ياسر بركات يكتب عن:الحلم المصرى بين سماسرة عصر مبارك.. وأطماع رجال الأعمال!!
الحلم المصرى بين سماسرة عصر مبارك.. وأطماع رجال الأعمال!!
مصر تصارع وحوش رأس المال فى الساحل الشمالى.. وخيانة الجواسيس فى تل أبيب
تسفى مزائيل: منطقة الضبعة هى الأفضل.. ولكن أصدقاء جمال مبارك يحلمون بقرية سياحية وهذا يضمن الاستقرار لتل أبيب!!
- أحمد المغربى يعترف بزيارة وفود أجنبية إلى الضبعة تمهيداً لتحويلها إلى منتجع سياحى!!
فضائيات وصحف خاصة متورطة فى تمويل حملات شرسة للسخرية من المشروع!!
أخيراً، تحقق الحلم، وعاد المشروع النووى المصرى يطل مرة أخرى بعد أن توقف أكثر من مرة فى عهد الرئيس عبدالناصر ثم توقف فى عهد الرئيس السادات ثم توقف للمرة الثالثة فى منطقة الضبعة سنة 1986 بزعم الخوف من تكرار ما حدث فى تشير نوبل!!
جهود مضنية قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى لإعادة إحياء الدولة فى المجالات الاقتصادية والسياسية وحاول ضبط الموازين واستكمال ما توقف من المشاريع الكبرى لبناء الاقتصاد المصرى وتطوير البنية التحتية، ومع تلك الجهود، بدأ تحقيق حلم المصريين فى إقامة «مشروع المحطة النووية بالضبعة» الذى توقف ما يقرب من 34 سنة بين ضغوط دولية ومحاربة أباطرة رجال الأعمال لإقامة المشروع بزعم أنه سيؤثر على منتجعاتهم، بالإضافة إلى تعدى أهالى الضبعة على الأرض المخصصة لإقامة المشروع، مستغلين حالة الانفلات التى صاحبت ثورة 25 يناير، وعقب انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، أحيا المشروع من جديد وقرر البدء فى إنشاء المحطة النووية، وأعلن أن منطقة الضبعة هى المكان الأنسب لإقامة المشروع، فى وقت أصبح الخيار النووى ضرورة ملحة، وأحد متطلبات الأمن القومى المصرى، وكانت زيارته إلى روسيا أولى الخطوات، حيث أعلن الرئيس السيسى أنه تم الاتفاق على إقامة منطقة حرة مع الاتحاد الروسى، وتعزيز التعاون فى مجال الطاقة، كما انتهت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة من أعمال البنية التحتية لمشروع الضبعة النووى لتوليد الكهرباء، وجارٍ تنفيذ المرحلة النهائية من أعمال التشطيبات الخاصة بمبانى العاملين.
وتشمل البنية التحتية للمشروع إنشاء برج الأرصاد لقياس درجات الحرارة والرطوبة واتجاهات الرياح، إضافة إلى إنشاء مبانى العاملين وأجهزة قياس المياه الجوفية والزلازل والتيارات البحرية وإمداد خطوط الغاز والمياه والكهرباء والاتصالات.
حتمية قرار تنفيذ المشروع النووى المصرى، جاءت تجسيداً لاستيعاب واقع الاستخدام العالمى، الفعلى والمتوقع، للطاقة النووية. فنصيب الطاقة النووية فى إجمالى استهلاك الطاقة فى العالم خلال الفترة بين عام 1973 وعام 2012، قد تضاعف بنحو ثمانى مرات، من أكثر قليلا من 1% إلى أقل قليلا من 10%؛ وفى عام 2012، لم تتعد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة نحو 1.5٪ من إجمالى إمدادات الطاقة المستهلكة فى العالم. وأضيف هنا -وفقا لبيانات وكالة الطاقة النووية فى يوليو 2015- أنه يوجد 438 مفاعلاً نووياً لتوليد الكهرباء فى ثلاثين دولة، ويجرى إنشاء 67 محطة نووية جديدة فى 15 دولة.
وفى عام 2014، اعتمدت 13 دولة على الطاقة النووية فى توفير ما يزيد على 30٪ من إجمالى استهلاكها من الكهرباء، وتراوحت هذه النسبة بين 77٪ فى فرنسا ونحو 30٪ فى كوريا الجنوبية، ووفق مؤشر الكهرباء المولدة من محطات نووية فى عام 2014، شغلت المراكز العشرة الأولى فى العالم على الترتيب: الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وكوريا الجنوبية والصين وكندا وألمانيا وأوكرانيا والسويد والمملكة المتحدة، وتوزعت 67 محطة نووية جديدة تحت الإنشاء فى 15 دولة، توزعت على النحو التالى: 24 فى الصين و9 فى روسيا و6 فى الهند و5 فى الولايات المتحدة و4 فى كوريا الجنوبية و3 فى دولة الإمارات العربية المتحدة، ومحطتان فى كل من اليابان وروسيا البيضاء وأوكرانيا وتايوان وباكستان وسلوفاكيا، ومحطة واحدة فى كل من فرنسا وفنلندا والبرازيل والأرجنتين.
وأخيراً، نجحت مصر فى توقيع تعاقد إنشاء محطة نووية بالضبعة لاستخدامها كبديل للطاقة الكهربائية، وهو التعاقد الذى جاء لينهى سنوات طويلة ضاعت على مصر خلالها أكثر من فرصة للبدء فى برنامجها النووى، كانت الخطوات خلالها تتعثر وكان من الواضح تماما جداً أن هناك قوى لا تريد لمصر أن تحقق هذا الإنجاز الحضارى والعلمى وفى مقدمة هذه القوى أمريكا وإسرائيل.. ويعاونهم للأسف من يحملون الجنسية المصرية.. كان السؤال الملح أمام الحكومة المصرية والقيادة السياسية هو: إلى أين نتجه؟!.. ومع من نتعاون فى إقامة المحطة النووية؟!.. وكانت الإجابة بعد تفكير طويل هى «روسيا».
وكان اختيار روسيا مبنياً على عدة أسس وجيهة أهمها أنها دولة صديقة منذ عقود طويلة وكانت أول دولة تشاركنا وتساعدنا فى بناء البرنامج النووى فى الستينيات كما أنها تعد الدولة الوحيدة التى تقوم بتصنيع مكونات المحطة النووية بنسبة 100%، ولا تعتمد على استيراد مكوناتها من أى دول أخرى قد يكون بينها وبين مصر عداوة تعرض المشروع للاحتكار من قبل هذه الدول، إضافة إلى أن روسيا لها تاريخ طويل فى دعم مصر فهى من أنشأت مفاعل أنشاص وساهمت فى بناء السد العالى كما أنها دولة قوية يصعب اختراق أمنها بسهولة.
كما أن مصر وروسيا الآن ترتبطان بعلاقات قوية ومتينة وأستطيع القول إنهما ضمن حلف دولى قوى يقف فى مواجهة قوى دولية وإقليمية لاتريد خيراً للمنطقة ومصر، وبالتالى ستساعد روسيا مصر فى بناء المحطة بكل ما أوتيت من قوة، فضلاً عن أن روسيا لم تضع أى شروط سياسية على مصر لإقامة المحطة، كما ستنشئ مركز معلومات للطاقة النووية ونشر ثقافة التعامل معها شعبياً، كما أنها وافقت على أن تقوم مصر بسداد قيمة المحطة بعد الانتهاء من إنشائها وتشغيلها، مع وجود فترة سماح علاوة على إنشاء مصانع روسية فى مصر لتصنيع مكونات المحطة محلياً وعقد دورات تدريبية للكوادر المصرية على استخدام التكنولوجيا النووية ونقل الخبرات الروسية للمصريين.
