ياسر بركات يكتب عن ياسر بركات يكتب عن مواطن مصرى اسمه «أحمد أبوزيد».. معركة الشرفاء فى الخارجية المصرية
فى كثير من الملفات الحساسة الخاصة بموقف الدولة المصرية، كنتُ أوجه اللوم فى مقالات سابقة إلى وزارة الخارجية المصرية باعتبارها أهم منصة مصرية يمكن من خلالها مواجهة أكاذيب الإعلام الغربى، فالمعروف أن الخارجية المصرية بتاريخها العريق هى سفير البلاد إلى العالم، واليوم أجدنى فخوراً بتلك المؤسسة العريقة وهى تستعيد رونقها وترتدى علم مصر وتحمل تاريخ مصر وتقدم درساً بليغاً لكل الذين حاولوا تشويه صورة مصر.
وفى خلال أسبوع واحد، مثلاً، رأينا سامح شكرى وزير الخارجية، يعالج عدداً من الملفات الحساسة، أو شديدة الحساسية.. أبرزها إزالة أى فجوات بين القاهرة والرياض فيما يخص الشأن السورى، واستبعاد الحل العسكرى، الذى لم يعد وارداً هناك، وأصبح للقاهرة والرياض رؤية مشتركة ورواية تكاد تكون واحدة لإخراج سوريا من أزمتها وإنهاء الصراع المحتدم فيها بعد.
وبينما، ظل الإرهاب يتفاقم فى المنطقة بشكل سريع واستمرت آثاره تتضح للجميع، وتزايدت مخاطره التى باتت تهدد كل شعوب المنطقة بشكل بالغ، كان مهماً أن تتوافق كل أطراف المجتمع الدولى على وضع استراتيجية متكاملة وشاملة لمقاومة الإرهاب، وظهر دور مصر المؤثر فى القضاء على هذه الظاهرة، وهو الدور الذى ترجمه أداء الدبلوماسية المصرية ونجح إلى حد كبير فى إيصاله للعالم.
العالم كله، صار يعرف أن مصر تقاوم على أراضيها فى إطار سليم مع مراعاة كل الحقوق، وهى حقوق مواطنة فى المقام الأول، واستطاعت الدبلوماسية المصرية إيضاح حقيقة أن عقيدة الجيش والشرطة، هى عقيدة منتظمة وواضحة، هدفها الأول والأخير هو حماية الشعب المصرى والدفاع عن أمن مصر القومى.. أصبح ذلك معروفاً للعالم كله إلا دولاً بعينها، تغمض أعينها عن عمد،
وكان للتواصل المستمر بين وزير الخارجية المصرى ونظيره الروسى، سيرجى لافروف، دور فعال ومؤثر فى معالجة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتقريب وجهات النظر، بشكل جعلها تبدو متطابقة.
ونأتى، لحدث الأسبوع الماضى الأبرز.. للمباحثات التى جرت مع وزيرة الخارجية المكسيكية، التى كانت إيجابية على كل المستويات.
صحيح أن الظروف التى أتت بها كانت مؤلمة، ومحاطة بضغوط نفسية وسياسية، لكننا تمكنا من معالجة الأمر بأكبر قدر ممكن من الحكمة، وحاولنا قدر الإمكان أن نوفر لها ولوفدها إحاطة كاملة بكل الظروف الخاصة، ولم تتقدم بطلب إلا وكانت الاستجابة له، هى الرد، تقديرا للظروف الصعبة والمسئوليات الملقاة على عاتقها.
وغير ذلك كله، كانت الخارجية المصرية موفقة فى قطع الطريق على كل محاولات الصيد فى الماء العكر التى أرادت بها أطراف بعينها، أن تسىء إلى شعب مصر وحكومتها.
