ياسر بركات يكتب عن: من يضع الخنجر المسموم فى قلب الرياض؟
التصرفات الأخيرة تشير إلى خطورة فى موقف المملكة
منذ التدخل الروسى الجوى فى سوريا، وتحركات وزيرى الخارجية الأمريكى والروسى (كيرى ولافروف) وجدت المملكة نفسها أمام عدة خيارات مختلفة عن خياراتها السابقة. وكان عليها إما الاستجابة لما تم التوافق عليه عربياً وإقليمياً ودولياً بأولوية مكافحة «الإرهاب»، أو السير عكس الاتجاه بمواصلة دعمها للفصائل المسلحة بالمال والسلاح، لتتمكن من فرض «تسوية» يكون جزء أساسى من تفاصيلها فى يدها، غير أن اختيار المملكة السير على خطى تركيا جعل نفوذ أردوغان يتمدّد أكثر فأكثر داخل المجموعات المسلّحة، حتى صارت أنقرة هى «البوصلة» واكتفت الرياض وقطر بدور الممول!
فى تلك الأجواء، جاء المؤتمر الذى شكّل لغزاً، منذ الإعلان عن تنظيمه والذى كان واضحاً منذ البداية احتكار محور تركيا، قطر، السعودية لتوجيه دعواته، لنكون أمام صيغة أقرب إلى محاولة ذلك المحور الحصول على «مبايعة» ليكون هو المتحدث أو الراعى الرسمى لمن حاولوا أن يجعلوا منهم، أو يلخصوا فيهم، المعارضة السورية (أو الصورية) التى ضمت شخصيات وفصائل مسلحة، بما قد يوحى بأن الرياض أرادت فى «مؤتمرها» إثبات أنّ من يقصفهم الروس، فى إدلب وحماه وحلب والجنوب، لديهم «شرعية سياسية» وأنهم مرشحون للجلوس على مائدة مفاوضات مع الحكومة السورية، وبالتالى فهم «أبرياء» من اتهامهم بالإرهاب، وهى الاتهامات التى تكاد تكون ثابتة وقاطعة.
هكذا، يمكننا بسهولة التعامل مع الرعاية السعودية لما وصفتها بالمعارضة السورية، على أنها ليست أكثر من محاولة لنسف ما تم التوصل إليه فى «فيينا» بشكل يوحى بوجود رغبة فى إعادة التفاوض السياسى إلى نقطة الصفر.
اتفاق فيينا، كان قد وضع «خريطة طريق» للتسوية السياسية السورية، تؤجل بحث مسألة الرئاسة وترمى كرتها فى ملعب الشعب السورى، الذى هو وحده (فى رأينا، كما فى رأى أى عاقل) صاحب القرار، وتم الاتفاق أيضاً على آلية جيدة للتسوية عبر حكومة موسعة، مع وقف إطلاق النار وإجراء تعديلات دستورية وانتخابات حرة تحت رقابة دولية فى عملية تمتد لـ18 شهراً.
أما ما فعلته قعدة (جلسة) الرياض، فهو استصدار بيان باسم من تم وصفهم بـ«المعارضة السورية»، عادت فيه اللهجة القديمة، أو لهجة مؤتمر «جنيف»، حين كان التسابق على وضع شروط تعجيزية، فكانت النتيجة هى اشتراط «مغادرة بشار الأسد وأركان ورموز حكمه، سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية».
وأكثر من ذلك، هو أن السعودية التى كان مطلوباً منها «أمريكياً» أن توحّد المعارضة لتشكيل وفدها إلى المفاوضات بـ«مؤتمر نيويورك»، قطعت الطريق أمام حضور روسيا لذلك المؤتمر بتقويضها ما تم التوصل إليه فى «فيينا»، وبفشل من وصفتهم بـ«المعارضة السورية» فى تشكيل وفد التفاوض. وبحال من الأحوال، لا يمكن وصف العشرة، الذين قيل إنهم يمثلون الفصائل، بأكثر من كونهم ممثلين للمحور التركى القطرى السعودى الذى يموّلهم ويقوم بتسليحهم.
وباحتواء البيان الختامى على ما ينص على أن الرياض هى مقر ومرجعية الهيئة، نكون أمام رسالة واضحة بأن تلك الهيئة لن تحمل غير الشروط السعودية أو لنقل إنها ستتحدث باسم الرياض، التى لا يخفى على أحد أنها تميل إلى الحل العسكرى!
فعن أى مسار أو حل سياسى يتحدثون؟!