ومهم هنا أن نشير إلى أن بنود العقد تنص على أن تقوم مصر بسداد قيمة المحطة النووية بعد الانتهاء من إنشائها وتشغيلها، وذلك من الوفرة الناتجة من المحطة مع وجود فترة سماح يتم تحديدها بالاتفاق بين الجانبين، علاوة على إنشاء مصانع روسية فى مصر لتصنيع مكونات المحطة النووية محلياً وهو ما سيعمل على تطوير الصناعة المحلية فى مصر، ويشمل العرض أيضاً عقد دورات تدريبية للكوادر المصرية على استخدام التكنولوجيا النووية ونقل الخبرات الروسية فى هذا المجال للمصريين. وقال المصدر: إن العقد ينص على أن توفر روسيا 90% من المكون الأجنبى «عملة الدولة»، وتوفر مصر 10%، لافتاً إلى أن نسبة التصنيع المحلى ستصل إلى 25% لإدخال تكنولوجيا الطاقة النووية للبلاد وبناء كوادر مصرية فى هذا المجال.
بالإعلان عن توقيع عقد إقامة مفاعل الضبعة عاد المشروع النووى المصرى، ليطل مرة أخرى كحلم أمام المصريين وليحقق العديد من الأهداف والمزايا على مختلف المستويات.
فعلى المستوى السياسى أكد عمق العلاقات بين القاهرة وموسكو، ومتانة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، وقطع فى الوقع نفسه الطريق على مجموعة الحاقدين والمزايدين والمتربصين والمشككين فى هذه العلاقات، خاصة عقب تداعيات حادث تحطم الطائرة الروسية المنكوبة فى أجواء سيناء قبل نحو ثلاثة أسابيع.
وعلى المستوى العلمى والتكنولوجى فإن الاتفاق يدشن لمرحلة جديدة تدخل معها مصر عصر الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، الأمر الذى يدعم مسيرتها فى معركة التنمية، وهى تخطو نحو بناء دولة حديثة تقوم على أسس علمية سليمة، تأخذ فى سبيلها بكل أسباب النهوض والتقدم العلمى، خاصة بعد أن تعددت الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وأصبحت تدخل فى معظم المجالات العلمية والطبية والزراعية والصناعية، وحتى فى مجالات التغذية، وزيادة الإنتاج النباتى والحيوانى، كما أصبحت توفر نصيباً كبيراً من الطاقة الكهربائية على مستوى العالم.
وعلى مستوى بناء الكوادر العلمية فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، فإنه يمكننا القول إن مشروع محطة الضبعة النووية سيسهم فى استيعاب الكوادر المصرية المدربة الموجودة بهيئة الطاقة الذرية، بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى ذات الصلة، فضلاً عن بناء كوادر جديدة قادرة على تحقيق نقلة نوعية بالمنطقة العربية، كما سيسهم فى استعادة الكوادر المصرية الموجودة بالخارج.
وفوق ذلك كله، جاء توقيع التعاقد مع «روس أتوم»، ليعلن انتصار الدولة وعلمائها فى مواجهة رجال أعمال غلبّوا مصالحهم الشخصية أو مصالح شركائهم فى الخارج قبل الداخل وعلى المصالح العليا للوطن.
فى زمن مضى، استغل هؤلاء قربهم من دوائر السلطة وضغطوا بنفوذهم لتجميد المشروع الحلم.
ولم يكن هناك تفسير للتخلى عن المشروع أو الحلم غير خضوع الدولة التام لرجال الأعمال أو لمن يحركونهم، على أن توقيع العقد لا يعنى أننا تجاوزنا كل العقبات التى تقف فى طريق امتلاك برنامج نووى مصرى، فالمحاولات لن تتوقف لتقزيم هذا البرنامج، وأملنا فى أن تسعى مصر بكل قوتها لإعادة بناء قدراتها البشرية وامتلاك التكنولوجيا النووية من ألفها إلى يائها، وذلك طبعاً فى الحدود التى تسمح بها التزاماتنا الدولية، لنكون قد قطعنا خطوة جديدة فى طريق الألف ميل.
لقد وصل الأمر إلى حد أن يقف وزير الكهرباء فى مجلس الشورى ليرد على خبر نشرته جريدة «الأهرام» الرسمية فى صدر صفحتها الأولى، بأنه الاختيار وقع على الضبعة لتكون موقع محطة نووية مصرية، نافياً ذلك بشدة ومؤكداً أن موقع المحطة النووية مازال تحت الدراسة!
ورغم وجود دراسات عديدة لعلماء وخبراء الطاقة على أرض المشروع النووى بالضبعة تجاوزت الـ500 مليون جنيه مصرى، أكدت أن هذه الأرض الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط التى تبعد عن مدينة مرسى مطروح بحوالى 150 كيلو متراًً شرقاً إلى الإسكندرية، هى الأنسب لإقامة أول محطة نووية مصرية، إلا أن حالة التلكؤ والتباطؤ فى إعلان بدء تنفيذ المشروع جعلت كثيراً من المراقبين يشككون فى النوايا ويستسلمون لسيطرة ونفوذ رجال الأعمال الطامعين فى أرض المشروع الذين كانت تحركاتهم وتصريحاتهم أقوى من الحكومة نفسها، ولا شك فى أن التردد والتراجع فى الإعلان عن اختيار الضبعة (نووياً) على ما يقترب من الـ30 عاماً، يمثل ترجمة حقيقية للصراع بين الحكومة ورجال الأعمال الطامعين فى موقع الضبعة الذى يتوسط مجموعة من المنتجعات السياحية شرقاً وغرباً على الساحل الشمالى.
على مدى كل تلك السنوات، كان السؤال: لماذا يريد رجال الأعمال الاستحواذ على أرض الضبعة بالذات؟!.. وهو السؤال الذى شغل الرأى العام كله، ليس على مستوى النخبة فقط، وإنما حتى على مستوى أهالى الضبعة أنفسهم، الذين يقيمون فى هذه المنطقة منذ عهد محمد على ولم يشعروا يوماً أنها تستحق كل هذا الاهتمام من رجال الأعمال، ولم يستفيدوا يوماً من كل القرى السياحية والمنتجعات الممتدة والمتناثرة حولهم شرقاً وغرباً، لكن ما لم يشعر به الأهالى أنفسهم أن الضبعة منطقة مميزة جداً فهى تقع شمال غرب مصر بين مدينتى الإسكندرية ومرسى مطروح وتتبع إدارياً محافظة مطروح، وتبدأ حدود الضبعة من قرية غزالة شرقاً حتى قرية فوكه غرباً، وتبلغ مساحتها 60 كيلو متراًً على الساحل، ويفصلها عن الطريق الدولى 2 كيلو مترين، بالإضافة إلى ذلك كله فهى تقع على الساحل ضمن مجموعة متميزة من القرى السياحية والمنتجعات، وهذه كلها مميزات جعلت رجال الأعمال يحاربون ويخوضون معارك ضد الإعلام والحكومة من أجل السيطرة عليها.
حتى ندرك أهمية المشروع، تعالوا نعود إلى دراسة أعدها المركز الأورشاليمى للدراسات السياسية والاستراتيجية فى إسرائيل، فى أغسطس 2010 ذكرت بوضوح أن اختيار منطقة الضبعة لإقامة مفاعل نووى فى مصر، هى الخطوة الأخيرة التى تسبق دخول القاهرة النادى النووى.. أو البوابة الفعلية لدخول ذلك «النادى».
وفى الدراسة تحذير واضح من أن المفاعل النووى السلمى المزمع إنشاؤه فى مصر، سيوفر للقاهرة القاعدة العلمية والتكنولوجية الملائمة للبدء سريعاً فى برنامج نووى عسكرى، وتصنيع قنبلة نووية، بما يتناسب مع الظروف السياسية والاستراتيجية التى قد تشهدها المنطقة مستقبلاً.