وما من شك فى أن الإعلام، هو السلاح الجديد/القديم، فى يد من يحسن استعماله بشكل متقن، وفى زمن تتقارب فيه المعلومات، أصبح الرافد الإعلامى ومصدر المعلومة وصاحبها والمتحكم فيها هو المحور الأساسى، ومن يدير الأحداث فى مجملها إما ظاهريا أو بشكل خفى والمحصلة هى النفوذ القوى.
ولو رجعنا إلى الخلف قليلاً إلى زمن التحكم الغربى فى الإعلام كله لطرحنا عشرات أو مئات الأمثلة الواضحة على ذلك.
وربما يكون كافياً أن نشير إلى أن قناة مثل «CNN» ضللت الأمريكيين ومعظم متابعيها فى دول العالم المختلفة، سنوات طويلة بتصوريها للوضع فى فلسطين مقلوباً فى مجمله وإيهامهم بأن إسرائيل دولة آمنة وقديمة، بينما فلسطين ليست أكثر من كيان معادٍ ومرتع للمجرمين والقتلة والإرهابيين والمخربين من أصغر طفل إلى أكبر رجل.. ولسنوات طويلة ظلت هذا الأكاذيب تلقى قبولاً لدى ملايين كثيرة فى الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم، الأمر الذى وضع على الصراخ الفلسطينى والعربى نوعاً من كاتم الصوت لافتقارنا الأداء الإعلامى القوى، رغم ما تميزت به سواء بعض البلاد العربية أو البلاد المجاورة المتعاطفة مع القضية العربية من نفوذ إعلامى فى بعض القنوات أو الروافد الإعلامية المكتوبة والمرئية وحتى المسموعة!!
****************
درس الشرفاء لخونة القلم
الأمثلة كثيرة، وتحتاج إلى صفحات وصفحات لسردها وعرضها بشكل مفصل، سواء من حيث الأحداث أو الإحصائيات ومصادر التمويل والدعم وغيرها.. وكلها توضح وتفضح من يمسكون بالخيوط، ويتحكمون فى المعالجات، ولا يضعون نصب أعينهم غير مصالحهم الاقتصادية وتلك هى التى تتحكم فى السياسات، والتى تلعب وسائل الإعلام فى خدمتها.
الأمثلة -كما قلنا- كثيرة ومتعددة، ويكفى أن ننظر فقط إلى ما شهدته الأيام الماضية، لندرك أننا أصبحنا نتعامل بشكل احترافى، يختلف تماماً، عما كنا نتعامل به فى السابق.
ولقد كان المثال الأبرز، هو الصيغة التى ردت بها الخارجية المصرية على أكاذيب وافتراءات جريدة «نيويورك تايمز»، والتى ننقلها لكم بنصها:
«إن المقال المنشور من جانب هيئة تحرير جريدة (نيويورك تايمز) يوم 16 سبتمبر حول الحادث الذى تعرضت له قافلة سياحية فى مصر يعد مضللاً وغير صادق، وكما هى العادة فى معظم ما تنشره الجريدة مؤخراً، فقد استبقت هيئة التحرير نتيجة التحقيقات الرسمية الجارية فى الحادث، بالإشارة إلى أن (هناك حاجة لوجود محاسبة كاملة، وهو مع الأسف أمر لا يتوقع حدوثه فى ظل حكومة السيسى القمعية والمنغلقة).
إن هيئة التحرير تعمدت تجاهل أن مصر بدأت بالفعل فى عملية تحقيق محايدة وذات مصداقية على أعلى المستويات منذ ثلاثة أيام، ولاتزال عملية التحقيق مستمرة، ولكن هذا الأمر لا يحمل لنا أى مفاجأة، فقد تعودنا التغطية المتحيزة وغير الموضوعية من جانب هذه الصحيفة. فإن التغطية الصحفية المسئولة والمهنية تقتضى أن يلتزم الإعلام بنقل الحقيقة، بدلاً من نشر الأحكام والاتهامات التى لا أساس لها من الصحة، والتى لا تستند إلى أى دليل.
