الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:48 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: توفيق عكاشة.. The Glenn Beck مصر

من دفع ثمن المقالات المنشورة عنه فى خمس صحف عالمية؟!
لا حديث منذ بداية الإعلان عن نتائج الإعادة فى الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية إلا عن زميلنا الإعلامى توفيق عكاشة، إما منفرداً، أو باعتباره واحداً ممن يراهم البعض لا يستحقون أن ينالوا شرف تمثيل ناخبيهم تحت قبة البرلمان، وهو المعنى الذى تكرر من بعض الأدعياء الذين حاولوا حصر كل أعضاء مجلس النواب فى عشرة أو عشرين عضواً على الأكثر، ثار بسببهم جدل كثير، بعضه موضوعى، وبعضه ليس كذلك.. وبعضه أخلاقى وكثير منه يتعلق بخلافات فى التوجهات السياسية وربما كان هذا هو السبب الحقيقى أو الدافع الفعلى وراء من يهاجمون نجاح الانتخابات البرلمانية، ويضخمون من ادعاءات وصول النواب برشوة الناخبين أو بطرق أخرى غير الطريق الفعلى والذى لا يمكن لكائن من كان أن يشكك فيه، وهو طريق الإرادة الشعبية وأصوات الناخبين التى ذهبت للقوائم أو لمرشحى المقاعد الفردية.
عكاشة أو «النائب الظاهرة»، حقق المركز الأول فى عدد الأصوات، فى دائرته «طلخا ونبروه»، واختاره 94354 ناخباً، ومعه اختار الناخبون نائبين آخرين بينهما السياسى البارز «فؤاد بدراوى» القيادى بحزب الوفد وصاحب التاريخ البرلمانى والسياسى والحزبى المشرف.
ولم يمهل عكاشة أنصاره ليكملوا فرحتهم بنجاحه كما لم يمهل خصومه كى يستوعبوا صدمة نجاحه الكاسح، فأعلن عقب إعلان فوزه بمقعده البرلمانى، أنه ينوى الترشح لرئاسة المجلس، وأنه سيعمل «خادماً للشعب»، مؤكداً أن فارق الأصوات بينه وبين المرشحين فى جميع الدوائر يؤهله لخوض انتخابات رئيس مجلس النواب.
ولعلك تابعت واحدة أو أكثر من المشادات الكلامية بين توفيق عكاشة، وبين مقدمى البرامج الذين طالبوه بتوضيح أسباب ترشحه لرئاسة البرلمان، الأمر الذى اعتبره استهزاء به، واضطرت مقدمة إحدى البرامج إلى إغلاق الهاتف وإنهاء المداخلة!
ورغم توضيحه لبديهية أن أمر اختياره رئيساً للمجلس، يعود فى النهاية إلى زملائه النواب، إلا أن شلالات السخرية والتحقير منه وممن انتخبوه لم تتوقف، ولامست حدود الوقاحة والاستفزاز الذى قوبل بحالة تطرف فى الاتجاه المضاد!
إحدى من يصفونها بـ«الناشطات» قامت بتدشين «هاشتاج» على شبكة التواصل الاجتماعى تويتر «عكاشة رئيساً للبرلمان»، وطالبت بـ«سخرية» بدعمه لتولى رئاسة البرلمان المقبل، ونشرت استطلاعاً للرأى، على صفحتها سألت فيه: هل توافق على تولى توفيق عكاشة رئاسة البرلمان المقبل؟
وسريعاً، احتل «الهاشتاج» المرتبة الثانية، ضمن قائمة الأكثر تداولاً على موقع التدوينات القصيرة، وتباينت ردود الفعل، بين الإيجاب والسلب لدخوله ضمن قائمة ترشيحات رئاسة مجلس النواب المصرى، ووصل الأمر بأحد المعلقين أن كتب: «نهاية الحياة السياسية تبدأ باختيار عكاشة رئيساً للبرلمان»!
والحقيقة هى أن توفيق عكاشة لم يشغل بال المصريين والعرب فحسب، بل تناول ظاهرته عدد من الباحثين والصحفيين الأجانب وكذا الصحف ومعاهد الأبحاث!
ثلاث مرات، على الأقل، تشير له جريدة «واشنطن بوست» الأمريكية: فى يناير 2013، وصفته بـ«أحد أشهر إعلامى مصر فى عصر ما بعد مبارك بسبب معاداته للثورة التى أطاحت بحكم مبارك، فى فبراير 2011 وفى أغسطس 2013، قالت إن «عكاشة يحث المصريين بشدة على النزول إلى الشارع برفقة الشرطة للدفاع عن وطنهم ضد الإرهاب، حسب تعبيره».. ثم وصفته فى مايو 2014، بـ«الشخصية التليفزيونية النارية» و«الخصم العنيف للإخوان».