الدراسة التى أعدها تسفى مزائيل، السفير الإسرائيلى الأسبق بالقاهرة، قالت بوضوح إن القاهرة حسمت خيارها، وقررت أن تتحول لدولة نووية، وأن مجرد بناء مفاعل نووى سلمى، وتشغيله يعد بمثابة قاعدة علمية وتكنولوجية، لتطوير هذا البرنامج بشكل يثير القلق فى تل أبيب.
وأشارت إلى أنه فى أعقاب إنشاء المفاعل النووى السلمى فى الضبعة، سيكون طريق القاهرة نحو القنبلة النووية قصيراً، ومفروشاً بالخبرات والوسائل والمعدات اللازمة للتحول لإنشاء مفاعل نووى لأغراض عسكرية، وسيكون الأمر حينئذ رهناً بالرغبة السياسية لدى القيادة المصرية، وربما رهناً بالظروف السياسية والعسكرية التى ستشهدها المنطقة فى السنوات القليلة المقبلة.
ولم ينس «تسفى مزائيل» أن يشير فى دراسته إلى أن مصر قامت بالتوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية سنة 1981، وأنها منذ تلك السنة، تدعو لإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووى، وتشن حملة منظمة ضد الترسانة النووية الإسرائيلية، وتبذل القاهرة جهوداً كبيرة فى الساحة الدولية لإجبار إسرائيل على الانضمام لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وإخضاع مفاعل ديمونة لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأضافت الدراسة الإسرائيلية بوضوح أن مصر ترفض حتى اليوم التوقيع على البروتوكول الإضافى لمعاهدة حظر انتشار السلاح النووى، الذى يتيح للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن تقوم بجولات تفتيش مفاجئة فى المنشآت النووية التابعة للدول الموقعة على المعاهدة بحسب الدراسة، لكسب مساحة مناورة إذا دخلت المنطقة فى سباق تسلح نووى، تحت أى ظرف من الظروف.
ولم تستبعد الدراسة أن يكون وراء القرار المصرى (وقتها) باتخاذ خطوات فعلية باتجاه تأسيس البرنامج النووى، رغبة فى الحفاظ على مكانتها وزعامتها فى المنطقة، فى ضوء النجاحات الإيرانية المتتالية فى هذا المجال.
وأنهى تسفى مزائيل دراسته بالتأكيد على أن ما يثير قلق إسرائيل ليس مجرد إعلان القاهرة عن رغبتها فى دخول «النادى النووى» عام 2006، وإنما إمكانية أن يشجع ذلك بعض الدول العربية، التى ستكون لها رغبات مماثلة، وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية، والإمارات، والأردن.
والبرنامج النووى المصرى لا يبدأ من فراغ.. فقد كانت بداية البرنامج منذ الخمسينيات فى مفاعل أنشاص وتم تدريب كوادر مصرية على مدى تلك السنوات بما أتاح لنا من الخبرات ما يمثل النواة التى يمكن أن نبنى عليها برنامجاً استراتيجياً.
والإشارة واجبة هنا إلى أنه كانت هناك ثلاث محاولات لبناء محطات بدأت فى عام 1955 بمشروع محطة قدرتها 150 ميجاوات لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، لكنه توقف بسبب حرب يونيو 1967، وكانت المحاولة الثانية فى عام 1974 بمساعدة وتشجيع أمريكيين غير أن واشنطن اشترطت خضوع المحطات النووية المصرية للتفتيش الأمريكى وهو ما رفضه الرئيس المصرى فى حينها أنور السادات، فلم تجد الفكرة سبيلاً للتنفيذ. أما المحاولة الثالثة فاختير لها موقع الضبعة بعد دراسات عدة فى سنة 1981، واتخذ المجلس الأعلى للطاقة حينها قراراً بإنشاء 8 محطات نووية، ولكن توقف المشروع بعد حالة الهلع التى أحدثها حادث مفاعل «تشيرنوبيل» السوفييتى سنة 1986 وما أثاره من تساؤلات بخصوص الأمن النووى.
وتجدّد الأمل فى دخول مصر «العصر النووى» مع إعلان الأمين العام المساعد للحزب الوطنى الحاكم جمال مبارك فى مؤتمر الحزب عام 2006 إعادة انطلاق البرنامج النووى المصرى ببناء 3 محطات نووية لتوليد التيار الكهربائى.
وقررت مصر الشروع فى بناء محطات نووية بسبب ضآلة احتياطاتها من النفط والغاز الطبيعى، إذ ذكرت دراسات عدة، منها التقرير السنوى للتنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية لعام 2009 أن احتياطات مصر من النفط والغاز قد تبدأ فى النضوب مع حلول عام 2016، لذا لجأت مصر إلى الخيار النووى لما له من جدوى اقتصادية عالية، إذ أكدت دراسات أن توليد الطاقة الكهربائية من خلال المحطات النووية أقل تكلفة من توليدها باستخدام البترول أو الغاز، فضلاً عن تضاعف استهلاك المجتمع المصرى للكهرباء 4 مرات فى الأعوام الأخيرة بسبب الانفجار السكانى، وتولد مصر الطاقة الكهرومائية بمعدل 2800 ميجاواط، ولم يبقَ لديها سوى هامش ضيق للتوسع فى هذا النوع من الطاقة لا يتجاوز 5 ميجاواط. وتقدر التكلفة المتوقعة لإقامة محطة نووية سلمية تنتج ألف ميجاواط بنحو بليونى دولار، وتؤكد دراسات عدة أن تكلفة تشغيلها أقل من إنتاج الكمية ذاتها من الطاقة الكهربائية باستخدام البترول والغاز.
ومصر لديها مفاعلان صغيران للبحوث الذريّة فى منطقة أنشاص فى شرق القاهرة، الأول بُدِئَ العمل به فى عام 1961 بمساعدة الاتحاد السوفييتى السابق وصمم لإنتاج النظائر المشعة وتدريب العاملين والفنيين، وتبلغ قوته 2 ميجاواط ويعمل باليورانيوم المخصب.
أما المفاعل النووى البحثى الثانى فمتعدد الأغراض، ويعمل بقوة 22 ميجاواط وأنشئ بالتعاون مع الأرجنتين وافتتح فى فبراير 1998، ويعمل كلياً فى المجال السلمى، ويحقق مردوداً اقتصادياً من خلال إنتاج النظائر المشعة التى تستعمل فى تشغيل معدات علاج الأورام السرطانية، إضافة إلى تعقيم المعدات الطبية والأغذية ويساهم فى إنتاج رقائق السيلكون المستخدمة فى الصناعات الإلكترونية الأساسية، وهناك اتفاقات مبرمة بين مصر ووزارة الطاقة الأمريكية قبل سنوات بخصوص توريد اليورانيوم المخصب اللازم لدورة الوقود النووى بما يسمح باستيراد وقود نووى مخصب يكفى لتشغيل محطتين نوويتين.
ونأتى إلى موقع الضبعة، الذى كان هو الموقع الوحيد الذى اكتملت حوله الدراسات منذ فترة الثمانينيات.. وكانت أسباب أو مبررات الانتظار هى أنه قد استجدت تطورات كبيرة فى تكنولوجيا إقامة المحطات النووية، وأن الدول المتقدمة فى هذا المجال مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وكندا وكوريا تبحث فى أجيال متعاقبة من المحطات النووية، لدرجة أن فرنسا وصلت إلى الجيل الرابع وأن تطورات فى تكنولوجيا إقامة تلك المحطات الجديدة منذ الثمانينيات وبالتالى لم تقتصر الدراسات على ما تم بالنسبة لموقع الضبعة فى ذلك الوقت ولكن روعيت المعايير الجديدة التى تم تطبيقها على ضوء ما حددته وكالة الطاقة الذرية وقد أعادت التأكيد بأن الضبعة هى الموقع الأمثل لإقامة المحطة!!
وموقع الضبعة يتميز بأنه بعيد عن حزام الزلازل وآمن من الهزات الأرضية، كما أن أرضه منبسطة على البحر وليس بها تلال أو مرتفعات، ووجودها على البحر يوفر لها المياه اللازمة للتشغيل.