ويزيد من وطأة الأمر أن الجريدة نشرت تقريراً آخر حول نفس الموضوع، تم إعداده بنفس القدر من الانتقائية، حيث اختزل متعمداً شقاً مهماً من الخطاب الذى وجهه وزير خارجية مصر إلى الشعب المكسيكى، متناولاً تعليق وزير الخارجية على قواعد الاشتباك التى يلتزم بها مسئولو إنفاذ القانون فى مصر.
اقتبس التقرير من مقولة وزير خارجية مصر قوله: «إنه ليزعجنى بشدة استغلال هذا الحادث ليزعم أحد أن مسئولى إنفاذ القانون فى مصر ليست لديهم قواعد صارمة للاشتباك، وأنهم يتصرفون بشكل عشوائى، ولا يتخذون الاحتياطات اللازمة خلال العمليات التى يقومون بتنفيذها»، حذف تقرير «نيويورك تايمز» بشكل نهائى باقى عبارة وزير الخارجية، التى أكد فيها أن «مسئولى إنفاذ القانون فى مصر يتصرفون وفقاً لقواعد أخلاقية وقانونية صارمة، تستهدف الحيلولة دون إصابة المدنيين»، فلا شك أن ذلك الحذف يفرغ الحجة من مضمونها، بالإضافة إلى أن التقرير تجاهل تماماً باقى عناصر الخطاب التى أكدت معانى التضامن والمواساة والتأكيد على أن التحقيقات اللازمة سيتم إجراؤها.
فى التقدير، فإن هذا المنحى يعد محاولة غير مفهومة أسبابها من جانب الجريدة لإثارة حفيظة الشعب المكسيكى وتعبئة مشاعر سلبية تجاه خطاب هدفه الأساسى إظهار التعاطف والتضامن مع ضحايا هذا الحادث الأليم وأسرهم. كما يتجاهل تقرير الصحيفة ما تضمنه الخطاب من التأكيد على الالتزام بإجراء تحقيق، والتعبير عن الأمل فى ألا يتسبب مثل هذا الحادث فى التأثير على العلاقات الطيبة بين الشعبين المصرى والمكسيكى، لقد تجاهلت الجريدة كل تلك المعانى الإيجابية، وها هى تفعل اليوم مجدداً ما تمرست على القيام به دائماً، وهو التلاعب بالوقائع بما يتناسب مع رؤيتها للحقيقة.
إن هذا النمط يعكس ما نعتبره تشويهاً متعمداً للأحداث الجارية فى مصر، حيث دأبت على الترويج لرواية سلبية ومغلوطة حول ما حدث على مدار العامين الماضيين. ولا يبدو المقال الذى بين أيدينا استثناء من هذا النهج، حيث تم استغلال الحادث المأساوى الأخير كمدخل خلفى لإعادة طرح المقولة البالية بأن مصر شهدت «انقلاباً» فى عام 2013، أطاح «بالرئيس المنتخب ديمقراطياً». فلا شك أن هذا الادعاء البالى الذى تصر الجريدة على تكراره فى كل مقال رأى أو تقرير يتعلق بمصر من قريب أو بعيد، لا يمكن وصفه إلا بأنه محاولة متعمدة للىّ الحقائق وتضليل الرأى العام، فالأمر لا يتعلق فقط بالتناول غير الدقيق لما شهدته مصر من أحداث بين عامى 2013 و2015، ولكن أكثر ما يثير الانزعاج فيه هو التعتيم على الانتهاكات الجسيمة التى ارتكبها تنظيم الإخوان خلال فترة توليه السلطة.