فى أول رد روسى، مثلاً، بعد اجتماع الرياض عبرت موسكو عن رفضها محاولة هذا الفريق منح نفسه حق التحدث باسم جميع فصائل المعارضة السورية، وأعربت وزارة الخارجية الروسية عن «استعداد موسكو لمواصلة العمل الجماعى فى إطار الفريق الدولى لدعم سوريا بمشاركة جميع الأطراف المعنية بلا استثناء، بهدف تسوية جملة من المسائل المتعلقة بالتمهيد لعملية سياسية سورية حقيقية وشاملة دون أى شروط مسبقة».. وأضافت أن «جميع المشاركين فى الفريق الدولى لدعم روسيا قد أجمعوا على مبدأ رئيسى للتسوية، وهو أن الشعب السورى وحده المعنى بتقرير مصير سوريا، ولا بد من التقيد التام بتنفيذ الاتفاقات».
وعن الدعوة لانعقاد اجتماع «أصدقاء سوريا» الشهر المقبل قالت الخارجية الروسية: «لقد تلقينا بدهشة نبأ الدعوة إلى اجتماع عاجل فى الـ14 من ديسمبر لمجموعة «أصدقاء سوريا» المعروف عنها نهجها الذى استنفد والمتمسك بالإطاحة بالحكومة الشرعية فى دمشق. ومحاولات حصر عملية التسوية فى نطاق منفرد من شأنها الإضرار بالتسوية، وتطعن بهيبة المجموعة الدولية لدعم سوريا والتى تم فى نطاقها وبفضل جهود مضنية حشد جميع اللاعبين الخارجيين الرئيسيين».
والوضع بهذا الشكل، لم يكن غريباً أن يتهم الرئيس السورى بشار الأسد، فى حديث أدلى به الجمعة 11 ديسمبر، بعض الدول وبينها السعودية والولايات المتحدة بأنها تريد ضم المجموعات الإرهابية إلى المفاوضات، قائلاً بوضوح إن «هذه الدول تريد من الحكومة السورية أن تتفاوض مع الإرهابيين».
الرئيس الأسد طالب كل الأطراف بأن تكون واقعية وألا تخلط بين المعارضة السياسية والجماعات المسلحة، وأكد أن الحكومة السورية تحاورت مع بعض المجموعات، كمجموعات وليس كتنظيمات بهدف تخليها عن السلاح، معتبراً أن هذه هى الطريقة الوحيدة للتعامل مع المجموعات المسلحة فى سوريا أما أن يتم التعامل معها ككيانات سياسية، فهو الأمر الذى قال الرئيس السورى إنه يرفضه تماماً.
ومما يؤسف هو أن دعوة فصائل مسلحة -لتصبح محسوبة على الرياض وحلفائها- جرت قبل انتهاء الأردن من تسليم قائمته للتنظيمات الإرهابية، حسب ما تم الاتفاق عليه فى لقاء فيينا الأخير. وبالتالى، أصبحت «حركة أحرار الشام» و«جيش الإسلام» وتنظيمات إرهابية أخرى، بحكم مشاركتها فى المؤتمر، بين الموافقين على الحل أو المسار السياسى، وبالتالى يمكنها الإفلات من تصنيفها كتنظيمات إرهابية.
كذلك، كان واضحاً تماماً، خلال المؤتمر، أن هناك محاولات لغسيل سمعة حركة «أحرار الشام» الإرهابية، التى خرج كل قادتها من عباءة تنظيم «القاعدة»، وتفسير ذلك هو أن تلك الحركة هى إحدى أذرع تركيا فى سوريا، وتشكل مع «جبهة النصرة» العمود الفقرى لـ«جيش الفتح» الذى كوّن أول جبهة فى محاربة الجيش السورى، وهو ما يعنى أن محاولة تقديم هذه الحركة باعتبارها فصيلاً معارضاً معتدلاً، هو من قبيل خلط الأوراق، أو كما يقال بالعامية المصرية «ضحك ع الدقون»، ومحاولة لقطع الطريق أمام أى حل سياسى، لا يمكن الوصول إليه إلا بوضع قائمتين إحداهما للمعارضة «الحقيقية» التى يمكن التفاوض معها، والقائمة الأخرى لـ«الإرهابيين» الذين ينبغى القضاء عليهم. وأى تداخل بين القائمتين أو عدم وجود خط فاصل وواضح بينهما، يعنى بقاء الحل العسكرى هو الخيار الوحيد، ويبدو أن هذا، للأسف، ما تسعى إليه المملكة، وما نتمنى أن تتراجع عنه!