وبسبب القرار الجمهورى الذى لم يتم تنفيذه طوال 34 سنة، كان السور الكبير الذى يزيد على 15 كيلو متراًً، سببا فى تجميد مدينة كاملة، وإصابتها بما يشبه الشلل!!
المدينة كانت مصابة بالشلل فعلاً منذ صدور القرار الجمهورى رقم 309 لسنة 1981، الخاص بإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر بها، والذى تم بموجبه نزع ملكية الأراضى الواقعة فى نطاق المشروع الذى يمتد بطول 15 كيلو متراً بمحازاة الطريق الساحلى، وبعمق يتراوح ما بين 3 و5 كيلو مترات على ساحل البحر المتوسط، وهى المنطقة الرئيسية التى كان يسكنها أهل الضبعة الذيين كانوا يعملون فى رعى الأغنام وزراعة الزيتون والتين والموالح واللوز والعنب وأحياناً الشعير والقمح.
السور الكبير عزل المنطقة عما حولها، وتم تعديل الطريق الساحلى القديم الذى كان يخترق أرض المشروع؛ وإزاحته لمسافة 2 كيلو مترين جنوباً بمحازاة السور الخارجى، ضمن سلسلة طويلة من الإجراءات فى طريق تنفيذ المشروع.
غير أن كل شىء توقف فجأة سنة 1986، وظل الوضع مجمداً لما يقترب من العشرين سنة، حين تذكر النظام الأسبق فجأة فى سبتمبر 2006 أن يحيى البرنامج النووى، لندخل وقتها فى جدل استمر سنتين انتهى بالانصياع لضغوط عدد من الحيتان، والوصف لرجال الأعمال يمكن وصفهم بأنهم من الوزن الثقيل!!
فكان أن استغل الناهبون الفرصة لـ«تسقيع» الموقع و«تسليكه» من مشاكل الإشغالات غير القانونية بحيث يمكن بيعه خالياً من الموانع لمستثمرين أجانب، وبالفعل لم يمض عام على هذا القرار إلا وكان أحمد المغربى وزير السياحة وقتها يصطحب محافظ مطروح ووفداً أجنبياً مجهول الهوية واتجهوا مباشرة إلى مواقع يبدو أنها كانت محددة سلفاً، كمقدمة لتفكيك المشروع وتحويله إلى منتجع سياحى باستثمارات أجنبية، وهو ما اعترف به أحمد المغربى وزير السياحة وقتها (5 أكتوبر 2004) فى حوار لجريدة «الشرق الأوسط»، وأكد أنه زار الموقع بصحبة وفد أجنبى ومحافظ مطروح لاستطلاع إمكانيات الموقع السياحية وما إذا كان يصلح لإقامة منطقة سياحية، وأضاف قائلاً: «وجدت أن الموقع يصلح لدخوله ضمن خطة تنمية الساحل الشمالى».
وما إن تسربت أخبار عن إعادة التفكير فى المشروع إلا وبدأت حملات «مشبوهة» تروج لإمكانية بيع موقع الضبعة للاستخدامات السياحية واستخدام عائد البيع لتمويل إنشاء محطات نووية فى مكان آخر، الأمر الذى دفع أحمد نظيف (رئيس الوزراء وقتها) إلى إعلان أنه يدرس هذه النصيحة كما قال أمام مؤتمر حوكمة الشركات، طبقاً لما نشرته جريدة الجمهورية فى 1 نوفمبر 2006.
وما من شك فى أن ذلك، ونقصد الاستيلاء على موقع الضبعة، لم يكن له أى هدف غير تصفية البرنامج النووى المصرى.
كانت إسرائيل فى ذلك الوقت تراقب المشروع بهدوء وتكفى الإشارة إلى أن جريدة «هاآرتس» نشرت وقتها أن مصر تضيع الوقت وتتردد فى طريقها للحصول على الطاقة النووية السلمية، وأنها (أى مصر) أعلنت فى 2006 إحياء برنامجها النووى واتخذت الإجراءات اللازمة، لكن ما تكشف بعد ذلك هو أنها ليس لديها من الخبراء ما يكفى فى مجال الذرة والأمان النووى.
وأضافت الصحيفة أن موقع الضبعة المقرر أن يقام عليه أول مفاعل نووى يثار حوله الجدل على الرغم من أن اختياره جاء بعد دراسات وبحوث.
وأوضحت أن رجال أعمال بينهم مقربون من جمال مبارك نجل الرئيس المصرى حسنى مبارك يعتقدون أنه من الأفضل بناء قرية سياحية فى موقع الضبعة، ولفتت الصحيفة إلى أن هناك شائعات بأن رجال الأعمال هؤلاء تمكنوا من شراء أراضٍ فى الضبعة بحجة أنها لا تناسب بناء مفاعلات نووية.
والغريب أن الدراسات التى أجريت على موقع الضبعة فى 2009 واستغرقت أكثر من عام، بعد الاستقرار على استشارى عالمى للمشروع «مكتب وورلى بارسونز السويسرى» فى عام آخر؛ لم تختلف كثيراً عن دراسات الثمانينيات التى أكدت أن موقع الضبعة أنسب موقع فى مصر لإقامة المحطات النووية، وخرجت مسودة التقرير -الذى لم يعلن عن مضمونه بشكل رسمى حتى الآن- لتضع «الضبعة» فى صدارة المواقع الصالحة للمشروع، ووصفته بـ«الموقع النووى المتكامل»، ووضع التقرير بقية المواقع التى رشحتها الوزارة فى مرتبة لاحقة لـ«الضبعة».
وفسرت مصادر فنية من داخل هيئة المحطات النووية، المسئولة فنياً عن اختيار مواقع المحطات النووية، النفى الرسمى لوزارة الكهرباء لكل ما أثير حول تقرير استشارى المشروع، ووصفها له بـ«غير الدقيق» دون أى تفنيد أو أدنى إشارة إلى موعد الإعلان عن الموقع الذى تم الاستقرار عليه، بمحاولة الوزارة تسويف الأمر وتمييعه، حتى يتلقى وزير الكهرباء تعليمات جهات عليا، لم تسمها المصادر، للإعلان عن «الضبعة» موقعاً للمشروع، أو استبعاده والإعلان عن أقرب المواقع جاهزية بعده.
وقيل وقتها إن موقع «النجيلة» الذى يقع غربى موقع الضبعة بـ350 كيلو متراًً، بالقرب من الحدود المصرية الليبية، هو الموقع البديل لـ«الضبعة»، رغم أن تقرير «بارسونز» وضعه فى مرتبة تالية لموقع «الضبعة»، باعتباره موقعاً مناسباً، لكن بدرجة جودة أقل كثيراً من «الضبعة».
ومن وقتها وحتى توقيع العقد مع روس أتوم الروسية، قبل أيام، ظل الجدل يشتد ويخفت كل فترة حول كون منطقة الضبعة «نووية» أو «سياحية»، بالتوازى مع صراعات محتدمة بين لوبى مصالح يتحكم فى قرى الساحل الشمالى ومنشآته، وبين أهالى المنطقة من ناحية.. وبين الإدارة والإرادة المصرية من ناحية وإدارات وقوى لا تريد لمصر خيرا من ناحية أخرى، وتتحرك لخدمتها أو بأوامرها أيادٍ داخلية، وسيسجل التاريخ أن مصر فى عهد السيسى، قامت بتنفيذ أكبر مشروع لتطوير قناة السويس منذ حفرها، ووضعت أسس تعظيم العائد الاقتصادى لموقعها الفريد، وتعزيز أمنها القومى بتعمير وتنمية وتصنيع ضفتى القناة، وتعميق ربط سيناء بالوادى. وبإنشاء أربع محطات نووية بالضبعة، سوف يسجل التاريخ أيضا أن مصر فى عهد السيسى نفذت برنامجها النووى، الذى تعددت أسباب إخفاقه على مدى ستين عاماً.. ودخلت النادى النووى من أوسع أبوابه.