*****************
التاريخ الأسود لـ«نيويورك تايمز»
إن كل من لديه ذاكرة ليست بقصيرة مثل هيئة تحرير الـ«نيويورك تايمز»، يتذكر جيداً مساعى الإخوان الحثيثة لتحصين القرارات التنفيذية من الرقابة القضائية، ومحاولاتهم المستميتة للاستيلاء على السلطة، وتصادمهم المباشر مع القضاء، وكذلك تجاهلهم الصارخ لأحكام المحكمة الدستورية العليا، ومحاصرتهم لمقرها.
إن مثل هذا الإهدار المتعمد لحكم القانون لا يمكن اعتباره أمراً «ديمقراطياً» بحال من الأحوال، كما يذكر هؤلاء خروج ملايين المصريين إلى الشوارع للاحتجاج على حكم مرسى والمطالبة بعزله فوراً، إن التعمد المتكرر من جانب هيئة تحرير هذه الصحيفة لتشويه الأحداث فى مصر، إنما يعكس تجاهلاً صارخاً لإرادة الشعب المصرى.
ونظراً لتأثير الإعلام على الرأى العام، فإنه يقع على عاتق صحيفة «نيويورك تايمز» وهيئتها التحريرية أن تختار الحرفية على حساب الإثارة، والنزاهة بدلاً من التحيز، ومع الأسف! فليس هذا هو الوضع فى مثل هذا المقال، كما هو الأمر فى الكثير من المقالات السابقة.
ما سبق كله، هو الرد أو التصحيح الذى أرسله المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، باللغة الإنجليزية، إلى هيئة تحرير جريدة «نيويورك تايمز»، رداً على ما نشرته بشأن حادث الواحات.. وأنشر الرد بنصه، إثباتاً وتأكيداً على أن مثل هذه الصحف (ومعها وكالات الأنباء العالمية) مرتبطة أساساً بالدول التى تتبعها ولا تستطيع الخروج على الخط المرسوم لها. وأن عملية تشويهها الأخبار التى تنقلها عن بلدان العالم الثالث تتعدى حدود نشر معلومات كاذبة لتأخذ أشكالاً أخرى منها المغالاة فى التأكيد على أحداث ليس لها أهمية، ووضع الحقائق التى لا ترتبط ببعضها فى قالب واحد وعرضها بشكل يوحى بأنها متصلة وتكون حالة واحدة. والتشويه القائم على خلق حاله مزاجية وعقلية مسبقة نحو الأحداث، عن طريق تقديم الأحداث ذات الأبعاد المعروفة بأسلوب خلق حالة خوف أو شك لا أساس لها من الصحة.
أضف إلى ذلك التشويه من خلال التعتيم أو عدم نشر أى معلومات متصلة بالحدث أو الموقف الذى لا يخدم مصالح الدول التى تنتمى إليها هذه الصحف وتلك الوكالات.
كما أن الأخبار والمعلومات التى تروجها، لا تتلاءم فى واقع الحال مع بلدان العالم الثالث وحاجاته لأنها جمعت ونشرت عن طريق مصادر وأجهزة، إضافة إلى أن المحتكر هو الذى يحدد أى الموضوعات التى تستحق الطرح وأيها يستحق المنع وهم يعلمون أنهم يتحكمون بذلك التدفق إذ يحصلون على المعلومات التى يريدونها وبالشكل الذى يرونه مناسباً وفى الوقت الذى يرغبون فيه!!
وهى أولاً وأخيراً، لا تعمل إلا على خدمة مصالح الدول التى تنتمى إليها، فهى فى تغطيتها الإخبارية لمختلف أحداث العالم، رغم ما تدعيه من موضوعية أو حياد. وهذا ما يجعلها تلجأ إلى تلوين الأخبار طبقاً لمصالحها ومصالح النظم السياسية والاقتصادية التى تتبعها، وما يجعلها أيضاً تمارس التعتيم المتعمد والتحريف وإحلال الأخطاء أو الأكاذيب محل الحقائق الثابتة أو بإضافة تفسير غير حقيقى إلى الخبر أو بصنع الأخبار من حقائق عشوائية وتقديمها كحقيقة متكاملة أو بتجميع الحقائق الجزئية لكى تعطى انطباعاً بأنها الحقيقة الكاملة أو عرض الحقائق بطريقة تثير شكوكاً ومخاوف لا أساس لها من الصحة أو مبالغاً فيها، بهدف التحكم فى رد الفعل.