منذ التدخل الروسى الجوى فى سوريا، وتحركات وزيرى الخارجية الأمريكى والروسى (كيرى ولافروف) وجدت المملكة نفسها أمام عدة خيارات مختلفة عن خياراتها السابقة. وكان عليها إما الاستجابة لما تم التوافق عليه عربياً وإقليمياً ودولياً بأولوية مكافحة «الإرهاب»، أو السير عكس الاتجاه بمواصلة دعمها للفصائل المسلحة بالمال والسلاح، لتتمكن من فرض «تسوية» يكون جزء أساسى من تفاصيلها فى يدها، غير أن اختيار المملكة السير على خطى تركيا جعل نفوذ أردوغان يتمدّد أكثر فأكثر داخل المجموعات المسلّحة، حتى صارت أنقرة هى «البوصلة» واكتفت الرياض وقطر بدور الممول!
فى تلك الأجواء، جاء المؤتمر الذى شكّل لغزاً، منذ الإعلان عن تنظيمه والذى كان واضحاً منذ البداية احتكار محور تركيا، قطر، السعودية لتوجيه دعواته، لنكون أمام صيغة أقرب إلى محاولة ذلك المحور الحصول على «مبايعة» ليكون هو المتحدث أو الراعى الرسمى لمن حاولوا أن يجعلوا منهم، أو يلخصوا فيهم، المعارضة السورية (أو الصورية) التى ضمت شخصيات وفصائل مسلحة، بما قد يوحى بأن الرياض أرادت فى «مؤتمرها» إثبات أنّ من يقصفهم الروس، فى إدلب وحماه وحلب والجنوب، لديهم «شرعية سياسية» وأنهم مرشحون للجلوس على مائدة مفاوضات مع الحكومة السورية، وبالتالى فهم «أبرياء» من اتهامهم بالإرهاب، وهى الاتهامات التى تكاد تكون ثابتة وقاطعة.
هكذا، يمكننا بسهولة التعامل مع الرعاية السعودية لما وصفتها بالمعارضة السورية، على أنها ليست أكثر من محاولة لنسف ما تم التوصل إليه فى «فيينا» بشكل يوحى بوجود رغبة فى إعادة التفاوض السياسى إلى نقطة الصفر.
اتفاق فيينا، كان قد وضع «خريطة طريق» للتسوية السياسية السورية، تؤجل بحث مسألة الرئاسة وترمى كرتها فى ملعب الشعب السورى، الذى هو وحده (فى رأينا، كما فى رأى أى عاقل) صاحب القرار، وتم الاتفاق أيضاً على آلية جيدة للتسوية عبر حكومة موسعة، مع وقف إطلاق النار وإجراء تعديلات دستورية وانتخابات حرة تحت رقابة دولية فى عملية تمتد لـ18 شهراً.
أما ما فعلته قعدة (جلسة) الرياض، فهو استصدار بيان باسم من تم وصفهم بـ«المعارضة السورية»، عادت فيه اللهجة القديمة، أو لهجة مؤتمر «جنيف»، حين كان التسابق على وضع شروط تعجيزية، فكانت النتيجة هى اشتراط «مغادرة بشار الأسد وأركان ورموز حكمه، سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية».
وأكثر من ذلك، هو أن السعودية التى كان مطلوباً منها «أمريكياً» أن توحّد المعارضة لتشكيل وفدها إلى المفاوضات بـ«مؤتمر نيويورك»، قطعت الطريق أمام حضور روسيا لذلك المؤتمر بتقويضها ما تم التوصل إليه فى «فيينا»، وبفشل من وصفتهم بـ«المعارضة السورية» فى تشكيل وفد التفاوض. وبحال من الأحوال، لا يمكن وصف العشرة، الذين قيل إنهم يمثلون الفصائل، بأكثر من كونهم ممثلين للمحور التركى القطرى السعودى الذى يموّلهم ويقوم بتسليحهم.
وباحتواء البيان الختامى على ما ينص على أن الرياض هى مقر ومرجعية الهيئة، نكون أمام رسالة واضحة بأن تلك الهيئة لن تحمل غير الشروط السعودية أو لنقل إنها ستتحدث باسم الرياض، التى لا يخفى على أحد أنها تميل إلى الحل العسكرى!
فعن أى مسار أو حل سياسى يتحدثون؟!