مصر تصارع وحوش رأس المال فى الساحل الشمالى.. وخيانة الجواسيس فى تل أبيب
تسفى مزائيل: منطقة الضبعة هى الأفضل.. ولكن أصدقاء جمال مبارك يحلمون بقرية سياحية وهذا يضمن الاستقرار لتل أبيب!!
- أحمد المغربى يعترف بزيارة وفود أجنبية إلى الضبعة تمهيداً لتحويلها إلى منتجع سياحى!!
فضائيات وصحف خاصة متورطة فى تمويل حملات شرسة للسخرية من المشروع!!
أخيراً، تحقق الحلم، وعاد المشروع النووى المصرى يطل مرة أخرى بعد أن توقف أكثر من مرة فى عهد الرئيس عبدالناصر ثم توقف فى عهد الرئيس السادات ثم توقف للمرة الثالثة فى منطقة الضبعة سنة 1986 بزعم الخوف من تكرار ما حدث فى تشير نوبل!!
جهود مضنية قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى لإعادة إحياء الدولة فى المجالات الاقتصادية والسياسية وحاول ضبط الموازين واستكمال ما توقف من المشاريع الكبرى لبناء الاقتصاد المصرى وتطوير البنية التحتية، ومع تلك الجهود، بدأ تحقيق حلم المصريين فى إقامة «مشروع المحطة النووية بالضبعة» الذى توقف ما يقرب من 34 سنة بين ضغوط دولية ومحاربة أباطرة رجال الأعمال لإقامة المشروع بزعم أنه سيؤثر على منتجعاتهم، بالإضافة إلى تعدى أهالى الضبعة على الأرض المخصصة لإقامة المشروع، مستغلين حالة الانفلات التى صاحبت ثورة 25 يناير، وعقب انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، أحيا المشروع من جديد وقرر البدء فى إنشاء المحطة النووية، وأعلن أن منطقة الضبعة هى المكان الأنسب لإقامة المشروع، فى وقت أصبح الخيار النووى ضرورة ملحة، وأحد متطلبات الأمن القومى المصرى، وكانت زيارته إلى روسيا أولى الخطوات، حيث أعلن الرئيس السيسى أنه تم الاتفاق على إقامة منطقة حرة مع الاتحاد الروسى، وتعزيز التعاون فى مجال الطاقة، كما انتهت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة من أعمال البنية التحتية لمشروع الضبعة النووى لتوليد الكهرباء، وجارٍ تنفيذ المرحلة النهائية من أعمال التشطيبات الخاصة بمبانى العاملين.
وتشمل البنية التحتية للمشروع إنشاء برج الأرصاد لقياس درجات الحرارة والرطوبة واتجاهات الرياح، إضافة إلى إنشاء مبانى العاملين وأجهزة قياس المياه الجوفية والزلازل والتيارات البحرية وإمداد خطوط الغاز والمياه والكهرباء والاتصالات.
حتمية قرار تنفيذ المشروع النووى المصرى، جاءت تجسيداً لاستيعاب واقع الاستخدام العالمى، الفعلى والمتوقع، للطاقة النووية. فنصيب الطاقة النووية فى إجمالى استهلاك الطاقة فى العالم خلال الفترة بين عام 1973 وعام 2012، قد تضاعف بنحو ثمانى مرات، من أكثر قليلا من 1% إلى أقل قليلا من 10%؛ وفى عام 2012، لم تتعد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة نحو 1.5٪ من إجمالى إمدادات الطاقة المستهلكة فى العالم. وأضيف هنا -وفقا لبيانات وكالة الطاقة النووية فى يوليو 2015- أنه يوجد 438 مفاعلاً نووياً لتوليد الكهرباء فى ثلاثين دولة، ويجرى إنشاء 67 محطة نووية جديدة فى 15 دولة.
وفى عام 2014، اعتمدت 13 دولة على الطاقة النووية فى توفير ما يزيد على 30٪ من إجمالى استهلاكها من الكهرباء، وتراوحت هذه النسبة بين 77٪ فى فرنسا ونحو 30٪ فى كوريا الجنوبية، ووفق مؤشر الكهرباء المولدة من محطات نووية فى عام 2014، شغلت المراكز العشرة الأولى فى العالم على الترتيب: الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وكوريا الجنوبية والصين وكندا وألمانيا وأوكرانيا والسويد والمملكة المتحدة، وتوزعت 67 محطة نووية جديدة تحت الإنشاء فى 15 دولة، توزعت على النحو التالى: 24 فى الصين و9 فى روسيا و6 فى الهند و5 فى الولايات المتحدة و4 فى كوريا الجنوبية و3 فى دولة الإمارات العربية المتحدة، ومحطتان فى كل من اليابان وروسيا البيضاء وأوكرانيا وتايوان وباكستان وسلوفاكيا، ومحطة واحدة فى كل من فرنسا وفنلندا والبرازيل والأرجنتين.
وأخيراً، نجحت مصر فى توقيع تعاقد إنشاء محطة نووية بالضبعة لاستخدامها كبديل للطاقة الكهربائية، وهو التعاقد الذى جاء لينهى سنوات طويلة ضاعت على مصر خلالها أكثر من فرصة للبدء فى برنامجها النووى، كانت الخطوات خلالها تتعثر وكان من الواضح تماما جداً أن هناك قوى لا تريد لمصر أن تحقق هذا الإنجاز الحضارى والعلمى وفى مقدمة هذه القوى أمريكا وإسرائيل.. ويعاونهم للأسف من يحملون الجنسية المصرية.. كان السؤال الملح أمام الحكومة المصرية والقيادة السياسية هو: إلى أين نتجه؟!.. ومع من نتعاون فى إقامة المحطة النووية؟!.. وكانت الإجابة بعد تفكير طويل هى «روسيا».
وكان اختيار روسيا مبنياً على عدة أسس وجيهة أهمها أنها دولة صديقة منذ عقود طويلة وكانت أول دولة تشاركنا وتساعدنا فى بناء البرنامج النووى فى الستينيات كما أنها تعد الدولة الوحيدة التى تقوم بتصنيع مكونات المحطة النووية بنسبة 100%، ولا تعتمد على استيراد مكوناتها من أى دول أخرى قد يكون بينها وبين مصر عداوة تعرض المشروع للاحتكار من قبل هذه الدول، إضافة إلى أن روسيا لها تاريخ طويل فى دعم مصر فهى من أنشأت مفاعل أنشاص وساهمت فى بناء السد العالى كما أنها دولة قوية يصعب اختراق أمنها بسهولة.
كما أن مصر وروسيا الآن ترتبطان بعلاقات قوية ومتينة وأستطيع القول إنهما ضمن حلف دولى قوى يقف فى مواجهة قوى دولية وإقليمية لاتريد خيراً للمنطقة ومصر، وبالتالى ستساعد روسيا مصر فى بناء المحطة بكل ما أوتيت من قوة، فضلاً عن أن روسيا لم تضع أى شروط سياسية على مصر لإقامة المحطة، كما ستنشئ مركز معلومات للطاقة النووية ونشر ثقافة التعامل معها شعبياً، كما أنها وافقت على أن تقوم مصر بسداد قيمة المحطة بعد الانتهاء من إنشائها وتشغيلها، مع وجود فترة سماح علاوة على إنشاء مصانع روسية فى مصر لتصنيع مكونات المحطة محلياً وعقد دورات تدريبية للكوادر المصرية على استخدام التكنولوجيا النووية ونقل الخبرات الروسية للمصريين.