إن هذا النوع من الإعلام جعل المجتمعات الغربية عمياء لا ترى الحقيقة.
وفى خلال أسبوع واحد، مثلاً، رأينا سامح شكرى وزير الخارجية، يعالج عدداً من الملفات الحساسة، أو شديدة الحساسية.. أبرزها إزالة أى فجوات بين القاهرة والرياض فيما يخص الشأن السورى، واستبعاد الحل العسكرى، الذى لم يعد وارداً هناك، وأصبح للقاهرة والرياض رؤية مشتركة ورواية تكاد تكون واحدة لإخراج سوريا من أزمتها وإنهاء الصراع المحتدم فيها بعد.
وبينما، ظل الإرهاب يتفاقم فى المنطقة بشكل سريع واستمرت آثاره تتضح للجميع، وتزايدت مخاطره التى باتت تهدد كل شعوب المنطقة بشكل بالغ، كان مهماً أن تتوافق كل أطراف المجتمع الدولى على وضع استراتيجية متكاملة وشاملة لمقاومة الإرهاب، وظهر دور مصر المؤثر فى القضاء على هذه الظاهرة، وهو الدور الذى ترجمه أداء الدبلوماسية المصرية ونجح إلى حد كبير فى إيصاله للعالم.
العالم كله، صار يعرف أن مصر تقاوم على أراضيها فى إطار سليم مع مراعاة كل الحقوق، وهى حقوق مواطنة فى المقام الأول، واستطاعت الدبلوماسية المصرية إيضاح حقيقة أن عقيدة الجيش والشرطة، هى عقيدة منتظمة وواضحة، هدفها الأول والأخير هو حماية الشعب المصرى والدفاع عن أمن مصر القومى.. أصبح ذلك معروفاً للعالم كله إلا دولاً بعينها، تغمض أعينها عن عمد،
وكان للتواصل المستمر بين وزير الخارجية المصرى ونظيره الروسى، سيرجى لافروف، دور فعال ومؤثر فى معالجة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتقريب وجهات النظر، بشكل جعلها تبدو متطابقة.
ونأتى، لحدث الأسبوع الماضى الأبرز.. للمباحثات التى جرت مع وزيرة الخارجية المكسيكية، التى كانت إيجابية على كل المستويات.
صحيح أن الظروف التى أتت بها كانت مؤلمة، ومحاطة بضغوط نفسية وسياسية، لكننا تمكنا من معالجة الأمر بأكبر قدر ممكن من الحكمة، وحاولنا قدر الإمكان أن نوفر لها ولوفدها إحاطة كاملة بكل الظروف الخاصة، ولم تتقدم بطلب إلا وكانت الاستجابة له، هى الرد، تقديرا للظروف الصعبة والمسئوليات الملقاة على عاتقها.
وغير ذلك كله، كانت الخارجية المصرية موفقة فى قطع الطريق على كل محاولات الصيد فى الماء العكر التى أرادت بها أطراف بعينها، أن تسىء إلى شعب مصر وحكومتها.
وما من شك فى أن الإعلام، هو السلاح الجديد/القديم، فى يد من يحسن استعماله بشكل متقن، وفى زمن تتقارب فيه المعلومات، أصبح الرافد الإعلامى ومصدر المعلومة وصاحبها والمتحكم فيها هو المحور الأساسى، ومن يدير الأحداث فى مجملها إما ظاهريا أو بشكل خفى والمحصلة هى النفوذ القوى.
ولو رجعنا إلى الخلف قليلاً إلى زمن التحكم الغربى فى الإعلام كله لطرحنا عشرات أو مئات الأمثلة الواضحة على ذلك.