كما ذكرت جريدة «نيويورك تايمز»، فى تقرير نشرته فى أغسطس 2012 أن توفيق عكاشة هو الخصم الحاد للرئيس محمد مرسى.. وفى تقرير نشرته «واشنطن تايمز»، فى أغسطس 2012 قالت إن «عكاشة مشهور بانتقاده للإخوان والنشطاء الذين وقفوا خلف الحراك الثورى».
وفى كتاب عنوانه The Devil That Never Dies: The Rise and Threat of Global Antisemitism تناول الكاتب الأمريكى دانيل جولدهان، تصريحات له «ضد اليهود» قالها فى يوليو 2011، حين استضافته قناة «الرحمة».
ووصفه معهد دراسات الشرق الأوسط الأمريكى بـ«جلين بيك» مصر.. وجلين بيك، مذيع ومقدم برامج تليفزيونية وكاتب ورجل أعمال ومعلق سياسى أمريكى، يقدم برنامجاً يحمل اسمه (برنامج جلين بيك The Glenn Beck Program) وهو برنامج حوارى ذو انتشار واسع فى الولايات المتحدة تذيعه بريمير راديو نيتوركس (Premiere Radio Networks) وله أيضاً برنامج على قناة فوكس نيوز، وتصدرت ستة من كتبه قائمة «النيويورك تايمز» للكتب الأكثر مبيعاً، كما أن «بيك» هو المؤسس والرئيس التنفيذى لميركيرى راديو أرتس (Mercury Radio Arts) وهى شركة إنتاج تتولى إنتاج المحتوى للإذاعة والتليفزيون والنشر والمسرح والإنترنت، وهى الشركة التى يمكننا مقارنتها أيضاً بقناة الفراعين، ويمكننا أيضاً مقارنة الجدل الدائر بين أنصار وخصوم توفيق عكاشة بالجدل الدائر أيضاً بين أنصار وخصوم «بيك» الذى يصفه مؤيدوه بأنه حامى القيم التقليدية الأمريكية من التقدمية العلمانية ويقول منتقدوه إنه يروج لنظريات المؤامرة وينتقدون أسلوب حديثه الذى لا هدف له (من وجهة نظرهم) إلا الفوز بنسب مشاهدة عالية!
والتفت لعكاشة أيضاً موقع Global Post الأمريكى فى سبتمبر 2012، وصفه بالمعارض للحزب الحاكم وللرئيس الجديد (وقتها).. وتوقف الموقع عند وصف «عكاشة» لوجود محمد مرسى فى الحكم بأنه «غير قانونى».
وما يلفت النظر ويستحق التوقف أكثر مما سبق كله، هو أن باحثاً بحجم «والتر أرمبرست» ( Walter Armbrust) الأستاذ بكلية الدراسات الشرقية بجامعة أكسفورد، وعضو مركز الدراسات الشرق أوسطية بسانت أنطونيو كوليج، والمتخصص فى علم الإنثروبولوجيا، أقام فى مصر من أغسطس 2010 إلى أغسطس 2012، وقدم دراسة عن ظاهرة «توفيق عكاشة» حاول فيها أن يفسر سبب صعود نجم «توفيق عكاشة» بعد 25 يناير، رغم أنه قبلها (بحسب وصف أرمبرست) لم يكن له أثر ملحوظ وكانت خطواته مُتعثرة سواء فى العمل السياسى كمرشح عن الحزب الوطنى، أو فى العمل الإعلامى.
والتر أرمبرست، هو مؤلف كتاب Mass Culture and Modernism in Egypt (كامبريدج، 1996)، ومحرر كتاب Mass Mediations: New Approaches to Popular Culture in the Middle East and Beyond (كاليفورنيا، 2000)، ومحرر The Formation of National Culture in Egypt (عدد خاص من دورية هيستورى كامباس، يونيو 2006)، وهو أيضاًً الذى قضى عامين لينجز كتابه الذى حمل عنوان «حاوى الثورة المصرية: دراسة أنثروبولوجية لظاهرة توفيق عكاشة»! وكان السؤال الذى سعى أرمبرست للجواب عنه هو: لماذا يشتهر شخص ما فى وقت قياسى، وكيف يستطيع أن يمتلك هذا القدر من التأثير فى المجال السياسى ثم تغيب شمسه، بينما هو لا يملك (من وجهة نظره) موضوعياً أية مؤهلات تمكنه من الوصول إلى تحقيق ذلك!!.. وتفسير أرمبرست هو أن مصر فى فترة ما بعد الثورة أصبحت فى مرحلة بينية وهى تلك التى يكون فيها الشىء بين حالتين مجتمعيتين أو نفسيتين، حالة عابرة أو انتقالية، بمعنى أنها لم تعد تحت النظام القديم ولم تتشكل بوادر نظام جديد مغاير لما كان سائداً، ولهذه الحالة مجموعة من الخصائص تساهم فى فهم وتحليل عملية بروز شخصيات عديدة بنفس الصفات وليست شخصية واحدة، الأمر الذى يعتبره أرمبرست ظاهرة فى حد ذاتها ولا ترتبط بشخص بقدر ارتباطها بالسياق الذى يسمح بوجود هذا الشخص وغيره ممن يحملون صفاته الشخصية أو يقتربون منها.