ومهم هنا أن نشير إلى أن بنود العقد تنص على أن تقوم مصر بسداد قيمة المحطة النووية بعد الانتهاء من إنشائها وتشغيلها، وذلك من الوفرة الناتجة من المحطة مع وجود فترة سماح يتم تحديدها بالاتفاق بين الجانبين، علاوة على إنشاء مصانع روسية فى مصر لتصنيع مكونات المحطة النووية محلياً وهو ما سيعمل على تطوير الصناعة المحلية فى مصر، ويشمل العرض أيضاً عقد دورات تدريبية للكوادر المصرية على استخدام التكنولوجيا النووية ونقل الخبرات الروسية فى هذا المجال للمصريين. وقال المصدر: إن العقد ينص على أن توفر روسيا 90% من المكون الأجنبى «عملة الدولة»، وتوفر مصر 10%، لافتاً إلى أن نسبة التصنيع المحلى ستصل إلى 25% لإدخال تكنولوجيا الطاقة النووية للبلاد وبناء كوادر مصرية فى هذا المجال.
بالإعلان عن توقيع عقد إقامة مفاعل الضبعة عاد المشروع النووى المصرى، ليطل مرة أخرى كحلم أمام المصريين وليحقق العديد من الأهداف والمزايا على مختلف المستويات.
فعلى المستوى السياسى أكد عمق العلاقات بين القاهرة وموسكو، ومتانة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، وقطع فى الوقع نفسه الطريق على مجموعة الحاقدين والمزايدين والمتربصين والمشككين فى هذه العلاقات، خاصة عقب تداعيات حادث تحطم الطائرة الروسية المنكوبة فى أجواء سيناء قبل نحو ثلاثة أسابيع.
وعلى المستوى العلمى والتكنولوجى فإن الاتفاق يدشن لمرحلة جديدة تدخل معها مصر عصر الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، الأمر الذى يدعم مسيرتها فى معركة التنمية، وهى تخطو نحو بناء دولة حديثة تقوم على أسس علمية سليمة، تأخذ فى سبيلها بكل أسباب النهوض والتقدم العلمى، خاصة بعد أن تعددت الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وأصبحت تدخل فى معظم المجالات العلمية والطبية والزراعية والصناعية، وحتى فى مجالات التغذية، وزيادة الإنتاج النباتى والحيوانى، كما أصبحت توفر نصيباً كبيراً من الطاقة الكهربائية على مستوى العالم.
وعلى مستوى بناء الكوادر العلمية فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، فإنه يمكننا القول إن مشروع محطة الضبعة النووية سيسهم فى استيعاب الكوادر المصرية المدربة الموجودة بهيئة الطاقة الذرية، بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى ذات الصلة، فضلاً عن بناء كوادر جديدة قادرة على تحقيق نقلة نوعية بالمنطقة العربية، كما سيسهم فى استعادة الكوادر المصرية الموجودة بالخارج.
وفوق ذلك كله، جاء توقيع التعاقد مع «روس أتوم»، ليعلن انتصار الدولة وعلمائها فى مواجهة رجال أعمال غلبّوا مصالحهم الشخصية أو مصالح شركائهم فى الخارج قبل الداخل وعلى المصالح العليا للوطن.
فى زمن مضى، استغل هؤلاء قربهم من دوائر السلطة وضغطوا بنفوذهم لتجميد المشروع الحلم.
ولم يكن هناك تفسير للتخلى عن المشروع أو الحلم غير خضوع الدولة التام لرجال الأعمال أو لمن يحركونهم، على أن توقيع العقد لا يعنى أننا تجاوزنا كل العقبات التى تقف فى طريق امتلاك برنامج نووى مصرى، فالمحاولات لن تتوقف لتقزيم هذا البرنامج، وأملنا فى أن تسعى مصر بكل قوتها لإعادة بناء قدراتها البشرية وامتلاك التكنولوجيا النووية من ألفها إلى يائها، وذلك طبعاً فى الحدود التى تسمح بها التزاماتنا الدولية، لنكون قد قطعنا خطوة جديدة فى طريق الألف ميل.
لقد وصل الأمر إلى حد أن يقف وزير الكهرباء فى مجلس الشورى ليرد على خبر نشرته جريدة «الأهرام» الرسمية فى صدر صفحتها الأولى، بأنه الاختيار وقع على الضبعة لتكون موقع محطة نووية مصرية، نافياً ذلك بشدة ومؤكداً أن موقع المحطة النووية مازال تحت الدراسة!
ورغم وجود دراسات عديدة لعلماء وخبراء الطاقة على أرض المشروع النووى بالضبعة تجاوزت الـ500 مليون جنيه مصرى، أكدت أن هذه الأرض الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط التى تبعد عن مدينة مرسى مطروح بحوالى 150 كيلو متراًً شرقاً إلى الإسكندرية، هى الأنسب لإقامة أول محطة نووية مصرية، إلا أن حالة التلكؤ والتباطؤ فى إعلان بدء تنفيذ المشروع جعلت كثيراً من المراقبين يشككون فى النوايا ويستسلمون لسيطرة ونفوذ رجال الأعمال الطامعين فى أرض المشروع الذين كانت تحركاتهم وتصريحاتهم أقوى من الحكومة نفسها، ولا شك فى أن التردد والتراجع فى الإعلان عن اختيار الضبعة (نووياً) على ما يقترب من الـ30 عاماً، يمثل ترجمة حقيقية للصراع بين الحكومة ورجال الأعمال الطامعين فى موقع الضبعة الذى يتوسط مجموعة من المنتجعات السياحية شرقاً وغرباً على الساحل الشمالى.
على مدى كل تلك السنوات، كان السؤال: لماذا يريد رجال الأعمال الاستحواذ على أرض الضبعة بالذات؟!.. وهو السؤال الذى شغل الرأى العام كله، ليس على مستوى النخبة فقط، وإنما حتى على مستوى أهالى الضبعة أنفسهم، الذين يقيمون فى هذه المنطقة منذ عهد محمد على ولم يشعروا يوماً أنها تستحق كل هذا الاهتمام من رجال الأعمال، ولم يستفيدوا يوماً من كل القرى السياحية والمنتجعات الممتدة والمتناثرة حولهم شرقاً وغرباً، لكن ما لم يشعر به الأهالى أنفسهم أن الضبعة منطقة مميزة جداً فهى تقع شمال غرب مصر بين مدينتى الإسكندرية ومرسى مطروح وتتبع إدارياً محافظة مطروح، وتبدأ حدود الضبعة من قرية غزالة شرقاً حتى قرية فوكه غرباً، وتبلغ مساحتها 60 كيلو متراًً على الساحل، ويفصلها عن الطريق الدولى 2 كيلو مترين، بالإضافة إلى ذلك كله فهى تقع على الساحل ضمن مجموعة متميزة من القرى السياحية والمنتجعات، وهذه كلها مميزات جعلت رجال الأعمال يحاربون ويخوضون معارك ضد الإعلام والحكومة من أجل السيطرة عليها.
حتى ندرك أهمية المشروع، تعالوا نعود إلى دراسة أعدها المركز الأورشاليمى للدراسات السياسية والاستراتيجية فى إسرائيل، فى أغسطس 2010 ذكرت بوضوح أن اختيار منطقة الضبعة لإقامة مفاعل نووى فى مصر، هى الخطوة الأخيرة التى تسبق دخول القاهرة النادى النووى.. أو البوابة الفعلية لدخول ذلك «النادى».
وفى الدراسة تحذير واضح من أن المفاعل النووى السلمى المزمع إنشاؤه فى مصر، سيوفر للقاهرة القاعدة العلمية والتكنولوجية الملائمة للبدء سريعاً فى برنامج نووى عسكرى، وتصنيع قنبلة نووية، بما يتناسب مع الظروف السياسية والاستراتيجية التى قد تشهدها المنطقة مستقبلاً.
الدراسة التى أعدها تسفى مزائيل، السفير الإسرائيلى الأسبق بالقاهرة، قالت بوضوح إن القاهرة حسمت خيارها، وقررت أن تتحول لدولة نووية، وأن مجرد بناء مفاعل نووى سلمى، وتشغيله يعد بمثابة قاعدة علمية وتكنولوجية، لتطوير هذا البرنامج بشكل يثير القلق فى تل أبيب.