وربما يكون كافياً أن نشير إلى أن قناة مثل «CNN» ضللت الأمريكيين ومعظم متابعيها فى دول العالم المختلفة، سنوات طويلة بتصوريها للوضع فى فلسطين مقلوباً فى مجمله وإيهامهم بأن إسرائيل دولة آمنة وقديمة، بينما فلسطين ليست أكثر من كيان معادٍ ومرتع للمجرمين والقتلة والإرهابيين والمخربين من أصغر طفل إلى أكبر رجل.. ولسنوات طويلة ظلت هذا الأكاذيب تلقى قبولاً لدى ملايين كثيرة فى الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم، الأمر الذى وضع على الصراخ الفلسطينى والعربى نوعاً من كاتم الصوت لافتقارنا الأداء الإعلامى القوى، رغم ما تميزت به سواء بعض البلاد العربية أو البلاد المجاورة المتعاطفة مع القضية العربية من نفوذ إعلامى فى بعض القنوات أو الروافد الإعلامية المكتوبة والمرئية وحتى المسموعة!!
****************
درس الشرفاء لخونة القلم
الأمثلة كثيرة، وتحتاج إلى صفحات وصفحات لسردها وعرضها بشكل مفصل، سواء من حيث الأحداث أو الإحصائيات ومصادر التمويل والدعم وغيرها.. وكلها توضح وتفضح من يمسكون بالخيوط، ويتحكمون فى المعالجات، ولا يضعون نصب أعينهم غير مصالحهم الاقتصادية وتلك هى التى تتحكم فى السياسات، والتى تلعب وسائل الإعلام فى خدمتها.
الأمثلة -كما قلنا- كثيرة ومتعددة، ويكفى أن ننظر فقط إلى ما شهدته الأيام الماضية، لندرك أننا أصبحنا نتعامل بشكل احترافى، يختلف تماماً، عما كنا نتعامل به فى السابق.
ولقد كان المثال الأبرز، هو الصيغة التى ردت بها الخارجية المصرية على أكاذيب وافتراءات جريدة «نيويورك تايمز»، والتى ننقلها لكم بنصها:
«إن المقال المنشور من جانب هيئة تحرير جريدة (نيويورك تايمز) يوم 16 سبتمبر حول الحادث الذى تعرضت له قافلة سياحية فى مصر يعد مضللاً وغير صادق، وكما هى العادة فى معظم ما تنشره الجريدة مؤخراً، فقد استبقت هيئة التحرير نتيجة التحقيقات الرسمية الجارية فى الحادث، بالإشارة إلى أن (هناك حاجة لوجود محاسبة كاملة، وهو مع الأسف أمر لا يتوقع حدوثه فى ظل حكومة السيسى القمعية والمنغلقة).
إن هيئة التحرير تعمدت تجاهل أن مصر بدأت بالفعل فى عملية تحقيق محايدة وذات مصداقية على أعلى المستويات منذ ثلاثة أيام، ولاتزال عملية التحقيق مستمرة، ولكن هذا الأمر لا يحمل لنا أى مفاجأة، فقد تعودنا التغطية المتحيزة وغير الموضوعية من جانب هذه الصحيفة. فإن التغطية الصحفية المسئولة والمهنية تقتضى أن يلتزم الإعلام بنقل الحقيقة، بدلاً من نشر الأحكام والاتهامات التى لا أساس لها من الصحة، والتى لا تستند إلى أى دليل.
ويزيد من وطأة الأمر أن الجريدة نشرت تقريراً آخر حول نفس الموضوع، تم إعداده بنفس القدر من الانتقائية، حيث اختزل متعمداً شقاً مهماً من الخطاب الذى وجهه وزير خارجية مصر إلى الشعب المكسيكى، متناولاً تعليق وزير الخارجية على قواعد الاشتباك التى يلتزم بها مسئولو إنفاذ القانون فى مصر.
