى من العام، ومع ذلك، فإن السعودية لن تكون قادرة على تنسيق خفض مستدام لإنتاج النفط مع غيرها من منتجى أوبك الرئيسيين والمنتجين خارج أوبك، ويرجع ذلك إلى الدول الخليجية الأصغر حجماً مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت لديها المزيد من الهامش الزمنى للتعامل مع أسعار نفط منخفضة، المملكة العربية السعودية، على الجانب الآخر، عليها أن تمول عجز الموازنة من خلال الدين مع خفض تدريجى للإنفاق.
سوف تستمر قوات التحالف التى تقودها السعودية فى الدفع قدماً على الأرض مع اقتراب نهاية المرحلة الحالية من الصراع، حقيقة ما إذا كانت الخطوة القادمة سوف تتخذ شكل اندفاع عسكرى نحو صنعاء أو تسوية تفاوضية هو أمر يعتمد على مدى عزم كلا الطرفين على مواصلة القتال. بالنسبة للتحالف السعودى، والعناصر المناوئة للحوثى فى اليمن، فإن المزيد من التوغل فى صلب الطبيعة الجبلية لليمن يعنى عمليات أكثر بطئاً وأكثر عرضة للخسائر وفقدان المعدات، ارتفاع الخسائر يمكن أن يزيد من الاحتكاك بين أعضاء التحالف وبالأخص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، حول الأطراف اليمنية التى ينبغى دعمها، وفى الوقت الذى يمكن أن يتجه فيه اليمن نحو حل للصراع، فإن الجهات الفاعلة غير الحكومية تشكل أكبر التهديدات الأمنية خاصة فى ظل الضعف الشديد للجهاز الأمنى اليمنى، سوف يغذى زيادة نشاط حركة المقاومة الجنوبية الدعوات المتزايدة لاستقلال الجنوب، ويمكن أن تتحرك البلاد على طول الطريق نحو انقسام فى نهاية المطاف بين الشمال والجنوب.
بينما تصبح المعركة فى سوريا أكثر تعقيداً، فإن الحكومة الإسرائيلية تعمل على الحفاظ على علاقة مع العديد من اللاعبين فى ساحة المعركة استعداداً لأسوأ السيناريوهات، تحاول إسرائيل البقاء على مقربة من كل من الولايات المتحدة وروسيا من أجل مراقبتهما على أرض المعركة، كما تحتفظ أيضاً بصلاحية تنفيذ غارات جوية ضد أهداف حزب الله و«داعش» بالقرب من حدودها. وسوف تجبر إسرائيل على تحسين علاقاتها مع أنقرة بسبب تنامى الدور التركى فى المنطقة.
وسوف يستمر الصراع الإسرائيلى الفلسطينى فى دائرته المفرغة، هجمات فلسطينية منخفضة الشدة فى الضفة الغربية وإسرائيل والتى سوف تثير استمرار الانتقام المحلى والردود الأمنية الإسرائيلية، سوف تحاول حماس تجنب فرص المواجهة المباشرة مع إسرائيل ولكن سياسة إسرائيل فى تحميل حماس المسئولية عن أية هجمات، جنباً إلى جنب مع محاولات من قبل «داعش» الوليدة فى غزة لاستدراج حماس إلى الصراع، يمكن أن يقودا إلى زيادة توغل إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية، وسوف يرحب حزب الله بهذا الإلهاء لإسرائيل فى الوقت الذى يسعى لتحقيق التوازن بين التزاماته فى سوريا مع قدرته فى الدفاع عن أرضه ضد جيوب المتمردين السنة الذين يحاولون تقويض دور حزب الله فى الحرب السورية، سوف يساعد الإجماع السعودى الإيرانى الناشئ على اختيار رئيس للبنان فى تهدئة امتداد الصراع السورى إلى لبنان.
سوف تكون الجزائر واقعة تحت ضغط مالى كبير فى الوقت الذى تكافح فيه للتعامل مع تداعيات انخفاض أسعار النفط، خفض الإنفاق وزيادة الضرائب الانتقائية هى أمور لا يمكن تجنبها، على الرغم من أن الحكومة سوف تتفادى إصلاح الدعم الرئيسى لتجنب تأجيج الاضطرابات الاجتماعية، سوف تشرع الحكومة نحو الإصلاحات الأخرى التى تهدف إلى تحسين مناخ الاستثمار فى الطاقة فى البلاد، وفى نهاية المطاف زيادة إنتاج الطاقة لتعزيز إيرادات الحكومة، وعلى الرغم من الوضع الاقتصادى الهش فى الجزائر، فإن الحكومة لن تهمل الدفاع والإنفاق على الأمن.
وتجرى الاستعدادات لعملية الانتقال السياسى فى الجزائر على قدم وساق. قد تشمل هذه التحضيرات التقدم نحو إصلاحات دستورية تهدف إلى إعادة التوازن فى السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء، سوف تشجع الجزائر وتستضيف الفصائل المتنافسة الليبية فى محاولة للتخفيف من حدة عدم الاستقرار على الحدود الشرقية الجزائرية مع تجنب الاشتباكات العسكرية المباشرة خارج حدودها.
المفاوضات التى تقودها الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة بين المعسكرين المتنافسين فى طرابلس وطبرق ستواصل الزحف تحت وطأة الخلافات المستعصية بين الأطراف المتحاربة، إنتاج النفط الليبى والصادرات سوف تكون متقلبة، ولكن معدلاتها ستبقى منخفضة بشكل عام على مدار العام، شركات النفط الدولية سوف تواصل تفضيل العمل مع المؤسسات فى طرابلس أكثر من نظيرتها فى طبرق، وسوف يدفع هذا حكومة طبرق المعترف بها دولياً نحو السعى إلى حل وسط مع منافستها. ورغم ذلك، فإن الحفاظ على اتفاق تقاسم السلطة سيكون أمراً صعباً للغاية. التهميش الذى لا مفر منه للفصائل المتشددة سوف يواصل تغذية التحديات الأمنية.
تنامى وجود «داعش» فى ليبيا، ولاسيما فى ضوء زيادة ميل الجماعة المسلحة لشن هجمات خارجية، سوف يؤدى إلى المزيد من التدخل الأجنبى فى البلاد. ومع ذلك، فإن هذا النشاط الخارجى المحتمل سوف يقتصر على الضربات الجوية والعمليات الخاصة والعمل مع الجهات المحلية لتقويض المجموعة، تركز «داعش» فى ليبيا على معقل قوتها فى مدينة سرت، ومن المرجح أن تسعى للتوسع غرباً باتجاه مصراتة وشرقاً باتجاه أجدابيا. ومع بروز «داعش» كلاعب نافذ فى ليبيا، فإن ميليشيات مصراتة من المرجح أن توجه المزيد من الجهود ضد الجماعة المتشددة.