وأشارت إلى أنه فى أعقاب إنشاء المفاعل النووى السلمى فى الضبعة، سيكون طريق القاهرة نحو القنبلة النووية قصيراً، ومفروشاً بالخبرات والوسائل والمعدات اللازمة للتحول لإنشاء مفاعل نووى لأغراض عسكرية، وسيكون الأمر حينئذ رهناً بالرغبة السياسية لدى القيادة المصرية، وربما رهناً بالظروف السياسية والعسكرية التى ستشهدها المنطقة فى السنوات القليلة المقبلة.
ولم ينس «تسفى مزائيل» أن يشير فى دراسته إلى أن مصر قامت بالتوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية سنة 1981، وأنها منذ تلك السنة، تدعو لإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووى، وتشن حملة منظمة ضد الترسانة النووية الإسرائيلية، وتبذل القاهرة جهوداً كبيرة فى الساحة الدولية لإجبار إسرائيل على الانضمام لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وإخضاع مفاعل ديمونة لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأضافت الدراسة الإسرائيلية بوضوح أن مصر ترفض حتى اليوم التوقيع على البروتوكول الإضافى لمعاهدة حظر انتشار السلاح النووى، الذى يتيح للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن تقوم بجولات تفتيش مفاجئة فى المنشآت النووية التابعة للدول الموقعة على المعاهدة بحسب الدراسة، لكسب مساحة مناورة إذا دخلت المنطقة فى سباق تسلح نووى، تحت أى ظرف من الظروف.
ولم تستبعد الدراسة أن يكون وراء القرار المصرى (وقتها) باتخاذ خطوات فعلية باتجاه تأسيس البرنامج النووى، رغبة فى الحفاظ على مكانتها وزعامتها فى المنطقة، فى ضوء النجاحات الإيرانية المتتالية فى هذا المجال.
وأنهى تسفى مزائيل دراسته بالتأكيد على أن ما يثير قلق إسرائيل ليس مجرد إعلان القاهرة عن رغبتها فى دخول «النادى النووى» عام 2006، وإنما إمكانية أن يشجع ذلك بعض الدول العربية، التى ستكون لها رغبات مماثلة، وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية، والإمارات، والأردن.
والبرنامج النووى المصرى لا يبدأ من فراغ.. فقد كانت بداية البرنامج منذ الخمسينيات فى مفاعل أنشاص وتم تدريب كوادر مصرية على مدى تلك السنوات بما أتاح لنا من الخبرات ما يمثل النواة التى يمكن أن نبنى عليها برنامجاً استراتيجياً.
والإشارة واجبة هنا إلى أنه كانت هناك ثلاث محاولات لبناء محطات بدأت فى عام 1955 بمشروع محطة قدرتها 150 ميجاوات لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، لكنه توقف بسبب حرب يونيو 1967، وكانت المحاولة الثانية فى عام 1974 بمساعدة وتشجيع أمريكيين غير أن واشنطن اشترطت خضوع المحطات النووية المصرية للتفتيش الأمريكى وهو ما رفضه الرئيس المصرى فى حينها أنور السادات، فلم تجد الفكرة سبيلاً للتنفيذ. أما المحاولة الثالثة فاختير لها موقع الضبعة بعد دراسات عدة فى سنة 1981، واتخذ المجلس الأعلى للطاقة حينها قراراً بإنشاء 8 محطات نووية، ولكن توقف المشروع بعد حالة الهلع التى أحدثها حادث مفاعل «تشيرنوبيل» السوفييتى سنة 1986 وما أثاره من تساؤلات بخصوص الأمن النووى.
وتجدّد الأمل فى دخول مصر «العصر النووى» مع إعلان الأمين العام المساعد للحزب الوطنى الحاكم جمال مبارك فى مؤتمر الحزب عام 2006 إعادة انطلاق البرنامج النووى المصرى ببناء 3 محطات نووية لتوليد التيار الكهربائى.
وقررت مصر الشروع فى بناء محطات نووية بسبب ضآلة احتياطاتها من النفط والغاز الطبيعى، إذ ذكرت دراسات عدة، منها التقرير السنوى للتنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية لعام 2009 أن احتياطات مصر من النفط والغاز قد تبدأ فى النضوب مع حلول عام 2016، لذا لجأت مصر إلى الخيار النووى لما له من جدوى اقتصادية عالية، إذ أكدت دراسات أن توليد الطاقة الكهربائية من خلال المحطات النووية أقل تكلفة من توليدها باستخدام البترول أو الغاز، فضلاً عن تضاعف استهلاك المجتمع المصرى للكهرباء 4 مرات فى الأعوام الأخيرة بسبب الانفجار السكانى، وتولد مصر الطاقة الكهرومائية بمعدل 2800 ميجاواط، ولم يبقَ لديها سوى هامش ضيق للتوسع فى هذا النوع من الطاقة لا يتجاوز 5 ميجاواط. وتقدر التكلفة المتوقعة لإقامة محطة نووية سلمية تنتج ألف ميجاواط بنحو بليونى دولار، وتؤكد دراسات عدة أن تكلفة تشغيلها أقل من إنتاج الكمية ذاتها من الطاقة الكهربائية باستخدام البترول والغاز.
ومصر لديها مفاعلان صغيران للبحوث الذريّة فى منطقة أنشاص فى شرق القاهرة، الأول بُدِئَ العمل به فى عام 1961 بمساعدة الاتحاد السوفييتى السابق وصمم لإنتاج النظائر المشعة وتدريب العاملين والفنيين، وتبلغ قوته 2 ميجاواط ويعمل باليورانيوم المخصب.
أما المفاعل النووى البحثى الثانى فمتعدد الأغراض، ويعمل بقوة 22 ميجاواط وأنشئ بالتعاون مع الأرجنتين وافتتح فى فبراير 1998، ويعمل كلياً فى المجال السلمى، ويحقق مردوداً اقتصادياً من خلال إنتاج النظائر المشعة التى تستعمل فى تشغيل معدات علاج الأورام السرطانية، إضافة إلى تعقيم المعدات الطبية والأغذية ويساهم فى إنتاج رقائق السيلكون المستخدمة فى الصناعات الإلكترونية الأساسية، وهناك اتفاقات مبرمة بين مصر ووزارة الطاقة الأمريكية قبل سنوات بخصوص توريد اليورانيوم المخصب اللازم لدورة الوقود النووى بما يسمح باستيراد وقود نووى مخصب يكفى لتشغيل محطتين نوويتين.
ونأتى إلى موقع الضبعة، الذى كان هو الموقع الوحيد الذى اكتملت حوله الدراسات منذ فترة الثمانينيات.. وكانت أسباب أو مبررات الانتظار هى أنه قد استجدت تطورات كبيرة فى تكنولوجيا إقامة المحطات النووية، وأن الدول المتقدمة فى هذا المجال مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وكندا وكوريا تبحث فى أجيال متعاقبة من المحطات النووية، لدرجة أن فرنسا وصلت إلى الجيل الرابع وأن تطورات فى تكنولوجيا إقامة تلك المحطات الجديدة منذ الثمانينيات وبالتالى لم تقتصر الدراسات على ما تم بالنسبة لموقع الضبعة فى ذلك الوقت ولكن روعيت المعايير الجديدة التى تم تطبيقها على ضوء ما حددته وكالة الطاقة الذرية وقد أعادت التأكيد بأن الضبعة هى الموقع الأمثل لإقامة المحطة!!
وموقع الضبعة يتميز بأنه بعيد عن حزام الزلازل وآمن من الهزات الأرضية، كما أن أرضه منبسطة على البحر وليس بها تلال أو مرتفعات، ووجودها على البحر يوفر لها المياه اللازمة للتشغيل.