اقتبس التقرير من مقولة وزير خارجية مصر قوله: «إنه ليزعجنى بشدة استغلال هذا الحادث ليزعم أحد أن مسئولى إنفاذ القانون فى مصر ليست لديهم قواعد صارمة للاشتباك، وأنهم يتصرفون بشكل عشوائى، ولا يتخذون الاحتياطات اللازمة خلال العمليات التى يقومون بتنفيذها»، حذف تقرير «نيويورك تايمز» بشكل نهائى باقى عبارة وزير الخارجية، التى أكد فيها أن «مسئولى إنفاذ القانون فى مصر يتصرفون وفقاً لقواعد أخلاقية وقانونية صارمة، تستهدف الحيلولة دون إصابة المدنيين»، فلا شك أن ذلك الحذف يفرغ الحجة من مضمونها، بالإضافة إلى أن التقرير تجاهل تماماً باقى عناصر الخطاب التى أكدت معانى التضامن والمواساة والتأكيد على أن التحقيقات اللازمة سيتم إجراؤها.
فى التقدير، فإن هذا المنحى يعد محاولة غير مفهومة أسبابها من جانب الجريدة لإثارة حفيظة الشعب المكسيكى وتعبئة مشاعر سلبية تجاه خطاب هدفه الأساسى إظهار التعاطف والتضامن مع ضحايا هذا الحادث الأليم وأسرهم. كما يتجاهل تقرير الصحيفة ما تضمنه الخطاب من التأكيد على الالتزام بإجراء تحقيق، والتعبير عن الأمل فى ألا يتسبب مثل هذا الحادث فى التأثير على العلاقات الطيبة بين الشعبين المصرى والمكسيكى، لقد تجاهلت الجريدة كل تلك المعانى الإيجابية، وها هى تفعل اليوم مجدداً ما تمرست على القيام به دائماً، وهو التلاعب بالوقائع بما يتناسب مع رؤيتها للحقيقة.
إن هذا النمط يعكس ما نعتبره تشويهاً متعمداً للأحداث الجارية فى مصر، حيث دأبت على الترويج لرواية سلبية ومغلوطة حول ما حدث على مدار العامين الماضيين. ولا يبدو المقال الذى بين أيدينا استثناء من هذا النهج، حيث تم استغلال الحادث المأساوى الأخير كمدخل خلفى لإعادة طرح المقولة البالية بأن مصر شهدت «انقلاباً» فى عام 2013، أطاح «بالرئيس المنتخب ديمقراطياً». فلا شك أن هذا الادعاء البالى الذى تصر الجريدة على تكراره فى كل مقال رأى أو تقرير يتعلق بمصر من قريب أو بعيد، لا يمكن وصفه إلا بأنه محاولة متعمدة للىّ الحقائق وتضليل الرأى العام، فالأمر لا يتعلق فقط بالتناول غير الدقيق لما شهدته مصر من أحداث بين عامى 2013 و2015، ولكن أكثر ما يثير الانزعاج فيه هو التعتيم على الانتهاكات الجسيمة التى ارتكبها تنظيم الإخوان خلال فترة توليه السلطة.
*****************
التاريخ الأسود لـ«نيويورك تايمز»
إن كل من لديه ذاكرة ليست بقصيرة مثل هيئة تحرير الـ«نيويورك تايمز»، يتذكر جيداً مساعى الإخوان الحثيثة لتحصين القرارات التنفيذية من الرقابة القضائية، ومحاولاتهم المستميتة للاستيلاء على السلطة، وتصادمهم المباشر مع القضاء، وكذلك تجاهلهم الصارخ لأحكام المحكمة الدستورية العليا، ومحاصرتهم لمقرها.