فى أول رد روسى، مثلاً، بعد اجتماع الرياض عبرت موسكو عن رفضها محاولة هذا الفريق منح نفسه حق التحدث باسم جميع فصائل المعارضة السورية، وأعربت وزارة الخارجية الروسية عن «استعداد موسكو لمواصلة العمل الجماعى فى إطار الفريق الدولى لدعم سوريا بمشاركة جميع الأطراف المعنية بلا استثناء، بهدف تسوية جملة من المسائل المتعلقة بالتمهيد لعملية سياسية سورية حقيقية وشاملة دون أى شروط مسبقة».. وأضافت أن «جميع المشاركين فى الفريق الدولى لدعم روسيا قد أجمعوا على مبدأ رئيسى للتسوية، وهو أن الشعب السورى وحده المعنى بتقرير مصير سوريا، ولا بد من التقيد التام بتنفيذ الاتفاقات».
وعن الدعوة لانعقاد اجتماع «أصدقاء سوريا» الشهر المقبل قالت الخارجية الروسية: «لقد تلقينا بدهشة نبأ الدعوة إلى اجتماع عاجل فى الـ14 من ديسمبر لمجموعة «أصدقاء سوريا» المعروف عنها نهجها الذى استنفد والمتمسك بالإطاحة بالحكومة الشرعية فى دمشق. ومحاولات حصر عملية التسوية فى نطاق منفرد من شأنها الإضرار بالتسوية، وتطعن بهيبة المجموعة الدولية لدعم سوريا والتى تم فى نطاقها وبفضل جهود مضنية حشد جميع اللاعبين الخارجيين الرئيسيين».
والوضع بهذا الشكل، لم يكن غريباً أن يتهم الرئيس السورى بشار الأسد، فى حديث أدلى به الجمعة 11 ديسمبر، بعض الدول وبينها السعودية والولايات المتحدة بأنها تريد ضم المجموعات الإرهابية إلى المفاوضات، قائلاً بوضوح إن «هذه الدول تريد من الحكومة السورية أن تتفاوض مع الإرهابيين».
الرئيس الأسد طالب كل الأطراف بأن تكون واقعية وألا تخلط بين المعارضة السياسية والجماعات المسلحة، وأكد أن الحكومة السورية تحاورت مع بعض المجموعات، كمجموعات وليس كتنظيمات بهدف تخليها عن السلاح، معتبراً أن هذه هى الطريقة الوحيدة للتعامل مع المجموعات المسلحة فى سوريا أما أن يتم التعامل معها ككيانات سياسية، فهو الأمر الذى قال الرئيس السورى إنه يرفضه تماماً.
ومما يؤسف هو أن دعوة فصائل مسلحة -لتصبح محسوبة على الرياض وحلفائها- جرت قبل انتهاء الأردن من تسليم قائمته للتنظيمات الإرهابية، حسب ما تم الاتفاق عليه فى لقاء فيينا الأخير. وبالتالى، أصبحت «حركة أحرار الشام» و«جيش الإسلام» وتنظيمات إرهابية أخرى، بحكم مشاركتها فى المؤتمر، بين الموافقين على الحل أو المسار السياسى، وبالتالى يمكنها الإفلات من تصنيفها كتنظيمات إرهابية.
كذلك، كان واضحاً تماماً، خلال المؤتمر، أن هناك محاولات لغسيل سمعة حركة «أحرار الشام» الإرهابية، التى خرج كل قادتها من عباءة تنظيم «القاعدة»، وتفسير ذلك هو أن تلك الحركة هى إحدى أذرع تركيا فى سوريا، وتشكل مع «جبهة النصرة» العمود الفقرى لـ«جيش الفتح» الذى كوّن أول جبهة فى محاربة الجيش السورى، وهو ما يعنى أن محاولة تقديم هذه الحركة باعتبارها فصيلاً معارضاً معتدلاً، هو من قبيل خلط الأوراق، أو كما يقال بالعامية المصرية «ضحك ع الدقون»، ومحاولة لقطع الطريق أمام أى حل سياسى، لا يمكن الوصول إليه إلا بوضع قائمتين إحداهما للمعارضة «الحقيقية» التى يمكن التفاوض معها، والقائمة الأخرى لـ«الإرهابيين» الذين ينبغى القضاء عليهم. وأى تداخل بين القائمتين أو عدم وجود خط فاصل وواضح بينهما، يعنى بقاء الحل العسكرى هو الخيار الوحيد، ويبدو أن هذا، للأسف، ما تسعى إليه المملكة، وما نتمنى أن تتراجع عنه!