وبسبب القرار الجمهورى الذى لم يتم تنفيذه طوال 34 سنة، كان السور الكبير الذى يزيد على 15 كيلو متراًً، سببا فى تجميد مدينة كاملة، وإصابتها بما يشبه الشلل!!
المدينة كانت مصابة بالشلل فعلاً منذ صدور القرار الجمهورى رقم 309 لسنة 1981، الخاص بإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر بها، والذى تم بموجبه نزع ملكية الأراضى الواقعة فى نطاق المشروع الذى يمتد بطول 15 كيلو متراً بمحازاة الطريق الساحلى، وبعمق يتراوح ما بين 3 و5 كيلو مترات على ساحل البحر المتوسط، وهى المنطقة الرئيسية التى كان يسكنها أهل الضبعة الذيين كانوا يعملون فى رعى الأغنام وزراعة الزيتون والتين والموالح واللوز والعنب وأحياناً الشعير والقمح.
السور الكبير عزل المنطقة عما حولها، وتم تعديل الطريق الساحلى القديم الذى كان يخترق أرض المشروع؛ وإزاحته لمسافة 2 كيلو مترين جنوباً بمحازاة السور الخارجى، ضمن سلسلة طويلة من الإجراءات فى طريق تنفيذ المشروع.
غير أن كل شىء توقف فجأة سنة 1986، وظل الوضع مجمداً لما يقترب من العشرين سنة، حين تذكر النظام الأسبق فجأة فى سبتمبر 2006 أن يحيى البرنامج النووى، لندخل وقتها فى جدل استمر سنتين انتهى بالانصياع لضغوط عدد من الحيتان، والوصف لرجال الأعمال يمكن وصفهم بأنهم من الوزن الثقيل!!
فكان أن استغل الناهبون الفرصة لـ«تسقيع» الموقع و«تسليكه» من مشاكل الإشغالات غير القانونية بحيث يمكن بيعه خالياً من الموانع لمستثمرين أجانب، وبالفعل لم يمض عام على هذا القرار إلا وكان أحمد المغربى وزير السياحة وقتها يصطحب محافظ مطروح ووفداً أجنبياً مجهول الهوية واتجهوا مباشرة إلى مواقع يبدو أنها كانت محددة سلفاً، كمقدمة لتفكيك المشروع وتحويله إلى منتجع سياحى باستثمارات أجنبية، وهو ما اعترف به أحمد المغربى وزير السياحة وقتها (5 أكتوبر 2004) فى حوار لجريدة «الشرق الأوسط»، وأكد أنه زار الموقع بصحبة وفد أجنبى ومحافظ مطروح لاستطلاع إمكانيات الموقع السياحية وما إذا كان يصلح لإقامة منطقة سياحية، وأضاف قائلاً: «وجدت أن الموقع يصلح لدخوله ضمن خطة تنمية الساحل الشمالى».
وما إن تسربت أخبار عن إعادة التفكير فى المشروع إلا وبدأت حملات «مشبوهة» تروج لإمكانية بيع موقع الضبعة للاستخدامات السياحية واستخدام عائد البيع لتمويل إنشاء محطات نووية فى مكان آخر، الأمر الذى دفع أحمد نظيف (رئيس الوزراء وقتها) إلى إعلان أنه يدرس هذه النصيحة كما قال أمام مؤتمر حوكمة الشركات، طبقاً لما نشرته جريدة الجمهورية فى 1 نوفمبر 2006.
وما من شك فى أن ذلك، ونقصد الاستيلاء على موقع الضبعة، لم يكن له أى هدف غير تصفية البرنامج النووى المصرى.
كانت إسرائيل فى ذلك الوقت تراقب المشروع بهدوء وتكفى الإشارة إلى أن جريدة «هاآرتس» نشرت وقتها أن مصر تضيع الوقت وتتردد فى طريقها للحصول على الطاقة النووية السلمية، وأنها (أى مصر) أعلنت فى 2006 إحياء برنامجها النووى واتخذت الإجراءات اللازمة، لكن ما تكشف بعد ذلك هو أنها ليس لديها من الخبراء ما يكفى فى مجال الذرة والأمان النووى.
وأضافت الصحيفة أن موقع الضبعة المقرر أن يقام عليه أول مفاعل نووى يثار حوله الجدل على الرغم من أن اختياره جاء بعد دراسات وبحوث.
وأوضحت أن رجال أعمال بينهم مقربون من جمال مبارك نجل الرئيس المصرى حسنى مبارك يعتقدون أنه من الأفضل بناء قرية سياحية فى موقع الضبعة، ولفتت الصحيفة إلى أن هناك شائعات بأن رجال الأعمال هؤلاء تمكنوا من شراء أراضٍ فى الضبعة بحجة أنها لا تناسب بناء مفاعلات نووية.
والغريب أن الدراسات التى أجريت على موقع الضبعة فى 2009 واستغرقت أكثر من عام، بعد الاستقرار على استشارى عالمى للمشروع «مكتب وورلى بارسونز السويسرى» فى عام آخر؛ لم تختلف كثيراً عن دراسات الثمانينيات التى أكدت أن موقع الضبعة أنسب موقع فى مصر لإقامة المحطات النووية، وخرجت مسودة التقرير -الذى لم يعلن عن مضمونه بشكل رسمى حتى الآن- لتضع «الضبعة» فى صدارة المواقع الصالحة للمشروع، ووصفته بـ«الموقع النووى المتكامل»، ووضع التقرير بقية المواقع التى رشحتها الوزارة فى مرتبة لاحقة لـ«الضبعة».
وفسرت مصادر فنية من داخل هيئة المحطات النووية، المسئولة فنياً عن اختيار مواقع المحطات النووية، النفى الرسمى لوزارة الكهرباء لكل ما أثير حول تقرير استشارى المشروع، ووصفها له بـ«غير الدقيق» دون أى تفنيد أو أدنى إشارة إلى موعد الإعلان عن الموقع الذى تم الاستقرار عليه، بمحاولة الوزارة تسويف الأمر وتمييعه، حتى يتلقى وزير الكهرباء تعليمات جهات عليا، لم تسمها المصادر، للإعلان عن «الضبعة» موقعاً للمشروع، أو استبعاده والإعلان عن أقرب المواقع جاهزية بعده.
وقيل وقتها إن موقع «النجيلة» الذى يقع غربى موقع الضبعة بـ350 كيلو متراًً، بالقرب من الحدود المصرية الليبية، هو الموقع البديل لـ«الضبعة»، رغم أن تقرير «بارسونز» وضعه فى مرتبة تالية لموقع «الضبعة»، باعتباره موقعاً مناسباً، لكن بدرجة جودة أقل كثيراً من «الضبعة».
ومن وقتها وحتى توقيع العقد مع روس أتوم الروسية، قبل أيام، ظل الجدل يشتد ويخفت كل فترة حول كون منطقة الضبعة «نووية» أو «سياحية»، بالتوازى مع صراعات محتدمة بين لوبى مصالح يتحكم فى قرى الساحل الشمالى ومنشآته، وبين أهالى المنطقة من ناحية.. وبين الإدارة والإرادة المصرية من ناحية وإدارات وقوى لا تريد لمصر خيرا من ناحية أخرى، وتتحرك لخدمتها أو بأوامرها أيادٍ داخلية، وسيسجل التاريخ أن مصر فى عهد السيسى، قامت بتنفيذ أكبر مشروع لتطوير قناة السويس منذ حفرها، ووضعت أسس تعظيم العائد الاقتصادى لموقعها الفريد، وتعزيز أمنها القومى بتعمير وتنمية وتصنيع ضفتى القناة، وتعميق ربط سيناء بالوادى. وبإنشاء أربع محطات نووية بالضبعة، سوف يسجل التاريخ أيضا أن مصر فى عهد السيسى نفذت برنامجها النووى، الذى تعددت أسباب إخفاقه على مدى ستين عاماً.. ودخلت النادى النووى من أوسع أبوابه.