إن مثل هذا الإهدار المتعمد لحكم القانون لا يمكن اعتباره أمراً «ديمقراطياً» بحال من الأحوال، كما يذكر هؤلاء خروج ملايين المصريين إلى الشوارع للاحتجاج على حكم مرسى والمطالبة بعزله فوراً، إن التعمد المتكرر من جانب هيئة تحرير هذه الصحيفة لتشويه الأحداث فى مصر، إنما يعكس تجاهلاً صارخاً لإرادة الشعب المصرى.
ونظراً لتأثير الإعلام على الرأى العام، فإنه يقع على عاتق صحيفة «نيويورك تايمز» وهيئتها التحريرية أن تختار الحرفية على حساب الإثارة، والنزاهة بدلاً من التحيز، ومع الأسف! فليس هذا هو الوضع فى مثل هذا المقال، كما هو الأمر فى الكثير من المقالات السابقة.
ما سبق كله، هو الرد أو التصحيح الذى أرسله المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، باللغة الإنجليزية، إلى هيئة تحرير جريدة «نيويورك تايمز»، رداً على ما نشرته بشأن حادث الواحات.. وأنشر الرد بنصه، إثباتاً وتأكيداً على أن مثل هذه الصحف (ومعها وكالات الأنباء العالمية) مرتبطة أساساً بالدول التى تتبعها ولا تستطيع الخروج على الخط المرسوم لها. وأن عملية تشويهها الأخبار التى تنقلها عن بلدان العالم الثالث تتعدى حدود نشر معلومات كاذبة لتأخذ أشكالاً أخرى منها المغالاة فى التأكيد على أحداث ليس لها أهمية، ووضع الحقائق التى لا ترتبط ببعضها فى قالب واحد وعرضها بشكل يوحى بأنها متصلة وتكون حالة واحدة. والتشويه القائم على خلق حاله مزاجية وعقلية مسبقة نحو الأحداث، عن طريق تقديم الأحداث ذات الأبعاد المعروفة بأسلوب خلق حالة خوف أو شك لا أساس لها من الصحة.
أضف إلى ذلك التشويه من خلال التعتيم أو عدم نشر أى معلومات متصلة بالحدث أو الموقف الذى لا يخدم مصالح الدول التى تنتمى إليها هذه الصحف وتلك الوكالات.
كما أن الأخبار والمعلومات التى تروجها، لا تتلاءم فى واقع الحال مع بلدان العالم الثالث وحاجاته لأنها جمعت ونشرت عن طريق مصادر وأجهزة، إضافة إلى أن المحتكر هو الذى يحدد أى الموضوعات التى تستحق الطرح وأيها يستحق المنع وهم يعلمون أنهم يتحكمون بذلك التدفق إذ يحصلون على المعلومات التى يريدونها وبالشكل الذى يرونه مناسباً وفى الوقت الذى يرغبون فيه!!
وهى أولاً وأخيراً، لا تعمل إلا على خدمة مصالح الدول التى تنتمى إليها، فهى فى تغطيتها الإخبارية لمختلف أحداث العالم، رغم ما تدعيه من موضوعية أو حياد. وهذا ما يجعلها تلجأ إلى تلوين الأخبار طبقاً لمصالحها ومصالح النظم السياسية والاقتصادية التى تتبعها، وما يجعلها أيضاً تمارس التعتيم المتعمد والتحريف وإحلال الأخطاء أو الأكاذيب محل الحقائق الثابتة أو بإضافة تفسير غير حقيقى إلى الخبر أو بصنع الأخبار من حقائق عشوائية وتقديمها كحقيقة متكاملة أو بتجميع الحقائق الجزئية لكى تعطى انطباعاً بأنها الحقيقة الكاملة أو عرض الحقائق بطريقة تثير شكوكاً ومخاوف لا أساس لها من الصحة أو مبالغاً فيها، بهدف التحكم فى رد الفعل.
إن هذا النوع من الإعلام جعل المجتمعات الغربية عمياء لا ترى الحقيقة.