ومفهوم الحاوى هو المفتاح الذى يحاول به أرمبرست الدخول إلى الشخصية، والحاوى هنا شخصية ثقافية عابرة للثقافات وموجودة فى تراث مختلف الحضارات ونجد حكاياتها فى الفلكلور الشعبى والأساطير اليونانية القديمة كما فى تراث السكان الأصليين لأمريكا اللاتينية من الهنود، وغيرهم، ومن صفتها المكر والدهاء، وإثارة الضحك والسخرية، يغلب عليها الغموض وبعض الغرور.
ويحيل أرمبرست صعود «الحواة» فى هذه الفترات الحرجة، إلى تفشى ظواهر مثل الهوس بالمشاهير والتى ترجع لطبيعة الشخص نفسه والتى قد تميزها عدم الثقة بالنفس ولا بالمستقبل، وهو ما يظهر فى حب البعض لتقليد أشكال وسلوك المشاهير وطريقة كلامهم وحركاتهم واستخدام بعض مفرداتهم، أو حتى انتشار السخرية من هذه الشخصيات إلى الحد الذى يجعل منها محوراً للتركيز ومحطاً للاهتمام للحد الذى تنطلق معه دعوات عالمية «stop making stupid peoples famous»، وصعود نجم هذه الشخصيات ليس عبثاً، ففى البداية تتاح لها فرصة الظهور أول مرة ثم يؤخذ كلامها على محمل الجد أو السخرية وينتشر عبر مواقع وقنوات وبرامج لتصبح مصدراً للمعلومة أو للخبر ومع الوقت تصبح هى مادة الخبر والمحتوى، بينما كثيرون ينطلقون فى مرات ظهورهم الأولى بمقولات وأفكار قد تكون عبقرية فى مجالها دون أن يتم تسليط الأضواء عليها.
لم نستعرض ما سبق أو نتوقف عنده، دفاعاً عن توفيق عكاشة أو انتقاداً له، وإنما لنرى كيف يحاول الجادون أن يدرسوا أو يتعاملوا مع ظاهرة لا يمكن تجاهلها بعكس كثيرين هنا، يلجأون للحلول السهلة بتوجيه الاتهامات لأشخاص أو لفئات، فى تلك الحالة مثلاًً، اكتفى الكسالى بالهجوم على توفيق عكاشة والسخرية منه وقت كان نجمه يصعد ويتصاعد إعلامياً، ثم هاجموه وهاجموا من أعطوه أصواتهم وسخروا منهم حين نال أعلى الأصوات فى دائرته، وتعاملوا مع مجرد رغبته فى طرح اسمه للتصويت على مقعد رئيس البرلمان باعتباره حلماً أو وهماً كبيراً ناسين أو متناسين أن المقعد نفسه شغله سعد الكتاتنى الذى لم نر له أية كرامات غير عدد من النكات مازلنا نتذكر بعضها ونسينا البعض الآخر!
ماذا يريد هؤلاء؟!
هل يريدون مثلاًً أن ينصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب الذى يحق له وحده اختيار ممثليه، ونواب الشعب الذين لا يحق لغيرهم اختيار رئيس مجلسهم؟!
هل يريدون أن يعودوا بنا لعصور غابرة؟!
فى فرنسا، مثلا، وحتى سنة 1848، لم يكن حق التصويت، متاحاً إلا لمن كان يحصل على دخل معين، وحق الترشح إلا لمن كان يحصل على دخل أكبر، وعلى سبيل المثال، كان على المواطن فى عهد لويس الثامن عشر أن يدفع من الضرائب 300 فرنك، ليتمتع بحق التصويت، و1000 فرنك ليتمتع بحق ترشيح نفسه.
فهل يريد الساخرون أن نستعيد أو نستعير صيغة كهذه؟!
---------------